موسوعة الفقه المصرية

مجموعة من المؤلفين

التعريف بالفقه الإسلامى

معنى الفقه معنى الفقه لغة: قال فى الصحاح: الفقه الفهم. قال أعرابى لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه فقه الرحل بالكسر، وفلان لا يفقه ولا ينقه (أى يفهم) . وفى القاموس المحيط: الفقه بالكسر العلم بالشىء والفهم لة. وفى المصباح المنير الفقه فهم الشىء. قال ابن فارس: وكل علم لشىء فهو فقه. فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفى، قولا كان أو غير قول، ومن ذلك قول الكتاب الكريم: {ما نفقه كثيرا مما تقول} (1) {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} (2) . {انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون} (3) . غير أن القرافى قال فى شرح تنقيح الفصول: وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى: الفقه فى اللغة إدراك الأشياء الخفية. فلذلك تقول: فقهت كلامك ولا تقول فقهت السماء والأرض 0 وعلى هذا النقل لا يكون لفظ الفقه مرادفا لهذه الألفاظ، والألفاظ التى يشير إليها القرافى هى: الفهم والعلم والشعر والطب. ولفظ الفقه من المصادر التى تؤدى معناها، وكثيرا ما يراد منها متعلق معناها كالعلم بمعنى المعلوم، والعدل بمعنى العادل. معنى الفقه فى الصدر الأول: وقد غلب فى الصدر الأول استعمال الفقه فى فهم أحكام الدين جميعها، أى فهم كل ما شرع الله لعباده من الأحكام، سواء أكانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها، أم كانت أحكام الفروض والحدود والأوامر والنواهى والتخيير والوضع، فكان اسم الفقه فى هذا العهد متناولا لهذين النوعين على السواء، لم يختص به واحد منهما دون الأخر، وكان مرادفا إذ ذاك لكلمات " شريعة، وشرعة، وشرع، ودين " التى كان يفهم من كل منها النوعان جميعا. وكما كان اسم الفقه يطلق على فهم جميع هذه الأحكام، كان يطلق على الأحكام نفسها، ومن ذلك قولة عليه الصلاة والسلام: "رب حامل فقه غير فقيه " " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". وهذا الاستعمال الجامع قد استمر أمدا ليس بالقصير، يرشدنا إلى هذا ما نقل عن الإمام أبى حنيفة: من أن الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها، وما هذه المعرفة إلا معرفة أحكام الله بنوعيها، كما أنة سمى كتابة فى العقائد " الفقه الأكبر ". ثم تغير هذا الاستعمال ودخل التخصيص على اسم الفقه، ونشأ اصطلاح للأصوليين وآخر للفقهاء. معنى الفقه عند الأصوليين: يحسن بنا أن نشير أولا إلى أن ما نزل به الوحى الإلهى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كتابا كان أو سنة، من الأحكام العملية، قد يكون دليله قطعى الثبوت وقطعى الدلالة معا، وهو ما تعورف إطلاق النص علية، وهذا النوع لا مجال فيه للاجتهاد، وإن كان محلا للنظر، فمنه ما يكون ضروريا وشعيرة إسلامية كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومنة ما هو نظرى ومثل النص فى كل هذا الإجماع إذا كان ثابتا ثبوتا قطعيا. وقد يكون الدليل قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت قطعى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت والدلالة. وهذه الأنواع الثلاثة هى محل الاجتهاد وتسمى أحكامها أحكاما ظنية وأحكاما اجتهادية، فقولة تعالى: {وامسحوا برءوسكم} (4) قطعى الثبوت وقطعى الدلالة على وجوب أصل المسح، فهو حكم قطعى، لكن دلالته على مقدار ما يمسح من الرأس، أهو الكل أو الربع أو البعض، دلالة ظنية، فالأخذ بأى مقدار يكون حكما ظنيا اجتهاديا. بعد هذا نقول: إن الأصوليين قد اتجهت عنايتهم إلى بيان- مفهوم الفقه فى اصطلاحهم بالمعنى الوصفى، أى الحال التى إذا وجد عليها المرء سمى فقيها 0 ولم يعرضوا لمعناه الاسمى، أى المسائل والأحكام التى يطلق عليها اسم الفقه، وإن كان من الممكن أن يقال: إن الأحكام التى تسمى معرفتها فقها هى التى يمكن أن تسمى فقها بالمعنى الاسمى، والأحكام التى لا تسمى معرفتها فقها لا تسمى فقها بذلك المعنى. غير أن المسألة مسألة اصطلاح ونقل له- لا مسألة استخراج وتفهم واستنباط لوازم. وقد أفاض الأصوليون، وبخاصة المتأخرين منهم، فى بيان معنى الفقه الوصفى فى مصطلحهم، وكانت لهم فى ذلك تعريفات واعتراضات ومناقشات وكلام طويل خلاصته أن لهم فى ذلك ثلاث طرائق. فالطريقة التى جرى عليها جمهورهم هى أن الفقه معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد كما قال الشيرازى فى اللمع 0 وهو بعينة ما عرّف به غيره الفقه: من أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال كما قال بعضهم أو من طريق أدلتها التفصيلية كما قال البعض الآخر، فالعلم بالذوات من أجسام وصفات وسواها ليس فقها لأنه ليس علم أحكام. والعلم بالأحكام العقلية والحسية والوضعية كأحكام الحساب والهندسة والموسيقى والنحو والصرف لا يسمى فقها لأنه علم أحكام ليست بشرعية. وعلم أحكام أصول الدين وأصول الفقه ليس فقها، لأنها أحكام شرعية علمية وليست عملية. وبقيد الاستدلال خرج عن أن يكون فقها علم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم المقلد بالأحكام الشرعية العملية، لأنه علم ليس عن استدلال، وكذلك العلم بشعائر الإسلام كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة. من غير استدلال، فهذا لا يسمى فقها لحصوله للعوام والنساء والأطفال المميزين، فالفقه هو العلم الاجتهادى والفقيه هو المجتهد. والطريقة الثانية: هى ما انتزعه صدر الشريعة مما جاء بأصول البزدوى مع شىء من التصرف. فقد اختار فى التنقيح تعريف الفقه: بأنه العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التى قد ظهر نزول الوحى بها والتى انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها، فلكى يتحقق معنى الفقه عنده، يجب العلم بالأحكام الشرعية العملية المعروفة أخذا من أدلتها، قطعية كانت أو ظنية، وليس الاستدلال بمعنى الاجتهاد شرطا لحصول هذا العلم، ويجب أيضا أن تكون مع هذا ملكة الاستنباط الصحيح من الأحكام الشرعية التى نزل بها الوحى،. أو انعقد عليها الإجماع. فالفقيه على هذا من كان أهلا للاجتهاد وإن لم يقع منه اجتهاد. والطريقة الثالثة: هى التى جرى عليها الكمال بن الهمام فى التحرير ولا تعرف لغيره، وهى لا تختلف عن الطريقة السابقة إلا فى بعض أمور أهمها ما يرجع إلى المراد من الأحكام الشرعية، فقد ذهب إلى أنها القطعية لا الظنية، وأن الظن ليس من الفقه، وأن الأحكام المظنونة ليست مما يسمى العلم بها فقها. فالفرق بين الطرائق الثلاث يرجع إلى المراد من الأحكام. فمنهم من أراد منها الظنية وحدها، ومنهم من أراد القطعية وحدها، ومنهم من جعلها شاملة للقطعية والظنية، وقد نقل ابن عابدين فى رد المحتار عن شرح التحرير، أن التعميم قد نص غير واحد من المتأخرين على أنه الحق وعليه عمل السلف والخلف. ودعوى هذا الشارح فى جريان العمل عليه دعوى جريئة لا يصدقها الواقع. معنى الفقه فى اصطلاح الفقهاء: واسم الفقه قد استعمل فى اصطلاح الفقهاء للدلالة على أحد معنيين، أحدهما: حفظ طائفة من مسائل الأحكام الشرعية العملية الواردة بالكتاب والسنة وما استنبط منها، سواء حفظت مع أدلتها أم حفظت مجردة عن هذه الدلائل. فاسم الفقيه عندهم ليس خاصا بالمجتهد كما هو اصطلاح الأصوليين، بل يتناول المجتهد المطلق، والمجتهد المنتسب، ومجتهد المذهب، ومن هو من أهل التخريج وأصحاب الوجوه، ومن كان من أهل الترجيح، ومن كان من عامة المشتغلين بهذه المسائل. وتكلموا فى المقدار الأدنى من هذه المسائل الذى يسمى حفظه فقها وانتهى تحقيقهم إلى أن هذا متروك للعرف، غير أنهم لا يصفون بفقه النفس إلا من كان واسع الاطلاع، قوى الفهم والإدراك، متين الحجة، بعيد الغور فى التحقيق والغوص على المعانى، ذا ذوق فقهى سليم نقى، وإن كان مقلدا، كما اعتادوا أن يصفوا بذلك الكمال بن الهمام وأضرابه من الفقهاء المقلدين. والمعنى الثانى الذى يطلق عليه اسم الفقه: مجموعة هذه الأحكام والمسائل. فإذا ذكرت دراسة الفقه أو فهم الفقه، أو ما ورد فى الفقه، أو التأليف فى الفقه، أو كتب الفقه أو ما هو من هذا القبيل، فإنهم لا يعنون إلا هذه المجموعة التى تحتوى على الأحكام الشرعية العملية التى نزل بها الوحى، قطعية كانت أو ظنية، وعلى ما استنبطه المجتهدون على اختلاف طبقاتهم، وعلى ما اهتدى إليه أهل التخريج والوجوه، وعلى ما ظهرت روايته واشتهرت وما لم يكن كذلك، وعلى الأقوال الصحيحة والأقوال الراجحة والأقوال غير الصحيحة والمرجوحة والضعيفة والشاذة، وعلى ما أفتى به أهل الفتوى فى الواقعات والنوازل، وإن لم يقم على استنباط ولم يكن إلا تطبيقا للأحكام المقررة، وعلى بعض ما احتيج إليه من مسائل العلوم الأخرى كبعض أبواب الحساب التى ألحقت بالوصايا والمواريث، وعلى ما رآه متأخروا الفقهاء الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولا التخريج من طريق ما سموه تفقها، أو استظهارا أو أخذا، أو أشبه ذلك، فقل هذا الذى ذكرنا قد اندمج بعضه ببعض وسار فقها. ولكل مذهب من المذاهب الفقهية مجموعته الخاصة التى تنسب إليه، فيقال فقه مذهب أبى حنيفة، وفقه مذهب مالك وفقه مذهب الإمامية، وفقه الزيدية، وفقه الأباضية، وهكذا. ومنذ الأزمنة البعيدة وجدت مجموعة عامة شاملة لفقه المذاهب الفقهية كلها أو أشهرها، وهى التى اختصت باسم اختلاف الفقهاء، والمجموعات الخاصة والمجموعات العامة كلاهما يتناوله اسم الفقه. والفقه بهذين المعنيين يطلق عليه أيضا علم الفروع، أو الفروع، أما فى مقابلة العقائد وأصول الدين، لأن التصديق بالأحكام العملية فرع للتصديق بالعقائد، وأما فى مقابلة أصول الفقه لتفرع تلك الأحكام عن أصولها وأدلتها التى هى موضوع أصول الفقه. وقد يطلق الفقهاء اسم الفروع أيضا على بعض المسائل المتفرعة على أصول المسائل الفقهية الكلية.

_ (1) الآية: 91 سورة هود. (2) الآية: 44سورة الإسراء. (3) الآية: 65 سورة الأنعام. (4) الآية:6 سورة المائدة.

الشريعة والفقه

الشريعة والفقه الشريعة والشرعة معناها فى اللغة: مورد الناس للاستقاء، سمى بذلك لوضوحه وظهوره، وتجمع الشريعة على شرائع والشرع مصدر شرع بمعنى وضح وأظهر. وقد غلب استعمال هذه الألفاظ فى الدين وجميع أحكامه (شرع لكم الدين ما وصى به (نوحا والذى أوحينا إليك ((5) (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ((6) (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ((7) . فالشرع أو الشريعة أو الشرعة، هو ما نزل به الوحى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من الأحكام فى الكتاب والسنة، مما يتعلق بالعقائد والوجدانيات وأفعال المكلفين قطعيا كان أو ظنيا، ومعناه يساوى معنى الفقه فى الصدر الأول. ولا نعرف أنه قد طرأ عليه تخصيص، اللهم إلا ما قد يشعر به استعمال بعض الفقهاء أحيانا لكلمة " شرائع الأحكام " ولا يريدون منها إلا الأحكام التكليفية والوضعية، ولكن هذا لا يرقى إلى مرتبة التخصيص والاصطلاح. أما الأحكام التى لم ترد لا فى الكتاب ولا فى السنة نطقا ولا عملا، وكانت مما استنبطه المجتهدون من معانى تلك الأحكام، ولم يجمع عليها من أهل الإجماع، فليست إلا أفهاما وآراء لأربابها، ولا تسمى فى الحقيقة شرعا ولا شريعة. وما نسبت إلى الشرع وسميت أحكاما شرعية فى تعريف الفقه وفى غيره من المواطن إلا لأنها مستنبطة من الشرع، لا لأنها منه. فإذا وازنا بين مفهوم الشرع أو الشريعة، ومفهوم الفقه بالمعنى الاسمى فى اصطلاح الفقهاء، وجدنا أن بينهما العموم والخصوص الوجهى، يجتمعان فى الأحكام التى وردت بالكتاب والسنة، وينفرد الشرع أو الشريعة فى أحكام العقائد وما إليها مما ليس فقها، وينفرد الفقه فى الأحكام الاجتهادية وما يلتحق بها. وقد ظهر فى عصرنا إطلاق اسم الشريعة الإسلامية على الفقه وما يتصل به. وربما كان بدء ظهور هذا فى مدرسة الحقوق بالقاهرة، ثم كثر استعماله، حتى إنه لا يفهم الآن من الشريعة الإسلامية عند الإطلاق إلا هذا المعنى، وعلى هذا الأساس سميت الكليات التى خصصت فى بعض البلاد الإسلامية لدراسة الفقه، وما يتصل به، كلية الشريعة الإسلامية. وقد فشا أخيرا فى القضاء استعمال عبارة " المنصوص عليه شرعا كذا "، وقد يكون ما ينقل ليس إلا رأيا لأحد المؤلفين فى الفقه. على أن الأمر ليس ذا شأن كبير ما دامت المسألة مسألة اصطلاح، فقديما قالوا: أنه لا مشاحة فى الاصطلاح. ما ليس فقها: والأفهام والآراء التى يتوصل إليها من طريق النظر فى الأحكام الشرعية لا تسمى فقها، إلا إذا وقعت موقعها وصدرت عمن هو أهل لها، وإلا كانت مهدرة ليس لأحد أن يعول عليها، ولا أن يد خلها فى باب اختلاف الفقهاء ويعتبرها فقها. ومن القضايا المشهورة المسلمة، كان الاجتهاد فى مقابلة النص لا يقبل. وقال الفقهاء: إن الاجتهاد إذا كان مخالفا للكتاب أو السنة أو الإجماع، أو كان قولا بلا دليل لا يكون معتبرا، ويكون خلافا، ولا يكون من قبيل اختلاف الفقهاء، وإذا قضى به القاضى وقع قضاؤه باطلا. وواضح أنهم لا يعنون من مخالفة الكتاب والسنة، إلا مخالفة نصهما، أى ما هو قطعى الثبوت والدلالة منهما. ومخالفة الكتاب الكريم تكون برد نصه القاطع فى دلالته، كالقول بحل الربا فى بعض صوره، لأنه مخالف لقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (8) كما يكون بحمل النص على ما لا سبيل إلى حمله عليه، لا من دلالة اللغة ولا من سواها. كالقول بأن للمسلم أن يجمع بين تسع زوجات، بحمل قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} (9) على معنى اثنين وثلاث وأربع، فتكون الجملة تسعا، وهو حمل لا تسيغه لغة، ولا يقره فهم سليم. ومن مخالفة السنة المشهورة القاطعة فى دلالتها، القول بحل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول إذا تزوجها آخر بعقد صحيح ولم يدخل بها ثم طلقها، لأنه رد لحديث العسيلة المعروف الذى اشترط للحل الدخول والإصابة، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-، فيما رواه ابن عمر، قال. سئل نبى الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها آخر فيغلق الباب، ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل كان يدخل بها. هل تحل للأول؟ قال: " لا، حتى يذوق العسيلة". ومن مخالفة الإجماع القول بأن للقاضى أن ينقض الحكم الذى صدر فى مسألة اجتهادية بناء على اجتهاد معتبر إذا رفع إليه هذا الحكم وكان لا يرى الرأى الذى انبنى عليه. ومن القول بلا دليل، القول بسقوط الحق بالتقادم، فإنه قول لا دليل عليه من أى نوع من أنواع الأدلة. والقول بلا دليل هو القول يكون لمجرد استحسان العقل من غير استناد إلى دليل من الأدلة المعتبرة، وهذا هو القول بالتشهى والهوى وهو الرأى المذموم الذى فاض العلماء فى رده، وفرقوا بينه وبين الرأى المحمود. أما الأقوال الضعيفة المنقولة فى المذاهب الفقهية، فإن كان ضعفها ناشئا عما يدخلها فى الأنواع السابقة، فهى من الخلاف وليست من قبيل الاختلاف. أما إذا كان القول بضعفها ناشئا عن الموازنة بين دليلها ودليل ما يخالفها من ناحية القوة والضعف، فلا سبيل إلى إخراجها من دائرة اختلاف الفقهاء، وما مثلها إلا مثل مذاهب الأئمة المجتهدين، فان كل إمام يرى أن مذهبه أقوى دليلا من مذهب مخالفة، ويرى كل منهم أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفه خطأ يحتمل الصواب. وهذا هو الشأن فى الأقوال المختلفة فى المذهب الواحد. والحكم فى كل ما ذكرت هو الرأى العام الفقهى. فهو الذى يعتمد عليه فى معرفة ما إذا كان الرأى من باب الخلاف أو من باب اختلاف الفقهاء. وسيان أن يكون هذا الرأى العام رأى الكل أورأى الأكثرين وجمهور من يعتد بهم. فلا وزن لما ذهب إليه بعض الأقلين الذين انحرفوا وأسرفوا فى تطبيق قاعدة الخلاف، ورموا أعلاما يهتدى بهم بالضلال ومخالفة الكتاب الكريم ورد السنة الصحيحة والخروج على الإجماع وقالوا فى بعض أقوالهم إنها خلاف وليست من الدين فى شىء. أما أصحاب النظر وأهل الرأى الذى يعتد به فهم الأئمة المجتهدون، والمجتهدون المنتسبون، وهم الذين تلقوا فقههم عن إمام معين، وتأثروا بطريقته فى الاجتهاد إلى حد كبير، فإن له أثرا واضحا فى اجتهادهم ولكنهم يخالفون أستاذهم فى الأصول وفى الفروع. والمجتهدون فى المسائل، وهم فقهاء أظهر أحوالهم أنهم مقلدون لإمام معين لا يخالفونه فى أصول ولا فى فروع، ولكنهم يجتهدون فى المسائل التي لا رواية فيها. وأهل الوجوه والتخريج وهم فقهاء مقلدون لا اجتهاد لهم وكل عملهم هو تفصيل ما روى مجملا وتكميل ما روى محتملا، ثم يأتى بعد ذلك أهل التفقه والاستظهار والأخذ الذين برزوا فى صفوف أواخر المتأخرين ودونت آراؤهم فى المذاهب وتنوقلت ولا سبيل إلى استبعادها بل ربما كان الحرص عليها أشد من سواها. أما من لم يكن من أهل الاجتهاد بأنواعه، ولا من أهل الوجوه والتخريج ومن بعدهم فإنه لا يعتد برأيه ولا يعتبر ما ذهب إليه فقها، لأنه صادر عمن ليس أهلا له. ويكون رده أولى إذا كان مخالفا لرأى الإمام الذى يقلده. ولذا ترى الحنفية يقولون- فى بعض ما يعترض به الكمال بن الهمام ويقرر خلال ذلك ما يراه، أن الاعتراض وارد والفقه مسلم، فإذن لا سبيل إلى جعل هذا الرأى من مذهب الحنفية، لمخالفته له، ولا سبيل إلى الأخذ به تقليدا لصاحبه، لأنه هو نفسه مقلد وليس ممن يقلدون، فلا يعتبر ما ذهب إليه فقها بأى حال. وإذا كان عمل الفقيه أو المتفقه الذى ليس من الطوائف التى ذكرت هو الترجيح بين الأقوال المختلفة، أو تصحيح الروايات وتحرير الأقوال، فليس هذا مما نحن فيه هنا. والحكم فى كل ما أوردناه فى هذه الناحية هو الرأى العام الفقهى على النحو الذى ذكر فى المسألة السابقة، فلا وزن لقول من قال تصريحا أو تلويحا: إن الإمام أحمد بن حنبل ليس فقيها، وإنما هو محدث، ولا لقول من قال: إن داود بن على الأصفهانى، رأس الظاهرية، ليس من المجتهدين، فقد حكم لهما الرأى العام الفقهى أقوى الأحكام فى مختلف العصور. أما آراء المشتغلين بالفقه المعاصرين التى تخالف المعروف فى الفقه، أو التى لا رواية فيها، أو التى ترجح مذهبا على آخر، فإن الرأى العام الفقهى لم يصدر حكمه فيها، أما تحريرهم للمنقول وتحقيقه فالحكم فيه ما يكون عليه.

_ (5) الآية: 13 سورة الشورى. (6) الآية: 48 سورة المائدة. (7) الآية: 18 سورة الجاثية. (8) الآية: 275 سورة البقرة. (9) الآية: 2 سورة النساء.

المصادر الفقهية

المصادر الفقهية لا حاكم سوى الله سبحانه، ولا حكم إلا ما حكم به، ولا شرع إلا ما شرعه. على هذا اتفق المسلمون، وقال به جميعهم حتى المعتزلة (أهل العدل) الذين يقولون: إن فى الأفعال حسنا وقبحا يستقل العقل بإدراكهما ’ وأن على الله أن يأمر وينهى على وفق ما فى الأفعال من حسن وقبح، فالحاكم عند الجميع هو الله سبحانه، والحكم حكمه. وهو الشارع لا غيره، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق عليه اسم الشارع فى بعض عبارات العلماء، فما كان ذلك إلا تجوزا مراعاة لأنه المبلغ عنه. وإذا كان الشاطبى فى بعض المواطن قد سمى عمل المجتهد تشريعا فما كان ذلك منه إلا تساهلا أساغه أن عمل المجتهد كاشف عن التشريع ومظهر له، فالسلطة التشريعية هى الله وحده. والشريعة، أو الشرعة، أو الشرع، فيما يختص بالعمليات، هى حكم الله تعالى، وهو أثر خطابه جل شأنه المتعلق بأفعال العباد اقتضاء أو تخييرا أو وضعا. والله جلت حكمته لم يفوض إلى أحد من عباده، لا إلى رسول ولا نبى ولا إمام ولا ولى ولا إلى غيرهم، أن يشرع للناس من الأحكام ما يريد وأن يحكم بينهم بما يراه هو من عند نفسه وكيف اتفق، وقد نقل القول بالتفويض أو العصمة عن بعض الناس، فمن العلماء من أبقاه على ظاهره وأقام الحجة البالغة على بطلانه، ومنهم من تأوله وحمله على إرادة النظر والاجتهاد. والإحالة (بمعنى الإسناد فى لغة القانونيين) إلى شريعة أو أحكام أخرى تحل محل حكام الشريعة الإسلامية أحيانا أو تكمل أحكامها، أمر يحتاج إلى شىء من البيان. فغير المسلمين الكتابيون إذا كانوا من أهل دار الإسلام، اتفق الجميع على أنهم لا يتعرض لهم فى عباداتهم والقيام بشعائر دينهم، أما فيما عدا ذلك فالجمهور على أنهم خاضعون للشريعة الإسلامية فيتعرض لهم إذا خالفوا أحكامها ويقضى بينهم بتلك الأحكام متى كان القضاء بينهم حقا لنا- وهى مسألة اختلافية- وذهب الإمام أبو حنيفة نفسه: إلى أنه لا يتعرض لهم فى معاملاتهم التى لا يتعدى ضررها إلى المسلمين ويقضى بينهم فى ذلك بأحكام دينهم. أما فيما يتعدى ضرره إلى المسلمين، فإنهم خاضعون لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا مجمل مذهبه بوجه عام. وذهب صاحباه إلى عدم التعرض لهم فى ذلك، ولكن يقضى بينهم بأحكام الشريعة الإسلامية. ومن هذا الموجز يعرف من يقول بالإحالة ومدى قوله بها. أما العرف فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، فالعرف إنما يلجأ إليه فى معرفة ما يريده المتكلم من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفى معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وكفى الوقوف على الشروط التى يصحح العرف اشتراطها فى العقود. هذا هو كل ما يلجأ فيه إلى العرف، ولا يلجأ إليه فى معرفة حكم تشريعى ليطبق، وإنما يلجأ إليه فى تكييف الواقعات والنوازل ليطبق عليها الحكم المعروف فى الشريعة، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا حكم فقهى لم يكن مبنيا على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهى إذا كان مبنيا على عرف ثم تغير إلى عرف آخر. فاعتبار العرف فى الشريعة الإسلامية ليس من باب. الإحالة التشريعية، كما أنه ليس من الأدلة الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية. أما شرائع من قبلنا، فالكل متفقون على أن ما لم يروه الشارع لنا لا يكون شريعة لنا، وأن ما رواه لنا وأمرنا باتباعه كان من أحكام شريعتنا، واختلفوا فيما رواه لنا ولم يأمرنا باتباعه، فذهبت طائفة: إلى أن مجرد الرواية يعتبر كالأمر فيكون من شريعتنا، وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يكون شريعة لنا. فمسألة شرائع من قبلنا أبعد ما تكون عن موضوع الإحالة وعن أن تكون دليلا إجماليا ومصدرا فقهيا. والمعتزلة قد ذهبوا: إلى أن العقل يستقل بادراك ما فى الأفعال من حسن وقبح، وبالتالى يستقل بادراك حكم الله الملائم لذلك وإن لم يأت به شرع ولم ينزل به الوحى. فالمصدر الأصلى عندهم للوقوف على حكم الله هو العقل. أما جمهور المسلمين فعلى أنه لا حكم للعقل وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون ذلك إلا من طريق الوحى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (الكتاب والسنة) الذى أمر بتبليغه إلى الناس فبلغه. فالطريق الوحيد إلى ذلك هو تبليغ الرسول - عليه الصلاة والسلام،- فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة وأشباهها، فكل هذا لا يكون طريقا لمعرفة حكم الله، لأنه ليس وحيا. والتبليغ إنما يكون من الرسول - عليه الصلاة والسلام- فى يقظة المبلغ إليه، فلا عبرة بتبليغ الأحلام. 1- المصادر عند الجمهور: ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء إلى أن مصادر الفقه أى أدلته الإجمالية هى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقالوا أن المصدر الحقيقى هو الوحى كتابا كان أو سنة، أما الإجماع والقياس فمردهما إليه، وما ذكرا استقلالا إلا لكثرة بحوثهما، وذلك لأن المجمعين لا يضعون أحكاما من عند أنفسهم، ولا يجمعون عن الهوى والتشهى، ولا يكون إجماعهم إلا مستندا لأحد هذين المصدرين. وكل من الكتاب والسنة قد أديت معانيه بلغة العرب الفصحى، ويخضع فى إفادته لهذه المعانى لأنواع الدلالات اللغوية ومنها دلالة اللفظ بمنطوقه، ومنها دلالة معنى اللفظ ومناط الحكم الذى شرع باللفظ المنطوق، وهذه الدلالة هى القياس. فكل من الإجماع والقياس راجع إلى الكتاب والسنة. القرآن: والقرآن هو كتاب الله تعالى الذى أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- بلفظة ومعناه، المكتوب فى المصاحف، المنقول عنه - عليه الصلاة والسلام - نقلا متواترا، فغير المتواتر لا يسمى قرآنا. فالقرآن جميعه قطعى الثبوت. والكتاب الكريم لا كلام لأحد فى حجيته ولا فى أنه أول المصادر الفقهية. وإنما اختلفوا فى مسائل كثيرة تتعلق بالنسخ والعموم والخصوص ومقتضى الأمر والنهى وغير ذلك مما يرجع إلى طرق استفادة الأحكام منه. السنة النبوية: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا أو عملا أو تقريرا- هى الأصل الثانى من الأدلة الإجمالية والمصادر الفقهية، ولم يتكلم فى ذلك ولم يشكك فيه إلا أهل البدع والأهواء الذين طار بعض المستشرقين فرحا بما ظفروا به من أقوالهم، وضموا إليها ما شاء الله أن يضموا من أخطائهم وتحريفاتهم ومفترياتهم. أما ذوو الدين والاستقامة من العلماء وسائر المسلمين، فقد أدوا للسنة حقها، ومتى صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تقبلوه أحسن القبول، ولم يرد أحد منهم حديثا صحيحا، ولم يعمل على خلافه، إلا أن يكون قد خفى عليه ولم يبلغه أو تأوله تأولا يراه صحيحا، أو قدم عليه ما هو أقوى منه عند التعارض. والحق أن مخالفيهم كان له أكبر نصيب فيما تردى فيه أهل البدع والأهواء، وبعض المستشرقين وأشياعهم. وقد عنى الأئمة بأسانيد السنة وطرق إثباتها وبيان أقسامها، وما يحتج به منها وما لا يحتج، واختلفوا فى كل هذا، كما اختلفوا فى مسائل النسخ المتعلقة بها وفى طرق الدلالة واستفادة الأحكام منها على النحو الذى سبقت الإشارة إليه فى الكتاب الكريم. وأيا ما كان الأمر فالسنة عند الجميع منها قطعى الثبوت ومنها ظنى الثبوت ومنها قطعى الدلالة ومنها ظنيها. الإجماع: الإجماع الفقهى هو اتفاق مجتهدى عصر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على حكم شرعى عملى استنادا إلى الكتاب أو السنة أو القياس. وهذا ما جرى عليه الأكثرون، وقال النظام وبعض الشذاذ: إلا الإجماع لا يتصور وقوعه، وكذلك كانت بحوث ومناقشات حول الإجماع من بعد الصحابة، وإجماع بعض الصحابة وإجماع أهل البيت، وإجماع فقهاء بعض الأمصار، والأخذ بأقل ما قيل على أنه إجماع على الأقل. والحق أن الكلام فى إجماع من عدا الصحابة ليس إلا جدلا نظريا، إذ لم يستطع أحد أن يأتى بحكم ثبت بالإجماع بعد عصر الصحابة. أما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد اجتهدوا واختلفوا واجتهدوا وأجمعوا ودون العلماء مسائل إجماعهم. وإذا نقل الإجماع من طريق قطعى كان قطعى الثبوت وإلا كان ظنية، وهو قطعى فى دلالته على ما أجمع عليه. القياس: للقياس تعريفات مختلفة يطول إيرادها، والأكثرون على أن القياس حجة ودليل من الأدلة الإجمالية ومصدر فقهى، وقال الأقلون: ليس بحجة، ومنهم النظام والشيعة وأهل الظاهر. وكان للأصوليين طرائق مختلفة فى تقسيم القياس، وبيان كل قسم منها، والقسم المتفق عليه من القائلين بالقياس، هو قياس العلة. أما بقية الأقسام ففيها اختلافهم. وعلى القياس يقوم أكثر الفقه الاجتهادى وكله ظنى. ب - مصادر أخرى: وقد اعتاد كثير من الأصوليين. أن يذكروا مصادر أخرى على أنها مصادر مختلف فيها وهى فى الواقع لا تعدو أن تكون أنواعا من المصادر الأربعة السابقة أو قواعد كلية فقهية محضة. فيذكرون شرائع من قبلنا، وقد عرفت ما فيها آنفا، وهى إن كانت شريعة لنا فهى من الكتاب والسنة. ويذكرون إجماع الشيخين، وإجماع أبى بكر وعمر وعثمان، وإجماع الأربعة الراشدين، وإجماع أهل البيت، وإجماع أهل المدينة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع أهل البصرة، والأخذ بأقل ما قيل للإجماع عليه من المختلفين، وكل هذه ليست إلا أنواعا من أنواع الإجماع. ويذكرون الاستحسان والمصلحة المرسلة والاستقراء وهى من أنواع القياس. ويذكرون الاستصحاب والبراءة الأصلية، وسد الذرائع، والعادة وا لعرف، وكلها قواعد فقهية وليست دليلا يستند إليه فى استنباط حكم شرعى. ويذكرون العصمة وهى التفويض الذى سبق الكلام فيه. وبهذا اتضح أن الدليل الحقيقى والمصدر الوحيد للتشريع الإسلامى والفقه الإسلامى بأجمعه، هو الوحى الإلهى، وأن مرد الإجماع والقياس اليه، وأن المصادر الأخرى ليست مصادر خارجة عن الأربعة أو هى ليست مصادر للفقه. ج - أسباب اختلاف الفقهاء: من الاستعراض السابق نفهم فى وضوح أن اختلاف الفقهاء المجتهدين يرجع إلى اختلافهم فى كون المصدر دليلا أو غير دليل، واختلافهم فى ثبوت المصدر أو عدم ثبوته، واختلافهم فى الترجيح عند التعارض، واختلافهم فى أنواع الدلالات وسائر طرق الاستفادة، ثم يأتى بعد كل هذا تفاوتهم فى الإحاطة وفى الأفهام وملكة الاستنباط وكمال الذوق الفقهى. هذه هى الأمور الرئيسية التى ترجع إليها أسباب اختلاف الفقهاء من غير تفصيل، وهذه الأسباب قد عرض لها ابن حزم فى الأحكام، وابن تيمية فى رفع الملام وقال كل منهما: إنها عشرة، أما الشاطبى فقد روى فى الموافقات: أن ابن السيد وضع فيها كتابا وحصرها فى ثمانية، واكتفى بذكر عناوين الأبواب التى وردت فى ذلك الكتاب. د- مصدر آخر: ما سبق إيراده من المصادر هى مصادر الأئمة المجتهدين، أما غير المجتهدين من المقلدين فليس لهم إلا مصدر واحد، هو، أقوال الأئمة الذين يقلدونهم وإن كانوا من أصحاب الوجوه وأهل التخريج، أو من أهل الترجيح، أو من المحصلين المطلعين القادرين على التمييز بين الأقوال الصحيحة والفاسدة والقوية والضعيفة، والراجحة والمرجوحة، فما داموا لم تتوافر لهم الأهلية لأى نوع من أنواع الاجتهاد، فليس لهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة والإجماع، وليس لهم أن يقيسوا على ما ورد بها من الأحكام، وليس لهم إلا الرجوع الى أقوال أئمتهم ينظرون فيها نظر المجتهد فى الأدلة. ويستنبطون منها ما شاء الله أن يستنبطوا، وما استخرجوه منها يكون أقوالا فى مذهب إمامهم سواء وافقت أقوالا سابقة لفقهاء هذا المذهب، أو لم يسبقها ما يوافقها، ويقضى بهذه ا

التشريع والاجتهاد والمذاهب الفقهية

التشريع والاجتهاد والمذاهب الفقهية تكلم الأصوليون طويلا فى معنى الاجتهاد والتقليد وفى البحوث المتصلة بكل منها، ولا يعنينا من كل هذا هنا إلا أن نقول: أن القول فى دين الله وشرائع الأحكام بمجرد استحسان العقل من غير دليل لا يكون اجتهادا فقهيا ولا تقليدا، وليس إلا القول بالهوى والتشهى وهو الرأى المذموم الذى صان الله منه أئمتنا وأتباعهم، وما أسرف به بعضهم نحو الآخرين لا يحكى الواقع، وما دفع إلى الوقوع فيه إلا الحمية والتسرع. وأن الأخذ والعمل بقول من ليس قوله من الحجج والأدلة الشرعية تقليد إذا كان ذلك بلا حجة. والأخذ بلا حجة يشمل العمل بقوله، من غير أن يعرف الآخذ من أين قال ذلك، والأخذ بقوله مع الوقوف على حجته، ولكن الآخذ لا يستطيع أن يستقل باستفادة الحكم من هذه الحجة، أما إن كان أهلا لأن يستقل بهذه الاستفادة لم يكن مقلدا، بل يكون موافقا له فى رأيه. فمتبعوا الأئمة من العامة ومن المتفقهة ومن الفقهاء على اختلاف مراتبهم فى التحصيل والقدرة على النظر فى أدلة من اتبعوا، لكنهم لم يصلوا إلى مرتبة الاجتهاد مقلدون لهم. وأن اتباع كل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حياته واتباع ما علم من الدين بالضرورة، وهو الثابت بنص قطعى أو بإجماع بعد وفاته عليه- الصلاة والسلام - ليس اجتهادا ولا تقليدا. أما الاجتهاد فى الشريعة فهو استنفاد الطاقة للوصول إلى الحكم من مصدره الشرعى. ومما أسلفنا فى بيان معنى الفقه عند الأصوليين يعرف من هو هل الاجتهاد. والاجتهاد يكون على ضربين: اجتهاد لمعرفة حكم الله، واجتهاد لمعرفة محل العمل بحكم الله المعروف. والضرب الأول قد يكون راجعا إلى حجية الدليل ذاته، أو إلى ثبوته وطريق الوصول إليه، أو إلى قوته وترجحه على ما يعارضه، أو إلى بقاء الحكم أو نسخه. وقد يكون راجعا إلى دلالة الدليل وفهمه وقد يكون راجعا إلى استنباط حكم ما لم ينطق الشارع بحكمه من معنى ما نطق الشارع بحكمه، وهذا الضرب بأنواعه هو الاجتهاد الفقهى الذى دار الجدل حول أن الزمان لا يخلو من وجوده، أو أنه مما يجوز انقطاعه، لعدم وجود أهله، - وحول انقطاعه فعلا ووقت هذا الانقطاع. أما الضرب الآخر فقد يكون راجعا إلى ما يعبر عنه اليوم بالتكييف، ويكون بالنظر فى الحادثة وتعيين النوع الذى هى منه ليطبق عليها حكمه، فالاجتهاد ليس للوصول إلى معرفة حكم لم يكن معروفا، ولكن لتعيين حكم من الأحكام المعروفة ليعمل به فى حادثة معينة، وهذا ما يسميه الشاطبى تحقيق المناط. ويكون هذا الاجتهاد من المفتى والقاضى، وقد يكون هذا الاجتهاد راجعا إلى إثبات الحادثة المعينة، ليطبق عليها حكمها المعروف، وهو اجتهاد لا يعنى إلا القاضى وحده. وهذا الضرب من الاجتهاد بنوعيه قد وجد. وهو موجود، وهو ماض إلى يوم الدين. والفقه الإسلامى بالمعنى الشامل وبالنظر إلى اجتهاد الضرب الأول وإلى التقليد. قد مر بأطوار ثلاثة متعاقبة، وهى طور التشريع، وطور الاجتهاد، وطور التقليد. أ- طور التشريع: وطور التشريع الإسلامى هو عصر البعثة المحمدية، عصر الوحى الذى بدأ بمبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقضى بلحاقه بالرفيق الأعلى، وكانت مدته ثلاثا وعشرين سنة، وكانت أحوال المسلمين الأولين ليست أحوال تشريع أحكام عملية فى أول الأمر، ولم ينزل منها إلا النزر اليسير. ولما كانت الهجرة إلى المدينة ووجد الإسلام أنصاره وداره، وقامت الدولة الإسلامية بدأ نزول الأحكام العملية، وبدأ التشريع الإسلامى بمعناه الكامل. وقد سايرت نشأته نشأة الدولة ينمو بنموها، فهو تشريع ليس شأنه كشأن ما يوضع من التشريعات لدولة قد اكتمل تكوينها واستقر بناؤها. فكان نزوله منجما، وكان أكثر أحكامه على التدرج، وكان فيها الناسخ والمنسوخ. وقد روعى فى ذلك عاملان هامان: أحدهما: أن حملة هذا التشريع الأولين كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وجل اعتمادها على ما تعى وتحفظ، فمن حقها وحين التشريع نفسه أن يكون منجما وفى مناسبات معينة وحوادث معروفة حتى يعين ذلك على حفظه وتثبيته فى النفوس. وثانيهما: أن ما يصلح للدولة فى أول تكوينها وحداثة عهدها وبدء قوتها قد لا يصلح البعض منه لها بعد أن تبلغ أشدها، ولا لمن يأتى بعد أهلها الأولين ممن يدخلون تحت سلطان هذه الأحكام من الأمم الأخرى، فكان لابد من التغيير والتبديل، حتى إذا استقر أمر الدولة وأرسيت قواعدها اكتمل تشريعها وأحكمت أحكامه، وكذلك كان. فما لحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى حتى أتم الله دينه وأبرم تشريعه، وصارت الأحكام الشرعية كلها محكمة. وكان الفقه فى هذا الطور فقه الوحى لا مصدر له سوى الكتاب والسنة النبوية. وقد اختلف العلماء فيما بعد فى اجتهاده - صلى الله عليه وسلم- وفى اجتهاد أصحابه فى حياته وهو اختلاف فيما نرى ليس ذا شأن يذكر، إذ الوحى موجود فلو وقع اجتهاد منه لوجب أن يقره الوحى أو ينكره، ويكون إذ ذاك هو مصدره وهو ما يؤكده تتبع الحوادث، وليس فى وسع أحد من القائلين بهذا الاجتهاد أن يرشدنا إلى حكم واحد كان من طريق هذا الاجتهاد ولم يقره الوحى. ولو أن مثل هذا الحكم كان موجودا ما خالف فى هذا الاجتهاد أئمة أعلام. وما نزل به الوحى من الأحكام الفقهية نوعان عظيمان، أما أحدهما: فهو ما من شأنه ألا يتأثر كثيرا باختلاف البيئات والأقاليم والأعراف والعادات، وتجدد الأحداث وتقلب الظروف، وهذا قد قررت أصول مسائله وفصلت أحكامه تفصيلا وافيا، ومع هذا كان تفصيلا يفسح الطريق للاجتهاد إذا دعا داعيه. وأما الآخر: فهو ما من شأنه أن يتأثر تأثرا ملحوظا بالعوامل التى أشرت إليها، وهذا كانت له القواعد الكلية المرنة التى تصلح لكل زمان ومكان وبيئة، وتتسع لحاجات الناس، وتفتح للاجتهاد فى أحداثها بابا واسعا. وهذه الأحكام بنوعيها إنما شرعها الله سبحانه لمصالح العباد تفضلا منه، وتقوم على تحقيق سعادتهم فى الدارين، وتدور مقاصدها على الضروريات التى لا غنى عنها بحال، لإقامة مصالح الدين والدنيا، حتى إذا فقدت اضطربت هذه المصالح وانتشر الفساد وساد الاضطراب، وعلى الحاجيات التى تكفل التوسعة على الناس ورفع المشقة عنهم، ويؤدى فقدانها إلى الاضطراب، غير أنه لا يبلغ ما ينشأ عن فقدان الضروريات، وعلى التحسينات التى تكفل الأخذ بمحاسن العادات وتجنب ما تنبو عنه الفطرة. هذا هو واقع تلك الأحكام، وواقع ما تدور عليه مقاصدها، وهذا ما فهمه أهلها وسار ركبهم فى طريقه فأفلح وأنجح، اللهم إلا شرذمة قليلة أنكرت دلالة المعانى، وتنكرت لتعليل الأحكام وللقياس، فيسرت على (يوسف شخت) المستشرق اليهودى وعلى أمثاله من قبله، أن يفتروا الكذب على التشريع الإسلامى، وأن يقولوا أن شرع الله لا يمكن إدراك أسراره بالعقل، فهو تعبدى أى أن الإنسان يجب أن يقبله مع تناقضه وأحكامه التى لا يدركها العقل من غير نقد وأن يعد ذلك حكمة لا يمكن إدراك كنهها إلى آخر ما جاء به من المفتريات التى لا يتردد قارئها فى أنه يصف بها دينا آخر وأسرارا أخرى. ولقد افترى هذا وهو عالم بحقيقة كل شىء وقد تقلب بيننا فى القاهرة طويلا وحاضر وناقش وفهم كل شىء على حقيقته. ولا ريب أن التشريع الإسلامى استبقى المحمود من عادات العرب وأقره، ولا فى أنه قضى قضاء مبرما على أكثر ما هو ممقوت منها، وسلك بباقيها سنة التدرج حتى ذهب ريحه. وتلك هى الطريقة المثلى، وسنة كل تشريع حكيم يراعى الصالح فمما يقرره من الأحكام. كما أنه لا ريب فى أن التشريع الإسلامى امتداد لما قبله من الشرائع السماوية الحقة، التى تكون دينا واحدا ساير الإنسانية فى نموها وتطورها حتى إذا بلغت أشدها كانت الخاتمة الملائمة هى ما استقر عليه التشريع الإسلامى وتم به دين الله، والكتاب الكريم ينطق بهذا فى مواطن كثيرة، فلا غضاضة على هذا التشريع إن هو أقر عادات محمودة صالحة للبقاء أو كانت فيه آثار الشرائع الإلهية السابقة، فذلك من كماله ومن أفضل محاسنه. ومن راض نفسه على البحث العميق سليم الطوية، وأخذ نفسه بقولة الحق وبالإنصاف، وراعى ما كان عليه القسم الأعظم الشمالى من جزيرة العرب حين ظهور الإسلام، وما كان عليه من العزلة الاجتماعية إلا فى النزر اليسير من الرحلات التجارية الموسمية، ومن الإعراض عن الشرائع الوضعية والتمسك بنظامه القبلى، وراعى أن التشريع الرومانى الذى جمع جوستنيان أمشاجة كان مقصورا على طائفة معينة ولم يؤلف فيه إلا كتاب واحد تعليمى، وأن هذا التشريع قد اختفى بانتهاء عصر جوستنيان قبل ظهور الإسلام بعشرات السنين، وراعى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه ما كان يدرى ما الكتاب ولا الإيمان، وراعى ما كان عليه خصوم الإسلام من المشركين واليهود من الدأب على أن يلصقوا كل نقيصة بهذا الدين وأهله، إذا راعى كل هذا وأن الموازنة بين التشريع الإسلامى والتشريع الرومانى، أظهرت ما بينهما من التباين فى المبادئ وفى القواعد وفى الأصول وفى الفروع، أيقن أن القول بأن التشريع الإسلامى قد تأثر بالتشريع الرومانى، ليس إلا فرية منكرة ونفثة مصدور، وأباطيل ينشرها أنصار الاستعمار التشريعى. ب- طور الاجتهاد: والذى نعنيه بطور الاجتهاد: هو العصر الذى ظهر فيه الاجتهاد ظهورا لم ينازع فيه أحد كما أنه لم يختف فى وقت منه اختفاء متفقا عليه، وهو طور يبتدىء بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ويصل إلى حدود الثلاثمائة من الهجرة. ويقع فى عهد الخلفاء الراشدين، وفى عهد الدولة الأموية، وفى الشطر الأول من الدولة العباسية، وصدر الدولة الأموية بالأندلس، وكان فيه اجتهاد فقهاء الصحابة - رضوان الله عليهم-، واجتهاد الفقهاء التابعين كبارهم وصغارهم، واجتهاد فقهاء الأمصار الذين اشتهرت مذاهبهم وكان لهم أصحابهم وأتباعهم، وبقى من هذه المذاهب ما بقى، ومنها ما هجر وانقرض أتباعه ومقلدوه. ولما لحق عليه - الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى انقطع الوحى، ولكن الواقعات متجددة، والنوازل تنزل وليس لها بعينها حكم فيما نزل به الوحى، فانفتحت للاجتهاد أبوابه الواسعة، وكان لتجدد الواقعات وحوادث النوازل فى هذا الطور عوامله العادية التى تعرفها الحياة الهادئة. وعوامل أخرى غير عادية. فكانت حروب الكذابين المتنبئين، وحروب الردة، وكانت الفتن والحروب الداخلية، فكان مقتل عثمان، وكانت واقعة الجمل، وكانت حروب علىّ ومعاوية التى ما انتهت حتى خلفت وراءها أحزابا سياسية كبرى، وكثر الكلام فى الإمامة والسياسة، وكان فى كل حزب كبير فرقه وشيعة، كما بدأ الكلام فى القضاء والقدر والأرجاء وغير ذلك مما يتصل بالعقيدة. وتعددت الأحزاب والفرق من هذه الوجهة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توالت الفتوح الإسلامية، واتسعت الرقعة الإسلامية فى أسيا وفى أفريقيا، وفى أوربا، وبلفت الممالك الإسلامية قمة الرخاء والازدهار، وذروة الحضارة والمجد. وكانت لكل هذه الأحداث العظيمة السارة والمحزنة آثارها البالغة فى الفقه ومصادره، أما المصادر فقد وجد منها أولا مصدران لم ينازع فيهما أحد، هما الإجماع والقياس، ثم طرأ النزاع فيهما فى الطور نفسه. وأما الأحكام الفقهية، فكان لا مناص لها من مواجهة النوازل والأحداث فى رقعة مترامية الأطراف، ودولة ناشئة تحتاج

تقسيمات الفقه وخصائصه

تقسيمات الفقه وخصائصه للأحكام الفقهية بالمعنى العام الشامل تقسيمات كثيرة تقوم على معانى واعتبارات مختلفة، فهى من ناحية أدلتها ثبوتا ودلالة تنقسم إلى أحكام قطعية وإلى أخرى ظنية. وهى من ناحية المقاصد التى شرعت من أجلها تنقسم إلى أحكام لحفظ الضروريات، وأحكام لصيانة الحاجيات، وأحكام لتحقيق التحسينات، وقد مضى ما يتعلق بهذين التقسيمين. وقسموا هذه الأحكام إلى أحكام تكليفية، وأحكام تخييرية، وأحكام وضعيه. فالحكم التكليفى هو اثر خطاب الله تعالى الموجه إلى المكلف بطلب الفعل أو بطلب تركه، وأثر الأول هو الفرض والوجوب والندب، وأثر الثانى هو الحرمة أو الكراهة، أما الخطاب التخييرى فأثره الإباحة. أما الخطاب الوضعى فهو ما تعلق بالصحة والفساد والبطلان، وبكون الشىء أمارة أو علامة أو شرطا أو سببا أو علة لشىء آخر أو مانعا منه. وقسموا الأحكام الشرعية أيضا إلى أحكام يمكن للقضاء أن يتدخل للإلزام بها والحكم بموجبها، وأحكام أخرى لا تدخل موضوعاتها تحت القضاء ولا يمكن الإلزام بها وتنفيذ ما تقضى به لاعتبارات مختلفة منها أن لا فائدة للإلتزام فى بعضها، ومنها أن بعضها لا يصح مع الجبر، ومنها أن موضوعات بعضها دقيقة وحساسة، فمن الخير أن يترك فيها لربه ولدينه. وهذا النوع أحكامه كثيرة جدا ومنثورة فى مختلف أبواب الفقه. وقسموها أيضا إلى عبادات، وإلى معاملات أو تجارات وإلى ما له شابه بهما وهو ما تعارفنا اليوم على تسميته الأحوال الشخصية. وإلى دعاوى وبينات وأقضية، وهو ما سماه المرحوم الشيخ محمد زيد الأبيانى بالمرافعات الشرعية، مجاراة لإصلاح المرافعات الوضعية، واشتهرت هذه التسمية فى مصر. وإلى وثائق أو عقود إستيثاق وإلى جنايات، وإلى وصايا ومواريث. وهذا التقسيم تقسيم تأليفى جمع فيه النظير إلى نظيره، كما وضع كل نوع مع ما يناسبه، وللفقهاء فى هذا طرائق مختلفة حتى فى مؤلفات المذهب الواحد، وأن اتفق الكل على وضع العبادات فى الطليعة. ويقسمون المسائل الفقهية إلى قسمين: أصول المسائل، أو مسائل الأصول كما يعبرون أحيانا، والقسم الآخر هو ما عدا هذه المسائل. ومسائل الأصول أو أصول المسائل تطلق على معان مختلفة، فتطلق تارة على المسائل التى يكون فيها الاستنباط، أما بيان المراد منها فيما هو منطوق به أو بدلالة معناها والقياسى عليها، فهى الأحكام التشريعية الواردة بالكتاب والسنة، فهى أصل لما تفرع عنها من طريق الاجتهاد. وتطلق تارة أخرى على الأحكام الكلية التى تذكر فى كل كتاب أو باب من أبواب الفقه، فهى أصول لما يتفرع عنها من المسائل ومن هذا المعنى كانت تسمية كتب المجتهدين الأولى كتب أصول، كما كان يطلق على كتاب المبسوط لمحمد بن الحسن كتاب الأصل، وكذلك كان يطلق ذلك على نظيره من مؤلفات سواه، كما يظهر ذلك واضحا من الرجوع إلى الفهرست لابن النديم. وتارة يطلق الأصل على قاعدة عامة لا تختص بباب بعينه وينبنى عليها فى كل باب أحكام تسمى أصولا بالمعنى الثانى، وذلك كقول الكرخى: الأصل أن الإجارة تصح ثم تستند إلى وقت العقد. وكقول الدبوسى: الأصل عند أبى يوسف أنة إذا لم يصح الشىء لم يصح مافى ضمنه وعند أبى حنيفة يجوز أن يثبت ما فى ضمنه وإن لم يصح. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قسموا هذه المسائل إلى مسائل ظهرت روايتها واشتهرت، ويقابلها المسائل النادرة التى لم تشتهر روايتها، وإلى المسائل القوية وتقابلها المسائل الضعيفة والشاذة، وإلى الراجح والمرجوح، وبينوا ترتيب كل هذه المسائل وما يجب العمل به منها إذا اختلفت. وقسموا الأحكام الشرعية بالنظر إلى من يضاف إليه الحق الذى تقرره. وقالوا إن من يضاف إليه الحق قد يكون الله وقد يكون العبد. وقالوا إن المراد من حق الله ما يتعلق به النفع العام للعالم فلا يختص به أحد. وإنما كانت نسبته إلى الله للتعظيم فإنه جل شأنه متعال عن أن ينتفع بشىء. وذلك كحرمة الزنا التى يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب وصيانة الفراش وارتفاع السيف بين العشائر بسبب ما يكون من التنازع من أجل الأعراض والتزاحم. وقالوا أن حق العبد ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة المال للمملوك. وقالوا إن من الحقوق ما هو خالص لله وما هو خالص للعبد ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب، ومنها ما غلب فيه حق العبد وأن الاستقرار قد دل على أنه لا يوجد ما استوفى فيه الحقان. وبينوا الأحكام التى تندرج فى كل قسم من هذه الأقسام. هذا هو ما يجرى عليه الأكثرون فى هذا التقسيم وهو يقوم على أن الحقوق فى الواقع لمصلحه العباد، ولكن الشاطبى قد تنبه إلى معنى أدق لما يمكن أن يسمى حكم الله وأفاض فى بيانه ثم خلص إلى قوله أن كل حكم شرعى ليس بخال عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد، فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق. وإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا فليس كذلك بإطلاق بل جاء على تغليب حق العبد فى الأحكام الدنيوية، كما أن كل حكم شرعى فيه حق للعباد إما عاجلا وإما آجلا بناء على أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد. وما قرره الشاطبى هو ما تناصره أى الكتاب الكريم والسنة النبوية ووضع الشريعة نفسها، ولا سبيل إلى رده بحال. فكل حكم شرعى من أى نوع كان، يقوم على معنيين على السواء، المعنى التعبدى وهو إطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والمعنى المصلحى للعباد دينا ودنيا، وإن شئت قلت المعنى الروحى والمعنى القانونى، فمن باع بيعا شرعيا أفاد بيعه ما يقتضيه العقد وكان هو مطيعا لله مستحقا لثوابه بامتثال أمره فى بيعه، ومن باع بيعا فاسدا، وتقابض البيعان، ترتب أثره المصلحى أو القانونى وهو إفادة الملك، وذلك هو المعنى القانونى، ولكنه لم يمتثل أمر ربه، فكان عاصيا لم يؤد إليه حقه التعبدى، الحق الروحى. ومن قتل آخر فقد أرتكب جريمة العدوان على النفس ولها جزاؤها الخاص، وارتكب جريمة أخرى هى عصيانه لربه. وهاتان الجريمتان متمايزتان، وقد تنفصلان كما يتضح ذلك من بعض ما ذكره ابن حزم من الأمثلة. فقد قال: رجل لقى رجلا فقتله على نية الحرابة: أى العدوان، فإذا بذلك المقتول هو قاتل والد الذى قتله، أو وجد مشركا محاربا، فهذا ليس عليه إثم قاتل مؤمن عمدا، ولا قود عليه ولا دية، لأنه لم يقتل مؤمنا حرام الدم عليه، وإنما عليه إثم مريد قتل المؤمن ولم ينفذ ما أراد، وبين الاثنين بون كبير، لأن أحدهما هام والآخر فاعل. وكإنسان لقى امرأة ظنها أجنبية فوطئها فإذا هى زوجته، فهذا ليس عليه إثم الزنا، لكن عليه إثم مريد الزنا ولا حد، ومن قذف حد القذف ولا يقع عليه اسم فاسق بذلك. إذا وضح هذا المعنى وضح أن الأحكام الشرعية ليست فى هذا كالأحكام الوضعية الجافة التى لا تنطوى على أى معنى روحى، فمن خالف القانون فى أى عقد من العقود طبق على عقده الحكم الملائم لكن القانون لا يغضب لمخالفة أحكامه يكثر من هذا ولا يعتبرها جريمة مستحقة للعقاب. ومن هذا يظهر أن ما فى الشريعة من المعنى التعبدى الروحى كفيل بتربية الوازع الدينى وهو أعظم حافز على إطاعة القانون، وأن الالتجاء إلى الشريعة فيه أعظم خير للإنسانية ولتنفيذ النظم التى تكفل صلاح أمرها. خصائص الشريعة الإسلامية: أما وقد انساق بنا القول إلى هذا المعنى فقد أصبح هذا الموضع خير مكان لبيان مزايا الفقه الإسلامى وتفوقه على الشرائع الوضعية فى حكم الإنسانية وذلك لما يأتى: أولا: المعنى التعبدى الروحى الذى يلازم كل حكم شرعى ويكفل تربية الضمير الروحى والوازع الدينى وفيهما أعظم كفيل بإطاعة القانون وليس للشرائع الوضعية شىء من ذلك. ثانيا: أن الأحكام الشرعية أوسع نطاقا من الشرائع الوضعية وبخاصة فيما يرجع إلى الفضائل والرذائل فجميع الفضائل مأمور بها فى الشريعة، فهى واجبة، والرذائل جميعها منهى عنها، فهى محرمة، وفى أحكام كل من النوعين المعنى الخلقى والمعنى التعبدى الروحى فلها قوتها وشمولها بخلاف الشرائع الوضعية فإنها مع جفافها لا تنظر إلى الفضائل والرذائل إلا النظرة المادية المجردة. ثالثا: أن لكل من الأحكام الشرعية والشرائع الوضعية الجهاز الدنيوى الذى يراقب تنفيذه وهما سواء فى ذلك. وتمتاز الأحكام الشرعية بمراقبة أعلى هى مراقبة العليم الخبير الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فمن خالف القانون الوضعى وأفلت من المراقبة فلا عليه بعد ذلك. أما من خالف الشريعة الإسلامية وأفلت من جهاز المراقبة الدنيوية فإنه لن يفلت من المراقبة العليا وهو ملاق جزاءه لا محالة. وذلك من أعظم مزايا التشريع ومن أقوى العوامل على إطاعته وتنفيذ أحكامه فى السر وفى العلن. رابعا: أن الفقه الإسلامى بجميع أحكامه قد عاش قرونا متطاولة متلاحقة متتابعة، الأمر الذى لم يظفر به ولا بما يقرب منه أى تشريع فى العالم لا فى القديم ولا فى الحديث. وقد طوف فى الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونزل السهول والجبال والصحارى، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب فى جميع البيئات وعاصر الرخاء والشدة، والسيادة والاستعباد، والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث فى جميع هذه الأطوار فكانت له ثروة فقهية ضخمة لا مثيل لا، وفيها يجد كل بلد أيسر حل لمشاكله، وقد حكمت فى أزهى العصور فما قصرت عن الحاجة، ولا قعدت عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلفت بأهلها فى أى حين. فحرام علينا أن نتسول ونحن الأغنياء، وأن نتطفل على موائد المحدثين ونحن السادة الأكرمون. قاتل الله الاستعمار التشريعى وصنائعه وما يفعلون.

تدوين الفقه

تدوين الفقه أ) حال الأمة العربية حين البعد: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة العربية أمة بادية، لا تقرا ولا تكتب إلا نادراً، وفى أطراف الجزيرة، حيث كانت بقايا الحضارة الحميرية، وحيث يكثر الاختلاط بالفرس وبالروم، أما سائر الجزيرة فكان على بداوته،. وما كان بمكة حين البعثة ممن يقرأ ويكتب إلا نفر قليل. وقد حرص - عليه الصلاة والسلام -، ومن ورائه المسلمون، على تعليم القراءة والكتابة للمسلمين، ولكن هذا لم يكن من شأنه أن ينقل الأمة الإسلامية فى زمن يسير إلى أن تكون أُمة قارئة كاتبة. كان من الطبيعى- وهذه حال الأمة الإسلامية- أن يكون اعتمادها فيما تتلقى وما تنقل على الحفظ والرواية لا على الكتابة. ومع هذا فقد كان لرسول الله - صلى الله علية وسلم - كتاب يكتبون له الوحى بالقرآن، ويكتبون له كتبه إلى الملوك والرؤساء، كما كتب بعض المسلمين لنفسه ما تلقى من آى الكتاب الكريم. وبأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم وغيره كتاب الصدقات، والديات والفرائض والسنن، وكان عند على صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر. وكان عبد الله بن عمرو يكتب كل شىء يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حال الرضا وحال الغضب، وأقره عليه - الصلاة والسلام - على هذا وأومأ بإصبعه إلى فيه وقال له: " اكتب، فو الذى نفسى بيده ما يخرج منه إلا حق ". وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب محمد أكثر حديثا منى إلا عبد الله ابن عمرو، فإنه كتب ولم أكتب. ولكن كل هذا لا يمكن أن يعد تدوينا، ولا يرقى عن أن يكون من المسائل الفردية التى قام بها نفر قليل، ولم يكن من قبيل التدوين للناس. ب) حال التدوين فى القرن الأول: ومع أن القراءة والكتابة قد انتشرتا بين المسلمين قبل وفاته - عليه الصلاة والسلام - وكان انتشارهما فى زيادة مطردة بعد ذلك، فإنه لم يكن فى عهد أصحابه تدوين بالمعنى الصحيح إلا للكتاب الكريم، فقد جمع مرتبا فى عهد أبى بكر، ووحدت المصاحف واتخذ المصحف الإمام وأُرسل للأمصار فى عهد عثمان. أما السنة، وأما الأحكام المروية، وأما ما اجتهد فيه الصحابة والتابعون، فإنه لم يدون شىء منها فى القرن الأول، وبقى الاعتماد فيه على الحفظ والتلقى والرواية. وكان لهم أول الأمر فى شأن التدوين نزعتان: فطائفة تكرهه وتعرض عنه، وتروى فى ذلك من السنة ما يؤيدها، وتقول أن من كتب إنما كتب الشىء ليحفظه، حتى إذا حفظه محاه. وطائفة لا ترى بذلك بأسا ويردون فى قوة ما احتج به الآخرون ويروون فى ذلك سننا وآثارا. وكانت النزعة الأولى هى السائدة فى القرن الأول، ويرجع ذلك الى الأمور الآتية: الأول: إن الأمة العربية بفطرتها ونمط الحياة التى كانت تحياها قد مرنت على الحفظ واعتمدت عليه منذ أمد طويل، فلم يكن ثم ما يدعوها إلى أن تتحمل عناء التدوين وأن تعرض عما ألفته. الثانى: أن العهد قريب، ولأحكام لم يتسع نطاقها، والاختلاف فيها لم يبلغ ما بلغه فيما بعد وفى وسع كل أحد أن يرجع إلى الحفاظ الثقاة، فكانوا لهذا فى غنية عن تدوين الأحكام. الثالث- إن الحفظ خير من الكتابة فى الاعتماد عليه وفى الضبط والإتقان وإصابة الصواب. فمن عمد إلى التدوين والكتابة أهمل الحفظ وعول على ما كتب، وقد يضيع منه ما كتب لسبب أو آخر، فيفوت عليه ما روى. كما أن الكتاب مما يمكن أن يزاد فيه وينقص، وأن يدخل عليه التغيير والتحريف والتصحيف، أما المحفوظ فلا يمكن أن يطرأ عليه شىء من ذلك. ومن أجل كل هذا انقضى القرن الأول. لم يقع فيه تدوين بالمعنى الصحيح. ج) بدء التدوين: ولما انتشر الإسلام: واتسعت رقعته وتباعدت أطرافها، وكثرت الأمصار، وتفرق فقهاء الصحابة والتابعين فى الأقطار، واتسع نطاق الاجتهاد والاستنباط، وانتشرت الفتاوى وعظم اختلاف الآراء، كما كانت الفتن والأحداث، كان لابد من تدوين السنة والفقه، فأقدم عليه العلماء قياما بحق العلم والدين، وبدأ التدوين بمعناه الصحيح واسترسل وتتابع حتى كان غيثا منهمرا. ولم تتفق كلمتهم فى أول من بدأ التدوين. وتحديد ذلك تحديدا دقيقا ليس ميسورا، علىأن الفائدة من الاشتغال بتحقيق ذلك ليس فيها جزاء يكافئ ما فيه من العناء. ومن نظر فى الأقوال المختلفة عرف أن سعد بن إبراهيم قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز (وقد توفى سنة 101 هجرية) بجمع السنن فجمعت دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا. وأن عبد العزيز بن محمد الداروردى المتوفى سنة 186 هجرية قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 هجرية. وقال أبو الزناد: ما كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب الزهرى يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمنا أنه أعلم الناس. ودون حماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن، ولما حج المنصور سنة 143 هجرية رغب إلى مالك فى تأليف الموطأ، كما رغب هو وولاته العلماء فى التدوين. وقد دون ابن جريج، وابن عروبة، وابن عيينة، وا لثورى، وغيرهم، ودون سائر فقهاء الأمصار وأصحابهم. د- أغراض التدوين: والفقه، كغيره من العلوم والفنون، كان تدوينه فى العصور المختلفة لتحقيق الأغراض الآتية: أولا: نقل المحفوظ فى الصدور، وقيده فى الأوراق، ليبقى محفوظا لا يذهب بذهاب أهله، ويكون مجموعا فى الأوراق بدلا من تفرق مسائله لدى الأفراد الذين يكون عند أحدهم ما لا يكون عند الآخرين. وهذا هو الغرض الأساسى لأصل التدوين. ثانيا: ترتيب هذه المجموعات ترتيبا يجعل مسائلها متآلفة. ويكون منها مؤلفات متناسقة من غير تصرف فى عبارات واضعيها. كما وقع فى ترتيب كتب محمد بن الحسن وغيره من المؤلفين الأولين. ثالثا: شرح هذه المؤلفات بإيضاح معانيها، وإيراد دلالتها من الكتاب والسنة، وذكر الروايات المختلفة فى المسائل. رابعا: اختصار المؤلفات المبسوطة، بحذف ما تكرر فيها، وإيراد مسائله بعبارات موجزة جامعة، ليسهل على طلاب الفقه استيعابه فى غير ملل وتقصير. خامسا: شرح هذه المختصرات شروحا مبسوطة أو متوسطة أو وجيزة على قدر الحاجة، وأخيرا التعليق على هذه المختصرات وشروحها بما يكشف عن غوامضها ويصحح أخطاءها، ويخصص عامها، ويقيد مطلقها، وغير ذلك مما يتعلق بها. وعرفت هذه التعليقات باسم الحواشى لأنها كانت تكتب فى حواشى أوراق الشروح. ثم وجد أخيرا جدا بجانب الحواشى تقريرات هى تعليق على ما جاء بهذه الحواشى وشروحها. سادسا: إصلاح المختصرات الأولى بمختصرات أخرى تقضى على ما أخذ على الأولى وتضيف إلى مسائلها ما قصرت فى إيراده أو ما حدث بعدها من المسائل. وكانت لهذه المختصرات شروحها والتعليق عليها، ثم ما اشتق منها من المختصرات. سابعا: تدوين اختلاف الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد يكون بإيراد المذاهب والأقوال مجردة أو مع إشارات موجزة للدلائل بدون توسع فيها. ثامنا: العناية بآيات الأحكام والتأليف فى تفسيرها خاصة، وبيان آراء المجتهدين فيما استنبط منها. وكذلك العناية بأحاديث الأحكام والسير فى شرحها على هذه الشاكلة. تاسعا: تدوين القواعد الكلية وأصول المسائل التى انبنى عليها التفريع فى المذاهب المختلفة، وكانت متفرقة فى كلام الأئمة المجتهدين، ومنشورة فى مختلف الأبواب. عاشرا: الجمع بين المسائل المتشابهة مختلفة الأحكام وبيان ما بينها من الفروق التى دعت إلى اختلاف أحكامها. وهذه المؤلفات. هى المسماة يكتب الفروق. حادى عشر: وحرصا على تثبيت الأحكام الدقيقة فى الأذهان، لم يكتفوا فى هذا بكتب الفروق ووضعوا هذه المسائل على صورة ألغاز، ودونوا فيها كتب الألغاز الفقهية. ثانى عشر: الانتصار لرأى معين فى مسألة أو مسائل معينة، بتحقيق ما ورد عنها فى كتب مذهب بعينه أو فى الكتاب والسنة والآثار. وقد كان هذا قديما فيما كان يسمى بالردود، كرد محمد على أهل المدينة، ورد الشافعى على محمد بن الحسن، ولكن هذا أخيرا كان فى رسائل، تعالج الرسالة منها مسألة حصل اختلاف بشأنها فى الإفتاء أو القضاء، أو اعتراض على رأى ذهب إليه مؤلف، وقد تكونت من هذه الرسائل على مر العصور مجموعات قيمة. ثالث عشر: تدوين فتاوى مفت معين أو مفتين فى إقليم خاص. وكانت هذه الفتاوى أولا تشتمل على شىء من استنباط الأحكام ممن هم أهل لذلك من مجتهدى المذاهب، أو من أهل التخريج، وأصحاب الوجوه، أو تشتمل على ترجيح قول على آخر ممن هم أهل للترجيح، فكانت تجمع إلى الاجتهاد فى التطبيق اجتهادا أو تخريجا أو ترجيحا، وهذه هى التى كانت تعرف قديما بكتب الواقعات. ولكن هذا النوع من فتاوى المتأخرين كان تطبيقا للأحكام فى الحوادث، ولم تشتمل على غير ذلك جهرة، وإن لم تخل منه فى الواقع باسم الأخذ بما تقتضيه أقوال الفقهاء وما تدل عليه عبارات المؤلفات المعتبرة. رابع عشر: وفى عصرنا وجد غرض آخر حمل على التأليف فى الفقه بعد ركوده ركودا تاما هو تيسير الأحكام الفقهية على من يتلقونه فى المدارس العليا ثم بالجامعات المصرية، الذين يصعب عليهم الرجوع إلى المؤلفات الفقهية التى دونها السابقون، فألفت لهم المؤلفات- سهلة العبارة واضحة المعانى- الملائمة لحياتهم العلمية. خامس عشر: ولما أنشئت مدرسة القضاء الشرعى كان فى منهجها الدراسى دراسة بعض القضايا ذات المبادىء، واستمر ذلك فى تخصص القضاء بها وبكلية الشريعة وفى قسم إجازة القضاء بكلية الشريعة. وهى دراسة تقوم على نقد الأحكام والتمهيد لذلك بإيراد الأحكام الفقهية والقانونية المتصلة بما فصل فيه الحكم. وهذا لون من التأليف الفقهى لم يكن موجودا من قبل إلا فى كتب المحاضر والسجلات التى أهملت من زمن بعيد. وقد عنى بعض القضاه بجمع أحكامهم التى يرون أنها أحكام ذات قيمة قضائية. هذه هى الأغراض التى حملت من قبل على التأليف الفقهى وهى وما يماثلها من الأغراض هى التى ينبغى أن تحمل علية، أما إذا لم يأت التأليف بفائدة زائدة على ما جاء فى التأليفات السابقة، ولم يكن إلا نقل ما فيها " قص ولصق "، كما قال بعض أساتذة القانون، كان إراقة للمداد وإتلافا للأوراق، كما قال الفقيه ابن عرفة المالكى. الهاء) طرائق التدوين: تبينت، من الأغراض التى حملت وتحمل على تدوين الفقه والتأليف فيه، كثيرا من طرائقه فى العصور المختلفة، وننبه هنا على الطرائق التى كان عليها تدوين الفقه فى بدايته. فقد دون أول ما دون مختلطا بالسنة وآثار الصحابة والتابعين، كما صنع ابن شهاب الزهرى فى كتبه، وأبو يوسف فى كتاب الآثار، ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار، ومالك فى الموطأ، وسفيان الثورى فى الجامع الكبير، والشافعى فى كتاب اختلاف الحديث، والطحاوى فى معانى الآثار، وفى مشكل الآثار. وقد وجد بجانب ذلك تلوين الفقه مجردا عن ذلك لا على أنه حديث أو أثر ولا على أنه حجة ودليل، كالكتب والسنة المروية عن محمد بن الحسن، والمدونة التى رواها سحنون عن ابن القاسم، ومختصرات الطحاوى والمزنى وأمثالهما. كما وجد بجانب ذلك نوع ثالث هو تدوين مسائل الفقه مع أدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر وجوه المعانى، كما تجد ذلك فى كتاب المبسوط " الأم " الذى رواه الربيع المؤذن عن الشافعى. وقد وجدت هذه الأنواع الثلاثة من البداية، ثم انفصل كل من علم الحديث والفقه، فعنيت مؤلفات الأول بالصحيح من الحديث وروايته بأسانيده وطرقه المختلفة، وما فيها من

حرف الهمزة

آبد قال فى المصباح المنير: أبد الشىء من بابى ضرب وقتل نفر وتوحش فهو آبد على وزن فاعل.. وكذا قال فى لسان العرب: أبدت البهيمة توحشت.. وهذا المعنى هو ما صرح به ابن الأثير فى الجزء الأول من كتاب النهاية فى غريب الحديث. والفقهاء يعبرون عن معنى الآبد بعبارات مختلفة، كالمتوحش والناد. أما حكمه فى التذكية فإنه يكفى عقره عند العجز عن الذبح فيما يذبح أو النحر فيما ينحر على تفصيل فى ذلك: انظر مصطلح (تذكية) .

آبق

آبق 1- التعريف بالآبق، والفرق بينه وبين الضال: الآبق فى اللغة من حصل منه الإباق، والإباق هو الهرب سواء كان الهارب عبدا أم حرا فقد قال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون) (1) أما فى الاصطلاح فكما يلى: الحنفية: يعرفه الحنفية بأنه انطلاق العبد تمردا والتمرد هو الخروج عن الطاعة وهذا يشمل ما إذا كان هروب العبد من سيده أو مستأجره أو مستعيره أو مودعه أو الوصى على من كان صغيرا وآل إليه العبد (2) فالآبق إذا هو الذى انطلق تمردا على من ذكروا. أما الضال فهو الذى ضل الطريق إلى منزل سيده أو غيره ممن ذكروا بلا قصد (3) .. ويتحقق التمرد بأن يكون الانطلاق من العبد لغير ظلم ممن هو فى يده كما بين ذلك صاحب الجوهرة شرح القدورى نقلا عن الثعالبى (4) . المالكية: يعرف المالكية الآبق بأنه من ذهب مختفيا بلا سبب وفرقوا بينه وبين الهارب بأن الهارب من ذهب مختفيا لسبب ولكن قد قال الدسوقي فى حاشيته على الشرح الكبير للدردير (5) . بعد أن ذكر المعنى السابق ولعل هذا فرق بحسب الأصل وإلا فالعرف الآن أن من ذهب مطلقا أى لسبب أو غيره يقال له آبق وهارب. وقد بين الصاوى فى حاشيته على الشرح الصغير للدردير أن الآبق غير الضال فقد قال به عند تعليقه على عبارة الشرح الصغير فيما يتعلق بجعل من عادته رد الآبقين وأنه له جعل مثله إن اعتاده أى كمان عادته الإتيان بهم أو غيرهم فقد قال الصاوى هنا " أو غيرها كالإتيان بالضوال " (6) فالضال إذن غير الآبق بناء على هذا. الشافعية: أما الشافعية فقد بينوا الفرق بين الآبق والضال فعرفوا الآبق بأنه من كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل فقد قال صاحب المغنى شرح المنهاج: " الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا أو غيره، أما الآبق فقال الثعالبى: لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب، قال الأزرعى: لكن الفقهاء يطلقونه عليهما " (7) . الحنابلة: الحنابلة جعلوا الآبق هو الهارب من سيده فقد قال فى كشاف القناع: يقال أبق العبد إذا هرب من سيده. ثم قال: وقال الثعالبى فى سر اللغة لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب (8) ولم يعقب صاحب كشاف القناع على كلام الثعالبى كما فعل الشافعية على ما تقدم ويظهر من هذا أن الآبق عنده هو الهارب مطلقا ولم يبين تعريف الضال. الظاهرية: يرى من صنيع ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى ما يدل على أن الآبق غير الضال فقد قال فى المحلى كتاب اللقطة والضالة "وهى تشمل العبد الضال والآبق " ثم سرد الحكم فيها وجعل كل هذه الأصناف سواء فى الحكم من حيث أخذها والتعريف بها وإعطائها لصاحبها.. الخ ما ذكره. ولكنه لم يبين معنى الضال ولا معنى الآبق اعتمادا على اختلافهما فى اللغة على نحو ما روى عن الثعالبى وهو ما ذكرناه فيما تقدم قريبا عند الكلام عن مذهب الشافعية فى ذلك (9) . الشيعة والزيدية: لم نعثر على نص صريح فى التفرقة بين الضال والآبق عندهم من حيث التعريف بهما. الإباضية: قد ذهب الإباضية إلى أن الآبق هو الهارب دون أن يقيدوا الهرب بأنه من غير خوف ولا كد فى العمل كما ذكر الثعالبى وسار عليه الحنابلة وغيرهم على ما تقدم فقد جاء فى النيل " وأبق بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته بكسر الهمزة " (10) .

_ (1) الآيتان: 139، 140 سورة الصافات (2) المر المختار حاشية ابن عابدين " رد المختار عليه" ج 3 ص 355- 356 طبعة دار الكتب العربية. (3) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 355 الطبعة السابقة. (4) ج 1 ص 466. (5) ج 4 ص 127طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) ج 2 ص 257 طبعة المطبعة الخيرية. (7) ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى. (8) كشاف القناع ج 2 ص420 المطبعة العامرية الشرقية سنه 1319. (9) المحلى ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (10) النيل ج 4 ص 73.

السن التى يعتبر فيها العبد آبقا.

السن التى يعتبر فيها العبد آبقا. الحنفية: يرى الحنفية أن السن التى يعتبر فيها العبد آبقا هى السن التى يعقل فيها الإباق فقد قال فى الأنقروية نقلا عن مختصر التتارخانية " قال محمد فى الأصل: والحكم فى رد الصغير كالحكم فى الكبير إن رده من دون مسافة السفر، فله الرضخ وهو عطاء قليل غير مقدر وفى الكبير أكثر مما يردخ فى الصغير إن كان الكبير أشد مؤنة. قالوا: وما ذكر فى الجواب فى الصغير محمول على صغير يعقل الإباق، أما من لا يعقله فهو ضال وراد الضال لا يستحق الجعل " (1) وقد صاحب الكافى وشارحه السرخسى فى المبسوط ذلك بأن يكون قد قارب الحلم، فقد جاء فى المبسوط: " وإذا أبقت الأمة ولها صبى رضيع فردها رجل فله جعل واحد لأن الإباق من الرضيع لا يتحقق ثم قال: وإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله جعلان ثمانون درهما لأن الإباق تحقق منهما (2) وقد علل الكمال ابن الهمام وجوب الجعل على من قارب الحلم فقال فى فتح القدير: " لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا " (3) ولكن ابن عابدين قال نقلا عن النهر أن قوله أى فى المبسوط قد قارب الحلم غير قيد لقول شارح الوهبانية: " اتفق الأصحاب ان الصغير الذى يجب الجعل برده فى قول محمد هو الذى يعقل الإباق وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا فى وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده بل الشرط أن يعقل الإباق " (4) . المالكية: يرى المالكية أن الآبق من كبيرا فقد قال الدسوقى فى حاشيته: على الشرح الكبير للدردير عند تعريف الدردير اللقطة بأنها مال معصوم: المال المعصوم يشمل الرقيق الكبير والاصطلاح أنه آبق لا لقطة: " نعم الرقيق الصغير لقطة " ولكنه لم يذكر حد الكبر " (5) . الشافعية: لم نعثر فيما قرأنا من كتب للشافعية على نص يدل على السن التى يعتبر فيها العبد آبقا، غير أنه جاء فى كتاب المنهاج ما قد يؤخذ منه هذا فإنه قد جاء فيه فى باب اللقطة ويجوز أن يلتقط عبدا غير مميز وعند هذه العبارة قال صاحب المغنى ولا يجوز التقاط المميز فى الأمن: " لا فى مفازة ولا غيرها لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه " ومقتضى هذا أن المميز الذى يراد التقاطه يكون ضالا. وإذا اعتبر التمييز أولى. الحنابلة: لتحق الضلال فإنه يعتبر للإباق من باب لم نعثر فيما لدينا من كتبهم على سن محددة للآبق بحيث لو لم يبلغها يكون ضالا ولا يكون آبقا ولكن يمكن أن يؤخذ من جعلهم الآبق الهارب - أن السن فى الإباق هى التى يمكن معها الهرب وهى على الأقل سن التمييز فغير المميز ضال وليس بآبق وقد ذكرنا سابقا ما جاء فى كشاف القناع يقال أبق العبد إذا هربت من سيده (6) . الزيدية: يرى الزيدية أن الإباق الذى يعتبر إباقا شرعا يرد به العبد المبيع إنما يكون إذا كان كبيرا قال صاحب البحر الزخار: " ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد ". ثم نسب إلى الإمام حد الكبر.. فقال: " وحده أى حد الكبر البلوغ وقيل المراهقة قلنا البلوغ أضبط وأقيس (7) وعدم الرد إلا إذا أبق كبيرا عند المشترى يدل على أن الإباق فى الصغر عند البائع ليس عيبا فليس إباقا شرعا. الظاهرية: لم نعثر على سن يكون به العبد آبقا عندهم والذى يظهر أنهم لما اعتمدوا على اللغة فى الفرق بين الضال والآبق يكونون قد اعتبروا أن الإباق ملحوظ فيه الهرب عن الكد والإيذاء، ولا يكون هذا إلا من مميز فيكون التميز هو مناط الإباق. الشيعة الإمامية: لم نعثر على نص صريح عندهم بخصوص السن التى يكون بها الإباق، ولكنا وجدنا من النصوص ما يؤخذ منه أن الآبق يلزم أن يكون مميزا، فقد جاء فى كتاب شرائع الإسلام بصدد تقسيمه للملقوط بأنه إنسان أو حيوان أو غيره " اللقيط: وهو كل صبى ضائع لا كافل له ولا ريب فى تعلق الحكم بالتقاط الطفل (8) غير المميز وسقوطه فى طرف البالغ العاقل وفى الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه لصغره وعجزه عن دفع ضرورته " ثم قال فى شأن من التقط " ولو التقط مملوكا ذكرا وأنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن ولو كان بتفريط ضمن ". فهذا النص يؤخذ منه أن اللقيط إذا أبق من آخذه لا يكون ضامنا واللقيط هو الصغير الذى لم يبلغ على ما ذكره هو فى أول كلامه والمعقول أن الهروب لا يكون من الصغير إلا إذا كان مميزا يعقل الهرب وليس بلازم أن يكون قد بلغ سن المراهقة فغير المميز ضال وليس بهارب. الإباضية: لم نعثر على نص عندهم فى هذا ولكنهم لما جعلوا الأبق هو الهارب كما تقدم فإنه يمكن أن يقال إن الآبق عندهم إنما يكون آبقا إذا كان ممن يتأتى منه الهرب وهذا إنما يتصور فى سن التمييز.

_ (1) ج 1 ص 199، المطبعة الأميرية. (2) ج 11 ص 24، طبعة الساسى. (3) ج 4 ص 439، المطبعة الأميرية. (4) رد المحتار ج 4 ص 358، دار الكتب العربية الكبرى. (5) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 117 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) كشاف القناع ج 2 ص 420 المطبعة العامرية الشرقية 1319. (7) البحر الزخار ج 2 ص 257 طبعة 1949. (8) شرائع الإسلام ج 2 ص 173 طبعة دار مكتبة الحياة سنة 1930.

حكم أخذ الآبق

حكم أخذ الآبق الحنفية: إذا نظرنا إلى الحكم بمعنى الصفة الشرعية فإن أخذ واجده له أفضل من تركه إن كان يقدر على حفظه حتى يرد إلى مولاه وإن كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك والضعف فلا، وذلك لأن الآبق هالك فى حق الموالى فيكون الرد إحياء له، ولكن ابن الهمام اختار أن يكون فيه التفصيل الذى فى اللقطة فقال: ويمكن أن يجرى فيه التفصيل الذى فى اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه وإلا فلا، وذلك بخلاف الضال وهو الذى لم. يهتد إلى طريق منزله فقد قيل أخذة فضل لما فيه من إحياء النفوس والتعاون على البر، وقيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه منتظرا لمولاه حتى يجده وقد جعل ابن الهمام هذا الحلاف فى الضال إذا لم يعلم واجد الضال مولاه ولا مكانه فقال: "ثم لا شك أن محل هذا الخلاف إذا لم يعلم وأجد الضال مولاه ولا مكانه أما إذا علمه فلا ينبغى أن يختلف فى أفضلية أخذه ورده (1) وإذا أخذه وجب عليه فى اختيار شمس الأئمة السرخسى أن يأتى به إلى السلطان أو القاضى فيحبسه منعا له عن الإباق لأنه لا يستطيع هو أن يحفظه أما شمس الأئمة الحلوانى فإنه يختار أن الآخذ بالخيار أن شاء حفظه بنفسه إن كان يقدر على ذلك وإن شاء دفعه إلى الأمام (2) . أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على الأخذ فان الآخذ للآبق إن كان قد أشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده تكون يده عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى فإذا هلك أو أبق لا يضمن وكذا إذا حبسه عن صاحبه بعد أن وصل إليه رادا له حتى يستوفى الجعل فأبق أو هلك ولكنه فى هذه الحال لا جعل له (3) ، أما إذا لم يشهد يكون قد أخذه لنفسه، وأخذ ملك الغير بدون إذنه غصب، فيكون ضامنا له إذا هلك أو أبق كذا يضمنه إذا استعمله فى الطريق فى حاجة نفسه ثم ابق منه ولا جعل له فى هذه الحال (4) . المالكية: أما حكمه بمعنى الصفة الشرعية فإنه يندب لمن وجد آبقا وعرف ربه أن يأخذه له لأنه من باب حفظ الأموال إذا لم يخش ضياعه فإن خشى ضياعه وجب عليه أن يأخذه لسيده حتى وإن علم الواجد خيانة نفسه، وعليه أن يترك الخيانة اللهم إذا خاف على نفسه ضررا من السلطان إذا أخذه ليخبر صاحبه به فإن خاف على نفسه هذا حر م عليه أن يأخذه وإذا كان لا يعرف ربه يكره له أخذه لاحتياجه إلى الإنشاد والتعريف فيخشى أن يصل إلى علم السلطان فيأخذه وإذا أخذه وهو لا يعرف صاحبه رفعه إلى الأمام لرجاء من يطلبه منه (5) وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب عليه فإن يده عليه يد أمانة لا يضمن إلا بالتقصير فى حفظه أو التعدى ولذا إذا أبق من عنده بعد أخذه أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط لأنه أمين ولا يمين عليه، أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن (6) ، وكذلك يضمنه الملتقط إن أرسله (أى أطلقه) بعد أخذه ولو كان ذلك لخوف من شدة النفقة عليه أى يضمن قيمته يوم الإرسال لربه إذا إن كان هلك وسواء فى ذلك ما إذا كان قد أرسله قبل مضى السنة التى يجب عليه تعريفه فيها أو بعده إلا أن يكون قد أرسله لخوف منه أن يقتله أو يؤذيه فى نفسه أو ماله أو لخوف من السلطان بسبب أخذه أن يقتله أو يأخذ ماله أو يضربه ولو كان الضرب ضعيفا لذى مروءة بملأ، والظاهر أن عدم الضمان إذا أرسله لخوف منه محله إذا لم يكن رفعه للأمام وإلا رفعه ولا يرسله فإن أرسله مع إمكان رفعه ضمن ومحله أيضا إذا كان لا يمكنه التحفظ منه بحيلة أو بحارس ولو بأجرة وإلا فلا يرسله ارتكابا لأخف الضررين، والظاهر رجوعه بأجرة الحارس كما يرجع بالنفقة لأنها من متعلقات حفظه (7) . الشافعية: جاء فى كلام الشافعية ما يدل على أن حكم الأخذ بمعنى الصفة الشرعية غير جائز بدون رضا المالك فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى " وإن عمل بلا إذن كأن عمل قبل النداء فلا شىء له، لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال. ودخل العبد - مثلا- فى ضمانه كما جزم الماوردى (8) ". وجاء فيه أيضا وألحق الأئمة بقول الأجنبى: من رد عبد زيد فله على كذا " قوله: فله كذا، وإن لم يقل على لأن ظاهره التزام، فإن قيل: لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الأبق بل يضمن، فكيف يستحق الأجرة؟ أجيب بأنه لا حاجة إلى الإذن فى ذلك لأن المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء فى الرد (9) 0 "، فهذان النصان يدلان على أنه لا يجوز أخذ الآبق بدون إذن صاحبه: كأن ينادى بجعل لمن يرد آبقه أما قبل الإذن فلا يصح التقاطه، وقد جعلوا نداء الأجنبى كإذن المالك، لأن المالك يرضى بالرد والجعل قطعا. وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب على الأخذ- فهو أن من أخذه بدون رضا المالك بصورة ما يكون ضامنا له، لأنه فى حكم الغاصب حينئذ، أما إذا أخذه بعد إذنه فإنه يكون أمينا لا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى المغنى " يد العامل على ما يقع فى يده (والآبق داخل فى ذلك) إلى أن يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره (10) ". الحنابلة: يرى الحنابلة أن حكم أخذ الآبق - بمعنى صفته الشرعية- جائز فقد جاء فى كشاف القناع " وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو (أى الآبق) كضوال الإبل، لكن جاز التقاطه لأنه لا يؤمن لحاقه بدار الحرب (11) " والذى يدل على أن المراد بالعبد فى عبارة كشاف القناع هو الآبق- كما فسرته- ما جاء فى المغنى لابن قدامة: " ويجوز أخذ الآبق لمن وجده.. ثم علل ذلك بقوله: وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد، بخلاف الضوال التى تحتفظ بنفسها (12) ولم يستدل من كتب المذهب على المراد بالجواز عندهم: هل هو الاستحباب أو الإباحة؟ ولعله الإباحة لأنهم قابلوه بما لا يجوز أخذة، وهو الضوال التى تحتفظ بنفسها، لاختلافه عنها بأنه يخشى لحاقه بدار الحرب أو اشتغاله بالفساد. أما حكم الأخذ بمعنى الأثر المترتب عليه - فهو أن الآبق أمانة: لا يضمن أخذه إلا بالتقصير أو التعدى. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة فإن أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا أقام البينة أو اعترف العبد أنه سيجده، وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه ثم قال: وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يحتفظ بنفسه (أى لا يتلف) فهو كضوال الإبل (13) ". الزيدية: يرى الزيدية أن ضبط العبد الآبق من حيث الحكم بمعنى الصفة الشرعية مستحب فقد جاء فى حواشى شرح الأزهار " والعبد الآبق كالضالة، فيستحب ضبطه وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فكالضالة (14) ". أما حكمه بمعنى الأثر المترتب على أخذه فإن يد آخذه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى البحر الزخار فى كتاب الضالة " ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريط أو جناية إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جنى أو فرط فالأكثر يضمن (15) ". وقوله هنا فى هذا النص: حيث لم يأخذ لغرض نفسه يريد منه إذا لم يأخذ للتملك لأنه قد قال فى الضالة وإن أخذها ليملك فهو غاصب، وقوله الأكثر يريد منه العترة والأئمة الأربعة والآبق كالضالة من حيث جواز الالتقاط فيأخذ حكمها من حيث ضمان الأخذ وعدم ضمانه. وكذلك يضمن إذا أخذها بنية الرد، ولكنه أعادها إلى حيث كانت فقد جاء فى البحر الزخار " ومن أخذ لمجرد نية الرد لم يضمن ما تلف، فإن ردها إلى حيث كانت ضمن للتفريط (16) . الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن حكم أخذ الآبق من حيث صفته الشرعية أنه فرض، فقد جاء فى كتابه المحلى (والإباق من العبيد والإماء، وما أضل صاحبه منها، والغنم التى تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ولا إنسان وغير ذلك كله ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا، فإن يئس من معرفة صاحبها أدخلها الحاكم أو واجدها فى جميع مصالح المسلمين (17) . ثم استدل على أخذ الإباق والضوال من الحيوان والضال من العبيد بقوله، (18) وبقى حكم الحيوان كله حاشا ما ذكرنا (19) موقوفا على قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى (20) ،، ومن البر والتقوى إحراز مال المسلم أو الذمى وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلا يحل لأحد مال أحد إلا ما أحله الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أما حكم أخذ الأبق من حيت الأثر المترتب عليه فإنه يجب على من أخذه أن يعرفه أبدا فإن يئس من معرفة صاحبه أدخلها الحاكم أو الواجد فى جميع مصالح المسلمين ولا يملكه الواحد أبدا وقد ظهر لك هذا من النقل الذى نقلناه عن المحلى فى أول الكلام عن هذا الموضوع ولكنه يجب عليه قبل التعريف أن يشهد عند أخذه كما يظهر ذلك من قوله: من وجد مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء فى أرض العجم أو أرض العرب العنوة أو الصلح مدفونا أو غير مدفون، إلا أن عليه علامة أنه ضرب مدة الإسلام أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فهو لقطة وفرض عليه أخذة وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته وتعريفه هو أن يقول فى المجامع التى يرجو وجود صاحبها فيها أو لا يرجو: من ضاع له مال فليخبر بعلامته هذا كله إذا لم يعرف صاحبها أما إذا عرف فيقول ابن حز م الظاهرى فيه: وأما ما عرف ربه فليس ضالة لأنها لم تضل جملة بل هى معروفة وإنما الضالة ما ضلت جملة فلم يعرف صاحبها أين هى ولا عرف أتجدها لمن هى وهى التى أمر عليه السلام أتنشدها (21) . ومقتضى هذا النص أنه لا يجب عليه نشدها أى التعريف ولكن يجب عليه أخذها ليردها إلى صاحبها من حيث ذكر فى الآبق وا لضال سابقا وجوب أخذه ونشده إلى أن ييأس من معرفة صاحبه، فإذا انتفى منا وجوب نشده لمعرفة صاحبه، بقى وجوب أخذه والرد على صاحبه. الشيعة الإمامية: يرى الشيعة عدم أخذ العبد الذى ليس فى يد صاحبه إن كان بالغا أو مراهقا، ولم يفرقوا بين الضال والآبق وجعلوه كالضالة الممتنعة من السباع والإنسان وتحتفظ بنفسها، فقد جاء فى شرائع الإسلام: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة (22) . هذا هو الحكم بمعنى الصفة الشرعية أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على أخذ الآبق فإنه يكون ضامنا له ولا يبرأ لو أرسله بعد أخذه ويجب عليه أن يسلمه لصاحبه أو إلى الحاكم، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حينما أحال حكم أخذ الآبق إلى حكم الضالة الممتنعة فى النص السابق، وإننا حينما ننظر إلى حكم الضالة الممتنعة نجده يقول: " فالبعير لا يؤخذ إذا وجد فى كلأ وماء أو كان صحيحا لقوله - صلى الله عليه وسلم - " خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تمتحه " أى لا تأخذه، فلو أخذه ضمنه ولا يبرأ لو أرسله ويبرأ لو سلمه لصاحبه فإن فقده أى لم يجد صاحبه أو لم يعرفه سلمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح، فإن كان له (أى الحاكم) حمى أرسله فيه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه (23) . ومراده بالضالة الممتنعة التى تمتنع على صغار السباع كالإبل القوية والبقر الكبار والغزلان المملوكة، وفى النص السابق ذكره أنه أخذ عبدا مملوكا بالغا أو مراهقا ولم يفصل بين ما إذا كان ضالا أو آبقا فيكون مقتضاه أن حكمهما واحد، وأن الأبق مثل الضال وضالة الإبل القوية ونحوها مما ذكرنا. ما يجب أن يفعله أخذ الأبق عند أخذه: الحنفية: يرى الحنفية أنه يجب على آخذ الأبق أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على مالكه، لأنه يجب عليه أن يفعل ذلك عند أخذ اللقطة إذ الآبق حكمه فى ذلك حكم اللقطة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- " من وجد ل

مقدار الجعل ومتى يستحق.

مقدار الجعل ومتى يستحق. مقدار الجعل ومتى يستحق ومتى يكون عليه الجعل: الجعل هو المقدار المعين من المال الذى يستحقه من رد الآبق أو الضالة وكلامنا عليه هنا يكون فى مقداره، ومتى يستحق وعلى من يكون، وللفقهاء فى هذا آراء نذكرها فيما يأتى: الحنفية: مقدار الجعل عند الحنفية كان بتقدير الشارع وهو قول الرسول - عليه السلام- " جعل الآبق أربعون درهما " وهو أربعون درهما إذا رده من مسافة قصر للصلاة وهى ثلاثة أيام بلياليها فأكثر فإن رده لأقل من ذلك فقولان، قول بأن الجعل يكون بحسب المسافة التى رد منها منسوبة للأربعين درهما أى أنه إذا رده لربع مسافة القصر يكون له عشرة دراهم وإذا رده لنصفها يكون له عشرون درهما وهكذا، وقول بأنه يرضخ له أى يعطى قليلا غير كثير فإن اتفقا على الرضخ فيها، وإن اختلفا قدره الإمام وكذلك إذا رده فى المصر يكون بحسابه أو يرضخ له بناء على الرأيين السابقين وروى عد أبى حنيفة أنه لا شىء له إذا رده فى المصر، ولكن الرضخ هو المفتى به على ما ذكر صاحب الدر المختار وجعله صاحب رد المحتار ابن عابدين نقلا عن صاحب البحر أنه الصحيح (1) ولا فرق فى إيجاب الأربعين بين ما إذا كانت قيمة الآبق أقل من أربعين أو أربعين فأكثر على الرأى المشهور عند الحنفية وهو رأى أبى يوسف، لأن تقديره ثبت بالنص بلا تعرض لقيمته فيمنع النقصان كما تمنع الزيادة ولذا يكون الصلح بأكثر منه غير جائز بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط للبعض ولو حط الكل كان جائزا فكذا البعض، أما محمد فقد قال: تجب قيمته إلا درهما لأن وجوبه ثبت إحياء لحقوق الناس نظرا لهم ولا نظر فى إيجاب أكثر من قيمته، وقد روى أيضا عن كل من محمد وأبى يوسف مثل رأى صاحبه وروى عن أبى يوسف أيضا أنه ينقص منه قدر ما تقطع اليد (2) ، وأما أبو حنيفة فرأيه كرأى محمد كما ذكر الشهاب الشلبى فى حاشيته على كتاب تبيين الحقائق للزيلعى على الكنز نقلا عن شرح الطحاوى (3) وكذا ذكره الكمال ابن الهمام فى فتح القدير (4) ، وقد ثبت الجعل للراد استحسانا وإن لم يشترط لأن القياس يقضى بأنه لا شىء له إلا بالشرط كأن يقول مالكه: من رد عبدى على فله كذا لأنه فى حالة عدم الشرط يكون متبرعا بمنفعته، ووجه هذا الاستحسان هو ما روى عن عمرو بن دينار أنه قال: لم نزل نسمع أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " جعل الآبق أربعون درهما " فقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- لرد الآبق جعلا، أما الضال فلا جعل فى رده لأنه لم يسمع عنه - صلى الله عليه وسلم - جعلا فى رده فيلزم الاقتصار فى ذلك على مورد النص ولأن إيجاب الجعل فى رد الآبق حامل لوا جده على رده إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس والحاجة إلى صيانة الضال أقل من الحاجة إلى صيانة الآبق، لأن الآبق يختفى عن أعين الناس هربا من الرجوع إلى سيده، أما الضال فإنه يظهر ليرده الناس (5) . ويستوى فى وجوب الجعل كل رقيق أبق ولو كان فيه شائبة الحرية كالمدبر وأم الولد إلا المكاتب، فإنه لا جعل له، لأن المدبر وأم الولد وإن كان فيهما شائبة الحرية لتحرر المدبر بموت سيده متى خرج من الثلث وأم الولد تعتق بموت سيدها- إلا أنهما مملوكان للسيد ويستكسبهما كالقن، فيحصل بالرد إحياء المالية من هذا الوجه. والجعل إنما كان لإحياء المالية، أما المكاتب فإنه أحق بمكاسبه، فلا يوجد فيه إحياء لمال المولى وهذا فيما إذا رد المدبر وأم الولد فى حياة المولى. أما إذا ردا بعد وفاته فلا جعل للراد بخلاف ما إذا رد القن بعد وفاته، وذلك لأن المدبر إن خرج من الثلث يعتق، ولا جعل فى الحر، وإن لم يخرج فكذلك عند الصاحيين، لأنه حر عليه دين، إذ العتق لا يتجزأ عندهما، وهو عند الإمام مكاتب ولا جعل على المكاتب، وأما أم الولد فإنها تعتق بموت سيدها، فلا جعل فيها لحريتها بعد موت سيدها ولا جعل فى الحر أما القن الذى جاء بها الراد بعد موت سيده ففيه الجعل، لأنه لا يزال رقيقا (6) . أما متى يستحق الجعل فإن الراد يستحقه برده لسيده، فلو مات أو أبق منه قبل الرد فلا جعل له، ويعتبر متسلما له إذا باعه من الراد عند حضوره وقبل أن يقبضه بيده لسلامة البدل وهو الثمن له أى للسيد وكذا لو اعتقه فى هذه الحال لأن الإعتاق منه قبض وكذا إذا وهبه لابنه الصغير لأن هبة الآبق لصغيره جائزة لأنه باق فى يده حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمى الذى بقى له أما إذا وهبه لغير صغيره ولو كان للراد نفسه لا يكون قابضا قبل الوصول إلى يده (7) وهذا مشروط بأن يصدقه السيد فى الإباق فإذا أنكر المولى إباقه كان القول له مع يمينه إلا إذا شهد شهود أنه أبق من مولاه أو يشهده على إقرار المولى بإباقه (8) ولكنه يلزم مع ما تقدم لاستحقاق الجعل أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على سيده متى تمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط الإشهاد ويكون القول قوله فى أنه لم تمكن وإن لم يشهد عند أخذه مع التمكن لا يكون له الجعل لأنه يكون آخذا لنفسه فيكون غاصبا، ولو كان الراد قد اشتراه من وا جده وأشهد حين اشتراه أنه قد اشتراه ليرده على سيده يكون له الجعل لأنه لا يقدر على رده إلا بالشراء ولكنه يكون متبرعا بالثمن وكذلك يلزم الاستحقاق الراد الجعل ألا يكون ممن يجب عليه ذلك ولا ممن يعمل متبرعا فليس للسلطان أو نائبه ولا لحافظ المدينة ولا للخفير جعل، لأن ذلك مما يجب عليه ولا لوصى اليتيم المالك للعبد ولا لعائله جعل لأن من شأنه حفظ ماله، وكذا من استعان به السيد فى رده كان يقول له السيد: إن وجدته فخذه فقال: نعم لأن ذلك متبرع بالإعانة، ومثله كل من جرت العادة بأنه يرده عليه تبرعا كأحد الزوجين أو أحد الأبناء أو أحد الشركاء أو من يكون فى عياله بأن يكون ممن يعوله المالك ويمونه فلا جعل للأب أو الأم إذا رد عبد الابن إذا كان فى عيال الابن (9) أما إذا لم يكن أحد الأبوين فى عيال الابن فله الجعل لأن خدمة الابن غير مستحقة عليه (10) . واشتراط إشهاد الراد- عند أخذ الآبق- أنه أخذه ليرده حتى يستحق الجعل هو المشهور عند الحنفية لم وهو رأى أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أنه يستحق الجعل وإن لم يشهد ما دام قد أخذه ليرده لا لنفسه، لأن الإشهاد غير واجب عليه عنده، بل مستحب (11) أما من يكون عليه الجعل فهو السيد فيما ذكرنا: من القن والمدبر وأم الولد، وكذا إذا كان مأذونا ولم يركبه دين، أما إذا كان مأذونا وركبه دين فإنه يكون على السيد إذا اختار قضاء دينه، وعلى الغرماء إذا اختار بيعه فى الدين. وحينئذ يأخذ الراد جعله من الثمن، وما بقى يعطى لأصحاب الديون لأنه مؤنة الملك فيجب على من يستقر له الملك ويكون على صاحب الخدمة إذا أوصى سيده برقبته لشخص وبخدمته لأخر يدفعه المخدوم فى الحال ولكنه يرجع به على صاحب الرقبة عند انتهاء الخدمة أو يباع العبد فيه إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل، لأن الموصى له بالرقبة فى حكم المالك ويكون على المرتهن إذا كانت قيمته مساوية للدين أو أقل أما إذا كانت أكثر فعليه بقدر دينه والباقى على الراهن لأن حقه: أى المرتهن، بالقدر المضمون منه أى من العبد وهو قيمة الدين فلو كانت قيمته أربعمائة والدين ثلاثمائة يكون على المرتهن ثلاثون وعلى الراهن عشرة لأن الجعل المقدر شرعا أربعون درهما وإن اصطلحا على أقل يكون بهذه النسبة (12) ويكون على من سيصير إليه إذ كان العبد قد جنى خطأ قبل الإباق أو بعده قبل أن يأخذه الراد فيكون على المولى إن اختار فداءه وعلى أولياء الجناية إن اختار دفعه إليهم، ولو اختار المولى الدفع ثم قضى عليه بدفع العبد إلى أولياء الجناية كان له الرجوع على المدفوع إليه الجعل، وإنما كان الجعل على المولى إن اختار فداءه لأنه طهره عن الجناية باختياره فصار كإنه لم يجن وأحيا الراد ماليته بالرد عليه، وأما كون الجعل على أولياء الجناية إن اختار المولى دفعه بها فلأن الراد برده قد أحيا حقهم (13) . أما الموهوب له هذا الآبق فقد جاء عنه فى الزيلعى " فإن الجعل عليه وإن رجع الواهب فى هبته بعد الرد لأن الموهوب هو المالك وزوال ملكه فى حالة رجوع الواهب بعد الرد إنما كان بتقصير منه وهو بتركه التصرف فيه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بالرد، أما إذا كان الآبق مغصوبا فإن جعله على الغاصب لأن ضمان جناية العبد المغصوب تكون على الغاصب، وإذا كان الأبق ملكا لصبى فجعله فى ماله لأنه مؤنة ملكه (14) " وما دام الجعل يكون على المالك فى بعض الأحوال. " فإنه إذا كان الآبق مشتركا بين شخصين يكون على كل واحد من الجعل بقدر نصيبه فلو كان أحدهما غائبا فأعطى الحاضر الجعل كله للراد لا يكون متبرعا بنصيب الغائب لأنه لا يمكن أن يأخذه حتى يعطى تمام الجعل فيكون له الرجوع على الغائب بما أصابه من الجعل لأنه مضطر فيما أعطاه للراد إذ أنه لا يصل إلى نصيبه إلا بذلك (15) ". المالكية: مقدار الجعل عندهم هو ما سماه الجاعل وسمعه العامل مباشرة أو بالواسطة وليس عندهم قدر معين شرعا فى الجعل كما هو عند الحنفية على نحو ما ذكرنا عنهم فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: من سمع قائلا يقول: من يأتينى بعبدى الآبق مثلا فله كذا فأتاه به من غير تواطؤ فإنه يستحق ما التزمه الجاعل (16) . وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى جعل المثل فقد قال الدسوقى: لا يشترط العلم بالمجعول عليه بل تارة يكون مجهولا كالآبق فإنه لا بد فى صحة الجعل على الإتيان به ألا يعلم مكانه فإن علمه ربه فقط لزمه الأكثر مما سمى وجل المثل وإن علمه العامل فقط كان له بقدر تعبه عند ابن القاسم، وقيل لا شىء له وإن علماه معا فينبغى أن له جعل مثله نظرا لسبق الجاعل بالعداء (17) وكذلك يستحق جعل المثل إذا لم يسمع العامل - ولو بالواسطة- الجاعل حينما سمى جعلا فى رد آبقه إذا كان هذا العامل من عادته رد الإباق فقد قال الدسوقى: " ولمن لم يسمع الجاعل أى لا مباشرة ولا بالواسطة وإلا استحق المسمى بتمام العمل وحاصله أنه إذا قال المالك من أتى بعبدى الآبق فله كذا فجاء شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بالواسطة أو أن ربه لم يقل شيئا فجاء به شخص فانه يستحق جعل المثل سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى أو أقل منه أو مساويا له بشرط كون ذلك الشخص الآتى به من عادته طلب الإباق فإن لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط (18) ، والمراد من النفقة التى ذكرها هو ما أنفقه فى سبيل تحصيله فقد قال الدسوقى نفسه: أى فله ما أنفقه حال تحصيله على نفسه وعلى العبد من أجرة دابة أو مركب اضطر إليها بحيث لم يكن الحامل على صرف تلك الدراهم إلا تحصيله لأن تلك الدراهم بمثابة ما فدى به من ظالم، أما ما شأنه أنه ينفقه العامل على نفسه فى الحضر كالأكل والشرب فلا يرجع به على ربه، ثم قال تعليقا على كلام الدردير: وما أنفقه عليه من أكل وشرب الأولى إسقاط ذلك لأن نفقة الطعام والشرب والكسوة على ربه ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (19) أما إذا سمعه من شأنه رد الإباق ولو بالواسطة فلا شىء له إلا المسمى وفى حالة ما إذا لم يسمعه يكون لرب الآبق أن يترك عبده للعامل فقد قال الدردير: ولربه - أى الآبق- تركه للعامل حيث لم يسمع من عادته طلب الضوال وأتى به لربه كانت قيمته قدر جعل المثل أو أقل أو أكثر ولا مقال له، بخلاف ما إذا سمعه سمى شيئا ولو بالواسطة فله ما سماه ولو زاد على قيمة العبد لأن ربه ورطه (20) وكذ

نفقة الآبق والرجوع بها

نفقة الآبق والرجوع بها الحنفية: يرى الحنفية أن آخذ الآبق إذا انفق عليه بدون إذن الحاكم يكون متبرعا، فلا يرجع بما أنفق على سيده، أما إذا أذنه الحاكم فإنه يرجع على سيده بما أنفق بشرط أن يقول فى إذنه له: " على أن ترجع بما أنفقت " فإذا لم يقل ذلك لا يكون له الرجوع فى الأصح، وذلك لأنه لو أذنه بشرط الرجوع يكون دينا على سيده، لأن للقاضى. ولاية فى مال الغائب، وهو هنا السيد وولايته على الآبق نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق. أما إذا لم يشترط فى إذنه الرجوع فإنه لا يكون دينا فى الأصح ولآخذ الآبق أن يحبسه عن السيد حتى يأخذ ما أنفق، كما يصح للبائع أن يحبس المبيع حتى يأخذ الثمن (1) . وإذا كان المنفق عليه السلطان فى حالة ما إذا عجز الآخذ عن حفظه وأتى به إلى السلطان فإن السلطان ينفق عليه من بيت المال مدة حبسه، ثم يأخذ ما أنفقه من صاحبه عندما يجىء لطلبه ويرده إلى بيت المال. فإذا لم يجىء للعبد طالب وطالت مدته: بأن بلغت ثلاثة أيام كما جاء فى فتح القدير، وستة أشهر كما جاء فى ابن عابدين نقلا عن التترخانية - باعه القاضى وامسك ثمنه بعد أخذ ما أنفق لبيت المال منه. فإذا جاء مالكه وأقام البينة على أنه مالكه وحلف أنه لا يزال على ملكه- وهو قائم فى يد المشترى- لا يأخذه ولا ينتقص بيع القاضى، لأنه كحكمه، ولا يؤجره السلطان أو آخذه وينفق عليه من أجرته، لأنه يخشى إباقه، ولا يقاس فى ذلك على الضال، لأن الضال لا يخشى إباقه، كما أنه لا يقاس عليه فى عدم بيعه وإن طالت مدته، لأن الضال ينفق عليه من أجرته فلا يخشى أن تستأصل النفقة ثمنه 0 أما الآبق فإن دارة النفقة تستأصل ثمنه. ضرورة أن نفقته من ثمنه لا من أجرته (2) . المالكية: يرى المالكية أن نفقة العبد الآبق فى رقبة لا فى ذمة سيده، قال الدردير فى الشرح الكبير فى حالة ما إذا أبق العابد الآبق من الملتقط: " لا يبين على الملتقط (أى يصدق فى دعواه أنه أبق عنده من غير يمين) لأن نفقته على الآبق فى رقبته فلا يتهم بالتفريط لضياع نفقته عليه (3) ". ومعنى كونها فى رقبته أنه إذا جاء سيده لأخذه دفعها، لأن الرقبة للسيد: فقد جاء فى حاشية الدسوقى: " إن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه، ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (4) ". وقد تقدم فى عنصر (حكم أخذ الآبق) أن الظاهر أنه يرجع على السيد أيضا بما أنفقه على المحافظة على الآبق كأجرة الحارس إذا كان يخشى منه إيذاء لأنها من متعلقات حفظه. هذا إذا كان من رده غير معتاد لرد الإباق والضلال أما إذا كان معتادا ذلك وقد وجب له الجعل، أو وجب له جعل المثل، فإن نفقة الآبق عليه ولو استغرقت الجعل (5) . أما إذا كان الآخذ قد رفعه إلى الأمام فإن الأمام ينفق عليه من بيت المال مدة وقفه (أى حفظه) ، وهى سنة. فإذا جاء ربه أخذ منه النفقة وردها إلى بيت المال. أما إذا لم يجىء إلى نهاية السنة فإنه يبيعه، كما أن له أن يبيعه قبل مضيها إن خشى عليه ويأخذ ما أنفق من ثمنه ويرده إلى بيت المال (6) . الشافعية: يرى الشافعية أن الإنفاق على الآبق ممن أخذه ليرده يكون تبرعا إلا إذا كان قد انفق عليه مدة الرجوع بإذن الحاكم، أو يشهد أن لم يجد الحاكم أنه أنفق ليرجع، فقد جاء فى المغنى للخطيب الشربينى: " وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن الحاكم، أو يشهد عند فقده (أى فقد الحاكم وعدم وجوده عنده) ليرجع (7) ". وليس له حبسه حتى يأخذ النفقة إذا كانت بإذن المالك، كما أنه لا يحبسه حتى يأخذ الجعل، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج: " وإذا رده: أى الآبق على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم. ولا حبس قبل التسليم. وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك (8) ". الحنابلة: يرى الحنابلة أنه إذا أنفق عليه آخذه ليرده إلى سيده تكون النفقة على سيده، يأخذها منه عند رده، فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى: " وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه. وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده، وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه، فرجع به عليه كما لو أذن له، وأنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه، فرجع به عليه، كما أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على إمرأته ما يجب عليه من النفقة (9) ". الزيدية: يرون أن آخذه ينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، وإلا فكاللقطة، فقد جاء فى البحر الزخار: " وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فهو كاللقطة (10) ". وقد ذكر حكم الإنفاق على اللقطة بقوله: " يرى القاسمية أن عليه أن ينفق عليها ولو بنية الرجوع. ويرجع بما أنفق عليها، أو لنقلها، ولو بغير إذن الحاكم. ويرى زيد بن على والناصر والمؤيد بالله أنه لا ينفق عليها إلا بإذنه. قلنا: له الولاية على حفظها بدليل مطالبة غاصبها بعينها أو قيمتها، فكذا إنفاقها، وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق (11) ". الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن من وجد الضالة فأنفق عليها كان متبرعا، لأن صاحبه لم يأذنه بذلك، فقد قال فى المحلى: " ولا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن يؤدى إلى الذى وجده عنده ما أنفق عليه، لأنه لم يأمره بذلك، فهو متطوع بما أنفق ... ثم روى عن الشعبى: إن رجلا أضل بعيرا له نضوا أى مهزولا فأخذه رجل فأنفق عليه حتى صلح وسمن، فوجده صاحبه عنده فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له بالنفقة ورد الدابة إلى صاحبها. قال الشعبى: أما أنا فأقول: يأخذ ماله حيث وجده: سمينا أو مهزولا. ولا شىء عليه (12) ". فهو 0 كما ترى يأخذ برأى الشعبى فى الضالة، والآبق عنده فى حكم الضالة كما ذكرنا. الشيعة الإمامية: يرون أن نفقة الآبق تكون على مالكه، إن لم يكن قد وضع عليه يد ضامنة كيد الغاصب، وقد تقدم أن ذكرنا ذلك حين الكلام على من يكون عليه الجعل، وقد قال صاحب شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ... ثم قال: ولو أنفق عليه باعه فى النفقة إن تعسر عليه استيفاؤها (13) ". دية الآبق، ولمن تكون وعلى من يكون ضمان ما يتلفه هو؟ الحنفية: يذهب الحنفية إلى أن حكم الآبق فى الجناية منه أو عليه كالحكم فيها فى المصر، فقد جاء فى المبسوط للسرخسى: " والحكم فى جناية الآبق والجناية عليه وفى حدوده كالحكم فيها فى المصر لأن الرق فيه باق بعد الإباق. وملك المولى قائم فيه. وباعتباره يخاطب بالدفع والفداء عند قدرته عليه (14) " فتكون ديته إذا قتل على وجه يستوجب الدية، أو قطع من أطرافه ما يستوجب الأرش- لسيده. ودية العبد بقدر قيمته، ونصفها بقدر نصفها ومادون ذلك فبالنسبة إليها. أما متى تجب الدية كاملة أو نصفها أو دون ذلك فينظر فيه مصطلح (دية) . ضمان ما يتلفه الآبق حكم الآبق فى جنايته على شىء كالحكم فيها فى المصر كما قدمنا. والعبد فى المصر قد تكون جنايته إتلافا للنفس أو لجزء من آدمى، وقد تكون إتلافا لمال، فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية بشأنهما " ففى الأول خير المولى بين الدفع والفداء. وفى الثانى خير بين الدفع والبيع (15) ". أما فى حالة القصاص فإنه لا بد أن يدفعه إلى الحاكم أو ولى الدم ليستوفى منه القصاص إلا إذا رضى ولى الدم بالعفو عنه وتصالح على أخذ الدية. ومتى اختار المولى أحد الأمرين الدفع أو الفداء فى الحالة الأولى وفعله فلا شىء لولى الجناية سواه. أما الدفع فلأن حق ولى الجناية متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق المطالبة عن المولى. وما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش. فإذا أوفاه حقه سلم العبد له. وكذا إذا اختار أحدهما قولا ولم يفعل، أو فعل ولم يختره قولا يسقط حق ولى الجناية فى الأخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من الاستيفاء. والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المولى قادرا على الأرش أو غير قادر عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه اختار أصل حقهم إذ أصل حقهم الأرش، وإنما جاز دفع العبد تخفيفا عنه، ومتى اختار أصل حقهم بطل حقهم فى العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا لأولياء الدم. وقال الصاحبان: لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضاء الأولياء، لأن العبد صار حقهم بإفلاسه لأن الأصل عندهم دفع العبد، حتى إن المولى يضمنه بالإتلاف، فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم، وهو الدية. ومتى اختار أحدهما وجب عليه حالا (16) . أما إن كان ما أتلفه مالا فقد بينا لك أنه مخير بين الدفع والبيع ليدفع قيمة ما أتلفه فيما نقلناه عن الفتاوى الأنقروية، وإذا كان مرهونا فإن ما يتلفه يكون على المرتهن إذا كانت قيمة العبد تساوى الدين أو أقل. أما إذا كانت أكثر فإن قيمة ما يتلفه تقسم بين المرتهن والراهن بنسبة الدين والزيادة فى القيمة (17) . المالكية: أما المالكية فعندهم دية العبد هى قيمته بالغة ما بلغت، فقد قال ابن رشد الحفيد: " وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال قوم على القاتل قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر وبه قال مالك والشافعى وأبو يوسف " ... ثم قال: وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة أصله سائر الأموال (18) . وواضح ان الأبق لا يزال عبدا مملوكا لسيده فديته تكون لسيده. أما ما يتلفه العبد فأما أن يكون بجناية على الآدمى، وأما أن يكون بجناية على المال. فإن كان بجناية على آدمى. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: "وإن قتل عبد عبدا مثله أو حرا عمدا وثبت القتل ببينة أو، قسامة فى الحر- خير ولى المقتول ابتداء فى قتل العبد واستحيائه (أى طلب بقائه حيا على أن يأخذه أو يأخذ الدية) فإن اختار القتل فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين تسليمه، أو فداؤه (19) . ومادام سيده له فداؤه فهو الذى سيكون ملزما بهذا الفداء نظير جناية العبد الآبق وواضح أن هذا الخيار لا يتحقق إلا إذا كان الآبق قد رد فلا تلزمه هذه الدية إلا بعد رد الآبق. الشافعية: يرى الشافعية أن دية الرقيق لسيده والآبق رقيق، فقد جاء فى الإشباه والنظائر للسيوطى: من أستحق القصاص فعفى عنه على مال فهو له (20) - أنظر جناية الرقيق وديته. وقال فى الإشباه أيضا: " إذا جنى على عبد فى حال رقه فقطع يده مثلا ثم عتق ومات بالسراية فوجب فيه دية حر فإن للسيد فيها على أصح القولين- أقل الأمرين: من كل الدية ونصف القيمة (21) . ومعروف أن الآبق لا يزال عبدا. فيكون حكمه ما ذكر. أما ما يتلفه الآبق فإما بجناية على الآدمى، أو على المال. فإن كان جناية على الآدمى وكانت موجبة للمال فقد قال صاحب المنهاج وشارحه صاحب المغنى: " جناية العبد الموجبة للمال وهى ما كانت غير عمد أو عمدا وعفا ولى الجناية على مال فالمال يتعلق برقبته بالإجماع كما حكاه البيهقى إذ لا يمكن الزامه لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون فى ذمة العبد إلى عتقه للإضرار بالمستحقين " ثم بين صاحب المغنى معنى التعلق بالرقبة بأنه يباع ويصرف ثمنه إلى الجناية، ولا يملكه المجنى عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء.. ثم بين هذا الفداء فقال وله أيضا فداؤه فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه فى الجديد بالأقل من قيمته ومن الأرش لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة وهى بدلها أو الأرش فهو الواجب ثم قال: وفى القديم يفديه بأرشها بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ر

بيع الآبق ومتى يجوز؟

بيع الآبق ومتى يجوز؟ الحنفية: بيع الآبق قد يكون من المالك وقد يكون من القاضى وقد يكون من الآخذ فالمالك يصح له أن يبيعه إن كان قادرا على تسليمه للمشترى، وذلك بأن يحضر به الآخذ إلى سيده ليرده فباعه إليه السيد قبل تسليمه فعلا لأنه بالتخلية بين الأبق والراد يعتبر مسلما فقد جاء فى المبسوط: " وإذا انتهى الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب ... إلى أن قال: وكذلك إن باعه مولاه من الذى أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره ". " أى الراد " (1) . بخلاف ما إذا باعه لغير واجده فإنه لا يجوز للعجز عن التسليم. قال صاحب المبسوط: " ويجوز بيع الآبق ممن أخذه " أى لمن أخذه لأن امتناع جواز بيعه من غيره لعجزه عن التسليم إليه ولا يوجد ذلك هنا لأنه بنفس العقد يصير مسلما إلى المشترى لقيام يده فيه فلهذا جاز بيعه منه (2) . أما بيع القاضى له فإنه يكون له بيعه إذا حبسه وطالت مدة حبسه ولم يحضر صاحبه ليأخذه، وقد جاء فى فتح القدير أن طول هذه المدة يقدر بثلاثة أيام (3) . وعلل ذلك بأن دارة النفقة أى استمرارها مستأصلة ولا نظر فى ذلك للمالك بحسب الظاهر، واعتبره فى هذا بالضالة الملتقطة. ولكن صاحب الفتاوى الأنقروية قد ذكر نقلا عن التترخانية أن مدة هذا الحبس تقدر بستة أشهر ثم يبيعه بعدها (4) . أما آخذه، فإنه لا يصح له بيعه إلا إذا كان ذلك بأمر القاضى فقد جاء فى المبسوط: "دخل أخذ عبدا آبقا فباعه بغير إذن القاضى ثم أقام المولى بينة أنه عبده فإنه يسترده من المشترى والبيع باطل لأن الآخذ باعه بغير ولاية له فإن ولاية تنفيذ البيع له فى ملك الغير إنما تثبت بإذن المولى أو إذن القاضى بعد ما تثبت الولاية له فإذا باعه بدون إذن القاضى كان البيع باطلا (5) ". المالكية: يرى المالكية أن بيع المالك للآبق حال إباقه لا يصح إلا إذا علم المبتاع مكانه وإنه عند من يسهل أخذه منه وعلم صفته، فقد قال الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير نقلا على المتيطى: " ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع موضعه وصفته وكان عند من يسهل خلاصه منه فإن وجد هذا الآبق على الصفة التى علمها المبتاع قبضه وصح البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان ضمانه من البائع ويسترجع المبتاع الثمن (6) ". أما القاضى فله بيعه بعد مضى سنة والقاضى. هنا هو الإمام أو القاضى الذى أنابه عنه فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " فإن أخذه (أى الملتقط) رفعه إلى الأمام رجاء من يطلبه منه ووقف عند الإمام سنة: أى وينفق عليه فيها فإن أرسله فيها ضمن ثم إذا مضت السنة ولم يجئ ربه بأن الإمام: أى إذا لم يخش عليه قبلها وإلا بيع قبلها ولا يهمل أمره بل يكتب اسمه وحليته "أى أوصافه " مع بيان التاريخ والبلد وغير ذلك مما يحتاج إلى تسجيله ويشهد على ذلك ويجعل ثمنه فى بيت المال حتى يعلم ربه ويأخذ النفقة التى أنفقها عليه فى السنة من ثمنه ولا يلزمه الصبر إلى أن يحضر ربه وكذا أجرة الدلال ومضى بيعه وإذا قال ربه عند حضوره: كنت أعتقته سابقا قبل الإباق أو بعده لا يلتفت إلى قوله لاتهامه على نقض بيع القاضى ولكن إذا أقام بينة عمل بها ونقض البيع (7) ". وأما الآخذ فلا يصح له بيعه فقد جاء فى حاشية الدسوقى والشرح الكبير: "ولا يلزمه (أى القاضى) الصبر (أى بنفقته وعدم بيعه) إلى أن يحضر ربه: أى بخلاف من أخذه لكونه يعرف ربه فإنه يلزمه الصبر بنفقته حتى يحضر دبه ولا يجوز له بيعه وأخذ نفقته من الثمن قبل أن يجئ ربه (8) ". الشافعية: يرى الشافعية أنه لا يصح للمالك بيع الآبق ولا الضال ولا الرقيق المنقطع خبره ولا المغصوب لأنه غير مقدور على تسليمه ولكنهم استثنوا بعض حالات يصبح فيها هذا البيع فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " الثالث (أى من شروط البيع) إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والرقيق المنقطع خبره والمغصوب من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا ... ثم قال: فإن باعه: أى المغصوب لقادر على انتزاعه دونه أو الآبق لقادر على رده دونه صح على الصحيح نظرا لوصوله إليهما إلا أن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان. والثانى (أى المقابل للصحيح) لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف إلا إذا كان فيه تعب شديد والأصح عدم الصحة " (9) . أما الوالى ومن ينوب عنه كالقاضى فإنه يجوز له بيعه إذا كان قد وصل إليه فقد جاء فى الأم للشافعى: " وإذا كانت الضالة فى يدى الوالى فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت عبدا فزعم سيد العبد أنه اعتقه قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذى أخذ منه. قال الربيع: وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالى كبيع صاحبة فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه " (10) . والشافعى قد جعل الآبق والضال متماثلان فى هذا الحكم لأنهما فى حكم اللقطة فقد جاء عنه فى الأم: " وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضال من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ". الحنابلة: يرى الحنابلة أنه يجوز للمالك بيع عبده الآبق فى بعض الحالات فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى " ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه فإن باعه لغاصبه أو القادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولا مكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو فى يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه منه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض " (11) . أما الإمام أو نائبه كالقاضى فإنه يبيعه إذا رأى المصلحة فى ذلك فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وإن لم يجد (أى الآخذ) سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه " (12) . وأما الآخذ فإنه لا يجوز له بيعه فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد" (13) . الزيدية: يرى بعض الزيدية أن بيع العبد الآبق لا يجوز ويرى بعض آخر أنه موقوف ويرى بعض ثالث أنه يجوز لمن يكون فى يده وهذا يظهر من عبارة صاحب البحر الزخار: عن الهادى والمؤيد بالله: ولا " معطوف على عدم جواز البيع فيما سبق " العبد الآبق والمسروق والفرس الشارد ونحوه، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ... ثم نسب " إلى تخريج أبى العباس أحمد بن إبراهيم الهاشمى الحسنى الذى كان إماميا ثم تزيد وإلى المؤيد بالله أحمد بن الحسيين الحسنى الآملى وإلى أبى طالب يحى بن الحسين ": يصح موقوفا على التسليم لعموم: " وأحل الله البيع وحر م الربا " (14) مع خيار التعذر وقد رده صاحب البحر بقوله: " قلنا يلزم فى الطير " أى مع أن هؤلاء لم يقولوا به ونسب إلى العترة: " فأما إلى من أبق إليه فيجوز إذ لا غرر (15) " وخيار التعذر الذى ذكره هو الذى يكون للبائع والمشترى مدة ثلاثة أيام عند بيع ما يتعذر تسليمه فى الحال وقيل للمشترى فقط إن جهل لا إن علم (16) . الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن بيع الآبق جائز: عرف مكانه أو لم يعرف دون تفصيل فى المشترى من حيث قدرته على أخذه أو معرفته لمكانه أو غير ذلك فقد جاء فى المحلى له: " وبيع العبد الآبق: عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل الشارد: عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من سائر الحيوان ومن الطير المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وإلا فلا يحل بيعه ثم قال: وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه وإن شاء باعه وإن شاء أمسكه وإن مات فهو موروث عنه (17) . وقد بنى هذا على الملك كما تقدم وعلى أن التسليم ليس بلازم ولم يوجبه القرآن ولا السنة ولا دليل أصلا وإنما اللازم ألا يحول البائع بين المشترى وبين ما بيع له فقط ثم قال: " ويملكه المشترى ملكا صحيحا فإن وجده فذلك وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذى هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته (18) . الشيعة الإمامية: لا يصح عندهم بيع الآبق إلا إذا انضم إليه فى الصفقة شىء آخر مقدور التسليم وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام فقال: " الثالث (أى من شروط المبيع) أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما يصح بيعه ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة " (19) . الإباضية: لا يجوز عندهم بيع العبد الآبق حال إباقه فقد جاء فى كتاب النيل: " والأكثر على منع بيع سمك فى بركة.. ثم قال: وذلك للجهل به وهو فى الماء، إذ لا يتبين فيه، ولأنه قد لا يملك قبضه، لامتناعه بالماء وأبق: بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته: بكسر الهمزة. ومثله بيع حيوان فى نفاره وهروبه) " (20) . هل الإباق عيب فى العبد الحنفية: الإباق عيب فى العبد عندهم، بخلاف الهرب، اذ الإباق الهرب من غير ظلم السيد له أما الهرب فيكون إذا كان السيد قد ظلمه. قال صاحب الجوهرة نقلا عن الثعالبى: الآبق الهارب من غير ظلم السيد له، فإن هرب من الظلم لا يسمى آبقا، بل يسمى هاربا فعلى هذا الإباق عيب والهرب ليس بعيب (21) . وعلى ذلك يكون للمشترى رده بالعيب. المالكية: الإباق عند المالكية عيب فى العبد كالحنفية، فقد قال ابن رشد الجد فى المقدمات الممهدات حين الكلام على العيوب التى يرد بها. "وهذا فى العيوب التي تكون ظاهرة فى البدن، وأما ما لا يظهر: من الإباق والسرقة وما أشبه ذلك فادعى المبتاع أنه كان بالعبد قديما فقال ابن القاسم يحلف البائع واحتج بروايته عن مالك، وقال أشهب لا يمين عليه " وقد بين حكم البيع بوجود العيوب قديمة فقال: " فأما العيب القديم فيرد به فى القيام والرجوع بقيمته فى الفوات (22) ". الشافعية: كذلك يرى الشافعية إن الإباق عيب، ولكن لهم فيه تفصيل بينه صاحب المغنى فى شرحه للمنهاج وقال عند قول صاحب المنهاج (للمشترى الخيار لظهور عيب قديم كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه) : "أى كل منها، وإن لم يتكرر ولو تاب منها.. ثم قال: وما تقرر من أن السرقة والإباق مع التوبة عيب هو المعتمد.. خلافا لبعض المتأخرين.. ثم قال: واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من بلاد الهدنة بعد أن اسلم وجاء إلينا فللإمام بيعه، ولا يجعل بذلك إباقا من سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب (23) ". الحنابلة: الإباق عيب فى العبد عندهم، وذلك إذا كان قد جاوز العاشرة، لأن الصبى العاقل يتحرز من مثل هذا عادة كتحرز الكبير، فوجوده منه فى تلك الحال يدل على أن الإباق لخبث فى طبعه وحد ذلك بالعشر، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بتأديب الصبى على ترك الصلاة عندها، والتفريق بينهم فى المضاجع لبلوغها. أما من دون ذلك فيكون هذا منه لضعف عقله وعدم تثبته (24) . الزيدية: يرى الزيدية إن الإباق عيب فى العبد يكون للمشترى الخيار معه، لأنه وصف مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم، فقد قال صاحب البحر " فى التمثيل للعيوب التى تنقص بها القيمة: نقصان عين كالعور، أو زيادة. كالإصبع الزائد ... أو حال كالبخر والإباق (25) . ولكنه لا يكون عيبا إلا فى الكبير إذا عاد الإباق عند المشترى. قال فى البحر بصدد تعداد العيوب: " والإباق والصرع ونحوه، ولا يرد به حتى يعود مع المشترى لتجويز زواله

آسن

آسن المعنى اللغوى: ذكر القاموس ولسان العرب أن الآسن من الماء مثل الآجن وأن المعنى فى كليهما: الماء المتغير بطول مكثه سواء أكان التغير فى طعمه أو لونه. ونقل اللسان عن ثعلبة أن التغير قد يكون فى ريحه، وجملة هذا أن الماء الذى تغير أحد أوصافه الثلاثة أو كلها بالمكث دون شىء القى فيه هو الذى يسمى آسنا أو آجنا، وفعله من باب ضرب ودخل فمصدره يكون أسنا أو أسونا. مواضع استعمال لفظ آسن ولفظ آسن يذكر فى باب الطهارة عند الكلام على أنواع المياه كما ذكره المالكية فى الجزء الأول من الشرح الصغير، ذكره الشافعية فى كتاب الطهارة من شرح الجلال المحلى، وكما ذكره الحنابلة والأحناف فى باب الطهارة أيضا. المعنى الفقهى: والمعنى الفقهى للفظ آسن هو نفس المعنى اللغوى، الماء المتغير بطول مكثه فى مكانه. حكم استعماله: نص الحنابلة فى كتاب كشاف القناع على جواز استعمال الآسن فى التطهر به من غير كراهة، لأن تغيره بطول مكثه مع مشقة الاحتراز عنه سواء أكان مكثه فى أرض أو إناء من جلد أو نحاس أو سوى ذلك. واستشهد الحنابلة على ذلك بما ثبت أن النبى - صلى الله عليه وسلم - توضأ من بئر كان ماؤه نقاعة الحناء، وعللوا ذلك بمشقة الاحتراز عنه (1) . ويتفق أصحاب المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والأحناف (2) مع هذا الذى ذكره الحنابلة فى جواز استعمال الماء الآسن فى الطهارة، ومن باب أولى فى غير الطهارة كالشرب لمن أراده. المذهب الزيدى: الماء الآسن، أى المتغير لمكث طاهر مطهر عند الزيدية (3) . جاء فى شرح الأزهار ما نصه: والأصل فى ماء التبس مغيره الطهارة، يعنى إذا وجد ماء متغير ولم يعلم بماذا تغير أبنجس أم بطاهر أم بمكث فإنه يحكم بالأصل، وأصل الماء الطهارة. وقد جاء ما نصه (4) : أن الماء الذى ظهرت له رائحة مستخبثة ولم تكن ثائرة عن نجس أنه يجوز التطهر به لدخوله فى الماء المطلق. الإمامية: الماء الآسن عندهم طاهر مطهر مكروه استعماله مع وجود غيره (5) . ولو مازجه، أى الجارى، وما فى حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشىء لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا، وبما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآسن إذا وجد غيره. وما نقل عن المنتهى (6) لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه الاسم لم يجز الطهور به ولا يخرج عن كونه طاهرا، وإلا فلا بأس ولكنه مكروه، ولا خلاف بين عامة أهل العلم فى جواز الطهارة به إلا ابن سيرين. المذهب الإباضى: يقولون أن المانع من استعمال الماء ينقسم قسمين: - إما نجاسة تمنع التطهر به، وإما تغيير يمنع حكم التطهر به (7) . المذهب الظاهرى: الماء الراكد عندهم طاهر مطهر يجوز الوضوء منه وفيه ويجوز الاغتسال منه لكن لا يجوز الاغتسال المفروض فيه فإن اغتسل فيه لم يكن مغتسلا وله أن يعيد الغسل منه (8) .

_ (1) كشاف القناع ج 1 ص 5 ومنتهى الإرادات ج 1 ص 11 طبعة سنة 1319هجرية. (2) للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص 13 المطبعة التجارية. وللشافعية: المهذب ج 1 ص 8 طبعة الحلبى. وللأحناف: الطهطاوى على مراقى الفلاح ص 7. (3) شرح الأزهار ج 1 ص 60. (4) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 1 ص 179. (5) جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 1 ص 104. (6) المرجع السابق. (7) كتاب الوضع ص 41 الطبعة الأولى. (8) المحلى ج 1 ص 210

آفة

آفة التعريف بها: يقال فى اللغة آفة أوفا: أضره وأفسده، وآفت البلاد أوفا وآفة وأووفا صارت فيها آفة- والآفة العاهة وما يفسد- وهو عرض مفسد لما أصاب من شىء (1) ولم يخرج بها الفقهاء والأصوليون فى استعمالاتهم عن هذه المعانى اللغوية. الآفة عند الأصوليين: هى عند الأصوليين سماوية ومكتسبة، يذكرونها عند الكلام على عوارض الأهلية. أما السماوية فهى ما ثبتت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار للعبد فيها مثل الجنون (انظر جنون) ، ومثل العته (انظر عته) ، ومثل اعتقال اللسان (انظر اعتقال اللسان) وغير ذلك. والمكتسبة ما يكون لاختيار العبد فى حصولها مدخل مثل الجهل (انظر جهل) ، ومثل السفه (انظر سفه) (2) . ويترتب على الآفة بقسميها تغيير فى بعض الأحكام مثل إسقاط كل العبادات المحتملة للسقوط كالصلاة والصوم عن المجنون (انظر جنون) . ومثل الجهل فى موضع الاجتهاد الصحيح أو فى موضع الشبهة إذ يصلح عذرا وشبهة دارئة للحد والكفارة كما إذا أفطر المحتجم فى رمضان ظانا أن الحجامة مفطرة وأن الأكل بعدها مباح جهلا منه، فإن جهله عذر (انظر جهل) ، ومثل منع مال السفيه عنه (انظر سفه) (3) . الآفة عند الفقهاء: ويستعملها الفقهاء مفرديها بالحكم حينا كما يستعملونها ضمن استعمالهم لمصطلح تلف، وقد تحدث الفقهاء عن الآفة السماوية التى تصيب الثمار والزروع وما يترتب عليها من أحكام فى بعض الأبواب الفقهية وعرفوها بأنها ما لا صنع لآدمى فيها، كالثلوج والغبار والريح الحار والجراد والنار ونحو ذلك (4) . أثرها فى الزكاة: ذهب الحنفية فى الزروع التى تصيبها آفة سماوية، وهى ما لا صنع لآدمى فيه ... إلى أنها تسقط عنها الزكاة إذا أهلكت المال الذى تجب فيه. وذلك لأن الواجب عندهم جزء من النصاب تحقيقا للتيسير فيسقط (5) . وإن هلك البعض يسقط الواجب بقدره وتؤدى زكاة الباقى قل أو كثر فى قول أبى حنيفة، وعند أبى يوسف ومحمد من الحنفية يعتبر قدر الهالك مع الباقى فى تكميل النصاب إن بلغ نصابا يؤدى، وإلا فلا. وفى رواية عن أبى يوسف يعتبر كمال النصاب فى الباقى بنفسه من غير ضم قدر الهالك إليه (6) . أما الحنابلة: فيقولون لو تلف المال بعد الحول قبل التمكين من إخراج الزكاة ضمنها، ولا تسقط الزكاة بتلف المال، أما بالنسبة للحبوب والثمار فإن وجوب الزكاة لا يستقر فيها إلا بجعلها فى جرين (7) ومسطاح ونحوه، فإن تلفت قبل الوضع بها بغير قصد من صاحبها سقطت الزكاة خرصت الثمرة أو لم تخرص، وإن تلف البعض من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار زكى المالك الباقى إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فلا زكاة فيه، وإن تلف بعد الاستقرار فى الجرين والمسطاح ونحوها لم تسقط زكاتها كتلف النصاب بعد الحول (8) . ويرى المالكية: أن إصابة الثمر بعد التخريص بجائحة (أى إصابته بآفة سماوية) فإنها تعتبر فى سقوط الزكاة فيزكى ما بقى إن وجبت فيه زكاة وإلا فلا (9) زكاة فيه. ويرى الشافعية: عدم وجوب الزكاة فيما يتلف من الزرع بآفة سماوية لفوات الإمكان فإن بقى فيه بعد طروء الآفة عليه نصاب زكاة أو دونه أخرج حصته بناء على أن التمكن شرط للضمان لا للوجوب (10) . ويرى ابن حزم الظاهرى: أن كل ما وجبت فيه زكاة من الأموال والزروع والثمار وإن تلف كله أو بعضه أكثره أو أقله، أثر إمكان إخراج الزكاة منه، أثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر بتفريط تلف أو بغير تفريط، فالزكاة كلها واجبة فى ذمة صاحبه، كما كانت لو لم يتلف، لأن الزكاة واجبة فى الذمة لا فى العين، وكذلك لو أخرج وعزلها ليدفعها إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولابد لأنه فى ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بتوصيلها إليه (11) . ويرى الزيدية: أن الزكاة قبل إمكان الأداء كالوديعة قبل أن يطالب بها، إذا تلفت فإنها لا تضمن إلا أن تتلف بتفريط الوديع أو بجنايته وإن تلفت من دون تفريط ولا جناية فلا ضمان وكذلك المال وما أخرجت الأرض إذا تلف قبل إمكان أداء الزكاة إن تلفت بتفريط ضمن الزكاة وإلا فلا، فلو تلف بعض المال من دون تفريط وبقى البعض وجب إخراج زكاة الباقى ولو قل، ولا يضمن زكاة التالف (12) . أما بعد إمكان الأداء فتجب وجوبا مضيقا فيضمن إذا لم يخرج بعد الأداء حتى تلف المال ولو بغير تفريط (13) . أما الشيعة الجعفرية: فلا يجوزون تأخير دفع الزكاة عن وقت وجوبها مع الإمكان ويضمنون بالتأخير لا لعذر ولو كان تلف المال من غير تفريط كما لا يجوزون نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا عند عدم وجود المستحق، فإن نقلت مع وجوده ثم هلكت ضمن وإلا فإن تلفت مع النقل لعدم وجود المستحق فإنه لا يضمن (14) . وعند الإباضية: تسقط الزكاة عن الغلة بعد وجوب الحق فيها وقبل إمكان إخراجه إذا تلفت بريح أو نار أو سيل لا بتفريط فإن بقى بعضها زكى عليه وحده إن وجبت فيه وقيل مطلقا وجبت أو لم تجب عن الباقى وعن التالف أما إن اجتيحت بعد تمكن من إخراج بلا تفريط فالأكثر على التضمين فى زكاة ما تلف وزكاة الباقى وإن قل والأقوى سقوط التضمين عما تلف. ولا يزكى الباقى إلا إذا بلغ نصابا فإن اجتيحت بتفريط ضمنت اتفاقا (15) . أثر الآفة فى البيع: يذهب الأحناف: إلى أن هلاك المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية يفسخ البيع، وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشترى. وكذا إذا ملك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه لأن فعله على نفسه هدر فكأنه هلك بآفة سماوية (16) . فإذا هلك كله بعد القبض بآفة سماوية لا ينفسخ البيع والهلاك على المشترى وعليه الثمن لأن البيع تقرر بقبض المبيع فتقرر الثمن وإذا هلك بعض المبيع فإن كان قبل القبض وهلك بآفة ساويه ينظر إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن لأن كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شىء من الثمن (17) وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثمن بقدره والمشترى بالخيار فى الباقى إن شاء أخذ بحصته من الثمن وإن شاء ترك لأن الصفقة قد تفرقت عليه، وإن كان النقصان نقصان وصف - وهو كل ما يدخل فى البيع من غير تسمية كالشجر والبناء فى الأرض وأطراف الحيوان والجودة فى المكيل والموزون- لا ينفسخ البيع أصلا ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض أو الجناية لأنها تصير مقصودة بالقبض والجناية فالمشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل القبض وإن هلك بفعل المبيع بأن جرح نفسه لا ينفسخ البيع ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن جنايته على نفسه هدر فصار كما لو هلك بعضه بآفة سماوية وهلاك بعضه نقصان الوصف والأوصاف لا تقابل بالثمن ولا يسقط شىء من الثمن ولكن المشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتغير المبيع، وإذا هلك بعضه بعد القبض بآفة سماوية فالهلاك على المشترى لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشترى فتقرر عليه الثمن (18) . أما الحنابلة: ففى كشاف القناع: وأن تلف المكيل والموزون والمعدود والمزروع أو تلف بعضه بآفة (أى عاهة) سماوية، لا صنع لآدمى فيها قبل قبضه فهو من البائع لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، والمراد به ربح ما بيع قبل القبض وينفسخ العقد فيما تلف بآفة قبل القبض سواء كان التالف الكل أو البعض لأنه من ضمان بائعه، ويخير المشترى فى الباقى بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده (19) . وفيه أيضا: " وإن تلفت الثمرة المبيعة دون أصولها قبل بدو صلاحها بشرط القطع بجائحة قبل التمكن من أخذ الثمر ضمنه البائع ". وفى الروض المربع: " وإن تلفت ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أوان جذاذها بآفة سماوية (وهى ما لا صنع لأدمى فيها كالريح والحر والعطش) رجع ولو بعد القبض على البائع لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح (20) . ويرى المالكية: أن تلف المبيع وقت ضمان البائع بسماوى مبطل لعقد البيع فلا يلزم البائع الإتيان بمثله، إلا إذا كان موصوفا متعلقا بالذمة كالسلم، فان المسلم إليه إذا احضر المسلم فيه فتلف قبل قبضه لزمه الإتيان بمثله، وإذا تلف بعضه ينظر فى الباقى بعد التلف إن كان الباقى نصفا فكثر لزم الباقى بحصته من الثمن إن تعدد وكان قائما، فإن اتحد أو فات خير المشترى وإن كان الباقى أقل تعين الفسخ إلا إذا كان مثليا فيخير المشترى مطلقا (21) . والشافعية يذهبون: فى تلف المبيع قبل القبض بآّفة سماوية إلى ما ذهب إليه الأحناف إلا إذا رضيه المشترى وأجاز البيع فانه يأخذ المبيع بكل الثمن (22) . وفى المحلى لابن حزم الظاهرى: كل بيع صح وتم فهلك المبيع أو كان ثمرا قد حل بيعه فأجيح كله أو أكثره أو أقله فكل ذلك من المبتاع ولا رجوع له على البائع بشىء (23) . ويذهب العترة من الزيدية: كما جاء فى كتاب البحر الزخار إلى أنه إذا تلف المبيع بآّفة سماوية أنفسخ العقد لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " إذا بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا" (24) . ورأى المذهب أنه إذا تلف بعضه قبل القبض لم ينفسخ فى الباقى بل فى التالف فقط (25) . ويرى الشيعة الإمامية: أن المبيع لو تلف قبل القبض ضمن البائع إذا كان تلفه من الله تعالى فإذا تلف بعضه أو تعيب من قبل الله تعالى تخير المشترى فى الإمساك مع الأرش وفى الفسخ (26) . الإباضية: جاء فى كتاب النيل: "ويوضع بقدر المصاب من المجاح ولو قل وقيل لا يوضع ما دون ثلث الثمار، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: إذا أصيب ثلث الثمرة فصاعدا فقد وجب على البائع الوضيعة، ولا يعتبر الثلث فى القيمة بل فى الثمار ولا وضع إذا بيعت مع الأصل أو بيع الأصل ثم بيعت. وإن بيعت أولا فالوضع واجب والثمر والتمر فى ذلك كله سواء. وتوضع جائحة البقول وإن قلت، وقيل الثلث فصاعدا مثل أن تنقطع عنه عين سقيه أو المطر ولا جائحة فى الزرع وما يبس من الثمار، والجائحة ما لا يستطاع دفعه كالثلج والجليد والريح والبرد والجيش والجراد. وليس منها السارق عند الأكثر، لأنه يطاق دفعه لو علم به، وقيل لا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح، ولو قطع لعموم ظاهر النهى (27) . وإن تلف المبيع فى يد المشترى ثم خرج " ظهر " عيب كان قبل البيع فمن ماله ويدرك " أى يرجع به " على البائع أرش العيب فيما بينه وبين الله إلا أن تلف بذلك العيب فإنه يدرك عليه الثمن كله وكذا إن كان فى يد البائع بالتعدى وهلك بالعيب أو هلك فى يد المشترى بفعل البائع، وإن هلك فى يد البائع وكان بيده أمانة أو عارية أو وديعة أو بإجارة ونحو ذلك مما ليس تعديا أو خيانة فمن مال المشترى (28) . وإن تلف المبيع بعد القبض فضمانه من المشترى وإن هلك قبل القبض وبعد العقد ففيه خلاف، قيل من مال المشترى وقيل من مال البائع وذلك إذا كان الهلاك فجأة على أثر العقد قبل إمكان القبض أو بلا فجأة لكن قبل إمكانه، وإذا لم يمنع المشترى من القبض فالحق أنه من مال المشترى ومجرد تخليتة قبض وقيل من مال البائع ما لم يقبضه المشترى بيده وعلى هذا فإذا قال له البائع اقبضه أو خذه أو نحو ذلك كان من مال المشترى، وأصحابنا يشترطون القبض، لكن التخلية قبض عندهم، واستدل مشترط القبض (29) بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما لم تقبض، وربح ما لم تضمن. أثر الآفة فى عقد المساقاة: يذهب الحنفية: إلى أن عقد المساقاة ا

آل

آل كلمة آل: اسم ثلاثى، عينه ألف ممدودة، ومن اللغويين من ذهب إلى أن أصلها الواو كما هو الحال فى مثل قال وصال. ومنهم من قال: إن أصلها الهاء وسهلت. ولكلمة آل معان كثيرة أوردتها كتب اللغة، فالآل هو الشخص. وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب. والآل ما أشرف من البعير. والخشب. وعمد الخيمة. واسم جبل وأطراف الجل ونواحيه ... وليس فى هذه المعانى ما يناسب المعنى الذى تكلم فيه الفقهاء. وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا أتباعه وأولياؤه. وهذه هى المعانى المناسبة لما تكلم فيه الفقهاء. والفقهاء تكلموا فى آل الرجل، أى رجل كان، فى الوقف وفى الوصية. وتكلموا فى آل محمد- صلى الله عليه وسلم - فى تحريم الصدقة عليهم، وفى استحقاقهم للخمس، وفى الصلاة عليهم فى التشهد، وفى غيره، وفى حجية إجماعهم، وفى الكفاءة والسيادة والشرف، وفى غير ذلك. الآل والوقف عليهم والوصية لهم: قال فقهاء مذهب أبى حنيفة (1) : أنه لو وقف على أهل بيته، أو وقف على آله، كان الحكم واحدا فى الحالين، وهو أن يدخل فى وقفه كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، وهو أبوه الذى أدرك الإسلام وإن لم يسلم، ويدخل فيه أبو الواقف وولده، فى كل من آله وأهل بيته، ويدخل فيه الذكور والإناث من ولده لصلبه ومن ولد الذكور من أولاده، أما أولاد الإناث فلا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين، لأنهم ليسوا من آله ولا من أهل بيته وإن كانوا من ذريته ومن قرابته. وقالوا أيضا: إن الوصية للآل أو لأهل البيت يدخل فيها كل من اجتمع مع من أضيف له الآل أو البيت بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، فلو أوصى لأله أو لأهل بيته وكان علويا دخل فى وصيته كل من ينتسب بآبائه إلى على، وأن كان عباسيا دخل فيها كل من ينتسب إلى العباس، ذكرا كان أو أنثى، إذا كان ينتسب بنفسه أو بواسطة الأباء، إلا أولاد النساء فإنهم لا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين. ومن أوصى لآله أو أهل بيته دخل فى وصيته أبوه وجده الصحيح إذا كانا غير وارثين. ولو أوصى إلى أهل فلان كانت الوصية لزوج فلان خاصة فى قول أبى حنيفة، وعند صاحبيه تكون الوصية لكل من يعولهم فلان ممن تضمهم نفقته من الأحرار، فتدخل فيها زوجه واليتيم الذى فى حجره، والولد إذا كان يعوله، أما إذا كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كان بنتا قد تزوجت، فليس من أهله، فلا يدخل فى الوصية للأهل المماليك، ولا وارث الموصى إذا كانت وصيته أهله، ولا يدخل فى الوصية لأهل فلان فلان نفسه، هذا هو فرق ما بين الوصية لأهل فلان وبين الوصية لآله أو لأهل بيته. وقال فقهاء مذهب مالك (2) : أنه لو وقف على آله أو وقف على أهله، كان وقفه هذا على عصبته وعلى كل امرأة لو رجلت- أى فرضت رجلا- كانت عصبة، فلا يدخل أولاد النساء من قرابة الأب، كما لا يدخل فيه أحد من قرابة الأم. والراجح عندهم أن الوقف على الأقارب يشمل الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، وقيل إنه لا يشمل الأقارب من النساء من الجهتين، غير أنهم لم يفرقوا بين العصبة وغير العصبة منهم. فالآل والأهل معناهما وأحد عندهم فى الوقف.. كما أنه يختلف عن معني القرابة. وقالوا: أنه لو أوصى لأقاربه، أو لأهله، أو لذى رحمه، ولم يكن له أقارب من جهة أبيه أو كان له أقارب من جهته يرثونه لم يدخلوا فى وصيته واختص بها قرابته من جهة الأم. وإن كان له أقارب من جهة الأب وكانوا لا يرثونه اختصوا بالوصية ولا يشاركهم فيها قرابته من جهة الأم. ولو أوصى للأقارب فلان، أو لأهل فلان، أو لذي رحم فلان وكان له أقارب من الجهتين اختص بالوصية أقارب فلان من جهة الأب وارثين كانوا أو غير وارثين لفلان، وأن لم يكن لفلان أقارب من جهة أبيه استحق الوصية أقاربه من جهة أمه وقد صرحوا بأن كلا من الألفاظ الثلاثة يشمل القرابتين معا فى الوصية، وأن قرابة الأب تحجب قرابة الأم إذا اجتمعت القرابتان وكانت قرابة الأب تستحق الوصية، ولا تحجبها إذ كانت غير مستحقة للوصية. والموازنة بين ما قيل فى الوقف وفى الوصية تظهر مدى اختلاف المعاني فى البابين. وقال فقهاء مذهب أحمد (3) أنه لو وقف على آله، أو على أهل بيته، أو على أهله، أو على قرابته من أو على قومه، أو على نسبائه، أو وقف على آل فلان، أو على أهل بيت فلان، أو على أهل فلان، أو.. أو.. إلخ، كان الوقف على الذكر والأنثى من أولاد الواقف أو من أولاد فلان، ومن أولاد أبيه، ومن أولاد جده، ومن أولاد جد أبيه، أربعة آباء. ويستوى فى ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير، من قبل أبيه. ولا يدخل فى هذا الوقف من يخالفه فى الدين، ولا أمه، ولا من تكون قرابته له من قبل أمه إلا أن يكون فى كلامه ما يدل على أنه أراد ذلك. وقيل إن وقفه على آله وعلى آل فلان، أو على أهله أو أهل فلان أو.. أو.. إلخ يكون كما لو وقف على ذوى رحمه وهم ولده وقرابته من الجهتين. ونقل صالح عن أحمد أنه لو وقف على آله، أو 0.. أو إلخ، اختص بهذا الوقف من بصلة الواقف من قرابة أبيه وقرابة أمه وإن جاوز أربعة آباء. واختار ابن الجوزى الفرق بين الوقف على أهل البيت أو على القوم وبين الوقف على القرابة وقال: إن هذا الأخير يختص به قرابة الأب أما الآخر فيكون لقرابة الأبوين. وقال ابن تيمية: أنه لو وقف على أهله أو على أهل بيته دخل فى هذا الوقف أزواجه، وأنه لو وقف على آله ففى دخول أزواجه فى هذا الوقف روايتان، وأختار هو الرواية التي تقول بدخولهن فى هذا الوقف. وقالوا: إنه لو وقف على آله أو على أهل بيته دخل هو فى هذا الوقف أما لو وقف على أهله فإنه لا يدخل فيه. وقالوا: أنه لو أوصى لآله كان كمن أوصى لقرابته فتكون الوصية لقرابته من قبل أبيه، وذلك لأنه جاء فى بعض الروايات لحديث زيد بن أرقم أنه قبل أبيه: من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "أهله وعشيرتها الذين حرمت عليهم الصدقة: آل على وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل. وفى الوصية لأهل بيته والوصف لقرابته روايات كالتي ذكرت فى الوقف، غير أنى لم أقف على أنها ذكرت فى الوصية للآل. آل محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الصدقة عليهم: رويت أحاديث كثيرة- قالوا: إنها متواترة المعنى- فى تحريم الصدقة على آل محمد ومما جاء فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ". " إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم ". " إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد إنما هى أوساخ الناس. وقد اتفق الفقهاء على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرمت عليه الصدقة المفروضة وصدقة التطوع، ولكنهم اختلفوا فيمن هم آله الذين حرمت عليهم الصدقة وفى الصدقة التى حرمت عليهم. ذهب الحنفية إلى أن آل محمد الذين حر مت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا من ورد النص بنفي قرابتهم. وهاشم لا ولد له إلا من أبنه عبد المطلب. فمن يعتبرون آل محمد وقرابته فى هذا الباب هم آل على وآل العباس وآل عقيل، وآل جعفر، وآل الحارث، من أولاد عبد المطلب، أما آل أبى لهب بن عبد المطلب فليسوا من آل محمد هنا، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين، وذلك لأن تحريم الصدقة على بني هاشم إنما كان تكريما من الله تعالى لهم ولذريتهم لقاء نصرتهم له عليه الصلاة والسلام فى الجاهلية وفى الإسلام، أما أبو لهب فكان أحرص الناس على آذاه عليه الصلاة والسلام، حتي أنه عليه الصلاة والسلام قد برئ من قرابته، فقال: " لا قرابة بينى وبين أبى لهب، لقد آثر علينا الأفخر ين، فلم يستحق لا هو ولا ذريته هذه الكرامة ". وآل محمد فى هذا الباب لا يتناول آل المطلب وآل عبد شمس وآل نوفل أبناء عبد مناف وليسوا ممن حرمت عليهم الصدقة. وما ذهب إليه الحنفية فى هذا هو المشهور من مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الزيدية ومذهب الإمامية. وقال الشافعى وابن حزم: إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. والحجة فى ذلك ما ورد فى الصحاح عن جبير بن مطعم (من ولد نوفل) أنه جاء هو وعثمان بن عفان من ولد عبد شمس يكلمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من الخمس بين بتي هاشم وبنى المطلب فقال جبير: يارسول الله قسمت لإخواننا بنى المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد) . فقالوا: إذن لا يفرق بين حكمهم فى شىء أصلا لأنهم شىء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو نوفل وبنو عبد شمس وسائر قريش عدا هذين البطنين. وقال أصبغ بن الفرج المالكى: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم جميع قريش وهم بنو قصى. وعن غيره من المالكية أنهم بنو غالب. وقال فقهاء الحنفية: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم الذين ينتسبون إلى هاشم بأنفسهم أو بواسطة آبائهم دون من ينتسبون إليه بواسطة النساء. فأولاد البنات من آل محمد ليسوا من آل محمد ولا تحرم عليهم الصدقة، وبهذا قال جمهور الفقهاء ولا يعرف من خالف فى هذا إلا السيد المرتضى من فقهاء أهل البيت فقد قال: إن أولاد البنات من آل محمد - وإن كان آباؤهم من قوم آخرين - تحرم عليهم الصدقة ويكونون ممن يستحقون فى الخمس. وقد وافقه على ذلك جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية ذكرهم صاحب جواهر الكلام وقال: إن بعض فضلاء الأعاجم قد ألف رسالة فى الانتصار لهذا المذهب. ولكن عدم دخولهم هو الأشهر الذى عليه عامة الإمامية. وقال فقهاء الحنفية إن موالى آل محمد منهم وتحرم عليهم الصدقة، وهذا هو مذهب ابن حزم، وذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فأراد أن يصحبه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى إلا أن يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم ". أما مذهب أحمد ومذهب الشيعة الإمامية أن موالى آل محمد ليسوا من قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يكونون من آل محمد فتحل لهم الصدقة. وقال ابن قدامة فى المغنى: إن هذا قول أكثر العلماء. ولا إختلاف بين الفقهاء فى أن أزواج بنى هاشم لسن من آل محمد فى هذا الباب فتحل لهن الصدقة. غير أن ابن قدامة قال إن الخلال روى بإسناده عن ابن أبى مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة شعيرة من الصدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد - صلى الله عليه وسلم -لا تحل لنا الصدقة. وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبى- صلى الله عليه وسلم- وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة المفروضة صدقة محرمة على آل محمد فلا يحلى لأحد منهم أن يتناول منها إذا كان من الأصناف التى تستحق الزكاة لو لم يكونوا من بنى هاشم سوى صنف العاملين عليها ففيه اختلافهم كما سيجئ. وقال الإمامية: إنها محرمة عليهم لا فرق فى ذلك بين أهل العصمة وغيرهم، وقد ورد فى الخبر الذى رواه أبو خديجة عن أبى عبد الله قوله: أعطوا الزكاة من أراد من بنى هاشم وإنما تحرم على النبى وعلى الإمام بعده وعلى الأئمة. فقالوا: إن فى سند هذا الخبر مقال، وبغض النظر عن ذلك فانه يجب طرحه، او حمله على. حال الضرورة، وهى حال لا تقوها بالنبي ولا بالأئمة، أو حمله على صدقة التطوع التى اختص منصب النبوة ومنصب الإمامة بالترفع عنها. وجمهور الحنفي

آلة

آلة التعريف بكلمة آلة: جاء فى القاموس واللسان فى بعض معانى الآلة أنها ما اعتملت به من الأداة، يكون واحدا وجمعاً، والمراد " باعتملت " استعنت، ويفسرون الأداة بالآلة، ويقول ابن منظور (1) (إن أداة الحرب سلاحها..) والآلة لا تخرج فى اصطلاح الفقهاء وتعبيراتهم عن هذا المعنى اللغوى، وإنما يذكرونها فى أبواب من الفقه لمناسبات يتعلق بالآلة فيها حكم شرعى، والذى يعنينا بيانه مما ورد مبعثرا فى كتب الفقه فى استعمال الفقهاء لكلمة آلة وما يتعلق بها من أحكام هو الآتى: 1- آلة الرى، وآلة الصناعة، فى كتاب الزكاة. 2- آلة الصيد، وآلة الذبح، فى باب الصيد والذبائح. 3- آلة القتل، وآلة الحد، فى الجنايات والقصاص والحدود. 4 - آلة القتال، فى الجهاد. 5- آلة اللهو، فى البيوع والإجارة وما يتعلق بضمان المتلفات، والقطع فى سرقتها. آلة الرى: اتفق الفقهاء (2) فى زكاة الزروع والثمار على أن ما سقى بالأمطار وماء الأنهار بلا آلة وحب فيه العشر، وأما المسقى بآلة كالدلو والدولاب والساقية والناقة ونحو ذلك، فيجب فيه نصف العشر، لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما يسقى بالسماء أو السيح. وقد نقل أبو شجاع من الشافعية عن البيهقى الاجماع على ذلك، كما حكاه صاحب البحر الزخار من الزيديه وقال ابن قدامة الحنبلى لا نعلم فيه خلافا. وفى مسلم: (وفيما يسقى بالسانية نصف العشر) . والسوانى هى النواضح التى هى الإبل يستقى بها لشرب الأرض. وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن، فأمرنى أن آخذ مما سقت السماء أو سقى بعلا العشر، ومما سقى بدالية نصفه العشر، إلا أن بعض المالكية لا يعتبرون النقالات من البحر وهى النطالة والشادوف على حد تعبيرهم من الآلات ويقول بعضهم أنها منها.. آلة الصناعة: قال الأحناف (3) : لا زكاة فى آلات المحترفين سواء كانت مما لا تستهلك عينه فى الانتفاع كالقدوم والمبرد، أو تستهلك ولا يبقى أثر عينه كالصابون للغسال، أما ما يستهلك ويبقى أثر عينه كالعصفر والزعفران للصباغ والدهن والعفص للدباغ ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، ونصوا على أن مثل قوارير العطار ولجم الخيل والحمير إن كان من غرض المشترى بيعها ففيها الزكاة وإلا فلا، وقريب من هذا يقول الشافعية (4) والحنابلة (5) والإباضية (6) من آلات الصناعة لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة وأما مسلك المالكية. فإنهم يقولون فى العروض. بوجه عام- ويدخل فيها آلات الصناعة - أنه لا زكاة فيها مطلقا إلا فى عرض تلك بمعاوضة مالية وتملكه بنية التجارة ولو صاحبها نية الإقتناء بشرط إلا تكون فى عينه زكاة أخرى، وقالوا (7) : لا زكاة فى المباخر والمراود والمكاحل ونحوها إذا اتخذت كراء إلا إذا كان كراء محرما. وأما ابن حزم فيصور مذهب الظاهرية (8) بقوله: إن السلف اتفقوا على أنه لا زكاة فى كل ما اكتسب للقنية. مثل آلات الصناعة، لا للتجارة من آنية وسلاح وغير ذلك كله لا تحاشى منه شيئا. ولم نقف للشيعة الإمامية على ذكر لآلات الصناعة بين ما تجب فيه الزكاة أو تستحب إلا فى شمول قول صاحب الروضة البهية (9) " وتستحب الزكاة فى مال التجارة، وقيل تجب " فمفهومه أن الآلات إذا كانت لغير التجارة لا زكاة فيها. ويقول الزيدية (10) : لا تجب الزكاة فى غير أجناس عشرة عدها صاحب البحر، وليس منها آلات الصناعة إلا لتجارة أو استغلال، وهذا يفيد أنها لا تجب فيها الزكاة إلا إذا اتخذت للتجارة أو الاستغلال. آلة الصيد: قد تكون آلة الصيد حيوانا معلما يصاد به كالكلب، وقد تكون جمادا كالسهام والنبال ونحوها، ولكل من النوعين شروط واعتبارات قد تختلف باختلاف المذاهب. الاصطياد بالحيوان المعلم: الأصل فيه قول الله تعالى: " قل أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوارح مكلبين، تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم وأذكروا اسم الله عليه (11) ". وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز الاصطياد بالكلب المعلم ويحل صيده بشروط مبينة فى موضعها من كتب الفقه، انظر " صيد " واختلفوا فى جواز الاصطياد ببعض الحيوانات الأخرى.. أنظر جارح. وإليك بيان الحكم فى المسألتين فى المذاهب. أجمع فقهاء المذاهب على خل الصيد بكل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير بشرط كونه معلما، ما عدا الزيدية. فإنهم يجيزون الاصطياد بالكلب والفهد لا غير، ويضاف إليهما الأسد والنمر إن قدرنا على قبولهما التعليم قياسا على الكلب، وعدا الأباضية كذلك فإنهم يجيزون الإصطياد بغير السبع كالهر. كما أجمعوا على وجوب التسمية الا أن للفقهاء اعتبارات واشتراطات فى التعليم، وفى بعض شروط أخرى ... انظر " تذكية ". آلات الصيد غير الحيوان المعلم: لاخلاف بين الفقهاء (12) فى جواز الاصطياد بالشبكة والشرك، وإلجاء الصيد إلى مضيق لا يفر منه، وبالسهام والنبال والرماح، وبكل محدد وإن كان له ثقل كالمعراض والحجر بشرط أن يقتل بحده ولم يجيزوا الصيد بالبندقة الثقيلة ولو كانت محددة- والمراد بالبندقة الكرة من الطين المجمد-، لأنها تقتل بثقلها، ويقولون: إن مثقل الحديد وغير الحديد سواء إن خرق حل وإلا فلا. وخالف الظاهريه إذ أجازوا الاصطياد بالبندقة والحجر ونحوهما مما لا يقتل بحده إذ يقول أبن حزم (13) فى تصوير المذهب: إن كل ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله وحشيه وانسيه لا تحاشى شيئا لا طائرا ولا ذا أربع مما يحل كله، فان ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح أو عمل السهم أو عمل السيف أوعمل السكين فإن أصاب بذلك فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال. ثم ذكر حديث عدى بن حاتم وقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: " أذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فقتل فانه وقيذه فلا تكل ". ثم قال: وقد اختلف الناس فى هذا، فقال عمار بن ياسر إذا رميت بالحجر أو البندقة ثم ذكرت اسم الله فكل، ونقل مثله عن سعيد ابن المسيب، ونقل عن عمر بن الخطاب خلاف هذا ... ثم قال إن من ذهب إلى قول عمار وسعيد يحتج بقول الله تعالى: " ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم (14) ". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى ثعلبة الخشنى: " ما أصبت بقوسك فاذكر أسم الله عليه وكل ". ثم قال: إنه لا حجة فى حديث عدى بن حاتم لأنه لا يحل ترك نص لنص، ورجح مذهب القائلين بإباحة الصيد بالبندقة ونحوها بإطلاق.. ثم قال: ومن نصب فخا أوحبالة أوحفر زبية للصيد فكل ما وقع من شىء من ذلك فهو له. ويقول الدسوقى المالكى: فيما يتعلق بصيد بندق الرصاص " أن الصيد ببندق الرصاص لم يوجد فيه نص للمتقدمين لحدوث الرمى به بحدوث البارود فى وسط المائة الثامنة، وأختلف فيه المتأخرون، فمنهم من قال بالمنع قياسا على بندق الطين، ومنهم من قال: بالجواز لما فيه من الإنهيار والإجهاز بسرعة ". وقد نص الحابلة على أنه لا يجوز صيد السمك بالنجس كالعذرة، وعلى كراهة الصيد بالخراطيم وكل ما فية الروح، وعلى جواز أن يطعم الصيد ما يسكره. آلة الذبح: نص الأحناف (15) على حل الذبح بكل ما أفرى الأوداج- أى قطعها- وأنهر الدم - أى أساله- ولو بقشرة قصب إلا السن والظفر إذا كانا قائمين، ولو كانا منزوعين حل مع الكراهه، ويندب إحداد الشفرة. ولم يخالف الزيدية (16) والأباضية (17) والحنابلة 4 فى هذا، إلا أنهم أطلقوا القول بمنع الذبح بالسن والظفر حيث نصوا على أن تكون الآلة محددة، وألا تكون سنا ولا ظفرا، كما نص الإباضية على أن الذبح بالسكين الكالة منهى عنه. ووافقهم الشافعية على ذلك وزادوا عدها جواز الزبح بالعظام. يقول صاحب الاقناع (18) : تجوز الذكاة بكل ما يجرح كمحدد حديد وقصب وحجر ورصاص وذهب وفضة، إلا بالسن والظفر وباقى العظام متصلا كان أو منفصلا من آدمى أو غيره. ونصوا على حل الذبح بالسكين الكالة بشرط ألا يحتاج القاطع إلى قوة الذبح (19) . أما المالكية (20) : فيوافقون على جواز الذبح بالحديد المحدد.، وبكل محدد غيره اذا لم يوجد الحديد، وعلى ندب الاحداد قبل الذبح، ألا أنهم يجيزون الذبح بالعظم والسن متصنلين أو منفصلين، ويقول بعضهم أن محل الجواز أن أنفصلا ومنعها بعضهم مطلقا كالحنابلة والشافعية، إلا أن المالكية يقولون: أن محل الخلاف عندهم إن وجدت آلة للذبح غير الحديد، فإن وجد الحديد تعين، وإن لم يوجد غيرهما جاز جزما. ويوافق الجعفرية المالكية فى ذلك حيث قالوا (21) : يجب التذكية الاختياريه أن تكون الآلة حديدا يفرى الأعضاء ويخرج الدم، فان تعذر الحديد جاز بما يفرى الأعضاء كالليطة. وهى القشر الأعلى للقصب، المتصل به، والمروة الحادة- وهى حجر يقدح النار- والزجاج، وكذا ما أشبهها من الآلات الحادة غير الحديد لما نقل عن الصادق قال: إذبح بالحجر والعظم والقصبة (22) والعود إذا لم تصب الحديد إذا قطع الحلقوم وخرج الدم، ومثله عن الكاظم وفى السن والظفر متصلين أو منفصلين للضرورة قول بالجواز. أما مسلك الظاهرية فيصوره ابن حزم إذ يقول (23) : التذكية جائزة بكل شىء إذا قطع قطعة السكين، أو نفذ نفاذ الرمح سواء فى ذلك العود المحدد والحجر الحاد والقصب الحاد وكل شئ حاشا آلة أخذت بغير حق، وحاشا السن والظفر وما عمل منهما منزوعين أو غير منزوعين، وإلا عظم الخنزير والحمار الأهلى، أو عظم سبع من ذوات الأربع أو الطير حاشا الضباع، أو عظم "انسان فلا يكون حلالا ما ذبح أو نحر بشىء مما ذكرنا. والتذكية جائزة بعظم الميتة، وبكل عظم جاشا ما ذكرنا، وهى جائزة بمدى الحبشة، فلو عمل من ضرس الفيل سهم أو رمح أو سكين لم يحل أكل ما ذبح أو نحر لأنه سن، فلو عملت من سائر عظامه حل الذبح والنحر بها. آلة القتل فى الجنيات: آلة القتل العمد عند أبى حنيفة السلاح وما أجرى مجرى السلاح، كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار، ويستدل على أن ذلك هو العمد، بأن العمد هو القصد، ولا يوقف على القصد إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فإذا كانت الآلة غير السلاح ولا ما أجرى مجرى السلاح فهى آلة شبه العمد. وقال أبو يوسف ومحمد: أن من آلة العمد أن يضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة أو ما إلى ذلك مما يقتل غالبا، وأما آلة شبه العمد، فهى ما لا يقتل غالبا، لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لأنه يقصد بها غيره، كالتأديب ونحوه، فكان شبه عمد (24) . وفى التنوير وشرحه الدر وحاشية أبن عابدين عليه (25) : ومما يعتبر آلة للعمد عند أبى حنيفة الحديد والسيف والسكين والرمح والخنجر والنشابة والإبرة فى مقتل، وجميع ما كان من الحديد سواء كان يقطع أو يبضع كمطرقة الحداد والزبرة، سواء كان الغالب منه الهلاك أم لا، ولا يشترط الجرح فى الحديد فى ظاهر الرواية لأنه وضع للقتل، وروى الطحاوى عن الإمام اعتبار الجرح فى الحديد، قال صدر الشهيد وهو الأصح ورجحه فى الهداية وغيرها قال ابن عابدين: وعلى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عمد لأنها من جنس الحديد وتجرح، ونقل الحصكفى عن شرح الوهبانية ان كل ما به الذكاة فيه القود وإلا فلا، ونقل عن البرهان: أن الحديد غير المحدد كالسنجة فيه روايتان أظهرهما أنها عمد. ومن آلات القتل العمد عند الامام أيضا الابرة فى المقتل قال فى الاختيار (26) : روى أبو يوسف عن أبى حنيفة فيمن ضرب رجلا بإبرة وما يشبهها عمدا فمات لا قود فيه، وفى المسلة ونحوها القود لأن الإبرة لا يقصد بها القتل عادة بخلاف المسلة. وفى روايه أخرى أن غرز بالإ

آمة

آمة الآمة فى اللغة (1) هى الشجة التى تفضى إلى أم الدماغ وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متي انكشفت عنه مات من أصابه ذلك غالبا. ولا يختلف معنى الآمة فى الفقه عن معناها اللغوى، ومن ذلك قول الحنابلة: الآمة والمأمومة شىء واحد. قال ابن عبد البر: أهل العراق يقولون لها الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة، وهى الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ. سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه. فإذا وصلت إليها سميت آمة ومأمومة ويوافقهم فى هذا الاستعمال الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية والشيعة والجعفرية والزيدية. (2) ويزيد الإباضية فيطلقون على الأمة أيضا. " الناقبة " و " اللآمة " لما فيها من معنى اللفظين (3) . أحكام الآمة حكم القصاص فى عمدها قال الإمام مالك فى " الموطأ ": الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود (أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد. الباجى فقال: " وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز: أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلاَ ربيعة. والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس ". وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية (4) . وقد خالفه فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى (5) إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: (والجروح قصاص ((6) بضم الحاء، وفى قوله تعالى: (والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ((7) (وماكان ربك نسيا ((8) . فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها. الحكم فى الآمة: الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله " وفى المأمومة ثلث الدية " وبأدلة أخرى (9) يقررها ابن قدامة. والراجح فى مذهب الشافعية (10) أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة (ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة. والإباضية يقولون (11) : فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون " ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو " وأما ابن حزم الظاهرى (12) : فيرى أنه لا تجب دية فى شىء مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر. وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا وهل فى الخطأ فى ذلك- دية مؤقتة (أى معينة من الشارع مبينة) أما لا؟ قال على (يعني نفسه) : فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: " وليس عليكم جناح فيما خطأتم به، ولكن ما تعمدت. قلوبكم (13) " وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . وقال الله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم (14) (. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا. الحكم فى الآمة تقع على العبد: الحنفية (15) : إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت. الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه " لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم " وهذا كالمروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم- لأن المقادير لا تعرف بالقياس، وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى. ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم. وفى مذهب الحنابلة (16) : إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال. والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته ... وفى مذهب الشافعية (17) : قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة. والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال. اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد (18) . ويرى ابن حزم الظاهرى (19) : أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا. ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله. الواجب فى الآمة يحدثها العبد: يقول الحنفية (20) : إذا جنى عبد جناية دون النفس) كالآمة مثلا (عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال: " إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه ".. واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى " أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد. وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الثانية كالمبتدأة، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما " والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته. وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث. الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه (21) . والشافعية يقولون (22) : إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن التقيد أو لم يوجد من يشترى بعضه. والحنابلة يقولون (23) ": إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده كثر من قيمته. وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال، فان جناية العبد تتعلق برقبته، إذ لا بخلو من أن تتعلق برقبته او ذمته أو ذمة سيده أو لا يجب شىء، ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمى فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه، فجناية العبد أولي، ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه أفضى إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غايته، ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد. ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو كثرا، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به " ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طالب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا. وأن دفع السيد عبده فأبى الجانى قبوله، وقال بعه وأدفع إلى ثمنه فهل يلزم ذلك؟ على روايتين، وأما إن كانت الجناية كثر من قيمته ففيه روايتان: إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه. والرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت. والزيديه (24) : - عندهم روايتان عن على إحداهما إذا جنى العبد جناية لا قصاص فيها ومنها الآمة لا يلزم سيده أكثر من ثمنه فإذا اختار ولى الدم الأرش فليس على سيده الا تسليم قيمته فقط ما لم تعد دية الحر. وهذا مذهب الهادى والمؤيد وحجته ما رواه زيد بن على عن أبيه عن جده عن على قال فى جناية العبد لا يلزم سيده أكثر من ثمنه ولا يبلغ بدية عبد دية حر والأخرى أن السيد بخير بين تسليم العبد للمجنى عليه فيسترقه وبين أن يسلم له كل الأرش بالغا ما بلغ. وقد روى هذه الرواية الأخيرة محمد ابن منصور بأسانيده عن الحارث عن على ولا شىء على السيد إن امتنع المجنى عليه من قبول العبد، فلو باعه أو اعتقه بعد ذلك لم يلزمه إلا قدر قيمته والزائد على العبد يطالب به إذا اعتق بخلاف ما إذا باعه او أعتقه قبل ذلك فانه يكون اختيار منه لالتزام الأرش فيلزمه جميعه، وكذا لو أخرجه عن ملكه بأى وجه من وجوه التصرف بعد علمه بالجناية فهو مختار وعليه الأرش وتصرفه صحيح وأن كان لا يعلم فعليه الأقل من- قيمته ومن أرش الجناية وأن مات العبد قبل ان يختار سيده لم يلزم المولى شىء من أرش الجناية. ويقول الإمامية (25) : جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمنها المولى، وللمولى فكه بأرش الجناية ولا تأخير لمولى المجنى عليه ولو كانت الجناية لا تستوعب قيمته تأخير المولى فى دفع الأرش أو تسليمه ليستوفى المجنى عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا. والإباضية يقولون (26) : إذا أحدث العبد جرحا (كآمة) مثلا فان كان الأرش الواجب فيها مساويا لقيمة العبد أو أكثر كانت لرب العبد الخيار فى أن يعطيه العبد الجانى أو يعطيه قيمته وإن كان للأرش الواجب أقل من نفس العبد كان للمجنى عليه أرشه الواجب له فقط، وهو هنا الثلث ثلث الدية إن كانت الجناية على حر وثلث- القيمة إن كانت الجناية على عبد. ويرى ابن

آنية

آنية مدلول الكلمة: جاء فى المصباح: الإناء والآنية الوعاء والأوعية وزنا ومعني، والأوانى جمع الجمع هذا المعنى يستعمله الفقهاء فى كتب المذاهب. حكم استعمال الآنية: جمهور الفقهاء على حظر استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، وفى استعمال غيرها تفصيل تختلف المذاهب فى بعضه باختلاف أنواع الآنية وجواهرها، وسنورد ما يصور ذلك فى المذاهب. قال الأحناف (1) : لا يجوز. الأكل والشرب والإدهان والتطيب فى آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، وكذا لا يجوز الأكل بملعقة الذهب والفضة، وكذلك المكحلة والمحبرة وغير ذلك. وأما الآنية من غير الذهب والفضة فلا بأس بالأكل والشرب فيها والإدهان والتطيب منها والانتفاع بها للرجال والنساء كالحديد والصفر والنحاس والرصاص والخشب والطين ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والرصاص والبللور والعقيق وكذا الياقوت ويجوز الشرب فى الإناء المفضض عند أبى حنيفة إذا كان يتقى موضع الفضة بحيث لا يلاصقه الفم ولا اليد وقال أبو يوسف يكره ذلك وعن محمد روايتان إحداهما مع الإمام والأخرى مع أبى يوسف وعلى هذا الخلاف فى الإناء المضبب بالذهب والفضة. وأما التمويه فلا بأس به إجماعا فى المذهب وفى متن التنوير وشرحه وحاشيته (2) : التصريح بكراهة الأكل والشرب والدهان والتطيب ونحو ذلك من آنية الذهب والفضة وأن محل الكراهة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس وإلا فلا كراهة حتي لو نقل الطعام من إناء الذهب الى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن فى كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله فلا بأس به. وقال صاحب الدر (3) : ان محل الكراهة فيما يرجع للبدن وأما لغيره تجملا بأوان متخذة من ذهب او فضة فلا بأس به بل فعله السلف. ونقل ابن عابدين عن جماعة من فقهاء الأحناف القول بأن نقل الطعام منها إلى موضع آخر استعمال لها ابتداء وأخذ الدهن باليد ثم صبه على الرأس استعمال متعارف. وقد نص (4) صاحب التنوير على كراهة إلباس الصبي ذهبا أو حريرا، وعلله الشارح بأن ما حرم لبسه وشربه حرم إلباسه وأشرابه ومقتضاه كراهة استعمال آنية الذهب والفضة للصبية بواسطة غيرهم. أما المالكية (5) : فيصرحون بتحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى كل من الأكل والشرب والطبخ، والطهارة مع صحة الصلاة بها، كما يصرحون بحرمة الاقتناء - أى اقتناء إناء الذهب والفضة- ولو لعاقبة دهر وبحرمة التجمل على المعتمد خلافا للأحناف ويقولون: إن المغشى ظاهره بنحاس أو رصاص والمموه أى المطلى ظاهره بذهب أو فضة فيه قولان مستويان عندهم. وفى حرمة استعمال واقتناء الإناء المضبب أى المشعب بخيوط من الذهب أو الفضة وذى الحلقة من ذهب أو فضة قولان أيضا: وفى حرمة استعمال واقتناء إناء الجوهر النفيس كزبرجد وياقوت وبلور قولان، والجواز هو الراجح وهو ما قال به الأحناف. والشافعية يوافقون الأحناف فى التصريح بعدم جواز استعمال شئ من أوانى الذهب والفضة للرجل والمرأة، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تنالوا فى صحافها ". وقياس غير الأكل والمشرب عليهما. ويقول البجرمى: أن سائر وجوه الاستعمال مقيسة على الأكل والشرب فى عدم الجواز ولو كان الاستعمال على وجه غير مألوف كأن كب الإناء على رأسه واستعمل أسفله فيما يصلح له ثم قال وفهم من عدم الجواز الاستئجار على الفعل وأخذ الأجرة على الصنعة وعدم الغرم على الكاسر كآلة اللهو لأنه أزال المنكر. وقال صاحب الإقناع: ويحرم على الولى أن يسقى الصغير بمشفط من إنائهما ثم قال ولا فرق بين الإناء الصغير والكبير (6) . ويوافق الشافعية المالكية فى حرمة اقتناء آنية الذهب والفضة فيصرح الخطيب بقوله: وكما يحرم استعمالهما يحرم اتخاذهما من غير استعمال لأن ما لا يجوز استعماله يحرم اتخاذه، ويرون حل استعمال كل أناء طاهر ليس من الذهب والفضة سواء كان من نحاس أو غيره، فإن موه إناء من نحاس أو نحوه بالنقد ولم يحصل منه شئ، أى لم يزد على أن، يكون لونا أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شىء من المموه به أو الصدى حل استعماله لقلة المموه فى الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء فى الثانية. ثم أكد التعميم (7) فى إباحة آنية غير الذهب والفضة بقوله: ويحل استعمال واتخاذ النفيس كياقوت وزبرجد وبللور، وصرح بأن ما ضبب من أناء بفضة ضبة كبيرة حرم استعماله وأتخاذه أو صغيرة بقدر الحاجة فلا تحرم. ويقول البجرمى: إن من الاستعمال المحرم أخذ ماء الورد منها لاستعماله ولو بصب غيره أو كان الذهب على البزبوز فقط. ثم قال: نعم، أن أخذ منه بشماله ثم وضع الماء فى يمينه واستعمله جاز مع حرمة الأخذ منه لأنه استعمال حينئذ، وذهب بعضهم الى عدم الحرمة. والحنابلة ينصون على حرمة استعمال آنية الذهب والفضة دون خلاف عندهم، وعلل لذلك ابن قدامه (8) بأنه يتضمن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وعندهم خلاف فى صحة الوضوء والاغتسال من آنية الذهب والفضة، فيقول بعضهم تصح طهارته لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذلك ويقول بعضهم: لا تصح لأنه استعمل المحرم فى العبادة كالصلاة فى الأرض المغصوبة، وقالوا لو جعل آنية الذهب والفضة مصبا للوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه صح الوضوء0 قال ابن قدامة: ويحتمل أن تكون ممنوعة لتحقق الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء.. وهم كالشافعية والمالكية يحرمون إتخاذ آنية الذهب والفضة لعلة أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه. ويقولون فى المضبب بالذهب والفضة أن كان كثيرا فهو محرم بكل حال. وأما اليسير من الذهب والفضة فأكثر الحنابلة (9) على أنه لا يباح اليسير من الذهب إلا إذا دعت اليه ضرورة، وأما الفضة فيباح منها اليسير لما روى عن أنس أن قدح النبى - صلى الله عليه وسلم- إنكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخارى. ولأن الحاجة تدعو إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء قال القاضى " أبو يعلى " يباح ذلك مع الحاجة وعدمها إلا أن ما يستعمل من ذلك بذاته لا يباح كالحلقة وما لا يستعمل كالضبة يباح. وقال أبو الخطاب لا يباح اليسير إلا لحاجة لأن الخبر ورد فى شعب القدح فى موضع الكسر، وهو لحاجة، ويفسرون الحاجة بأن تدعو حاجة الى ما فعله به وان كان غيره يقوم مقامه. ثم صرح بأن سائر الآنية بعد ذلك مباح اتخاذا واستعمالا ولو كانت ثمينة كالياقوت والبلور، ولا يكره "استعمال شىء منها فى قول العامة. قال صاحب المغنى: إلا أنه روى عن ابن عمر أنه كره الوضوء من الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وأختاره المقدسى لأن الماء يتغير فيها. ويقول ابن حزم الظاهرى (10) : لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشرب ولا الأكل لرجل ولا لامرأة فى إناء عمل من عظم ابن آدمي ولا فى إناء عمل من عظم خنزير ولا فى إناء من جلد ميتة قبل الدبغ ولا فى أناء فضة أو ذهب، وكل أناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قصدير أو بلور أو ياقوت أو غير ذلك فمباح أكلا وشربا ووضوءا وغسلا للرجال والنساء. ثم قال والمذهب والمضبب بالذهب حلال مساء دون الرجال لأنه ليس أناء ذهب أو فضة، وكذلك المفضض والمضبب. والزيدية (11) : يصرحون كالمالكية والحنابلة بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، ويصح التوضؤ منه وإن عصى (أى مستعملها) لانفصال الطاعة بالوضوء منفصلة عن المعصية بالاستعمال. وفى اقتنائها وجهان، وقال يحيى أصحهما المنع للخيلاء. وفى الياقوتة ونحوها وجهان أصحهما كالذهب لنفاسته. قال يحيى: وكذلك الزجاج والخشب والنحاس إذا عظم بالصنعة والزخرفة قدرها للخيلاء. وقالوا لا يحرم الإناء من المدر (طين متماسك لا يخالطه رمل) ومالم يعظم بالصنعة قدره ويكره الرصاص والنحاس المطعم بالذهب والفضة والمفضض والمموه والمضبب والجعفرية قالوا (12) : بحرمة استعمال أوانى الذهب والفضة فى الأكل والشرب والوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات حتي وضعها على الرفوف للتزين بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال ويحرم بيعها وشراؤها وصياغتها وأخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة حرام، لأنها عوض محرم، وإذا حرم الله شيئا حرم ثمنه وقالوا ان الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يجرم كما إذا كان الذهب والفضة قطعا منفصلات لبس بهما الإناء من الصور داخلا أو خارجا. ولا بأس بالمفضض أو المطلى أو المموه بأحدهما نعم يكره استعمال المفضض بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة. ولا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما. ويحرم ما كان ممتزجا منهما وأن لم يصدق عليه اسم أحدهما، وكذا ما كان مركب منهما بأن كان قطعة منه ذهبا وقطعة فضة وقالوا إن المراد بالأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصينى والقدر والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وكوز الغليان والمصفاة ونحو ذلك. وقالوا إن الأحوط فيما يشبه ذلك الاجتناب وذلك كقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة وظرف الغالية (أى المسك) وظرف الكحل، ويقولون إنه لا فرق فى حرمة الأكل والشرب. من آنية الذهب والفضة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها فى الفم، وكذا إذا وضع ظرف الطعام فى الصينى من أحدهما وكذا لو فرغ ما فى الإناء من أحدهما فى ظرف آخر لأجل الأكل والشرب لا لأجل التفريغ فإن الظاهر حرمة الأكل والشرب لأن هذا يعد استعمالا لهما فيهما. ونقل الطباطبائى عن بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الشاى من القدر المصنوع من الذهب أو الفضة فى الفنجان وأعطاه شخصا آخر فشرب فإن الخادم والآمر عاصيان، والشارب لا يبعد أن يكون عاصيا، ويعد هذا منه استعمالا، وقالوا إذا كان المأكول أو المشروب فى آنية من أحدهما ففرغه فى ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به ولا يحرم الشرب والأكل بعد هذا. وقالوا إذا انحسر ماء الوضوء أو الغسل فى إحدى الآنيتين وأمكن تفريغه فى ظرف آخر وجب وإلا سقط وجوب الوضوء والغسل ووجب التيمم وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أوصبه على محل الوضوء بهما أو انغمس فيهما وأن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ فى ظرف، ومع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالأقوى البطلان لأنه وإن لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد استعمالا لهما عرفا فيكون منهيا عنه بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء لأن ذلك يعد فى العرف استعمالا. وقالوا إنه لا فرق فى الذهب والفضة بين الجيد والردىء والمعدنى والمصنوع والمغشوش والخالص إذا لم يكن الغش إلى أحد يخرجها عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص أما إذا توضأ أو اغتسل من أناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح، أما الأوانى من غير الجنسين فلا مانع منها وإن كانت أعلى وأغلى كالياقوت والفيروز، وكذلك الذهب الفرنكى لأنه ليس ذهبا. وقالوا إنه إذا اضطر إلى استعمال آنية الذهب والفضة جاز إلا فى الوضوء والاغتسال فإنه ينتقل الى التيمم، وإذا دار الأمر فى حالة الضرورة بين استعمالها واستعمال المغصوب قدمهما. وقالوا لا يجوزاستعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل والشرب والوضوء والغسل، بل الأحوط عدم استعمالها فى غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا بل وكذا سائر

آية

آية معنى الآية فى اللغة: قال فى القاموس: الآية العلامة، والشخص والجمع آيات وآى، والعبرة والإمارة، ومن القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه (1) . الآية فى الاصطلاح: قيل الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها. وقال ابن المنير فى البحر: ليس فى القرآن كلمة واحدة آية إلا " مدهامتان ". وقال بعضهم: الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس فيه كمعرفة السورة. فالآية، طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف بانقطاعها معنى عن الكلام الذى قبلها وعن الكلام الذى بعدها (2) . هل البسملة آية من القرآن أو بعض: لاخلاف بين علماء المسلمين فى أن البسملة الواردة فى سورة النمل من قوله تعالى: " أنه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم (3) " ليست آية كاملة بل هى بعض آيه. وإنما الخلاف بينهم فى البسملة الواردة فى أوائل السور ما عدا براءة. ففى المجموع للنووى قال: هناك رواية للإمام أحمد أنها ليست من الفاتحة (4) . وفى المجموع أيضا قال مذهبنا (أى الشافعية) أن بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة بلا خلاف، وليست فى أول براءة بإجماع المسلمين، وأما باقى السور غير الفاتحة وبراءة ففى البسملة فى أول كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون وأشهرها، وهو الصواب أو الأصوب: أنها آيه كاملة والثانى أنها بعض آية. والثالث أنها ليست بقرآن فى أوائل السور غير الفاتحة. والمذهب أنها قرآن فى أوائل السور غير براءة (5) . ثم قال فى المجموع: واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضى الله عنهم أجمعوا على إثباتها فى المصحف جميعا فى أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وغيرها فإنها تكتب بمداد أحمر، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز، لأن ذلك يحمل على اعتقاد إنها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، فهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة رضى الله عنهم (6) . وفى حاشية الصفتى للمالكية (7) : قال وذهب الإمام مالك وجماعة إلى أن البسملة ليست فى أوائل السور من القرآن أصلا، وإنما هى للفصل بين السور. والدليل على ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه مالك والبخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم. والحديث القدسى الذى رواه مالك فى الموطأ ومسلم فى صحيحه- واللفظ له - عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج (8) ثلاثا غير تمام فقيل لأبى هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، ولعبدى ما سأل. فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدنى عبدى وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: اثنى على عبدى. وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدنى عبدى وقال مرة: فوض إلى عبدى. إذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدى. ولعبدى ما سأل) (9) . قال النووى فى شرح مسلم: وهذا من أوضح أدلة المالكية. وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع: وليست بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة. جزم به أكثر الأصحاب وصححه ابن الجوزى وابن تميم. وصاحب الفروع وحكاه القاضى إجماعا لحديث " قسمت الصلاة ". ولو كانت آيه لعدها وبدأ بها ولما تحقق التنصيف وقال أيضا إنها ليست آية من غير الفاتحة (10) . وعند الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد ومن كل سورة عدا براءة وفى النمل آية (أى فى أولها) وبعض آية أى فى وسطها، وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية " الحمد لله رب العالمين" آيتين. وقال عليه الصلاة والسلام: إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، وإنها من السبع المثانى. وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ومن طريق الخاصة قول الصادق وقد سأله معاويه بن عمار: إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فى فاتحه الكتاب؟ قال نعم: قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال: نعم. وقد أثبتها الصحابة بخط المصحف مع تشددهم فى عدم كتابة ما ليس من القرآن فيه. ومنعهم من النقط والتعشير (11) . وعند الزيدية قال فى البحر الزخار: والبسملة آية إذ هى فى المصاحف ولم يثبت فيها (أى المصاحف) غير القرآن. ثم قال: وهى آية من كل سورة لانفصالها معنى وخطا ولفظا ... وهى سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطا ولفظا. ويؤيد ذلك ما روى عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آية؟ قال: سبع آيات. قلت: فأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم وعن ابن عباس أيضا: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى (12) " قال: فاتحة الكتاب.. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وقال: هى السابعة. وحكى فى الكشاف إنه قال: من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية (13) . وعند الظاهرية قال ابن حزم فى المحلى: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آيه من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة. وهم عاصم ابن أبى النجود وحمزة والكسائى وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابه والتابعين رضى الله عنهم. ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين إلا يبسمل وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع (14) . وعند الحنفية: قال الإمام أبو بكر الحصاص فى أحكام القرآن: ولا خلاف بين علماء الأمة وقرائها إن البسملة ليست بآيه تامة فى سورة النمل وإنها هناك بعض آية، وإن ابتداء الآية من قوله سبحانه " أنه من سليمان "، ومع ذلك فكونها ليست بآية تامة فى سورة النمل لا يمنع أن تكون آية تامة فى غيرها، لأنا نجد مثل ذلك فى مواضع من القرآن ألا ترى أن قول الله تعالى " الرحمن الرحيم " فى ثنايا سورة الفاتحة آية تامة وليست بآيه تامة من قوله عز وجل " بسم الله الرحمن الرحيم " باتفاق الجميع. وكذا قوله سبحانه " الحمد لله رب العالمين " آية تامة فى أول الفاتحة. وبعض آية فى قوله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (15) "، وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية فى فصول السور، واحتمل أن تكون آية، فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل، لأن التى فى سورة النمل ليست بآية تامة باتفاق الأمة والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبى مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فى الصلاة فعدها آية. وفى لفظ آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان - يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، كما رواه الهيثم بن خالد فثبت بهذا إنها آيه إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها فى كونها آية (16) . وعند الإباضية: فى كتاب النيل وشفاء العليل. والبسملة آية من كل سورة على المختار (17) . آية البسملة فى بدء القراءة: قال الإمام أبو بكر الجصاص: وافتتاح القراءة بالبسملة أمر ورد مصرحا به فى أول وحى قرآنى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: " اقرأ باسم ربك الذى خلق " فقد أمر سبحانه فى افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر بتقديم الاستعاذة أمام القراءة فى قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (18) "، والبسملة وإن كانت خبرا فإنها تتضمن معنى الأمر. لأنه لما كان معلوما أنه خبر من الله عز وجل بأنه يبدأ باسم الله ففيه أمر لنا بالابتداء به والتبرك بافتتاحه لأنه سبحانه إنما أخبرنا به لنفعل مثله (19) . آى فاتحة الكتاب سبع: وهل تقرأ البسملة معها فى الصلاة؟ فى تفسير القرطبى: أجمعت الأمة على ان فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفى انها ست وعن عمرو بن عبيد أنها ثمانى آيات، ويؤيد ما أتفقت عليه الأمة من أن الفاتحة سبع آيات، قوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ". وقوله صلى الله عليه وسلم: فيما يروية عن ربه عز وجل: "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ... الحديث "، وبه يرد على هذه الأقوال. وفى الإتقان للسيوطى: ويردها أيضا ما أخرج الدار قطنى بسند صحيح عن عبد خير قال: سئل على كرم الله وجهه عن السبع المثانى، فقال: الحمد لله رب العالمين. فقيل له: إنما هى ست آيات فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية. وأما قراءة البسملة مع الفاتحة فى الصلاة فاختلف الفقهاء فيها على النحو الآتى: - فكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون بقراءتها فى الصلاة سرا، لا يرون الجهر بها لامام ولا لمنفرد، بعد الاستفادة وقبل فاتحة الكتاب تبركا بها فى الركعة الأولى كالتعوذ، باتفاق الروايات عن أبى حنيفة، وذلك مسنون فى المشهور عند أهل المذهب. وصحح الزاهدى وغيره وجوبها كما فى البحر الرائق، وقال ابن عابدين فى حاشيته على البحر ناقلا عن النهر، والحق أنهما قولان مرجحان فى المذهب، إلا أن المتون على الأول. واختلف الحنفية فى الإتيان بها فى كل ركعة، ولأبى حنيفة رحمه الله روايتان: الأولى: ما رواه محمد بن الحسن والحسن بن زياد أنه قال: إذا قرأها فى أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها حتى يسلم، لأنها ليست من الفاتحة عندنا، وإنما تفتح القراءة بها تبركا، وذلك مختص بالركعة الأولى شأنها شأن الاستعاذة. الثانية: ما رواه المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه يأتى بها فى كل ركعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو أقرب الى الاحتياط لاختلاف العلماء والأثار، ولأن التسمية وأن لم تجعل من الفاتحة قطعا بخبر الواحد، لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا (20) . وقالت المالكية: تكره البسملة فى صلاة الفرض لكل مصل، إماما كان أو مأموما أو منفردا، سرا كانت الصلاة أو جهرا، فى الفاتحة وغيرها، قال ابن عبد البر: هذا هو المشهور عن الإمام مالك رضى الله عنه وبه وردت السنة المطهرة، وعليه عمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم. قال أنس رضى الله عنه: صليت خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم اسمعهم يبسملون. وقيل بإباحتها، وقيل بندبها، وقيل بوجوبها. قال القرافى وغيره: الورع البسملة أول الفاتحة للخروج من الخلاف. ثم قال: ومحل كراهة الإتيان بالبسملة إذا لم يقصد الخروج من خلاف المذاهب فإن قصده فلا كراهة (21) . وفى حاشية الصفتى. قال: وأما التسمية فى النافلة فجائزة مطلقا فى السر والجهر، فى الفاتحة والسورة (22) . وعند الشافعية: آيه البسملة تفرض قراتها مع الفاتحة، لأنها آية مكملة لها فلا تكمل الفاتحة بدونها. قال فى شرح الإقناع: " الرابع من أركان الصلاة قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها لما روى إنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة"سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آيه منها " رواه البخارى فى تاريخه. وروى الدار قطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، انها أم الكتاب

آيس

آيس معنى الإياس الإياس كما فى القاموس، القنوط وعدم الرجاء ومثله اليأس، وقد عرفه الفقهاء (1) بأنه أن تبلغ المرأة من السن ما لا تحيض فيه مثلها. سن الإياس يروى عن أبى حنيفة أن سن الإياس يتحقق بأن تبلغ من السن ما لا تحيض فيه مثلها فإن بلغته وانقطع دمها حكم بإياسها والمماثلة تتحقق بالمشابهة فى تركيب البدن والسمن والهزال ويقول الحنفية: أنه إذا انقطع دمها قبل أن تبلغ هذه السن كالمرضع فى مدة الرضاع فليست بآيس (2) ، وتلك إذا بلغت ذلك السن والدم يأتيها إذا كانت تراه على العادة. وقيل (3) إنه يحد بخمسين سنة، وجاء فى التنوير وشرحه أن هذا هو المعول عليه وعليه الفتوى. وقيل: يحد بخمس وخمسين، وعن محمد بن الحسن أنه قدره فى الروميات بخمس وخمسين سنة، وفى غيرهن بستين وفى رواية (5) عنه بسبعين. ويقول المالكية: أن الآيسة على سبيل الجزم من بلغت سبعين سنة، وإن المرأة إذا رأت الدم بين الخمسين والسبعين سئل عنه النساء فإن قلن ليس بحيض اعتبرت آيسة وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فهى آيس (6) . ويقول الشافعية: إن المعتبر فى اليأس يأس أقاربها من الأبوين الأقرب فالأقرب، وفى قول عندهم المعتبر يأس كل النساء وحدده بعضهم باثنتين وستين سنة، وقال بعضهم: أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون (7) . وقد اختلف النقل عن ابن حنبل فى سن اليأس، ففى رواية إن أوله خمسون سنة وفى رواية إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من العرب فستون، وصحح ابن قدامة أن المرأة إذا بلغت خمسين فأنقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التى كانت عليها فهو حيض، وإن رأته بعد الستين فليس بحيض (8) . ويقول الشيعة الجعفريه: إن فى حد اليأس روايتين أشهرهما خمسون، والأخرى ستون (9) وبها قال الزيدية وقالوا أنه الأحوط ولادليل على الأقل (10) وهو اختيار الإباضية أيضا (11) . أما الظاهرية فلم نر لهم تحديدا لسن اليأس، ولكن ابن حزم يعبر عن الآيس بالعجوز المسنة (12) . عدة الآيس: لاخلاف بين الفقهاء (13) فى أن عدة الآيس إذا كانت مطلقة وهى حرة بعد الدخول بها ثلاثة أشهر هلالية لقوله تعالى: " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر (14) . أما إذا كانت متوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام كغيرها، وإذا كانت غير مدخول بها فلاعدة عليها كغيرها، والأمة الآيسة عدتها نصف عدة الحرة عند الجمهور على ما هو مبين فى موضعه (انظر "عدة") . الآيس إذا رأت الدم: يقول الأحناف (15) : إذا كانت المرأة آيسة فاعتدت بالشهور فرأت دم الحيض أثناء الأشهر أو بعدها انتقض ما مضى من عدتها وعليها أن تستأنف العدة بالحيض وقيل أنها لا تنتقض سواء رأته أثناء الأشهر أو بعدها، وقيل إذا رأته قبل تمام الأشهر تنتقض وقيل تنتقض ذا لم يقض القاضى بإياسها. والذى صححه الكمال بن الهمام أنها تنتقض بالنسبة للمستقبل فلاتعتد إلا بالحيض لا بالنسبة للماضى فلا يفسد النكاح إذا كانت تزوجت بعد الأشهر الثلاثة. ويقول الشافعية (16) : إنه لو حاضت الآيس فى أثناء العدة بالأشهر وجبت الأقراء وإذا رأته بعد انقضاء الأشهر فانها تعتد بالأقراء أيضا لتتبين إنها ليست آيسة فإن كانت تزوجت بآخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها. ويقول المالكية (17) : أنه يرجع إلى النساء فيما تراه الآيسة، أى المشكوك فى يأسها وهى بنت الخمسين إلى السبعين على ما ذكرناه قبل، فمن رأت الدم بعد السبعين فإنه لا يعتبر حيضا قطعا، وتعتد بالشهور والحنابلة يرون إن الدم الذى تراه الآيسة ليس حيضا حتى يتغير به الحكم، بل هى تعتد بالأشهر. وقد نص صاحب منتهى الإرادات على ذلك اذ يقول: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم ولأنه زمن لايرى فيه الدم غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة (18) وفى الفقه الظاهرى يقول ابن حزم (19) : إن المعتدة إذا حاضت فى العدة فليست من اللائى يئسن من المحيض فوجب أن عدتها ثلاثة قروء فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وصح إنها تنتقل إلى الأقراء. وفى الفقه الإباضى أن الآيسة إذا رأت الدم بعد الإياس كعادتها لا عبرة به وتصوم معه وتصلى (20) ولم نجد عند الشيعة الجعفرية ولا الزيدية شيئا فى هذا. طروء الإياس على ذات الاقراء: المعتدة بالأقراء لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم آيست تستأنف العدة بالأشهر فى المذاهب الثمانية (21) .

_ (1) شرح التنوير مع حاشية ابن عابدين ج1 ص221 المطبعة الأميرية. (2) فتح القدير ج3 ص78 المطبعة الاميرية سنة 1316 وابن عابدين ج1 ص221، 222. (3) ابن عابدين ج1 ص222. (4) فتح القدير ج3 ص278. (5) حاشية الدسوقى ج2 ص473 المطبعة الأزهرية. (6) نهاية محتاج ج7 ص126 طبعة الحلبى سنة 1357. (7) المغنى ج7 ص460، 416 طبعة المنار سنة 1367 (8) المختصر النافع ص200 طبعة دار الكتاب العربى الروضة البهية، شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص34 طبعة دار الكتاب العربى. (9) البحر الزخار ج1 ص134، 135 طبعة السعادة. (10) شرح النيل ج3 ص579. (11) المحلى ج1 ص369. (12) انظر المراجع السابقة فى المواضع المذكورة والمحلى ج10 ص322 مطبعة الإمام (13) سورة الطلاق:4. (14) الفتح ج3 ص277، 278 طبعة مصطفى محمد وابن عابدين ج2 ص657 (15) الإقناع بحاشية البجرمى ج4 ص43 المطبعة الميمنية سنة 1310. (16) حاشية الدسوقى ج2 ص473. (17) منتهى الارادات ج1 ص94 بهامش كشاف القناع المطبعة العامرية سنة 1319 (18) المحلى ج10 ص325 مطبعة الامام. (19) شرح النيل ج3 ص580 فى باب العدة وقوله صامت وصلت يفيد أنه ليس بحيض. (20) الهداية والفتح ج3 ص279.ابن عابدين ج2 ص658.الإقناع وحاشية البجرمى ج4 ص43 الدردير وحاشية الدسوقى ج2 ص499.المغنى ج7 ص465.المحلى ج10 ص226.شرح النيل ج3 ص578. البحر الزخار ج3 ص212.الروضة البهية ج2 ص156.

أب

أب قال الراغب فى مفرداته "غريب القرآن":الأب الوالد، ويسمى كل من كان سببا فى إيجاد شىء أو إصلاحه أو ظهوره أبا. بيان ما تكون به الأبوة تتحقق الأبوة النسبية بواحد من ثلاثة: الفراش، والاستيلاد، والدعوة والاستلحاق. وينتفى النسب عن الولد والأبوة عن الأب باللعان غالبا، وقد ينتفى الولد بدون لعان وذلك فى مسائل تأتى. الأب: هو الراعى الأول لأسرته والمسئول عن أولاده، فهم أمانة أودعها الله عنده، وفرض عليه حفظهم، وأوجب عليه أن يسعى فيما يصلحهم، ويجتهد فيما يقومهم، وقد قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والولد راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". أمر الأب أولاده بالصلاة وتعليمهم ما به تصح أتفق الفقهاء على أنه يجب على الأب أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، ويضربه ويؤدبه عليها لعشر، ويعلمه ما به تصح الصلاة من الطهارة وغيرها، فلا تجب الصلاة على صبى ولو مميزا (1) ويأمره الأب بها إذا ميز ولو قضاء لما فاته بعد التمييز ويضرب على تركها بعد عشر سنين لخبر: " مروا الصبى بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " أى على تركها. صححه الترمذى وغيره. قال فى "المجموع ": والأمر والضرب واجبان على الولى، أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضى00 قال الطبرى: ولا يقتصر على مجرد صيغة الأمر بل لابد من التهديد وقال فى "الروضة": يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع (2) . وهذا الحكم يجرى فى الصوم ونحوه أيضا كما ذكره النووى فى " شرح المهذب "، ويعرف بطلب المأمورات وترك المنهيات، وأنه بالبلوغ يدخل فى التكليف ويعرفه ما يبلغ به. وقيل: هذا التعليم مستحب والصحيح وجوبه. والأمر والضرب فى حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها بعد البلوغ. وذهب الحنابلة إلى مثل ما سبق عن الشافعية، وزادوا وجوب تعليم الأولاد جميع ما يلزم من أمور الدين، وأجرة تعليمه من مال الطفل إن كان له مال، وإلا فعلى من تلزمه نفقته (3) . وعند المالكية مثل ما سبق، إِلا أنهم قيدوا الضرب على ترك الصلاة ونحوها بما إذا ظن أَنه يفيد (4) . وعند الظاهرية قال ابن حزم فى "المحلى": لا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء، ويستحب لو علموها إذا عقلوها، ثم ساق أحاديث مثل ما سبق وزاد قول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يكبر " ثم قال: ويستحب أن يدرب عليها، فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها (5) ". وفى مذهب الإباضية: من حق الابن على أبويه تأديبه وتعليمه القرآن والصلاة ومعانيها وشرائع الإسلام كلها قبل البلوغ، وإذا بلغ ثلاث عشرة ضرب على الصلاة، وفى الحديث يؤمر بالصلاة ابن ثمان ويضرب عليها ابن عشر (6) . الأب وإلباس موليه الصغير الذهب والحرير مذهب الحنابلة: يحرم على الولى، أبا أو غيره، إلباس صبى ما يحرم على رجل من اللباس من حرير أو منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما: لقوله -عليه الصلاة والسلام- " وحرم على ذكورها ". وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى، رواه أبو داود. وشقق عمرو بن مسعود وحذيفة قميص الحرير على الصبيان، رواه الخلال، ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر، وصلاة الصبى فى المحرم ولبسه كصلاة الرجل. وعند الشافعية فى باب اللباس: وللولى إلباس ما ذكر من الحرير، وما صنع أكثره من الحرير صبيا، إذ ليس له شهامة تنافى خنوثة الحرير بخلاف الرجل، ولأنه غير مكلف (7) . وعند الحنفية: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير، لأن التحريم لما ثبت فى حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس، كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها (8) . مذهب الزيدية (9) : يحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس واستعمال ما فوق ثلاث أصابع من المشبع صفرة وحمرة وقيل: أنه يجب منعه من لبس الحلى والمذهّب. مذهب المالكية (10) : جاء فى "الحطاب" عن بعض فقهاء المالكية أنه يحرم على ولى غير المكلف أن يلبسه شيئا من حلى الذهب ولكن ظاهر المذهب عند كثير من الشيوخ كراهة تحلية الصغار بالذهب. مذهب الإمامية (11) : لا بأس بلبس الصبي الحرير، فلا يحرم على الولى إلباسه إياه، وتصح صلاته فيه بناء على المختار من كون عباداته شرعية. الأب وغسل الميت (انظر غسل الميت) . الأب والزكاة فى مال الصبى يختلف الفقهاء فى وجوب الزكاة فى مال الصبى- والمخاطب بها حينئذ وليه أبا كان أو غيره أو عدم وجوبها أصلا لسقوط التكليف عنه (انظر زكاة) . الأب وزكاة الفطر عن أولاده مذهب الأحناف (12) : يزكى الأب زكاة الفطر عن نفسه. ويخرجها عن أولاده الصغار، عند أبى حنيفة والشافعى ومالك وابن حنبل. ويخرج عن أولاده الصغار لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس وهى أمارة السببية، والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرءوس مع اتحاد اليوم، والأصل فى الوجوب رأسه وهو يمونه ويلى عليه فيلحق به ما هو فى معناه كأولاده الصغار. وعند الشافعية (13) : ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين. وعند المالكية (14) : زكاة الفطر واجبة على الحر المسلم القادر عن نفسه وعن كل مسلم تلزمه مؤنته لقرابة كوالدين فقيرين، وأولاده الذكور للبلوغ قادرين على الكسب، والإناث للدخول بالزواج أو الدعاء إليه. وعند الحنابلة (15) : وتلزمه فطرة قريبة ممن تلزمه مؤنته كولده الصغير، ولا تجب عن جنين، بل تستحب الفطرة عن الجنين لفعل عثمان. وعن أبى قلابة: كان يعجبهم أن يطعوا زكاة الفطرة عن الصغير والكبير حتى عن الحمل فى بطن أمه. روى فى الشافى. وعند الإمامية (16) : زكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغنى، يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا، وتعتبر النية فى آدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم. أما الزيدية فقد جاء فى "الروض النضير" (17) : حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه وعمن هو فى عياله، صغيرا كان أو كبيراً، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبداً، نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير. وعند الظاهرية (18) : يخرج عن الصغار زكاة الفطر الأب والولى من مالهم إِن كان لهم، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك. مذهب الإباضية (19) : زكاة الفطر يخرجها المرء عن نفسه وعمن لزمته نفقته كزوجة وولد وعبد ولو مشركا. دفع الأب الزكاة لأولاده وأخذها منهم عند الحنفية (20) : لا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل، لأن منافع الأملاك بينهم متصلة، فلا يتحقق التمليك على الكمال. وقالوا: إن دفع إليه فى ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه. وقال أبو يوسف: عليه الإعادة لظهور خطئه بيقين. وعند الشافعية (21) ": لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء، لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة. وعند المالكية (22) : لا تجزئ إن دفعت لمن تلزمه نفقته أو دفع عرضا عنها بقيمتها. وعند الحنابلة (23) : لا يجوز دفع الزكاة إلى عمودى نسبه. وعند الإمامية (24) : من شروط من تعطى له الزكاة ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب. مذهب الظاهرية (25) : ومن كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين أو غزوا فى سبيل الله أو كانوا مكاتبين- جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه آداء ديونهم ولا عونهم فى الكتابة والغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا. مذهب الزيدية (26) : ولا يجزىء أحدا أن يصرف زكاته فى أصوله وهم آباؤه وأجداده وأمهاته وجداته ما علوا وفصوله وهم أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويدخل فى ذلك أولاد البنات. مذهب الاباضية (27) : ولا يدفع الأب زكاته لمن تلزمه نفقته من أولاده، لأن القاعدة عندهم أن الرجل لا يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته. الأب والعقيقة عن ولده وما يطلب من الأب بعد الولادة العقيقة: هى ما يذبح عن المولود، وقيل: هى الطعام الذى يصنع ويدعى إليه من اجل المولود يقدمها الأب. وأختلفت المذاهب فى حكمها، فقيل: إنها سنة، وقيل: إنها مندوب، وقيل: إنها فرض. (انظر: عقيقة) . الأب والضحية عن الصبى عند الأحناف (28) : الأضحية واجبة على كل مسلم موسر فى يوم الأضحى عن نفسه وعن أولاده الصغار على تفصيل فى المذاهب. (انظر أضحية) . الأب والولاية على المحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه مذهب المالكية (29) : والولى أصالة- على المحجور عليه من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد رشده أو مجنون- هو الأب الرشيد، لا الجد ولا الأخ ولا العم، إلا بإيصاء الأب. ونصوا على أن المجنون محجور عليه والحجر لأبيه أو وصيه أن كان، وإلا فللحاكم أن وجد منتظما وإلا فلجماعة المسلمين ويمتد الحجر للإفاقة من جنونه. مذهب الأحناف: قالوا: الأب أولى الأولياء بالولاية فى النفس والمال باتفاق فقهائهم، إلا فى تزويج المجنونة الكبيرة إذا كان لها ابن. (انظر ولاية) . مذهب الشافعية (30) : فى باب الحجر على الصبى والمجنون: وينظر فى ماله الأب ثم الجد، لأنها ولاية فى حق الصغير. وقدم الأب والجد فيها على غيرهما كولاية النكاح، فإن لم يكن أب ولا جد نظر الوصى لأنه نائب عن الأب والجد. مذهب الحنابلة (31) : وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكرا كان أو أنثى للأب. تذهب الزيدية (32) : وذهب الزيدية إلى مثل ذلك. مذهب الإمامية (33) : الأب والجد يليان على الصغير والمجنون، فإن فقدا فالوصى، فإن فقدا فالحاكم. مذهب الظاهرية (34) : يقول ابن حزم: من حجر عليه ماله لصغر أو جنون فسواء كان عليه وصى من أب أو من قاض كل من نظر له نظراً حسنا فى بيع أو ابتياع أو عمل ما فهو نافذ لازم لا يرد وإن أنقد عليه الوصى ما ليس نظراً لم يجز لقول الله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين. (35) " (انظر ولاية) .

_ (1) شرح أبى الشجاع ج1 ص 10. (2) شرح الخطيب: كتاب الصلاة. (3) كشاف القناع ج1 ص157،158. (4) الشرح الصغير ج1 ص 89. (5) المحلى ج 2 ص 232. (6) شرح النيل ج2 ص 601، 602، 605. (7) الخطيب الشربينى ج1 ص 177. (8) الهداية ج4 ص 65 (9) التاج المذهب ج 3ص 484،485. (10) الحطاب ج1 ص 124. (11) مستمسك العروة الوثقىج5 ص 313. (12) الهداية ج1 ص 89. (13) المهذب ج1 ص163. (14) الشرح الصغير ج1 ص 217. (15) كشاف القناع ج1 ص 473. (16) المختصر النافع ص 85. (17) ج2 ص 439. (18) المحلى ج 2 ص 138. (19) شرح النيل ج2 ص 165. (20) الهداية ج4 ص 87. (21) المهذب ج1 ص 174. (22) الشرح الصغير ج1 ص 216. (23) كشاف القناع ج1 ص497. (24) المختصر النافع ص 59. (25) المحلى ج 6 ص 151. (26) شرح الأزهار ج1 ص 525. (27) شرح النيل ج1 ص 144،145. (28) الهداية ج4 ص 55. (29) الشرح الصغير ج2 ص 130. (30) المهذب ج1 ص 329. (31) كشاف القناع ج2 ص 223. (32) التاج المذهب ج 4 ص 160،166. (33) المختصر النافع ص 141. (34) المحلى ج 6 ص323. (35) سورة النساء:135.

الأب وتصرفه فى مال أولاده

الأب وتصرفه فى مال أولاده مذهب الشافعية: جاء فى "المهذب": لا يتصرف الناظر أبا أو غيره فى مال الصغير إلا بما فيه حظ واغتباط. ثم قال فى "المهذب" أيضاً (1) : ولا يسافر بمال الصغير من غير ضرورة، فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك فى الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به، لأن السفر هاهنا أحوط. ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز. فان خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفرا وخاف عليه جاز الإيداع والإقراض، فان قدر على الإيداع دون الإقراض أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ثقة مليئا، فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ، وأن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعه غير مضمونة فكان القرض أحوط. ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن فى ذلك مصلحه له فجاز. وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير وإن رأى أن يخلط ماله بماله فى النفقة جاز لقوله تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " (2) . فإن بلع الصبى واختلفا فى النفقة فإن كان الولى هو الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان: أحدهما: يقبل لأن فى إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله. والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار. وإِن أراد أن يبيع ماله بماله (3) فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى "ومن كان غنيا فليستعفف (4) " وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى " ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " (5) وفى ضمان الأب للبدل قولان: أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين. والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره. ويرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه، ولا يصح (6) إقرار الولى عليه بمال ولا إتلاف، لأنه إقرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ ماله: ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث " اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة " فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله لمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملىء وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة. ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط مؤنته بقوت وليه (7) أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله. وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك بغرق أو خراب أو يكون فى بيعه غبطة أو يكون فى مكان لا ينتفع به أو كان نفعه فيه قليلا فيبيعه ويشترى له بثمنه. وإن أوصى له بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته وجب على الولى قبول الوصية وإلا لم يجز له قبوله. وتملك الأب مال الولد بشروط ستة: أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره. الثانى: ألا يعطيه الأب لولد آخر فلا يملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو. الثالث: ألا يكون التملك فى مرض موت أحدهما. الرابع: ألا يكون الأب كافرا والابن مسلما، لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم وقال ابن قدامة صاحب "المغنى": الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا لانقطاع الولاية والتوارث بينهما. الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينا موجودة فلا يتملك الأب دين ابنه بقبضه. السادس: ولا يصح تصرفه فى مال ولده قبل القبض مع القول أو النية ولو عتقا. ولا يملك الأب إبراء نفسه من دين ولده، ولو أقر الأب بقبض دين ولده من غريمه فأنكر الولد أو أقر بالقبض رجع الولد على غريمه بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه ورجع الغريم على الأب بما أخذه منه إن كان باقيا، وببدله أن كان تالفا، لأنه قبض ما لبس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا بأجرة ما أنتفع به من ماله، لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم- بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال: " أنت ومالك لأبيك " وليس للابن أن يحيل عليه بدينه ولا مطالبة للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب فله الطلب بها وله مطالبته بعين مال له فى يده ويحرم الربا بينهما كما يحرم بين الأجنبيين لتمام ملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه ووجوب زكاته عليه وتوريث ورثته وحديث " أنت ومالك لأبيك " على معنى سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد. ويثبت للولد فى ذمة الوالد الدين من بدل قرض وثمن مبيع ونحوه (8) . ولا يسقط بموته فيؤخذ من تركته، ولا يملك إحضاره فى مجلس الحكم، فإن أحضره فادعى الولد عليه فأقر الأب بالدين أو قامت به بينة لم يحبس، وإن وجد عين ماله الذى أقرضه لأبيه أو باعه له بعد موته فله أخذه إن لم يكن قبض ثمنه لتعذر العوض، ولا يكون ما وجد من عين المال ميراثا لورثة الأب بل هو له دون سائر الورثة. ولو قضى الأب الدين الذى عليه لولده فى مرضه أو أوصى بقضائه فمن رأس ماله، لأنه حق ثابت لا تهمة فيه، فكان من رأس المال كدين الأجنبى، ولا اعتراض للأب على تصرف الولد فى مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها، لتمام ملك الولد على ماله. وعند الأحناف (9) : إذا أذن ولى الصبى للصبى فى التجارة وكان يعقل البيع والشراء ينفذ تصرفه، والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبى يصير مأذونا بإذن الأب والجد دون غيرهما وحكمه حكم الصبى. ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عينا لابنه الصغير لأنه يملك الإيداع وهذا أنظر فى حق الصبى منه لأن قيام المرتهن بحفظها أبلغ خيفة الغرامة ولو هلكت تهلك مضمونة والوديعة تهلك أمانة والوصى بمنزلة الأب فى هذا الباب لما بينا. وعن أبى يوسف وزفر- رحمهما الله-:أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس، اعتبارا بحقيقة الإيفاء ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن فى حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله فى الحال، وفى هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك فى يده، ويصير الأب أو الوصى موفيا له ويضمنه للصبى لأنه قضى دينه. ثم قال: وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه، أو من ابن له صغير، أو عبد له تاجر لا دين عليه- جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين فى هذا العقد، كما فى بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفى العقد (10) وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب فليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين، لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به فى مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه لأن الأب يصير قاضيا دينه بماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز، لاشتماله على أمرين جائزين. فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك الولد لإيفائه دينه من ماله لهذا المقدار وكذا الوصى وكذا أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصى الأب. مذهب المالكية (11) : إن للأب بيع مال ولده المحجور عليه تحت ولايته أصلا أو ثمرة، إذ تصرفه محمول على المصلحة وإن لم يبين السبب، وله الأخذ بالشفعة، وترك قصاص وجب للمحجور عليه بالنظر والمصلحة، وليس له العفو عن عمد أو خطأ بالمجان. وله إسقاط الشفعة إذا كان ذلك عن نظر فلا تسقط بلا نظر على الراجح، ومقابله أنها تسقط بإسقاطه مطلقا. ويجوز للأب أن يرهن مال محجوره فى دين استدانه على المحجور لمصلحته كالطعام والكسوة وغيرهما من الأمور الضرورية (12) . ويجوز للأب رد تصرف سفيه أو صبى مميز بمعاوضة باشره بلا إذن وليه كبيع وشراء وهبة ثواب، فإن لم يكن بمعاوضة، كهبة وصدقة وعتق، تعين على الأب رده، كإقرار من المحجور عليه بدين فى ذمته أو بإتلافه شيئا لغيره فيتعين عليه رد الإقرار. وإذا ترك الأب رد ذلك كان للصبى المميز رده إذا رشد (13) . والظاهرية والإمامية والزيدية: يجيزون للولى، أبا أو غيره، أن يتصرف فى مال من فى ولايته لمصلحة. أما بالنسبة للرهن فيقول الظاهرية: لا يجوز للأب ولا للوصى أن يرهن مال موليه عن نفسه، كما لا يجوز لأحد أن يرهن مالا لغيره إلا بإذن مالكه (14) . ويقول الإمامية: وللولى أن يرهن لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف فى الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطء، لأنه تعريض للإبطال وفيه رواية بالجواز مهجورة. الأب وإسقاط حق موليه فى الشفعة: ترك الأب طلب الشفعة لموليه لا يسقط حقه فى الشفعة وله الأخذ بها إذا بلغ وعقل ورشد على تفصيل فى المذاهب. (انظر شفعة) .

_ (1) ج1 ص 33. (2) سورة البقرة:220. (3) المهذب ج1 ص331. (4) سورة النساء:6. (5) سورة النساء:6. (6) كشاف القناع ج2 ص 225. (7) كشاف القناع ج2 ص 225، 226. (8) كشاف القناع ج2 ص487. (9) الهداية ج4 ص8،9. (10) الهداية ج4 ص 100. (11) الشرح الصغير ج2 ص 130،206،211. (12) الشرح الصغير ج2 ص 102،131. (13) الشرح الصغير ج2 ص 126،127. (14) المحلى ج 6 ص102، المختصر النافع ص137،141. التاج المذهب ج 4 ص 166.

الأب وأحكام الهبة.

الأب وأحكام الهبة. يذهب الحنابلة (1) : إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، ولو كان الأب غير مأمون قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه، أو كان الأب مجنونا قبل الحاكم الهبة لولده أو كان قد مات ولا وصى له، وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء. ثم قال صاحب "كشاف القناع": للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، فى صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه، لما روى الترمذى، وذكر انه حديث حسن، عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " وروى الطبرانى فى معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبى اجتاح مالى، فقال: "أنت ومالك لأبيك". ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده أن سفيان بن عيينة قال فى قوله تعالى: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " (2) . ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم فى قوله تعالى " من بيوتكم "، لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلى مال ولده من غير تولية كمال نفسه. مذهب الأحناف (3) : وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه، لأن يده كيده، بخلافه ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا، لأنه فى يد غيره أو فى ملك غيره، والصدقة فى هذا كالهبة. مذهب الشافعية (4) : وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز أن يرجع لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده "، ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة، ومن أصحابنا من قال: لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح فى استرجاعه، فجاز له الرجوع، وإن تداعى رجلان نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع، لأنه لم يثبت له بنوته، فإن لحق أحدهما ففيه وجهان: أحدهما: يجوز، لأنه فى ملك من يجوز له الرجوع فى هبته. والثانى: لا يجوز، لأنه رجوع على غير من وهب له فلم يجز. وأن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان: أحدهما: يرجع لأن حقه السابق لحقوق الغرماء. والثانى: لا يرجع، لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه. وللفقهاء فى جواز رجوعه فى الهبة شروط هى محل خلاف بينهم (انظر رجوع) . مذهب المالكية (5) : جاء فى "الشرح الصغير": وصح حوز وأهب شيئا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون، كان وليه الواهب أبا أو غيره، لأنه هو الذى يحوز له. ثم قال (6) : وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها أى الهبة،:أى أخذها من ولده قهراً عنه بلا عوض مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، سفيهاً أو رشيداً، حازها الولد أولا. مذهب الظاهرية (7) : جاء فى "المحلى": ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها أو لم يداينا. فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشىء، ولا رجوع لهما بالغلة، ولا بالولد الحادث بعد الهبة. فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى. مذهب الزيدية (8) : جاء فى "التاج المذهب": ويقبل إذا وهب للصبى وكذا المجنون وليه المتولى لماله ولو من جهة الصلاحية أو يقبل هو فإنه يصح قبوله إن كان مأذونا له بالتصرف مطلقا، وإن لم يكن مأذونا لم يصح قبوله، بل يقبل له ولى ماله. قال فى البيان: ولا حكم لرد المولى لما قبله له الأجنبى وقبله الصبى المميز، فإذا أجازه الولى من بعد إجازة الصبى بعد بلوغه صح. قال فى "التاج (9) المذهب" وهو يتحدث عن شروط جواز الرجوع فى الهبة: ألا يكون الموهوب له ذا رحم محرم، نسبا لارضاعا، فإن كان ذا رحم محرم نسبا لم يجز الرجوع فيها ولم يصح سواء كانت الهبة لله أم لا، إلا الأب ولو فاسقا أو كافرا، فله الرجوع فى هبة طفله متى لم يحصل أحد الموانع، وإذا لم يكن طفلا بل كان بالغا ولو مجنونا أصليا أم طارئا لم يصح للأب الرجوع فيما وهب له. فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد بلوغه لم يصح ذلك. وقال (10) : ويكره تنزيها مخالفة التوريث فى الهبة والصدقة ونحوهما من نذر ووقف ووصية، لأنه يؤدى إلى إيغار الصدور، ولما فيه من الحيف عن سنن العدل، وصريح الأحاديث قاضية بالعدل والتسوية بين الأولاد فى النحل والعطية، إلا أن يفضل أحد الورثة لبره، أو لكثرة عائلته، أو لضعفه: كالأعمى والمقعد ونحوهما، أو لفضله، فإن ذلك غير مكروه إلى قدر الثلث. مذهب الإمامية (11) : قال فى "المختصر النافع": لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه مقبوض بيد الولى ولا يرجع - أى الولد- فى الهبة لأحد الوالدين بعد القبض. مذهب الأباضية (12) : جاء فى" شرح النيل": يشترط القبض فى صحة هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى كذا قيل. وذكر قومنا أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو بنته أخذ منه وارثه، لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع، وقيل: لا تصح إلا بالقبض. (وصح عود والد فيها) أى فى الهبة، وذلك فى الحكم وعند الله، إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله، وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه لحديث " لا يحل الرجوع فى الهبة إلا لوالد ".

_ (1) كشاف القناع ج2 ص486. (2) سورة النور: 61. (3) الهداية ج3 ص 182. (4) المهذب ج1 ص 451. (5) الشرح الصغير ج2 ص 288. (6) المرجع السابق ص 289. (7) المحلى ج 6 ص 127. (8) ج 3 ص 264. (9) المرجع السابق ص 269. (10) المرجع السابق ص 274. (11) ص 160. (12) ج6 ص5،8.

الأب وأحكام الوصية والإيصاء

الأب وأحكام الوصية والإيصاء وعند الشافعية (1) : " من ثبتت له الولاية فى مال ولده ولم يكن له ولى بعده جاز له أن يوصى إلى من ينظر فى ماله، لما روى سفيان بن عيينة رضى الله عنه عن هشام بن عروة قال: " أوصى إلى الزبير تسعة من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم- منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود رضى الله عنهم، فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أبنائهم من ماله ". وإن كان له جد لم يجز أن يوصى إلى غيره، لأن ولاية الجد مستحقة بالشرع فلا يجوز نقلها عنه بالوصية. ومن ثبتت له الولاية فى تزويج ابنته لم يجز أن يوصى إلى من يزوجها. وقال أبو ثور: يجوز كما يجوز أن يوصى إلى من ينظر فى مالها، وهذا خطأ، لما روى ابن عمر قال: زوجنى قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون، فأتى قدامة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنا عمها ووصى أبيها وقد زوجتها من عبد الله بن عمر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها " ولأن ولاية النكاح لها من يستحقها بالشرع فلا يجوز نقلها بالوصية كالوصية بالنظر فى المال مع وجود الجد. مذهب المالكية: قال فى "الشرح الصغير" (2) : وإنما يقيم وصيا على محجور عليه لصغر أو سفه أب رشيد أو وصيه إن لم يمنعه الأب من الإيصاء بأن قال: أوصيتك على أولادى وليس لك أن توصى عليهم. وكذلك للأب أن يوصى على تزويج بناته، والراجح له الجبر أن ذكر البضع أو النكاح أو التزويج بأن قال له الأب: أنت وصى على بضع بناتى أو على نكاحهن أو على تزوجهن أو على بنتى حتى تزوجها قبل البلوغ أو بعده أو ممن شئت وإن لم يذكر شيئا من الثلاثة، فالظاهر عدم الجبر كما إذا قال: أنت وصى على بناتى. أما لو قال: أنت وصى فقط أو على مالى فلا جبر اتفاقا. مذهب الحنابلة: قال فى "كشاف القناع" (3) : يملك الأب الإيصاء على أولاده. كما قال: وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو مستوراً أو أعمى أو امرأة أو أم ولد أو عدوا للطفل الموصى عليه، وكذا لو كان عاجزا، ويضم إليه قوى أمين معان، ولا تزال يده عن المال، ولا يزال نظره. وهكذا إن كان قويا فحدث فيه ضعف، ويكون الأول هو الوصى دون الثانى أى وهو المعين. مذهب الأحناف (4) : للأب أن يقيم وصيا على أولاده الصغار ومن فى حكمهم، كما له أن يقيم وصيا على تركته عند الحاجة إلى ذلك، من تنفيذ وصاياه أو قضاء ديونه أو استيفائها ونحو ذلك، كقسمة التركة. ويكون الوصى حينئذ مقدما على الجد، وهو ما يسمى بالوصى المختار. وتفصيل أحكام الإيصاء- ينظر مصطلح (إيصاء) مذهب الإمامية (5) : يعتبر فى الذى يجعله الأب وصيا أن يكون مكلفا مسلما، وفى اعتبار العدالة تردد أشبهه أنها لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته، ولا يوصى إلى المملوك إلا بأذن مولاه. ويصح إلى الصبى منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبى ثم يشتركان، وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه. ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر، وتصح من مثله وتصح الوصية إلى المرأة. وللموصى تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية ويصح أن بلغ الرد. ولو مات الموصى قبل بلوغه لزمت الوصية، وإذا ظهر من الوصى خيانة استبدل به، والوصى أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط، وتختص ولاية الوصى بما عين له الموصى، عموما كان أو خصوصا ويأخذ الوصى الأجرة (أجرة المثل) ، وقيل قدر الكفاية، هذا مع الحاجة. وإذا أذن له فى الوصية جاز، ولو لم يأذن فقولان، أشبههما أنه لا يصح، ومن لا وصى له فالحاكم وصى تركته. وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر. ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية مطرحة. مذهب الزيدية (6) : قال فى "التاج المذهب": وإنما يتعين وصيا من جمع شرطين. الأول: أن يكون قد عينه الميت ولو امرأة، بأن قال: أنت وصيتى، أو أنت وصيى، أو قم على أولادى بعدى، أو نفذ ما أوصيت به، أو أنت خليفتى، أو أخلفنى أو وكلتك بعد موتى، أو أنت وكيلى فى حياتى وبعد مماتى. مذهب الإباضية (7) : ومن قال: فلان وصيى فهو وصيه ولو فى أولاده وتزويج بناته، وقيل: إلا فيهن وليس للجد أن يوصى فى أولاد أولاده إلا أن أوصاه ولده أى أبوهم، ولا وصاية لغير الأب فيهم. مذهب الظاهرية (8) : ومن أوصى إذا مات أن تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهى وصية فاسدة، لا يجوز إنفاذها، برهان ذلك أن الصغيرة إذا مات أبوها صارت يتيمة، وقد جاء النص بأن لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس لأبيها أن يزوجها فى حياته بغير أذنها فكيف بعد موته.

_ (1) المهذب ج1 ص 455. (2) ج2 ص 432. (3) ج2 ص 533. (4) الهداية ج4 ص 195. (5) المختصر النافع ص 165،166. (6) ج4 ص 385. (7) شرح النيل ج6 ص 454. (8) المحلى ج 9 ص 464.

الأب وأحكام العتق

الأب وأحكام العتق مذهب الشافعية (1) : إذا ملك الأب أحد أولاده عتق عليه وكذا العكس. ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وإن سفلوا عتقوا عليه، لقوله تعالى " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا. إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً (2) " فالآية تدل على التنافى بين الولدية والعبودية. مذهب الأحناف (3) : ومن قال عن عبده: هذا ابنى وثبت ذلك عتق. ومعنى المسألة: إذا كان يولد مثله لمثله ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه. وإذا ثبت نسبه عتق، لأن النسب يستند إلى وقت العلوق، أى الحمل. وإن كان له نسب معروف لا يثبت منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ فى مجازه عند تعذر أعماله بحقيقته. مذهب الحنابلة (4) : ولا يصح أن يعتق الأب عبد ولده الصغير، كما لا يصح أن يعتق عبد ولده الكبير، ولا عبد ولده المجنون، ولا عبد يتيمه الذى فى حجره، لأنه تبرع وهو ممنوع منه. ومن ملك ذا رحم محرم عليه للنسب عتق عليه ولو كان مخالفا له فى الدين (5) . مذهب المالكية (6) : وعتق بنفس الملك بدون حكم حاكم على المشهور أصله نسبا لا رضاعا، وإن علا فيعتق الجد وفرعه، وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور. مذهب الظاهرية (7) : من ملك ذا رحم محرم هو حر ساعة يملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه إلا الوالدان خاصة والأجداد والجدات خاصة فإنهم يعتقون عليه كلهم أن كان له مال يحمل قيمتهم، فإن لم يكن له مال حمل قيمتهم استسعوا، وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة. وقال فى "المحلى" (8) : لا يجوز للأب عتق عبد ولده الصغير. مذهب الزيدية: من أسباب العتق ملك ذى الرحم المحرم كالأباء وإن علو والأولاد وإن سفلوا (9) . مذهب الإمامية (10) : قد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا. الأب والكتابة للعبد مذهب الأحناف (11) : وإذا اعتق المكاتب عبده على مال، أو باعه من نفسه، أو زوج عبده، لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه. وكذلك الأب والوصى فى رقيق الصغير بمنزلة المكاتب، لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب. ثم قال: وإذا اشترى أباه أو ابنه دخل فى كتابته، لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان. الا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه. مذهب الزيدية (12) : وإذا أدخل المكاتب معه غيره، نحو أن يكاتب عن نفسه وأولاده بعقد واحد. فلا يعتق واحد منهم إلا بدفع مال المكاتبة عن الجميع منهم أو من غيرهم، سواء تميزت حصص عوض الكتابة بأن يقول: كاتبت كل واحد منكم بمائة، أم لم تميز، لئلا يفرق العقد. وأما إذا كانت العقود مختلفة عتق من أوفى ما عليه أو أدى عنه تقدم أو تأخر. ثم إن الأب إن كاتب بإذنهم رجع عليهم كل بحصته حيث سلم بإذنهم، فإن كانت بغير أذنهم لم يرجع. (انظر مصطلح: عتق، كتابة) .

_ (1) المهذب ج2 ص 4. (2) سورة مريم:91،92،93. (3) الهداية ج2 ص 43. (4) كشاف القناع ج2 ص 627. (5) المرجع السابق ص 628. (6) الشرح الصغير ج2 ص 405. (7) المحلى لابن حزم ج 9 ص 200. (8) المرجع السابق ج 9 ص215. (9) شرح الأزهار ج53 ص 566. (10) الروضة البهية ج2 ص 195. (11) ج 3ص 208. (12) التاج المذهب ج 2 ص 399.

ولاية الأب فى النكاح

ولاية الأب فى النكاح مذهب الشافعية (1) : وإن كانت من يراد تزويجها حرة فأولى الناس بذلك أبوها. وقالوا: إنه يجوز للأب أن يزوج أبنه الصغير إذا رأى ذلك (2) . ويجوز للأب (3) . والجد تزويج البكر من غير رضاها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها فى نفسها " فدل على أن الولى أحق بالبكر، وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر، وأذنها صماتها، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها، وأذنها صماتها " ولأنها تستحى أن تأذن لأبيها بالنطق فجعل صماتها إذنا. ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن. وأما الثيب فإنها إن ذهبت بكارتها بالوطء فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بأذنها، لما روت خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. وأذنها بالنطق لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " والبكر تستأذن فى نفسها وأذنها صماتها" فدل على أن أذن الثيب النطق. وإن كانت صغيرة لم يجز تزوجيها حتى تبلغ وتأذن، لأن إذنها معتبر فى حال الكبر، فلا يجوز الإفتيات عليها فى حال الصغر. وإن كانت مجنونة جاز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه لا يرجى لها حال تستأذن فيها. ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لأن تزويجها إجبار، وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الإجبار. مذهب الأحناف: يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى، بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة، فإن زوجها الأب أو الجد، أى الصغير أو الصغيرة، فلا خيار لهم بعد البلوغ (4) . وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى أنكاحها أبنها فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. وهم (5) لا يجيزون للولى إجبار البكر البالغة على النكاح. مذهب الحنابلة (6) : أحق الناس الذين لهم ولاية النكاح بنكاح المرأة الحرة أبوها، لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: " ووهبنا له يحيى (7) "، وقال على لسان إبراهيم الخليل: " الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق (8) "، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أنت ومالك لأبيك " وإثبات ولاية للموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظراً، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشترى لها من ماله وله من مالها. وكذلك يذهب الحنابلة (9) : إلى أن للأب خاصة تزويج بنيه الصغار وبنيه المجانين ولو كان بنوه المجانين بالغين،لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا. وحيث زوج الأب ابنه لصغره وجنونه فإنه يزوجه بحرة لئلا يسترق ولده ويزوجه غير معيبة عيبا يرد به النكاح. ويزوج ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرها، لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك، فجاز له بذل المال فيه كمداواته بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك. وليس لهم، أى للبنين الصغار والمجانين، إن زوجهم الأب خيار إذا بلغوا وعقلوا كما لو باع مالهم. وللأب تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ لحديث ابن عباس مرفوعا: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها) رواه أبو داود. فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الأخر وهى البكر فيكون وليها أحق منها بها، ودل الحديث على أن الاستئمار هنا. والاستئذان فى حديثهم مستحب غير واجب. وللأب أيضا تزويج ثيب لها تسع سنين بغير أذنها، لأنه لا أذن لها. وإذا زوج ابنه الصغير فبامرأة واحدة، وله تزويجه بأكثر إن رأى فيه مصلحه، وهذا ضعيف جدا، وليس فى ذلك مصلحة بل مفسدة. وعندهم (10) : وحيث أجبرت البكر، زوجت بمن تختاره بنت تسع سنين فأكثر كفئا لا بمن يختاره المجبر من أب أو وصيه، لأن النكاح يراد للرغبة فلا تجبر على غير ما ترغب فيه. وشروط الإجبار: أن يزوجها من كفء بمهر المثل، وألا يكون الزوج معسرا، وألا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوجها بنقد البلد. فإن امتنع المجبر عن تزويج من أختارته بنت تسع سنين فأكثر فهو عاضل، فتسقط ولايته ويفسخ به إن تكرر. وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه، لأنه لا ولاية له عليه إلا أن يكون سفيها وكان النكاح أصلح له، بأن يكون زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى إمراة تخدمه، فإن لم يكن محتاجا إليه فليس له تزويجه. وللأب قبول النكاح لابنه الصغير ولو مميزا ولابنه المجنون. مذهب الزيدية (11) : وولى عقد النكاح فى الحرة الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب، واقرب العصبة هو الابن، ثم ابنه ما نزل، ثم الأباء، وأقربهم الأب ثم أبوه. وذهب الزيدية: إلى أنه إذا زوجها أبوها أو وكيله لمعين فى صغرها فإنه لا خيار لها إذا بلغت بشرطين: أحدهما: أن يكون زوجها كفئا لها فى نسبه ودينه. الشرط الثانى: أن يكون زوجها من لا يعاف فى عشرته. فأما لو زوجها أبوها من تعاف عشرته، كالأجذم والأبرص، فإنها إذا بلغت بالمحيض ثبت لها الخيار بأول الحيض، واستمر خيارها فى اليوم الأول والثانى والثالث، ولا يبطل الخيار إلا إذا تراخت بعد الثلاثة، لأنها قد تيقنت أن الثلاثة حيض بمجاوزتها. وذهبوا كذلك إلى أن الصغير من الذكور كالأنثى إذا عقد له ولى نكاحه بزوجة كفء كان النكاح موقوفا، فيخير متى بلغ إلا من زوجه أبوه فلا خيار له عند بلوغه إن زوجه من هى كفء له لا تعاف وعلى الجملة فهو كالأنثى فى الأصح من المذهب. مذهب الإمامية (12) : ولاية الأب والجد على الصغيرة ثابتة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، ولا خيار لها. ويرى الإمامية (13) : أن ولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، لأن مناط الولاية للأب والجد على الثيب صغرها، فلا فرق بين وجود الوصف بين كونها بكراً أو ثيبا لوجود المقتضى فيهما. ولا خيار للصبية مع البلوغ، وفى الصبى قولان، أظهرهما أنه كذلك. ولو زوجها أبوها وجدها فالعقد للسابق، فإن اقترنا ثبت عقد الجد. وتثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ولا خيار له لو أفاق. والثيب تزوج نفسها، ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره. ولو زوجها من غير إذنها وقف على إجازتها. أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها. ولو كان أبوها حيا قيل لها: الانفراد بالعقد دائما كان أو منقطعا، وقيل: العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به، وقيل: أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر. ويرى المالكية (14) : أن الولى قسمان: مجبر، وغير مجبر. فالمجبر المالك ولو أنثى، فالأب له الإجبار ولو بدون صداق ولو كان الزوج أقل حالا منها أو لقبح منظر. والإجبار لثلاث من بناته: الأولى: البكر ما دامت بكرا ولو عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر إلا إذا رشدها الأب، أى جعلها رشيدة أو أطلق الحجر عنها لما قام بها من حسن التصرف، فلا جبر عليها حينئذ ولابد أن تأذن بالقول كما يأتى، أو أقامت سنة ببيت زوجها ثم تأيمت وهى بكر. الثانية: ثيب صغيرة لم تبلغ، تأيمت أو كبرت وزالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها، أو ولدت منه، أو زالت بكارتها بعارض لا بنكاح فاسد. الثالثة: مجنونة إلا من تفيق فتنتظر إفاقتها. وقال (15) : والأولى عند تعدد الأولياء تقديم ابن للمرأة فابنه على الأب فأب للمرأة فمرتبته بعد الابن وابنه. وقيل: تقديم أولى الوليين واجب لا سنة، فإن فقد المجبر ينتقل الحق لمن يليه الأقرب فالأقرب. وقال (16) : ويزوج السفيه ذو الرأى مجبرته بإذن وليه، وإن لم يأذن له نظر الولى ما فيه المصلحة، فإن كان صوابا أبقاه وإلا رده. وقال (17) : وإذا تزوج صغير بغير أذن وليه كان لوليه فسخ عقده إذا اطلع عليه، ولا مهر للزوجة ولا عدة عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها، لأن وطأه كالعدم وفسخه بطلاق. وإذا تزوج سفيه (18) : بغير أذن وليه كان للولى رد نكاحه بطلقة فقط بائنة إن لم يرشد. وللزوجة إن فسخ الولى النكاح ربع دينار إن دخل بها لأن كل عقد مختلف فى صحته يفسخ بطلاق ويحرم الأصول والفروع كالعقد الصحيح. فالعقد الفاسد المختلف فيه يحرمها على أصوله وفروعه ويحرم عليه أصولها لأن العقد على البنات يحرم الأمهات. وقال (19) : وجبر أب ووصى وحاكم ذكراً مجنونا مطيقا وصغيرا لمصلحة والصداق على الأب إذا جبر ابنه الصغير أو المجنون أن أعدما، أى لم يكن لهما مال. ولو شرط الأب خلافه فان كانا موسرين فعليهما المهر، ولا يلزم الوصى والحاكم مطلقا إلا لشرط من ولى الزوجة على الأب أو على الوصى أو على الحاكم فيعمل به. وان اختلف الابن والأب على التزام المهر، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر وإن لم يلتزمه أحدهما، وإن كان بعد الدخول حلف الأب وبرئ ولزم الزوج صداق المثل وحلف أن كان أقل من المسمى، ويرجع للأب نصف الصداق الذى التزمه إذا حصل طلاق قبل الدخول. قال (20) : ويرجع نصف الصداق للأب الذى زوج ولده وضمن له الصداق، أو زوج ابنته لشخص بصداق والتزمه بالطلاق قبل الدخول، وليس للزوج المطلق فيه حق، ورجع جميعه بالفساد أى بالفسخ قبل الدخول، ولا رجوع للأب على الزوج بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده. وقال (21) : وليس للأم كلام فى تزويج الأب ابنته الموسرة المرغوب فيها من فقير لا مال له، إلا لضرر بين كأن يزوجها بذى عيب أو فاسق. مذهب الظاهرية (22) : ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكراً، إلا بأذن وليها الأب أو غيره من الأولياء. ومعنى ذلك أن يأذن لها. فى الزواج، فإن آبى أولياؤها من الأذن لها زوجها السلطان. برهان ذلك قوله تعالى: " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم (23) " وهذا خطاب للأولياء لا للنساء. مذهب الأباضية (24) : وأولى الأولياء بالنكاح الأب. الأب ومحرمات النكاح ينص الشافعية (25) : على أنه يحرم على الرجل من جهة النسب البنت وإن سفلت. وجاء عندهم فى حرمة المصاهرة: وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم (26) "، وتحرم حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من بنى الأولاد وأولاد الأولاد، كما أن حليلة الأب تحرم على فروعه لقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء (27) ". وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعى رحمه الله: أكره أن يتزوجها، فإن تزوجها لم أفسخ " فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا لو علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبى - صلى الله عليه وسلم- فى زمانه لم تحل له. ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لأن أبا حنيفة يحرمها، وعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب، فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا. واختلف أصحابنا فى المنفية باللعان فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية، فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها، لأنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب. وجا

الأب والقصاص منه للولد والعكس

الأب والقصاص منه للولد والعكس مذهب الشافعية (1) : لا يجب القصاص على الأب بقتل ولده، ولا على الأم بقتل ولدها، لما روى عمر ين الخطاب - رضى الله عنه- أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يقاد الأب من ابنه " فإذا ثبت هذا فى الأب ثبت فى الأم لأنها كالأب فى الولادة. ولا يجب على الجد وإن علا، ولا على الجدة وإن علت بقتل ولد الولد وإن سفل، لمشاركتهم الأب والأم فى الولادة وأحكامها. وإن ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل أن يلحق نسبه بأحدهما لم يجب القصاص، لأن كل واحد منهما يجوز ان يكون هو الأب. وإن رجعا فى الدعوى لم يقبل رجوعهما، لأن النسب حق وجب عليهما فلا يقبل رجوعهما فيه بعد الإقرار. ويقتل الابن بالأب، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى. وإن جنى المكاتب على أبيه والأب فى ملكه ففيه قولان: أحدهما: لا يقتص منه، لأن المولى لا يقتص منه لعبده. والثانى: يقتص منه، وإليه أومأ الشافعى- رحمه الله - فى بعض كتبه، لأن المكاتب ثبت له حق الحرية بالكتابة، وأبوه ثبت له حق الحرية بالابن، ولهذا لا يملك بيعه فصار كالابن الحر إذا جنى على أبيه الحر. مذهب الظاهرية (2) : ويبطل القود إذا قتل الأب ابنه. مذهب المالكية (3) : إذا قتل أحد ولدين أباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله فصار معصوما. ولو أكره شخص أبا على قتل ابنه فقتله فلا قصاص على الأب للشبهة (4) . مذهب الإمامية (5) : ولا يقتل الوالد وإن علا بابنه وإن نزل، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقاد لابن من أبيه " والبنت كالابن إجماعا أو بطريق أولى. وفى بعض الأخبار عن الصادق: لا يقتل والد بولده ويقتل الولد بوالده، وهو شامل للأنثى. ويعزر الوالد بقتل الولد ويكفر وتجب الدية لغيره من الورثة. مذهب الإباضية (6) : ولا يقتل الأب بابنه ولا الأم ويقتل الولد بهما. مذهب الأحناف (7) : لا يقتل الرجل بابنه، لقوله - عليه الصلاة والسلام-: " لا يقاد الوالد بولده " ولأنه سبب أحيائه، فمن المحال أن يستحق له افناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده فى صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، فالقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه. والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا. ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط. مذهب الحنابلة (8) : فى شروط القصاص: الشرط الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل، فلا يقتل والده أبا كان أو أما وإن علا بولده. وقال -عليه الصلاة والسلام- " أنت ومالك لأبيك " فمقتضى هذه الإضافة تمكينه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت بالإضافة بشبهة فى إسقاط القصاص ولأنه كان سببا فى إيجاده فلا يكون سببا فى إعدامه، ولا تأثير لاختلاف الدين واختلاف الحرية، فلو كان أحدهما مسلما والأخر كافرا أو أحدهما رقيقا والآخر حرا فلا قصاص كاتفاقهما فى الدين والحرية. فلو قتل الكافر ولده المسلم أو العبد ولده الحر لم يجب القصاص لشرف الحرية إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به، لأنه ليس بولده حقيقة. ولو تداعى شخصان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز. أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقته القافة بواحد منهما، ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه ليس بأب وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده فإنه لا يقبل جحوده لأن النسب حق للولد فرجوعه عنه رجوع إقرار بحق لأدمى وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر ويسقط القصاص عن الذى لم يرجع ويجب على الراجع لأنه أجنبى وإن عفا عنه ولى المقتول فعليه نصف الدية، ولو اشترك رجلان فى وطء امرأة فى طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص على واحد منهما وإن نفيا نسبه لم ينتف إلا باللعان بشروطه التى منها أن يكون بين زوجين وأن يتقدمه قذف وأن نفاه أحدهما لم ينتف لقوله لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفى إلا باللعان ويقتل الولد بالوالد لأنه يحد بقذفه فيقتل به. مذهب الزيدية (9) : لا يجب القصاص يفرع من النسب فلا يقتص من أصل له، فلا يقتل أب ولا جد وإن علا ولا أم ولا جدة وإن علت لفرع لهم وإن سفل. القصاص فيما دون النفس من لا يقاد بغيره فى النفس لا يقاد به فيما دون النفس، ومن اقتيد بغيره فى النفس اقتيد به فيما دون النفس، لأنه لما كان ما دون النفس كالنفس فى وجوب القصاص كان كالنفس (10) . الأب واستيفاء القصاص أو العفو مذهب الأحناف (11) : إذا قتل ولى المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها وهو تشفى الصدور فيليه كالانكاح، وله أن يصالح لأنه أنظر فى حق المعتوه، وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا. مذهب الحنابلة (12) : لولى المجروح بعد السراية العفو عن القصاص، وله حينئذ كمال الدية. وإن عفا الولى مطلقا أو عفا عن القود مطلقا فله الدية، لأن الواجب أحد الشيئين فإذا سقط القود تعنيت الدية. ثم قال (13) " ومن لا يجرى القصاص بينهما فى النفس لا يجرى فى الطرف، كالأب وأبنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر، فلا تقطع يد الأب بيد ابنه ولا يد الحر بيد العبد ولا يد المسلم بيد الكافر. مذهب المالكية (14) : الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر على ترتيب الولاية فى النكاح إلا الجد والإخوة فسيان. ولو كان (15) للصغير ولى من أب أو وصى واستحق الصغير قصاصا بلا مشارك له فعلى وليه النظر بالمصلحة فى القتل وأخذ الدية كاملة. ويخير إن استوت، ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجانى، والحكم كذلك لو قطع أحد يد الصغير مثلا فله الصلح بأقل، أما لو قتل الصغير فلا كلام لوليه لانقطاع نظره بالموت والكلام للعاصب. ولولى الصغير النظر فى القتل أو الدية كاملة، قال فى المدونة: من وجب لابنه الصغير دم عمدا أو خطأ، لم يجز له العفو إلا على الدية لا أقل منها. وإن قتل شخص عبد الصبى أو جرحه فالأولى للولى أخذ القيمة أو الأرش دون القصاص، إذ لا نفع للصبى فيه. ويقتل أب أمر صبيا بقتل إنسان فقتله، ولا يقتل الصغير لعدم تكليفه. مذهب الظاهرية (16) : عفو الأب عن جرح ابنه الصغير أو المجنون أو استقادته له غير جائز بل هما على حقهما فى القود حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون. مذهب الزيدية (17) : ليس للأب أن يتولى القصاص عن الصبى وكذا سائر الأولياء، بل ينتظر بلوغه وللأب أن يعفو عن القاتل لمصلحة. ولو قتل رجل أباه وله أخ وأم فإن عليه القتل للأخ والأم، فإذا قتل الأخ الأم أو ماتت سقط عن قاتل الأب القود، لأنه قد ورث نصيب الأم أو بعضه، ويقتل قاتل الأم. مذهب الإمامية (18) : ولو كان الولى صغيرا وله أب. أو جد لم يكن له أى وليه من الأب لاستيفاء إلى بلوغه، لأن الحق له ولا يعلم ما يريده حينئذ، ولأن الغرض التشفى ولا يتحقق تعجيله قبله وحينئذ فيحبس القاتل حتى يبلغ. وقال أكثر المتأخرين: يراعى المصلحة، فإن اقتضت تعجيله جاز، لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولى، ولأن التأخير ربما استلزم تفويت القصاص وهو أجود. مذهب الإباضية (19) : ويقتص طفل بواسطة أبيه لا غيره، أى يقتص له أبوه من بالغ إن كان له أب وإلا اقتص أبو أبيه. الأب والأذن لولده فى الجهاد والحج وغيره مذهب الشافعية (20) : إن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له أن يجاهد بغير إذنه، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستأذنه فى الجهاد فقال: "أحى والداك؟ " قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. وروى عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه- قال: سألت النبى - صلى الله عليه وسلم-: أى الأعمال أفضل؟ فقال- عليه الصلاة والسلام-: " الصلاة لميقاتها " قلت: ثم ماذا؟ قال: " بر الوالدين ". قلت: ثم ماذا؟ قال:" الجهاد فى سبيل الله". فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس -رضى الله عنهما-: إنى نذرت أن أغزو الروم وان أبوى منعانى، فقال: " أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك ". وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما، لأنهما متهمان فى الدين. وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا: إنه يجاهد من غير إذنهما، لأنه لا أذن لهما فى أنفسهما فلم يعتبر أذنهما لغيرهما، وقيل: إنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر فى البر والشفقة فكان كالحر فى اعتبار الأذن. وإن أراد الولد أن يسافر فى تجارة أو طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب فى سفره السلامة. وإن (21) أذن الوالد لولده ثم رجع أو كان كافرا فأسلم فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج أى للجهاد إلا بالأذن، وإن كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بالأذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد، فإذا طرأ منع من الوجوب كالعمى والمرض. والثانى: أنه يجاهد من غير أذن لأنه اجتمع حقان متعينان، وتعين الجهاد سابق فقدم. وإن أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير إذن الأبوين،لأن ترك الجهاد فى هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الأبوين. مذهب الحنابلة (22) : لا يجاهد متطوعا من أبواه حران مسلمان عاقلان إلا بإذنهما وإن كان أحدهما حرا مسلما عاقلا لم يجاهد تطوعا إلا بإذنه، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أجاهد. فقال: " لك أبوان؟ " قال: نعم. قال: " ففيهما فجاهد ". وروى البخارى معناه من حديث ابن عمرو. روى أبو داود عن أبى سعيد أن رجلا هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: " هل لك أحد باليمن؟ ". فقال: أبواى. فقال: " أذنا لك؟ " قال: لا. قال: " فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما. ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية والأول مقدم إلا أن يتعين عليه الجهاد لحضور الصف أو حصر العدو أو استنفار الإمام له أو نحوه، فيسقط إذنهما، لأنه يصير فرض عين وتركه معصية، ولا طاعة للوالدين فى ترك فريضة، كتعلم علم واجب قوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل فله السفر لطلبه بلا أذنهما، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. ولا إذن لجد ولا لجدة، فإن خرج فى جهاد تطوع بإذن والديه ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعينه عليه فعليه الرجوع، إلا أن يخاف على نفسه فى الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض ونحوه، فإن أمكنه الإقامة فى الطريق أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع وإلا مضى مع الجيش، وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما. وإن كانا كافرين فأسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما على ما تقدم تفصيله. مذهب الظاهرية (23) : لا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إغاثتهم أن يقصدهم مغيثا لهم، أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده، فلا يصل له ترك من يضيع منهما. وروى البخارى: حدثنا آدم وحدثنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبى ثابت قال: سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم فى الحديث قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فى

الأب وعصمة إسلام ولده الصغير

الأب وعصمة إسلام ولده الصغير مذهب المالكية (1) : الحربى الذى أسلم وفر إلينا، أو بقى حتى غزا المسلمون بلده، ولده فىء إن حملت به أمه قبل إسلام أبيه. مذهب الشافعية (2) : إن بلغ صبى من أولاد أهل الذمة فهو فى أمان، لأنه كان فى الأمان بأمان أبيه، فلا يخرج منه من غير عناد. فإن اختار أن يكون فى الذمة ففيه وجهان:- أحدهما: أن يستأنف له عقد الذمة، لأن العقد الأول كان للأب دونه فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التراضى. والثانى: لا يحتاج إلى استئناف عقد، لأنه تبع الأب فى الأمان فتبعه فى الذمة. وإن أسلم رجل وله ولد صغير تبعه الولد فى الإسلام، لقوله تعالى " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم (3) وإن أسلم أحدهما - أى الأبوين - والولد حمل، تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع المسلم منهما كالولد. وإن أسلم أحد الأبوين دون الأخر تبع الولد المسلم منهما، لأن الإسلام أعلى، فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى. وإن لم يسلم واحد منهما فالولد كافر، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". فإن بلغ وهو مجنون فأسلم أحد أبويه تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع الأبوين فى الإسلام كالطفل. وإن بلغ عاقلا ثم جن ثم أسلم أحد أبويه ففيه وجهان، أحدهما: أنه لا يتبعه لأنه زال حكم الاتباع ببلوغه عاقلا فلا يعود إليه. والثانى: أنه يتبعه، وهو المذهب، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع أبويه فى الإسلام كالطفل. وإن سبى المسلم صبيا فإن كان أحد أبويه معه كان كافراً (4) . مذهب الأحناف (5) : من أسلم منهم فى دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه وأولاده الصغار لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا. وإذا دخل الحربى (6) دارنا بأمان فأسلم هاهنا وله أولاد صغار- فإنهم يكونون مسلمين تبعا لإسلام أبيهم إذا كانوا فى يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك. وإن أسلم فى دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة. وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه فى يد محترمة، ويده كيده، وما سوى ذلك فئ. مذهب الظاهرية (7) : إذا أسلم الحربى فأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذى فى بطن امراته إن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق، لأن الجنين حينئذ بعضها، ولا يسترق لأنه جنين مسلم، ومن كان بعضها حرا فهى كلها حرة، بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه، لأنه حينئذ غيرها، وهو ربما كان ذكرا وهى أنثى. وأى الأبوين الكافرين أسلم فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما، الأم أسلمت أو الأب. مذهب الزيدية (8) : من أسلم من الحربيين أو دخل فى الذمة وهو حال إسلامه فى دارنا لم يحصن فى دارهم إلا طفله الموجود وولده المجنون حال الإسلام ولو بالغا، فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله أو ولده المجنون ولا مال طفله المنقول، لأنه قد صار مسلما بإسلام والده. مذهب الإمامية (9) : حكم الطفل حكم أبويه، فإن أسلما أو أسلم أحدها لحق بحكمه ولو أسلم حربى فى دار الحرب حقن دمه. مذهب الحنابلة (10) : وإذا أسلم أبوا الطفل الكافران أو أحدهما أو سبى الطفل منفردا عنهما حكم بإسلامه. وإن سبى مع أحدهما فى دار بإسلامه. وأن سبى مع أحدهما وهما على دينهما أو ماتا أو أحدهما فى دار الإسلام. فهل يحكم بإسلامه؟ على روايتين. والمميز كالطفل فيما ذكرنا نص عليه، وقيل: لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ. ولا يتبع الصغير جده ولا جدته فى الإسلام. الأب لا يحد بقذف ولده مذهب الشافعية (11) : إن قذف الوالد ولده أو قذف الجد ولد ولده لم يجب عليه الحد، وقال أبو ثور: يجب عليه الحد لعموم الآية: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون (12) ". والمذهب الأول، لأنه عقوبة تجب لحق الآدمى، فلم تجب للولد على الوالد كالقصاص. وإن قذف زوجته فماتت وله منها ولد سقط الحد، لأنه لما لم يثبت له عليه الحد بقذفه لم يثبت له. وإن كان لها ابن آخر من غيره وجب له لأن حد القذف يثبت لكل واحد من الورثة على الانفراد. وإن مات من له الحد أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى الوارث (13) . مذهب الأحناف (14) : إذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد خلافا لزفر. مذهب المالكية (15) : ليس لمن قذفه أبوه أو أمه تصريحا حد والديه على الراجح وهو مذهب المدونة. ومقابله يقول: له حدهما ويحكم بفسقه، وأما فى التعريض فلا يحد الأبوان اتفاقا. مذهب الحنابلة (16) : لا يحد الأبوان لولدهما وإن نزل فى قذف ولا غيره، فلا يرث الولد حد القذف على أبويه، كما لا يرث القود عليهما. فإن قذف أم أبنه وهى أجنبية منة أى غير زوجة له فماتت المقذوفة قبل استيفائه لم يكن لابنه المطالبة به عليه، لأنه إذا لم يملك طلبه بقذفه لنفسه فلغيره أولى، وكالقود فإن كان لها ابن آخر من غيره كان له، استيفاؤه فله إذا ماتت بعد المطالبة لتبعضه: أى لقبوله التجزئة بخلاف القود، ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا. وإذا تشاتم (17) والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده، كما لا يحد بقذفه ولا يقاد به، ويعزر الولد لحق الوالد كما يحد لقذفه ويقاد به. ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد بتعزيره لأن للوالد تعزيره بنفسه، ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة إلا فى هذه الصورة لأنه مشروع للتأديب فيقيمه الإمام إذا رآه. مذهب الزيدية (18) : لو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد لقذف ابنه ولا يسقط لحق الأبوة، قال فى الغيث: فإن قيل لم حد للقذف ولم يقتص منه مع أنه لا شبهة له فى بدنه؟ قلنا: القذف مشوب بحق الله تعالى والقصاص له محض. مذهب الإمامية (19) : لا يحد الأب لقذف ولده وإنما يعزر. مذهب الظاهرية (20) : الحدود والقود واجبان على الأب للولد فى القذف والسرقة وقتله إياه وجرحه إياه فى أعضائه. الأب والقطع بالسرقة من مال ولده والعكس مذهب الشافعية (21) : من سرق من ولده أو ولد ولده وإن سفل أو من أبيه أو من جده وإن علا لم يقطع، وقال أبو ثور: يقطع لقوله عز وجل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (22) " نعم ولم يخص. وهذا خطأ لقوله- عليه الصلاة والسلام - " ادرءوا الحدود بالشبهات "، وللأب شبهة فى مال الابن، وللابن شبهة فى مال الأب، لأنه جعل ماله كماله فى استحقاق النفقة ورد الشهادة فيه، والآية نخصها بما ذكرناه. مذهب الحنابلة (23) : يشترط انتفاء الشبهة لقوله - عليه الصلاة والسلام- " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" فلا يقطع بسرقة مال ولده وإن سفل، فلا قطع لسرقة ولد مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد على الوالد فى مال والده حفظا له فلا يجوز إتلافه لحفظ ماله. مذهب الأحناف (24) : من سرق من أبويه أو ولده أو ذى رحم محرم منه لم يقطع. مذهب المالكية (25) : لا قطع إن قويت الشبهة كوالد سرق نصابا من ملك ولده فلا قطع بخلاف العكس. وجاء فى حاشية الصاوى: إنما لم يقطع الأب لقوله فى الحديث " أنت ومالك لأبيك ". مذهب الظاهرية (26) : قال ابن حزم: قال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه. مذهب الزيدية (27) : ولا يقطع والد من النسب لولده إذا سرقه وكان الولد حراً وأن سفل الولد كابن الابن ومن تحته، ويقطع الوالد إذا سرق ولده العبد لأنه لا شبهة له فى ملك الغير، وكذا يقطع إذا سرق من مال ولده من الزنا، فأما الولد إذا سرق من مال أبويه فإنه يقطع عندنا كسائر المحارم. مذهب الإمامية (28) : يشترط فى قطع يد السارق ألا يكون والدا لمن سرق منه. مذهب الإباضية (29) : لا قطع على ولد إن سرق من بيت والده إن كان تحته ولم يحزه ولو لم يكونا فى منزل واحد ولو لم يسرق من منزل هما فيه، وإن أحازه قطع، ولا قطع على أبويه: أبيه أو أمه مطلقا، ولو من منزل لم يسكنوا فيه. الأب والقضاء لولده أو عليه وبالعكس مذهب الشافعية (30) : لا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل، وقال أبو ثور: يجوز، وهذا خطأ، لأنه متهم فى الحكم لهما كما يتهم فى الحكم لنفسه. وإن تحاكم والد القاضى مع ولد القاضى إليه فقد قال بعض أصحابنا أنه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبى. والثانى: أنه يجوز لأنهما استويا فى التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل. وإن أراد أن يستخلف فى أعماله والده أو ولده جاز، لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم فى أعماله، فجاز أن يستخلفهما للحكم فى أعماله. وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده، لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده. مذهب الأحناف (31) : حكم الحاكم لأبوية وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء، وهذا لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فكذلك لا يصح القضاء له، بخلاف ما إذا حكم عليه، لأنه تقبل شهادته عليه لانتفاء التهمة، فكذا القضاء. مذهب المالكية (32) : لا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه، وجاز أن يحكم عليه. مذهب الحنابلة (33) : ليس لمن ولاه الإمام تولية القضاة أن يولى نفسه ولا والده ولا ولده. الأب وشهادته لولده وعليه والعكس مذهب الشافعية (34) : ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا. وقال المزنى وأبو ثور: تقبل، ووجهه قوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم (35) " فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كغيرهم فى الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر- رضى الله عنهما - أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة ". والظنين: المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع، ولأن الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام-: " يا عائشة إن فاطمة بضعة منى، يريبنى ما يريبها ". ولأن نفسه كنفسه، وماله كماله، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام- لأبى معشر الدارمى: " أنت ومالك لأبيك" وقال - عليه الصلاة والسلام- " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " ولهذا يعتق عليه إذا ملكه، ويستحق عليه النفقة إذا احتاج، والآية نخصها بها ذكرناه. والاستدلال بأنهم كغيرهم فى العدالة يبطل بنفسه، فإنه كغيره فى العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق. ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد فى إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه، فلا يلزمه ذلك بقوله. والمذهب الأول، لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة، ولا تهمة فى شهادته عليه. مذهب الأحناف (36) : لا تقبل شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده، والأصل فيه قوله - عليه الصلاة والسلام- " لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا الوالد لولده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره " ولأن المنافع بين الأولاد والأباء متصلة، ولهذا لا يجوز آداء الزكاة إليهم، فتكون شهادة لنفسه من وجه أو تتمكن فيه التهمة. مذهب الحنابلة (37) : موانع الشهادة ستة أشياء: أحدها قرابة الولادة،

الأب ومسائل الإقرار بالنسب أو الإرث

الأب ومسائل الإقرار بالنسب أو الإرث مذهب الأحناف (1) : ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه منه وإن كان مريضا، لأن النسب مما يلزمه خاصة، فيصح إقراره به، وشرط أن يولد مثله لمثله، كى لا يكون مكذبا فى الظاهر، وشرط ألا يكون له نسب معروف، لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط تصديقه، لأنه فى يد نفسه إذ المسألة فى غلام يعبر عن نفسه بخلاف الصغير. ولا يمتنع بالمرض، لأن النسب من الحوائج الأصلية، ويشارك الورثة فى الميراث، لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك ورثته ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى (2) . مذهب الحنابلة (3) : إن أقر مكلف بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب بأن قال: إنه ابنى وهو يحتمل أن يولد لمثل المقر بأن يكون أكبر ممن أقربه بعشر سنين فأكثر ولم ينازعه منازع ثبت نسبه منه، لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه كما لو أقر بمال. وإن كان الصغير أو المجنون المقر به ميتا ورثه، لأن سبب ثبوت النسب مع الحياة الإقرار، وهو موجود هنا. وإن كان المقر به كبيراً عاقلا لم يثبت نسبه من المقر حتى يصدقه، لأن له قولا صحيحا. فاعتبر تصديقه، كما لو أقر له بمال. وإن كان ميتا ثبت إرثه ونسبه لأنه لا قول له فأشبه الصغير. مذهب الزيدية (4) : لو أقر بصغير كان الصغير فى حكم المصدق، لأنه فى حال الصغر لا يصح منه الإنكار. فإذا بلغ ولم يصدق فإنه يبطل الإقرار ولو حكم الحاكم، لأن الحكم مشروط بالتصديق. ومن أقر بأحد توأمين أنه ابنه وصدقه لزمه الثانى ولو كذبه، لأنه إذا ثبت نسب أحدهما ثبت نسب الثانى. مذهب الشافعية (5) : وإن هنأه رجل بالولد فقال: بارك الله لك فى مولودك وجعله الله لك خلفا مباركا، وأمن على دعائه، أو قال: استجاب الله دعاءك- سقط من النفى (أى نفى نسب الولد) ، لأن ذلك يتضمن الإقرار به. مذهب الشافعية (6) : الإقرار بالنسب يشترط فيه أهلية المقر للإقرار، ببلوغه وعقله وإمكان إلحاق المقر به بالمقر شرعا. ويشترط التصديق: أى تصديق المقر به للمقر فى دعواه النسب، فيما عدا الولد الصغير ذكرا كان أو أنثى، والمجنون كذلك، والميت. مذهب الإباضية: ومذهب الإباضية كالأحناف. مذهب المالكية (7) : وإذا أقر أن مجهول النسب ابنه لحق به الولد إن لم يكذبه عقل لصغره: أى مدعى الأبوة. أو عادة كاستلحاقه من ولد ببلد بعيدة جدا يعلم أنه لم يدخلها أو شرع، فلو كان مجهول النسب المستلحق (بالفتح) رقا أو مولى (أى عتيقا) لمكذبه: أى لشخص كذب الأب المستلحق له- لم يصدق مدعى أبوته، لأنه يتهم على نزعه من مالكه آو الحائز لولائه. مذهب الظاهرية (8) : وإقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كإقرار الصحيح ولا فرق. الأب والميراث فيه مباحث: أولا: أن الأب أحد الأفراد الخمسة الذين لا يحجبون عن الميراث بغيرهم بحال. ثانيا: يرث الأب تارة بالفرض فقط، ويرث تارة بالتعصيب فقط، ويرث تارة بهما معا فله فى الإرث ثلاثة أحوال: ا- بالفرض فقط. 2- بالتعصيب فقط. 3- بهما معا. الحالة الأولى: يرث بالفرض إذا كان للميت فرع وارث ذكر. يكون للأب السدس فرضا، لأنه وإن كان من العصبة إلا أن مرتبته من عصوبة الإرث مؤخرة عن عصوبة البنوة، قال تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له الولد} (9) الثانية: يرث بالتعصيب فقط إذا لم يكن للميت فرع وارث ذكر أو أنثى، فيأخذ التركة كلها إن انفرد، ويأخذ الباقى بعد ذوى الفروض أن كان معه ذو فرض. الحالة الثالثة: يرث بالفرض والتعصيب معا إذا كان للميت فرع وارث أنثى، فيأخذ الأب فرضه السدس أولا، ثم يقف عاصبا يرصد ما بقى من أصحاب الفروض، فإن بقى شىء أخذه بالتعصيب، وإن لم يبق شىء من أصحاب الفروض أقتصر الأب على السدس الذى ورثه بالفرض فقط، يأخذه الأب فرضا ولم يبق له شىء يأخذه بالتعصيب. ثالثا: لا يحجب الأب فرع الميت ذكراً أو أنثى وإن نزل، ولا يحجب الأم وإن علت، ولا يحجب الزوج ولا الزوجة، ويحجب من عدا هؤلاء.

_ (1) الهداية ج 3 ص 153. (2) المرجع السابق ج 3 ص 154. (3) كشاف القناع ج 4 ص 299، 300. (4) التاج المذهب ج44 وما بعدها. (5) المهذب ج 2 ص 123. (6) الروضة البهية ج 2 ص225. (7) الدردير ج 2 ص 181. (8) المحلى ج 8 ص 254 (9) سورة النساء: 11

إباحة

إباحة الإباحة عند أهل اللغة: ذكر علماء اللغة للإباحة عدة معان نذكر منها ما يتصل بمعناها الفقهى وذلك قولهم: " أبحتك الشىء أحللته لك، وأباح الشيء أطلقه " (1) . الإباحة عند الأصوليين: ينظر الأصوليون للإباحة باعتبار أنها مأخوذة من أبحتك الشىء بمعنى أحللته لك أطلقتك فيه. أو يعرفونها بأنها: التخيير بين فعل الشىء وتركه. وهذا مفاد تعريف الإمام الغزالى للجواز الذى هو مرادف للإباحة عنده إذ يقول (2) : إن حقيقة الجواز مرادف للإباحة. ثم يقول: إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع. وقد ارتضى كل من البيضاوى والإسنوى هذا التعريف وقالا (3) : لا اعتراض عليه. لكن الآمدى اعترض عليه بأنه تعريف غير مانع لدخول الواجب المخير والموسع فيه، (انظر مصطلح واجب) . وقالت (4) : إن الأقرب لسلامة التعريف أن يزاد فيه قيد " من غير بدل " ليخرج ما عدا الإباحة فيكون التعريف: الإباحة هى التخيير بين فعل الشيء وتركه من غير بدل.. والشاطبى رأى ما رآه الآمدى من فساد التعريف المذكور ورأى (5) " زيادة قيد من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك " ويكون تعريفها " التخيير بين فعال الشىء وتركه من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك ". وهناك تعريف آخر نقله الآمدى أيضا يفيد إن الإباحة أعلام الفاعل أو دلالته أنه لا ضرر عليه فى فعل الشىء أو تركه ولا نفع له فى الآخرة. ولابن السبكى تعريف للإباحة قريب من هذا. وكذا منلا خسرو، وعبيد الله بن مسعود صدر الشريعة، والشوكانى (6) . لكن الآمدى نص على أنه تعريف غير جامع لأنه يخرج عن حد الإباحة ما خير الشارع فيه مع اشتمال الفعل أو الترك على ضرر، كما يخرن عنها ما دال الدليل على الاستواء فيه فى الدنيا والآخرة. تم انتهى الآمدى بوضع تعريف للإباحة بأنها دلالة خطاب الشارع على التخيير بين فعل الشئ وتركه من غير بدل. الإباحة عند الفقهاء: يستعمل الفقهاء لفظ الإباحة كثيرا وخاصة الأحناف عند الكلام عن الحظر والإباحة، ونقل كل من الميدانى وأبى بكر اليمنى والحصكفى عن عبد الله بن مودود الموصلى أن الإباحة ضد الحظر وان المباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بلا استحقاق ثواب ولا عقاب أو مأخذ فيه (7) . وفسر العينى الإباحة بأنهما " الإطلاق فى مقابلة الحظر الذى هو المنع " (8) . وسلك مسلكه فى هذا كل من قاضى زاده (9) وشيخ زاده، وقد ورد هذا التعبير أيضا فى عبارة صاحب الاختيار حيث قال (10) وهو بصدد التعليل لتسمية صاحب القدورى مسائل باسم الحظر والإباحة: " هو صحيح لأن الحظر المنع، والإباحة الإطلاق " (11) . فتفسير العيني ومن سلك مسلكه للإباحة لوحظ فيه المعني اللغوى الذى هو الإطلاق سواء أكان من جانب الله أم من جانب العباد، فهو أعم من التعريف الأول للفقهاء الذى قصروا الإباحة فيه على تخيير الله لعباده 0 وعلى التعريف الفقهى الثانى تكون الإباحة لمعنى الإذن وهو ما جرى عليه الشريف الجرجانى فى تعريفها حيث قال (12) : " الإباحة الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل ". فالإباحة ليست إجراء تعاقديا، فلا يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما للإذن وقت الإذن لا بشخصه ولا باسمه، فمن يضع الجوابى والأباريق على قارعة الطريق مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لم لا بالاسم ولملا بالوصف. وكذلك فان الإباحة جائزة، كما يقول - أبن حزم الظاهرى (13) فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم وكذلك قال الإباحة جائزة، كما يقول ابن حزم الظاهرى فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل منهم. وقال: أن هذا منصوص من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال: " من شاء أن يقتطع إذا نحر الهدى، كما أمر المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس؟. صيغ الإباحة: بتتبع ألفاظ القرآن لم نجد كلمة الإباحة ولا شيئا مما تصرف منها بفعل أو مشتق، وإنما يوجد فى أساليب القرآن، كما يوجد فى السنة النبوية الكريمة ما يدل عليها، ولا سبيل إلى حملها على غير الإباحة، على ما تفيده عبارات المفسرين وإفهام الفقهاء ومن ذلك نفى كل الحرج ونفى الجناح والإثم والمؤاخذة والحنث والسبيل والبأس وكثيرا ما استعمل الفقهاء كلمة لا بأس بمعنى الإباحة فى كتب الفقه: ومن ذلك قول صاحب الاختيار (14) : ولا بأس بتوسد الحرير وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز، ومثله فى درر المنتقى (15) . وهناك أساليب يترجح فيها معنى الإباحة ومنها إثبات الحل، فانه وإن كان صالحا للاستعمال فى الإباحة وغيرها مما ليس بحرام، فإن السياق والقرينة هما اللذان يحددان الغرض، ولذلك قال الفقهاء فى الحديث الذى رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق) : أن الطلاق مباح. ومن الأساليب التى يترجح فيها معنى الإباحة نفى التحريم مثل قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله ((16) . ونفى النهى مثل قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ((17) . والاستثناء من التحريم الصريح مثل قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ((18) . والاستثناء الضمنى من التحريم الصريح كما فى قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به (إلى قوله: (فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فان الله غفور رحيم ((19) . فقد صرح القرطبى المالكى (20) باعتبار هذا الأسلوب إباحة حيث قال: فاشترط فى إباحة الميتة للضرورة ألا يكون باغيا. ومن الألفاظ التى يستفاد منها الإباحة صيغة الأمر، وقد نقل الآمدى (21) عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر وضعت حقيقية لإفادة الإباحة، وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز، وتحتاج فى إفادتها غير الإباحة إلى قرينة. ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه ودلالة صيغة الأمر على الإباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن الأمر موضوع للندب وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى. وكذلك تعتبر مجازيه على رأى الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة الأمر موضوعة فى الأصل للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب، فإنها تفيد الإباحة بطريق المجاز، وأحتاج فى إفادة ذلك إلى فريضة. وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة الأمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب أى موضوعة لكل على حدة، فإنها تكون مجازا أيضا فى استعمالها للإباحة. وحتى عند القائلين بأن صيغة الأمر مشتركة فى إفادة الوجوب والندب والإباحة حقيقة والقائلين بأنها مشتركة فى إفادة ذلك وفى إفادة التهديد أيضا فإن استعمالها فى الإباحة وإن كان حقيقيا عندهم إلا أنه يحتاج إلى قرينة باعتباره مشتركا، إذ المشترك لا يستعمل إلا بقرينة دفعا للبس، وبذا يكون لابد من القرينة فى استعمال الأمر للإباحة سواء قلنا انه مجاز أو مشترك (22) . ويقول البيضاوى (23) : إن صيغة الأمر تستعمل فى الإباحة نحو (كلوا من الطيبات ((24) وعلى ذلك الأسنوى بقوله: يجب أن تكون الإباحة معلومة من غير الأمر حتى تكون قرينة لحمله على الإباحة كما وقع العلم به هنا. وقد نقل والشوكانى (25) عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والندب والإباحة وأن المرتضى من الشيعة قال: إنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وأن جمهور الشيعة قالوا إنها مشتركة بين الثلاثة المذكورة والتهديد وهو محكى عن ابن سريج، ومن استعمالات الأمر فى الإباحة بالقرينة قول الله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا ((26) بقرينة أنه كان ممنوعا وقت الإحرام بقوله تعالى: (غير محلى الصيد وأنتم حرم ((27) ولهذا يقول الأصوليون: إن الأمر بعد النظر يفيد الإباحة (28) فإن ورد الأمر بعد حظر لمتعلقه أو استئذان فيه - على رأى الرازى - فهو للإباحة حقيقة لتبادرها الى الذهن فى ذلك، وقيل للوجوب، ومما جاء دالا على الإباحة قوله صلوات الله عليه فيما رواه الطبرانى عن شداد بن أوس: (صلوا فى نعالكم ولا تتشبهوا باليهود) . فالأمر هنا يدل على الإباحة ويفيد أن الصلاة بالنعل جائزة على سبيل الإباحة ما دامت طاهرة 0 وقد علق على ذلك الحديث العلقمى بقوله: صلوا فى نعالكم إن شئتم فالأمر للإباحة، فالصلاة بالنعل جائزة حيث لا نجاسة (29) . ويقود الآمدى (30) : إذا وردت صيغة أفعل " الأمر" بعد الحظر فمن قال أنها للوجوب قبل الحظر اختلفوا، فمنهم من أجراها على الوجوب، ومنهم من قال أنها للإباحة وهم أكثر الفقهاء ومنهم من توقف كإمام الحرمينر. وذكر من أمثلة ذلك قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا ((فإذا طعمتم فانتشروا ((31) (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ((32) وقوله عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى فادخروا) . ثم رجع احتمال الحمل على الإباحة نظرا إلى غلبة ورود مثل ذلك للإباحة دون الوجوب. ومن الألفاظ التي تستفاد منها الإباحة: النهى بعد الوجوب على بعض الآراء. قال السبكى والمحلي فى جمع الجوامع وشرحه (33) : إن النهى بعد الوجوب للتحريم عند الجمهور، وقيل للكراهة وقيل للإباحة نظرا إلى أن النهى عن الشىء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه. وجاء فى تقرير الشربينى على جمع الجوامع بهذا الصدد: إن الوجوب لشىء إذا نسخ بقى الجواز بمعني عدم الحرج فى الفعل والترك، وقيل تبقى الإباحة فقط، كما قالوا بالنسبة لنسخ الوجوب فى آية الوصية، وقيل يبقى الاستحباب. وجاء فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى (34) : إن القائلين بالإباحة فى الأمر بعد الحظر اختلفوا فى النهى بعد الوجوب فمنهم من طرد القياس، وحكم بالإباحة لأن تقدم الوجوب قرينة، ومنهم من حكم بأنه للتحريم كما لو ورد إبتداء. وقالوا: إن مما يدل على الإباحة استعمال مادة المشيئة فى مثل قوله تعالى: {ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ((35) فإنها تفيد إباحة ترك الرسول صلوات الله عليه القسم بين زوجاته وذلك إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أن المراد التهديد كما فى قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (36) فى مسألة المباح. ومما يؤيد ذلك قود الغزالى (37) : أن من الأفعال ما صرخ الشارع فيه، وقال إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه ومنها ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير، لكن دل دليل السمع على نفى الحرج فى فعله وتركه. ومما يدل على الإباحة من غير لفظ أفعال الرسول فى بعض أنواعها فقد نص الآمدى (38) على أن ما كان من الأفعال الجبلية أى الطبيعية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه، فلا نزاع فى كونه على الإباحة بالنسبة إلى النبى وإلى أمته. ويقول الشوكانى (39) : إن ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس ولا به اقتداء ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور ثم أورد خلافا لغيرهم فى ذلك فقد نقل البالقلانى عن قوم أنه مندوب ولمحات كذا حياء الغزالى فى كتابه المنخول، وقال: لأن عبد الله بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كسا هو معروف عنه. وأما تقرير النبى عليه الصلاة والسلام، فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه ولا عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته. ومثل الشوكانى (40) لذلك بأكل العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن، القشيرى أن هذا مما لا خلاف فيه يقول الآمدى (41) : إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى

إبانة

إبانة بيان العنى: يقال فى اللغة: بأن الأمر يبين فهو بين: أى واضح. وبان الشىء إذا انفصل فهو بائن وأبنته: فصلته ويقال: ضربه فأبان رأسه عن جسده أي فصله. وبانت المرأة بالطلاق فهى بائن وأبانها زوجها فهى مبانة. والبين بفتح الباء يطلق على الوصل كما يطلق على الفرقة فهو من الأضداد. وأستعمل الفقهاء كلمة إبانة بمعنى الفرقة والفصل فى إبانة جزء من الحيوان أو الصيد وفى إبانة المرأة بالطلاق حكم ما أبين من الحيوان قبل زكاته: إذا أبين جزء من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد- قبل ذبحه قال فقهاء الحنفية إن الجزء المبان يعتبر ميتة فالا يحال أكله. فإذا قطع إنسان قطعة من إليه الشاة أو من فخذها أو من سنم البعير أو فخذه أو من دجاجة قبل ذبح الشاة أو البعير أو الدجاجة فإن الجزء المبان لا يحل أكله لأن شرط حل الأكل من الحيوان البرى المأكول - غير الجراد- هو الذكاة فلا يحل الأكل من الحيوان بدون الذكاة لقوله عز وجل (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ((1) استثنى سبحانه وتعالى من الأشياء المذكورة المحرمة ما ذكى والاستثناء من التحريم إباحة. وأيضا قال تعالى" يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " (2) وقال: عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ((3) والحيوان البرى لا يعتبر طيبا إلا بخروج الدم المسفوح وذلك بذكاته. وروى أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة أو من سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبى عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك فقال عليه السلام: (ما أبين من الحى فهو ميت) وهذا الجزء المبان لا يحل أكله وإن ذبح الحيوان بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يكن ثابتا ولا موجودا وقت الإبانة. ويعتبر هذا الجزء ميتا لا تحله ذكاة الحيوان بعد حتى ولو بقى متعلقا بجلد الحيوان لأن بقاءه متعلقا بالجلد لا اعتبار له فكان وجوده بمنزلة العدم فهو مبان حكما. أما إذا بقى متعلقا باللحم فإن ذكاة الحيوان تحل أكل الحيوان واكل الجزء المبان لأنه لا يزال معتبرا من جملة الحيوان فذكاة الحيوان تكون له ولما أتصل به. والزكاة التى تحل أكل الحيوان وأكل الجزء المبان الذى بقى متعلقا باللحم يجب أن تكون مستوفية لشرائطها الشرعية التى سيأتى بيانها كما أن الحيوانات التى يحل أكلها والتى لا يحل سيأتى بيانها- انظر ذبائح وحيوان- (4) . ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لما تقدم مستندين فى ذلك إلى قوله عليه السلام (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميته) غير أن فقهاء المالكية خالفوا الحنفية فيما إذا بقى الجزء المبان متعلقا باللحم إذ قالوا إن الجزء المبان يعتبر ميتا لا تحله ذكاة الحيوان إذا بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الحيوان أو اللحم (5) ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية أيضا بالنسبة لما تقدم غير أن فقهاء الشافعية. يقولون أن العضو المبان إذا بقى متعلقا بجلد الحيوان فقط حل بذبح الحيوان لأن كلمة الإبانة لا تصدق على مثل ذلك (6) . ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية استندوا إلى الحديث الذى استند إليه فقهاء المالكية (7) . ومذهب الظاهرية والزيدية والإباضية والإمامية كمذهب الحنفية بالنسبة لما أبين من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد - قبل ذبحه فلا يحل أكل الجزء المبان حتى ولو ذكى الحيوان بعد ذلك (8) . حكم إبانة جزء من الجراد أو السمك قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الجراد او السمك وهو حى أكل الجزء المبان. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وما أبين من الحى فهو ميت (، وأن تناول بعمومة السمك والجراد، إلا أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله لأن ميتة السمك والجراد يحل أكلها لقوله عليه الصلاة والسلام: " أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد واما الدمان فالكبد والطحال "، وهذا الحديث صريح فى أن ميتة السمك والجراد يحل أكلها فما أبين منها وإن كان ميتة إلا أنه يحل أكله لهذا الحديث وهو يعتبر استثناء من حديث (ما أبين من الحى فهو ميت (. كما أن حديث " أحلت لنا ميتتان إلخ "، حديث مشهور مؤيد بالإجماع فيجوز تخصيص الكتاب به، فقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة ((9) خصصت بهذا الحديث. والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أكان السمك حيا أما ميتا إلا أنهم استثنوا من ذلك السمك الطافى فلا يحل أكل الجزء المبان منه لأن السمك الطافى لا يحل أكله عند الحنفية. والطافى هو الذى مات تحف أنفه فطفا فوق الماء وبطنه من فوق. أما الذى لم يمت وتحف أنفه فلا يعتبر طافيا مات بسبب إنسان مسلم أو غير مسلم أو قتله حيوان. والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل جميع أنواع السمك ومنه الجريت بكسر المعجمة وتشديد المهملة وهو سمك اسود مدور والمارماهى وهو سمك فى صورة الحية. وهذا الحكم خاص بأنواع السمك فقط فلا يشمل باقى أنواع الحيوانات المائية فما أبين من غير السمك لا يحل أكله لأن الحيوانات المائية غير السمك لا يحل أكلها (10) . ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لإبانة جزء من السمك غيرأنهم قالوا إن جميع أنواع الحيوان المائى حكمها حكم السمك. أما الجراد فلا يؤكل عندهم من غير ذكاة. وذكاته عندهم أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك فإذا أبين من الجراد جناحه فمات من ذلك أكل الجراد وما أبين منه لأن هذه ذكاته (11) . واختلف فقهاء الشافعية فى حكم الجزء المبان من السمكة وهى حية فيرى بعضهم أنه لا يحل أكل الجزء المبان لعموم قوله عليه السلام (ما أبين من الحى فهو ميت) والأصح عندهم أنه لا يحل أكل الجزء المبان من السمك لأنه يحل أكل ميتة السمك وما حلت ميتته لا حاجة الى تذكيته. وجميع أنواع الحيوان المائى وهى التى لا تعيش إلا فى البحر ولا تبقى فى البر إلا بمقدار حياة المذبوح فقط حكمها عد الشافعية حكم السمك. والجراد عندهم حكمه حكم السمك فى جميع أحواله (12) . مذهب الحنابلة (13) : وقال فقهاء الحنابلة أن السمك وغيره من ذوات الماء التى لا تعيش إلا فيه يحل أكل ميتته لقوله عليه السلام فى البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وهذا أيضا هو حكم الجراد عندهم والظاهر من ذلك إن الجزء المبان من كل يحل أكله. وقال ابن حزم الظاهرى: أن ميتة الجراد حلال وكذلك السمك وكل ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه. وأما ما يعيش فى الماء والبر كالسلحفاة فلا يحل أكله إلا بذكاة عدا الضفدع فإنه لا يحل أكله أصلا. ويؤخذ من هذا أنه إذا أبين جزء من حيوان حى يعيش فى الماء وفى البر مما يؤكل عندهم قبل ذكاته فلا يحل أكل هذا الجزء المبان كما أن تذكية الحيوان بعد ذلك "لا تحل الجزء المبان (14) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية بالنسبة لإبانة جزء من الجراد أو السمك. والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أبين من السمك وهو حى أو كان قد مات بسبب اصطياد الإنسان له أو بسبب جزر الماء عنه وبقاء السمك مكشوفا أو بسبب قذف الماء له فى البر أو بسبب نضوب الماء أو بسبب ازدحامه فى الحظيرة التى أعدها الصائد لإصطياد السمك. فان مات السمك بسبب سوى ما تقدم اعتبر طافيا فلا يحل أكله لقوله عليه الصلاة والسلام: " ما وجدتموه طافيا فلا تأكلوه " ومن قبيل الطافى عندهم ما قتله حيوان. فهم يخالفون الحنفية فى بيان معنى الطافى. والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل عندهم كل ما يحل آكله من حيوان الماء. أما ما لا يحل أكله من حيوان الماء فلا يحل أكل الجزء المبان منه. وهم يحرمون من حيوان الماء ما حرم شبهه من حيوان البر كالمارماهى والسلحفاة كما أن ما يعيش فى الماء والبر كالضفدع يحرم أكله لخبثه (15) . ومذهب الإباضية كمذهب الحنفية فى أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله سواء أكان السمك أو الجراد حيا أو ميتا والصحيح من مذهبهم أن صيد البحر يشمل كل حيوان مائى وإن كان على صورة كلب أو خنزير أو آدمى (16) . وفقهاء الإمامة يقولون: أن السمك والجراد لا يحل أكلهما بدون التذكية. وتذكية السمك عندهم استيلاء الإنسان عليه خارج الماء حيا سواء أخرجه الإنسان من الماء أو خرج بنفسه من الماء فأدركه الإنسان حيا وأخذه ولو كان الآخذ له غير مسلم متى شاهده المسلم والراجح عندهم أنه يجوز أكله حيا وقيل لا يباح حتى يموت. وبناء على ما تقدم فإن ما أبين من السمك وهو حى يحل أكله على الرأى الأول ولا يحل أكله على الرأى الثانى. وتذكية الجراد عندهم أخذه حيا باليد أو الآلة ولو كان الأخذ له غير مسلم إذا شاهده المسلم. ويباح أكله حيا إذا كان الجراد يطير بنفسه. أما الدبى- أى الجراد قبل أن يطير- فلا يحل أكله. وبناء على ذلك فإن ما أبين من الجراد وهو حى يحل أكله متى كان الجراد يطير بنفسه وذكى (17) حكم ما آبين من الحيوان بعد تذكيته وقبل موته: قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته حل أكل هذا الجزء مع الكراهة سواء أكان الجزء المبان هو الرأس أو غيرها. وقوله عليه السلام "ما أبين من الحى فهو ميت " لا يقتضى تحريم هذا الجزء لأن كلمة الحى وردت فى الحديث مطلقة والمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل وذلك بأن يكون الحى حيا حقيقة وحكما. والحيوان بعد ذبحه وقبل موته وإن كانت فيه حياة حقيقة إلا أنه يعتبر ميتا حكما لأن الشارع لا يعتبر مثل هذه الحياة ولا يرتب عليها حكما وإنما كره إبانة جزء من الحيوان فى هذه الحالة لأنه تعذيب بلا فائدة. وكل ما فيه تعذيب للحيوان بلا فائدة فهو مكروه (18) ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك (19) والظاهر من مذهب الشافعية إن الجزء المبان فى هذه الحالة يحل أكلة لأن شرط حل أكل الحيوان البرى المأكول هو الزكاة وقد وجدت ولم يشترطوا فى حل أكل الموت مع الذكاة. وأما الإبانة فى ذاتها فقال بعضهم ان ذلك محرم وقال بعضهم أنه مكروه والحرمة أو الكراهة إنما هى لذات الفعل لما فى ذلك من تعذيب الحيوان (20) ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية فى ذلك فيحل أكل الجزء المبان عندهم لأن الإبانة كانت بعد حصول الزكاة فكانت شبيهة بالإبانة بعد الموت. وأما الكراهة فلأن إبانة هذا الجزء قد يترتب عليها سرعة زهوق الروح فضلا عن أنه تعذيب للحيوان وذلك مكروه واستندوا فى ذلك الى ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال (21) بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديل ابن ورقاء الخزاعى على جمل أورق يصيح فى فجاج منى بكلمات منها " لا تجعلوا الأنفس أن تزهق " واستندوا أيضا إلى قول عمر رضى الله عنه:" لا تجعلوا الأنفس حتى تزهق ". وقال ابن حزم الظاهرى: أن الجزء المبان فى هذه الحالة لا يحل أكله مادام الحيوان حيا فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان واستندوا فى ذلك إلى قوله تعالى: (فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها (22) (فالله لم يبح أكل شىء من الحيوان بعد تذكيته إلا بعد وجوب الجنب وهو فى اللغة الموت فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان (23) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك واستندوا فى كراهة الإبانة فى هذه الحالة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تعجلوا الأنفس ... " الحديث. ولأنه تعذيب للحيوان بلا فائدة (24) . وقال فقهاء الإباضية أنه يحرم إبانة جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته ولا يحل أكل هذا الجزء المبان لأنه أبين من حى أما باقى الحيوان فقد اختلفوا فى جواز أكله. وقال فقهاء الإمامية: " إذا ذبح

إبراء

إبراء 1- التعريف به:- الابراء فى اللغة التنزبه من التلبس بشئ وفى الشريعة اسقاط شخص حقا له فى ذمة آخر كإسقاط الدائن دينا له فى ذمة مدينه بقوله، له: ابرأتك من ديونى أو ما يفيد ذلك العنى يريد بذلك إسقاط ما فى ذمته من دين له. وقد يكون الابراء فى صورة اخبار به مثل ان يقول الدائن: أبرأت فلانا من دينى، فى معرض اقراره بذلك، وقد يكون فى صورة هبة كأن يقول الدائن لمدينه وهبتك ما لى فى ذمتك من دين. وقد يكون فى وصية كأن يقول الدائن لمدينه أوصيت لك بما فى ذمتك من دين لى فلا يبرأ بذلك ألا بعد وفات. وقد يكون فى صورة اقرار كما فى ابراء الاستيفاء، وسيأتى. - والابراء كما يظهر من التعريف به اسقاط لحق شخص قبل شخص آخر - ولذا كان ضربا أو نوعا من الاسقاط، لأن الاسقاط كما يكون تركا لحق فى ذمة شخص واطراحا له كما فى اسقاط الدين تشغل به ذمة المدين يكون لحق ثابت لصاحبه دون ان تشغل به ذمة آخر كما فى اسقاط الشفيع حقه فى الشفعة وكما فى اسقاط الموصى له بسكنى دار حقه فى سكناها وعلى ذلك يكون كل ابراء اسقاطا وليس كل اسقاط ابراء ومع ظهور هذا المعنى فيه على هذا التفسير فانه يحتمل تفسيرا آخر يجله من قبيل التمليك، ذلك لأن صاحب الدين لا يستطيع محو دينه الثابت فى ذمة مدينه وإنما يستطيع تركه واطراحه وذلك ما يعنى تركه للمدين وتمليكه اياه وعدم مطالبته به. وعلى هذا الأساس البادى من التأويلين السابقين ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والشيعة الإمامية الى أنه يحمل معنيين معنى الاسقاط بالنظر إلى الدائن إذ قد تخلى عنه فلم يبق من عناصر ثرائه وأنقطعت مطالبته به ومعنى التمليك بالنظر إلى المدين إذ قد تملكه فزاد ثراؤه بقدره ألا يرى أنه- كان مطالبا بانتقاص قدره من ماله فى سبيل الوفاء به فاستبقى له ذلك وذلك ما يعنى تملكه إياه وقد كان لهذين المعنيين فيه أثر فيما أعطى من أحكاما فأعطى بعض أحكام التمليك تغليبا لهذه الناحية فيه، وأعطى بعض أحكام الإسقاط تغليبا لهذه الناحية فيه، كما كان من قبيل التبرع لأنه يتم لا فى نظير عوض. أما الحنابلة: فقد كان نظرهم إليه على أنه إسقاط فكان له حكم الإسقاط عندهم فى جميع أحواله أو أن ذلك كان نظر جمهورهم (1) . 2- أركانه: وركنه عند الحنفية الإيجاب الصادر من صاحب الحق وهو ما يصدر منه من عبارة تدل على ترك حقه واطراحه دلالة واضحة لا احتمال فيها أو ما يقوم مقام ذلك من كتابة أو إشارة. والشافعية ومن أجرى علي اصطلاحهم يرون أن أركانه "أربعة": صاحب الحق المبرأ وعبارته " الإيجاب " والحق المبرأ منه والمدين إذان الإبراء لا يتحقق إلا بهذه الأركان ولا يتصور إلا بها. ويكون إيجاب فيه بمثل إبرأتك من دينى أو أحللتك منه أو أسقطته عنك أو ملكتك إياه أو تركته لك أو نحو ذلك. ويرى ابن حزم عدم صحته بألفاظ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت لأنه لا يملك ألا الشئ الموجود المادى المعلوم مكانه، أما الأوصاف الأعتبارية فلا تقبل تمليكا، ولكنه مع ذلك أستثنى صحته بلفظ التصديق، وإن كانت من ألفاظ التمليك، لورود النص بذلك، فقد قال تعالى: " ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا (2) " وتصدقهم عند ذلك انما يكون بتنازلهم عنها وإبرائهم منها، ولما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا عليه "، وهو خطاب لغرمائه، وتصد قهم يكون بابرائه من ديونهم (3) . 3- قبول الابراء من المدين:- الدين حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يستوجب تكليفا على أحد ومن ثم لم يتوقف نفاذه على قبوله ممن عليه الدين بل ينفذ مع رد المدين له ... ذهب إلى ذلك الحنابلة وجمهور الحنفية والشافعية وجمهور الشيعة الجعفرية تغليبا لمعنى الإسقاط فيه على التمليك (4) . وذهب زفر إلى أنه يتوقف على القبول لغلبة معنى التمليك فيه وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية. وللمالكية، الزيدية فى ذلك قولان، أحدهما: أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح. وثانيهما: أنه لا يتوقف ويتم من غير قبول بل ومع رده مراعاة لمعنى الإسقاط فيه كالطلاق والعتق. وعلى القول باشتراط القبول فيه عند المالكية يجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الإيجاب، وهو صريح ما ذكره ابن عرفة، كما يجوز رجوع الدائن فيه قبل القبول (5) . وإذا كان الإبراء من الدين بهبته للمدين كان توقفه على القبول محل خلاف عند الحنفية، ذهب بعضهم إلى أن هبة الدين للمدين لا تتوقف على القبول فتنفذ مع سكوت المدين فى مجلس الإيجاب لما فيها من معنى الإسقاط (6) . وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنها تتوقف لما فيها من معنى التمليك وذلك رأى المالكية فيها لأنها نص فى التمليك. وكذلك يرى الحنفية أن الإبراء من الكفالة والحوالة لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد لتمحضه فى معنى الإسقاط، وأستثنى الحنفية من عدم توقف الإبراء على القبول الإبراء عن بدلى الصرف والسلم، إذ يرون توقفه على القبول دون خلاف فيه عندهم، حتى لا ينفرد أحد العاقدين فيهما وهو من أبرأ بفسخ عقد الصرف أو السلم وكلاهما عقد لازم لا يجوز أن يستبد بفسخه أحد طرفيه إذ أن فى نفاذ الإبراء فوات القبض فى المجلس وهو شرط فى صحه كل منهما. والمشهور عند الحنفية أن هبة الدين للمدين وإبراءه منه كلاهما يتم من غير قبول ويرتد بالرد فهما فى ذلك سواء وإذا إرتدا بالرد لم يجز قبول بعد الرد لبطلان الإيجاب بالرد. 4- رد الإبراء من المدين ذهب الحنفية والزيدية إلى أن الإبراء يرتد برد المدين فى المجلس وبعده ما دام لم يحدث منه قبول صريح قبل رده، وذلك لما فيه من معنى التمليك. ومن الحنفية من قيد صحة الرد ونفاذه بأن يكون فى مجلس الإبراء لا بعده، فالرد بعد المجلس لا أثر له عندهم، والرد فى المجلس صحيح يرتد به الإبراء ولا يسقط به الدين إذا لم يسبقه قبول صريح له من المدين لأن الرد، بعده غير صحيح مطلقا فى المجلس وبعده. وتستوى هبة الدين للمدين فى هذا الحكم مع الإبراء منه. وخالف الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أن الإبراء يتم بإرادة الدائن ولا يرتد برد المدين تغليبا لمعنى الإسقاط فيه. ولذا لايفتقر الى القبول من المدين عندهم. ويرى المالكية أنه يرتد بالرد فيبطل الإيجاب برد المدين لغلبة معنى التمليك فيه ولذا يحتاج القبول عندهم على الأصح وذهب الحنفية إلى صحة إبراء المدين بعد موته وعندئذ يرتد برد الوارث عند أبى يوسف خلافا لمحمد. وإذا كان الإبراء إبراء من الحوالة كان أبرأ المحتال المحال عليه عن الحوالة، أو كان ابراء من الدائن للكفيل من كفالته، أو كان الإبراء مطلقا بعد طلبه من المدين- لم يرتد والرد مطلقا. أما فى الإبراء من الحوالة والكفالة فلتمحضه فى الاسقاط فلم يتوقف على القبول ولم يقبل الرد. وأما الابراء بعد طلبه من المدين فلأن رده يعد كأنه رد بعد قبوله ولا يرتد الابراء بالرد بعد القبول (7) . وذهب الزيدية الى أن الابراء وتد يرتد لغلبة معنى التمليك فيه ولذا توقف على القبول عندهم، فإن خلا من معنى التمليك فكان اسقاطا محضا كالإبراء من الشفعة لم يتوقف على القبول ولم يرتد بالرد. ومن الزيدية من غلب فيه معنى التمليك فى جميع أحواله فتوقف على القبول عندهم وأرتد بالرد (8) . وإذا صدر الإبراء من فضولى توقف على أجازة الدائن فإن أجازه نفذ عند الحنفية والزيدية. شروط الإبراء: من شروط الإبراء شروط ترجع إلى المبرئ، وشروط ترجع إلى صيغة الإبراء وشروط ترجع إلى المبرأ، وشروط ترجع إلى المبرأ منه. فأما ما يرجع إلى المبرىء فهو أن يكون من أهل التبرع فيجب أن يكون عاقلا بالغا غير محجور عليه لسفه أو لدين، لأن الإبراء تبرع من الدائن إذ لا يقابله عوض من المدين، ويلاحظ أن عدم الحجر للدين انما هو شرط نفاذ، فإبراء المحجور عليه بسبب الدين لمدينه صحيح متوقف على إجازة دائنيه لأن منعه من التبرع إنما هو للمحافظة على حقوقهم ... وهذا مذهب الحنفية مع ملاحظه أن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الحجر للدين وإنما يراه الصاحبان وأثره عندهما هو المنع من التبرع محافظة على حقوق الغرماء دون أن يمس الحجر أهلية المحجوز عليه للدين، أما من يراه ماسا بأهليته من الفقهاء فهو عندهم شرط صحة. (أنظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع) كما يشترط فيه أن يكون ذا ولاية فى إبرائه كأن يكون هو الدائن أو وصيا على الدائن وقد وجب الدين منه أثرا لعقد باشره عنه فعند ذلك تصح براءته ويضمن ما أبرأ المدين منه، ولكن إذا كان الدين لم يجب أثرا لعقده لم يصح إبراؤه. وأما ما يرجع إلى الصيغة فهو أن تكون دالة دلالة ظاهرة غير محتملة على تمليك الحق للمدين أو على سقوطه. وأما ما يرجع إلى المدين المبرأ فهو أن يكون معلوما غير مجهول، فإذا كان مجهول لم يصح إبراؤه، كما لو قال شخص: أبرأت كل مدين لى، أو كل مدين لمورثى، أو أبرأت أحد هذين. ولكن إذا كان من أبرأه الدائن محصورا معلوما، كأبرأت هؤلاء المدينين لى صح الإبراء. وقد ذهب إلى اشتراط هذا الشرط فى المبرأ الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية. ومن الفقهاء الحنابلة من ذهب إلى أن الدائن إذا قال: أبرأت أحد غريمى هذين صح الإبراء وطلب إليه التبيين والبيان. ولكن جاء فى كشاف القناع أن المذهب عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل، كأبرأت أحد غريمى هذين أو أبرأت فلانا من أحد دينى اللذين فى ذمته والشافعية لا يرون صحه الإبراء مع جهالة المدين المبرأ لغلبة معنى التمليك، فيه ولايملك المجهول وعلى هذا لايصح الإبراء ولو كان. بصيغة إقرار إذا ما قال الدائن: لا دين لى قبل أحد. أو قال: كل مدين لى فهو برىء إلا أن يتبين أنه يقصد بذلك شخصا بعينه (9) . ويشترط الزيدية مع ما تقدم خلو الإبراء من التدليس فإذا أفهم شخص دائنه بأن ما عليه من الدين حقير. تافه فأبرأه منه بناء على ذلك ثم تبين خلاف ذلك للدائن لم يصح إبرأؤه لغلبة معنى التمليك فيه. وأما ما يرجع الى الحق موضوع الايراء فهو ما يأتى: أولا: ألا يكون عينا من الأعيان، والأعيان المشخصة لا تثبت فى الذمة فلا تقبل الإسقاط وإنما يقبل الإسقاط ما يشغل الذمم من الحقوق ولذا كان الإبراء من الأعيان المشخصة باطلا. أما ما كان من الإعيان دينا فإنه يقبل الإبراء إذ أنه يقبل الإسقاط كالديات من الإبل مثلا ونحو ذلك وعلى ذلك إذا غصب شخص كتابا فأبرأه منه مالك الكتاب كان إبرأء. باطلا لا يترتب عليه أثر 00.وعلى ذلك صح الإبراء عن الديون بأنواعها. وصح الإبراء عن الدعوى لانها حق فإذا قال المدعى للمدعى عليه أبرأتك من أدعاء هذه العين أو من دعواى هذه العين لم تقبل له فيها دعوى ملك بعد ذلك " مجمع الانهر " وكذلك يصح إبراء الدائن الكفيل من الكفالة وإبراؤه المحال عليه من الحوالة إذ البراءة فيهما تنصب على حق هو الكفالة أو الحوالة. ثانيا: أن يكون موجودا عند الإبراء وعلى ذلك عل الإبراء من الحق قبل وجوده، فلا يصح أن تبرأ شخصا من كل ما سيقرضه منك أو مما سيجب لك علية، كما لا يصح ابراء الزوجة زوجها من نفقة مستقبلة ولا من نفقة العدة قبل أن يطلقها، لأن الإبراء- إسقاط وما سيوجد ساقط فعلا فلا يقبل إسقاطا. وسنبين فيما يأتى الحكم فى الإبرأء عن النفقة. ول

إبط

إبط الأبط: ما تحت الجناح (1) والكلام عنه فى موضعين: الأول: حكم نتفه، أى إزالة السعر الموجود فيه. الثانى: حكم جعل الرداء تحت الإبط الأيمن وإلقائه على الكتف الأيسر فى الحج وهو المسمى بالاضطباع. أما نتقه فمسنون عند جميع المذاهب (2) . يقول صلى الله عليه وسلم، فى روايات متعددة ومختلفه فى بعض ألفاظها: عشر من الفطرة: قص الشارب، واعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الأبط، وحلق العانة، وإنتفاض الماء، أى الاستنجاء، قال مصعب بن شيبة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضمة. وأما الاضطباع، ويقال له التوشح والتأبط فسنة أيضا، فقد روى أن الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباظهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة والزيديه والأباضية (3) . وقال مالك ليس الاضطباع سنة لأنه لم يسمع أحدا من أهل العلم ببلدة يذكر ذلك ولم نعثر على حكمه عند الإمامية والظاهرية

_ (1) المصباح المنير. (2) فتح القدير ج1ص 38 طبعة الأميرية. - رسالة ابن أبى زيد القيروانى بشرح الآبى ص553 طبعة دار الكتب العربية. - والمجموع شرح المهذب ج1 ص283. - المغنى ج1 ص87 طبعة المنار. - المحلى لابن حزم ج2 ص218. - البحر الزخار ج2 298. - المختصر النافع ص82. - النيل ج1 ص516.

إبطال

إبطال معناه لغة: الإبطال فى اللغة النقض والإلغاء والإفساد والإزالة. يقال أبطل الشئ، جعله باطلا، ويقال أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق أو الهزل، وأثر الإبطال البطلان وهو الضياع والفساد، يقال بطل بطولا إذا ذهب ضياعا وخسرا الضياع والفساد، يقال بطل بطولا إذا ذهب ضياعا وخسرا (1) معناه اصطلاحا: يستعمله الفقهاء بمعنى الإلغاء والإفساد والنقض، ومحله عندهم الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم والحج والأقوال، وتتناول التصرفات الشرعية والأحكام والأدلة، يقولون: أبطل عقده أو قوله إذا نقضه وأفسده أو عدل عن المضى فيه، وأبطل صلاته أو صيامه أو حجه إذا أفسده بما يجعله فى نظر الشارع فاسدا غير مجزى فإن ما صدر عنه من ذلك مسلوب الأثر الشرعى الذى رتبه الشارع على وجوده صحيحا على وفؤ ما طلب، وأبطل دليله إذا نقضه فجعله غير منتج للنتيجة التى أريدت منه، وهذا هو معنى البطلان فى الأدلة أما معناه فى الأفعال والتصرفات الشرعية فهو صيرورتها على خلاف ما طلب الشارع فيها سواء كان ذلك الطلب متعلقا بأركانها وعناصرها الأساسية التى يتوقف وجوده حقيقتها الشرعية على تحققها أم متعلقا بأوصافها العارضة لها التى رأى الشارع وجوب وجوده عليها. ومن ثم وصف بالبطلان كل فعل أو قول أو عقد وجد على خلاف ما طلب الشارع. وإلى هذا المعنى ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية والزيديه. وذهب الحنفية إلى أن البطلان مخالفة القول أو التصرف لما بينه الشارع فى حقيقته وأركانه، فإذا وجد مخالفا لهذا البيان كان باطلا وغير مشروع بأصله، أما مخالفته لما طلبه فيه من أوصاف عارضة يجب أن يوجد عليها، فالا تسمى عندهم بطلانا، وإنما تسمى عندهم فساداً ووجوده على هذه الأوصاف التى كره الشارع وجوده عليها تجعله فاسدا لا باطلا، ويكون يخر مشروع بوصفه وجملة القول فى ذلك أن الشارع إذا نهى عن تصرف من التصرفات فقد يكون مرجع هذا النهى إلى خلل فى أركانه أو فى محله"أو لعدم تحقق معناه، وقد يكون مرجعه إلى وصف ملازم للتصرف عارض له، وقد يكون مرجعه إلى أمر مجاور له غير ملازم وليس شرطا فيه وإنما عرض له بسبب المجاورة فهذه أحوال ثلاثة. ففى الحال الأولى يكون أثر المخالفة فيها البطلان إتفاقى كما فى بيع الميتة وعقد المجنون. وفى الحال الثانية يكون الأثر- فيها الفساد عند الحنفية والبطلان أيضا عند غيرهم، كما فى بيع أجل الثمن فيه الى الميسرة، أو يسر دابه من قطيع، ومن هذأ يتبين أن الحنفيةقد فرقوا بين البطلان والفساد، وخالفهم فى ذلك المالكية والشافعية والحنابلة، فلم يفرقوا بين هذين الحالين فى التسمية وفى الأثر به وكانت المخالفة فيهما عندهم بطلان أو فسادا وكان اللفظان عندهم مترادفين. وهذا ما جرى عليه استعمالهم فى أكثر أبواب الفقه بصفة عامة، وقد يرى فى بعض الأبواب أنهم يفرقون بين معنى البطلان والفساد بناء على اختلاف فى الأحكام، وذلك ما يفصل فى مصطلح بطلان وفسادا فإرجع إليه. أما مخالفة الحال الثالثة فلا توجب بطلانا ولا فسادا، ولا تسمى بذلك عند الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما توجب الكراهة فقط، وهذه رواية عن أحمد. وفى رواية أخرى عنه أنها توجب الفساد والبخلان، ذلك فيما يتعلق بالتصرفات الشرعية على العموم سواء أكانى عقودا أم الزأما بإرادة منفردة ما عدا النكاح إذ يرق فيه يرى فيه جمهور الفقهاء أن لا فرق بين باطله وفاسدة فى الحكم، ومن ثم أطلقوا على ما يوجد منها مخالفا لطلب الشارع أسم الباطل تارة، وأسم الفاسد تارة أخرى من غير تفرقة بين الحالين فى العنى سواء أكان مرد ذلك إلى مخالفة فى أصل العقد أو مخالفه فى وصفه كما فى النكاح المؤقت. أما فى الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم عدا الحج فإن الإتيان بفعل منها على وضع مخالف لما أمر الشارع يجعلها غير مجزئة فلا تبرأ بها الذمة ولا يتحقق بها الإمتثال المطلوب أو الطاعة الواجبة سواء أكان مرجع النهى فيما نهى عنه مها هو فقدان ركن من أركانها أو شرط من شروطها أو وجودها على صفه كرهها الشارع فيها ومن ثم يصفها الفقهاء فى هذه الحال تارة بالبطلان وتارة بالفساد من غير تفرقة بين حال وحال فيقولون الصلاة بغير ركوع باطلة أو فاسدة والصلاة بغير طهارة باطلة أو فاسدة والصلاة مع كشف العورة فاسدة أو باطلة. لا يفرقون فى الوصف ولا فى الأثر بين حال وحال (2) (أنظر مصطلح: بطلان وفساده) أما الحج فقد فرقوا بين فاسده وباطله" إذ أوجبوا المضى فى فاسده وأوجبوا على الحاج مع ذلك الذبح والإعادة مرة أخرى وإنما وجبت الإعادة لتمكن الخلل فى الحج الذى أتى به لا لعدمة (3) . ويلاحظ أن المخالفة إذا كانت راجعة إلى فقدان ركن من الأركان أو فقدان معنى التصرف فإن أثرها حينئذ هو انعدام السهل المطلوب أو العقد المراد انشاؤه، وعند ذلك لا يتحقق لهما وجود شرعى وأن ثبت لهذا وجود حمى فى الواقع، فالصلاة إذا فقدت أركانها لا تعد صلاة ولا يتحقق لها وجود عند ذلك شرعا، وكذلك العقد إذا فقد أحد أركانه لم يكن له وجود فى نظرالشارع. وفى هذه الحال يوصف كل منهما بالبطلان، فيقال فى الصلاة حينئذ أنها باطلة وفى العقد أنه باطل، ومعنى، ذلك فى واقع الأمر إنعدام كل منهما شرعا وفى مثل هذه الحال لا يكون كل منهما محلا للابطال، إذ معناه جعل الفعل أو التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، فإذا بدأ باطلا لم يقبل إبطالا، لأن الباطل لا يبطل. ومن ثم كان البطلان الذى يحدث أثرا للإبطال حكما طارئا يطرا على الفعل الشرعى أو التصرف، وعلى هذا لا يقال لمن صلى بلا ركوع وسجود أبطل صلاته إلا على معنى جاء بصلاة باطلة نجر موجودة ولا لمن باع- سلعة بغير قبول أبطل بيعه إلا على، معنى جاء بعقد باطل وفد يكون المراد بالإبطال إظهار بطلان الفعل الباطل أو العقد الباطل، وذلك يحدث فى القضاء بإبطال تصرف من التصرفات إذ لا يراد بقول القاضى أبطلت هذا العقد أو هذا الحق إلا أظهرت بطلانه، ذلك لأن القضاء مظهر ولا ينشئ إلا نادرا فى أحوال خاصة ومما تقدم يتبين ما يأتى: أولا: أن الإبطال جعل الفعل أو القول باطلا بر وذلك بإعدامه فى نظر الشارع وتجريده من وصف الوجود شرعا وهو الوجود الذى ناط به للتنازع ترتب الآثار الشرعية عليه، ومن ثم عد الباطل معدوها فى نظر الشارع واعتباره وكان العقد الباطل معدوما لا يترتب عليه أثر، والصوم الباطل معدوما لا يجزئ عن الواجب الشاغل للذمة وهو بهذا المعنى يتناول معنى الفسخ كما سيتضح ذلك فيما يأتى. ثانيا: ان الإبطال عند الحنفية يكون بإدخال سبب كب حلل على الفعل أو التصرف، بعد بداية بداية صحيحه، وذلك بإعدام ركن من أركان، كمن بدأ صلاته بداية صحيحة، ثم ترك فيها ركوعا أو سجودا أو بدأ صيامه، ثم أكل عامدا فى أثناء النهارا بدأ حجه ثم أرتد أو باع ثم أبطل بيعه بخيار مجلس عند القائل به أو بخيار شرط إذا ما شرطه لنفسه فى العقد أو أذن الموهوب له فى قبض العين الموهوبة ثم عدل عن إذنه أو أوجب فى عقد من العقود ثم عدل عن إيجابه فى مجلس العقد أو تزوج ثم أبطل زواجه بردته أو بخيار بلوغ، فكل ذلك أبطل لما بدأ صحيحا، وهذا بخلاف الإفساد فإن معناه عندهم إلحاق مفسد بما شرع فيه من عمل أو تصرف، كمن شرع فى صلاته ثم تكلم فيها بما يتكلم به الناس أو انحرف فيها عن القبلة انحرافا جعلها إلى ظهره، أو صام فجامع فى صيامه، أو حج فجامع قبل وقوفه بعرفة، أو باع بثمن فأجله إلى وقت الميسرة أو اشترط فيه شرط خيار لمدة سنة أو بغير مدة، أو قارض فاشترط لنفسه ربحا معين المقدار، أو رهن فاشترط بقاء الرهن تحت يده 000 فذلك كله عند الحنفية إفساد لا إبطال، إذ أنه لا يرجع إلى خلل فى أصل الفعل أو التصرف، وإنما يرجع إلى وصف من أوصافه، ولا يفرق غيرهم بين الحالين فهى عندهم إبطال أو إفساد.) (راجع مصطلح: بطلان وفساد) الفرق بين الإبطال والفسخ: بينا فيما سبق معنى الإبطال ومحله، ونقرر هنا أن الإبطال كما يحدث أثناء القيام بالعمل الشرعى، كما فى المصلى يتحدث فى صلاته بنا يشبه كلام الناس، وكما فى البيع إذا فصل بين إيجاب البائع وقبول المشترى ما يحول دون اتصال القبول بالإيجاب من قيام أو كلام أو اشتغال بأى عمل يترتب عليه ذلك عرفا، وكما فى الزواج إذا أقترن بقبول الزوج ما يوجب بطلان العقد من ردة أو فعل يوجب حرمة المصاهرة، كذلك يحدث الإبطال بعد التمام. غير أن ذلك لا يتصوره الأفعال الشرعية كالصلاة والصيام والحج إذ بعد تمامها لا يمكن أن يلحق بها ما يبطلها، لأنها وقعت على وفق طلب الشارع مجزئة وبرأت منها الذمة، فلا تشغل بها مرة أخرى. ولكنه يحدث فى التصرفات ... فقد ذكروا أن الوقف يبطل بردة الواقف بعد تمامه، وأن الوصية تبطل برجوع الموصى عنها، وأن التوكيل يبطل بعدول الموكل عنه بشرط وصول الخبر إلى الوكيل وأن العارية تبطل برجوع المعير عنها، وأن البيع يبطل بخيار العيب وبخيار الرؤية عند إرادة الرد بهما، وأن الهبة تبطل برجوع الواهب فيها بشرط رضا الموهوب له أو قضاء القاضى، والمسائل من هذا النوع كثير عديدة يخطئها الحصر. ولكن الملاحظ أن التعبير عن الإبطال بعد التمام أكثر الحالات والمواضع يكون بالفسخ، وقد يستعمل لفظ الإبطال، ولكن التعبير الأول أكثر استعمالا، ويندر أن يعبر عن الإبطال الحادث فى أثناء العمل بالفسخ وإذا عبر عنه بذلك كان من قبيل التجوز فى التعبير. ففى الإقالة قالوا إنها فسخ فى حق المتعاقدين عقد جديد فى حق غيرهما، وفى العقد غير اللازم قالوا أنه ما يستبد أحد العاقجين بفسخه وفى الرجوع فى الهبة من الواهب قالوا إذا رجع الواهب فى هبته بقضاء أو رضا كان فسخا لعقد الهبة وإعادة لملكه لا هبة جديدة، وفى خيال العيب قالوا إن الرد بخيار العيب قبل القبض يعد فسخ كالرد بخيار الرؤية أو بخيار الشرط (4) وهكذا، كما عبروا فى مثل هذه المواضع بالإبطال (5) . وأذن فالفرق بين الإبطال والفسخ أن الإبطال أعم من الفسخ، فالإبطال كما يكون فى أثناء المباشرة يكون بعد التمام والفسخ لا يكون ألا بعد التمام، فكل فسخ أبطال، وليس كل إبطال فسخا، وذلك ما يشعر به ويدل عليه لفظ الفسخ لغة (6) ، فهو فيها النقض والتفريق، فقول العرب فسخت الشئ فرقته، وفسخت المفصل عن موضعه أزلته، وتفسخ الشعر عن الجلد، وليس يكون ذلك إلا عند إتصال شيئين فتفرق بينهما (أنظر مصطلح فسخ) . أسباب الإبطال: تبين مما سمها أن الإبطال هو جعل العمل أو التحرف باطلا، وإنما يكون ذلك ممن يباشر العمل بالنسبة للأفعال الشرعية أو ممن له شأن فى التصرف بالنسبة للتصرفات بناء على ثبوت الحق له فى ذلك شرعا تطبيقا لحكم شرعى، وعلى ذلك لا يكون الإبطال إلا بسبب مبطل شرعا، أى بسبب رتب الشارع عليه حكم الإبطال عند تحققه، فما لا يبطل به العمل أو التصرف شرعا لا يصلح سببا للإبطال، وإذا جعل سببا للإبطال لم يترتب عليه، وبناء على ذلك لا يملك المصلى أو الصائم أو الحاج أن يبطل صلاته أو صيامه أو حجه إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فلا يملك المصلى أن يبطل صلاته بنظره إلى السماء عند صلاته أو بقيامه على رجل واحدة، ولا يستطيع الصائم أن يبطل صيامه بأكله ناسيا، ولا يستطيع الحاج أن يبطل حجه بلبس مخيط فى إحرامه. إذ أن الشارع لم يرتب على شىء من ذلك بطلان العمل، وليس لإرادة المصلى أو الصائم والحاج سلطان فى ذلك، بل الح

أبطح

أبطح 1- التعريف به: أ) المعني اللغوى: جاء فى لسان العرب ومثله فى القاموس أنه اسم لمسيل واسع فيه دقاق الحصى. وقيل بطحاء الوادى تراب لين مما جرته السيول، فإن اتسع وعرض فهو الأبطح. وقال ابن الأثير: إن أبطح الوادى حصاة اللين فى بطن المسيل، وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالأبطح يعنى أبطح مكة وهو مسيل واديها، وفى المصباح أن الأبطح كل مكان متسع، والأبطح بمكة هو المحصب، ثم فسر كلمة محصب بأنه موضع بمكة على طريق منى، وبأنه مرمى الجمار بها. ب) المعنى الاصطلاحى: يقول الأحناف (1) أنه اسم الموضع الذى نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من منى إلى مكة ويسمى المحصب والأبطح. وهو فناء مكة ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك وأنت صاعد فى الشق الأيسر فى طريقك إلى منى من بطن الوادى، ولم يختلف عليهم أحد من أهل المذاهب الأخرى فى التعريف به. 2- حكم النزول به: يقول الأحناف أنه يسن للحاج بعد رمى الجمار أن يأتى الأبطح فينزل به لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل به قصدا وذلك لما روى عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: إنا نازلون غدا بالخيف (2) خيف بنى كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم. يريد الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك الإشارة إلى عهد المشركين فى ذلك الموضع على هجران بنى هاشم وبنى المطلب بألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم الرسول، فعرفنا بذلك أن نزوله بالأبطح كان قصدا ليرى المشركين لطيف صنع الله به، وليتذكر فيه نعمته سبحانه عليه حيث يقارن بين نزوله هذا وما كان عليه أيام الحصار فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل فى الطواف واستدلوا أيضا بأن الخلفاء نزلوا كذلك بهذا المكان وقد صرح بعضهم كما فى ابن عابدين بأن الأظهر أن النزول به سنة كفاية، لأن الموضع لا يسع جميع الحجاج، ويتحقق أصل السنة عندهم بأن ينزل الحاج ولو ساعة يقف على راحلته يدعو. وذكر الكمال بن الهمام أن الحاج يصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويهجع هجعة ثم يدخل مكة. وهذه كما يقول ابن عابدين: سنة كمال وقد صرح المالكية (3) : بأن النزول به مع الصلوات الأربع مندوب، واستثنوا المتعجل فى سفره، ومن كان رجوعه يوم الجمعة، وصرحوا أيضا أن محل ندب صلاة الظهر إذا وصله قبل ضيق وقتها فلو ضاق عليه الوقت يصلى الظهر حيث أدركه. ونصوا على أن الراجع من منى يفعل ذلك سواء أكان آفاقيا (4) أم من مكة أم مقيما بمكة، وأنه يقصر الصلاة ولو كان مكيا لأنه من تمام المناسك. ويرى الشافعية (5) : أنه يندب لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصب الذى يقال له الأبطح وخيف بنى كنانة، ويصلى به العصرين والمغربين ويبيت به لاتباع الرسول وقالوا: إن ذلك ليس من المناسك. وصرح الحنابلة: باستحباب النزول وأداء الصلوات الأربع المذكورة والاضطجاع اليسير، وروى ابن قدامة أن ابن عمر يرى التحصيب سنة. ونص الشيعة الجعفرية (7) : على أن النزول به مستحب. كما نصوا (8) على أنه يستحب الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف. ويضيف الزيدية (9) : للحكم بندب النزول به أن الحاج يصلى فيه العصر والعشاءين ويدخل مكة بعد هجعة كفعلته - صلى الله عليه وسلم-. هذا وقد أوردت كتب الأحناف والحنابلة والزيدية التي أشرنا إليها اختلافا بين بعض الصحابة وبعض فى أن النزول به سنة أو غير سنة، ويرجع اختلافهم فى ذلك إلى أن نزول الرسول صلى الله عليه وسلم به أكان عن قصد أم غير قصد، ونقلوا عن ابن عباس وعائشة أن نزوله به كان اتفاقا لا قصدا، وقد واجههم الحنفية بالرد بما تقدم. ولم نعثر فى كتابى المحلى فى الفقه الظاهرى وشرح النيل فى الفقه الإباضى على شىء فى ذلك الموضوع.

_ 1) المبسوط ج4 ص24 مطبعة السعادة سنة 1324ههجرية البدائع للكاشانى الطبعة الأولى بالقاهرة سنة 1327ههجرية ج2 ص160. الفتح ج2 ص187، مطبعة مصطفى محمد، الدر المختار حاشية ابن عابدين ج2 ص201، المطبعة الميمنية سنة 1307ههجرية. 2) الخيف فى الأصل ما ارتفع عن الوادى قليلا عن مسيل الماء وقد اشتهر إطلاقه على مكان قرب منى فيه مسجد الخيف. 3) الدردير والدسوقى ج2، ص53، طبعة المطبعة الأزهرية سنة 1345ههجرية. 4) أى من خارج مكة. 5) المهذب ج1، ص231، طبعة عيسى الحلبى، حاشية القليوبى على المنهاج ج2 ص124 طبعة الحلبى سنة 1353ههجرية. 6) المغنى ج3 ص 457، الطبعة الثالثة بدار المنار. 7) المختصر النافع ص98 طبع دار الكتاب العربى. 8) الروضة البهية ج1 ص 203، مطبعة دار الكتاب العربى. 9) البحر الزخار ج2 ص 360.

أبكم

أبكم فى اللغة يقال: رجل أبكم أى أخرس. والأخرس: هو الذى منع من الكلام خلقة. أى خلق ولا نطق له. وقد وضع الفقهاء له أحكاما تتعلق بذبيحته وصلاته وطلاقه ووصيته وعقوده وإشارته ... ..إلى غير ذلك (انظر أخرس) .

إبل

إبل التعريف بالإبل: الإبل بكسرتين وبتسكين الباء: الجمال والنوق، لا واحد له من لفظه، مؤنث، وجمعه آبال، ويقال: إبلان للقطيعين من الإبل (1) . منافع الإبل: وقد أحل الله تعالى ذكور الإبل وإناثها فقال سبحانه: (ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئونى بعلم إن كنتم صادقين. ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين.. الآية ((2) ونعى سبحانه على من عطل منافعها فى الأكل أو فى العمل بأى نوع من أنواع التعطيل فقال: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ((3) البحيرة: كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها أى شقوها، وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها واسمها البحيرة (4) . السائبة: كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفرى أو برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها واسمها السائبة (5) . الوصيلة: الناقة البكر، تبكر فى أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر (6) . الحام: والحام فحل الإبل، يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شىء وسموه الحامى (7) . طهارة الإبل: والإبل الحية طاهرة ما دام جسمها خاليا من ملابسة النجاسات التي تخرج من الإبل، ومن غيرها من النجاسات، ولمن شاء أن يزاول أية منفعة من المنافع التى تطلب من الإبل دون حرج أو مانع فإذا تلبست بنجاسة وجب أن يتحرز الإنسان من تلك النجاسة وأن يزيلها. يخرج من أبدان الإبل، ما يأتى: 1- أبوالها. 2- أرواثها. 3- الدم السائل منها. أما أبوالها، فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف: أنها نجسة، وقال محمد: أنها طاهرة، حتى لو وقع فى الماء القليل لا يفسده ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه (8) . ويقول الشافعية: كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس سواء كان ذلك من حيوان مأكول اللحم أم لا (9) . ويرى المالكية: أن بول ما يباح أكله طاهر إذا لم يعتد التغذى بنجس، والإبل مباحة الأكل فبولها طاهر (10) . وعند الحنابلة: بول الإبل وما يؤكل لحمه طاهر إلا إذا كانت تأكل النجاسة فبولها نجس، فإن منعت من أكلها ثلاثة أيام لا تأكل فيها إلا طاهرا صار بولها طاهرا (11) . والزيدية: ترى أن بول ما يؤكل لحمه كالإبل طاهر لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا بأس ببول البقر والغنم والإبل) وبول الجلالة نجس (12) . وابن حزم يقول: البول كله من كل حيوان، إنسان أو غير إنسان، مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، أو من طائر يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، فكل ذلك حرام أكله وشربه، إلا لضرورة تداو أو إكراه أو جوع أو عطش فقط، وفرض اجتنابه فى الطهارة والصلاة إلا مالا يمكن فهو معفو عنه (13) . والإمامية قالوا: أن بول الإبل طاهر (14) . والإباضية يرون: أن بول الإبل نجس إذ يقولون أن البول مطلقا من الإنسان والحيوان خبيث لأن النبى صلى الله عليه وسلم سماه خبيثا فكل بول خبيث (15) . روث الإبل: أما الأرواث فيقول الأحناف: إنها نجسة عند عامة العلماء وقال زفر: روث ما يؤكل لحمه طاهر (16) . ويقول الشافعية: إن كل ما خرج من السبيلين من حيوان مأكول فنجس كالبعر والروث (17) . ويرى المالكية: أن الروث الخارج من مباح الأكل كالإبل والبقر طاهر إذا لم يعتد التغذى بالنجاسة فإن اعتاد التغذى بها يقينا أو ظنا فروثه نجس (18) . ويرى الحنابلة أن روث الحيوان الذى يؤكل طاهر (19) . ويرى الزيدية أن زبل الإبل والحيوانات المأكولة طاهر، فإذا كانت جلالة كان زبلها نجسا قبل الاستحالة، فأما بعد الاستحالة التامة بتغير اللون والطعم والريح عما كانت عليه فإنه يحكم بطهارته (20) . ويرى ابن حزم الظاهرى: أنه نجس، وتجب إزالته عما يصيبه من جسم الإنسان وثيابه ومكانه وكل ما يخصه لأن الله تعالى أمر على لسان رسوله بإزالته (21) . وقال الإمامية: إن روث الإبل نجس لأن العذرات نجسة (22) . حكم الدم السائل من الإبل: اتفقت المذاهب على أن الدم الذى يسيل من الإبل بأن يفارق مكانه نجس كغيره من دماء الحيوانات الأخرى- انظر مصطلح (دم) - حكم الإبل الميتة: اتفق فقهاء المذاهب ما عدا الحنفية على أن ميتة الإبل التى تموت بغير تذكية نجسة بجميع أجزائها، أما الحنفية فيرون أن الأجزاء التى فيها دم سائل منها نجسة، لاحتباس الدم النجس فيها وهو الدم المسفوح، وأما الأجزاء التي ليس فيها دم، فإن كانت صلبة كالعظم والسن والخف والصوف والأنفحة الصلبة، فليست بنجسة بلا خلاف بين أصحاب أبى حنيفة، وأما الأنفحة المائعة واللبن فكذلك عند أبى حنيفة وعند الصاحبين نجس. سؤر الإبل وعرقها: السؤر هو ما بقى فى الإناء من الماء بعد الشرب منه، والعرق معروف. ويرى الحنفية أن سؤر الإبل طاهر كسؤر مأكول اللحم من الحيوانات الأخرى إلا الجلالة التى يظهر لها رائحة منتنة إذا قربت، فإن سؤرها مكروه وعرفها نجس، ويرى الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية أن سؤر الإبل وعرقها طاهران (23) . حكم الوضوء من أكل لحم الإبل: يرى الحنابلة وابن حزم من الظاهرية أن الوضوء ينتقض بأكل لحم الجزور، أى الإبل، فعلى من أكل منه أن يتوضأ. ويرى الأحناف والمالكية والزيدية والإمامية والشافعية فى المعول عليه عندهم أنه لا ينتقض الوضوء بأكله، غير أن الأحناف والشافعية نصوا على أنه يندب الوضوء من أكله مراعاة للمذاهب الأخرى (24) الصلاة بمعاطن الإبل: الأحناف: نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فى معاطن الإبل بقوله: (صلوا فى مرابض الغنم ولا تصلوا فى معاطن الإبل) ، والنهى هنا للكراهة، ومعاطن الإبل مباركها (25) . والشافعية: قالوا تكره الصلاة فى عطن الإبل ولو طاهرا (26) . وقال المالكية: كرهت الصلاة بمعطن إبل وهو موضع بروكها عند الماء للشرب، وأما موضع مبيتها وقيلولتها فليس بمعطن، فلا تكره الصلاة فيه، وقيل: تكره، فالمعطن محل بروكها مطلقا، ولو أمن النجاسة أو فرش فرشا طاهرا ويعيد صلاته ندبا (27) . وقال الحنابلة: ولا تصح أيضا تعبدا صلاة فى أعطان الإبل، للحديث السابق، والأعطان ما تقيم فيها الإبل، وتأوى إليها طاهرة كانت أو نجسة فيها إبل حال الصلاة أولا، لعموم الخبر، وأما ما تبيت فيه الإبل فى مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها لا يمنع من الصلاة فيه لأنه ليس بعطن (28) . وقال ابن حزم الظاهرى: لا تحل الصلاة فى عطن إبل، وهو الموضع الذى تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك، وفى المراح والمبيت، فإن كان لرأس واحد من الإبل، أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، فمن صلى فى عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا (29) وقال الإمامية: تكره الصلاة فى المعطن (بكسر الطاء) واحد المعاطن، وهى مبارك الإبل عند الماء للشرب (30) . أما الزيدية فلم نعثر على رأى صريح لهم فى هذا الصدد، لكنه ورد بشرح الأزهار حديث رسول الله الذى ينهى فيه عن الصلاة بمعاطن الإبل (31) . ولمعاطن الإبل أحكام تتعلق بمواضع اتخاذها ومقدارها انظر مصطلح (إحياء- موات) . زكاة الإبل: قال الأحناف: ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، وفى الخمس شاة وفى العشر شاتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، وهى ما تم لها سنة ودخلت فى الثانية من الإبل، وفى ست وثلاثين بنت لبون، وهى التى تمت لها سنتان، ودخلت فى الثالثة، وفى ست وأربعين حقة وهى التى دخلت فى الرابعة، وفى إحدى وستين جذعة وهى التى دخلت فى الخامسة وهى أقصى سن لها مدخل فى الزكاة، والأصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فكتبه أبو بكر لأنس، وكان فيه: وفى أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، فى كل خمس ذود (32) شاة فإذا كانت خمس وعشرين إلى خمساً وثلاثين ففيها بنت مخاض فإذا كانت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا كانت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقه، فإذا كانت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا كانت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا كانت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان، ولا خلاف فى هذه الجملة. واختلف العلماء فى الزيادة على مائة وعشرين: فقال الأحناف: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين تستأنف الفريضة، ويدار الحساب على الخمسينيات فى النصاب، وعلى الحقاق فى الواجب، لكن بشرط عدد ما قبله من الواجبات والأوقاص (33) بقدر ما يدخل فيه وبيان ذلك إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فلا شىء فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون حقتان وشاة، وفى العشر شاتان وحقتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه وحقتان، وفى عشرين أربع شياه وحقتان، وفى خمس وعشرين بنت مخاض وحقتان إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فى كل خمسين حقة، ثم تستأنف الفريضة، فلا شىء فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة وثلاث حقاق، وفى العشر شاتان وثلاث حقاق، وفى خمس عشرة ثلاث شياه وثلاث حقاق، وفى عشرين أربع شياه وثلاث حقاق فإذا بلغت مائة وخمسا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، فإذا بلغت مائة وستة وثمانين ففيها بنت لبون وثلاث حقاق، إلى مائة وستة وتسعين ففيها أربع حقاق، إلى مائتين فإن شاء أدى منها أربع حقاق، من كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنت لبون، من كل أربعين بنت لبون، ثم يستأنف الفريضة أبدا، فى كل خمسين كما استؤنفت من مائة وخمسين إلى مائتين، فيدخل فيها بنت مخاض وبنت لبون وحقة مع الشياه (34) واستدل الأحناف بحديث عمرو بن حزم، وفيه: فإذا زادت الإبل عن مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم، فى كل خمس ذود شاة، وروى هذا المذهب عن على وابن مسعود، وهذا باب لا يعرف بالاجتهاد، فيدل على سماعهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والشافعية كالأحناف إلى أن يصير عدد الإبل مائة وعشرين، فإذا زادت الإبل إلى مائة وإحدى وعشرين وجب ثلاث بنات لبون، ثم يستمر ذلك إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب فيها، وفى كل عشر بعدها ففى كل أربعين من الإبل بنت لبون، وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق (35) والمالكية قالوا: إذا زادت الإبل عن مائة وعشرين إلى مائة وتسعة وعشرين فلا شىء فى هذه الزيادة، ولكن يخير الساعى إن شاء أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون إن وجد النوعان أو فقدا فإن وجد أحدهما تعين إخراج الزكاة منه، ثم فى عشر بعد المائة والثلاثين يتغير الواجب فيجب فى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفى مائة وستين أربع بنات لبون. وهكذا (36) . الحنابلة قالوا: إذا زادت الإبل واحدة عن عشرين ومائة كان فيها ثلاث بنات لبون، وقالوا أنه بالواحدة حصلت الزيادة، ثم تستقر الفريضة ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لب

ابن

ابن 1- التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب: فى اللغة: الابن: الولد الذكر، والابن من الأناسى يجمع على بنين جمع سلامة، وجمع القلة أبناء، وأما غير الأناسى مما لا يعقل مثل ابن مخاض وابن لبون، فيقال: فى الجمع بنات مخاض وبنات لبون، وفى لغة محكية عن الأخفش أنه يقال: بنات عرس وبنو عرس، وقد يضاف ابن إلى ما يخصصه لملابسة بينهما نحو ابن السبيل، أى مار الطريق (1) . وفى الشريعة: الابن بالنسبة للأم: كل ذكر ولدته أمه، سواء من نكاح أو من سِفاح. وأما بالنسبة للأب: فهو كل ذكر ولده على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا، أما ابن الرجل من الزنا فهو- وإن كان ابنه حقيقة- إلا أنه لا يعتبر ابنه شرعا. والابن لا يعد من أقارب أبيه، ولا من أقارب أمه، لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، والابن قريب بنفسه لا بغيره. عقيقة الابن وختانه: العقيقة هى: ما يذبح أو ما يعد من طعام بمناسبة ولادة الصغير، وقد اختلف الفقهاء فى حكمها (2) (انظر عقيقة) . والختان: قطع الجلدة التى فوق حشفة الذكر، وقد اختلف الفقهاء فى حكمه (3) (انظر ختان) . تعويد الابن على الصلاة: من حق الابن على أبيه أن يعوده على الصلاة طبقا لما أمر به الشارع، وقد بين فى أحكام الأب (4) (انظر مصطلح أب) . وهل يجوز دفع المصحف إليه قبل البلوغ؟ الابن قبل البلوغ يجوز دفع المصحف إليه، لأنه ليس أهلا للتكليف بالطهارة (5) (انظر مصحف) . إذا بلغ الابن أثناء السفر مع أبيه هل يقصر الصلاة أو يتمها؟ الابن قبل البلوغ إذا خرج مع أبيه فى سفر ثلاثة أيام فصاعدا، ثم بلغ الابن أثناء السفر، فإن كان وقت البلوغ لا يزال بينهما وبين مقصدهما مدة السفر- أى ثلاثة أيام فصاعدا- فإن الابن يقصر الصلاة، وإن كانت المدة الباقية أقل من مدة السفر، قال بعض الفقهاء: إن الصبى يتم الصلاة، لأنه لا يعتبر مسافرا إلا من وقت البلوغ، وقال بعضهم: يقصر الصلاة بناء على أن الابن تابع لأبيه المسافر (6) (انظر مصطلح سفر- قصر) . الابن والنفقة: قال فقهاء الحنفية: الابن إذا كان غنيا تكون نفقته فى ماله، سواء كان صغيرا أو كبيرا. وإن كان فقيرا فإن كان قادرا على الكسب فنفقته فى كسبه، لأنه حينئذ يكون مستغنيا بكسبه، وإن كان غير قادر على الكسب لعجزه حقيقة بأن كان صغيرا لم يبلغ حد الكسب أو مريضا مرضا مزمنا منعه عن الكسب كالجنون والعته والشلل ونحو ذلك، أو لعجزه عن الكسب حكما، بأن كان مشتغلا بطلب العلم، فإن نفقته تكون على أبيه إذا كان الأب موسرا أو قادرا على الكسب، ولا يشترط فى وجوب نفقة الابن على أبيه اتحاد الدين، لأنها وجبت بسبب الولادة والجزئية وإن كان الأب غير موجود أو كان فقيرا وعاجزا عن التكسب، وكانت الأم موسرة فنفقة الابن تجب على الأم إذا لم يكن معها جد صحيح للابن، فان كان معها جد صحيح فالنفقة عليها وعلى الجد أثلاثا- الثلث على الأم والثلثان على الجد. وكما تجب نفقة الابن على أحد أبويه على النحو الذى سبق بيانه، فإن نفقة الأبوين الفقيرين، تكون واجبة على الابن، إذا كان الابن موسرا، ولو كان صغيرا، وإن كان الابن فقيرا وعاجزا عن الكسب فلا نفقة لهما عليه، وإن كان قادرا على الكسب وفى كسبه فضل لا يتسع إلا لنفقة الفقير منهما أو لنفقتهما معا وكانا فقيرين فعليه النفقة، وإن كان فضل كسبه لا يتسع إلا لنفقة أحدهما وكلاهما فقير فهل يكلف بالإنفاق على أبيه أو على أمه؟ اختلف العلماء فى ذلك، ولا يشترط فى وجوب نفقة الأب الفقير على ابنه عجزه عن الكسب بل تجب له النفقة ولو كان قادرا على الكسب، ولا يكلف بالتكسب لما فى ذلك من الإيذاء المنهى عنه شرعا، لأن الإيذاء فى ذلك أكثر منه فى التأفيف المحرم بقوله تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ((7) . أما الأم الفقيرة فإنها بحكم أنوثتها تعتبر عاجزة عن التكسب ولا يشترط فى وجوب نفقة الأبوين على الابن اتحاد الدين لما سبق بيانه، وتسقط نفقة الابن بمضى المدة الطويلة حتى ولو كان مفروضة إلا إذا كانت مستدانة بإذن القاضى- أى أذن له القاضى بالإستدانة واستدانها- فعلا والمدة الطويلة هى الشهر فأكثر، وإنما سقطت نفقته بمضى المدة الطويلة، لأنها وجبت له على أبيه باعتبار حاجته إليها، ومحافظة على نفسه من الهلاك، فإذا مضت المدة ولم يطالب بها فقد تبين بذلك أن حاجته إلى النفقة قد اندفعت واستثنى بعض الفقهاء نفقة الصغير المفروضة وألحقها بنفقة الزوجة فى أنها تصير دينا بالقضاء ولا تسقط بمضى المدة الطويلة فى هذه الحالة (8) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة: الابن الغنى نفقته فى ماله، والفقير العاجز عن الكسب نفقته على أبيه الموسر، والفقير القادر على الكسب نفقته فى كسبه، ويرى بعض الشافعية أن الابن الفقير القادر على الكسب نفقته على أبيه الموسر. وقال فقهاء الزيدية: نفقة الابن الصغير أو المجنون سواء كان موسرا أو معسرا على أبيه إن كان موسرا أو فقيرا كسوبا، فإن كان الأب لا كسب له فنفقة الابن فى ماله إن كان غنيا، وإن كان فقيرا فنفقته على أمه الموسرة لترجع بها على الأب على تفصيل على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث وعلى الأب الثلثان (9) . (انظر مصطلح نفقة) أحكام الابن بالنسبة للحضانة: قال فقهاء الحنفية: الابن فى حال صغره يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه وأكله وشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر، ولذلك كانت حضانته من وقت ولادته إلى أن يستغنى عن خدمة الغير من حق النساء، فتكون للأم أولا ما لم يقم بها مانع (10) وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (11) . (انظر مصطلح حضانة) دفع الزكاة واللقطة إلى الابن إذا لم يتبين صاحبها: قال فقهاء الحنفية: لا يجوز للإنسان أن يدفع إلى ابنه زكاة ماله أو صدقة الفطر أو العشر أول الكفارات، وهذا الحكم عام بالنسبة لكل ابن، سواء أكان الابن ثبت نسبه شرعا أم كان من زنا، وكذلك لا يدفع الإنسان شيئا مما ذكر إلى الولد الذى نفى نسبه منه (12) ، وعدم جواز دفع الزكاة إلى الابن هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية (13) . (انظر زكاة) أما خمس الركاز، فيجوز دفعه للابن الفقير عند الحنفية. وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة مصرفه مصرف الزكاة (انظر ركاز) . وإذا وجد أحد الأبوين لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى ابنه الفقير، لينتفع بها، كما أن الابن إذا وجد لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى أبويه الفقيرين (14) . فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة فله أخذها، وإن كانت هالكة فله قيمتها. وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة: إن اللقطة إذا دخلت فى ملك الملتقط بعد تعريفها شرعا كان ضامنا لها فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة عند الملتقط فله أخذها وإن كانت هالكة فله قيمتها (15) . (انظر لقطة) حكم صدقة الفطر بالنسبة للابن: قال فقهاء الحنفية: إذا كان الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه، سواء أكان غنيا أم فقيرا، لأنه إن كان غنيا وجب عليه أداؤها من ماله، وإن كان فقيرا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له، وإذا كان الابن صغيرا فقيرا وجبت صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه الموسر، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير الفقير إذا كان مجنونا أو معتوها وإذا كان الابن صغيرا غنيا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير المجنون أو المعتوه إذا كان غنيا، ولكن هل تجب صدقة الفطر فى مالهما فيخرجها الولى من مالهما؟ اختلف فقهاء الحنفية فى ذلك بناء على اختلافهم فى أن كلا من العقل والبلوغ شرط فى وجوب صدقة الفطر أم لا (16) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة الابن الموسر تجب صدقة الفطر فى ماله، والابن الفقير إذا كانت نفقته واجبة على أبيه فصدقة الفطر على أبيه، وقال فقهاء الزيدية: تجب صدقة الفطر فى مال الابن إن كانت نفقته فى ماله وإن كانت نفقته على أبيه فصدقة فطره على أبيه إن كان الأب موسرا، وإن كان معسرا وله كسب والابن موسر فهل تجب صدقة الفطر بالنسبة للابن فى ماله؟ قولان، والأظهر أنها تجب فى ماله لأنه موسر (17) (انظر صدقة الفطر) . حكم الزكاة بالنسبة لمال الابن: قال فقهاء الحنفية: الابن الغنى إذا كان بالغا عاقلا وجبت عليه زكاة ماله أما إذا كان صغيرا أو مجنونا فقد اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الزكاة فى ماله، فقال محمد: إن البلوغ والعقل شرطان فى وجوب الزكاة، فلا تجب الزكاة فى مال الابن الصغير أو المجنون، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن العقل والبلوغ ليسا بشرط لوجوب الزكاة، لأنها حق مالى فتجب الزكاة فى مالهما كما تجب نفقة الزوجات والأقارب فى مالهما (18) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية: تجب الزكاة فى مال الابن ولو كان صغيرا أو مجنونا (19) (انظر زكاة) . الأضحية عن الابن: الراجح عند فقهاء الحنفية أن الابن الصغير الفقير لا تجب على أبيه الأضحية بالنسبة له، لأنها عبادة، والأصل فى العبادات أنها لا تجب على أحد بسبب غيره، وقيل: تجب على الأب الأضحية بالنسبة له لأنه فى معنى نفسه، والابن الصغير والمجنون الموسران، اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الأضحية بالنسبة لهما، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن البلوغ والعقل ليسا من شرائط وجوب الأضحية، فتجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسران، وقال محمد: إن العقل والبلوغ من شرائط الوجوب فلا تجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسرين، حتى لو ضحى الأب من مالهما يضمن (20) . وقال فقهاء المالكية: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا، فالأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فيسن لأبيه أن يضحى عنه إن كان الأب ملزما بنفقته. وقال فقهاء الشافعية: الابن الصغير أو المجنون الموسران لا يضحى عنهما أبوهما، من مالهما ويسن أن يضحى عنهما من ماله. وقال فقهاء الحنابلة: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا فالأضحية تكون من ماله صغيرا كان أو كبيرا وإن كان فقيرا فلا أضحية بالنسبة له. وقال فقهاء الزيدية: الأضحية سنة بالنسبة للمكلف فلا تصح من الصغير، إذا فالابن عديم الأهلية لا أضحية بالنسبة له موسرا كان أم فقيرا (21) . (انظر أضحية) الولاية على الابن فى النكاح والمال والنفس: تثبت الولاية على الابن الصغير أو المجنون أو المعتوه فى نفسه وفى ماله وفى تزويجه على تفصيل فى المذاهب (انظر مصطلح ولاية) . تصرف الابن الصغير فى ماله: الابن الصغير إذا كان غير مميز كانت تصرفاته القولية كلها باطلة، سواء أكان التصرف يعتبر نفعا محضا كقبول الهبة بغير عوض أو يعتبر ضررا محضا كالهبة والوصية والوقف والطلاق، أو كان دائرا بين النفع والضرر كالبيع والشراء، وغير المميز هو الذى لا يميز بين الضار والنافع، ولا يعقل أن البيع سالب للملك عن البائع وأن الشراء جالب للملك إلى المشترى، وهو الذى لم يبلغ السابعة من عمره، ومثله الابن المجنون والابن المميز- أى الذى يميز بين الضار والنافع وهو الذى بلغ السابعة من عمره- تصرفاته أقسام ثلاثة: أولا: تصرف فيه نفع محض وهو التصرف الذى يترتب عليه أخذ شىء بغير مقابل كقبول الهبة بغير عوض، وهذا التصرف يصح منه

ابن الابن

ابن الابن التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب: فى اللغة: ابن الابن هو الولد الذكر للابن. وفى الشريعة: هو كل ذكر ولد للابن على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا. وابن الابن بعد من الأقارب لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، وابن الابن قريب بغيره لا نفسه. أحكام الابن فى الميراث: قال فقهاء الحنفية: ابن الابن من العصبات النسبية، وهو عصبة بنفسه فإذا انفرد أخذ جميع التركة بطريق التعصيب، وإن اجتمع مع أصحاب قروض أخذ الباقى بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، وأن تعدد أبناء الأبناء يكون المال بينهم بالتقريب، وابن الابن لا يحجبه غيره حجب نقصان، ويحجب حجب حرمان بالابن وبمن هو أقرب منه درجة من أبناء الأبناء فيحجب ابن ابن الابن بابن الابن، ولا يحجب بالبنت واحدة أو أكثر، بل يعتبر عصبة فيأخذ الباقى بعد استيفائهن فرضهن، كما لا يحجب ببنت الابن إذا كانت أقرب منه درجة وابن الابن إذا كان وارثا قد يحجب غيره حجب حرمان أو حجب نقصان، فيحجب غيره من العصبات عدا الابن حجب حرمان، فلا يرث أحد منهم معه إلا الأب والجد فيرثان معه لأن بطريق الفرض، لا بطريق التعصيب، ويحجب الحواشى وذوى الأرحام حجب حرمان وكذلك يحجب من هو أنزل منه درجة من أولاد الأبناء ذكورا أو إناثا حجب حرمان، ويحجب الزوج والزوجة والأم حجب نقصان، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس. وابن الابن يعصب بنت الابن إذا كان مساويا لها فى الدرجة، بأن كان أخاها أو ابن عمها أما إذا كان أقرب منها درجة فإنه يحجبها حجب حرمان، وإذا كان أنزل منها درجة فإنه يعصبها إذا لم يبق لها شىء من نصيب البنات وهو الثلثان، بأن كان للمتوفى بنتان فأكثر، أما إذا كان له بنت واحدة فإن بنت الابن ترث معها السدس فلا يعصبها ابن ابن هو أنزل منها درجة، وما تقدم هو أيضا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإباضية غير أن الإباضية يرون أن ابن الابن يعصب من فوقه من بنات الابن، وإن لم يكن للمتوفى بنت، فقد جاء فى شرح النيل (1) : ويعصبهن الذكر من جنسهن ولو كان ابن عم لهن فى درجتهن أو أسفلهن، مثاله فى درجتهن أن يترك بنت ابن وابن ابن آخر أو بنت ابن ابن وابن ابن ابن آخر ومثاله أسفل، بنت ابن وابن ابن ابن. ومذهب ابن حزم من فقهاء الظاهرية كمذهب الحنفية إلا فيما يأتى: أولا: أنه لا يعصب من فوقه، ثانيا: أنه لا يعصب من فى درجته إن كان للميت بنتان، ويعصب من فى درجته بشرط ألا يزيد نصيبهن عن السدس إن كان للميت بنت، فإذا ترك الميت بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن فللبنتين الثلثان والباقى لابن ابن الابن ولا شىء لبنت الابن، وإن ترك الميت بنتين وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنتين الثلثان والباقى للذكور من أبناء الابن ولا شىء لبنات الابن، وإذا ترك الميت بنتا وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنت النصف والباقى لأولاد الابن الذكور والإناث، للذكر مثل حظ الأنثيين بشرط ألا يزيد نصيب الإناث على السدس، فإن زاد نصيبهن على السدس أعطى لهن السدس فقط، والباقى للذكور. وقال فقهاء الإمامية: ابن الابن يقوم مقام أبيه، وهو الابن فى أحكام الميراث عند عدم الابن، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، ويحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ويحجب الأم من الثلث إلى السدس، وإذا انفرد أبناء الابن وكانوا ذكورا فقط فالباقى بينهم بالسوية وإن كانوا ذكورا وإناث فللذكر مثل حد الأنثيين، وإن كان للمتوفى أبناء ابن وأبناء بنت أخذ كل فريق نصيب أصله (2) . ابن الابن والنفقة: ابن الابن الموسر والمعسر القادر على الكسب حكمه كالابن عند الحنفية المالكية والشافعية والحنابلة، فتكون نفقته فى ماله أو فى كسبه (انظر ابن) . والفقير العاجز عن الكسب تكون نفقته على جده عند الحنفية والشافعية. وقال فقهاء المالكية: لا تجب نفقته على جده. وقال فقهاء الحنابلة: تكون على من يرثه على قدر إرثهم. وقال فقهاء الزيدية ابن الابن الموسر نفقته فى ماله، والمعسر ولو أمكنه التكسب نفقته على عصبته على حسب الإرث (3) . أحكام ابن الابن بالنسبة للحضانة: قال فقهاء الحنفية ابن الابن فى حال صغره كالابن يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه ومأكله ومشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر ولذلك تكون حضانته لأم الأم ما لم يقم بها مانع، وهذا هو رأى المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (4) دفع الزكاة إلى ابن الابن: لا يجوز دفع الزكاة إلى ابن الابن، وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية. وقال فقهاء المالكية: يجوز دفع الزكاة إليه (5) . قال فقهاء الحنفية: إن كان ابن الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة فطره على جده، وإن كان عديم الأهلية لصغر أو جنون أو عته، فإن كان فقيرا فصدقة فطره على جده إن كانت نفقته واجبة عليه، وإن كان موسرا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: تجب صدقة فطره فى ماله، وقال محمد: لا تجب صدقة الفطر بالنسبة اليه. وقال فقهاء المالكية: لا تجب صدقة فطر ابن الابن على الجد، لأنه لا نفقة له عليه. وقال فقهاء الشافعية والحنابلة والزيدية إن كان ابن الابن موسرا وجبت صدقة الفطر فى ماله، وإن كانت نفقته على جده وجبت صدقة فطره على جده (6) . حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن: حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن كحكم الزكاة بالنسبة لمال الابن (راجع ابن) . حكم الأضحية عن ابن الابن: فى مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية ابن الابن كالابن بالنسبة للأضحية (راجع ابن) . وقال فقهاء المالكية إن كان ابن الابن موسرا، فهو كالابن أى تكون الأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فلا يضحى عنه جده لأنه لا يلزم بنفقته (7) . عتق ابن الابن أو الجد بملك أحدهما الآخر: قال فقهاء الحنفية: إذا ملك ابن الابن أحد أجداده نسبا بأى سبب من الأسباب عتق عليه، وكذلك إذا ملك أحد الأجداد ابن ابنه عتق عليه وهذا أيضا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (8) . صلاة الجنازة على ابن الابن المسبى: إذا سبى ابن الابن الصغير أو البالغ المجنون وحده أو مع جده ثم مات فحكمه بالنسبة للصلاة عليه كحكم الابن الصغير إذا سبى وحده ثم مات (انظر ابن) . قتل ابن الابن جده الحربى أو الباغى: قال فقهاء الحنفية: حكم قتل ابن الابن أحد أجداده إذا كان حربيا أو من أهل البغى والخوارج كحكم قتل الابن أباه الحربى أو الباغى (انظر ابن) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية حكم قتل ابن الابن جده الحربى كحكم قتل الابن أباه الحربى (انظر ابن) . وقال فقهاء المالكية لابن الابن أن يقتل جده إذا كان من أهل البغى، ولا كراهية فى ذلك كما أن الجد له أن يقتل ابن ابنه إذا كان من أهل البغى (9) . القود فى قتل ابن الابن لجده: ابن الابن إذا قتل أحد أجداده قتلا يوجب القصاص وجب القصاص من ابن الابن، لأن الابن إذا قتل أحد أبويه وجب القصاص من الابن، فأولى إذا قتل ابن الابن جده وهذا الحكم محل إجماع المذاهب الإسلامية (راجع ابن) . إرث ابن الابن ولاية القصاص على جده: قال فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية: ابن الابن إذا ورث قصاصا على أحد أجداده يسقط القصاص (10) . وقال فقهاء المالكية وابن حزم من فقهاء الظاهرية إذا ورث ابن الابن قصاصا على أحد أجداده لا يسقط القصاص لأن الابن إذا ورث القصاص على أبيه لا يسقط القصاص، فأولى إذا ورث ابن الابن على جده (راجع ابن) . حد ابن الابن بالسرقة من أحد أجداده: يرى فقهاء الحنفية والشافعية: أنه لا يحد ابن الابن بسرقته من أحد أجداده (راجع ابن) . وهذا أيضا هو مذهب الحنابلة (11) . ويرى فقهاء المالكية والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية انه يحد لأن الابن إذا سرق من مال أبيه فإنه يحد، فأولى إذا سرق ابن الابن من مال جده. (راجع ابن) . لم يقل أحد من الفقهاء أن ابن الابن يتبع أحد أجداده فى الدين إلا ما ورد فى مذهب الشافعية من أن ابن المرتد يكون مسلما إذا كان أحد أصوله مسلما (راجع ابن) . شهادة ابن الابن وقضاؤه: ابن الابن كالابن فلا تجوز شهادته وقضاؤه لجده عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكذلك لا تجوز شهادته لجده عند الإباضية، أما قضاؤه له فإن كانت الخصومة بين الجد وأجنبى فأولى أن يدفعها إلى غيره، وإن حكم بينهما بالحق فحسن، وإن كانت الخصومة بين الجد وقريبه جاز الحكم بينهما. وقال فقهاء الزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية أن شهادة ابن الابن لأحد أجداده جائزة. ابن الابن والوصية (12) : ابن الابن إن كان وارثا فحكمه كالابن عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم من فقهاء الظاهرية وتجوز عند الزيدية (راجع ابن) . وإن كان غير وارث فهى جائزة عند الزيدية من باب أولى وتجوز أيضا عند الحنفية والمالكية والشافعية وقال فقهاء الحنابلة: تسن الوصية له إن كان فقيرا ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية: أنها فرض لقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين. فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ((13) . 1) 2)

_ 3) شرح النيل 8 ص301. 4) راجع للأحناف السراجية طبعة 1326 ص13، 21، 22، 23، 27، 28. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص459، 460، 465، 466 طبعة سنة 1355. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص139، 140، 141، 142 طبعة سنة 1768. وللحنابلة كشاف القناع 2 ص542 وما بعدها. وللزيدية البحر الزخار 5 ص329 وما بعدها. وللزيدية البحر الزخار 5 ص339 وما بعدها طبعة سنة 1343. وللظاهرية: المحلى لابن حزم 9 ص253، 271. وللإمامية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية 2 كتاب الميراث، والمختصر النافع ص269. 5) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص 522، 523. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص 356، 357. وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه 2 ص546 وما بعدها. 6) راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين 2 ص877. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص527. 7) راجع للأحناف الزيلعى 1 ص168، وللشافعية النهاية 1 ص168، وللحنابلة كشاف القناع 1 ص497، وللزيدية شرح الأزهار 1 ص255، وللمالكية منح الجليل 1 ص384. 8) راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين 2 ص99 وما بعدها. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 1 ص504 وما بعدها. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 2 ص32 وما بعدها. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع 1 ص514. وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه 1 ص548 وما بعدها. 9) راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص118. 10) راجع المرجع السابق بيانها فى مصطلح (ابن) . 11) راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص300. 12) راجع للأحناف الزيلعى 6 ص105، 106. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 4 ص107. وفى مذهب الحنابلة كشاف القناع 3 ص352. وللزيدية التاج المذهب 4 ص265. 13) راجع كشاف القناع 4 ص84. 14) راجع للأحناف الدرر 2 ص427. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص427. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص157. وللحنابلة شرح منتهى الإ

ابن الأخ

ابن الأخ ابن الأخ عند الإطلاق ينصرف إلى ابن الأخ النسبى، وإن كان قد يطلق بالتقييد على ابن الأخ من الرضاع، بأن يقال ابن الأخ رضاعا، وهذا ليست له أحكام فقهية واضحة إلا فى مسألة تحريم الزواج بسبب الرضاع، فتحرم عليه عمته رضاعا على ما هو مبين فى موضعه (انظر مصطلح رضاع) . أما ابن الأخ النسبى فقد يكون ابن أخ شقيق، وقد يكون ابن أخ لأب، وقد يكون ابن أخ لأم. وسنتناول أحكامه بأقسامه فى الميراث، والولاية، والنفقة، والرجوع فى الهبة، ودفع الزكاة له. أولا: فى الميراث (1) : أما ابن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ميراث لذوى الأرحام مطلقا مع وجود أصحاب الفروض النسبية أو العصبات، وإذا انعدام هؤلاء فقد اختلف الفقهاء فى توريثهم على ما هو مبين فى ميراث ذوى الأرحام. وميراث ابن الأخ لأم عند القائلين بتوريث ذوى الأرحام إنما يكون بعد انعدام من هم أولى منه جهة، وأقرب درجة وأشد قوة، فلا يرث مع وجود أحد من أصحاب الفروض النسبية، ولا العصبات، ولا فروع الميت أو أصوله من ذوى الأرحام، ولا الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت من ذوى الأرحام ممن هم أقوى منه قرابة، كأولاد الأخوات لأبوين، أو بنات الأخوة كذلك، وهو يحجب فى الميراث من هو أضعف منه قرابة من ذوى الأرحام، وهم الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت، إلى أجداد الميت وجداتهم، كالأعمام لأم. وابن الأخ لأم يرث مع صاحب فرض سببى، وهو الزوج أو الزوجة عند انعدام من هو أحق منه بالإرث. (انظر مصطلح: ذوى أرحام) . وأما أبن الأخ شقيقا كان أو لأب، فهو عاصب بنفسه، فيرث الباقى بعد أصحاب الفروض عند انعدم من هو أقرب منه فى التعصيب، إذ يقدم عليه العصبة من فروع الميت أو من أصوله أو من حواشيه القريبة كالأخ شقيقا أو لأب. على أن ابن الأخ الشقيق يقدم فى التعصيب على ابن الأخ لأب، لأنهما وإن استويا فى الجهة والدرجة، فإن ابن الأخ الشقيق أقوى فى القرابة على ما هو مبين فى الإرث بالتعصيب. انظر فى مصطلح (ارث) العصبة. ثانيا: فى الولاية: وتتناول ولايته فى النكاح، ثم فى الحضانة، ثم فى القصاص. 1) ولاية ابن الأخ فى النكاح: المذهب الحنفى: لا يكون ابن الأخ شقيقا أو لأب وليا فى النكاح مع وجود أحد من العصبة- الفروع أو الأصول أو الحواشى القريبين- ويقدم عند انعدام هؤلاء ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، لقوة قرابته، وكلاهما يقدم على الأعمام وأبنائهم (2) . وإذا كان ابن الأخ هو ولى النكاح وزوج من فى ولايته بغير كفء أو بغبن فاحش فى المهر، فالزواج غير صحيح، وإذا كان بكفء وبمهر المثل، فالزواج صحيح نافذ، لازما عند أبى يوسف، لتحقق المصلحة، وغير لازم عند الطرفين، فيثبت لها خيار البلوغ عند أبى حنيفة ومحمد، ولا يثبت عند أبى يوسف (3) . وأما ابن الأخ لأم فليس له ولاية فى النكاح عند محمد، إذ ليس لغير العصبات ولاية عنده، وتثبت له الولاية عندهما، يبينها صاحب الدر المختار بقوله: الأم (4) وأم الأب والبنت وبنت الابن وبنت البنت وبنت ابن الابن وبنت بنت البنت وبقية الفروع وإن سفلوا، والجد الفاسد والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخ لأم ذكرا كان أو أنثى وابن الأخ لأم بعد هؤلاء تثبت ولايته عند الشيخين ويقدم على العمات والأخوال والخالات ... الخ. المذهب المالكى: جاء فى كتب المالكية (5) أن ولاية ابن الأخ شقيقا أو لأب لا تكون إلا بعد فقد الأبناء وإن سفلوا، والآباء والأخوة الأشقاء والأخوة لأب، على أن يقدم أبناء الأخوة الأشقاء على أبناء الأخوة لأب، ثم الجد ثم العمومة ثم المولى ثم السلطان فهم يقدمون ابن الأخ الشقيق أو لأب على الجد. مذهب الشافعية (6) : لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح، إلا بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، ويليهما العم وابنه، فإذا عدمت العصبات، فالمعتق ثم عصباته ثم الحاكم، ولم يذكر كل من المالكية والشافعية ذوى الأرحام، ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح. المذهب الحنبلى (7) : لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح مع وجود الأب والجد والابن وابنه والأخ الشقيق والأخ لأب، وهو مقدم على الأعمام وأبنائهم، وقالوا: ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ لأم وابنه، ونقل أنه قول الشافعى وأحد روايتين عن أبى حنيفة. المذهب الظاهرى كما يصوره ابن حزم: أجمل ابن حزم فقال (8) : إن الولى فى النكاح، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنو الأعمام وإن يعدوا، والأقرب فالأقرب أولى، وليس ولد المرأة وليا الخ.. ثم قال: فإن أبى أولياؤها من الإذن لها زوجها السلطان. الشيعة الجعفرية (9) : ينصحون على أنه لا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد له وإن علا، والمولى والحاكم والوصى، فلا ولاية لابن الأخ من أى نوع كان عندهم. الزيدية (10) : والزيدية كالأحناف فى ترتيب ولاية النكاح عندهم بين العصبات فيقدم فيها جهة البنوة، ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، وكلاهما يقدم على الأعمام وبنيهم، ولا يذكر الزيدية أيضا كالمالكية والشافعية ذوى الأرحام ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح. الإباضية (11) : أولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد فالأخ فابن الأخ. ويلاحظ أن من ذهب من الفقهاء إلى إثبات الولاية لابن الأخ فى النكاح يرى أنها ليست ولاية إجبار، ما عدا الأحناف، إذ يجعلون للولى حق تزويج الصغيرة والصغير دون انتظار لبلوغهما- انظر مصطلح ولاية، نكاح. ب) ولاية ابن الأخ فى الحضانة: المذهب الحنفى: الحضانة لا تكون لابن الأخ إلا بعد انعدام النساء اللاتى لهن حق الحضانة والآباء، والأخ لأبوين أو لأب، على أن يقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، جاء فى التنوير وشرحه وحاشية ابن عابدين: " تثبت الحضانة للأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب وإن علت، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، ثم بنت الأخت كذلك، ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك وقال صاحب الدر: ثم حانة الأم كذلك، ثم خالة الأب كذلك، ثم عمات الأمهات والآباء بهذا الترتيب، ثم العصبات بترتيب الإرث، فيقدم الأب ثم الجد، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم بنوه كذلك. وقال ابن عابدين: أى بنو الأخ الشقيق ثم بنو الأخ لأب وكذلك كل من سفل من أولادهم، ثم العم (12) إلخ. فابن الأخ لأم على هذا لا يستحق فى الحضانة، لأنه ليس من نساء ذوى الأرحام ولا من العصبات غير أن العينى فى شرحه على الكنز (13) يقول: إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى ذوى الأرحام عند أبى حنيفة كالأخ من الأم، وعم من الأم، وخال ونحوهم، لأن لهم ولاية النكاح، فكذا الحضانة. وهذه العبارة تشمل ابن الأخ لأم. المذهب الشافعى: للشافعية نظام فى ترتيب الحضانة فيما إذا اجتمع النساء فقط، أو الذكور فقط، أو اختلط الصنفان، ومرتبة ابن الأخ لأبوين أو لأب إذا اجتمع الذكور فقط، تكون بعد الأب، والجد، والأخ بأقسامه الثلاثة، ويلى هؤلاء العم لأبوين أو لأب، فإذا اجتمع النساء والرجال فإن منزلة ابن الأخ تكون بعد انعدام الأصناف الأربعة: الأم وأمهاتها والأب وأمهاته ثم انعدام الأقرب من الحواشى، ذكورا كانوا أو إناثا. المذهب الحنبلى (14) : يقول الحنابلة أن ترتيب ابن الأخ الشقيق فابن الأخ لأب بين الرجال من العصبات فى استحقاق الحضانة يكون بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، أما الأخ لأم فهو من الرجال ذوى الأرحام الذين لا حق لهم فى الحضانة عند وجود أحد من أهل الحضانة سواهم، فإن لم يكن هناك غيرهم احتمل وجهين، أحدهما: تثبت لهم الحضانة، والثانى لا حق لهم فيها وينتقل الأمر إلى الحاكم. وإذا اجتمع الرجال والنساء وانعدمت الأمهات والآباء والأخوات والأخوة تكون الحضانة لأبنائهم، ولا حضانة لابن الأخ لأم (15) . الحضانة لابن الأخ تكون عند انعدام الأمهات والخالات وجدة الأب والأب والأخت والعمة وخالة الأب والوصى والأخ والجد، ويقدم ابن الأخ الشقيق ثم لأم ثم لأب، يقول خليل والدردير (17) : " يقدم الشقيق ذكرا أو أنثى، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك"، ونصوا على أنه يقدم فى المتساويين بالصيانة والشفقة. المذهب الظاهرى: نص ابن حزم (18) على أن الحضانة تكون للأم والجدة، ثم الأب والجد، ثم الأخ والأخت، ثم الأقرب فالأقرب، هذا إذا استووا فى صلاح الحال. الشيعة الجعفرية: ينصون (19) على أن الحضانة بعد الأم والأب والجد تكون للأقارب، الأقرب منهم فالأقرب وقيل لا حضانة لغير الأبوين اقتصارا على موضع النص. الزيدية يقولون (20) : متى بطلت حضانة النساء فالأقرب فالأقرب من العصبة المحارم كذلك، ولا حق لمن عدا الأب من الرجال مع وجود أحد من النساء ولو فى درجتهن قربا. (انظر ترتيب الحضانة فى مصطلح حضانة) . ) ولاية ابن الأخ فى استيفاء القصاص: المذهب الحنفى: يقول ابن عابدين (21) : إن القود من قبيل الولاية على النفس، فيليه الأب كالإنكاح. والأخ يملك الإنكاح ... ولا يملك القود ... وقد جعل التشفى للأب كالحاصل للابن بخلاف الأخ، ثم نقل عن الاتقانى: أن الأخ يملك القود أيضا إذا لم يكن ثمة أقرب منه. فعلى القول بأن الأخ لا ولاية له هنا فلا ولاية لابنه بالأولى، وعلى القول بإثبات الولاية له هنا عند انعدام من هو أقرب من العصبات، فيحتمل أن يحل ابن الأخ الشقيق أو لأب بمحل الأخ الشقيق أو لأب. وأما أبن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ولاية لهم فى القصاص. المذهب المالكى: يقول المالكية (22) إن الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر ... ويقدم الابن فابنه كالولاء يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه إلا الجد والأخوة، فسيان هنا فى القتل والعفو، قال الدردير: " وأشعر الاستثناء بسقوط بنيهم مع الجد لأنه بمنزلة أبيهم". المذهب الشافعى: نص الشافعية (23) : على أن الصحيح ثبوته لكل وراث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم للمال، سواء أورث بنسب وإن بعد كذوى رحم إن ورثناه، أم بسبب كالزوجين، فابن الأخ الوارث يستحق استيفاء القصاص بحسب حاله فى الميراث. مذهب الحنابلة: ينص الحنابلة على أن القصاص لورثة المقتول (24) ، ولم نر لهم بيان ترتيب معين، ويظهر من إضافة الحكم إلى الوراثة أن الترتيب يكون حسب ترتيب الوراثة. ولم تقف للظاهرية على تحديد فى ذلك. الشيعة الجعفرية: يرى الجعفرية (25) : أن القصاص يرثه وارث المال مطلقا، إلا الزوجين وقيل ترثه العصبة لا غير، وهم الأب ومن تقرب منه دون الأخوة والأخوات لأم ومن يتقرب بها من الخئولة وأولادهم، والأول أقوى، وواضح أن القول الأول يشمل ابن الأخ الشقيق أو لأب دون ابن الأخ لأم. الزيدية: يرى الزيدية (26) أن ولاية القصاص يستحقها الوارث بنسب أو سبب وينقلون ذلك عن الأحناف والشافعية كما ينقلون عن المالكية أنه يختص بالعصبة كولاية النكاح.. انظر مصطلح قود. ثالثا- النفقة على ابن الأخ وله: المذهب الحنفى (27) : تجب النفقة لكل رحم محرم عاجز عن الكسب بقدر الإرث، ويتحقق فى ابن الأخ أنه رحم محرم، فتجب له النفقة من عمه أو عمته، كما تجب عليه النفقة لعمه أو عمته بقدر الإرث. وقد نص الحنابلة (28) : على أنه لا نفقة لابن الأخ على عمته، ولا نفقة لها عليه وفى رواية عن أحمد (29) بوجوب النفقة على ابن الأخ لعمته، وقال القاضى: أن الرواية السابقة محمولة على العمة من الأم. كما نصوا (30) على أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه بشروط، فيدخل في

ابن الأخت

ابن الأخت ابن الأخت قد يكون ابن أخت شقيقة أو لأب أو لأم، أما الابن رضاعا من الأخت النسبية أو الابن النسبى من الأخت الرضاعية فيرجع فيه إلى رضاع. وابن الأخت رحم محرم لخالته فيحرم عليه نكاحها. ميراث ابن الأخت: يشمل الكلام فى ميراث ابن الأخت نقطتين: الأولى: ميراثه باعتباره من ذوى الأرحام والثانية: كيفية توريثه عند من يقول بتوريثه. وقد اختلف الفقهاء فى النقطة الأولى: فمذهب الحنفية والحنابلة والإمامية والزيدية والإباضية أنه من الوارثين باعتباره من ذوى الأرحام، لأن ذوى الأرحام يرثون عندهم. أما المالكية فلهم فى ذلك آراء: فرأى متقدميهم أن ذوى الأرحام لا ميراث لهم، ويعطى المال الباقى بعد أصحاب الفروض والعصبات أو المال كله عند عدم وجود أحد منهم لبيت المال، ولو كان غير منتظم، واتفق شيوخ المالكية المعتد بهم بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام، إذا كان بيت المال غير منتظم، وقيل أن بيت المال إذا كان غير منتظم يتصدق بالمال عن المسلمين، لا عن الميت، والقياس صرفه فى مصارف بيت المال إن أمكن، وذو الرحم أولى إن كان من مصارف بيت المال. وعند الشافعية رأيان: الأول: وهو المذهب عدم توريث ذوى الأرحام ويصرف فى مصالح المسلمين. والثانى: أنهم يرثون بعد أصحاب الفروض والعصبات. وابن حزم الظاهرى يرى عدم توريث ذوى الأرحام ومن بينهم ابن الأخت. أما فى النقطة الثانية: فالحنفية يقسمون ذوى الأرحام إلى أصناف أربعة: فروع الميت وأصوله، وفروع أبويه وفروع أجداده، فيكون ابن الأخت عنهم من الصنف الثالث، وإنما يرث عند عدم وجود أحد من الصنفين الأولين، فإذا انفرد أخذ كل التركة، فإذا اشترك معه غيره من الصنف الثالث قدم الأقرب درجة، ثم الأقوى قرابة، وعند الاستواء يكون للذكر مثل حظ الأنثيين. وعند الحنابلة والزيدية والإمامية والإباضية ومن يورثه من المالكية والشافعية: ينزل منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، وهو الأصح عند المالكية ممن يورثون، فيعطى ابن الأخت على هذا نصيب أمه (1) . الهبة لابن الأخت: إذا وهب الرجل لابن أخته فتمت الهبة بالقبض امتنع عليه الرجوع فى جميع المذاهب اتفاقا، أما قبل القبض فإن الهبة لم تتم، وعلى ذلك يكون الرجوع فى هذه الحالة رجوعا عن الإيجاب، وهو جائز سواء أكان ذلك قبل القبول أم بعده، خلافا لمالك، فإنه يمتنع عليه الرجوع بعد إيجابه على المشهور ولو بعد القبول (2) . مذهب الحنفية والظاهرية والإباضية والزيدية تجب النفقة لذى الرحم المحرم، ومنهم ابن الأخت بشروط وجوبها (انظر نفقة) ، أما الحنابلة فعندهم روايتان: الأولى تقضى بعدم وجوبها إن كانوا من غير ذوى الرحم، نص عليها أحمد، والثانية وهى رواية أبى الخطاب تقضى بأن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات، وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحالة (3) . ابن الأخت فى أحكام الجنازة: الحنفية: إذا ماتت المرأة ولا امرأة معها تغسلها، ولكن معها ذو رحم محرم منها كابن أختها فإنه ييممها باليد لا بالخرقة، ولا فرق بين العجوز والشابة. المالكية والشافعية والزيدية: يغسل الميتة ذو الرحم المحرم منها، يدلك ما ينظره ويصب على العورة مستترة. الإباضية: ورد فى مذهبهم أقوال: منشؤها هل يجوز للرجل مس ما يباح النظر إليه من المرأة أم لا؟ وبهذا قالوا: إذا كان الرجل منفردا أو المرأة منفردة فالرجل تغسله ذات الرحم المحرم كالخالة مثلا، غير الفرجين، لا العكس أى لا يغسل الرجل ذات الرحم المحرم منه بل ييممها، وقيل يُغسَّل كل منهما الآخر من فوق ثوب ويدلك بما يصلح للتدليك، وقيل يصب الماء عليه صبا، والطفل إلى سن السابعة يغسله الرجال والنساء. الظاهرية والإمامية: ذو الرحم المحرم وذات الرحم المحرم يغسل كل منهما الآخر من فوق الثياب فلا يحل تركه (4) . ابن الأخت فى الزكاة: مذهب الحنفية: يجوز دفع الزكاة إلى القريب الفقير، كابن الأخت مثلا، حتى ولو كان فى عيال المزكى بشرط ألا يفترض القاضى له نفقة على المزكى، فإن كانت له نفقة مفروضة من القاضى فدفعها إليه بنية الزكاة لا يجوز، لأنه أداء واجب بواجب آخر، وهذا لا يجوز، أما إذا دفعها إليه ولم تحسب من النفقة المفروضة عليه، فذلك جائز، لأنه صدقة وصلة، والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية يجوز عندهم دفعها له بشرطين، ألا يكون وارثا، وألا يكون له نفقة مفروضة من القاضى، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة وهى لذى الرحم ثنتان، صدقة وصلة) . الإباضية: لا يجوز دفعها إلى القريب الفقير إلا بإذن الإمام أو نائبه. الظاهرية: لا يجوز دفع الزكاة إلى ذى الرحم المحرم كابن الأخت مثلا وغيره، إلا إذا كان من الأصناف المستحقة للزكاة، فإذا كان من المستحقين فهو أولى، لكونها صدقة وصلة، وإن دفعت إليه وهو غير مستحق استردت منه إن كانت قائمة، وإلا أعاد إخراجها لحديث: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (5) . ابن الأخت فى حد السرقة: إذا سر ق الرجل مقدار نصاب من مال ذى الرحم المحرم كخاله وخالته وبالعكس فهل تقطع يده حدا؟ قال الحنفية: لا حد عليه، لأنه مال ذى رحم محرم، ولا قطع فى سرقته، لأنها قرابة تمنع النكاح وتبيح النظر وتوجب النفقة، أشبه بقرابة الولادة، وفى وجوب الحد عليه تفصيل فى المذاهب الأخرى (انظر سرقة) (6) .

_ 1) راجع للحنفية الميدانى على مختصر القدورى 3 ص327. وللمالكية حاشية الدسوقى 4 ص528. وللشافعية أسنى المطالب 3 ص31، 32. وللحنابلة المغنى 7 ص95 وما بعدها. وللظاهرية المحلى 9 ص316. وللزيدية البحر الزخار 5 ص352. وللإباضية شرح النيل 8 ص411. وللإمامية شرح تحرير الأحكام 2 ص155. 2) راجع للحنفية: فتح القدير 7 ص134. وللمالكية: حاشية الدسوقى باب الهبة 4. وللشافعية: أسنى المطالب 2 ص483. وللحنابلة: المغنى 6 باب الهبة. وللزيدية: البحر الزخار 4 ص135 وما بعدها. وللظاهرية: المحلى 9 ص137. وللإباضية: شرح النيل 6 ص35. وللإمامية: تحرير الأحكام 1 ص282. 3) راجع للحنفية: فتح القدير 3 ص35. وللحنابلة: المغنى 9 ص260. وللزيدية: البحر الزخار 3 ص241 وما بعدها. وللظاهرية: المحلى 10 ص100. وللإباضية: شرح النيل 7 باب النفقة. 4) راجع للحنفية: فتح القدير 1 ص452 - 456. وللشافعية: أسنى المطالب 1 ص313. وللظاهرية: المحلى 5 ص95. وللزيدية: البحر الزخار 2 باب غسل الميت. وللإباضية: شرح النيل 1 ص368 - 379. وللإباضية: تحرير الأحكام الشرعية 1 ص17. وللمالكية: الدردير 1 ص181، 182. 5) راجع الحنفية: فتح القدير 2 ص22. وللمالكية: حاشية الدسوقى 1 باب الزكاة. وللشافعية: أسنى المطالب 1 ص338. وللحنابلة: المغنى 2 ص512. وللظاهرية: 6 ص146. وللزيدية: البحر الزخار 2 ص21. وللإباضية: شرح النيل 2 ص21. وللإمامية: تحرير الأحكام الشرعية 1 ص58. 6) فتح القدير 4 ص226.

ابن البنت

ابن البنت أحكامه: 1- نقض الوضوء بالملامسة بين ابن البنت وجدته: الحكم فى هذا مبنى على الخلاف بين الفقهاء فى أن اللمس بين الرجل والمرأة عامة ينقض أو لا ينقض، وخلافهم فى أن المحارم تأخذ حكم الأجانب فى النقض باللمس أو لا (انظر: لمس) . 2- الحكم فى تغسيل ابن البنت لجدته أو الجدة له بعد الموت هو حكم سائر المحارم فى هذا (انظر: غسل الميت) . 3- حكم ابن البنت فى الصلاة على جده وجدته لأمه: مذهب الحنفية: قال فى "شرح الهداية"، فى فصل الصلاة على الميت: " وأولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر، فإن لم يحضر فالقاضى "، إلى أن قال: " ثم الولى، والأولياء على الترتيب المذكور فى النكاح " (1) . وقال صاحب الهداية فى باب الأولياء والأكفاء: "ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة " (2) . ثم قال: "ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبى حنيفة، معناه: عند عدم العصبات ". وفى شرح العناية على الهداية تعليقا على قوله: "ولاية التزويج عند عدم العصبات ": "أى عصبة كانت، سواء كان عصبة يحل النكاح بينه وبين المرأة كابن العم، أو لا يحل النكاح بينهما كالعم، ومولى العتاقة وعصبته من العصبات ". ثم عند أبى حنيفة بعد العصبات الأم، ثم ذوو الأرحام، الأقرب فالأقرب: البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن..إلخ. ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت أولى بالصلاة على جده وجدته لأمه بعد العصبات وبعد البنت وبنت الابن على ما ظهر لنا من تقديمهما فى ولاية النكاح التى أحال عليها صاحب الهداية فى باب " الصلاة على الميت "، كما أن جده وجدته لأمه مقدمان فى الصلاة عليه بعد العصبات. وقد قال فى شرح العناية على الهداية: " ذوو الأرحام هنا ليس على مصطلح الفرائض، بل على معناه اللغوى، فإن البنت وبنت الابن من أصحاب الفروض، وكذا الأخوات ". وهل تقدم الأخت على الجد الفاسد، أو يقدم الجد الفاسد على الأخت؟ فى هذا خلاف طويل فى " فتح القدير"، قال فى آخره: " وقياس ما صح فى الجد والأخ عن تقدم الجد يقدم الجد الفاسد على الأخت " 0 ومن هذا يؤخذ أن الجد لأم يقدم على الأخت فى الصلاة على ابن البنت (3) . مذهب الشافعية: فى الجديد أن الولى أولى بإمامة الصلاة على الميت من الوالى، فيقدم الأب، ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه، إلى أن قال: ثم ذوو الأرحام يقدم منهم أولاد البنات ثم أبو الأم ثم الأخ للأم (4) . من هذا يتضح ان ابن البنت يقدم فى الصلاة على جدته وجده أبى أمه بالنسبة لمن عداه من ذوى الأرحام، كما أن جده لأمه مقدم فى الصلاة على ابن البنت بالنسبة للأخ للأم والخال.. إلخ. مذهب الحنابلة: يعتبر الحنابلة لذوى الأرحام مرتبة فى الصلاة على الميت، والنص عندهم: " والأولى بالصلاة على الميت إماما وصيه العدل، ثم بعد الوصى السلطان وخلفاؤه من بعده، ثم الحاكم وهو القاضى، ثم الأقرب فالأقرب من العصبة، ثم ذوو أرحامه الأقرب فالأقرب كالغسل، ثم الزوج، ثم الأجانب، فإن استووا أقرع بينهم " (5) . ومن هذا يتضح أن ابن البنت فى صلاته على جده وجدته لأمه تكون مرتبته بعد العصبات، وهو مقدم على من ذكر بعده من الزوج والأجانب، كما يستفاد أن جده لأمه مرتبته بعد العصبات ويقدم على الأجانب. مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى كتابه " المحلى ": وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء، وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوهم ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوهم ثم كل ذى رحم محرمة،. إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى، ثم الزوج، ثم الأمير أو القاضى، فإن صلى غير من ذكر أجزأ لقوله تعالى: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله " (6) . وهذا عموم لا يجوز تخصيصه. ومن هذا يستفاد أن ابن البنت أحق من غيره بالصلاة على جده وجدته لأمه ما لم يوجد موصى له من الميت بالصلاة عليه أو ولى أقرب، والجد لأم أحق بالصلاة على ابن البنت مالم يوجد من ذكر (7) . مذهب الزيدية: ابن البنت لا حق له فى أولوية الصلاة على جده أو جدته لأمه، بل هو فى ذلك كالأجنبى، ومثله الجد لأم، لأن كليهما من ذوى الأرحام، وليس لأحد من ذوى الأرحام ولاية التقدم فى الصلاة على الميت، بل ذلك للإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت، الأقرب فالأقرب على حسب درجتهم فى القرب، وما ورد فى شرح الأزهار من قوله- عليه الصلاة والسلام-: " فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه "، لم يؤخذ به فى المذهب، فقد جاء فى الحاشية تعليقا على ذلك قوله: " المذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام " (8) . مذهب الإمامية: جاء فى "الروضة البهية " الجزء الأول (أحكام الأموات) (9) . والأولى بميراث الميت أولى بأحكامه، وبما أن ابن البنت صاحب سهم فى الميراث عند الإمامية فيكون صاحب حق فى التقدم للصلاة على جده وجدته لأمه. وللجد لأم حق التقدم على الغير فى الصلاة على ابن البنت، وترتيبه فى الأولوية ترتيبه فى الميراث (انظر: ميراث) . مذهب الإباضية: ابن البنت أولى بالصلاة على الميت ودفنه من الأجنبى إذا لم يوجد من هو أقرب منه، أو كان الأقرب منه يجهل الصلاة والدفن (10) . الزكاة مذهب الحنفية: الأصل عندهم أن زكاة الفطر تجب على المكلف عن كل من يمونه ويلى عليه، ومن ثم وجبت زكاة الفطر عليه عن أولاده الصغار وعن أولاد أبنائه، وعلى هذا تجب زكاة الفطر عن ابن البنت على جده وجدته متى تحقق أنه يمونه ويلى عليه (11) . مذهب المالكية: ويجب على الشخص إخراج زكاة الفطر عن كل مسلم يمونه بقرابة كالأولاد الذكور إلى البلوغ والإناث إلى الدخول أو الدعاء له مع الإطاقة والوالدين الفقيرين. ويؤخذ من هذا أن ابن البنت لا تجب زكاة فطرته على جده ولا جدته، كما لا تجب زكاتهما عليه، لعدم وجوب النفقة لأحدهما على الآخر. وقد صرح بعدم وجوب النفقة (12) . مذهب الشافعية: ومن وجبت عليه زكاة الفطر لزمته فطرة من تلزمه نفقته، وذلك بملك أو قرابة أو نكاح من المسلمين. ومن هذا يستفاد أن الفطرة تابعة للزوم النفقة، ويدخل فى ذلك ابن البنت تحملا عن أصوله ذكورا وإناثا، وكذلك يتحمله عنه أصوله ذكورا وإناثا (13) . مذهب الحنابلة: ويلزم المسلم فطرة من يمونه هو ومن المسلمين من الزوجات والإماء والموالى والأقارب، ومفاد ذلك أن شأن ابن البنت فى زكاة الفطر أن تكون تابعة للنفقة سواء أكانت له أو عليه (14) . مذهب الظاهرية: ابن البنت لا تلزمه زكاة الفطر عن جده ولا جدته لأمه كما لا تلزم أحدا منهما زكاة فطر ابن البنت، ولا تلزمه الزكاة إلا عن نفسه ورقيقه فقط (15) . مذهب الزيدية: قال فى " البحر الزخار ": وتجب فى مال كل مسلم عنه وعن كل مسلم لزمته نفقته فى فجر أول شوال بالقرابة أو الزوجية أو الرق لقوله - صلى الله عليه وسلم - " وعمن تمونون "، وقول على - عليه السلام-: " من جرت عليك نفقته) " وهو توقيف، وقيل: لا تجب بالقرابة إلا حيث ثبتت الولاية على المال كالأب كالنفقة كما قيل: إن من كانت نفقته تطوعا لم تلزم عنه، وقيل: بل تلزم المنفق. ويستفاد من هذا أن ابن البنت تلزمه زكاة الفطر عن جده وجدته لأمه المسلمين إذا لزمته نفقتهما، وهذا فى مشهور المذهب، كما أن زكاة الفطر عن ابن البنت تلزم جده أو جدته لأمه إذا لزمتهما نفقته، وعلى الرأى الثانى لا تجب على ابن البنت زكاة الفطر عن جده ولا عن جدته لأمه، كما لا تجب عليهما زكاة الفطر عنه، لأن أحدا منهم لا تثبت له الولاية على مال الآخر. أما المصارف فقد جاء فيها قوله فى " البحر الزخار ": " مسألة "، ولا تجزىء الزكاة فى أصوله أو فصوله مطلقا إجماعا، إذ هم كالبعض منه، ولا فيمن يلزمه إنفاقه حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة وكالآباء والأبناء. ولا تجزىء فى أصول المنفق إذ التطهرة له. ومن هذا يفهم أن ابن البنت لا يجزئه أن يدفع من زكاته لجده أو لجدته لأمه، وكذلك الجد والجدة لأم لا يجزئهما أن يعطيا الزكاة لابن البنت لأنهما من الأصول (16) . مذهب الإمامية: ابن البنت لا تجب عليه زكاة المال إن كان صبيا، وذلك فى زكاة النقدين بإجماع أئمة المذهب، ولا غيرهما فى أصح القولين. وإن كان يستحب لجده أو جدته لأمه إخراجها عنه إن كان ماله تحت يد أحدهما، ويرى بعض أئمة المذهب وجوبها فى غير النقدين على الصبى. ولا تجب زكاة الفطر على ابن البنت إن كان صبيا، بل تجب على من يعوله إن كان من أهلها (17) . وعلى ابن البنت البالغ فطرة جده وجدته لأمه إن كان يعولهما، سواء وجبت نفقتهما عليه أم لم تجب. ويجوز للجد والجدة لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما وفطرتهما لسداد دينه أو لاعتباره من أبناء السبيل أو غير ذلك فيما عدا جهة الفقر. وكذا لابن البنت إعطاؤهما من زكاة ماله وزكاة فطره، فقد جاء فى " الروضة البهية ": " ويشترط فى المستحق ألا يكون واجب النفقة على المعطى " من حيث الفقر. أما من جهة الغرم والعمولة وابن السبيل ونحوه إذا اتصف بموجبه فلا، فيدفع إليه ما يوفى دينه والزائد عن نفقة الحضر، والضابط أن واجب النفقة إنما يمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا فى وطنه. مذهب الإباضية: لابن البنت أن يعطى زكاة ماله لجده وجدته لأمه ما لم تلزمه نفقتهما، وقيل: ما لم يحكم عليه بها، كما يجوز للجدة والجد لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما ما لم تلزمهما نفقته، وقيل: ما لم يحكم بها. وجاء فى كتاب " النيل " قوله فى زكاة الفطر: يخرج المرء زكاة الفطر عن نفسه وعمن لزمته نفقته، فيخرج الجد لأم والجدة لأم زكاة الفطر عن ابن البنت، كما يخرج ابن البنت زكاة فطرهما، كل ذلك إذا لزمت النفقة (18) . الميراث مذهب الحنفية: ذو الرحم هو كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة. كانت عامة الصحابة يرون توريث ذوى الأرحام، وبه قال أصحابنا.. وذوو الأرحام أصناف أربعة: الصنف الأول: ينتمى إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن. الصنف الثانى: ينتمى إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات الساقطات. والمفتي به عند الحنفية فى توريثهم أن أقرب الأصناف وأقدمهم إلى الميت فى الميراث الصنف الأول ثم الثانى. ومن هذا نأخذ أن ابن البنت يرث جده وجدته لأمه لأنه ينتمى إليهما، وأن جده وجدته لأمه يرثانه لأن الميت ينتمى إليهما. وابن البنت لا يرث إلا عند عدم أصحاب الفروض العصبات، فلو مات شخصا عن ابن بنت فقط كانت التركة كلالة، فإن تعدد اشتركوا، فإن كان معه بنت بنت كان للذكر مثل حظ الأنثيين (19) . مذهب المالكية والشافعية: الأصل عندهم أنه لا يرث ذوو الأرحام. وأفتى المتأخرون بالرد على أصحاب الفروض غير الزوجين إذا لم ينتظم أمر بيت المال، فإن لم يكونوا صرف المال إلى ذوى الأرحام إرثا، والأصح فى توريثهم مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، فيجعل ولد البنت كأمه (20) . مذهب الحنابلة: قال فى " كشاف القناع ": وتوريث ذوى الأرحام عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، وهم أصناف: الأول منها ولد البنات فابن البنت يرث جده وجدته لأمه عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، ويكون توريثه بتنريله منزلة البنت - أمه - فيأخذ ما كانت تأخذه، فإذا أنفرد أحرز المال كله فرضا وردا، وإذا اجتمع مع أخته أخذا المال بالتساوى لأنهم يرثون بالرحم المجرد، ليسوى بين ذكورهم وإناثهم (21) . مذهب الظاهرية: لا ميراث لابن البنت فى ت

ابن الخال

ابن الخال تعريف ابن الخال: ابن الخال: هو ابن أخ الأم، وهو من الصف الرابع من ذوى الأرحام " الصف الرابع هو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته ". عدم محرميته ابن الخال رحم غير محرم، يحل النكاح بينه وبين " ابنة عمته " شأنه شأن الأجنبى فى ذلك وفى كثير من الأحكام. أحكام الجنائز الغسل والتكفين والصلاة مذهب الحنفية: ابن الخال- شأنه شأن الأجانب عن الميت- لا حق له دون غيره فى تغسيل ابن عمته وبنت عمته، ولا يلزم بتكفينهما، لأنه رحم غير محرم فلا ينفرد عن الأجنبى بحكم من هذه الأحكام. وقد جاء فى " مراقى الفلاح " " ولو ماتت امرأة مع الرجال المحارم وغيرهم يمموها - كعكسه- بخرقة تلف على يد الميمم الأجنبى حتى لا يمس الجسد.. وإن وجد ذو رحم محرم ييمم الميت، ذكرا كان أو أنثى، بلا خرقة لجواز مس أعضاء التيمم للمحرم بلا شهوة، كنظرها إليه " (1) . " ومن مات ولا مال له فكفنه على من تلزمه نفقته من أقاربه، وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته ففى بيت المال تكفينه وتجهيزه ". "وابن الخال لا تلزمه نفقة لابن عمته ولا لبنت عمته ما لم يكن زوجا لها لأنه ليس ذو رحم محرم منهما ". وسيأتى بيان ذلك فى نفقة ابن الخال (2) . ولابن الخال الحق فى التقدم على غيره إذا لم يوجد من له حق التقدم عليه فى الصلاة. فقد جاء فى المصدر السابق: " السلطان أحق بصلاته ثم نائبه ثم القاضى ثم صاحب الشرط (3) ثم خليفة الوالى ثم خليفة القاضى ثم إمام الحى ثم الولى الذكر ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم فى النكاح " (4) . وعبارة ابن عابدين " بترتيب عصوبة الإنكاح ". ولما كان لابن الخال ولاية التزويج بترتيبه الوارد فى ولاية النكاح كان له حق التقدم للصلاة على الميت. وقد استظهر ذلك ابن عابدين فى حاشيته على " الدر المختار"، قال: " والظاهر أن ذوى الأرحام داخلون فى الولاية والتقييد بالعصوبة لإخراج النساء فقط فهم أولى من الأجنبى وهو ظاهر ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح " (5) . وترتيب ابن الخال فى الصلاة على الميت ترتيبه فى باب الولى فى النكاح- وسيأتى بيانه فى ولاية النكاح لابن الخال. مذهب المالكية: جاء فى " حاشية الخطاب " على خليل، فيمن له حق الغسل: " ثم أقرب أوليائه على ترتيب ولاية النكاح وكذلك حكم التقدم للصلاة عليه " إلا أن يكون زوجا فيقدم على الأولياء فى الغسل بصفته زوجا لا باعتباره ابن خال. وليس لابن الخال ولاية النكاح كما سيأتى فى ولاية النكاح لابن الخال (6) . وأما التكفين: " والكفن على المنفق لقرابة ثم قال: إن لم يكن للفقير والد أو ولد أو كانوا فقراء فعلى بيت المال فإن لم يكن بيت مال أو لم يقدر على ذلك منه فعلى جميع المسلمين. وابن الخال لا تلزمه نفقة كما سيأتى بيانه فى نفقة ابن الخال (7) فى هذا البحث. مذهب الشافعية: ابن الخال له حق التقدم على غيره فى تغسيل ابن عمته بصفته من ذوى الأرحام إذا لم يوجد أحد من عصبته النسبية والسببية. ودوره بين ذوى الأرحام يأتى بعد أولاد بنات العم، وكذلك الحكم فى الصلاة عليه. فقد جاء فى الجزء الثانى من " نهاية المحتاج " ما نصه: " وأولى الرجال بالرجل إذا اجتمع فى غسله من أقاربه من يصلح لغسله- أولاهم بالصلاة عليه، وهم رجال العصبات من النسب ثم الولاء كما سيأتى بيانهم (8) . ثم قال فى نفس المصدر فى بيان الأولى بالصلاة بعد أن ذكر العصبات النسبية والسببية.. ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، فيقدم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم (9) . وقال الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج إضافة إلى ما ذكر:" والظاهر أن بقية ذوى الأرحام يترتبون بالقرب إلى الميت.. " وقال: ودخل فى بقية الأرحام أولاد الأخوات وأولاد بنات العم وأولاد الخال والخالة.. والأقرب أن يقال تقدم أولاد الأخوات ثم أولاد بنات العم ثم أولاد الخال ثم أولاد الخالة. ولا حق لابن الخال فى تغسيل بنت عمته، فقد جاء فى المصدر المذكور قوله: " وأولى النساء بالمرأة فى غسلها إذا اجتمع من أقاربها من يصلح له قراباتها من النساء.. إلى أن قال: ثم الأجنبية ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم، إلا ابن العم ونحوه من كل قريب ليس بمحرم فكالأجنبى. أما حق ابن الخال فى الصلاة على ابن عمته وبنت عمته فثابت له بعد العصبات. ومن هو أقرب منه من ذوى الأرحام وترتيبه بعد أولاد بنات العم كما ذكر (10) . ولا يلزم ابن الخال بتكفين الميت: إذ التكفين يلزم من تلزمه نفقة الميت حال حياته. " ومحل التكفين أى الأصل الذى يجب منه كسائر مؤن التجهيز أصل التركة (11) . ثم قال: فإن لم يكن فعلى من عليه نفقته من قريب أصل أو فرع صغير أو كبير لعجزه بموته أو سيد فى رقيقه وكذا الزوج فى "الأصح.. إلخ (12) . مذهب الحنابلة: ابن الخال أحق الناس بغسل الميت إذا لم يوجد موصى له ولا عاصب ولا ذو رحم أقرب منه، فقد جاء فى "المغنى " " والشرح الكبير" فى غسل الميت ما يأتى: " وأحق الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوو أرحام إلا الصلاة عليه فان الأمير أحق بها بعد وصيه" (13) . وفى نفس المصدر قال فى ترتيب الأولياء وغيرهم فى الصلاة عليه: " فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المعتق " ثم أقرب عصباته، ثم الرجل من ذوى أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب (14) . أما تكفين الميت فلا يلزم به ابن الخال إلا عند أبى الخطاب من فقهاء الحنابلة، لأن الكفن لا يجب إلا على من تجب عليه نفقة الميت حال حياته. وجاء فى المرجع السابق فى تكفين الميت قوله: " ويجب كفن الميت فى ماله مقدما على الدين وغيره ... إلى أن قال: فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته" (15) . وسيأتى فى النفقات أن ابن الخال لا يلزم بها لأنه من ذوى الأرحام إلا عند أبى الخطاب (انظر: نفقة ابن الخال فى هذا البحث) . وترتيب ابن الخال فى ذلك كله ترتيبه فى الميراث. (انظر ميراث ذوى الأرحام) . مذهب الظاهرية: ابن الخال كغيره من عامة الناس، لاحق له فى التقدم للصلاة على الميت، ولا لإنزاله القبر، كما أنه لا يلزم دون غيره بتكفينه. وقد جاء فى " المحلى ": " حق تكفين الميت - إذا لم يترك شيئا- واجب على كل من حضر من غريم أو غير غريم (16) لقوله تعالى " إنما المؤمنون أخوة " (17) . وفى الصلاة عليه قال: " وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء، ثم الذين للأب، ثم بنوهم، ثم الأعمام للأب والأم، ثم للأب ثم بنوهم، ثم كل ذى رحم محرمة إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى ثم الزوج، ثم الأمير أو القاضى، فإن صلى غير من ذكرنا أجزأه " (18) . مذهب الزيدية: الغسل والصلاة: ليس لابن الخال حق يختص به دون غيره من سائر الأجانب فى غسل الميت والصلاة عليه. فقد جاء فى " البحر الزخار" فى باب غسل الميت: "وأقاربه أولى كالصلاة" (19) . وفى صلاة الجنازة، قال: والأولى بالإمامة الإمام وواليه. فإن كان لا إمام فالأقرب الأقرب الصالح من العصبة " (20) . وفى " شرح الأزهار" قال: " الأولى بالإمامة الإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب نسبه إلى الميت الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت " (21) . وأما قول صاحب " شرح الأزهار" بعد ذلك: - قال - عليه السلام-: " فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه " فقد علق عليه فى حاشيته من نفس المصدر بقوله: "والمذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام" (22) . أما الكفن: فإنه يتبع النفقة. والتكفين 0 (وسيأتى بيان حكم ابن الخال فى النفقة) . مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية " أحكام الأموات " قو له: " والأولى بميراثه أولى بأحكامه، بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس بوارث وإن كان قريبا " مع وجوب المماثلة بين المغسل والمغسل ذكورة وأنوثة. فإن اختلفا أذن صاحب الحق لغيره " المماثل " للميت فى نوعه أن يغسله وذلك فى غير الزوجين فيجوز لكل منهما تغسيل صاحبه اختيارا، والمشهور أنه من وراء الثياب " (23) . ومن هذا يستفاد أن ابن الخال، إن كان وارثا كان أولى بتغسيل الميت والصلاة عليه ممن ليس بوارث، مع وجوب المماثلة بينه وبين من يغسله. مذهب الإباضية: ابن الخال أولى بالصلاة على الميت ودفنه إذا لم يوجد أقرب منه (24) . وجاء فى متن كتاب " النيل" " أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ ثم العم ثم الأقرب فالأقرب (25) . ولاية النكاح مذهب الحنفية: يثبت لابن الخال ولاية تزويج الصغير والصغيرة بالشروط المبينة فى باب الولى من كتاب النكاح إذا لم يوجد عاصب ولا ذو رحم أسبق منه. ويأتى ترتيبه فى هذه الولاية بعد أولاد العمات. فقد جاء فى " الدر المختار " ما نصه: " الولى فى النكاح العصبة بنفسه بلا توسط أنثى على ترتيب الإرث والحجب ". إلى أن قال: " فإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم لأم الأب. وفى القنية عكسه، ثم للبنت ثم لبنت الابن ثم لبنت البنت ثم لبنت ابن الابن ثم لبنت بنت البنت وهكذا ثم للجد الفاسد ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لأولادهم ثم لذوى الأرحام " غير من ذكر " العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام وبهذا الترتيب أولادهم". وهذا قول أبى حنيفة. والجمهور على أن أبا يوسف معه. وقال محمد: ليس لغير العصبات ولاية. إنما هى للحاكم (26) . مذهب المالكية: ليس لابن الخال ولاية تزويج ابن عمته أو بنت عمته إلا باعتباره من عامة المسلمين إذا لم يوجد عاصب ولا مولى ولا كافل ولا حاكم. فقد جاء فى الخطاب على خليل فى ولاية النكاح: " وقدم ابن فابنه فأخ فابنه فجد فعم فابنه " قال ابن عرفة: المعروف أن الأحق الابن وإن سفل ثم الأب ثم الأخ للأب ثم ابنه ولو سفل ثم الجد ثم العم ثم ابنه ولو سفل.. ثم قال: فمولى فكافل فحاكم فولاية عامة مسلم (27) . مذهب الشافعية: ليس لابن الخال ولاية تزويج المرأة لأنه ليس من العصبة. وولاية التزويج للعصبة على الترتيب (28) . مذهب الحنابلة: لا ولاية لابن الخال فى تزويج المرأة، لأنه ليس من العصبات، ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم. راجع " المغنى" "والشرح الكبير " ونصه: " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم " (29) . مذهب الظاهرية: ليس لابن الخال ولاية النكاح فقد فى جاء فى " المحلى" " وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ. إلى أن قال: فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها. وأما الصغيرة التى لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها حتى تبلغ.. إلخ. وجاء فى " المحلى " ما يأتى: ولا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ فإن فعل فهو مفسوخ أبدا.. إلخ (30) . مذهب الزيدية: " ولى النكاح: عند الزيدية هو ذو النسب من العصبة ثم ذو السبب ثم الولاية العامة: بمعنى أنه إذا لم يوجد نسبى ولا ولى سببى. فالولاية للسلطان أو نائبه، وكذلك إن تشاجر الأولياء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى لها" (31) . ومن هذا يستفاد أن ابن الخال ليس له ولاية فى النكاح، لأنه ليس من ذوى النسب العصبات عند الزيدية، فقد جاء فى نفس المصدر المذكور (32) قولهم: " النسب مقدم إجماعا، وهو البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة ". وقال بعد ذلك: والابن أولى من الأب، إذ ولاية النكاح تابعة للتعصيب فى الإرث. وقال أيضا: النكاح مبنى على التعصيب. وفى " شرح الأزهار" قال: " ولى عقد النكاح الأقرب فالأقر

ابن الخالة

ابن الخالة تعريف ابن الخالة: ابن الخالة: هو الذكر من ولد الخالة. والخالة أخت الأم. قرابته: ابن الخالة من الصنف الرابع من ذوى الأرحام" وهو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته ". عدم محرميته: ابن الخالة رحم غير محرم يحل النكاح بينه وبين رحمه الأنثى " ابنة خالته " شأنه فى ذلك وفى كثير من الأحكام شأن الأجنبى. أحكامه فى الفقه: هى أحكام ابن الخال.

ابن السبيل

ابن السبيل 1- تعريف ابن السبيل لغة: ابن السبيل هو المسافر المنقطع الذى يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به. وقيل: هو المسافر الذى لا مال له يكفيه للوصول إلى ما يقصد (1) ، وهذا أعم مما قبله. 2- تعريفه فى الاصطلاح الفقهى: مذهب الحنفية: هو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيا فى وطنه، لأنه فقير فى الحال (2) . وعرفه صاحب" تنوير الأبصار" " وصاحب الدر المختار" (3) بأنه كل من له مال ليس معه، ومنه ما لو كان ماله مؤجلا أو على غائب أو معسر أو جاحد ولو كان له بينة فى الأصح. فالتعريف الأول: جعل ابن السبيل خاصا بالمسافر المنقطع عن ماله الذى ببلده، وهو محتاج إليه. والتعريف الثانى: جعل ابن السبيل حقيقة اصطلاحية عامة شاملة للمسافر والمقيم المحتاجين: البعيدين عن مالهما، وأخرجه بذلك عن حقيقته اللغوية 0 أما فى مذهب الشافعى: فابن السبيل هو المسافر أو من ينشىء السفر أى من يبدأ السفر ولم يمض فيه، وهو محتاج فى سفره (4) . وقال البجيرمى: أن منشىء السفر ألحق بالمسافر قياسا (5) . ويعرفه الحنابلة: بأنه هو المسافر المنقطع لسفره فى سفر طاعة أو مباح كطلب رزق دون المنشىء للسفر من بلده، لأن الاسم لا يتناوله حقيقة، وإنما يصير ابن سبيل فى ثانى الحال: (6) أى بعد ما يمضى فى سفره ويغادر بلده. وعرفه المالكية: بأنه غريب حد مسلم غير هاشمى محتاج لما يوصله لبلده ولو غنيا فيها ليس معه ما يوصله وقد تغرب فى غير معصية أو تغرب فى معصية وتاب منها ولم يجد مسلفا وهو ملىء ببلده. وجملة القول أن الفقهاء فى المذاهب التى ذكرناها وفى باقى المذاهب الثمانية يعتمدون فى بيان ابن السبيل المعنى اللغوى مع إضافة قيود يعتبر معها مصرفا من مصارف الزكاة. 3- الشروط اللازم توافرها شرعا فى ابن السبيل ليكون مصرفا للزكاة: (أ) الشرط الأول: أن يكون مسافرا فى غير معصية. مذهب الحنفية: والمطيع بسفره والعاصى به كلاهما من حيث التمتع بالرخصة سواء، فابن السبيل يستحق الزكاة ولو كان عاصيا بسفره (7) . مذهب المالكية: لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إن خرج فى معصية (8) . فإن كان غير عاص أصلا أو كان عاصيا فى سفره فيعطى فى هاتين الحالتين (9) . أما الحنابلة: فإنهم يرون ما يراه المالكية، غير أنهم اشترطوا توبة ابن السبيل العاصى بسفره، وسواء فى ذلك حالة السفر وحالة الرجوع فلم يعطوه اذا لم يتب، لا فرق بين حالة المسير وحالة الرجوع، وقالوا أيضا: إن من سافر للنزهة لا حق له فى الزكاة لأنه لا حاجة له فى هذا السفر (10) . مذهب الشافعية: لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إذا كان عاصيا بسفره أو كان فى سفر مباح فى قول (11) . أما باقى المذاهب الثمانية، عدا الإباضية، فمنعوا إعطاء ابن السبيل مطلقا إذا كان مسافرا فى معصية فقط، لأن إعطاءه- كما قال الزيدية- إعانة على المعصية (12) . أما الإباضية: فمنهم من شرط أن يكون سفره فى طاعة (13) ومفاد ذلك أنه لا حق فى الزكاة لمن سافر فى معصية لا مباح. ب) الشرط الثانى: أن يكون ابن السبيل مسلما. ج) الشرط الثالث: ألا يكون ابن السبيل من بنى هاشم ولا من مواليهم. د) الشرط الرابع: ألا يكون ابن السبيل أصلا ولا فرعا للمزكى. الهاء) الشرط الخامس: ألا يكون ابن السبيل غنيا. 4- المقدار الذى يعطى لابن السبيل من الزكاة: مذهب الحنفية: وللمزكى أن يدفع زكاته إلى كل مصارف الزكاة المبينين فى آية المصارف " إنما الصدقات للفقراء " الآية، وله أن يعطى زكاته إلى صنف واحد من هذه الأصناف، كما أن له أيضا أن يدفعها إلى فرد واحد من أى صنف من أصنافها السبعة الواردين بالآية الكريمة، إلا المؤلفة قلوبهم، فإن نصيبهم قد سقط (14) . وجاز لابن السبيل أن يأخذ من الزكاة قدر حاجته ولا يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته (15) . والأولى له أن يستقرض إن قدر عليه ولا يلزمه ذلك لاحتمال عجزه عن الأداء (16) ، والاستقراض لابن السبيل خير من قبول الصدقة (17) . مذهب الشافعية: يعطى ابن السبيل من الزكاة ما يوصله مقصده أو ماله إن كان له فى طريقه مال، ويهيأ له ما يركبه إن لم يطق المشى أو طال سفره وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما (18) . وأما مؤنة إيابه ففيها تفصيل: إن قصد الإياب أعطى مؤنة الإياب، وإن لم يقصده فلا يعطى مؤنته (19) . ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر وهى ثلاثة أيام (20) . مذهب المالكية: ابن السبيل إذا كان محتاجا لما يوصله لمقصده وكان تغربه فى غير معصية بالسفر فإن لم يجد مسلفا أصلا أعطى منها سواء كان معدما ببلده أو مليئا (21) . وإن وجد مسلفا أعطى إن كان عديما ببلده، وأما إذا كان مليئا ببلده فلا يعطى من الزكاة شىء (22) . وإن أقام ابن السبيل فى بلد الغربة بعد إعطائه من الزكاة وكان ما أخذه منها لا يزال باقيا فى يده نزعت منه واستردها معطيها له إلا أن يكون ابن السبيل فقيرا ببلده فيسوغ له أخذها لفقره ولا تنزع منه (23) . مذهب الحنابلة: ويعطى ابن السبيل ما يبلغه بلده ولو موسرا فى بلده لعجزه عن الوصول لماله، كمن سقط متاعه فى بحر أو ضاع منه أو غصب فعجز عنه، أو ما يبلغه منتهى قصده كمن قصد بلدا وسافر إليه واحتاج قبل وصوله فيعطى ما يصل به إليه ثم يعود به إلى بلده (24) . ولو وجد ابن السبيل مقرضا فليس بضرورى أن يقترض، ويعطى له من الزكاة (25) . وإذا فضل مع ابن السبيل شىء بعد انقضاء حاجته رد ما فضل معه لأنه لا يملك من كل وجه بل ملكا مراعى فيه حاجته، فإن صرفه فى جهته التى استحق أخذه لها وإلا استرجع منه (26) . مذهب الظاهرية: ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية، لكل صنف من الثمانية جزء منها. أما من فرق زكاته ففى ستة أسهم، ويسقط سهم العمال وسهم المؤلفة قلوبهم. ولا يجوز أن يعطى من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده. وكذلك لا يجوز أن يعطى بعض أهل السهام دون بعض، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده (27) . مذهب الزيدية: ويعطى ابن السبيل من الزكاة إذا انقطع ما يبلغه إلى وطنه ولو كان ذلك المسافر غنيا لكن لم يحضر ماله فى حال السفر فإنه يجوز له الزكاة فى هذه الحال (28) ولو أمكنه القرض لم يمنع من استحقاقه من الزكاة (29) . وإذا أخذ ابن السبيل من الزكاة ما يبلغه إلى وطنه ثم أضرب عن المسير إليها فإنه يرد ما أخذه من الزكاة إلى من دفعه إليه من الإمام أو رب المال. أما إذا وصل لبلده وبقيت معه فضلة من مال الزكاة الذى أخذه فإنه يطيب له ولا يرده (30) . مذهب الإمامية: ويدفع إلى ابن السبيل قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول وما يركبه أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلد هـ بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكن تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما (31) . ويشترط لكى يعطى ابن السبيل من الزكاة عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك (32) . ولو فضل شىء مما أعطى لابن السبيل بعد بلوغه مقصده ولو بالتضييق على نفسه أعاده إلى الحاكم من غير فرق بين النقد والدابة والثياب ونحوها فيدفعه إلى الحاكم ويعلمه بأنه من الزكاة (33) . مذهب الإباضية: وتعطى الزكاة لثمانية أصناف: أى لفرد أو أكثر من صنف أو أكثر من تلك الأصناف. ولا يجب تفريقها على الأصناف الثمانية ولاسيما إن لم يوجد بعضها (34) . ويعطى ابن السبيل إن لم يكن غنيا فى بلده ولو أكثر مما يوصله ويعطى له قدر ما يبلغه ولو استغنى ببلده. وهل يرد باقيا بيده إن وصل أهله وماله أو يمسكه قولان. ويغرم ما أخذ ويرده لمن أعطاه إذا وصل لأهله وماله (35) . 5- ابن السبيل وخمس الغنائم ابن السبيل الذى يستحق فى الغنيمة هو من سبق بيان المقصود به فى مصرف الزكاة. ويرى الأحناف: أن خمس الغنيمة يقسم أثلاثا: لليتامى والمساكين وابن السبيل لكل منهم الثلث، وذلك بعد وفاة الرسول- عليه الصلاة والسلام -. ونصوا على جواز صرفه لصنفه واحد، إذ ذكر الأصناف إنما جاء لبيان المصرف لا لإيجاب الصرف إلى كل منهم (36) . أما الشافعية والحنابلة: فيرون أن الخمس يقسم على خمسة أسهم من بينها سهم ابن السبيل، وباقى الأسهم للرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين، وسهم الرسول لا يسقط بوفاته بل يخلفه فيه الإمام ويصرفه فى مصالح المسلمين (37) . مذهب الزيدية: أن مصرف الخمس من فى الآية، ويجوز عندهم إعطاؤه لصنف واحد، ويوجبون تقديم الهاشمى فى المستحقين المذكورين فى الآية ومنهم ابن السبيل، فإن لم يوجد هاشمى صرف إلى أولاد المهاجرين، فإن لم يوجدوا فأولاد الأنصار، فإن لم يوجدوا فلأولاد المسلمين من هذه الأصناف (38) . ويرى المالكية (39) : صرف الخمس الذى ذكر فى الآية لبيت مال المسلمين، يصرفه الإمام باجتهاده فى مصالحهم العامة والخاصة، ويبدأ بالصرف ندبا لآله - عليه الصلاة والسلام - وهم بنو هاشم ثم للمصالح العائد نفعها للمسلمين من بناء المساجد وترميمها ورزق القضاة وقضاء الديون عن المعسرين وعقل الجراح وتجهيز الموتى ونحو ذلك. ويرى الإمامية (40) . قسمة الخمس ستة أسهم على الأصح: 1- سهم لله سبحانه. 2- وسهم للنبى - صلى الله عليه وسلم -. 3- وسهم للإمام.. وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان. وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل. ويشترطون فى أبناء السبيل الحاجة فى بلد التسليم سواء أكان سفره فى طاعة أو فى معصية. ولا يجب التعميم على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوى بين الأصناف أو الأفراد. مذهب الظاهرية: ويرى ابن حزم الظاهرى: أن يقسم خمس الغنيمة على خمسة أسهم: فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين. وسهم ثان لبنى هاشم. وسهم ثالث لليتامى من المسلمين. وسهم رابع للمساكين من المسلمين. وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين (41) .

_ (1) ينظر القاموس المحيط والمعجم الوسيط ومعجم ألفاظ القرآن ج 3 ص 119 0 (2) بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 46 طبعة سنة 1327 هجرية. (3) تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار على هامش رد المحتار (حاشية ابن عابدين) ج 2 ص67. (4) المجموع للنووى ج 6 ص214. (5) حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ج 2 ص 329، 330. (6) كشاف القناع ج اص494، ومنتهى الإيرادات على هامش كشاف القناع ص540 والمحرر ج 1 ص224 ونيل المآرب ص94. (7) الهداية وشرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير ج اص 405، 406 وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 551. (8) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج1 ص 497 (9) المرجع السابق. (10) كشاف القناع ج1 ص494 ومنتهى الايرادات ج1 ص540. (11) المجموع ج 6 ص264 للنووى وحاشية البيجرمى ج 2 ص 330. (12) المحلى لابن حزم ج 6 ص 151، كتاب شرح الازهار ج 1 ص 516، مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 8 23، 239. (13) شرح النيل ج 2 ص 136، 37ا. (14) الهداية وفتح القدير ج 2 ص 18 وابن عابدين ج 2 ص67، 68 والبدائع ج2 ص48، 49. (15) الزيلعى ج 1 ص 298 والمرجعين السابقين. (16) الزيلعى ج 1 ص 298 والمرجعين السابقين. (17) الفتاوى الهندية ج1 ص 200. (18) بيجرمى ج 2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (19) بيجرمى ج 2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (20) بيجرمى ج2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (21) حاشية الدسوقى ج 2 ص498. (22) المرجع السابق. (23) المرجع السابق. (24) منتهى الايرادات ج 1 ص540، 541 وكشاف القناع ج1 ص 494. (25) المرجعين السابقين. (26) المرجعين السابقين. (27) المحلى ج6 ص 143. (28) شرح الأزهار ج 1 ص 516، 517. (29) المرجع السابق. (30) شرح الأزهار ج 1 ص 516، 517. (31) مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 278، 239. (32) المرجع السابق ص 238. (33) المرجع السا

ابن العم

ابن العم ابن العم من حيث: الجهة، والدرجة والقوة الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية: اتفق فقهاء هذه المذاهب على أن ابن العم الشقيق أو لأب من العصبة، لأن جهات العصوبة عندهم أربع: البنوة، والأبوة، والأخوة، والعمومة. وأنهم مرتبون على هذا النحو، وأن لهذا الترتيب تأثيرا فى الميراث بحيث يحجب من كان من جهة البنوة ميراث من كان من جهة الأبوة بالتعصيب وإن كان يرث ما فرض له بالنص. وكذا له تأثير فى بعض الأحكام كاستحقاق القصاص والعقل: الذى هو تحمل الدية عن قريبهم العاصب فى القتل الخطأ على خلاف بينهم فى بعض هذه الأمور سيجىء فى موضعه. واتفقوا على أن ابن العم الشقيق أو لأب فى درجة واحدة، ولكن الشقيق أقوى، ولذا يقدم عليه فى الميراث. وأن جهتهما جميعا هى الجهة الرابعة وهى العمومة. وفى ذلك يقول الحنفية: " العصبة نوعان، نسبية وسببية. فالنسبية ثلاثة أنواع: عصبة بنفسه، وهو كل ذكر لا يدخل فى نسبته إلى الميت أنثى وهم أربعة أصناف: جزء الميت، وأصله، وجزء أبيه، وجزء جده". " والمراد من جزء جده الأعمام وبنوهم وأعمام الأب وبنوهم " والأحق الابن ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم أبو الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم الأعمام، ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد على الترتيب: أى على الترتيب الذى ذكر فى الأخوة، وهو أن يقدم العم لأب وأم على العم لأب، ثم العم لأب على ولد العم لأب وأم (1) . مذهب المالكية: أما المالكية فقد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب من العصبة وأنه من جهة العمومة، وأن جهته فى العصوبة هى الجهة الخامسة لأن الجهات عندهم على النحو التالى كما قد جاء فى "الشرح الصغير" للدردير، "وحاشية الصاوى "عليه: " والعاصب هو من ورث، المال كله إذا انفرد، أو ورث الباقى بعد الفرض، وهو الابن فابنه: أى ابن الابن وإن سفل فالأب عاصب يحوز جميع المال عند عدم الابن أو ابنه. فالجد وإن علا عند عدم الأب، والأخوة الأشقاء، ثم الأخوة للأب عند عدم الشقيق، فالعم الشقيق، فالعم لأب، فأبناؤهما، فعم الجد فابنه، يقدم الأقرب فالأقرب فى الدرجة على الأبعد وإن كان الأبعد أقوى منه فجهة البنوة تقدم على جهة الأبوة، وجهة الأبوة تقدم على جهة الجدودة والأخوة، وجهة الأخوة تقدم على جهة العمومة، ثم جهة بنى العمومة فيقدم ابن العم ولو غير شقيق على ابن ابن العم الشقيق للقرب، فلا ينظر إلى القوة إلا مع التساوى، فإنه يقدم الشقيق، ولكن بنى العمومة القريبة يقدمون على الأعمام الأباعد، فأولاد عم الميت يقدمون على أعمام أبيه " (2) . ولا يختلف الشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية عن هذا. مذهب الإمامية: ذهب الإمامية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب من العصبة كغيرهم من الفقهاء، ولكنهم لم يجعلوا ميراثا بالعصوبة، بل جعلوا العاصب حسب المرتبة التى هو فيها من مراتب الوارثين. وقد جعلوا المراتب ثلاثة. فقد جاء فى "المختصر النافع": " التعصيب باطل، وفضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها ". يريد من يحجبها حجب نقصان كولد الميت وأخوته. ثم قال: ومراتبهم (أى الأنساب) ثلاثة: الأولى: الآباء والأولاد. الثانية: الأخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وإن نزل فالميراث للأخوة والأجداد. الثالثة: الأعمام والعمات. ثم قال: ولا يرث الأبعد مع وجود الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم إلا ابن عم لأب وأم مع عم الأب فابن العم أولى (3) . ويفهم من هذا النص أن ابن العم. شقيقا أو لأب أقرب درجة من ابن ابن العم، كما أن القوة عندهم معتبرة، فالشقيق يحجب الذى لأب. فقد جاء فى "المختصر النافع": "ولو كانوا متفرقين أى الأعمام والعمات " فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية، والباقى لمن يتقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم ويقومون مقامهم عند عدمهم (4) . ومن حيث أن أبناء العمومة يرثون ما كان يرثه آباؤهم كما قد جاء فيه " ويقوم أولاد العمومة والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم " فإن ابن العم الشقيق يكون أقوى فيحجب الذى لأب فقط. مذهب الإباضية: والإباضية يجعلون العمومة ومنها ابن العم فى الدرجة الخامسة من العصبات كالمالكية (5) . أما ابن العم لأم فسيجىء الكلام عنه فى عنصر الميراث، لأنه من ذوى الأرحام، وقد اختلف فى توريثهم وطريقة توريثهم على ما سيجىء. أحكام ابن العم من حيث: الولاية، والحضانة، والنفقة، والميراث، والوصية، والحج، والزكاة، والإقرار، والقذف والجنايات، والديات، والعتق. الولاية مذهب الحنفية: الولاية عند الحنفية نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال. أما الولاية على النفس-- ويراد بها ولاية التزويج ونحوه كتأجير الصغير- فإن الحنفية يرون: أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون وليا على ابن عمه وبنت عمه فى التزويج إن كانا قاصرين أو مما ألحق بالقاصر. وهذا إذا لم يوجد من هو أولى منه بهذه الولاية، فقد جاء فى كتاب فتح القدير: " والترتيب فى العصبات فى ولاية النكاح كالترتيب فى الإرث " (6) . وولاية ابن العم إجبارية فى الصغير والصغيرة ومن فى حكمهما: بمعنى أنه يزوجهما وإن لم يكن لهما إذن، ولكنه إذا زوج أحدا منهما كان له الخيار عند البلوغ أو الإفاقة إن كان مجنونا. أما ابن العم لأم فإنه ليس من العصبة بل من ذوى الأرحام، وبين علماء الحنفية خلاف فى ولايته للتزويج، فأبو حنيفة ذهب إلى أن له الولاية ككل الأقارب الذين ليسوا بعصبة. وتكون مرتبته بعد مرتبة العصبة، وهذا إنما كان على سبيل الاستحسان. أما محمد فإنه يذهب إلى أنه لا ولاية لغير العصبات، والولاية بعدهم للحاكم. وأما أبو يوسف فالرواية عنه فى هذا مضطربة، والأشهر أنه مع محمد. وعلى ذلك يكون لابن العم لأم تزويج بنت عمه وابن عمه على رأى أبى حنيفة دون الصاحبين متى لم يكن هناك أقرب منه (7) . أما الولاية على المال فإن ابن العم مطلقا: شقيقا أو لأب أو لأم، فإنه لا تثبت له هذه الولاية. فقد جاء فى كتاب " الدر المختار" " ورد المحتار" لابن عابدين فى شأن الولى على المال: ووليه أبوه ثم وصيه بعد موته، ثم وصى وصيه وإن بعد.. ثم من بعدهم جده الصحيح وإن علا، ثم وصيه، ثم وصى وصيه. وقد زاد القهستانى والزيلعى: ثم الوالى بالطريق الأولى، لأن القاضى يستمدها منه، ثم القاضى أو وصيه: أيهما تصرف يصح (8) . ومن حيث أنه قد حصرت الولاية فى المال على من ذكروا فليس لابن العم ولاية فيه على ابن عمه ولا بنت عمه. المالكية والشافعية والحنابلة: ذهبوا إلى أن الولاية فى التزويج، وهى ولاية على النفس، نوعان: ولاية إجبار، وولاية اختيار. وأن ولاية الإجبار لا تكون لأحد من العصبة إلا للأب عند المالكية والحنابلة، وكذا الجد إذا فقد الأب عند الشافعية، فابن العم الشقيق أو لأب ليس له ولاية الإجبار كسائر العصبات، ولكن تكون له ولاية الاختيار إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأخوة والأعمام. وابن العم الشقيق يقدم على ابن العم لأب عند فقهاء هذه المذاهب إلا عند الشافعية والمالكية، ففيه رأيان: الأول: أنه يقدم، وهو الأصح. والثانى: أنهما وليان. وعلى الأول إذا غاب الشقيق لا يزوج ابن العم لأب بل السلطان، وعلى الثانى يزوج. يقول الدردير المالكى فى "الشرح الكبير " والدسوقى فى حاشيته عليه: ثم بعد السيد والأب ووصيه لا جبر لأحد من الأولياء لأنثى ولو بكرا يتيمة تحت حجره.. إلخ. وتثبت لابن العم ولاية الاختيار فقد نص الدردير على ذلك وهو بصدد مراتب هذه الولاية: ".. فالعم فابنه " (9) . وقال صاحب " مغنى المحتاج" الشافعى فى ولاية الإجبار: " ومن على حاشية النسب كأخ وعم لأبوين أو لأب وابن كل منهما لا يزوج صغيرة بحال: بكرا كانت أو ثيبا، عاقلة أو مجنونة، لأنها إنما تزوج بالإذن، وإذنها غير معتبر ". أما فى ولاية الاختيار فقد قال: وأحق الأولياء- أى فى التزويج- أب لأن سائر الأولياء يدلون به كما قاله الرافعى، ومراده الأغلب وإلا فالسلطان والمعتق وعصبته لا يدلون به. ثم جد أبو الأب ثم أبوه وإن علا.. ثم أخ لأبوين أو لأب لأن الأخ يدلى بالأب فهو أقرب من ابنه، ثم ابنه (أى ابن كل منهما) وإن سفل لأنه أقرب من العم، ثم عم لأبوين أو لأب، ثم ابن كل منهما وإن سفل، ثم سائر العصبة من القرابة: أى باقيهم كالإرث لأن المأخذ فيهما واحد 00 ومما قال فى تعليقه على قول صاحب " المنهاج": " ويقدم ابن عم لأبوين على ابن عم لأب فى الأظهر الجديد، لزيادة القرب والشفقة كالإرث ".. ثم قال: وعلى القديم هما وليان لأن قرابة الأم لا مدخل لها فى النكاح " (10) . وكذلك جاء فى هذا قول الخرقى الحنبلى وابن قدامة شارح مختصره: " وإذا زوج الأب ابنته البكر فوضعها فى كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت: كبيرة كانت أو صغيرة، وليس هذا لغير الأب، يعنى ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة، جدا كان أو غيره (11) . وقال الخرقى فى الولاية الاختيارية: " وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأبيها وأمها والأخ للأب مثله ". وقد علق ابن قدامة فى " المغنى " على هذا فقال: اختلفت الرواية عن أحمد فى الأخ للأبوين والأخ لأب إذا اجتمعا، فالمشهور عنه أنهما سواء فى الولاية.. والثانية الأخ من الأبوين أولى، ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب (12) . أما ابن العم لأم فلا ولاية له فى التزويج باعتباره قريبا عند فقهاء هذه المذاهب جميعا، لأنه من ذوى الأرحام (13) . هذه هى الولاية على النفس. أما الولاية على المال فليس لابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب، أو لأم ولاية مالية على ابن عمه ولا بنت عمه، فى هذه المذاهب. فقد جاء فى " الشرح الكبير" للدردير المالكى: " والولى على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه (الأب الرشيد) ، لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب. ثم يلى الأب وصيه فوصى الوصى وإن بعد، ثم يلى الوصى حاكم أو من يقيمه " (14) . وجاء فى كتاب " مغنى المحتاج" للخطيب الشربينى الشافعى: " ولى الصبى أبوه ثم جده وإن علا ثم وصيهما، ولا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم " (15) . وجاء فى كتاب " المحرر" لمجد الدين أبى البركات الحنبلى: " والولاية عليهما (أى الصغير والمجنون) للأب ما لم يعلم فسقه، ثم لوصيه بهذا الشرط، ثم للحاكم، وعنه أنها بعد الأب للجد " (16) . مذهب الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العم ليس له ولاية إجبارية، لأنها ليست إلا للأب عند تحقق الصغر والبكارة. فقد جاء فى المحلى: " وللأب أن يزوج الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت، فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا إذن لها قبل أن تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها، فإن وقع فهو مفسوخ أبدا " (17) . وابن العم الشقيق أو لأب من هؤلاء الأولياء، فليس له الولاية الإجبارية فى الزواج، ولكن له الولاية الاختيارية، وهى تزويج الكبيرة بعد إذنها، كما يفهم مما تقدم 0 وقد بيَّن أن ابن العم من الأولياء بقوله: " ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكرا، إلا بإذن وليها، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنى ال

ابن العمة

ابن العمة قرابته بين ذوى الأرحام: مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم، من أولاد الصنف الرابع من ذوى الأرحام والصنف الرابع ينتمى إلى جدى الميت أو جدتيه، وهم الأعمام لأم، والأخوال والخالات ثم أولادهم وإن نزلوا (انظر: ذوى الأرحام) (1) . المالكية والشافعية والحنابلة: ذهب أصحاب هذه المذاهب إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم ليس له مركز خاص بين ذوى الأرحام بحيث يفضلهم، بل ينزل مثلهم منزلة من يدلى به ويرث ما كان يرثه. مذهب الزيدية: الزيدية جعلوا ابن العمة كغيره من ذوى الأرحام، لا يتقدم على أحدهم بصفته هذه، بل بعارض كأن يكون أسبق من غيره. مذهب الإمامية: ليس عندهم توريث خاص بالرحم، بل قسموا الميراث بين ذوى النسب وذوى السبب، وقسموا ذوى النسب إلى ثلاث مراتب: الآباء والأولاد، والجد وإن علا ومعه الأخوة والأخوات، المرتبة الثالثة مرتبة العمومة والخئولة وتشتمل على أولاد الأعمام وا لعمات والأخوال والخالات (2) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أن كل واحد من ذوى الأرحام ينزل منزلة من يدلى به، فلا يكون لابن العمة مركز خاص يتعلق بقرابته عندهم. أحكام ابن العمة الولاية اختلف فقهاء الحنفية فى الولاية على النفس، فقال الصاحبان إنها قاصرة على العصبة، فليس لقريب آخر هذه الولاية. وقال أبو حنيفة: إنها تكون لغير العصبات فتنتقل إلى غيرهم إذا لم يوجدوا، فتكون لذوى الأرحام، فابن العمة له الحق فى هذه الولاية على رأى أبى حنيفة، وليس له ذلك على رأى الصاحبين (3) . أما الولاية على المال فابن العمة لا حق له فيها لأنها ليست إلا للأب ثم وصيه إلى آخر ما ذكر فى الولاية على المال (4) . مذهب المالكية: والمالكية على أن ابن العمة- باعتباره من ذوى الأرحام- لا تكون له ولاية على النفس، لأن هذه الولاية خاصة بالعصبات عندهم (5) . أما الولاية على المال فكذلك لا يتولاها، لأنها إنما تكون للأب الرشيد أو وصيه إلى آخر ما ذكره (6) . مذهب الشافعية: والشافعية عل أنه ليس لابن العمة ولاية تزويج بنت خاله، لأنهم جعلوها للعصبة الذين من قبل الأب وليس لذوى الأرحام حق فيها (7) . وكذلك ليست له الولاية على المال، لأنها خاصة بالأب ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (8) . مذهب الحنابلة: والحنابلة: على أنه لا ولاية لابن العمة فى تزويج بنت خاله، لأنه ذو رحم لها، ولا ولاية عندهم فى ذلك إلا للعصبات، وكذلك لا ولاية له على المال (9) . مذهب الظاهرية: ليس لابن العمة ولاية فى تزويج بنت خاله، ولا يختص ابن العمة فى الولاية على المال بحكم وصفه ابن عمة (10) . مذهب الزيدية: والزيدية على أن ابن العمة ليس له ولاية على ولد خاله: ولدا أو بنتا، لا على النفس ولا على المال إذ الولاية على النفس إنما تكون للعصبة، فإذا لم توجد عصبة لا نسبية ولا سببية فإنها تكون للإمام، والولاية على المال، عندهم، قاصرة على الأب العدل ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (11) . مذهب الإمامية: لا ولاية عندهم على النفس لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى والحاكم، فليس لابن العمة ولاية على النفس، وكذلك ليس له ولاية على المال (12) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أنه لا ولاية لابن العمة على ولد خاله الصغير: ذكرا أو أنثى فى النفس لأنه ليس من العصبة. أما الولاية على المال فإنه له إن يلى مال ولد خاله إذا لم يكن هناك أقرب منه، لأن هذه الولاية تشمل كل الأقارب، الأقرب فالأقرب. الحضانة مذهب الحنفية: ذهبوا إلى أنه ليس لابن العمة حضانة بنت خاله الصغيرة، لأنه وإن كان ذا رحم فإنه ليس محرما لها، وكذا ابن خاله، لأن حق الحضانة يكون لذوى الأرحام المحارم إذا لم يوجد عصبة (13) . مذهب المالكية: الذى يؤخذ من كلام الدردير فى " الشرح الكبير" أنه لا حضانة لابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، لأنه ذكر الحاضنين من أقارب المحضون ولم يذكر فيهم ابن العمة وانتقل منهم إلى المولى الأعلى، أى المعتق (14) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة لا يكون حاضنا على الأصح، فإنه بعد أن ذكر صاحب " مغنى المحتاج " على متن المنهاج من يكون لهم الحضانة قال: " فإن فقد فى الذكر الحاضن الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة، أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال فلا حضانة لهم فى الأصح.. ثم قال: وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة " (15) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة ليس له حق الحضانة، لأنه ليس بعاصب، وقيل إن لم يكن هناك عصبة تثبت له كما تثبت لغيره من الأقارب الذين ليسوا بعصبة على هذا الرأى. ولكن يلزم إذا كانت كبيرة أن تكون محرمة عليه، برضاع ونحوه. مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة مطلقا صاحب حق فى الحضانة، ويتولاها إذا كان أحوط لابن خاله وابنة خاله فى دينهما ودنياهما إذا لم يكن هناك عصبة ولا ذوو أرحام محارم، لأنه من ذوى الرحم، وهم أولى من غيرهم بكل حال، ويقدم عليهم إن كان أقرب منهم (16) . مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار: إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرما كابن الخال وابن الخالة وابن العمة، الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك: أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم. وعند الكلام على العصبات غير المحارم قال بخصوص الأنثى: " وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها " (17) . مذهب الإمامية: جاء فى شرائع الإسلام فى الحضانة:" فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد (18) . النفقة مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة لا تلزمه نفقة ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه ليس كل منهما ذا رحم محرم منه وشرط وجوب النفقة عندهم أن يكون من تم له النفقة على قريبه ذا رحم محرم منه كما لا تجب نفقته على ابن خاله وابنة خاله، فقد جاء فى الفتاوى الأنقرويه (19) ، ما يدل على هذا. مذهب المالكية والشافعية: ذهب المالكية إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله مثله فى ذلك مثل ابن العم مطلقا، كما لا تجب نفقته عليهما لأن النفقة عندهم لا تجب إلا للأصول والفروع المباشرين، وكذلك الحكم فى عدم وجوب النفقة من الجانبين عند الشافعية لأنها لا تجب عندهم إلا للأصول والفروع مطلقا (انظر: باب النفقة، نهاية المحتاج) ، ونقلا أيضا عن الشرح الكبير (20) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله، ولا تجب له عليهما كذلك، لأن كلا منهما من ذوى الأرحام الذين ليسوا من عمودى النسب، وهذا أحد قولين، وخرج أبو الخطاب فى وجوبها عليهم رواية أخرى، وهى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحال، النصوص الدالة على ذلك (انظر: الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى) (21) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يجب عليه الإنفاق على ولد خاله، ولا له عليهم، لأنهم جميعا ذوو رحم غير محرم. والنفقة إنما تكون بين ذوى الرحم إذا كانوا محرما، النصوص الدالة على ذلك من المحلى (22) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجب عليه نفقة ابن خاله وبنت خاله، وتجب عليهما له إذا كان من نحكم عليه بالنفقة يرث الآخر، النصوص الدالة على ذلك من شرح الأزهار (23) . مذهب الإمامية: قد ذهبوا إلى أنه لا تجب النفقة على ابن العمة ولا له على أولاد خاله لأنه لا تجب النفقة على غير عمودى النسب من الأقارب لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم، والنصوص الدالة على ذلك من شرائع الإسلام (24) . مذهب الإباضية: ذهب هؤلاء إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة أولاد خاله كما لا تجب له عليهم لأن مدار النفقة عندهم أن يكون المنفق من قوم المنفق عليه ووارثا له وهؤلاء ليس بعضهم من قوم بعض ولو ورثه، لأنهم يورثون ذوى الأرحام ولكن ورد عندهم رأى صححه أبو زكريا منهم أنهم إن كان بعضهم يرث بعضا فيكون عليه بقدر إرثه والنصوص الدالة على ذلك من كتاب شرح النيل (25) . الميراث مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة يرث أولاد خاله إذا لم يوجد لهم صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام ولا يمنعه من ذلك وجود الزوج أو الزوجة لأنهما لا يرد عليهما شىء مما بقى من التركة بعد استيفاء الموجود منهما حقه (انظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب المالكية: قد ذهب متأخروهم إلى توريث ذوى الأرحام (انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى) (26) وهم يسيرون فى توريث ابن العمة على مذهب أهل التنزيل فينزلونه منزلة من يدلى به إلى الميت. مذهب الشافعية. ذهب متأخروهم فى رأى، ومتقدموهم أيضا، إلى توريث ذوى الأرحام، وعلى ذلك يرث ابن العمة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو فرض يرد عليه ولا يمنعه أحد الزوجين لو كان موجودا. طريقة توريثه يورثونه على طريقة أهل التنزيل، وهى الأصح عندهم إذا كان معه غيره من ذوى الأرحام، أما إذا انفرد فإنه يأخذ كل المال (انظر ارث ذوى الأرحام) . مذهب الحنابلة: ذهبوا كغيرهم ممن تقدم إلى أن ابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، من ذوى الأرحام، وأن ذوى الأرحام يرثون إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب، المرجع: كتاب المغنى لابن قدامة (27) . طريقة توريثه: ينزل عندهم منزلة من يدلى به إلى الميت من الورثة، فإذا لم يكن معه أحد من ذوى الأرحام أحق منه أخذ كل المال (أنظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام وهو لا يورث ذوى الأرحام، أنظر كتاب "المحلى " (28) . مذهب الزيدية: يرى الزيدية أن ابن العمة يرث، لأنه ذو رحم، وهم يورثون ذوى الأرحام، البحر الزخار (29) (أنظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب الإمامية: ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث ما كانت ترثه أمه، فقد جاء فى المختصر النافع (30) : "ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم". والمراد من الآباء هنا ما يشمل الأمهات من باب تغليب المذكر علي المؤنث فى التعبير، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر (أنظر: أرث ذوى الأرحام) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث إذا لم يوجد عاصب ولا ذو سهم إن لم يكن من هو أولى منه من ذوى الأرحام، لأنهم يذهبون إلى توريث ذوى الأرحام. طريقة توريثه: مذهبهم فى توريث ذوى الأرحام مذهب أهل التنزيل كالشافعية والحنابلة والمالكية، وعلى هذا ينزلون ابن العمة منزلة أمه، وأمه منزلة أب الميت (أنظر أرث ذوى الأرحام) . الوصية ذهب الحنفية إلى أن الوصية لوارث تتوقف فى نفاذها على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا عند موت ولد خاله الذى أوصى له، أخذ هذا الحكم وإلا كان حكمه فى الوصية حكم الأجنبى (انظر: تبيين الحقائق للزيلعى) (31) . مذهب المالكية: ذهب المالكية فى المشهور عندهم إلى أن الوصية لوارث باطلة، فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له ولو بقليل زيادة علي حقه، وعندهم رأى آخر أنها صحيحة متوقفة على إجازة الورثة. ويعتبر وارث أو غير وارث بحال الموت، والمعتبر فى وقت الإجازة التى تلزم المجيز هو موت الموصى، أو مرضه مرضا لم يبرأ منه، أما فيما عدا ذلك فالإجازة غير لازمة (الشرح الكبير وحاشية الدسوق

إبهام

إبهام 1- التعريف اللغوى: أبهم الأمر: اشتبه، والإبهام فى اليد والقدم أكبر الأصابع (1) 2- وللإبهام بالمعنى الثانى أحكام عند الفقهاء تتعلق بالجناية عليه، وقد فرق العلماء فى الجناية على الأطراف ومنها الأصابع بين العمد وشبهه والخطأ، فأوجب بعضهم القصاص فى الجناية عن عمد فيمادون النفس. مذهب الحنفية. العمد فيه القصاص لقوله تعالى: {والجروح قصاص} ، وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا فلا. وعدم جريان القصاص فى بعض صور التعمد لا يخرج الجناية عن العمدية فإنه لمانع، كما إذا قتل الأب ابنه عمدا (2) وجوز بعض العلماء فى جناية العمد القصاص أو الأرش. فقال الإباضية (3) : إذا صح القصاص فلصاحبه القصاص أو الأرش، وذلك على تفصيل فى شروط القصاص واختلافها عند المذاهب. قال الحنفية: لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين. ويجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والكافر للتساوى بينهما فى الأرش (4) وقال المالكية: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف، فأما إذا كان أحدهما يقتص له من آخر ولا يقتص للآخر منه فى النفس فقال مالك لا يقتص فى الأطراف، ولو قطع العبد أو الكافر الحر المسلم لم يكن له أن يقتص منهما فى الأطراف.. هذا هو المشهور فى المذهب. وروى عن مالك: وجوب القصاص هنا. وقال ابن الحاجب: وقيل أنه الصحيح. وروى أن المسلم مخير فى القصاص والدية. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ليس له، أى للمسلم، إلا الدية فى الجراح بينه وبين الكافر والعبد (5) . واشترط الحنابلة للقصاص فى الأطراف شروطا: أولها: أمن الحيف وهو شرط لجواز الاستيفاء وشرط وجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف. وثانيها: المماثلة فى الإثم والموضع. وثالثها: استواء الطرفين: المجنى عليه والمقتص منه (6) . ويشترط الإمامية فى جواز الاقتصاص: التساوى فى الإسلام والحرية، وأن يكون المجنى عليه أكمل، فيقتص للرحل من المرأة ولا يؤخذ الفضل، ويقتص لها منه بعد رد التفاوت فى النفس أو الطرف، ويقتص للذمى من الذمى، ولا يقتص له من مسلم، وللحر من العبد ولا يقتص للعبد من الحر، والتساوى فى السلامة (7) . وأوجب الظاهرية فى عمد الجناية على الأصابع الدية لأنه لا دية عندهم فى الجناية الخطأ على مادون النفس (8) (انظر: جناية - قصاص) . وجمهور الفقهاء على وجوب الدية فى الخطأ وشبه العمد فيما دون النفس خلافا للأحناف الذين يقولون: ليس فيما دون النفس شبه عمد، وإنما هو عمد أو خطأ، وخلافا للظاهرية الذين يقولون: إن الخطأ لا دية فيه، وخلافا للإباضية فى شبه العمد فقد أوجبوا فيه دية العمد، وقيل: القصاص، إلا أن أراد الولى الدية (9) ويدفع الدية الجانى او العاقلة على تفصيل بين المذاهب (انظر: دية، عاقلة) 3- القصاص فى الإبهام: قال الأحناف: الإبهام لا تؤخذ إلا بالإبهام (10) . وقال المالكية: ما سبق من قولهم: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف. وقال ابن رشد: لا خلاف فى أن الأنملة تقطع بالإنملة كانت أطول أو أقصر، والمشرط عندهم فى القصاص أتحاد المحل. قال ابن الحاجب: تشترط المماثلة فى المحل والقدر والصفة وتتعين عند عدم الدية (11) . وقال الشافعية: وتؤخذ الأصابع بالأصابع والأنامل لقوله تعالى" والجروح قصاص " ولأن لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف فوجب فيها القصاص على أن يقطع من أصابع الجانى مثل أصابعه لأنها داخلة (12) . وقال الحنابلة: وتؤخذ الإصبع بإصبع تماما والأنملة بالأنملة كذلك (13) . وقال الزيدية: إذا وقعت الجناية عمدا على ذى مفاصل كمفاصل الأصابع فالقصاص، ويؤخذ ذو المفاصل بمثله (14) . وقال الشيعة الأمامية: وتؤخذ الإصبع بالإصبع مع تساويهما، وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة (15) . وقال الإباضية: ويكون القصاص فى عضو بان من مفصل (16) . 4- دية الإبهام: تتفق أكثر المذاهب على أن الإبهام تؤخذ فيه عشر الدية إلا ما جاء فى بعض المذاهب على ما يبين فيما يلى: قال الأحناف: فى أصابع اليدين والرجلين فى كل واحد ة منها عشر الدية، وهى فى ذلك سواء، لا فضل لبعض على بعض، والأصل فيه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين إصبع وإصبع ". وروى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه قال: هذه وهذه سواء، وأشار إلى الخنصر والإبهام. وسواء قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف معها، وكذلك القدم مع الأصابع، لأن الأصابع أصل والكف تابعة لها، ولأن المنفعة المقصودة من اليد تحصل بالأصابع لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: فى الأصابع فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين ما إذا قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف التى فيها الأصابع. وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففى كل مفصل ثلث دية الأصابع، وما كان فيه مفصلان ففى كل واحد منهما نصف دية الإصبع لأن ما فى الإصبع ينقسم على مفاصلها كما ينقسم ما فى اليد على عدد الأصابع (17) . وقال المالكية: فى كل إصبع عشر الدية وعى عشر من الإبل، وفى كل أنملة ثلث العشر إلا فى الإبهام فهو أنملتان فى كل واحدة منهما نصف الأرش، والمرأة تعاقل الرجل فى الجراح الى ثلث ديته لا تستكملها، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها (18) أنظر: عقل) . وقال الشافعية: ويجب فى كل إصبع عشر الدية لما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: فى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، ولا يفضل إصبع على إصبع، لما ذكرناه من الخبر، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا: الأصابع كلها سواء، عشر عشر من الإبل، ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية، فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كاليدين، ويجب فى كل أنملة من غير الإبهام ثلث دية الإصبع وفى كل أنملة من الإبهام نصف دية الإصبع، وجب أن تقسم دية اليد على عدد الأصابع وجب أن تقسم دية الإصبع على عدد الأنامل (19) . وقال الحنابلة: وفى أصابع اليدين أو الرجلين الدية، وفى كل إصبع من يد أو رجل عشرها وفى أنملة إبهام يد أو رجل نصف عشرها. وقال ابن حزم الظاهرى: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: للأصابع سواء هذه وهذه سواء، يعنى الخنصر والإبهام. وانه صلى الله عليه وسلم قال: الأصابع عشر عشر، فهذا نص لا يسع أحدا الخروج عنه. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ. وصح قول الله تعالى: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم " (20) فسقط أن يكون فى الخطأ فى ذلك دية أصلا. فرجعنا الى العمد فلم يكن بد من إيجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدية واجبة على العامد بلا شك. وأيضا فإن الله تعالى يقول: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (21) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى" إساءة مسئ مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا، فإذا فاتت المماثلة بالقود فى الأصابع وجبت المماثلة بالدية فى ذلك. والنبى صلى الله عليه وسلم حكم فى كل إصبع بعشر من الإبل، فواجب بلا شك إن العشر المذكورة مقابلة للإصبع، ففى كل جزء من الإصبع جزء من العشر المذكورة فعلى هذا فى نصفه الإصبع نصف العشر وفى ثلث الإصبع ثلث العشر وهكذا فى كل جزء. عن عبد الرزاق عن سفيان الثورى عن منصور عن إبراهيم النخعى قال: فى كان مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الإبهام فإنها مفصلان فى كل مفصل النصف (22) . وقال الزيدية (23) : فى كل إصبع، أى إصبع كانت، عشر الدية. هذا قول الأكثر، أى أكثر الزيدية. وكان عمر رضى الله عنه يفاضل بين أصابع اليدين، فجعل فى الخنصر ستا من الإبل، وفى البنصر تسعا، وفى الوسطى عشرا، وفى السبابة أثنتى عشرة، وفى الإبهام ثلاث عشرة 0 قيل: ثم رجع عن ذلك. وأصابع اليدين والرجلين سواء عندنا. وإذا وجب فى الأصابع الكاملة عشر الدية وجب فى مفصلها منه ثلثه، أى: ثلث العشر، الا الابهام فنصفه، أى نصف العشر، إذ ليس لها إلا مفصلان. وتجب فيما دونه، أى دون المفصل، حصته من، الأرش ويقدر بالمساحة. وقال الشيعة الأمامية: فى أصابع اليدين لدية، وكذا فى أصابع الرجلين، وفى كل واحدة عشر الدية. وقيل فى الإبهام ثلث الدية، وفى الأربع البواقى الثلثان بالسوية. ودية كل. إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على أثنين (24) . وقال الأباضية: وفى الأصابع وإن من رجل وتسمى، أصابع الرجل بالبنان الدية بلا تفاصل بين أصابع اليد- وأصابع الرجل، ولا بين أصابع اليد ولا بين أصابع الرجل إلا إبهام يد أن قطعت من مفصل ثالث وهو المفصل الأسفل إلى جهة الكف فلها ثلث دية اليد وهو ثلث نصفه الدية الكاملة وذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير، ولكل من أصابع اليد أو الرجل عشرة أبعرة، وقيل: الإبهام وغيرها سواء، وفى كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل لأنه ليس فيه إلا أنملتان، وقيل ثلاثة وثلث على أن فيه ثلاث أنامل فتعد التى تلى الكف. وليس لإبهام الرجل فضل علي غيرها (25) .

_ (1) ترتيب القاموس المحيط ج1 ص278. (2) نتائج الأفكار وحواشيه: تكملة فتح القدير ج 8 ص 270,271 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر 1318هجرية. (3) شرح النيل ج 8 ص 280 طبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه. (4) نتائج الأفكار وحواشيه تكملة فتح القدير ج 8 ص 271, 272 الطبعة السابقة. (هـ) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى 1329 هجرية ج6 ص245. (6) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب من 521,520 مطبعة المدنى بمصر. (7) شرائع الإسلام ج 2 ص283، 284 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (8) المحلى لا بن حزم الظاهرى طبعة أولى سنة 1349 هجرية إدارة الطبعة المنيرية بمصر ج10 ص435ومابعدها. (9) شرح النيل ج 8 ص95. (10) بدائع الصنائع للكاسانى طبعة أولى سنة 1328هجرية مطبعة الجمالية بمصر ج 7 ص297. (11) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى سنة 1329 ج6 ص246 - 256. (12) المهذب لأبى إسحاق الشيرازى طبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ج 2 ص180, 181. (13) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص520 مطبعة المدنى بمصر. (14) شرح الأزهار ج 4 ص385 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة1357 هجرية. (15) شرائع الإسلام ج 2 ص 286 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (16) شرح النيل ج 8 ص 209 الطبعة السابقة. (17) بدائع الصنائع للكاسانى ج7 ص314 الطبعة السابقة. (18) شرح مواهب الجليل على مختصر خليل ج6ص263. (19) المذهب لأبى إسحاق الشيرازى ج2 ص206. (20) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 525 مطبعة المدنى بمصر. (21) الأحزاب:5. (22) الشورى:40. (23) المحلى لابن حزم الظاهرى ج10ص435، 437 الطبعة السابقة. (24) شرح الأزهار الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة ج 4 ص447.. (25) شرائع الإسلام نشر دار مكتبة الحياة ببيروت ج2 ص 301. (26) شرح النيل طبعة محمد بن يوسف البارونى ج8 ص28,29.

اتباع

اِتّبَاع التعريف به لغة: تبع الشىء تبعا وتباعا فى الأفعال، وتبعت الشىء تبوعا سرت فى أثره، واتبعه وأتبعه وتتبعه قفاه وتطلبه متبعا له، وكذلك وتتبعته تتبعا، والتابع التالى، والاتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، واتبع القرآن ائتم به وعمل بما فيه (1) . وهو لا يخرج فى استعمالات الأصوليين والفقهاء عن هذا المعنى، قال الآمدى: اتباع القول هو امتثاله على الوجه الذى أقتضاه القول، والإتباع فى الفعل هو التأسى بعينه (2) وقال الغزالى: الاتباع هو قبول قول بحجة. (3) اتباع الشريعة قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (4) فقسم الأمر بين الشريعة التى جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها وأمر الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثانى، وقال تعالى: {أتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (5) فأمر باتباع المنزل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد أتبع من دونه أولياء (6) . اتباع المستفتى قال الآمدى: المستفتى إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد أو لم يكن كذلك فإن كان الأول قد اجتهد فى المسألة وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام فلا خلاف فى امتناع اتباعه لغيره فى خلاف ما أداه إليه اجتهاده. وذكر أن الراجح عنده عدم الجواز، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا، لم يحصل له شىء من العلوم التى يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد، أو انه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة فى رتبة الاجتهاد، فإن كان الأول فقد اختلف فى جواز أتباعه بقول المفتى والصحيح أن واجبه اتباع قول المفتى، وإن كان الثانى فقد تردد أيضا فيه، والصحيح أن حكمه حكم العامى (7) . وقال الغزالى: العامى يجب عليه الاسستفتاء واتباع العلماء وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال لأنه يؤدى الى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدى إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم لطلب العلم وقد وجب على العامى ما أفتى به المفتى بدليل الإجماع كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود، وذلك عند ظن الصدق والظن معلوم ووجوب الحكم عند الظن معلوم، وقال يجب على العوام اتباع المفتى اذ دل الاجماع على وجوب اتباع العامى لمفتيه (8) . وقال ابن حزم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين، يكون قد أمر باتباعهم فى افتدائهم لسنته، وبهذا نقول، فمن كان متبعا لهم فليتبعهم فى هذا الذى اتفقوا عليه من ترك التقليد وفيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبى صلى الله عليه وسلم (9) . وقال: إنما نحرم اتباع من دون النبى صلى الله عليه وسلم بغير دليل فوجب اتباع من قام الدليل على اتباعه (10) . وقال: وليس من أتبع رسول الله صلى الله عليه مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به (11) (انظر: استفتاء) . اتباع السواد الأعظم: قال الغزالى: متبع السواد الأعظم ليس بمقلد بل علم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب اتباعه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم ". " ومن سره أن يسكن بحبوحة، الجنة فليلزم الجماعة "، و 0" والشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد "، وذلك قبول قول بحجة (12) . وقال ابن حزم الظاهرى: عليكم بالسواد الأعظم، رواية لا تصح وخبر لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح (13) . الفرق بين التقليد والاتباع: أكثر الأصوليين على أن الاتباع هو التقليد وعرفوا التقليد بأنه " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة " (14) . وقال ابن حزم الظاهرى: أما من أعتقد قولا بغير اجتهاد أصلا لكن إتباعا لمن نشأ بينهم فهو مقلد مذموم بيقين أصاب أو أخطأ وهو آثم على كل حال، عاص لله تعالى عز وجل بذلك، لأنه لم يقصده من حيث أمر من أتباع النصوص (15) . وقد فرق ابن القيم بينهما فقال ردا على من يقول بتقليد الأئمة: وأن مقلديهم على هدى قطعا لأنهم سالكون خلفهم "وسلوكهم خلفهم مبطل وتقليدهم لهم قطعا فان طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهى عن تقليدهم، فمن ترك الحجة وأرتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان قول من فهم أن التقليد إتباع. بل هو مخالف للاتباع، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والاتيان بمثل ما أتى به (16) . وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصرى المالكى: التقليد، معناه فى الشرع الرجوع الى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه فى الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة. وقال: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد فى دين الله غير صحيح، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والإتباع فى" الدين سائغ والتقليد ممنوع (17) . وللعلماء فى التقليد والأخذ به لغير المجتهد خلاف ينظر فى مصطلح (تقليد) . اتباع المأموم للإمام مذهب الحنفية: يتحقق الاتباع عندهم بألا يكون المأموم متقدما على إمامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " ليس مع الإمام من تقدمه " ولأنه إذا تقدم المأموم الإمام 0 يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه فى كل وقت ليتابع فلا يمكنه المتابعة، ولأن المكان من لوازمه. ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق لم يصح لانعدام التبعية فى المكان وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الإمام لا تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان ويشترط كذلك لتحقق التبعية اتحاد مكان الإمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية فى المكان فتنعدما التبعية فى الصلاة لانعدام لازمها، ولأن اضلافه المكان يوحب خفاء حال الإمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة ولو كان بين الإمام والمأموم حائط ذكر فى الأصل أنه يجزئه. وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يجزئه، وهذا فى الحاصل على وجهين: إن كان الحائط قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإمام، ولو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب، يمنع الإقتداء، وإن كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الإمام. لا يمنع بالإجماع. وإن كان الحائط كبيرا فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك، وإن لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان وجه الرواية الأولى التى قال لا يصح أنه يشتبه عليه حال إمامه فلا يمكنه المتابعة، ووجه الرواية الأخرى الوجود وهو ما ظهر من عمل الناس فى الصلاة بمكة فإن الإمام يقف فى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الأخر فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز (18) . وفى الهداية وفتح القدير والعناية (19) : وإن كان- أى المصلى- مقتديا بغيره يجب عليه أن ينوى متابعته فى صلاته وجاء فى الفتح أيضا (20) : إذا رفع المقتدى رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغى أن يعود ولا يصير ركوعين وكذا فى السجود. ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدى سبحان ربى العظيم ثلاثا: الصحيح أنه يتابعه ولو أدركه فى الركوع يسبح ويترك الثناء وفى صلاة العيد يأتى بالتكبيرات فى الركوع. ولو قام الإمام إلى ثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه وإن لم يتم وقام ليتابع الإمام جاز. وفى القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو فى التشهد يتمه ولو ترك الإمام القنوت وأمكن المأموم أن يقنت ويدرك الركوع قنت، وإن لم يدرك الركوع تابع الإمام وترك القنوت. وفى المبسوط للسرخسى (21) : قال: رجل أم قوما فنسى أن يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القومى أن يقوموا معه لأنهم تبع له. وقد جاء فى الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم " قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا " وإن كان الإمام تشهد فنعى بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا إلى من لم يتشهد أن يعود فيتشهد ثم يتبع أمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع للإمام فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول فى حقه سنة أما هنا فالتشهد فرض عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الإمام فى السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه يقضى السجدة الثانية إلا إذا خاف فوات ركعة أخرى لأنه سيقضى تلك الركعة بسجدتيها، أما هنا فإنه لا يقضى هذا التشهد فعليه أن يأتى به ثم يتبع أمامه. وفى الزيلعى (22) : يجب على المأموم سجود السهو بسهو الإمام ولا يشترط أن يكون مقتديا به وقت السهو حتى لو أدرك الإمام بعد ما سها يلزمه أن يسجد مع الإمام تبعا له ولو دخل معه بعد ما سجد سجدة السهو يتابعه فى الثانية ولا يقضى الأولى وأن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم لأنه يصير مخالفا لإمامه وما التزم الأداء إلا تبعا له بخلاف تكبير التشريق حيث يأتى به المؤتم ولو تركه الإمام وليس على المأموم سجود سهو بسهو نفسه لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا لكنه يسجد للسهو لو كان مسبوقا فسها فى قضاء ما سبق به لأنه منفرد فيما يقضيه. وجاء فى الفتاوى الهندية (23) : والمسبوق ببعض الركعات يتابع الإمام فى التشهد الأخير ولو ظن أن الإمام عليه سهو فسجد الإمام للسهو فتابعه المسبوق فيه ثم علم إنه لم يكن عليه سهو فأشهر الروايتين أن صلاة المسبوق تفسد، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتابعه المسبوق أن قعد الإمام على رأس الرابعة تفسد صلاة المسبوق. والمسبوق يتابع الإمام فى السهو ولا يتابعه فى التسليم والتكبير والتلبيه فإن تابعه فى التسليم والتلبية فسدت وإن تابعه فى التكبير وهو يعلم أنه مسبوق إلا تفسد صلاته. ولو تذكر الإمام سجدة تلاوة وعاد إلى قضائها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة يرفض ذلك ويتابع الإمام فيها ويسجد معه للسهو ثم يقوم إلى القضاء ولو لم بعد فسدت صلاته، ولو تابعه بعد تقييد ركعته للسجدة فسدت روايه واحدة، وأن لم يتابعه ففى رواية كتاب الأصل تفسد أيضا. ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها تابعه المسبوق فيها، وإن لم يتابعه فسدت. ولو سجد الإمام للسهو لا يتابعه اللاحق قبل قضاء ما عليه بخلاف المسبوق. والمقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه يتابع الإمام فى سهوه وإذا كان المأموم المقيم قام إلى إتمام صلاته بعد ما تشهد الإمام قبل إن يسلم ثم نوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فإن لم يقيد المأموم ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام، وأن لم يعد فسدت صلاته، وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد فى الروايات كلها 0 ولو سها الإمام فى صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية. مذهب المالكية: أعتبر المالكية أن من شروط صحة صلاة المأموم نية إتباع إمامه أولا فليس للمنفرد أن ينتقل للجماعة ولا العكس (24) . ومن شروط الإقتداء متابعة المأموم لإمامه فى الإحرام والسلام أى بأن يفعل كل

إتلاف

إتْلاَف إتلاف الشىء لغة: إفناؤه، قال فى القاموس: تلف كفرح: هلك، وأتلفه أفناه وذهبت نفسه تلفا وطلفا أى هدرا، ورحل مخلف متلفه ومخلاف متلاف. وفى لسان العرب: التلف الهلاك والعطب وأتلف فلان ماله إتلافا إذا أفناه إسرافا. والإتلاف فى اصطلاح الفقهاء هو، كما عرفه صاحب البدائع: أتلاف الشىء إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة (1) . أنواع الإتلاف وأحكامه: تختلف أحكام الإتلاف باختلاف ما يرد عليه من أنواع وأحوال إذ هو كما قال صاحب بدائع الصنائع أما أن يرد على بنى أدم أو على غيرهم، وقال يجب الضمان فيما توفرت فيه الشروط الآتية: 1- أن يكون المتلف مالا فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال. 2- أن يكون متقوما، فلا يجب مسلما بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم سواء كان المتلف مسلما أو ذميا. 3- أن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه حتى لو أتلف مال إنسان بهيمة لا ضمان على مالكها لأن فعل العجماء جبار فكان هدرا ولا إتلاف من مالكها فلا يجب الضمان عليه. 4- أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب، وكذا لا ضمان على العادل إذا - أتلف مال الباغى ولا على الباغى اذا أتلف مال العادل لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية. وتفصيلا لذلك وجمعا إجماليا لأهم ما جاءت به أمهات كتب الفقه للمذاهب الثمانية: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية والزيديه والإباضية فى هذا الموضوع أقول ما يجب فيه الضمان وما لا يجب من المتلفات. إتلاف الصيد مذهب الحنفية: يرى الحنفية انه اذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه قاتله فعليه ضمانه اذا توفرت شروط الضمان، فان كان الإتلاف جزئياً فعليه قيمة ما نقصه الحيوان ما لم يقصد إصلاحه فان قصد إصلاحه فلا شىء عليه وأن مات، وكذلك الحكم علي هذا البيان اذا قتل الحلال صيد الحرم أو أتلف جزءا منه، فقد جاء فى ابن عابدين (2) ما نصه: فإن قتل محرمة صيدا أى حيوانا بريا متوحشا بأصل خلقته أو دل عليه قاتله مصدقا له غير عالم وأتصل القتل بالدلالة أو الإشارة والدال أو المشير باق على إحرامه وأخذه قبل إن ينفلت بدءا أو عودا سهوا أو عمدا مباحا أو مملوكا فعليه جزاؤه ولو سبعا غير صائل أو مستأنسا أو حمامات أو هو مضطر إلى أكله. وجاء فى المصدر السابق (3) : ووجب بجرحه ونتف شعره وقطع عضوه ما نقص ان لم يقصد الإصلاح، فان قصده كتخليص حمامة من سنور أو شبكة فلا شىء عليه وان ماتت. وجاء فيه (4) : ووجبت نتف ريشة وقطع قوائمه وكسر بيضه وخروج فرخ ميت بالكسر وذبح حلال صيد الحرم وحلب لبنه.. قيمة فى كل ذكر. مذهب المالكية: يرى المالكية ما يراه الحنفية من وجوب الضمان على المحرم اذا قتل الصيد أو أتلف جزءا منه ألا أنهم يرون فى الدلالة على الصيد إساءة فقط، ولا ضمان فيها وان أدت الى الإتلاف كما هو مشهور المذهب كما لا ضمان على المحرم فى اتلاف سباع الوحش. فقد جاء فى التاج والإكليل للمواق (5) : قال ابن شاش: يحرم صيد البر ما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه من غير فرق بين أن يكون مستأنسا له أو وحشيا مملوكا أو مباحا ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه وليرسله أن كان بيده أو رفقته فان لم يرفع يده عنه حتى مات لزمه جزاؤه. وجاء فيه: ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه. قال ابن شاش: ولو لعله فى مخمصة ضمنه، وفى عدم الضمان بالدلالة ولو أدت الى اتلاف الصيد، قال الحطاب: دلالة محرم أو حل وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح إساءة لا جزاء فيها على المشهور، نقله فى التوضيح عن الباجى، واقتصر صاحب المدخل على القول بوجوب سبب الجزاء على المحرم فى دلالة المحرم على الصيد وفيمن أعطى سوطه أو رمحه لمن يقتل به صيدا. وجاء فى التاج والإكليل عن التهذيب (6) : إذا دل المحرم على صيد محرما أو حلالا فقتله المدلول عليه فليستغفر الدال ولا شىء عليه، وفى عدم الضمان على من أتلف شيئا من سباع الوحش قال: لا بأس أن يقتل المحرم سباع الوحش التى تعدو وتفترس وان لم تبتدئه ولا يقتل صغار ولدها التى لا تعدو أو لا تفترس، ثم قال: فله عندنا قتل الذئب والأسد والفهد والكلب العقور وكل ما يعدو. مذهب الشافعية: يرى الشافعية أنه جرم على المحرم اصطياد كل صيد مأكول برى طيرا أو غيره كما يحرم ذلك علي المحل فى الحرم فإن أتلف أحدهما شيئا من ذلك ضمنه كما يضمن المحرم بالدلالة اذا كان الصيد فى يده فإن لم يكن فى يده وقتله المدلول أثم الدال فقط ولا ضمان عليه. قال فى نهاية المحتاج (7) : الخامس من المحرمات اصطياد كل صيد مأكول برى من طير أو غيره كبقر وحش وجراد وكذا متولد منه ومن غيره كمتولد بين حمار وحشى وحمار أهلى وبين شاة وظبى إلى أن قال: وكذا يحرم فى الحرم على الحلال. ثم قال: فان اتلف من حرم عليه ما ذكر صيداً مما ذكر وان لم يكن مملوكا ضمنه، وقيس بالمحرم الحلال فى الحرم، ثم قال: ولا فرق بين الناس للإحرام أو كونه فى الحرمة وجاهل الحرمة. ثم قال: ولو دل المحرم آخر على صيد ليس فى يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان، أو بيده- والقاتل حلال ضمن المحرم لأن حفظه واجب عليه ولا يرجع على القاتل. مذهب الحنابلة: يرى الحنابلة وجوب الضمان على من أتلف صيدا فى الحرم محرما كان أو حلالا، وأتلاف جزء منه أو أتلاف بيضه مضمون بقيمته، ويضمن أتلاف صيد الحرم بالدلالة والإشارة كما يضمن بالقتل ولا شئ بقتل صائل لم يمكن دفعه إلى بذلك. قال فى المغنى والشرح الكبير (8) : وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم.. وفيه الجزاء على من يقتله، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد فى الإحرام، وما يحرم ويضمن فى الإحرام يحرم ويضمن فى الحرم ومالا فلا. وقال: ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان المقتول دابة. وقال: وإن كان طائرا فداه بقيمته فى موضعه.. وقال: وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمى والأموال. وقال: ويضمن بيض الصيد بيقيمته. وقال فى الضمان بالدلالة أو الإشارة: ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة كصيد الاحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال فى الحل أو الحرم. وقال القاضى: لا جزاء على الحال إذا كان فى الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما على صيده. مذهب الظاهرية: قتل الصيد عند الظاهرية مبطل للحج إذا قتله عامدا ذاكرا لإحرامه وعليه الجزاء ومثله فى وجوب الجزاء المحل فى الحرم إذا كان عامدا ذاكر أنه فى الحرم ومثل ذلك الذمى، فإن انعدم شرط من ذلك فلا شئ عليه. قال أبن حزم فى المحلى: ومن تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقبران. أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم فان فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لا حرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لا حرامه أو لم يكن فلا شىء عليه لا كفارة ولا إثم وذلك الصيد جيفة لا يحل كله، فان قتله عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وجه باطل وعمرته كذلك. قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما، ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ". وقال: وأما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم فهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله، وقد أدى ما عليه: أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتل من النعم، وان شاء أطعم مساكين وأقل ذلك ثلاثة، وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما إلخ. وقال: فلو أن كتابيا قتل صيداً فى الحرم لم يحل أكله لقول الله تعالى: " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله "، فوجب أن يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين (9) إتلاف بيض النعام وغيره: لا شئ فيه ما لم يكن فيه فرخ حى، فجزاؤه مثله إن مات. قال فى المحلى: وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفى الحرم، لأن البيض ليس صيداً ولا يسمى صيداً ولا يقتل، وإنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط، فإن وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء له لأنه ليس صيدا ولم يقتله فان وجد فيها فرخ حى فمات فجزاؤه بجنين من مثله لأنه صيد قتله (10) . إتلاف صيد البحر وما ليس بصيد لا شىء فى إتلاف صيد البحر ولا فى اتلاف ما ليس بصيد. قال فى المحلى: " وصيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون أو الآبار حلال للمحرم صيده وأكله (11) . قال: وجائز للحرم فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع، والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره، والحكم كذلك، وهو القراد العظيم. مذهب الزيدية: يرى الزيدية أن من محظورات الإحرام قتل الصيد البرى الوحشى إلا ما استثنى كما يحظر على الحلال فى الحرم فإن فعل أحدهما شيئا من ذلك عن عمد وكان الصيد مأمونا وحب الجزاء سواء كان القتل مباشرة أو بسبب أو دلالة أو إشارة بحيث إذا لم يفعل ذلك لما قتل فان فعل ذلك خطأ فلا جزاء فيه. قال فى شرح الأزهار: من محظورات الإحرام قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا أم سبعا كالظبى والضبع والذئب وأن تأهل، أى أستأنس، كما قد يتفق، فانه كالمتوحش فى التحريم، وأنما يحرما قتل المتوحش بشرط أن يكون مأمون الضرر، فأما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله كالضبع حيث تكون مفترسة وعدت عليه، وكذا الأسد ونحوه إذا خاف ضرره، وذلك بأن يعدو عليه، فإن لم يعد لم يجز قتله وسواء قتله مباشرة أو تسبب بما لولاه لما انقتل نحو إن يمسكه حتى مات عنده أو حتى قتله غيره أو حفر له بئرا أو مد له شبكة أو يدل عليه أو يغرى به أو يسير إليه، ولولا فعله لما صيد. وفى هذه الوجوه كلها يلزمه الجزاء والإثم إن تعمد إلا المستثنى وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة فإن هذه أباح الشرع قتلها وسواء المحرم والحلال وإلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، والأهلى من الحيوانات كالحمير والخيل وكل ما يؤكل لحمه فانه لا يجب الجزاء فى قتلها لأنها غير صيد والمحرم هو الصيد ونحوه وان توحش الأهلى لم يجب الجزاء فى قتله لأن توحشه لا يصيره وحشيا، والعبرة بالأم فان كانت وحشية فولدها وحشى وان كانت أهلية فولدها أهلى، ويلزم الإثم والجزاء حيث قتله عمدا لا خطأ، إذ الخطأ لا جزاء عليه والمبتدئ والعائد فه فى فضل الصيد على سواء فى وجوب الجزاء عليهما. ولو قتله ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء ويجب فى بيضة النعامة ونحوها اذا كسرها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين (12) . مذهب الإمامية: يحرم الإمامية. على المحرم وعلى المحل فى الحرم صيد الممتنع بأصله من حيوانات البر وقتلها مباشرة أو إعانة أو دلالة أو إشارة، ويوجبون الجزاء على من فعل ذلك ولو جاهلا أو ناسيا ويلزم غير المكلف بذلك فى ماله ولو اجتمعوا على إتلاف صيد فعلى كل جزاء. فقد جاء فى الروضة البهية (13) : وأما التروك المحرمة فثلاثون، صيد البر، وضابطه الحيوان الممتنع بالأصالة فلا يحرم قتل الأنعام وأن توحشت ولا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوا

إثبات

إثبات تعريف الإثبات: فى اللغة: فى المصباح: ثبت الشىء يثبت ثبوتا: دام وأستقر، فهو ثابت. وثبت الأمر: صح 0 ويتعدى بالهمزة والتضعيف. وثبت فى الحرب فهو ثبيت مثل قرب فهو قريب، والاسم ثبت، ومنه قيل: للحجة ثبت. وفى المختار: ثبت الشىء من باب دخل وثباتا أيضا. وأثبته غيره وثبته. وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت: أى إلا بحجة 0 فالإثبات على هذا تقديم الثبت: أى الحجة كالإتحاف تقديم التحفة. فى الاصطلاح: يؤخذ من استعمال الفقهاء أن الإثبات بمعناه العام: إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع، وبمعناه الخاص: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها آثار. آراء الفقهاء فى الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى: للعلماء فى بيان الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى طريقان: الأول: حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من أدلة يتقيد بها الخصوم فلا يقبل منهم غيرها. ويتقيد بها القاضى فلا يحكم إلا بناء عليها، وهذا هو رأى الجمهور من العلماء.. جاء فى " الدر المختار" و" حاشية رد المحتار" لابن عابدين: أن طرق القضاء سبعة: البينة، والإقرار، واليمين، والنكول عنه، والقسامة، وعلم القاضى، والقرينة الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به (1) والثانى: عدم تحديد طرق معينة للإثبات يتقيد بها الخصوم أو القاضى 0 بل للخصوم أن يقدموا من الأدلة ما يستطيعون به إقناع القاضى بصحة دعواهم 0 وللقاضى أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا فى الدعوى ومثبتا لها، ومن أكبر أنصار هذا الرأى، العلامة ابن القيم، فقد قال (2) : " إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأى طريق كان، فثم شرع الله ودينه، فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين وليست مخالفة له ". ومع اتفاق جمهور العلماء على حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من الأدلة فإنهم لم يتفقوا على أنواع هذه الأدلة، فبعضهم يعتبر كلا من اليمين والنكول عنه طريقا للقضاء، وبعضهم لا يعتبره طريقا له.. وقد يتفقون على اعتبار نوع من الأدلة طريقا للقضاء، ولكنهم يختلفون فى نطاق الاستدلال به كشهادة الشاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، أجمعوا على أنها طريق للقضاء، ولكنهم اختلفوا: هل تكون فى مسائل الأموال والمعاملات فقط أو فيما عدا الحدود والقصاص من الأموال والنكاح والطلاق 0 والأدلة التي تردد ذكرها فى كتب الفقه كطرق للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بها بين متفق عليه ومختلف فيه منها، هى: الإقرار، والشهادة، واليمين، والشاهد واليمين، والنكول، وعلم القاضى، والقرينة، والخط والقسامة، والقيافة، والقرعة، والفراسة. وسنتكلم على كل واحد منها بالترتيب الذى أوردناه. الإقرار: الإقرار: إخبار الشخص بثبوت حق للغير على نفسه ولو كان هذا الحق سلبيا، أى بطريق النفى كإقراره بأن لا حق له على فلان، فإنه يثبت للمقر له على المقر حق عدم مطالبته بشىء من الحقوق. مذهب الحنفية: والإقرار عند الحنفية: يكون باللفظ وبالإشارة المفهمة من غير القادر على التلفظ كالأخرس. ومعتقل اللسان إذا طال أمده وثبتت له إشارة، وبالكتابة، وبالسكوت كسكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون إقرارا منة بنسبه، وسكوت الزوجة والولد والأجنبى عند بيع العقار بحضرته، يكون إقراراً من الساكت بملكية البائع للعقار المبيع حتى لا تسمع منه دعوى ملكية هذا العقار على المشترى بعد ذلك (3) . مذهب المالكية: وعند المالكية: يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه كالإشارة المفهمة من الأبكم والمريض، والكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو على الأرض، والسكوت كسكوت غريم الميت عند بيع التركة أمامه، لا يقبل منه ادعاء الدين فى التركة بعد ذلك إلا أن يكون له عذر (4) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة عند من يجوز الاعتماد عليها، وبالإشارة من الأخرس والمريض العاجز عن الكلام (5) . مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة: يكون الإقرار باللفظ والكتابة وبالإشارة المعلومة من الأخرس دون معتقل اللسان والمريض (6) . مذهب الظاهرية: تحدث ابن حزم فى"المحلى" عن الإقرار ولم يذكر ما يكون به غير اللفظ من الكتابة والإشارة (7) . مذهب الزيدية: وعن الزيدية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة من الأخرس والمصمت (8) . واستثنى صاحب " البحر الزخار": اللعان والإيلاء والشهادة والإقرار بالزنا لأنه يعتبر فيها لفظ مخصوص. مذهب الإمامية: وعند الشيعة الإمامية: يكون الإقرار باللفظ وتقوم مقامه الإشارة (9) . حجية الإقرار: والإقرار حجة علي المقر يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه وهو أقوى الأدلة لأن احتمال الصدق فيه أرجح من احتمال الكذب إذ العاقل لا يقر عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه إلا إذا كان صادقا فى إقراره. وحجية الإقرار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: (وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه (. أمر صاحب الحق بالإملال، وإملاله هو إقراره، فلو لم يكن حجة عليه ويؤخذ به. لما كان فيه فائدة ولما أمر به. وقال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم (والشهادة على النفس هى الإقرار عليها بالحق. وفى السنة الصحيحة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل من ماعز ومن الغامدية الإقرار بالزنا على أنفسهما وعاملهما به وأقام عليهما الحد بناء عليه. وقد أجمعت الأمة من عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر يؤخذ به جرت على ذلك فى الأقضية والمعاملات. والإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره ولا يمتد أثره إلى من عداه. فمن أقر على غيره بشىء لم يقبل إقراره، ومن ذلك إقرار الوصى والولى على موليه، وإقرار القيم على محجوره فإنه لا يصح. وهذا قدر متفق عليه، ولكنهم اختلفوا مع هذا فى إقرار العبد يكون فيه مساس بحق السيد وماله وإقرار المريض مرض الموت يكون فيه مساس بحق الورثة أو بحق الدائنين. وإذا استثنينا الظاهرية، فإن الجميع متفقون على عدم صحة إقرار العبد والمريض مرض الموت فى بعض الصور رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم مما تبين تفاصيله فى مصطلح " إقرار ". أما الظاهرية فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه (10) : أن إقرار العبد والمريض مرض الموت صحيح فى جميع صوره وأحواله من غير نظر إلى مساس هذا الإقرار بالسيد أو بالورثة والمداينين وتعديه إليهم بالضرر (انظر: إقرار) . ولا يكون الإقرار حجة، ولا ينبنى عليه أثره إلا إذا صدر صحيحا ومستوفيا جميع الشروط التى ذكرها الفقهاء فى المقر والمقر له والمقر به وفى الصيغة ولم يتصل به ما يفسده أو يغير من موجبه مما هو مفصل ومبسوط فى مصطلح إقرار (انظر إقرار) . والإقرار حجة بنفسه يثبت به الحق المقر به للمقر له على المقر ويلزمه الوفاء له به دون توقف على قضاء القاضى وحكمه بالاتفاق. وهناك حالات لا يكفى فيها الإقرار للقضاء والحكم بل لابد من إقامة البينة معه، كما إذا أدعى شخص على مدين الميت إنه وصيه فى التركة، وصدقه المدين فى دعوى الوصاية والدين، فإن القاضى لا يثبت الوصاية بهذا الإقرار إذ الاقتصار عليه لا يفيد مع مدين آخر ينكر الوصاية. وهناك حالات تسمع فيها بينة المدعى بطلبه بعد إقرار المدعى عليه بالحق لفائدة أخرى غير ثبوت الحق، كما فى دعوى شخص على مدين أنه وكيل عن الدائن إذا صدقه المدعى عليه فى دعوى الوكالة ولكنه طلب سماع البينة عليها لتكون يده يد أمانة لا يضمن بالهلاك دون تعد ولتبرأ ذمة المدين بالدفع إليه دون رجوع، فيقبل القاضى البينة. وكما فى دعوى الدين على الميت إذا أقر بها أحد الورثة، أو أقر بها الورثة جميعا، وطلب المدعى سماع البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة فى الأولى أو إلى بقية الدائنين فى الثانية، تسمع البينة (11) ، وقد يتم الإقرار ثم تطرأ أمور تؤثر فيه أصلا أو تؤثر فى مدى حجيته وهى موضع خلاف بين الفقهاء، من ذلك.. دعوى المقر أنه كان كاذبا فى إقراره. مذهب الحنفية: قال الحنفية: إذا أعطى شخص صكا لآخر يتضمن إقراره بأنه استقرض منه مبلغا من المال، ثم ادعى أنه كاذب فى هذا الإقرار، لا تقبل منه هذه الدعوى عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس لأن الإقرار ملزم شرعا كالبينة بل هو آكد لأن احتمال الكذب فيه أبعد فلا يلتفت إليه، وتقبل عند أبى يوسف فى حق تحليف المقر له اليمين فيحلف على أن المقر صادق فى إقراره بالدين كما تضمنه الصك، فإن حلف ثبت حقه فى الدين وإن نكل فلا شىء له، وهو الإستحسان وعليه الفتوى، لأن العرف جار بكتابة الصك قبل أخذ المال فلا يكون الإقرار دليلا على القبض حقيقة. ولأن الناس كثرت حيلهم ومخادعتهم، والمقر يضار بعدم التحليف، ولا يضار المقر له بالتحليف إن كان صادقا، فيصار إليه. وهذا فى غير حقوق الله الخالصة، أما فيها فتقبل دعوى الكذب فى الإقرار، ولا يؤخذ به المقر لما يورثه من الشبهة المؤثرة فى سقوط الحد كما فى الرجوع عن الإقرار (12) . أما إذا كان تكذيب المقر من الشارع كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن قيام الحمل وقت الإقرار،. ويكون حكم الشارع بثبوت نسب الولد تكذيبا للمطلقة فى إقرارها بانقضاء العدة أو كان التكذيب من الحاكم، كما إذا اشترى شخص عينا من آخر، ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين، وأنكر المشترى وقرر أنها ملك البائع الذى اشتراها منه، وأثبت المدعى دعواه وحكم له بالعين، فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بأن العين ملكه، لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى إقراره. إذا كان التكذيب من الشارع أو من الحاكم يكون معتبرا ويبطل الإقرار به. وقال الشافعية: أن المقر يؤخذ بما أقر به، ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك (13) . وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى شرائع الإسلام (14) : إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة، قيل: لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره، وقيل: يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد. وهو الأشبه، إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين. رجوع المقر عن الإقرار: مذهب الحنفية: قال الحنفية: إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع، يقبل ويبطل به الإقرار فلا يؤخذ به مطلقا سواء رجع قبل القضاء عليه بموجبه أو بعد القضاء وقبل الشروع فى التنفيذ أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، فلا يحكم عليه إن رجع قبل الحكم ولا يقام عليه إن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد ولا يتمم عليه الحد. إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه فيكون كاذبا فى الإقرار فهو يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأنه يستحب للإمام أن يلقن المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى - صلى الله عليه وسلم- ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: (لعلك قبَّلت أو لمست) . ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة. والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للما

أثر

أثر المعنى اللغوى: أثر الشىء بقيته، والجمع آثار، والأثر أيضا ما بقى من رسم الشىء، والأثر أيضا ما بقى من رسم الشىء فدل على أن ذلك الشئ قد كان، كقولهم: النبات أثر للقطر لأنه حصل به ودل عليه، ومنه قوله تعالى: " فأنظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها " (1) . ومواقع الأقدام آثار يستدل بها على السائرين: ومنه قوله تعالى: "فهم على آثارهم يهرعون" (2) " قال هم أولاء على أثرى" (3) . فذلك تعبير عن سلوكهم طريق من سبقهم. متتبعين آثارهم، والأثر أيضا: الخبر لأنه بقية تؤثر لمن يخبر عنه، ومنه اطلاق الآثار على السنن المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم. والآثر (بسكون الثاء بعد الهمزة المفتوحة) : نقل الحديث وروايته، ومنه أثرت العلم آثره أثرا: أى رويته، وأصله تتبعت أثره (4) . معنى الأثر فى مصطلح الحديث: علماء مصطلح الحديث يطلقون "الأثر" أحيانا على ما يروى من السنة مرفوعا أو موقوفا ومقطوعا، وأحيانا يفرقون بين المرفوع فيسمونه خبرا، والموقوف فيسمونه أثرا. ويوضح ذلك ما ذكره السيوطى (5) فى "التدريب"، والنووى فى "التقريب"، إذ يقولان ما نصه: " الموقوف: هو المروى عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه": أى تقريرا " متصلا كان" إسناده " أو منقطعا، ويستعمل فى غيرهم "، كالتابعين " مقيدا، فيقال: وقفه فلان على الزهرى ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر"، قال أبو القاسم الفورانى أحد فقهاء خراسان: الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة. المراد بالأثر فى أستعمال الفقهاء: ا) يستعمل الفقهاء أحيانا كلمة الأثر أو الأثار فيما يروى من السنة عن النبى صلى الله عليه وسلم مرفوعا، أو موقوفا أو غير ذلك، كقولهم: والأثار دالة على كذا، أو قد. استدل على هذا بالأثر المروى عن فلان، أو المرفوع أو المنقطع، أو المتصل الى غير ذلك، جريا على التوسع فى المعنى الاصطلاحى للأثر. ب) وأحيانا يستعملون كلمة الأثر مضافة، فيقولون: أثر العقد، وأثر الفسخ، وأثر النكاح الفاسد، وأثر الاقرار، وأثر اللعان ونحو ذلك ويذكرون الأثر حين يتكلمون عن الاستدلال بآثار الأقدام وما يتصل بها من القافة " انظر قافة" ويذكرون أثر كل فى المصطلح المضاف إليه.

_ (1) سورة الروم: 50 (2) سورة الصافات:70 (3) سورة طه: 84. (4) انظر مادة "أثر" فى كل من القاموس ولسان العرب ومفردات الراغب الاصفهانى. (5) انظر ص109 من كتاب تدريب الراوى شرح تقريب النواوى للسيوطى المطبوع بمصر 1379.

إثم

إثّم ا- المعنى اللغوى: الاثم: الذنب وأن يعمل الانسان ما لا يحل له، وجمعه آثام، ويقال: أثم فلان (بكسر الثاء) يأثمَ (بفتحها) إذا وقع فى الإثم فهو آثم. 2- المعنى الاصطلاحى: والفقهاء يستعملون كلمة الإثم، بمعنى المعصيه، كقولهم: إذا حلف على أثم يريدون فعل معصية، فيجب عليه ألا يفعله ويكفر عن يمينه. وكقولهم: شرب الخمر إثم وقذف المحصنات إثم، والغصب إثم، والغش إثم، وهكذا. كما يستعملونه بالمعنى اللغوى كقولهم: هل يأثم إذا كره على تناول المحرم، وهل يأثم من أخر زكاة الفطر عن وقتها؟.

إجابة

إجَابَة التعريف اللغوى: الإجابة والاستجابة، بمعنى: وهو رجع الكلام، تقول أجابه عن سؤاله، واستجاب الله دعاءه، قال الله تعالى: "فإنى قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لى (1) .. " وفعله: أجاب يجيب، والمصدر الإجابة. والمجاوبة والتجاوب: التجاور، وتجاوب القوم: جاوب بعضهم بعضا (2) . أما عند الفقهاء فلا يكادون يخرجون بها عن هذا المعنى اللغوى. أولا- إجابة المؤذن للصلاة: مذهب الحنفية: يذهب الحنفية إلى وجوب إجابه المؤذن، وقال الحلوانى: بالندب، وذلك فى إجابة اللسان وبالوجوب فى المشى بالقدم على من سمع الأذان، ولو جنبا لا حائضا ونفساء وسامع خطبة، وفى صلاة جنازة وجماع ومستراح وأكل وتعليم علم وتعلمه بخلاف القرآن بأن يقول بلسانه مثل ما يقود المؤذن إذا كان يؤذن بالعربية من غير لحن فى الأذان إلا فى الحيعلتين فيحوقل، وفى " الصلاة خير من النوم" فيقول صدقت وبررت، ولو تكرر سماع الأذان أجاب الأول (3) . مذهب الشافعية: أما الشافعية فيذهبون إلى استحباب الاجابة على المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشرا ". فإن سمع ذلك وهو فى الصلاة لم يأت به فى الصلاة، فإذا فرغ أتى به وإن كان فى قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة لأنه يفوت والقراءة لا تفوت (4) . ويقول الشافعية أن الإقامة كالأذان فى الإجابة إلا أنه يقول عند التلفظ بإقامة الصلاة: أقامها الله وأدامها (5) . مذهب الحنابلة: أما الحنابلة فيقولون يسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا فى الحيعلة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ويستدلون على ذلك بما فى الصحيحين عن أبى سعيد مرفوعا " اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ". ويفصلون الأمر فيقول صاحب" النكت والفوائد السنية": وظاهر الأمر على الوجوب وقد قال به هنا بعض العلماء وأكثرهم على الاستحباب كقولنا وقد ورد ما يؤخذ منه صرفه عن ظاهره وهو ما رواه جماعة منهم مسلم عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فان سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرجت من النار 0 وقد نص الامام أحمد فى رواية الأثرم وغيره على أنه لا يجب إجابة المؤذن. وظاهر كلام صاحب المحرر وكلام الأصحاب أنه يكرر مثل ما يقول المؤذن بتكرر سماع الأذان للصلاة الواحدة، وأنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة فإذا فرغ عاد عليها لأنها لا تفوت وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ فى التحية (6) . ويقول المالكية: وندب حكاية الأذان لسامعه بأن يقول مثل ما يقول المؤذن من تكبير أو تشهد لمنتهى الشهادتين على المشهور ولو كان السامع فى صلاة نفل فيندب له حكايته أما حكايته فى الفرض فمكروهة مع الصحة إن اقتصر على منتهى الشهادتين أو أبدل الحيعلتين بالحوقلتين وإلا فتبطل (7) . مذهب الظاهرية: أما ابن حزم الظاهرى فيقول: ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء من أول الأذان إلى آخره وسواء كان فى غير صلاة أو فى صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن حى على الصلاة، حى على الفلاح، فإنه لا يقولهما فى الصلاة ويقولهما فى غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك، مستشهدا فى ذلك بالحديث السابق ذكره فى مذهب الشافعية (8) . مذهب الزيدية: ويرى الزيدية أن يقول السامع كالمؤذن لقوله صلى الله علية وسلم " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " وقال": من قال حين يسمع ذلك دخل الجنة " ويقول كالمقيم أيضا، ويحوقل فى الحيعلة فيهما ويقطع ما هو فيه لذلك إلا الصلاة، فإن فعل، فكالدعاء فيها ونسب إلى يحيى من فقهائهم أنه يقول أقامها الله وأدامها، عند قول مقيم الصلاة " قد قامت الصلاة" (9) . ويقول الزيدية أيضا: " وندب لسامع الأذان أن يحوقل بأن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ويدعو " (10) . مذهب الإمامية: ويقول الشيعة الجعفرية: ويستحب الحكاية لغير المؤذن إذا سمع كما يقول المؤذن وإن كان فى الصلاة إلا الحيعلات فيها فيبدلها بالحوقلة ولو حكاها بطل لأنها ليست ذكرا، وكذلك يجوز ابدالها فى غيرها، ويردد المجيب عبارة المؤذن فى سكتته بين كل عبارة وأخرى أو يرددها معه، ووقت حكاية الفصل بعد فراغ المؤذن منه أو معه، وليقطع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآنا، ولو دخل المسجد أخر التحية إلى الفراغ منه (11) . مذهب الإباضية: جاء فى كتاب الوضع فى الفقه الاباضى الحديث الوارد فى إحابة المؤذن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمع الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن " (12) . ثانيا- إجابة الدعوة إلى الوليمة: مذهب الحنفية: يذهب الأحناف إلى أن إجابة الدعوة سنة، قال عليه الصلاة والسلام: " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ". قال فى الهداية: ومن دعى إلى وليمة أو طعام فوجد ثمة لعبا أو غناء فلا بأس بأن يقعد ويأكل، وهذا إذا كان بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر لأنه لم يلزمه حق الدعوة (13) مذهب المالكية: ويذهب المالكية الى وجوب اجابة الدعوة، وهو فى الأكل بالخيار، وفى الترمذى عن النبى صلى الله عليه وسلم إنه قال: " من دعى فليجب، فإن شاء طعم وأن شاء ترك ". وقال أبن رشد: الأكل مستحب لقوله عليه السلام " فإن كان مفطرا فليأكل وأن كان صائما فليصل (أى يدعو) لصاحب الوليملة " (14) . ويسقط وجوب الدعوة وجود غناء ورقص نساء وآلة لهو غير دف. مذهب الشافعية: أما الشافعية فيقولون: من دعى إلى وليمة العرس، وجب عليه الإجابة لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها ". ومن الشافعية من قال: هى فرض على الكفاية لأن القصد اظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض (15) ، وقيل إنها سنة. وأما وليمة الختان والولادة فالاجابة إليها مستحبة قولا واحدا وقيل: على الخلاف (16) . وإنما تجب أو تسن بشرط (17) ألا يخص الأغنياء بالدعوة وبشرط إسلام الداعى وإلا يكون المدعو مرخصا فى ترك الجماعة أو الجمعة، وألا يكون المقصود المباهاة وألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، وألا يكون المدعو قاضيا إلا مع أصله أو فرعه وألا تتعارض الدعوة مع ما هو أهم كأداء الشهادة وأن يتعين المدعو. وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان: أحدهما تجب الإجابة للخير، والثانى لا تجب لأن الإجابة للتواصل وإختلاف الدين بمنع التواصل. وأن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب فى اليوم الأول والثانى وتكره الاجابه فى اليوم الثالث لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول. وعن الحسن رحمه الله أنه قال: الدعوة أول يوم حسن والثانى حسن والثالث رياء وسمعة. وإن دعاه اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا فى السبق أجاب أقربهما رحما، فان أستويا فى الرحم أجاب أقربهما دارا، فإن استويا فى ذلك أقرع بينهما. وإن دعى إلى موضع فيه دف أجاب لأن الدف يجوز فى الوليمة، فإن دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة ولإزالة المنكر، وأن لم يقدر على أزالته لم يحضر، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة يدار فيها الخمر. ومن حضر الطعام فان كان مفطرا ففيه وجهان: أحدهما يلزمه أن يأكل، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل ". والثانى: لا يجب، لما روى جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب فان شاء طعم، وإن شاء ترك. وأن دعى وهو صائم لم تسقط عنه الإجابة للخبر: ولأن القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر، وإن كان تطوعا فالمستحب أن يفطر لأنه يدخل السرور على من دعاه وإن لم يفطر جاز (18) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة وجوب إجابة الدعوة إذا كان الداعى مسلما وعين المدعو، وقيل: هى فرض كفاية، وقيل: مستحبه. ولا تجب معمن يجوز هجره ولا من عمم بدعوته ولا من دعى بعد اليوم الأول، ولا يجوز لمن حضر الوليمة قطع صوم واجب ويستحب الأكل للمتنفل والمفطر. وقيل أن لم ينكسر قلب الداعى بإتمام النفل فهو أولى وإذا كلم فى الدعوه منكرا كالخمر والزمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله أن قدر وجلس وإلا إنصرف وأن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس (19) . مذهب الظاهرية: أما أبن حزم الظاهرى فيقول: وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجيب إلا من عذر فان كان مفحا ففرض عليه أن يأكل، فإن كان صائما فليدع الله لهم فإن كان هنالك حرير مبسط أو كانت الدار مغصوية أو كان الطعام مغصوبا أو كان هناك خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس. عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبى صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه. وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وأن كان مفطرا فليطعم ". وصح عن أبى هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله (20) . مذهب الزيدية: ويندب عند الزيدية حضور الوليمة بشرو ط سبعة: أولها أن تعم الفقير والغنى، والثانى: حيث تكون فى اليوم الأول والثانى والثالث: ألا يكون هناك منكر، والرابع: أن يعين الداعى من يدعوه بنفسه أو برسوله أو بكتاب، والخامس ألا يدعوه لخوف منه أو لطمع فى جاهه أو اعانته على باطل والسادس: ألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، والسابع: ألا يكون أكثر مال الداعى حراما. وندب أيضا اجابة المسلم إلى طعامه وإن لم يكن معه وليمة، وإذا اتفق داعيان أو أكثر فيستحب له أجابتهم جميعا ويندب له تقديم إجابة الأول ثم الأقرب نسبا ثم الأقرب بابا، فإذا أستويا أقرع بينهما (21) . مذهب الإمامية: أما الشيعة الجعفرية: فيستحبون إجابه الدعوة للوليمة عند الزفاف (22) وقد حكم فى الشرائع بكراهة الصوم ندبا لمن دعى إلى طعام، واستدال عليه فى "الجواهر" بما دل على النهى عن معارضة المؤمن وترك إجابته وقد قيل: أن مقتضى اطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين من هيأ لهم طعاما وغيره وبين من يشق عليه المخالفة وغيره، ونص الفاضلان على اشتراط كونه مؤمنا ولعله لكونه المتبادر من الأخ، ولأنه الذى رعايته أفضل من الصوم (23) . ثالثا- إجابة المستفتى: يقول ابن القيم (24) : إن سأل سائل عن الحكم فللمسئول حالتان: أحداهما أن يكون عالما به، والثانية أن يكون جاهلا به، فإن كان جاهلا حرم عليه الافتاء، وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان: أحداهما أن يكون حضر وقت العمل) أى جاء السائل إلى المفتى لسؤاله عن واقعة حدثت) وقد احتاج إلى السؤال، فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه، الثانية أن يكون قد سأله عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيب عنها، وأطال فى ذكر الأدلة. (أنظر: أفتاء) . رابعا- أجابه الاستغاثة: يقول الأحناف (25) : يجب إغاثة الملهوف بقطع الصلاة، سواء استغاث بالمصلى أولم يعين أحدا فى الاستغاثة (انظر: إغاثة) خامس

إجازة

إجَازة الإجازة لغة: فى المصباح: جاز المكان يجوزه جوزا وجوازا سار فيه وأجازه قطعه وأجاز الشىء أنفذه- قال ابن فارس وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة وأجزت العقد جعلته جائزا وأجاز له فعل كذا سوغه له وأجاز رأيه أنفذه كجوزه وجاز له البيع أمضاه وأجاز الموضع خلفه (1) الإجازة فى استعمال الفقهاء: لا تخرج فى استعمال الفقهاء عن هذا المعنى العام فيستعملونها فى إنفاذ العقود الموقوفة بمعنى ترتيب أثرها عليها وإنفاذها فيقولون إن العقد الموقوف ينفذ وترتب عليه آثاره بإجازته ممن له ولاية إنفاذه فعقد الفضولى عند من يراه موقوفا لا تترتب عليه آثاره ولكنه يصير نافذا وتترتب عليه آثاره بإجازته من صاحب الشأن وهو المالك أو الولى علية أو وكيله مثلا وكذلك تصرف ناقص الأهلية المتردد بين النفع والضرر يصدر عليه موقوفا موذوفا ولكنه ينفذ بإجازته ممن له الولاية على ناقص الأهلية وتزويج العبد نفسه موقوف ينفذ بإجازته من سيده والوصية للوارث أو بأكثر من الثلث موقوفة وتنفذ بإجازتها من الورثة وهكذا، وكذلك يستعملونها بمعنى الإمضاء وذلك فى العقود النافذة إذا كان فيها خيار لأحد العاقدين فيقولون أنها تصير لازمة بإجازتها ممن له لخيار فى فسخها ويسقط خياره بإجازتها أى بإمضائها كما فى البيع فيه خيار الرؤية أو خيار الشرط وإذا كانت فى الفعل كان معناها الرضا به وبما يترتب عليه من أثر كما فى أجازه الإيفاء بالدين يقوم به أجنبي أو تسليم العين الموهوبة يقوم به غير الواهب ما تتحقق به الإجازة تتحقق الإجازة بكل ما يفيد الرضا صراحة أو دلالة من قول أو فعل فتكون باللفظ وما يقوم مقامه كالكتابة أو الإشارة ممن لايستطيع النطق وسواء أكانت بالعربية أو بأية لغة من اللغات من كل عبارة تدل على الإنفاذ. والرضا كأجزت ونحوه وهى اما صريحة إذا دلت على ذلك صراحة كأجزت وأنفذت أو غير صريحة إذا ما دلت على ذلك بطريق اللزوم وإلاشارة كأن يقول نعم ماصنعت أو بارك الله لنا فيما فعلت أو يهنأ فيشكر أو يتقبل التهنئة وذلك ماذهب اليه الفقيه أبو الليث وبه كان يفتي الصدر الشهير مالم يظهر أن مثل ذلك قد صدر منه على سبيل الإستهزاء ومرد ذلك الى القرائن وهذا هو المختار (2) ومن الإجازة بطريق الدلالة أمره فضوليا زوجه امرأة بأن يطلقها عندما علم بالزواج لأن الطلاق لايكون إلا فى زواج صحيح نافذ، وفى جامع الفصولين الطلاق فى النكاح الموقوف قيل يعد إجازة وقيل لا.. وتكون بالفعل إذا ما كان أثرا للعقد وتوقفت سلامته عليه كقبض المهر ودفعه وإرساله وقبض الثمن ودفعه وتسلم المبيع وتسليم العين المرهونة إلى المرتهن وتسليم الهبة إلى الموهوب له ونحو ذلك من كل ما يدل على الرضا بخلاف قبض المرأة هدية الزواج إذا زوجها منه فضولى إذ أن ذلك لايعد أثرا للعقد ولا تتوقفه سلامته على العقد فقد تكون الهدية من غير الزوج وقد تقبضها لغرض آخر غير الرضا بالعقد (3) وقيل إنها تتحقق مبعث الهدية الى الزوجة ولا تختلف المذاهب فى هذا الذى ذكرنا. ولكن الزيدية حين تعرضوا للإجازة الفعلية مثلوا لها بالمثال الآتي فقال لو علمت المرأة بالعقد وما سمى لها فيه فلم يصدر منها لفظ إجازه ولكن مكنت الزوج من نفسها كان تمكينها له كالإجازة للعقد والمهر معا حيث وقع التمكين بالوطء أو بمقدماته بعد العلم بالعقد أو التسمية بما لجهلت العقل لم يكن التمكين أجاز وتحد ان مكنته من نفسها لأنها زانية مالم تلحق منها الإجازة بعد أن تعلم فيسقط الحد للشبهة وهو تعذر العقد وأما لو علمت العقد وجهلت التسمية فلا إشكال أن التسمية تبقى موقوفة على أجازتها وقد يبقى العقد موقوفا أيضا فيبطل إذا ردت التسمية ولم ترض بها (4) . هل يعد السكوت إجازة ذكرنا أن الإجازة تكون بكل مايفيد الرضا من قول أو فعل فهل تكون أيضا بالسكوت عند العلم بالعقد أو بالتصرف أو عند مشاهدته؟ من القواعد التى ذكرها الفقهاء أنه لاَينسَبْ الى ساكت قوله وقد جاء ذكر هذه القاعدة فى كثير من كتب الحنفية ومنها الأشباه والنظائر لابن نجيم إذ جاءت تحت عنوان القاعدة الثانية عشرة ومقتضاها أن السكوت لا يعد إجازة قولية كما أنه لا يعد فعلا من الأفعال وذلك كله لإينفى أنه قد يفيد الرضا وإن لم يكن قولا أو فعلا ومن الظاهر أن إفادته الرضا مردها الى القرائن التى تحيط به. وقد جاء فى الأشباه والنظائر: أن الوكالة لاتثبت بالسكوت فإذا رأى أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينههه لم يكن سكوته توكيلا خلافا لابن أبى ليلى وأن السكوت لا يعد إذنا للصبى والمعتوه بالتصرف إذا كان من القاضى وحدث السكوت منه وقت تصرفه وكذلك لايعد سكوت المرتهن إذنا للراهن ببيع العين المرهونة ولا يكون أذنا بإتلاف المال إذا ما رأى غيره يتلف ماله فسكت وإذا كانت الإجازة اللاحقة كالأذن السابق فما لايثبت به الإذن لاتثبت به الإجازة وبناء على ذلك لا يكون السكوت إجازة فيما ذكرنا من المسائل ولا فيما يشبهها ويترتب على ذلك أن السكوت لايعد إجازة كما لا يعد إذنا. غير أنهم قد استثنوا من هذا المبدأ مسائل عديدة ذكرها صاحب الأشباه والحموى بلغت الأربعة والأربعين مسألة ومن هذه المسائل ماعدا السكوت فيه رضا وإجازة كسكوت البكر البالغة يعد تزويج وليها إياها وسكوتها بعد قبض وليها مهرها وسكوتها إذا بلغت وقد زوجها غير أبيها وجدها وسكوت الواهب عند قبض الموهوب له العين الموهوبة فى حضرته. وسكوت الموقوف عليه بعد الوقف عليه وسكوت الولى إذا رأى الصبى المميز يبيع ويشترى وسكوت الإنسان عند رؤيته غيره يشق زقه إلى غير ذلك من المسائل (5) التى ذكرها وفى جامع الفصولين أن سكوت المالك الحاضر وقت بيع الفضولى لا يعد إجازة وذكر الخير الرملي أن صاحب المحيط ذكر أن سكوته عند البيع وقبض المشترى المبيع يعد رضا وإجازة قال صاحب جامع الفصولين أن مرد الحكم فى ذلك الى القرأئن إذ العبرة فى الإجازة إنما هو تحقق الرضا بالتصرف بأي دليل يدل عليه هذا عند الحنفية وتفصيل القول فى ذلك فى جميع المذاهب يرجع فيه إلى مصطلح (سكوت) (6) الفرق بين الإجازة والإذن الإجازة كما بينا إما تنفيذ لتصرف موقوف ومن ثم يترتب عليها إستتباع هذا التصرف لأثاره المترتبة عليه أو إمضاء العقد غير اللازم وإبرامه ومن ثم يترتب عليه سقوط الحق فى فسخه ممن أجازه كما فى البيع بشرط الخيار يجيزه من شرط له الخيار وكما فى شراء عين قبل رؤيتها يجيزه المشترى بعد رؤيتها وعلى ذلك لا تكون إلا تالية للتصرف اما الإذن ويكون سابقا عليه ولذا كان وكالة. أو فى معناها ومن ثم يكون التصرف الصادر بمقتضاه تصرفا من ذى ولاية بخلاف التصرف الصادر قبل الإجازة فإنه يكون من غير ذى ولاية وقد جاء فى حاشية ابن عابدين فى الفرق بينهما ان الأذن إنما يكون لما سيقع والإجازة إذ تكون لما وقع وأن الأذن يكون بمعنى الإجازة إذا حدث بعد التصرف وكان لأمر وقعت وعلم به الأذن (7) ومعا يجب ملاحظته ان الآذن أو الوكالة يكون فى كل ما يجوز الإذن او الموكل مباشرته من التصرفات والأفعال عند الحنفية إما الإجازة فلا تكون فى كل تصرف يصدر وإنما تختص بالتصرف الموقوفة بسبب يرجع الى نقص الولاية أو عدمها أو تعلق حق الغيرعلى ما يجىء بيانه. كما يلاحظ ان الآذن بالعقد أو بالتصرف يعد توكيلا فيه فيقبل عند الحنفية الرجوع عنه قبل حدوثه من المأذون إما الإجازة فتستتبع أثرها في المال ومن ثم لا يقبل الرجوع فيها من المجيز إذ بمجرد الإجازة ينفذ العقد وإذا نفذ يتوقف بعد نفاذه. أثر الإجازة فى الأقوال والأفعال يبنا أن الإجازة فى العقود النافذة التى من شأنها أو من حكمها أن تكون لازمة وقد عرض لها عدم اللزوم بسبب ثبوت خيار فيها سواء أكان خيار شرط ام خيار رؤية أم خيار عيب أم خيار فوات وصف أو نحو ذلك يكون أثرها إمضاء العقد. ولزومه وسقوط الخيار بالنسبة لمن صدرت منة الإجازة وهذا الخلاف فيه بين المذاهب أما إذا كانت فى التصرفات الموقوفة فان أثرها (7) يكون نفاذ هذه التصرفات وترتب آثرها عليها وكأنها قد صدرت من ذى الولاية عليها فإذا كان قد باشرها فضولى أعتبرت صادرة من وكيل بمباشرتها وإذا صدرت من صبى مميز اعتبرت صادرة من الولى عليه وإذا صدرت من المالك ماسة بحق الغير أعتبر المالك مأذونا فيها من صاحب ذلك الحق وهكذا ولهذا قرر الحنفية ان الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ومعنى ذلك أنها نجعل لمباشر التصرف حكم الوكيل فى مباشرته فيترتب على مباشرته جميع الأحكام التى تترتب على مباشرة الوكيل ويلزم المجيز بما يلزم به الموكل وذلك مع ملاحظة أن ذلك إنما يكون فى الإجازة الصحيحة المستوفية لشروطها وعلى ذلك ترجع حقوق العقد إلى الفضولى فى العقود التى ترجع فيها حقوق العقد الى الوكيل كالبيع وغيره من المعاوضات ولا ترجع إليه فى العقود التى لاترجع فيها حقوقها إلى الوكيل بل يكون فيها سفيرا ومعبر إليه كزواج وما ماثله من كل عقد يعتبر فيه الوكيل. سفيرا ومعبرا وذلك فى رأى من يرى أن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل لا إلى الموكل كالحنفية وتفصيل ذلك يعرف فى مصطلح " وكالة " وجملة القول فى ذلك ان إجازة العقد الموقوف تصيره نافذا فى جميع المذاهب وذلك ما يجعلها فى حكم الإذن السابق أو الوكالة السابقة فيكون لها أحكامها على حسب اختلاف المذاهب فى أحكام الوكالة وهذا إذا كانت الإجازة فى التصرفات القولية إما إذا كانت فى تصرف فعلى فقيل أنها لا تلحق الأفعال وقيل إنها تلحق الأفعال كما تلحق الأقوال وعلى القول الأول لايكون لها أثر ويكون للفعل حكمه وأثره الشرعى الذى يستوجبه حين يصدر ممن لا ولاية له عليه وعلى القول الثانى يكون لها حكم الإذن السابق به: جاء فى الدر المختا ر (8) الإجازة لاتلحق الإتلاف فلو أتلف مال غيره تعديا فقال المالك جزت أو رضيت لم يبرأ المتلف من الضمان ذكره صاحب الأشباه نقلا عن البزازية ولكن نقل صاحب التنوير عن العمارية أن الإجازة تلحق الأفعال وهو الصحيح وبناء عليه تلحق الإتلاف لأنه من جملة الأفعال وجاء فى أبن عابدين تعليقا على ذلك أن الملتقى لو تصدق ياللقطة ثم جاء ربها فأجاز الفعل صحت إجازته وكان لها حكم إذنه وذلك مايدل على أنها تلحق الأفعال ثم نقل عن البيرى على الأشباه أن أحد الورثة إذا اتخذ ضيافة من التركة حال غيبة الآخرين ثم قدموا بعد ذلك وأجازوا. ثم أرادوا بعد إجازتهم الرجوع فيها وتضمين ذلك الوارث كان لهم ذلك لأن الإتلاف لايتوقف حتى تلحقه الإجازة وذلك يدل على أن الإجازة لا تلحق الأفعال وعلل ذلك بأن الأفعال لاتتوقف حتى تلحقها الإجازة ومعنى ذلك ان الفعل حين يصدر إنما يصدر عن ولاية فيكون بحق أو عن غير ولاية فيكون تعديا ولا تغير الإجازة من طبيعته فلا تجعل ما صدر تعديا صادرا عن حق فيه وعلى ذلك فلا تلحق الإجازة الأفعال وذلك ما يخالف الفرع الخاص بإجازة صاحب اللقطة تصدق الملتقط بها إذ جعلت إجازته كالإذن فلم يكن له حق المطالبة بالضمان وذلك مايتفق مع القول بصحته- وقد ذكر (صاحب الدر) فى مسائل من شتى من كتاب الخنثى أن الإجازة تلحق الأفعال على الصحيح فلو غصب إنسان عينا لأخر فأجاز المالك أخذه إياها صحت إجازته وبرىء الغاصب من الضمان (9) وفى جامع الفصولين غصب شيئا وقبضه فأجاز المالك قبضه برىء من الضمان ولو أودع مال الغير ف

إجبار

إجٌبارُ تعريف الإجبار لغة: الجبار صفة من الإجبار وهو القهر والإكراه قال أبن الأثير ويقال جبر الخلق وأجبرهم ويقال رجل جبار مسلط قاهر ومنه قوله وما أنت عليهم بجبار- وأجبره أكرهه. يقال أجبر القاضى الرجل على الحكم إذا أكرهه عليه. وتميم تقول جبرته على الأمر أجبره جبر اوجبورا. قال الأزهرى وهى لغة معروفة كان الشافعى يقول جبر السلطان وهو حجازى فصيح فهما لغتان جيدتان وهما جبرته وأجبرته (1) الإجبار اصطلاحا: ليس له تعريف مخصوص فى كتب الفقه ويمكن تعريفه أخذا من إستعمالات الفقهاء بأنه حمل الغير من ذى ولإية بطريق الإلزام على عمل تحقيقا لحكم الشرع "الفرق بين الإجبار وألا كراه" من تعريف كل من الإجبار والإكراه فى الاصطلاح يمكن معرفة الفرق بينهما لأن المعنى اللغوي لكل منهما قد يكون متقاربا إذا الإكراه فى اللغة يتضمن القهر (2) وفى الاصطلاح هو الحمال على الفعل الأبعاد والتهديد مع وجود شرائطه المقررة فى باب الإكراه وإذاً يكون الفرق بينهما أن الإجبار يكون ممن له ولاية شرعية فى حمل الغير على فعل مشروع أما الإكراه فيكون من ذى قوة على تنفيذ ما توعدبه فى سبيل حمل الخير على فعل أمر غير مشروع على تفصيل موضعه مصطلح إكراه (3) ما يرد فيه الإجبار يرد الإجبار فى كثير من أبواب الفقه المختلفة كالإجبار فى القسمة والإجبار فى حقوق الجوار والإجبار على كرى النهر والإجبار على الشركة الإجبار فى الشفعة والإجبار على الوفاء بالدين والإجبار على الأوضاع والإجبار على النكاح وألاجبار على الكلالة والإجبار على تولى القضاء والإجبار على تولى الخصومة والإجبار على رد المغصوب والمستأجر والإجبار على الزكاة والإجبار على عمارة المشترك من دار أو جدار وغير ذلك. ولما كان بعض الفقهاء قدعبر عن الإجبار بالمعنى المذكور بكلمة "جبر" فانظر أحكامه فى مصطلح "جبر"

_ (1) لسان العرب ص16ص114،ص116 (2) المصباح ج3مادة: جبر (3) البدائع ج7 باب الإكراه

اجتهاد

اجتهاد الاجتهاد فى اللغة تحمل الجهد (أى المشقة) ، فلا يستعمل لغة على سبيل الحقيقة إلا فيما فيه مشقة، فلا يقال اجتهد فى حمل الخردلة إلا على نحو من التجوز لضعف الحامل مثلا (1) . الاجتهاد عند الأصوليين وهو فى اصطلاح الأصوليين بذل الفقيه غاية جهده فى تحصيل حكم شرعى بحيث يشعر من نفسه أنه عاجز عن المزيد على ذلك (2) . وعرفه ابن حزم بأنه استنفاد الطاقة فى حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم، لأن أحكام الشريعة كلها متيقن أن الله تعالى قد بينها بلا خلاف، وهى مضمونة الوجود لعامة العلماء، وإن تعذر وجود بعضها على بعض الناس، فمحال ممتنع أن يتعذر وجوده على كلهم، لأن الله تعالى لا يكلفنا ما ليس فى وسعنا، وما تعذر وجوده على الكل فلم يكلفنا الله تعالى إياه (3) . والاجتهاد نوعان عند من يقول بإمكان تجزى الاجتهاد: اجتهاد مطلق فى جميع الأحكام، وهو ما يقتدر به على استنباط الأحكام القليلة من أمارة معتبرة عقلا أو نقلا فى الموارد التى يظفر فيها بها (4) . واجتهاد فى حكم دون حكم، وهو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام، ولابد بالنسبة للمجتهد فى هذا من أن يعرف جميع ما يتعلق بهذا الحكم، ومن جملة ما يعرفه فيه أن يعلم أنه ليس مخالفا لنص أو إجماع ولا يشترط معرفة ما يتعلق بجميع الأحكام، ويشترط للاجتهاد المطلق عند أهل السنة شروط: الأول: معرفة مواقع آيات الأحكام من الكتاب بحيث يتمكن من الرجوع إليها عند الحاجة، ولا يتمكن من الرجوع إليها إلا إذا عرف: (أ) معانى مفرداتها وتراكيبها وخواص ذلك فى الإفادة والاستفادة. فمعرفة معانى مفرداتها تقتضى أن يعرف وضع كل منها مما يدرك بدراسة كتب اللغة والصرف، ومعانى التراكيب تحتاج إلى النحو، وخواص ذلك تحتاج إلى علوم البلاغة من المعانى والبيان. (ب) معانيها شريعة، وتتوقف على معرفة علم أصول الفقه، فيعرف علل الأحكام الشرعية كمعرفة أن الحدث المعبر عنه بقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط ((5) علته النجاسة فقيس عليه كل خارج نجس وكمعرفة العلة فيما له مفهوم موافق، إذ أن المجتهد لمعرفته بالأحكام المتبادرة لكل عالم باللغة يتبين أن العلة شاملة كشمول دلالة النص فتقدم على القياس. (ج) أقسام الكتاب من العام والخاص والمشترك والمجمل والخفى والظاهر والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من تقسيمات الأصوليين، وهذا شىء آخر غير معانيه على ما هو واضح. الشرط الثانى: أن يعرف من السنة متنا وسندا القدر الذى تتعلق به الأحكام بأن يعرف بالنسبة للمتن نفس الأخبار أنها رويت بلفظ الرسول أو بالمعنى ومواضع المتن لهذا القدر بحيث يتمكن من الرجوع إليه عند الحاجة كما ذكرنا فى معرفة الكتاب، ويعرف بالنسبة للسند سند ذلك القدر من تواتر أو شهرة أو آحاد، وفى ذلك معرفة حال الرواة من الجرح والتعديل، ويكتفى فى هذا الزمان بتعديل أئمة الحديث الموثوق بهم كالبخارى ومسلم والبغوى وغيرهم من أئمة الحديث، وجملة ما يشترط فى معرفة السنة على ما ذكره الغزالى خمسة شروط: 1- معرفة طرقها من تواتر وآحاد لكون المتواترات قطعية الثبوت، والآحاد ظنية الثبوت. 2- معرفة طرق الآحاد وروايتها ليعمل بالصحيح منها ويبعد عن غيره. 3- معرفة أحكام أقوال الرسول وأفعاله ليعلم ما يوجبه كل منها. 4- معرفة ما انتفى عنه الاحتمال وحفظ ألفاظ ما وجد فيه الاحتمال. 5- معرفة الترجيح بينه وبين ما يعارض من الأخبار. الشرط الثالث: معرفة أنواع القياس عند القائلين به، والمراد منها الأنواع الثلاثة الآتية: الأول: قياس العلة: إثبات حكم معلوم فى معلوم آخر لاشتراكهما فى علة الحكم عند المثبت. كقياس الحنفية، الخارج النجس من غير السبيلين كالدم الذى يسيل إلى موضع يلحقه حكم التطهير على الخارج من السبيلين لعلة خروج النجاسة. الثانى: قياس الدلالة (مساواة فرع لأصل فى وصف جامع لا يكون علة للحكم بل يكون لازما مساويا لعلة الحكم) كقياس المكره بالقتل على المكره بجامع الإثم، والإثم ليس علة للقصاص بل هو مساو لها كمساواة الضاحك للناطق فى الأفراد. الثالث: قياس العكس (إثبات نقيض حكم الأصل فى الفرع لوجود نقيض علته فيه) كما قاس الرسول عليه الصلاة والسلام وطء المنكوحة فأثبت الأجر فيه قياسا على وطء المحرمة فى إثبات الوزر بقياس العكس، وقد سئل عليه الصلاة والسلام: أيأتى أحدنا شهوته، أى الحلال، فيكون له أجر. فقال: أرأيت لو وضعها فى حرام يكون عليه وزر (6) . ويرجع إلى مصطلح " قياس ". وقالت طائفة: لا موضع البتة لطلب حكم النوازل من الشريعة ولا لوجوده إلا إلى نص القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دلالتهما على حكم تلك النازلة دلالة لا تحتمل إلا وجها واحدا، وهذا قول جميع أهل الإسلام قطعا، وهو قول جميع أصحابنا الظاهريين، وبه نأخذ (7) . وقال أيضا: وجوه الاجتهاد تنحصر فيما جاء فى القرآن، والخبر المسند بنقل الثقات إلى النبى عليه الصلاة والسلام إما نصا على الاسم وإما دليلا من النص لا يحتمل إلا معنى واحدا. فإن قال قائل: فكيف يفعل العالم إذا سئل عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته، قيل له: وبالله تعالى التوفيق يلزم أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى وكلام النبى عليه السلام كما أمره الله تعالى، إذ يقول: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((8) ، وإذ يقول: (وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله ((9) ، وقوله تعالى: (فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ((10) فليرد ما اختلف فيه من الدين إلى القرآن والسنة الواردة عن النبى عليه السلام، وليتق الله ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين لم يؤمر بالرد إليه (11) . وقال ابن حزم: الاجتهاد فى طلب حكم الله تعالى ورسوله عليه السلام فى كل ما خص المرء من دينه لازم للكل لم يخص الله تعالى بذلك عاميا من عالم (12) . ومجتهدو الشيعة لا يسوغون نسبة أى رأى يكون وليد الاجتهاد إلى المذهب ككل بل يتحمل كل مجتهد مسئولية رأيه الخاص (13) . وما كان من ضروريات المذهب يصح نسبته إليه وهم مجتهدون ضمن إطار الإسلام، وهو معنى الاجتهاد المطلق (14) . والشيعة لا يرون أئمتهم مجتهدين، وإنما يرونهم مصادر يرجع إليها لاستقاء الأحكام من منابعها الأصيلة، ولذلك يعتبرون ما يأتون به من السنة. فأقوال أهل البيت إذن مصدر من مصادر التشريع لديهم وهم مجتهدون فى حجيتها كسائر المصادر والأصول (15) . محل الاجتهاد وحكمه كل حكم (16) شرعى ليس فيه دليل قطعى هو محل الاجتهاد، فلا يجوز الاجتهاد فيما ثبت بدليل قطعى كوجوب الصلوات الخمس والزكوات وباقى أركان الإسلام وما اتفقت عليه جليات الشرع التى تثبت بالأدلة القطعية. فالاجتهاد المقصود هنا هو الاجتهاد فى الظنيات على ما ظهر من تعريفه السابق عند الجمهور. والاجتهاد بالظنيات عند الجمهور حكمه غلبة الظن بأن ما وصل إليه المجتهد باجتهاد هو الحكم الصواب ويحتمل أن يكون خطأ عند أهل السنة (والمراد بالصواب: الموافقة بما عند الله فى الواقع ونفس الأمر. والمراد بالخطأ: المخالفة بما عند الله فى الواقع ونفس الأمر) . وأصحاب هذا الرأى يطلق عليهم اسم " المخطئة "، ورأيهم هو المختار عند الحنفية وعامة الشافعية بأدلته الآتية: وعامة المعتزلة يقولون: كل مجتهد مصيب وهذا الخلاف بين أهل السنة وبين عامة المعتزلة ناشئ عن الخلاف فى أن لله تعالى حكما معينا قبل الاجتهاد أولا. فعند أهل السنة لكل حادثة حكم معين عند الله تعالى عليه دليل ظنى إن وجده المجتهد أصاب وله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن اخطأ فله أجر الاجتهاد فقط فإذا اجتهدوا فى حادثة وكان لكل مجتهد حكم، فالحكم عند الله تعالى واحد وغيره الخطأ. وقالت المعتزلة: لا حكم قبل الاجتهاد بل الحكم تابع لظن المجتهد حتى كان الحكم تابعا لظن المجتهد، حتى كان الحكم عند الله تعالى فى حق كل واحد مجتهده هو وكل المجتهدات صواب، فكأن الشرع يقول كل ما وصل إليه المجتهد باجتهاده فهو الحكم فى حقه، وأصحاب هذا الرأى يطلق عليهم اسم " المصوبة ". الأدلة على أن الحق واحد استدل القائلون بأن الحق واحد، وهم الأئمة الأربعة وعامة الأصوليين من أهل السنة بأدلة منها. أما الكتاب قوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفثت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما ((17) . وجه الدلالة: أنه تعالى خص سليمان بالفهم فى قوله ففهمناها سليمان، ومنَّ عليه، وكمال المنة فى إصابة الحق، فلو كانا مصيبين لما كان لتخصيص سليمان بالفهم فائدة، ولا مانع من القول، بمفهوم المخالفة فى هذا الموضع عند الحنفية، وواضح أنهما حكما بالاجتهاد لأنه لو كان حكم داود بالنص لما وسع سليمان مخالفته ولما جاز رجوع داود عنه. وأما السنة فهى الأحاديث الدالة على ترديد الاجتهاد بين الصواب والخطأ، وهى كثيرة، منها ما روى أنه عليه السلام قال: " جعل الله للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا " وقال ابن حزم الظاهرى: أقسام المجتهدين بقسمة العقل الضرورية لا تخرج عن ثلاثة أقسام عندنا: 1- مصيب نقطع على صوابه عند الله تعالى. 2- ومخطئ نقطع على خطئه عند الله تعالى. 3- أو متوقف فيه لا ندرى أمصيب عند الله تعالى أم مخطئ. وإن أيقنا أنه فى أحد الخيرين عند الله تعالى بلا شك، لأن الله تعالى لا يشك بل عنده علم حقيقة كل شىء، لكنا نقول مصيب عندنا ومخطئ عندنا، أو نتوقف فلا نقول أنه عندنا مخطئ ولا مصيب، وإنما هذا فيما لم يقم على حكمه عندنا دليل أصلا، وما كان من هذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهة، إذ لا شك أن عند غيرنا بيان ما جهلناه، كما أن عندنا بيان كثير مما جهله غيرنا، ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفلة (18) . وقال أيضا: إن المجتهدين قسمان، إما مصيب مأجور مرتين، وإما مخطئ، والمخطئ قسمان، مخطئ معذور مأجور مرة وهو الذى أداه اجتهاده إلى أنه على حق عنده، ومخطئ غير معذور ولا مأجور ولكن فى جناح وإثم، وهو من تعمد القول بما صح عنده الخطأ فيه، أو بما لم يقم عنده دليل باجتهاده على أنه حق عنده (19) . أنواع الاجتهاد الأول: اجتهاد فى دائرة النص وهو يتضمن الاجتهاد فى معرفة القواعد الكلية التى هى الدليل الإجمالى كاجتهاد الحنفية فى دلالة العام والمطلق أنها قطعية فى مدلولها فلا يخصصها ولا يقيدها خبر الآحاد إلا إذا صارت ظنية بالتخصيص والتقييد كاجتهاد الشافعية فى أن دلالة العام والمطلق ظنية فتخصص بأخبار الآحاد. الثانى: الاجتهاد بطريق النظر يتضمن قياس المجتهد أمرا لا نص فيه ولا إجماع. على ما ورد فيه نص أو حكم مجمع عليه كما يتضمن استنباط الحكم من قواعد الشريعة الإسلامية العامة مما يطلق عليه البعض الاجتهاد بالرأى. وقال ابن حزم: نص الله تعالى على أنه لم يكل بيان الشريعة إلى أحد من الناس ولا إلى رأى ولا إلى قياس، ولكن إلى نص القرآن وإلى رسوله عليه السلام فقط، وما عداهما فضلال وباطل ومحال (20) . اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء فيه على أربعة آراء: الأول ليس له ذلك لقدرت على النص بنزول الوحى، وإليه ذهب أبو على الجبائى وأبو هاشم، ونقله أبو منصور الماتريدى عن أصحاب الرأى. لأنه لو جاز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد لجاز مخالفته لمجتهد آخر لأن أحكام الاج

إجزاء

إجزاء المعنى اللغوى الإجزاء مصدر أجزأ بمعنى كفى. جاء فى لسان العرب مادة " جزأ "، أجزأه الشىء كفاه. وفى حديث الأضحية: " ولن تجزىء عن أحد بعدك " أى لن تكفى. وفى حديث آخر: " ليس شىء يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن "، أى ليس شىء يكفى. ويقال: ما لفلان إجزاء، أى: ماله كفاية. وفى حديث سهيل: " ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان " أى فعل فعلا ظهر أثره وقام فيه مقاما لم يقمه غيره، ولا كفى فيه كفايته. المعنى الاصطلاحى يتكلم علماء أصول الفقه عن الإجزاء عند تقسيمهم لمتعلق الحكم الشرعى، وكلامهم على الصحة والفساد والبطلان، ولهم فى تعريفه مذهبان: أحدهما: أن الإجزاء هو كون الفعل كافيا فى الخروج عن عهدة التكليف به، وهذا التعريف ينسب إلى فريق من الأصوليين يعرف بفريق المتكلمين. ثانيهما: أن الإجزاء هو إسقاط القضاء، وهذا التعريف ينسب إلى فريق آخر من الأصوليين يعرف بفريق الفقهاء. وفى ذلك يقول القرافى فى كتابه الذخيرة (1) : الإجزاء هو كون الفعل كافيا فى الخروج عن عهدة التكليف، وقيل: ما أسقط القضاء. وقد فصل الإسنوى فى شرحه على المنهاج الكلام على الإجزاء عند المتكلمين وعند الفقهاء، ورجح تعريف المتكلمين. فالإجزاء عند المتكلمين هو الأداء الكافى لسقوط التعبد به، وقد شرح أجزاء هذا التعريف فبين: أولا: أن الأداء له معنيان: معنى لغوى، ومعنى فقهى. أما معناه اللغوى فهو الإتيان، من قولهم أديت الشىء أى آتيته، ومنه قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته ((2) . وأما معناه الاصطلاحى: فهو الإتيان بالعبادة فى وقتها لأول مرة، وهو بالمعنى الأول أعم لأنه يشمل آداء العبادة فى وقتها لأول مرة وإعادتها بعد أول مرة وقضاءها بعد وقتها، والمراد هنا هو هذا المعنى الأعم، وقد غفل عن هذا بعض الناس فظن أن المراد بالأداء المذكور فى تعريف الإجزاء هو المعنى الاصطلاحى ولذلك ادعى أن القضاء والإعادة لا يوصفان بإجزاء لأن القضاء والإعادة لا يسميان فى الاصطلاح بالأداء وهو غلط. ثانيا: يقال تعبد الله المكلفين بالصلاة، أى دعاهم إلى أن يعبدوه بها وطلبها منهم، فمعنى التعبد بالشىء طلبه،فإذا أتيت بالعبادة إتيانا كافيا لسقوط طلبها بأن اجتمعت فيها شرائطها وانتفت عنها موانعها فقد أجزأتك هذه العبادة وكفتك،وإذا لم تأت بها على هذا النحو فهى غير مجزئة. ثم ذكر تعريف الفقهاء للإجزاء وبين بطلانه، فالإجزاء عند الفقهاء هو إسقاط القضاء، ومن المعروف أن القضاء إنما يجب بأمر جديد على المذهب الصحيح لا بالأمر الأول. فإذا أمر الشارع بعبادة أمرا أوليا ولم يأمر بقضائها بأمر ثان فليس معنا إلا أمر واحد، وهذا الأمر الواحد إنما يتجه إلى الأداء الأول فقط ولا شأن له بالأداء الثانى وإذن فالأداء الثانى غير واجب لأنه ليس معنا أمر يوجبه، وإذا لم يكن واجبا فكيف يقال سقط مع أن السقوط فرع الوجوب والثبوت. على أن القضاء إنما يجب بخروج الوقت حتى لو أخذنا بمذهب من يقول: إن الأمر الأول كاف فى إيجابه فموجبه وسببه هو خروج الوقت، فإذا أدى الصلاة على وجهها فى الوقت فلا ينبغى أن يقال أجزأت بمعنى أنه سقط قضاؤها لأن القضاء لم يجب حتى يقال أنه سقط، ولكن يقال أجزأت بمعنى كفى فعلها عن المطلوب شرعا. ثم أنكم أيها الفقهاء تقولون أحيانا: هذا المطلوب سقط قضاؤه لأنه أجزأ، فتأتون بعلة ومعلول، أما المعلول فهو قولكم " سقط قضاؤه " وأما العلة فقولكم "لأنه أجزأ "، ومن المعروف أن العلة مغايرة للمعلول، فكيف تعرفون الإجزاء بأنه سقوط القضاء وهل يفسر الشىء بمغايره (3) . وفى التحرير وشرحه من كتب أصول الحنفية أن الصحة هى ترتب المقصود من الفعل عليه، وذلك فى المعاملات هو الحل والملك، أما فى العبادات فإن المتكلمين قالوا: إنها موافقة أمر الشارع بأن يكون مستجمعا ما يتوقف عليه من الشروط وغيرها وذلك نفسه هو معنى الإجزاء، وقال الفقهاء الصحة والإجزاء فى العبادات هما موافقة أمر الشارع على وجه يندفع به القضاء، وثمرة الخلاف تظهر فيمن صلى على ظن الطهارة ثم تبين له أنه محدث فإن صلاته صحيحة ومجزئة عند المتكلمين لموافقة الأمر إذ المكلف مأمور بأن يصلى بطهارة سواء أكانت معلومة أو مظنونة، وهى فاسدة عند الفقهاء لعدم اندفاع القضاء وتوصف أيضا بأنها غير مجزئة. ثم قال صاحب التحرير بعد أن بين هذا المعنى: " والاتفاق على القضاء عند ظهوره " أى: وقد اتفق المتكلمون والفقهاء على وجوب القضاء عند ظهور عدم الطهارة (4) . ولذلك قال أبو حامد الغزالى فى المستصفى: وهذه الاصطلاحات وإن اختلفت فلا مشاحة فيها، إذ المعنى متفق عليه (5) . وقال الإسنوى فى شرحه تعليقا على مسألة ظان الطهارة: فإن قيل إذا لم يتبين أنه محدث فواضح أنه لا قضاء عليه، وليس كلامكم فيه وإن تبين أنه محدث وجب القضاء عليه عند الفقهاء وعند المتكلمين القائلين بالصحة أيضا، فما وجه الخلاف؟ قلنا: الخلاف إنما هو فى إطلاق الاسم أى اسم الإجزاء على الأداء ثم تبين عدم الطهارة، وممن نبه عليه القرافى (6) . وفى روضة الناظر لموفق الدين ابن قدامة المقدسى الدمشقى، وهو فى الأصول على مذهب الحنابلة: " الصحيح من العبادات ما أجزأ وأسقط القضاء ". وفى شرحه نقلا عن الشيخ علاء الدين المرداوى فى التحرير: " الصحة مطلقا ترتب الأثر المطلوب من الفعل عليه فبصحة العقد يترتب أثره من ملك غيره، وبصحة العبادة يترتب إجزاؤها وهو الكفاية فى إسقاط التعبد ويختص الإجزاء بالعبادة (7) ". وفى إرشاد الفحول يقول الشوكانى: أعلم أن الإتيان بالمأمور به على وجهه الذى أمر به الشارع قد وقع الخلاف فيه بين أهل الأصول: هل يوجب الإجزاء أم لا، وقد فسر الإجزاء بتفسيرين: أحدهما حصول الامتثال به، والآخر سقوط القضاء به، فعلى التفسير الأول أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى تحقق الإجزاء المفسر بالامتثال، وذلك متفق عليه، فإن معنى الامتثال وحقيقته ذلك. وإن فسر بسقوط القضاء فقد اختلف فيه، فقال جماعة من أهل الأصول: إن الإتيان بالمأمور به على وجهه يستلزم سقوط القضاء. وقال القاضى عبد الجبار: لا يستلزم. واستدل فى المحصول على القول الأول بأنه لو لم يقتض الإجزاء لكان يجوز أن يقول السيد لعبده: افعل، فإذا فعلت لا يجزىء عنك، ولو قال ذلك أحد لعد مناقضا. واستدل للمخالف بأن كثيرا من العبادات يجب على من شرع فيها أن يتمها ويمضى فيها ولا تجزئه عن المأمور به كالحج الفاسد والصوم الذى جامع فيه (8) أى فوجد الإتيان بالمأمور به وهو تتميم الحج أو الصوم الفاسد، ولم يستلزم ذلك سقوط القضاء. وفى كتاب الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى: مذهب أصحابنا والفقهاء وأكثر المعتزلة أن الإتيان بالمأمور به يدل على الإجزاء خلافا للقاضى عبد الجبار من المعتزلة ومتبعيه فإنه قال لا يدل على الإجزاء. ثم قال الآمدى: كون الفعل مجزئا قد يطلق بمعنى أنه امتثل به الأمر وذلك إذا أتى به على الوجه الذى أمر به وقد يطلق بمعنى أنه مسقط للقضاء، وإذا علم معنى كون الفعل مجزئا فقد اتفق الكل على أن الإتيان بالمأمور به على الوجه الذى أمر به يكون مجزئا بمعنى كونه امتثالا للأمر، وذلك مما لا خلاف فيه. وإنما خالف القاضى عبد الجبار فى كونه مجزئا بالاعتبار الآخر (9) ، يريد أن كلام القاضى إنما هو فى الإجزاء الذى هو بمعنى سقوط القضاء فهو ينازع فى أن فعل المأمور به يستلزم سقوط القضاء لما سبق ذكره من أن المكلف قد يطالب بإتمام الحج أو الصوم الفاسد فيتمهما فيكون بذلك فاعلا لما طلب منه ومع ذلك لا يسقط قضاؤهما. ما الذى يوصف بالإجزاء وعدمه لقد فرق علماء الأصول بين الصحة الإجزاء بأن الصحة توصف بها العبادات والمعاملات على حد سواء، فيقال هذه صلاة صحيحة وهذا بيع صحيح. أما الإجزاء فلا يوصف به إلا العبادات، فيقال: هذه صلاة مجزئة، ولا يقال هذا بيع مجزئ. وفى ذلك يقول والإسنوى فى شرحه على المنهاج: معنى الإجزاء وعدمه قريب من معنى الصحة والبطلان، كما قال فى المحصول، وبين الإجزاء والصحة فرق، وهو أن الصحة أعم لأنها تكون صفة للعبادات والمعاملات، وأما الإجزاء فلا يوصف به إلا العبادات (10) . وقد نقلنا من قبل ما ذكره شارح روضة الناظر الحنبلى عن الشيخ علاء الدين المرداوى، وفيه يقول: ويختص الإجزاء بالعبادة (11) ، وقد سوى الكمال بن الهمام فى كتابه التحرير بين الصحة الإجزاء فى العبادات خاصة (12) . وقرر العلماء أيضا: أنه ليس كل فعل من أفعال العبادات يوصف بالإجزاء أو بعدمه، وإنما يوصف بذلك فعل له وجهان: وجه يعتد به،. ووجه لا يعتد به. فالصلاة مثلا إذا وقعت مستوفية الشروط والأركان خالية من الموانع وصفت بالإجزاء، وإذا لم تقع كذلك وصفت بعدم الإجزاء، وقل مثل هذا فى الصوم والحج ... إلخ. أما ما لا يقع من العبادات إلا على جهة واحدة فلا يوصف بالإجزاء وعدمه، وقد مثلوا لذلك بمثالين: أحدهما: معرفة الله تعالى، فإنها إما أن تقع فيقال: إن هذا الشخص قد عرف الله تعالى بطريق ما، وإما ألا تقع فلا يكون قد عرفه، وحينئذ لا يقال عرفه معرفة غير مجزئة لأن المعرفة لم تحصل حتى توصف بأنها غير مجزئة. المثال الثانى: رد الوديعة فإنه إما أن يردها أو لا يردها، فإن ردها قبل قد وقع الرد، وإن لم يرد قبل لم يقع الرد، ولكن لا يقال: مجزئ أو غير مجزئ. وهذا المثال قد مثل به صاحب المنهاج فى أصول الشافعية والإسنوى فى شرحه وتابعه على ذلك صاحبا التحرير والتيسير، كما تابعاه فى المثال الأول وهو معرفة الله تعالى. وتمثيلهم برد الوديعة كان موضع نقاش بينهم: فهو أولا من باب المعاملات، والمعاملات لا توصف بالإجزاء وعدمه من أصلها سواء أكانت ذات وجهين أم ذات وجه واحد، إلا أن يقال: انظر إلى ناحية العبادة فيها وهى خلوص الذمة أمام الله برد الوديعة وعدم خلوصها بعدم ردها فتكون حينئذ من باب العبادات. وهذا لا يفيد، لأن المعاملات كلها يمكن أن يقال فيها ذلك، إذ هى ذات جانب عبادى تخلص الذمة بموافقة أمر الله فيه، ولا تخلص إذا لم تقع هذه الموافقة. ومن جهة أخرى: إن الوديعة قد ترد على السفيه والمحجور عليه فلا يكون هذا الرد مجزئا، وقد ترد على المتصرف فيكون هذا الرد مجزئا وإذن فلها وجهان فتوصف بالإجزاء وعدمه، فالتمثيل بها غير دقيق. ونقل البدخشى فى شرحه على المنهاج للبيضاوى بعد الكلام على المعرفة بالله تعالى ورد الوديعة: أن الفنرى يرى أن الموصوف بالإجزاء وعدمه إنما هو العبادات المحتملة للوجهين دون ما عداها، ويؤيد ذلك بأن بيع النقدين مثلا يحتمل الوجهين، أحدهما أن يكون مستجمعا للشرائط من التساوى والحلول والتقابض فى المجلس، وثانيهما أن يكون قد اختل فيه شىء من الشروط، ففيه احتمال الوجهين، ومع ذلك لا يوصف بالإجزاء وعدمه. هذا هو رأى الفنرى، وقد علق عليه البدخشى بقوله: كأنه أراد بذلك أن رد الوديعة من المعاملات فلا يوصفا بهما وإن اشتمل على الوجهين، وأقول: الأظهر أن استعمالهما- أى الإجزاء وعدمه- إنما هو فى تفريغ الذمة عن الأمور المتقررة فيها يشهد بذلك التعريفات المذكورة وموارد استعمال الفقهاء ورد الوديعة منها وبهذا يتبين اختلافهم حول هذا المثال ووجهة كل منهم فيه (13) . ويوصف بالإجزاء وعدمه كل من الفرض والواجب والمندوب أداء أو قضاء أو إعادة وفى ذلك يقول صاحب المنهاج: ويوصف بالإجزاء الأ

أجل

أجلٌ المعنى اللغوى جاء فى المصباح: أجل الشىء مدته ووقته الذى يحل فيه، وهو مصدر أجل الشىء أجلا من باب تعب، وهو من باب قعد لغة، وأجلته تأجيلا من باب جعلت له أجلا. وجاء فى القاموس: الأجل محركة غاية الوقت فى الموت، وحلول الدين، ومدة الشىء. وجمعه آجال، والتأجيل تحديد الأجل واستأجلته فأجلنى إلى مدة. واستعمال الفقهاء للفظ أجل لا يخرج عن بعض الاستعمالات اللغوية، فإنه يدور فى اصطلاحاتهم بمعنى المدة، وبمعنى نهاية الوقت، وبمعنى حلول الدين، وهم يستعملون كلمة التأجيل أيضا بالمعنى اللغوى، وقد جاء الأجل فى القرآن بمعنى مدة العدة فى قول الله سبحانه وتعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ((1) . والمراد مدة تربصهن طوال مدة الحمل حتى تمام الوضع. وجاء بمعنى نهاية المدة المضروبة فى قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ((2) وغير ذلك من المعانى التى بينتها اللغة. اشتراط العلم بالأجل والخلاف فيما يعتبر منه معلوما أو مجهولا اتفق الفقهاء على اشتراط العلم بالأجل فى العقود مع اختلاف فيما يكون به الأجل معلوما وإليك التفصيل فى المذاهب: مذهب الحنفية: قال الميرغينانى فى "الهداية" (3) : ولابد فى الأجل أن يكون معلوما لأن الجهالة فيه مانعة من التسليم الواجب بالعقد. وعلق البابرتى على ذلك بقوله (4) : لابد أن يكون الأجل معلوما كى لا يقضى إلى ما يمنع الواجب بالعقد وهو التسليم والتسلم فربما يطلب البائع فى مدة قريبة والمشترى يؤخر إلى مدة بعيدة. وقال الكمال بن الهمام (5) : ولأنه عليه الصلاة والسلام فى موضع شرط الأجل وهو السلم أوجب التعيين حيث قال: من أسلف فى تمر فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وعلى ذلك انعقد الإجماع. وقال الكاسانى فى باب الإجارة (6) : يتحقق الأجل ببيان المدة سواء قصرت أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن تكون المدة مع معلومة، سواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين، ويتعين الزمان الذى يعقب العقد لثبوت حكمه، ولا يلزم التعيين صراحة لأن التعيين قد يكون نصا وقد يكون دلالة. وفى مثل قولنا يوم أو شهر أو سنة وجدت دلالة التعيين من وجهين: أحدهما أن الإنسان إنما يعقد الإجارة للحاجة، والحاجة عقيب العقد قائمة، والثانى: أن العقد يقصد بعقده الصحة ولا صحة لهذا العقد إلا بالصرف إلى الشهر الذى يعقب العقد فيتعين. فإن وقع العقد فى غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف عند الأحناف حتى لو نقص الشهر يوما فى عقد إجارة مثلا كان عليه كمال الأجرة لأن الشهر اسم للهلال، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر. ففى إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام، وفى إجارة الشهور هناك روايتان عن أبى حنيفة: إحداهما اعتبار الشهور كلها بالأيام، والثانية اعتبار تكميل الشهر الأول بالأيام من الشهر الأخير والباقى بالأهلة ". ثم قال الكاسانى نقلا عن الأصل: أنه إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم وهو لأربعة عشر من الشهر - أى بقين- فإنه يسكن بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة وستة عشر يوما من الشهر الأخير. وقال الكاسانى: وهذا الأخير هو قول أبى يوسف ومحمد، ووجهه أن اسم الشهور للأهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة إلا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة فى الشهر الأول فاعتبر فيه الأيام ويمكن فيما بعده فيعمل بالأصل: ووجه الرواية الأولى أن الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف، وإنما تكمل الأيام من الشهر التالى، فإذا أكمل منه يصير أوله بالأيام فيكمل من الذى يليه وهكذا. وجاء فى التنوير وشرحه (7) : " أن ابتداء الأجل فى البيع من وقت التسليم- إذا لم يكن هناك خيار. ولو كان فيه خيار فمن وقت سقوط الخيار عند أبى حنيفة، وعلق ابن عابدين على ذلك بقوله: لأن ذلك وقت استقرار البيع. وجاء فى التنوير وشرح وحاشية ابن عابدين (8) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى مجهول كى لا يفضى ذلك إلى النزاع. وقال ابن عابدين: إن من جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدى الثمن إليه فى بلد آخر ولو قال: إلى شهر على أن يؤدى الثمن فى بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل الشرط، ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن مفرقا أو كل أسبوع البعض فإن لم يشترط فى البيع بل ذكر بعده لم يفسد. وجاء فى موضع آخر (9) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى النيروز. وهو أول يوم من الربيع. ولا إلى يوم المهرجان أول يوم من الخريف. ولا صوم النصارى أو اليهود وفطرهم إذا لم يدر شيئا من ذلك المتعاقدان فلو عرفه جاز بخلاف فطر النصارى بعد ما شرعوا فى صومهم للعلم به، ولا يصح التأجيل إلى قدوم الحاج والحصاد للزرع والدياس للحب والقطاف للعنب لأنها تتقدم وتتأخر، ولو باع مطلقا عن الآجال ثم أجل الثمن إليها صح التأجيل. وعلق ابن عابدين على ذلك بأنه يفيد أن ما ذكره من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت فى أصل العقد بخلاف ما إذا ذكرت بعده كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا، وجاء فى موضع آخر (10) أن الآجال على ضربين: معلومة ومجهولة. والمجهولة على ضربين: متقاربة كالحصاد ومتفاوتة كهبوب الريح فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما والدين لا يجوز لمجهول لكن لو جهالة متقاربة وأبطله المشترى قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو يعد مضيه. أما لو متفاوتة وأبطله المشترى قبل التفرق انقلب جائزا ثم قال: ونقل الحصكفى فى موضع آخر عن البعض أن إبطاله فى التفرق شرط فى المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وعلق على ذلك بأنه خطأ. وفى الهداية وشروحها (11) : لا يجوز السلم إلا بأجل معلوم لقوله عليه السلام: " من أسلف ... الحديث " ولأن الجهالة فى الأجل مفضية إلى المنازعة فهذا يطالبه فى مدة قريبة وذلك يؤديه فى بعيدها. مذهب المالكية: قال خليل والدردير فى باب السلم (12) : يشترط أن يكون الأجل بمعلوم للمتعاقدين ولو حكما كمن لهم عادة بوقت القبض. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: يشترط فى الأجل أن يكون معلوما ليعلم منه الوقت الذى يقع فيه قضاء المسلم فيه ومثل خليل والدردير للأجل المعلوم بالنيروز والحصاد والدراس وقدوم الحاج والصيف والشتاء. وقال الدردير: إن فى ذلك إشارة إلى أن الأيام المعلومة كالمنصوصة. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: إن الأيام المعلومة للمتعاقدين كالمنصوصة، والأيام المعلومة مثل خذ هذا الدينار سلما على إردب قمح إلى النيروز أو إلى عاشوراء أو لعيد الفطر أو لعيد الأضحى أو لمولد النبى صلى الله عليه وسلم، والحال أنهما يعلمان أن النيروز أول يوم من شهر توت وأن عاشوراء عاشر يوم من شهر المحرم، وأن مولد النبى صلى الله عليه وسلم ثانى عشر ربيع الأول وهكذا. والمنصوصة كخذ هذا الدينار سلما فى أردب قمح إلى أول شهر رجب أو آخذه منك بعد عشرين يوما. ثم قال خليل والدردير (13) : إن الأشهر إذا ضربت أجلا تحسب بالأهلة إن وقع العقد فى أولها فإن وقع فى أثناء شهر من ثلاثة مثلا حسب الثانى والثالث بالهلال وتمم الأول المنكسر بثلاثين يوما من الرابع، وهذا يوافق الرواية الثانية التى نقلناها عن أبى حنيفة. ويقولان أيضا (14) : وجاز عدم بيان الابتداء لمكتر شهرا أو سنة مثلا من غير ذكر مبدأ، وحمل من حين العقد وجيبة- أى مدة محدودة- أو مشاهرة، فإن وقع على شهر فى أثنائه فثلاثون يوما من يوم العقد، وجاز الكراء مشاهرة وهو عبارة عما عبر فيه بكلمة كل نحو كل شهر بكذا أو كل يوم أو كل جمعة أو كل سنة. ثم قال الدردير (15) : فإن بين المبدأ، وإلا فمن يوم العقد. وقال خليل والدردير: ويجوز أن يقول هذا الشهر أو هذه السنة أو شهرا بالتنكير، أو إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا أو إلى يوم كذا كل ذلك وجيبة تلزم بالعقد نقد أو لم ينقد ما لم يشترطا أو أحدهما الحل عن نفسه متى شاء. وعلق الدسوقى على قول الدردير: "فإن وقع العقد على شهر.. إلخ ". فقال: إن وقع العقد على شهر وكان العقد فى أول الشهر لزمه كله على ما هو عليه من نقص أو تمام، وكذا السنة إذا وقع العقد عليها فإن كان فى أول يوم منها لزمه اثنا عشر شهرا بالأهلة، وإن كان بعد ما مضى من السنة أيام لزمه أحد عشر شهرا بالأهلة وشهر ثلاثون يوما. وقال الدسوقى فى التعليق على اشتراط العلم بالأجل فى باب السلم (16) : إن الأجل المجهول لا يجوز للغرر. وقال الدردير: لا يجوز التأجيل فى السلم إلى ما لا يجوز التأجيل فى البيع إليه. ومثل لذلك الدسوقى بمدة التعمير وقال: إن تأجيل الثمن أو المثمن إليها مفسد للعقد. مذهب الشافعية: يقول الشافعى- رضى الله عنه- فى الآجال فى السلف والبيوع (17) : إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سلف فليسلف فى كيل معلوم وأجل معلوم" يدل على أن الآجال لا محل لها إلا أن تكون معلومة، وكذلك قال الله جل شأنه: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (. فلهذا اشترط الشافعية كغيرهم كون الأجل معلوما. جاء فى المنهاج وشرحه (18) : يشترط العلم بالأجل. فلو لم يكن معلوما لم يصح ويدخل فى العلم ما إذا قال: إلى أول رمضان أو إلى آخره على الصحيح. قال الشارح: وقد سوى الشيخ أبو حامد بين التأجيل إلى رمضان أو إلى غرته أو إلى هلاله أو إلى أوله فإن قال إلى أول يوم من الشهر حل بأول جزء من أول اليوم وقال (19) : لا يصح السلم مع جهالة الأجل كالسلم إلى الحصاد واليسرة - أى وقت يسار الناس عادة- وقدوم الحاج وطلوع الشمس. أى ظهور ضوئها لأن الضوء قد يستره الغيم. ولم يريدا وقتهما المعين، ونحو أول رمضان أو أخره لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله. ونقل عن الإمام البغوى أن ذلك ينبغى أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف وقال السبكى: إنه الصحيح، ونقله الأوزاعى وغيره عن نص الأم وقال: إنه الأصح نقلا ودليلا. وقال الزركشى: إنه المذهب، ثم قال صاحب شرح المنهاج: ولو أجل بقوله فى رمضان لا يصح لأنه جعل جميعه ظرفا فكأنهما قالا: يحل فى جزء من أجزائه وهو مجهول. ويقول قليوبى (20) : الأجل بالنيروز صحيح وهو نزول الشمس أول برج الميزان وهو نصف شهر توت القبطى والمشهور الآن أنه أوله، وكذا بالصليب وهو سابع عشر شهر توت، وبالمهرجان وهو نزول الشمس أول برج الحمل وهو نصف شهر برمهات وقال فى حاشية قليوبى (21) : لا يجوز بفصح النصارى ولا بفطير اليهود- وهما عيدان لهما- كما نص عليه الشافعى رضى الله عنه لاختلاف وقتيهما. قال بعضهم: ولعل ذلك كان فى زمنه وإلا فهما الآن فى زمن معين عندهم. ونرد بأن وقتهما قد يتقدم ويتأخر كما يعرفه من له إلمام بحساب القبط. وقد رجعنا إلى كتاب الأم للشافعى فى هذا فإذا هو يقول (22) : ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد ولا جداد ولا عيد النصارى وهذا غير معلوم لأن الله حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام. فقال جل ثناؤه: (يسألونك عن الأهلة ((23) ، وساق جملة آيات ثم قال: فأعلم الله بالأهلة جمل المواقيت والأهلة مواقيت الأيام ولم يجعل علما لأهل الإسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله. وقال: ولو لم يكن هذا هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد بخلافه. وخلافه قول الله عز وجل: (أجل مسمى (والأجل المسمى ما لا يختلف، والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتقدمان ويتأخران بقدر عطش الأرض وريها وبقدر برد الأرض والسنة وحرها، ولم يجعل الله فيما استأخر أجلا إلا معلوما. والعطاء موكول إلى السلطان يتأخر ويتقدم، وفصح النصارى عندنا يخالف حساب الإسلام ويخالف ما أ

إجماع (أ)

إجماع (أ) معنى الإجماع فى اللغة جاء فى لسان العرب: " جمع الشىء عن تفرقة، يجمعه جمعا، وجمعه، وأجمعه، فاجتمع. والمجموع الذى جمع من ههنا وههنا وأن لم يجعل كالشىء الواحد. والجمع أيضا: المجتمعون، ومثله الجميع. ويقال: جمع أمره، وأجمعه، وأجمع عليه، أى عزم عليه كأنه يجمع نفسه له. ويقال أيضا: أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا. ومنه قوله تعالى " فأجمعوا أمركم " (1) . وقولهم: " أجمع أمره ": معناه: جعله جميعا بعد ما كان متفرقا، وتفرقه أنه جعل يديره، فيقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر محكم أجمعه، أى جعله جميعا. وفى الحديث: " من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له ". ولم يجىء فى لسان العرب: أجمع القوم على كذا: بمعنى اتفقوا، وكذلك لم يجىء هذا المعنى فى أساس البلاغة ولا فى مختار الصحاح، ولكن صرح به فى كل من القاموس والمصباح والمفردات فى غريب القرآن. قال فى القاموس: والإجماع الاتفاق، وجعل الأمر جميعا بعد تفرقه، والعزم على الأمر، أجمعت الأمر وعليه. وقال فى المصباح: وأجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه، يتعدى بنفسه وبالحرف عزمت عليه وفى حديث " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، أى من لم يعزم عليه فينويه، وأجمعوا على الأمر: اتفقوا عليه ". وقال فى مفردات القرآن: " وأجمعت كذا: أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " ونحو " فأجمعوا كيدكم ". ويقال: " أجمع المسلمون علن كذا: اجتمعت آراؤهم عليه " ويؤخذ من هذا أن الإجماع فى اللغة يطلق تارة بمعنى العزم وتارة بمعنى الاتفاق (2) ، فهو لفظ مشترك، وبذلك جزم الغزالى فى المستصفى وهو ينقل المعنى اللغوى للفظ الإجماع (3) . لكن قال ابن برهان، وابن السمعانى: "الأول، أى العزم، أشبه باللغة. والثانى، أى الاتفاق أشبه بالشرع " (4) . وكأنهما يترددان فى أن الاتفاق معنى لغوى أصيل كالعزم، ولا محل لهذا بعد مجيئه فى كتب اللغة التى ذكرناها، على أن بعض اللغويين يعكس فيجعل المعنى اللغوى الأصيل للإجماع هو الاتفاق لأنه من أجمع إذا انضم إليه غيره فصار ذا جمع كما يقال أتمر أى صار ذا تمر، وألبن أى صار ذا لبن، وأبقل المكان أى صار ذا بقل. نقله الإسنوى فى شرحه عن أبى على الفارسى فى الإيضاح، وذكره الرازى ثم قال: والأظهر من جهة اللغة أن المراد الاتفاق على أمر من الأمور، وجزم به الجلال فى شرحه على الفصول،، إذ قال هو من الاجتماع بمعنى التوافق لا غير (5) . وفى شرح مسلم الثبوت عند الكلام على المعنى اللغوى: " أن الإجماع لغة العزم والاتفاق، وكلاهما من الجمع، فإن العزم فيه جمع الخواطر، والاتفاق فيه جمع الآراء " (6) . معنى الإجماع فى الاصطلاح الإجماع إما مطلق، وإما مضاف: فالمطلق: هو ما يذكر فيه لفظ الإجماع دون إضافة إلى فريق معين، بأن يذكر مقطوعا عن الإضافة، كما يقال ثبتت الزكاة بالكتاب والسنة والإجماع، أو يذكر مضافا إلى الأمة، أو المسلمين، أو العلماء، أو نحو ذلك مما يفيد عمومه وعدم اختصاصه بفريق دون فريق. كما يقال: إجماع الأمة منعقد على وجوب الصلوات الخمس على كل مكلف، وإجماع المسلمين قائم على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. والمضاف: هو الذى يذكر فيه اللفظ منسوبا إلى فريق خاص، كما يقال إجماع أهل المدينة، وإجماع عترة الرسول صلى لله عليه وسلم، وإجماع أهل الحرمين، وإجماع الشيخين، وإجماع الخلفاء الراشدين ونحو ذلك. والتعاريف التى يذكرها جمهور علماء المذاهب الأربعة السنية المعروفة ومذهب الإباضية، إنما هى للإجماع بالمعنى المطلق. أما غير هذه المذاهب الخمسة فلهم اصطلاحات فى الإجماع تختلف عن ذلك اختلافا بعيدا، أو قريبا وهذا هو تفصيل القول بعد إجماله. معنى الإجماع فى مذاهب السنة والمذهب الإباضى عرفه الغزالى فى المستصفى بقوله: "هو اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة على أمر من الأمور الدينية " (7) . وهذا التعريف يجعل المجمعين هم الأمة كلها، ويجعل المجمع عليه هو ما كان من الأمور الدينية خاصة، ولذلك اعترض عليه الآمدى فى الأحكام باعتراضين: أحدهما: أنه يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة، فإن أمة محمد هم جملة من اتبعه إلى يوم القيامة، ومن وجد فى بعض الإعصار منهم إنما هم بعض الأمة لا كلها، وليس ذلك- أى كون المجمعين هم جميع الأمة إلى يوم القيامة- مذهبا للغزالى ولا لأى أحد ممن اعترف بوجود الإجماع. الثانى: أنه يلزم من تقييده الإجماع بالاتفاق على أمر دينى ألا يكون إجماع الأمة على قضية عقلية أو عرفية حجة شرعية، وليس الأمر كذلك (8) . ثم قال الآمدى: " والحق فى ذلك أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع. هذا إن قلنا أن العامى لا يعتبر فى الإجماع، وإلا فالواجب أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الحد المذكور. فقولنا: " اتفاق " يعم الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير. وقولنا: " جملة أهل الحل والعقد " احتراز عن اتفاق بعضهم وعن اتفاق العامة وقولنا " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم " احتراز عن اتفاق أهل الحل والعقد من أرباب الشرائع السابقة. وقولنا " فى عصر من الأعصار " حتى يندرج فيه إجماع أهل كل عصر، وإلا أوهم ذلك أن الإجماع لا يتم الا باتفاق أهل الحل والعقد فى جميع الأعصار إلى يوم القيامة. وقولنا " على حكم واقعة " ليعم الإثبات والنفى، والأحكام العقلية والشرعية " (9) . وعرفه النسفى فى شرحه للمنار بقوله:" هو اتفاق علماء كل عصر من أهل العدالة والاجتهاد على حكم " (10) وهو يعبر بأهل العدالة والاجتهاد بدل تعبير الغزالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعبير الآمدى بجملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد أطلق فيه المجمع عليه فقال " على حكم " ليعم الحكم الشرعى وغيره كما فعال الآمدى. وعرفه عبد العزيز البخارى فى حاشيته على أصول البزدوى بقوله: " وهو اتفاق المجتهدين من هذه الأمة فى عصر على أمر من الأمور " (11) . وهو شبيه بتعريفه النسفى السابق، غير أنه ذكر "اتفاق المجتهدين " بدل " أهل العدالة والاجتهاد ". والقرافى يذكر أنه " اتفاق أهل الحل والعقد.. إلى آخره " (12) . ومعروف أن القرافى مالكى المذهب، وأن إمامه ينسب إليه القول بأن إجماع أهل المدينة يكفى ولو خالفهم غيرهم، وسيأتى بيان ذلك وتخريج المالكية له. ويعرفه موفق الدين ابن قدامة المقدسى الحنبلى فى " روضة الناظر " بقوله: "هو اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين " (13) . وهو شبيه بتعريف الغزالى السابق فى جعله محل الإجماع هو الأمور الدينية، وفسره بعض الحنابلة بقوله: " أى على أمر يتعلق بالدين لذاته أصلا أو فرعا، وهو احتراز عن اتفاق علماء الأمة على أمر دنيوى، كالمصلحة فى إقامة متجر أو حرفة، أو على أمر دينى لكنه لا يتعلق بالدين لذاته، بل بواسطة، كاتفاقهم على بعض مسائل العربية أو اللغة أو الحساب ونحوه، فإن ذلك ليس إجماعا شرعيا أو اصطلاحيا (14) ويعرفه الشيخ أبو محمد عبد الله بن حميد السالمى الإباضى فى شرحه المسمى بطلعة الشمس على ألفية الأصول، فيقول: " الإجماع فى عرف الأصوليين والفقهاء وعامة المسلمين هو اتفاق علماء الأمة على حكم فى عصر، وقيل: اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر على أمر، وزاد بعضهم: ولم يسبقه خلاف مستمر فيخرج علي التعريف الأول عوام الأمة ممن لا علم له، فلا يقدح خلافهم فى انعقاد الإجماع، ويدخلون على التعريف الثانى فيعتبر وفاقهم فى انعقاد الإجماع " (15) . وقيد " عدم سبق الخلاف المستمر "، موضع خلاف بين العلماء سنبينه إن شاء الله فى شروط الإجماع ودخول العوام فى المجمعين أو عدم دخولهم موضع خلاف أيضا، وسيأتى فى الكلام عمن هم أهل الإجماع. وهناك قيد لابد منه خلت التعاريف السابقة من التقييد به، وتنبه إليه بعض المؤلفين، ومنهم الشوكانى فى إرشاد الفحول، فقد قال فى تعريفه: " هو اتفاق مجتهدى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فى عصر من العصور على أمر من الأمور ". فزاد قوله " بعد وفاته " وقال: إنه خرج به الإجماع فى عصره - صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه لا اعتبار به (16) . وهناك زيادات أخرى يذكرها بعضهم فى تعريف الإجماع، حسب قوله بشرط معين، كالذى يشترط فى حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر، فيزيد قيد الانقراض، وكالذى يشترط بلوغ المتفقين حد التواتر فيزيد فى التعريف ما يفيد ذلك. وقد بين شارح مسلم الثبوت أن التعريف غير محتاج إلى التقييد بكل هذه القيود، فإن منها ما هو شرط للحجية لا دخل له فى الحد (17) . هذه هى آراء جمهور العلماء فى مذاهب السنة الأربعة، ومذهب الإباضية فى تعريف الإجماع اصطلاحا: وإليك أقوال غيرهم: مذهب الظاهرية فى معنى الإجماع: يرى الظاهرية أن الإجماع " هو اتفاق الأمة خاصها وعامها على ما علم من الدين بالضرورة، أو اتفاق الصحابة خاصة فيما وراء ذلك". ويؤخذ هذا من كلام ابن حزم فى كتابه الأحكام، إذ يقول: " أن الإجماع الذى هو الإجماع المتيقن ولا إجماع غيره لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى، لكن ينقسم قسمين: أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الإسلام فى أن من لم يقل به فليس مسلما، كشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وكوجوب الصلوات الخمس، وكصوم شهر رمضان وكتحريم الميتة والدم والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة، فهذه أمور من بلغته فلم يقر بها فليس مسلما، فإذ ذلك كذلك، فكل من قال بها فهو مسلم، فقد صح أنها إجماع من جميع أهل الإسلام. والقسم الثانى: شىء شهد هـ جميع الصحابة رضى الله عنهم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه عليه السلام منهم، كفعله فى خيبر، إذ أعطاها يهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر، يخرجهم المسلمون إذا شاءوا، فهذا لا شك عند كل أحد فى أنه لم يبق مسلم فى المدينة إلا شهد الأمر أو وصل إليه. عرف ذلك الجماعة من النساء والصبيان والضعفاء، ولم يبق بمكة والبلاد النائية مسلم إلا عرفه وسر به (18) . ويتبين من هذا أن الظاهرية لا يعتبرون اتفاق غير الصحابة فيما وراء أصول الدين المعلومة بالضرورة إجماعا، وهذا أقرب إلى أن يكون بحثا فى الحجية لا بحثا فى مفهوم الإجماع، وسيأتى الكلام فى ذلك إن شاء الله تعالى. مذهب الزيدية فى معنى الإجماع: يختلف الزيدية عن الإمامية فى تعريف الإجماع، إذ يرون أنه اتفاق المجتهدين على أحد وجهين: الوجه الأول: " اتفاق المجتهدين من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فى عصر على أمر"، وهذا شامل للعترة وغيرهم. الوجه الثانى: " اتفاق المجتهدين من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعده فى عصر على أمر "، والمراد بعترة الرسول على وفاطمة والحسنان فى عصرهم، ومن كان منتسبا إلى الحسنين فى كل عصر من قبل الآباء، فلو قام إجماع العترة على أمر وخالفهم غيرهم فلا يعتبر خلافهم ناقضا للإجماع. وقولهم " من قبل الآباء" يخرج به من كان من قبل الإناث كأولاد سكينة بنت الحسين بن على فإنها تزوجت بمصعب بن الزبير فمن كان من جهتهما فلا يدخل (19) . مذهب الإمامية فى معنى الإجماع: إن الشيعة الإمامية يعرفون الإجماع بأنه " كل اتفا

إجماع (ب)

إجماع (ب) خامسا: لا يتحقق الإجماع بعترة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدهم عند الجمهور كافة الزيدية يقولون: إن الإجماع عام وخاص، كما قدمنا، فالعام هو إجماع جميع المجتهدين والخاص هو إجماع مجتهدى عترة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولو انفرد العترة وحدهم فأجمعوا على أمر فى عصر من العصور دون غيرهم انعقد الإجماع بذلك ولم يتوفف على موافقة الغير. وقد بينا فى تعريف الإجماع مرادهم بالعترة، وقد وافقهم على مذهبهم بعض العلماء، منهم أبو هاشم وأبو عبد الله البصرى، والقاضى عبد الجبار، فى رواية عنه، واحتجوا على مذهبهم بالكتاب والسنة فأما الكتاب فقوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (169) . وجه الدلالة أنه تعالى أخبر مؤكدا بالحصر بإرادته إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيرا تاما، وما يريده الله تعالى من أفعاله واقع قطعا، فثبت ذهاب الرجس عنهم، وطهارتهم عنه الطهارة التامة، والرجس المطهرون عنه ليس إلا ما يستخبث من الأقوال والأفعال، ويستحق عليه الذم والعقاب، لأن معناه الحقيقى لا يخلو عنه أحد منهم. وليس المراد إذهابه عن كل فرد، لأن المعلوم خلافه، فتعين أن المقصود إذهابه عن جماعتهم فجماعتهم إذن معصومة وهو المطلوب، وكذلك استدلوا بقوله تعالى:" قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى ". دلت الآية على أن مودتهم طاعة، بل واجبة، فيكونون على الحق، وإلا حرمت مودتهم، بقوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " وغيرها. وكونهم على الحق يقتضى وجوب متابعتهم، لعدم الواسطة بين الحق والضلال بدليل قوله تعالى " فماذا بعد الحق إلا الضلال " والمراد بالقربى أهل البيت 0 وأما السنة فأحاديث كثيرة رووها وتمسكوا بها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إنى تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدى أبدا: كتاب الله، وعترتى، أهل بيتى، ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ". وحديث الثقلين هذا شهور عندهم ومروى من جهات كثيرة. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك ". ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " أهل بيتى أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ". وقد عنى الزيدية بإيراد هذه الأحاديث والاستدلال بها على ما ذهبوا إليه، وترى ذلك فى كتبهم ومنها كتاب "هداية العقول " الذى أفاض فى إيراد الأدلة على ذلك، وفى مناقشة معارضيها أو ناقضيها (170) . ويرد عليهم علماء الجمهور: أولا: بأن المراد من قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، فالآية نازلة فيهن بين آيات سابقة لها، وآية لاحقة بها، فالآيات السابقة تبدأ من قوله تعالى: "يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " (171) إلى قوله تعالى " وقلن قولا معروفا " (172) . ثم تأتى آية الاستدلال، وهى قوله تعالى " وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (173) . والآية اللاحقة بذلك هى قوله تعالى: " واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا " (174) . فالكلام فى هذه الآيات إنما هو مع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى عبر فى إذهاب الرجس بقوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " فأتى بضمير الخطاب للذكور فى لفظ " عنكم " وأتى بلفظ " أهل البيت " فيفهم من ذلك أنه أراد أن يعمم هذا الحكم وهو حكم إرادة التطهير فى أهل البيت رجالا ونساء على سنة تغليب المذكر إذا اجتمع رجال ونساء، فغاية ما يدل عليه ذلك هو اشتراك قرابة النبى وأزواجه فى هذا التطهير المراد، فإذا كان هذا يدل على عصمتهم وحجية إجماعهم فقولوا بذلك أيضا فى الأزواج كما قلتم به فى القرابة والعترة وأنتم لم تقولوا به، فبطلت حجتكم. ثانيا: معنى الرجس الذنب، فغاية ما يلزم العصمة عن الذنوب لا العصمة عن الخطأ فى الاجتهاد كيف والمجتهد المخطىء يؤجر ويثاب، فكيف يكون ما يؤجر عليه الإنسان ويثاب من باب الرجس. ويحتمل أن يكون المراد من الرجس الشرك أو الإثم، أو الأهواء، أو البدع، أو يكون إذهاب الرجس بما ساق إليهم من تشريع، فلا يلزم منه العصمة من الخطأ فى الاجتهاد أيضا. وقد كثر الجدال فى المعنى المراد من هذه الآية، وحاول كل فريق أن يقوى دلالتها على ما ذهب إليه أو على نفى ما ذهب إليه الآخرون، ولا يتسع المجال لذكر هذا كله، فمن شاء فليرجع فيه إلى كتب الفريقين، مثل " هداية العقول " فى أصول الزيدية، وشرح مسلم الثبوت، فكل منهما يمثل وجهة نظره فى استقصاء، ويرد على ما يناقشه به الآخرون (175) . وكذلك الكلام فى باقى الأدلة التى استدلوا بها من الكتاب. أما استدلالهم بالأحاديث فقد رد عليهم فيه بأن هذه الأحاديث آحاد، وخبر الواحد ليس بحجة فى مثل هذا ولكنهم لا يقبلون هذا الرد، فإن الأحاديث التى أتوا بها متواترة، إما لفظا بذكر الاعتصام بآل البيت نصا، أو على سبيل التواتر المعنوى، كما قال الجمهور فى أحاديث عصمة الأمة عن الخطأ والضلال. وقد عارضهم الجمهور بمثل " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم واهتديتم " وبما تواتر عن الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يجتهدون ويفتون بخلاف ما أفتى به أهل البيت ولا ينكر أحد عليهم، ولا يعيبهم أهل البيت أنفسهم، وهذا يفيد أن أهل البيت لا يقولون بوجوب اتباع ما أجمعوا عليه. ألم تر كيف رد ابن مسعود قول أمير المؤمنين على فى عدة الحامل المتوفى عنه زوجها، وكيف رد شريح قوله بقبول شهادة الابن، مع أن كلا من الزيدية والإمامية يقولون بحجية قوله، ويستدلون لذلك بأدلة عندهم، فقول الإمام إذن يدل على إجماع أهل البيت عند الإمامية والزيدية، فكيف ساغ للصحابة والتابعين أن يخالفوه. بمثل هذا يستدل الجمهور على بطلان القول بأن إجماع عترة الرسول صلى الله عليه وسلم يكفى حين ينفردون به عن غيرهم من مجتهدى الأمة، والنقاش طويل والمراجع هى المراجع التى ذكرناها للفريقين. سادسا: إجماع أهل المدينة إجماع أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور لأنهم بعض الأمة، والأدلة الدالة على كون الإجماع حجة متناولة لأهل المدينة وغيرهم. وقال مالك رحمه الله تعالى: أنه حجة فلا يعتد بمخالفة غيرهم، ومن أصحابه من قال: إنما أراد بذلك ترجيح روايتهم علي رواية غيرهم. ومنهم من قال: أراد به أن إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته (176) . وقال الباجى: إنما أراد حجية إجماع أهل المدينة فيما كان طريقه النقل المستفيض، كالصاع والمد والأذان والإقامة وعدم وجوب الزكاة فى الخضروات مما تقضى العادة بأن تكون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم، فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء0 وقال القاضى عبد الوهاب: إجماع أهل المدينة على ضربين: نقلى، واستدلالى. فالأول كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأجناس وكتركهم أخذ الزكاة من الخضروات مع أنها كانت تزرع بالمدينة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لا يأخذون منها، وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه وترك الأخبار والمقاييس به، لا اختلاف بين أصحابنا فيه 0 والثانى، وهو إجماعهم من طريق الاستدلال، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه ليس بإجماع ولا مرجح. والثانى: أنه مرجح 0 والثالث: أنه حجة ولكن لا يحرم خلافه وإذا عارض هذا النوع الاستدلالى خبر فالخبر أولى عند جمهور أصحابنا، وقد صار جماعة إلى أنه أولى من الخبر بناء منهم على أنه إجماع وليس بصحيح لأن المشهود له بالعصمة إجماع كل الأمة لا بعضها (177) . ويرى ابن الحاجب المالكى أن الصحيح التعميم، أى القول بكونه حجة مطلقا، لأن العادة جرت بعدم إجماع هذا الجمع الكثير من العلماء المحصورين الأحقين بالاجتهاد إلا عن راجح (178) . وقد قيد ابن الحاجب إجماع أهل المدينة الذى فيه الكلام بأنه إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين. ويقول الغزالى فى الرد على ما ذهب إليه مالك: " إن أراد مالك أن المدينة هى التى جمعت فى زمن الصحابة أهل الحل والعقد، فمسلم له ذلك لو جمعت، وليس ذلك بمسلم بل لم تجمع المدينة جميع العلماء لا قبل الهجرة ولا بعدها، بل ما زالوا متفرقين فى الأسفار والغزوات والأمصار. وإن أراد أن اتفاقهم فى قول أو عمل يدل على أنهم استندوا إلى سماع قاطع لأن الوحى الناسخ نزل فيهم فلا تشذ عنهم مدارك الشريعة، فهذا تحكم، إذ لا يستحيل أن يسمع غيرهم حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر أو فى المدينة لكن يخرج منها قبل نقله، وربما احتجوا بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها، وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة، ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم " (179) . ونقل صاحب طلعة الشمس فى أصول الإباضية عن الحاكم قوله: " والمشهور عن مالك أنه رد الخبر بفعل أهل المدينة حتى قال ابن ذؤيب: يستتاب مالك " (180) . يريد أن مالكا روى إجماع أهل المدينة على أن البيع بشرط البراءة لا يجوز ولا يبرىء من العيب أصلا علمه أو جهله، ثم خالفهم، فلو أخذناه بمذهبه لقلنا له: خالفت الإجماع ومن خالف الإجماع يستتاب. وهذه المخالفة من مالك لما عليه العمل والإجماع من أهل المدينة، يستدل بها من يؤول مذهب مالك فى ذلك. ويقول: لو كان يرى أن إجماعهم حجة لم تسعه مخالفته (181) . بل كل ما هنالك أنه يرجح نقلهم على نقل غيرهم، وهذا ما يشاركه فيه الشافعى، فقد أشار إلى هذا فى القديم، ورجح رواية أهل المدينة، وحكى عنه ذلك يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعى: إذا وجدت متقدمى أهل المدينة على شىء فلا يدخل فى قلبك شك أنه الحق، وكلما جاءك شىء غير ذلك فلا تلتفت إليه ولا تعبأ به (182) . ثم استمر صاحب طلعة الشمس فى التعقيب على ما اشتهر نقله عن مالك فقال: " إن أكابر علماء الصحابة كانوا خارجين عن المدينة، وهذا يستلزم ألا يعتد بخلافهم، وهو من البعد بمنزلة لا تخفى على ذوى الألباب، فإن عليا وابن مسعود وأبا موسى وغيرهم كانوا بالكوفة، وأنس فى البصرة وأبو الدرداء بالشام، وسلمان فى المدائن، وأبو ذر كان فى الربذة، ومن المحال ألا يعتد بخلاف هؤلاء لأهل المدينة، فبطل ما زعموا. هذا ما قاله صاحب المنهاج، وهو من الحسن بمنزلة لا تخفى " (183) . سابعا: إجماع الخلفاء الراشدين " لا ينعقد الإجماع عند الجمهور باتفاق الخلفاء الأربعة أو الخمسة، فيما لو عد الحسن بن على رضى الله عنه (184) ، مع وجود المخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم، ولا ينعقد من باب أولى باتفاق الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما. وذلك لما سبق من أن الدلالة الدالة على اعتبار الإجماع حجة متناولة لإجماع أهل الحل والعقد كلهم فلا خصوصية للخلفاء الراشدين. ونقل الآمدى وغيره عن أحمد بن حنبل، فى إحدى روايتين عنه، أنه يرى إجماع الخلفاء الأربعة حجة. وكذلك نقل هذا عن القاضى أبى حازم من أصحاب أبى حنيفة (185) وعن بعض الظاهرية (186) وعن ابن البنا من الحنابلة (187) ، وحجة من قال بإجماع الأربعة، أو الخمس

إجمال

إجمال 1- تعريف المجمل: ا) الإجمال فى اللغة: المجمل لغة هو المبهم من أجمل الأمر إذا أبهم، وقيل: هو المجموع، من أجمل الحساب إذا جمعه وجعله جملة واحدة، وقيل: هو المتحصل من أجمل الشىء إذا حصله، والجملة جماعة كل شىء بكماله (1) . ب) تعريف الإجمال فى اصطلاح الأصوليين: يعرف من تعريفهم للمجمل على اختلافهم فى ذلك. ج) تعريف المجمل عند الحنفية: المجمل عند الأحناف أحد أقسام أربعة للمبهم: وهى الخفى، والمشكل، والمجمل، والمتشابه. ولهم فيه تعريفات منها: المجمل، هو ما ازدحمت فيه المعانى واشتبه المراد منه اشتباها لا يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى الاستفسار، ثم الطلب ثم التأمل (2) . ومنها المجمل " لفظ لا يفهم المراد منه إلا باستفسار من المجمل وبيان من جهته، وذلك إما لتوحش فى معنى الاستعارة، أو فى صيغة عربية مما يسميه أهل الأدب لغة غريبة (3) . ومنها المجمل " اللفظ الذى خفى المراد منه فلا يدرك إلا بالنقل " (4) . د) تعريف المجمل عند المتكلمين: عرف المجمل عند علماء الأصول الذين جروا على طريقة المتكلمين بتعريفات عدة: فعرفه أبو إسحاق الشيرازى بقوله: " المجمل: هو ما لا يعقل معناه من لفظه ويفتقر فى معرفة المراد إلى غيره " (5) . ويعرفه الجوينى فى البرهان فيقول: " المجمل فى اصطلاح الأصوليين: هو المبهم، والمبهم هو الذى لا يعقل معناه، ولا يدرك منه مقصود اللافظ ومبتغاه " (6) . وعرفه الآمدى فقال: " الحق أن يقال بأن المجمل هو ما له دلالة على أحد أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه" (7) . وعرفه ابن الحاحب بقوله: " المجمل هو ما لم تتضح دلالته " (8) . وقال القفال الشاشى وابن فورك: " المجمل ما لا يستقل بنفسه فى المراد منه حتى يأتى تفسيره " (9) . الهاء) تعريف المجمل عند الظاهرية يعرف ابن حزم الظاهرى المجمل بقوله: " لفظ يقتضى تفسيرا يؤخذ من لفظ آخر" (10) . أقسام المجمل المجمل أقسام ثلاثة: مجمل بين حقائقه، ومجمل بين أفراد الحقيقة الواحدة ومجمل بين مجازاته. وفى بيان ذلك يقول البيضاوى: " اللفظ إما أن يكون مجملا بين حقائقه، كقوله تعالى: " ثلاثة قروء " أو أفراد حقيقة واحدة مثل: " أن تذبحوا بقرة "، أو مجازاته إذا انتفت الحقيقة وتكافأت المجازات (11) . ويقول الإسنوى شرحا لذلك: المجمل على أقسام: أحدها: أن يكون مجملا بين حقائقه، أى بين معان وضع اللفظ لكل منها، كقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء "، فإن القرء موضوع بإزاء حقيقتين وهما: الحيض والطهر. والثانى: أن يكون مجملا بين أفراد حقيقة واحدة، كقوله تعالى: " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة "، فإن لفظ البقرة موضوع لحقيقة واحدة معلومة ولها أفراد، والمراد واحد معين منها. والثالث: أن يكون مجملا بين مجازاته وذلك إذا انتفت الحقيقة، وتكافأت المجازات، فلم يترجح بعضها على بعض ". أسباب الإجمال الذى يؤخذ من تعريفات الحنفية للمجمل، أن أسباب الإجمال ثلاثة (12) . أولا: ازدحام معانى اللفظ واشتباه المراد منها اشتباها لا يدرك بنفس العبارة، " بل بالرجوع إلى الاستفسار ثم الطلب، ثم التأمل وذلك كالألفاظ المشتركة، مثل المولى، والقرء. ثانيا: التوحش فى معنى الاستعارة، وذلك إذا نقل اللفظ من معناه فى اللغة إلى معنى غير معلوم يقصده الشارع منه، وذلك كالصلاة. والصوم والحج وغير ذلك من الألفاظ التى نقلت من معناها لغة إلى معنى شرعى غير معلوم لنا قبل بيانه من الشارع نفسه. ثالثا: غرابة الصيغة أو اللغة الغريبة ومثلوا له باستعمال كلمة. "هلوعا" فى قولة تعالى " إن الإنسان خلق هلوعا " التى بينها الشارع بقوله " إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا". مواضع الإجمال بيَّن الغزالى مواضع الإجمال فقال: " اعلم أن الإجمال تارة يكون فى لفظ مفرد، وتارة يكون فى لفظ مركب، وتارة فى نظم الكلام والتصريف وحروف النسق ومواضع الوقف والابتداء. أما اللفظ المفرد فقد يصلح لمعان مختلفة كالعين للشمس والذهب والعضو الباصر والميزان، وقد يصلح لمتضادين كالقرء، للطهر والحيض، والناهل للعطشان والريان، وقد يصلح لمتشابهين بوجه ما، كالنور للعقل ونور الشمس، وقد يصلح لمتماثلين كالجسم للسماء والأرض، وقد يكون موضوعا لهما من غير تقديم وتأخير 0 وقد يكون مستعارا لأحدهما من الآخر كقولك: الأرض أم البشر فإن الأم وضع اسما للوالدة أولا، وكذلك اسم المنافق والكافر والفاسق والصوم والصلاة فإنه نقل فى الشرع إلى معان ولم يترك المعنى الوضعى أيضا. أما الاشتراك مع التركيب فكقوله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح ". فإن جميع هذه الألفاظ مرددة بين الزوج والولى 0 وأما الذى بحسب التصريف فكالمختار للفاعل والمفعول، وقد يكون بحسب الوقف والابتداء مثل قوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم " من غير وقف يخالف الوقف على قوله " إلا الله "، وذلك لتردد الواو بين العطفة والابتداء " (13) . ولا يختلف الشيرازى والآمدى فى بيانهما لمواضع الجنس والقدر فيحتاج إلى بيان. الإجمال فى الأفعال يقرر الأصوليون أن الإجمال كما يكون فى الأقوال يكون فى الأفعال، ومثال ذلك أن يفعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - فعلا يحتمل وجهين احتمالا متساويا، مثل ما روى من جمعه فى السفر، فإنه مجمل لأنه يجوز أن يكون فى سفر طويل أو فى سفر قصير، فلا يجوز حمله على أحدهما دون الآخر إلا بدليل. ومثله أيضا أن يروى أن رجلا أفطر فأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فهو مجمل لاحتمال أن يكون الإفطار بالجماع أو بتناول الطعام، فلا يحمل على أحدهما دون الآخر إلا بدليل (14) . ويقرر الإسنوى ذلك فيقول (15) : " المجمل قد يكون فعلا أيضا، كما إذا قام النبى صلى الله عليه وسلم من الركعة الثانية فإنه يحتمل أن يكون عن تعمد فيدل على جواز ترك التشهد الأول، ويحتمل أن يكون عن سهو فلا يدل عليه ". حكم المجمل يبين شمس الأئمة السرخسى حكم المجمل فيقول: " وحكمه اعتقاد الحقية فيما هو المراد، والتوقف فيه إلى أن يتبين المراد به من المجمل " (16) . ويبين أبو إسحاق الشيرازى حكم المجمل فيقول: " وحكم المجمل التوقف فيه إلى أن يفسر، ولا يصح الاحتجاج بظاهره فى شىء يقع فيه النزاع " (17) . وقوع الإجمال فى الكتاب والسنة يرى جمهور الأصوليين أن الإجمال واقع فى الكتاب والسنة وأنكر ذلك داود الظاهرى. يقول الشوكانى فى إرشاد الفحول: " اعلم أن الإجمال واقع فى الكتاب والسنة، قال أبو بكر الصيرفى: ولا أعلم أحدا أبى هذا غير داود الظاهرى " (18) . ويقول صاحب جمع الجوامع: " والأصح وقوعه- أى المجمل- فى الكتاب والسنة، ومنه قوله تعالى " أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح "، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة فى جداره ". ونفاه داود الظاهرى ويمكن أن ينفصل عنها بأن الأول ظاهر فى الزوج لأنه المالك للنكاح، والثانى ظاهر فى عوده إلى الأحد، لأنه محط الكلام " (19) . التعبد بالمجمل قبل البيان قال الماوردى والرويانى: " يجوز التعبد بالخطاب المجمل قبل البيان، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، وتعبدهم بالتزام الزكاة قبل بيانها. قالا: وإنما جاز الخطاب بالمجمل وإن كانوا لا يفهمونه لأحد أمرين: الأول: أن يكون إجماله توطئة للنفس على قبول ما يعقبه من البيان، فإنه لو بدأ فى تكليف الصلاة بها لجاز أن تنفر النفوس منها، ولا تنفر من إجمالها. " والثانى: أن الله تعالى جعل من الأحكام جليا وجعل منها خفيا يتفاضل الناس فى العمل بها ويثابوا على الاستنباط لها، فلذلك جعل منها مفسرا جليا وجعل منها مجملا خفيا " (20) . ويقرر الغزالى ذلك أيضا فيقول: " يجوز الخطاب بمجمل يفيد فائدة ما لأن قو له تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " يعرف منه وجوب الإيتاء، ووقته، وأنه حق فى المال فيمكن العزم فيه على الامتثال والاستعداد له، ولو عزم على تركه عصى. وكذلك مطلق الأمر إذا ورد ولم يتبين أنه للإيجاب أو الندب أو أنه على الفور أو التراخى أو أنه للتكرار أو للمرة الواحدة أفاد علم اعتقاد الأصل ومعرفة التردد بين الجهتين. وكذلك " أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح " يعرف إن كان سقوط المهر بين الزوج والولى فلا يخلو عن أصل الفائدة وإنما يخلو عن كمالها، وذلك غير مستنكر، بل واقع فى الشريعة والعادة، بخلاف قول المخالف (21) . بقاء المجمل فى القرآن بعد وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - اختلف الأصوليون فى بقاء المجمل فى القرآن بعد وفاة الرسول. يقول الشوكانى (22) : " وقيل: أنه لم يبق مجمل فى كتاب الله تعالى بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم، وقال إمام الحرمين المختار: أن ما ثبت التكليف به لا إجمال فيه، لأن التكليف بالمجمل تكليف بالمحال، وما لا يتعلق به تكليف فلا يبعد استمرار الإجمال فيه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ". ويقول الإسنوى (23) : "واختلفوا فى جواز بقاء الإجمال بعد وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال فى البرهان بعد حكاية هذا الخلاف المختار أنه إن تعلق به حكم تكليفى فلا يجوز وذلك كالأسماء الشرعية مثل الصلاة فإنا نعلم قطعا أن معناها اللغوى وهو الدعاء غير مراد فلا بد من معنى آخر شرعى، وهو غير مدرك بالعقل إلا ببيان من الشارع وقد بينه قولا وفعلا، وكالربا فإنه لغة مطلق الزيادة، ولا شك أنه ليس كل زيادة محرمة، فهى زيادة مخصوصة فى الشرع وهى غير معلومة إلا بالبيان وقد بينها وأما ما لا يتعلق به التكليف كالمتشابه الذى لا يدرك لا بالعقل ولا بغيره فيجوز (24) . ويقول ابن السبكى (25) : "وفى بقاء المجمل فى الكتاب والسنة غير مبين إلى وفاته - صلى الله عليه وسلم- أقوال: أحدها: لا، لأن الله تعالى أكمل الدين قبل وفاته بقوله: " اليوم أكملت لكم دينكم ". ثانيها: نعم، قال الله تعالى فى متشابه الكتاب: " وما يعلم تأويله إلا الله " إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء، وإذا ثبت فى الكتاب ثبت فى السنة لعدم القائل بالفرق بينهما. ثالثها: الأصح: لا يبقى المجمل المطلق بمعرفته غير مبين للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق بخلاف غير المكلف به ". علاقة المجمل بغيره من الألفاظ العلاقة بين المجمل والمبهم مسلك الأحناف: يقسم الأحناف المبهم أو خفى الدلالة إلى أقسام أربعة: الخفى، والمشكل، والمجمل، والمتشابه 0 وعلى هذا يعد المجمل عندهم قسما من أقسام المبهم، فكل مجمل عندهم مبهم دون العكس. يقول صاحب التلويح: " اللفظ إذا ظهر منه المراد، وإذا خفى فخفاؤه إما لنفس اللفظ أو لعارض الثانى يسمى خفيا، والأول إما أن يدرك المراد بالنقل أو لا، الأول يسمى مشكلا، والثانى إما أن يدرك المراد بالنقل أو لا يدرك أصلا، الأول يسمى مجملا، والثانى متشابها، فهذه الأقسام متباينة بلا خلاف " (26) . مسلك المتكلمين: يرى جمهور من كتب من الأصوليين على طريقة المتكلمين أن المجمل هو المبهم، يقول الغزالى فى المستصفى (27) : " اللفظ المفيد بالإضافة إلى مدلوله إما ألا يتطرق إليه احتمال فيسمى نصا، أو

إجهاض

إجهاض التعريف به: جاء فى المصباح: " أجهضت الناقة والمرأة ولدها إجهاضا أسقطته ناقص الخلق فهى جهيض ومجهضة بالهاء الأخيرة، وقد تحذف، والجهاض اسم منه". وفى القاموس: الجهيض والجهض: الولد السقط أو ما تم خلقه ونفخ فيه الروح من غير أن يعيش. ولم يخرج الفقهاء به عن هذا الاستعمال فيما رجعنا إليه من كتب المذاهب، وإنما يغلب فى عباراتهم إيراد لفظ. إسقاط بدل إجهاض: وإن كان الشافعية يكثر استعمالهم للفظ إجهاض. فقد أورد الرملى (1) عبارة الاستجهاض فيما نقله عن الغزالى، إذ بين أن العزل خلاف الاستجهاض والوأد، لأنه جناية على موجود حاصل. وكذلك عبر الرملى نفسه إذ يقول (2) : " لو ضرب ميتة فأجهضت ميتا..، وكذا عبر الرشيدى بالإجهاض عن استعمال الدواء بقصد الإسقاط، فقال (3) ": " إن ما ذكر من الإجهاض " أن تستعمل دواء فإذا حملت أجهضت..". وقال البجرمى: فى حاشيته على "الخطيب" (4) : تفسيرا لكلمة الإجهاض الواردة فى عبارة الخطيب: إنه الرمى، ونقل عبارة المصباح على أنها تقصر الإجهاض على الناقة فقط، ثم نقل عن الأزهرى وغيره أنه لا يقال أجهضت إلا فى الناقة خاصة، ويقال فى المرأة أسقطت. وقال: إن إطلاق الإجهاض على إسقاط المرأة مجاز. لكن ما نقلناه عن المصباح صريح فى التسوية بين المرأة والناقة فى استعمال لفظ إجهاض. كما عبر. الشيعة الجعفرية عن الإسقاط بلفظ الإجهاض أيضا إذ يقول صاحب الروضة البهية (5) . " وتعتبر قيمة الأم عند الجناية لا وقت الإجهاض الذى هو الإسقاط ". حكم الإجهاض الأخروى مذهب الحنفية: قال الحصكفى فى كتابه الدرر (6) : " قالوا يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج". وعلق على ذلك ابن عابدين بما نقله عن الطحطاوى عن النهر، قال فى النهر: هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شىء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخلق نفخ الروح وإلا فهو غلط، لأن التخلق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة، كذا فى الفتح (7) . وإطلاقهم يفيد عدم توقف جواز إسقاطها قبل المدة المذكورة على إذن الزوج. وفى كراهة الخانية (أى باب الكراهة فى كتاب الخانية) ولا أقول بالحل إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه لأنه أصل الصيد، فلما كان يؤاخذ بالجزاء فلا أقل من أن يلحقها إثم هنا إذا أسقطت بغير عذراه. قال ابن وهبان: ومن الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبى الصبى ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه ونقل عن الذخيرة: لو أرادت الإلقاء قبل مضى زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك؟ اختلفوا فيه، وكان الفقيه على بن موسى يقول إنه يكره فإن الماء بعد ما وقع فى الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما فى بيضة صيد الحرم، ونحوه فى "الظهيرية ". قال ابن وهبان: فإباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر أو أنها لا تأثم إثم القتل انتهى. قال: وبما فى الذخيرة يتبين أنهم ما أرادوا بالتخليق إلا نفخ الروح انتهى. مذهب المالكية: جاء فى شرح الدردير على متن خليل بحاشية الدسوقى (8) : " لا يجوز إخراج المنى المتكون فى الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا ". وعلق الدسوقى على قول الدردير " ولو قبل الأربعين بأن هذا هو المعتمد، وقيل يكره إخراجه قبل الأربعين. ونص ابن رشد (9) : على أن مالكا استحسن فى إسقاط الجنين الكفارة ولم يوجبها لتردده بين العمد والخطأ. واستحسان الكفارة يرتبط بتحقق الإثم. مذهب الشافعية: نقل البجرمى: فى حاشيته على الإقناع (10) فرعا عن ابن حجر يقول له: اختلفوا فى التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه، وهو مائة وعشرون يوما. والذى يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة، ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المنى حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره فى الرحم، وأخذه فى مبادىء التخلق، يحرف ذللا بالإمارات. وفى حديث مسلم أنه يكون بحد اثنين وأربعين ليلة، أى ابتداؤها. ثم قال البجرمى: وقول ابن حجر: " والذى يتجه.. الخ، فى بعض الكتب. خلافه، وقوله: " وأخذه فى مبادىء التخلق " يفيد؟ نه لا يحرم قبل ذلك. وفى حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج (11) : اختلفوا فى جواز التسبب فى إلقاء النطفة بعد استقرارها فى الرحم. فقال أبو إسحاق المروزى: يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبى حنيفة. وفى الإحياء فى بحث العزل ما يدل على تحريمه وهو الأوجه لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح. وحكى الرملى فى شرحه، خلافا فى كتاب أمهات الأولاد. وقد رجعنا إلى كتاب أمهات الأولاد فى المرجع المذكور (12) فإذا فيه ما يأتى: قال المحب الطبرى: اختلف فى النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل لا يثبت حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب فى إخراجها بعد الاستقرار فى الرحم بخلاف العزل. قال الزركشى: وفى تحليق بعض الفقهاء قال الكرابيسى سألت أبا بكر بن أبى سعيد الفراتى عن رجل سقى جاريته شرابا لتسقط ولدها فقال: مادامت نطفة- أو علقة فواسع له ذلك إن شاء الله انتهى. وقد أشار الإمام أبو حامد الغزالى الى هذه المسألة فى الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله: وليس هذا كالاستجهاض والوأد لأنه جناية على وجود حاصل فأول مراتب الوجود: دفع النطفة فى الرحم فيختلط بماء المرأه فإفسادها جناية فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش فان نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحرمه وقد يقال: إما حالة نفخ الروح فيما بعده الى الوضع فلا شك فى التحريم، وأما قبله فلا يقال انه خلاف الأولى بل يحتمل للتنزيه والتحريم ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة. ثم أن تشكل فى صورة آدمى وجبت الغرة نعم لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيل الجواز فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك فى التحريم 0 مذهب الحنابلة: ونص الحنابلة (13) فيما يرويه أبن قدامة أن من ضرب بطن إمرأة فألقت جنينا فعليه كفارة وغرة، وإذا شربت الحامل دواء فألقى به جنيناً فعليها غرة وكفارة. ومقتضى هذا النص وقوع الإثم فى إلقاء الجنين، لأن الكفارة إنما تترتب عليه كما هو مقتضى تسميتها كفارة. وجاء فى الروض المربع بشرح زاد المقنع مختصر المقنع (فى باب العدد " ويباح للمرأة إلقاء النطفة قبل أربعين يوما بدواء مباح ". ومن هذا النص الفقهى ينتج أن الإجهاض بشرب الدواء المباح فى هذه الفترة حكمه الإباحة. وأما بعد صيرورته جنينا ففيه الإثم لوجوب الكفارة. مذهب الظاهرية: يصور ابن حز م مذهب الظاهرية (14) : " صح أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة فى ذلك لكن الغرة واجبة فقط لأن رسول الله حكم بذلك، لأنه لم يقتل أحدا لكنه أسقطها جنيا فقط، وإذا لم يقتل أحدا فلا كفارة فى ذلك إذ لا كفارة إلا فى القتل الخطأ ولا يقتل إلا ذو روح. وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد. وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر، وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فإن فيه غرة فقط لأنه جنين قتل فهذه هى ديته. والكفارة واجبة بعتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه قتل مؤمنا خطأ. ومقتضى ذلك حدوث الإثم على مذهبهم فى الإجهاض بعد تمام الأربعة الأشهر إذ أوجبوا الكفارة التى لا تكون ألا مع تحقق الإثم ولم يوجبوها فى الإجهاض قبل ذلك. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (16) الذى يحكى المذهب الزيدى، أنه يجوز تغيير النطفة والعلقه والمضغة، لأنه لا حرمة للجماد. وجاء فى باب الجنايات (17) : لا شىء فيما لم يتبين فيه التخلق والتخطيط كالمضغة والدم. ثم قال (18) : أنه لا كفارة فى جنين، لأن النبى عليه الصلاة والسلام قضى بالغرة ولم يذكر كفارة، ثم إن ما خرج ميتا لم يوصف بالإيمان 0. ثم بين إنه إذا خرج حيا ثم مات ففيه الكفارة، ومقتضاه وجود الإثم فى هذه الجزئية. مذهب الإمامية: نص صاحب الروضة البنية (19) على أنه تجب الكفارة بقتل الجنين حين تلجه الروح كالمولود، وقيل مطلقا سواء لم تلج فيه الروح، مع المباشرة لقتله لا مع التسبب. مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل (20) : " ليس للحامل أن تعمل ما يضر بحملها من أكل أو شرب كبارد وحار- أو غيرهما كحجامة ورفع ثقيل ونزع ضرس، فإن تعمدت مع علمها بالحمل لزمها الضمان والإثم، وإلا فلا ألم، وكذا غيرها إذا فعل مضرا يحملها فهو مثلها إذا تعمده فى حالى العلم بالحمل والجهل به، وأن أمرت من يرفع عليها ثقيلا ففعل فأسقطت فلا إثم إن كان على غير علم ولزمه الضمان وإلا لزمه الإثم والضمان، وقيل بسقوطهما فى حال الجهل، وإن علمت الحامل دون من يرفع الثقيل عليها لزمها وحدها الضمان، وأطال شارح النيل فى التفريعات. حكم الإجهاض الدنيوى يشمل حكم الإجهاض الدنيوى على ما يلزم فيه من جزاء كالغرة، وعلى أثره فى انقضاء العدة، وما يتعلق بالسقط من طهارة أو نجاسة وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه وارثه واستحقاقه فى الوقف والوصية وغير ذلك، والذى يعنينا هنا هو الأول فقط لأنه الذى يختص من جهة كونه إجهاضا، وأما الباقى فأحكامه- مشتركة مع كل جنين وسقط دون اعتداء.) أنظر: (جنين، عدة، طهارة، جنا زة) . مذهب الحنفية: نص فقهاء الأحناف (21) على أن من ضرب بطن إمرأة أو ظهرها أو جنينها أو رأسها أو عضوا من أعضائها ولو كانت المرأة كتابية أو مجوسية أو زوجته فألقت جنينا ميتا وحب على العاقلة غرة وهى نصف عشر دية الرجل لو كان الجنين ذكرا وعشر دية " المرأة لو كان أنثى.. وقالوا: أن وجوب الغرة وأن- كان مخالفا للقياس إلا أنه ثابت بالسنة. فقد روى عن محمد بن الحسن أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلوات الله عليه قضى بالغرة على العاقلة، وقالوا: إن ألقت الجنين حيا فمات ففيه دية كاملة وكفارة، وإن ألقته ميتا فماتت الأم فدية فى الأم، وغرة فى الجنين لما تقرر إن الفعل يتعدد بتعدد أثره.. وقد ذكر الميرغينانى فى "الهداية" (22) أنه صح عن النبى عليه الصلاة والسلام القضاء بالدية والغرة فى هذه الجزئية، كما قالوا بتعدد الغرة لو جنينين فأكثر وإن ماتت فألقته ميتا فدية فقط ولا شىء فى الجنين لأن موت الأم سبب لموته ظاهرا إذ حياته بحياتها وتنفه بتنفسها، فيتحقق مونه بموتها، وإن ألقته حيا بعد ما ماتت فمات بعد ذلك فعليه دية الأم ودية الجنين كما إذا ألقته حيا ومات. ثم نصوا على أن ما يجب فيه يورث عنه وترث منه أمه ولا يرث ضاربه منها ولا من غيرها لأنه قاتل مباشرة (أنظر: غرة، جنين) . وقالوا: إن فى جنين الأمة الرقيق الذكر نصف عشر قيمته لو حيا فى مجال الضارب حالا، وعشر قيمته لو أنثى كذلك، كما قالوا: أنه لا يجب فى الجنين الذى نزل ميتا بجناية كفارة بل هى مندوبة، وأما إن نزل حيا ثم مات ففيه الكفارة. وقالوا: إن ما استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام فى جميع الأحكام. وإذا أسقطت المرأة جنينا عمدا بدواء أو فعل كضربها بطنها ومعالجة فرجها حتى أسقطت أو حملت حملا ثقيلا بقصد الإسقاط ولم يأذن لها زوجها فإن عاقلتها تضمن الغرة بذلك، وأما إن أذن الزوج أو لم تتعمد الزوجة فلا غرة لعدمه التعدى، وعلق على ذلك ابن عابدين فى حاشيته على الدر (23) : بأنه يتمشى على الرواية الضعيفة والصحيح قياسا على ما فى الكافى: أنه لا تسقط الغرة عن عاقلة المرأة بإذن زوجها بإتلاف الجنين لأن أمره لها ليس بأقل من فعله

إحالة

إحالة المعنى اللغوى: الإحالة مصدر فعله أحال والمادة تدل على الانتقال والتغير من حال إلى حال ومن ذلك قولهم حال المشىء إذا تغير ومثله استحال ومنه تحول من مكانه إذا اتنقل وحولته نقلته من موضع إلى آخر وأحال المشىء إلى غيره ومن ذلك أخذت الحوالة ويقال أحلته بدينه اذا نقلته من ذمتك الى ذمة أخرى كما يقال أحلت المشىء إذا نقلته والاسم الحوالة كسحابة (1) . المعنى الشرعى: من الاعتبارات الشرعية التى أسس عليها كثير من الأحكام الفقهية شغل ذمة الإنسان بما يلتزم به من مال عوضا عن مال تملكه أو منفعة استحقها أو حق أصبح مختصا به أو نتيجة قرض فيصبح بذلك مدينا مطالبا بأدائه ويعرف هذا المال حينئذ باسم الدين وتستمر ذمته مشغولة به إلى أن يوفيه أو يبرئه منه صاحبه الذى يعرف حينئذ باسم الدائن وقد يتفق المدين مع دائنه أن يحل محله فى هذا الدين آخر ينقل إلى ذمته هذا الدين وتبرأ منه ذمة المدين فتنتهى بذلك مطالبته به وذلك بطريق التبرع والتفضل من هذا الشخص أو نظير براءته من دين شغلت به ذمته للمدين الأول أو على أن يحل محله فى المطالبة بهذا الدين والوفاء به فتنتقل إليه المطالبة به ولا توجه إلى المدين الأصلى وذلك على حسب اختلاف الفقهاء فيما تدل عليه تلك المعاملة وما يترتب عليها من أثر وتقوم هذه المعاملة على وجود الأركان الآتية: مدين يحيل الدين وينقله أو ينقل المطالبة به الى غيره ويسمى بالمحيل ومحال هو الدائن يحيله المدين إلى ثالث ليصير. سر مطالب ليصير له بالدين ومحال عليه وهو من التزم للمحال بأن يوفيه هذا الدين وصار بذلك مطالبا به، ودين شغل ذمة المدين وانتقل بهذا الاتفاق إلى ذمة المحال عليه أو أنتقلت إليه المطالبة به وتسمى هذه المعاملة حوالة أو إحالة غير أن ان إطلاق اسم الإحالة عليها قليل الاستعمال فى لسان الفقهاء واستعمالاتهم والكثير الغالب إطلاق أسم الحوالة عليها وتحت هذا الاسم عرفوها وبينوا أنواعها وأركانها وشروطها وموضوعها وأحكامها وجميع ما يتعلق بها مما تتطلبه دراستها من جميع نواحيها، ولذا كان المستحسن الاقتداء بصنيع الفقهاء والرجوع فى تعريف الإحالة وبيان جميع ما يتعلق بها إلى مصطلح "حوالة ".

_ (1) القاموس والمصباح والمعجم الوسيط.

احتباء

احتباء التعريف به: الاحتباء بالثوب الاشتمال، والاسم الحِبوة والحُبوة، وهى الثوب الذى يحتبى به، وفى الحديث أنه نهى عن الاحتباء فى الثوب الواحد. ابن الأثير: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها، قال: وقد يكون الاحتباء باليدين عوضا عن الثوب، وإنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب عنه فتبدو عورته (1) . وفى الحديث الاحتباء حيطان العرب، يعنى ليس فى البرارى حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا، لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار (2) . واستعمله الفقهاء بهذا المعنى، واختلفوا فى حكمه فى انتظار الصلاة يوم الجمعة، فأجازه طائفة منهم وكرهه آخرون. مذهب الحنفية: أما الأحناف فقالوا: وللرجل أن يحتبى فى يوم الجمعة إن شاء لأن قعوده فى انتظار الصلاة فيقعد كما يشاء. وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم فى التطوعات فى بيته كان يقعد محتبيا، فإذا جاز ذلك فى الصلاة ففى حالة انتظارها أولى (3) . مذهب المالكية: وقال المالكية: يجوز الاحتباء والإمام فى الخطبة. وقال الباجى فى المنتقى: روى ابن نافع عن مالك: لا بأس أن يحتبى الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب. وقال فى النوادر: وله ان يحتبى والإمام يخطب. قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبى والإمام يخطب، وكان أنس كذلك؟ وجل الصحابة والتابعين قالوا لا بأس بها، ولم يبلغنى أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسى. وقال الترمذى: وكره قوم الحبوة وقت الخطبة ورخص فيها آخرون. وقال الخطابى بالنسبة للحبوة والمعنى فيه أنها تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض وتمنع من استماع الخطبة، لما روى أبو داود والترمذى والحاكم وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (4) . مذهب الشافعية: وقال الشافعية: ويكره الاحتباء حال الخطبة للنهى الصحيح عنه ولجلبة النوم (5) مذهب الحنابلة: وأما الحنابلة فقالوا: ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة لما تقدم من مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس على فرجه منه شىء "، يعنى الحديث الذى رواه إسحاق بن عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا: نهى عن لبستين وهما اشتمال الصماء (وهو أن يضع ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو واحد شقيه ليس عليه ثوب) والاحتباء (وهو أن يحتبى به ليس على فرجه منه شىء) . ويحرم الاحتباء مع عدمه، أى عدم ستر العورة، لما فيه من كشف العورة بلا حاجة، وعلم من الحديث انه إذا كان عليه ثوب آخر لم يكره لأنه لبسة المحرم وفعلها النبى صلى الله عليه وسلم وأن صلاته صحيحة إلا أن تبدو عورته (6) . وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعف (7) . مذهب الظاهرية: أما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب. وروى عن بن عمر أنه كان يحتبى يوم الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعى، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نسى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (8) . مذهب الزيدية: أما الزيدية فقد ذهبوا الى عدم جوازه ونصوا على أنه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (9) . مذهب الإمامية: وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يحتبى بثوب واحد، فقال: إن كان يغطى عورته فلا بأس (10) . وكرهوا الاحتباء فى المسجد الحرام لما رواه حماد عن الصادق إعظاما للكعبة (11) . مذهب الإباضية: وقال الإباضية: ولا يضر احتباء (12) .

_ (1) لسان العرب لابن منظور، مادة " حبا ". (2) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص176. (3) المبسوط ج2 ص36. (4) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج2 ص 176. (5) نهاية المحتاج ج2 ص315. (6) كشاف القناع ج1 ص188. (7) كشاف القناع ج اص350. (8) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص67 0 (9) البحر الزخار ج 2 ص54. (10) وسائل الشيعة ومستدركاتها للحر العاملى باب الحج. (11) المصدر السابق. (12) متن النيل ج1 ص83.

إحتباس

إحتباس المعنى اللغوى: جاء فى القاموس: " إحتبسه: حبسه فأحتبس، لازم ومتعد ". الإحتباس وسيلة لوجوب نفقة الزوجة وهذا يقتضى إن نبين ما يكون به الإحتباس وما يفوت به الإحتباس الموجب للنفقة فى المذاهب. مذهب الحنفية: يرى الحنفية، كما فى الهداية وشروحها (1) : أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة اذا سلمت نفسها غليه، فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها، والأصل فى ذلك قوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته " (2) ، ولأن النفقة وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعفا (3) . مذهب الظاهرية: إما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب. وروى عن ابن عمر أنه كان يحتبى يوما الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس ابن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعى، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (4) . مذهب الزيدية: أما الزيدية فقد ذهبوا إلى عدم جوازه ونصوا على انه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن انس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (5) . مذهب الإمامية: وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال سألت أبا عبد الله عن الرص يحتبى بثوب جزاء الإحتباس فكل من كان محبوسا بحق لغيره كالقاضى والعامل فى الصدقات والمفتى والوالى، والمضارب، والمقاتلة إذا قاموا بدفع عدو المسلمين.. والنساء محبوسات لحق الزوج فتجب نفقتهن عليهم مسلمات كن أو لا، ولو غنيات. وقال كل من صاحبى فتح القدير والعناية تعليقا على قول الميرغينانى فى الهداية: " اذا سلمت نفسها فى منزله " ليس شرطا لازما فى ظاهر الرواية، بل من حين العقد على الصحيح وإن لم تنتقل إلى منزل الزوج إذا لم يطلب الزوج انتقالها ت فإن طلبه فامتنعت لحق لها كمهرها لا تسقط النفقة أيضا، وإن كان لغير حق فلا نفقة لها لنشوزها. وقال بعض المتأخرين: لا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج، وهو رواية عن أبى يوسف، وليس الفتوى عليها. ونقل الكمال عن بعض الفقهاء أن تسليمها نفسها شرط بالإجماع، وفيه نظر. ونقل صاحب العناية ما يؤيد أن الشرط ليس بلازم على إطلاقه، فقال: أن النفقة حق المرأة، والانتقال حق الزوج فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه، وهذا لا يوجب بطلان حقها. ويقولون (6) : إن المرأة إذا امتنعت عن تسليم نفسها قبل الدخول أو بعده حتى يعطيها المهر فلها النفقة لأنه منع بحق فكمان فوت الإحتباس لمعنى من قبله فيجعل كأنه ليس بفائت، وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله، لأن فوت الاحتباس منها وإذا عادت جاء الاحتباس فتجب النفقة، وإذا امتنعت من التمكين فى بيت الزوج فلها النفقة، لأن الإحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرها، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها. والإحتباس الموجب للنفقة ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، لأن الصغيرة التى لا تصلح للجماع لا تصلح لدواعيه، لأنها غير مشتهاة، وإذا كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهى كبيرة فلها النفقة من ماله لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله فصار كالمجبوب والعنين، وإذا حبست المرأة فى دين (7) . فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن كانا عاجزين بأن كانا صغيرين ففيه بحث. قال الكمال: والتحقيق أن النفقة لا تجب إلا تسليمها لاستيفاء منافعها المقصودة بذلك التسليم، فيدور وجوبها معه وجودا وعدما فلا تجب "فى الصغيرين، وتجب فى الكبيرة تحت الصغير. قالوا: وإذا غصبها رص كرها فذهب بها فلا نفقة لها، وعن أبى يوسف أن لها النفقة. قال الميرغينانى: والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه حتى يجعل باقيا تقديرا 0 وإذا حجت مع محرم. فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها، وعن أبى يوسف آن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الضر دون السفر لأنها هى المستحقة عليه، ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها وتجب نفقة الحضر دون السفر. وإذا مرضى فى منزل الزوج قال الميرغينانى: لها النفقة، والقياس إن لا نفقة لها إذا كان مرضا يمنع من الجماع لفوت الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان إن الاحتباس قائم فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض. وعن أبى يوسف إنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم ولو مرضت ثم سلمت نفسها لا تجب لها النفقة لأن التسليم لم يصح. وقال الكاسانى فى الاستدلال بالمعقول (8) : أن المرأة محبوسة بحبس النكاح حقا للزوج ممنوعة عن الاكتساب بحقه، فكان نفع حبسها عائدا إليه فكانت كفايتها عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: " الخراج بالضمان " ولأنها إذا كانت محبوسة بحبسه ممنوعة من الخروج للكسب بحقه فلو لم تكن كفايتها عليه لهلكت، ولهذا جعل للقاضى رزق فى بيت مال المسلمين لحقهم لأنه محبوس لجهتهم ممنوع عن الكسب، فجعلت نفقته فى مالهم وهو بيت المال. كذا هنا، وقال: إن سبب وجوب النفقة للزوجة عند أصحابنا استحقاق الدق الثابت بالنكاح للزوج عليها، والدليل على ذلك أن حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح مؤثر فى استحقاق النفقة لها عليه لما بينا. ثم قال: إن النفقة تجب للزوجة فى العدة من نكاح صحيح بهذا السبب، وهو استحقاق الحبس للزوج عليها بسبب النكاح لأن النكاح قائم من وجه فتستحق النفقة كما كانت تستحقها قبل الفرقة أولى، لأن حق الحبس بعد الفرقة تكد بحق الشرع وتأكد السبب يوجب تكد الحكم، سواء كانت العدة عن فرقة بطلان أو عن فرقة بغير طلاق من قبل الزوج أو من قبلها، إلا إذا كانت من قبلها بسبب محظور استحسانا. وأطال فى تفصيل ذلك. وقال صاحب الدر أيضا (9) : لو سلمت نفسها بالليل دون النهار أو عكس ذلك،- فلا نفقة لها لنقص التسليم. ونقل عن المجتبى أن ذلك يدلنا على جواب واقعة فى زماننا، أنه لو تزوج من المحترفة التى تكون بالنهار فى مصالحها وبالليل عنده فلا نفقة لها. وقال فى النهر فيه نظر. وبين ابن عابدين وج النظر بأنها معذورة لاشتغالها بمصالحها بخلاف المقيس عليه فإنه لا عذر لها فنقص التسليم منسوب إليها.. ونقل ابن عابدين عن الهندية أن الأمة إذا سلمها السيد لزوجها ليلا فقط ضلي السيد نفقة النهار وعلى الزوج نفقة الليل، وقياس المحترفة كذلك. ثم قال ابن عابدين: إن له منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة. فان عصته وخرجت بلا أذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة، وان لم يمنعها لم تكن ناشرة. مذهب المالكية: جاء فى متن خليل والشرح الكبير (10) : "تجب النفقة لممكنة من نفسها مطيقة للوطء بلا مانع بعد أن دعت هى أو مجبرها) أى من له حق إجبارها على الزواج (أو وكيلها للدخول "، وعلق الدسوقى على ذلك نقلا عن ابن سلمون بقوله: ان الممكنة هى التى لا تمتنع من الوطء إذا طلبت، بوأها زوجها معه بيتا أم لا.- وقال الدردير: إن النفقة لا تجب لغير ممكنة، أو التى لم يحصل منها أو من وليها دعاء، أو صل قبل مضى زمن يتجهز فيه كل منهما، ولا لغير مطيقة، ولا مطيقة بها مانع كرتق إلا أن يتلذذ بها مع علمه - بالمانع. ثم قال (11) : ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه كأبوية، إلا الوضيعة فليس لها الامتناع من السكني مم، وكذا الشريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله إن لها حق الإقناع ولو بعد رضاها بسكناها معهم ولو لم يثبت الضرر لها بمشاجرة ونحوها. ثم قال: والظاهر أفه ليس لها الامتناع من السكنى مع خدمه وجواريه. وقال بعضهم: أن لها الامتناع من السكنى معهم ولو لم تحدث بينها وبينهم مشاجرة بدليل تعليل ابن رشد وغيره عدم السكنى مع أهله بقولهم لما عليها من الضرر باطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستره عنهم من شأنها. وقالوا (12) : إن النفقة تسقط إن منعت زوجها الوطء أو الاستمتاع بدونه فتسقط نفقتها عنه فى اليوم الذى منعته فيه من ذلك، وكذلك إذا خرجت من محل طاعته بلا إذن ولم يقدر على ردها بنفسه أو رسوله أو حاكم ينصف، وهذا إن لم تكن حاملا وإلا فلها النفقة وإن خرجت. وقيد الدسوقى الخروج المسقط للنفقة بما إذا كانت ظالمة فى ذلك الخروج لا ما إذا كانت مظلومة، ولا حاكم ينصفها. ثم قال: أن الهاربة خفية لمكان مجهول تسقط نفقتها، ولو قدر على ردها أو عم بمكانها.. ويقول ابن رشد (13) : إن هناك اختلافا فى شأن الزوج غير البالغ هل تجب عليه النفقة، وسبب اختلافهم هل النفقة لمكان الاستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض. وجاء فى المدونة (14) : إن مالكا يقول فى المريضة إذا دعته للدخول بها، وكان مرضها إلا بمنع من الجماع فان النفقة لازمة للزوج، أما إذا كان لا يقدر على جماعها فى المرض فدعت إلى البناء بها وطلبت النفقة فان لها ذلك. وقال مالك فى الأمة (15) : إن لها النفقة وإن وأنت تبيت عند أهلها. وقال الدردير (16) فى المطلقة: إن المطلقة رجعيا لا تسقط نفقتها مطلقا، والبائن تسقط نفقتها إن لم تحمل، على تفصيل فيما يجب من أنواع النفقة، على ما يتبين فى مصطلح "نفقة". وقال خليل الدردير (17) : أن المرأة إن ح! بست فى دين فلا تسقط نفقتها لأن المنع من الاستمتاع ليس من جهتها وكذلك ان حبسته مى. فى دين لها عليه لاحتمال أن يكون معه مال أخفاه فيكون متمكنا من الاستمتاع بأدائه لها، ولو حبسه غيرها لم تسقط بالأولى، وكذلك إذا حجت الفرض لا تسقط نفقتها ولو بغير أذنه أو حجت تطوعا بإذنه ولها نفقة الحضر. مذهب الشافعية: جاء فى الإقناع على متن أبى شجاع (18) : إن النفقة واجبة للزوجة الممكنة نفسها تمكينا تاما لأنها سلمت ما ملك عليها فيجب ما يقابله من الأجرة لها ولا تجب بمجرد العقد لأنه صلى الله عليه وسلم تزوج طائشة وهى صغيرة ودخل بها بعد سنتين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها لساقه أليها، ولو وقع لنقل. وعلل البجرمى فقال: إن النفقة دائرة مع التمكين وجودا وعدما. ويقول الخطيب: فإن لم تعرض عليه زوجته مدة مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع فلا نفقة لها لعدها التمكين، وان عرضت عليه وهى عاقلة بالغة مع ضرورة فى بلدها كأن بعثت إليه تخبره أنى مسئمة نفى إليك، فاختر أن آتيك حيث شئت "وتأتى إلى وجبت نفقتها من حين بلوغ الخبر، ولو اختلف الزوجان في التسكين، فقالى مكنت فى وقت كذا فأنكر ولا بينة صدق بيمينه لأن الأصل عدمه (19) . وعلق البجرمى على قول الخطيب " أن النفقة واجبة للزوجة الممكنة " فقال: أن الممكنة تصدق بالمسلمة والذمية والأمة ويخرج بها غير الممكنة فلا نفقة لها. ثم قال (20) : إن عدم التمكين يحصل بأمور منها: النشوز، ومنها الصغر بخلاف الكبيرة إذا كان زوجا صغيرا فلها النفقة، ومها العبادات التى تمنع التمكين، فإذا أحرمت بحج أول عمرة بغير إذنه وهى فى البيت فلها النفقة ما لم تخرج، لأنه قادر على تحليلها أو بإذنه فان لم يخرج معها فلا نفقة لها، وكذا إذا صامت تطوعا بغير إذنه أو امتنع من الإفطار فليس لها النفقة. ويقو

احتجام

احتجام التعريف به جاء فى القاموس: المحجم والمحجمة ما يحتجم به وحرفته الحجامة ككتابه واحتجم طلبها ومثله فى المنجد غير أن المقصود هنا بالاحتجام هو قبول الفعل الذى تعبر عنه اللغة بالحجم ووقوعه فى جسده برضاه. حكم الاحتجام عبارات الفقهاء فى الفروع التى تناولوا فيها الاحتجام فى أبواب الفقه كاحتجام الصائم ووالمتوضىء والمحرم تفيد إباحة الاحتجام فى كل حال إلا أن يترتب عليه ضرر وسيتبين ذلك مما نورده بعد فى هذه الفروع. احتجام المتوضىء مذهب الحنفية: قال الإمام السرخسى فى المبسوط (1) : الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا خلافا للشافعى لأن الوضوء واجب بخروج النجس فإن توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فإن كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وإن كانت دون ذلك أجرأت. جاء فى الشرح الكبير (2) إن نقص. الوضوء يحصل بحدث وهو الخارج المعتاد قال وخرج بالمعتاد ما ليس معتادا كدم وقيح إن خرجا خالصين من الأذى مذهب المالكية: فقال إنهما لو لم يخلصا من الأذى لنقض المخالط لهما. وبين" الصفتى " (3) الأذى فقال: أما الدم والقيح فإن خرج معهما عذرة أو بول انتقض الوضوء وإن خرجا خالصين من ذلك فلا نقض، وما نقلناه عن المالكية يفيد بعمومه أن دم الحجامة لا ينقض الوضوء لخلوصه من الأذى المذكور. مذهب الشافعية: قال الخطيب فى الإقناع (4) : لا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين فى غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجرى. وعلم النبى صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره. مذهب الحنابلة: قال ابن قدامه (5) : إن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء والنجس ينقض الوضوء فى الجملة رواية واحدة. وهذا القول بعمومة يتناول. دم الحجامة فهم يوافقون الأحناف فى وجوب الوضوء منه. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزمة الظاهرى (6) لا ينتقض الوضوء برعاف ولا دم سائل من شىء من الجسد ولا بحجامة ولا فصد. وبرهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء فى شىء من ذلك. مذهب الزيدية: يروى صاحب البحر الزخار (7) : إن- الدم السائل ينقض الوضوء، ورد على من نفى ذلك محتجا بأن النبى عليه الصلاة والسلام احتجم وصلى، بأن القول أقوى من الفعل فى الدلالة على التشريع، والسنة القولية التى استدل بها الزيديه على نقض الوضوء بالحجامة هى ما روى عن تميم الدارى عن رسول الله أنه قال الوضوء من كل دافق سائل. مذهب الشيعة الجعفرية: حصر صاحب المختصر النافع نوا قض الوضوء فى البول والغائط والريح المعتاد. والنوم الغالب على الحاستين السمع والبصر، وعلي الاستحاضة القليلة، وزاد صاحب الروضة (8) : ما يزيل العقل من جنون وسكر ومن هذا يتبين عدم النقض عندهم بالحجامة وما شابهها. مذهب الإباضية: جاء فى متن النيل (9) " وفى النقض بدم مرتفع ذى ظل وإن قرعة برأس أو شقاق رجل.. قولان ". والحجامة داخلة فى ذلك ففى النقض بها خلاف عندهم فيما يظهر. ويتلخص من هذا أن القائلين بالنقض بالحجامة هم الأحناف والحنابلة والزيدية وفى قول عند الإباضية، ومن عداهم من المذاهب المذكورة يرون عدم النقض بالحجامة. أحجام الصائم مذهب الحنفية: جاء فى التنوير وشرحه (10) : ان الصائم إذا احتجم لا يفسد صومه، وعلل ذلك العينى فى شرح الكنز (11) بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم ". وقال: أن قوله عليه الصلا ة والسلام: " أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ. وروى الميرغينانى فى الهداية (12) الحديث بلفظ: " ثلاث لا يفطرن الصائم: القىء والحطامة والاحتلام ". وعلق على ذلك الكمال بن الهمام (13) بأن هذأ الحديث روى من عدة طرق وأحسنها ما رواه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وقال: انه أصح الروايات إسنادا ويجب أن يرتقى إلى درجة الحسن. وفى المبسوط للسرخسى (14) : يحتج الحنفية لعدم الإفطار بالاحتجام بحديث أنس بن مالك رضى الله عنه. قال: مر بنا أبو طيبة فى بعض أيام رمضان، فقلنا: من أين جئت؟ فقال: حجمت رسول أدلّه صلى الله عليه وسلم. وفى حديث أبن عباس: أن النبى احتجم وهو صائم محرم، وعنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " شكا الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم. وهذه تبين طريق النسخ الذى أشار إليه العينى. ويقول السرخسى أيضا: إن تأويل حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بهما وهما يغتابان. آخر فقال الحديث، والمراد: ذهب ثواب صومهما بالغيبة، وقيل الصحيح أنه غشى. على المحجوم فصب الحاجم الماء فى حلقه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام " أفطر الحاجم المحجوم "، فوقع عند الراوى أنه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ثم علل أيضا بأن خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها. مذهب المالكية: قال المالكية (15) : إن الحجامة لا تفطر لما صححه الترمذى أن المصطفى عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم فى صائم الوداع. قال: فيكون هذا الحديث ناسخا لما روى من قوله: أفطر الحاجم والمحجوم. وجاء فى المدونة (16) : ما يدل على الكراهة عند مالك، ولو احتجم رجل مسلم لم يكن عليه شىء. ثم ساق الحديث: " ثلاث لا يفطرن "وحديث ابن عباس أن الرسول احتجم وهو صائم. مذهب الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه (17) : ولا تفطر الحجامة لما صح من احتجام الرسول وهو صائم، وقال إن خبر الإفطار منسوخ، وأن القياس يؤيد عدم الإفطار. ثم قال: إن الحجامة مكروهة للصائم، وجزم فى المجموع بأنه خلاف الأولى. وقال الأسنوى: وهو المنصوص، فقد قال فى الأم: وتركه أحب إلى وعلق الشبراملسى فى حاشيته علي كون النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، بأنه ليس مكروها فى حقه وأن كره فى حق غيره لأنه يجوز أنه فعله لبيان الجواز، بل فعله المكروه يثاب عليه ثواب الواجب. وقد رجعنا إلى " الأم " فى باب " ما يفطر الصائم " (18) فيما يتعلق بالحجامة فوجدنا عبارته:. قال الشافعى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم "، وروى: أنه احتجم صائما. قال الشافعى: ولا نعلم مكانه وأحدا منهما ثابتا، ولو ثبت واحد منهما عن النبى قلت به، ولو ترك رجل الحجامة للتوقى لأن احب إلى، ولو احتجم لم أره يفطره. مذهب الحنابلة: قال ابن قدامه (19) : ان الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وذكر ممن قال به إسحاق وابن المنذر، وكان الحسن وابن مسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم، وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا فى الصوم منهم ابن عمر، وأبن عباس وغيرهما. واحتج لمذهبهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم "، وقال: إنه رواه عن النبى أحد عشر نفسا، وذكر عن أحمد أن هذا الحديث أصح حديث يروى فى هذا الباب، وأطال فى الرد على القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم. مذهب الظاهرية: وفى المحلى لابن حزم الظاهرى (20) ما يفيد أنه لا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام، ثم قال: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخه وقد صح نسخه بحديث أن الرسول صلوات الله عليه أرخص فى الحجامة للصائم فقامت به الحجة، ولفظ أرخص لا تكون إلا بعد نهى فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول. مذهب الزيدية: قال صاحب البحر (21) : لا يفسد الصوم بالحجامة إذ احتجم النبى صلى الله عليه وسلم صائما، ورخص للصائم فيه. قال: وحديث "أفطر الحاجم والمحجوم " نسخ بالترخيص، أو لأنهما اغتابا فبطل ثوابهما، وإلا لزم فى الحجام ولا قائل به. مذهب الشيعة الجعفرية: يصوره ما جاء فى الروضة البهية والمختصر النافع (22) : لا يفسد الصوم بإخراج الدم المضعف، والإخراج المذكور يشمل الحجامة. مذهب الإباضية: جاء فى كتاب الوضع (23) : كرهوا للصائم أربعة، فإن فعلهن فلا بأس، وعد منها الحجامة بالنهار. وفى شرح النيل (24) : كره احتجام نهارا مطلقا، وقيل فى آخر النهار، وقيل فى أوله لا لفساده بل لخوف الضعف فيؤدى للإفطار. قالوا: ولم يصح حديث: الحجامة تنقض الصوم، وأما حديث أفطر الحاجم والمحتجم " فهو حكم عليهما بالإفطار لفعلهما أمرا مفطرا كنظر الحاجم إلى عورة المحتجم أو لاغتيابهما ويدل على ذلك ذكر الحاجم فإنه لا حجة قوية على أن من فعل بأحد ما يفطر به كان مفطرا. ويتلخص موقفه فقهاء المذاهب المذكورة فى أنهم جميعا عدا الحنابلة يرون عدم فساد الصوم بالحجامة وان كان مكروها أو خلاف الأولى على التفصيل المذكور. احتجام المحرم مذهب الحنفية: قال السرخسى (25) : وللمحرم أن يحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لأن هذا كله من باب المعالجة، فالمحرم والحلال (أى غير المحرم) فيه سواء، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة (موضع بقرب المدينة) . وقال الميرغينانى (26) : إن حلق المحرم موضع المحاجم فعليه دم عند أبى حنيفة. وقال الصاحبان عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة وهى ليست من المحظورات، فكذا ما يكون وسيلة- أليها إلا أن فيه إزالة شىء من التفث فتجب الصدقة. مذهب المالكية: نص خليل والدردير (27) على جواز الفصد للمحرم إذا كان لحاجة وإلا كره فيما يظهر. وعلق الدسوقى بقوله: وعلى كل حال لا فديه. فيه. ومنه يبين حكم الحجامة لا شتراكهما. وفى المدونة (28) : سئل مالك: ألا يكره للحجام المحرم أن يحجم المحرمين ويحلق منهم مواضع المحاجم؟ قال مالك: لا أكره ذلك له إذا كان المحرم المحتجم إنما يحتجم لموضع الضرورة. مذهب الشافعية: جاء فى الأم (29) ، قال الشافعى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم. قال الشافعى: فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامه (30) : أما الحجامة اذا لم يقطع شعرا فمباحة من غير فدية فى قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد. ولأن ابن عباس روى أن النبى احتجم وهو محرم، متفق عليه، ولم يذكر فديه، ولأنه لا يترفه بذلك، فأشبه شرب الأدوية. وإن احتاج فى الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبد الله بن بحينة أن رسول أدته صلى الله عليه وسلم احتجم بلحى جمل فى طريق مكة وهو محرم وسط رأسه متفق عليه. ومن ضرورة ذلك قطع الشعر ولأنه يباح حلق الشعر لإزالة الأذى فكذلك هنا وعليه - الفديه، لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضى أو به أذى من رأسه ففدية.. " الأيه. مذهب الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى (31) أن للمحرم أن يحتجم ويحلق موضع المحاجم ولا شىء عليه، ثم روى من طريق عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ومثله من طريق سفيان بن عيينة عن أبن عباس، ومن طريق مسلم عن ابن بحينة ولم يخبر عليه أن فى ذلك فدية ولا غرامة. إباحة الفصد والحجامة. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (32) : وله أن يفتصد ولا فديه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وقاسوا على أباحه الاحتجام إباحة عصر الدماميل ونزع الشوك. مذهب الشيعة الجعفريه: جاء فى. المختصر النافع (33) : إن فى الحجامة بالنسبة للمحرم لغير ضرورة قولين أشبههما الكراهية. مذهب الإباضية: ويقول الإباضية كما فى كتاب الوضع (34) : على المحرم أن يترك فعل أر

احتساب

احْتِسَابُ المعنى اللغوى الاحتساب مصدر، فعله احتسب، يقال احتسب بكذا اكتفى به واحتسب على فلان الأمر أنكره عليه، واحتسب الأجر على الله أخره لديه-، كما يقال احتسبت بكذا أجرا عند الله، أى فعلته مدخرا إياه عنده، والمادة تدل فى كثير من استعمالاتها على العد كما تبين من الاستعمالات السابقة، ومنه علم الحساب، أى علم العدد، والحسبة اسم من الاحتساب، وإذن فالاحتساب يستعمل فى فعل ما يحتسب عند الله (1) . المعنى الشرعى ثوابه فى الدار الآخرة وذلك الاستعمال لا يكاد يخرج عن بعض استعمالاته اللغوية وعلى ذلك فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يسمى احتسابا فى لسانهم كما يسمى حسبة أيضا، وذلك إذا فعله لا لرياء ولا لسمعة ولا لإظهار علو أو كبرياء- وكذلك كل معروف يفعله الإنسان لوجه الله سبحانه وتعالى مدخراً ثوابه عنده لغير رياء ولا سمعة كالصدقة يتصدق بها احتسابا ودفع الأذى والشر يقوم به احتسابا والمعونة فى الخير والنصرة يقوم بهما احتسابا وفى هذا المعنى جاء فى قوله - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو الدرداء - رضى الله عنه- قال سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الله عز وجل قال يا عيسى إنى باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ... رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخارى. وفى قوله صلى الله عليه وسلم فيم رواه أبو هريرة " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ... رواه البخارى ومسلم وفيما روى عن عمر قال: "أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته" وفى هذا ما يدل على أن الاحتساب بمعنى الحسبة- وفى بيان ما يدل على طلبه بمعنى الحسبة وعلى حكمه وعلى طبيعته وعلى ما فيه من معنى الولاية وعلى شروطه وأركانه وعلى موضوعه وما يتم به يرجع إلى مصطلح حسبة.

_ (1) القاموس والمصباح ومفردات الراغب الأصبهانى وأساس البلاعة للزمخشرى والمعجم الوسيط.

احتطاب

احْتِطاب المعنى اللغوى الاحتطاب فى القاموس: الحطب محركة ما أعد من الشجر شبوبا، وحطب كغرب جمعه كاحتطب. ويستعمله الفقهاء بمعناه اللغوى. ويكون الاحتطاب فى الأراضى المباحة التى لم يملكها أحد أو فى المملوكة بإذن من صاحبها. ومن سبق إليه كان أحق به من غيره فيملكه بذلك، والاحتطاب من الأرض في المملوكة لا يحتاج إلى إذن الإمام لأنه من الأشياء المباحة التى لا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام (1) . هذا وقد ذكر الأئمة له عدة أحكام تتعلق به. مذهب الحنفية: قال الحنفية: لو اشتركا فى الإحتطاب يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى وهو نصف الحطب غير معلوم فلم يصح الحط بأقل (2) . وهل إذا سرق الحطب تقطع اليد فيه أم لا؟ ورد عن أبى حنيفة أنه لا قطع فى الطعام، ولا فيما أصله مباح (3) . والحطب فى ملك رجل ملك له فليس لغيره أن يحتطبه بدون إذنه، وإن كان فى غير ملك فلا بأس به ولا يضر نسبته إلى قربه أو جماعة ما لم يعلم أن ذلك ملك لهم، ويملك المحتطب الحطب لمجرد الاحتطاب وإن لم يشده ولم يجمعه (4) . ولا تجوز الشركة فى الأشياء المباحة مثل الإحتطاب والاحتشاش والاصطياد وكل مباح، لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل فى أخذ المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بغير أمره فلا يصلح نائبا عنه، وما أصطاده كل واحد منهما أو احتطبه أو احتشه فهو له دون صاحبه لثبوت الملك فى المباح بالأخذ، فان أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما فى سبب الاستحقاق، وأن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر، بأن حمله معه أو حرسه له فللمعين أجرة مثله لا يجاوز به نصف ثمن ذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد بالغا ما بلغ (5) . مذهب المالكية: قال المالكية: لو قال لآخر: إحتطبْ على دابتى ولك نصف الحطب جاز إن علم ما يحتطبه عليها بعادة أو شرط وسواء فى ذلك إن قيد بزمن كيوم لى، ويوم لك، أم لم يقيده كنقلة لى ونقلة لك، فالأجرة هنا واجبة، ومثل الدابة السفينة والشبكة ونحوهما فيجوز بنصفه ما يحمله عليها إذا كان معينا من مكان معين (6) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: يصح التوكيل فى تملك المباحات كالإحياء والاصطياد والاحتطاب فى الأظهر ومقابله المنع، والملك فيها للوكيل (7) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: يجوز للشخص أن يستأجر رجلاً ليحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة فأشبه حصاد الزرع، ويصح التوكيل فى تملك المباحات من الصيد والاحتطاب والحشائش ونحو ذلك كإحياء الموات وهذا هو الصحيح من المذهب (8) . وتصح شركة الأبدان فى الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب، وسائر المباحات كالاحتطاب (9) . قال الزيدية: لو استأجر شخص من يصطاد له أو يحتش أو يحتطب أو يسقى أو نحو ذلك من المباح فلا يصح الاستئجار- وكذا لو عقد اثنان شركة فى ذلك- أو وكل رجل غيره لم يصح ولو نواه للغير بل يملكه الفاعل إذا فعل فى الأصح من المذهب. وقال المتوكل بالله: يصح التوكيل فيه ... وعلى الأصح من المذهب لا أجرة له من الآمر إلا أن ُيكرِهُه (10) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: إذا أستأجر غيره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد من المباحات مدة معينة صحت الإجارة، ويملك المستأجر ما يحصل من ذلك فى تلك المدة هذا ولا تدخل النيابة فى الاحتطاب والاحتشاش، لأنه تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة، لو احتطب أو احتش بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية وكان بأجمعه له خاصة (11) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وجاز احتطاب شخص أو أخذه الشوك أو الحشيش من أرض آخر على أن الحطب بينهما مثلا، وإنما جاز لأنه قد رأى الأرض مع ما فيها، أو لم ير لكنه قد عقد أن له النصف مثلا فى كل ما حطب (12) . الاحتطاب فى أرض الحرم مذهب الحنفية: قال الحنفية: إن قطع حشيش الحرم أو شجرة ليست مملوكة لأحد وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته (13) إلا ما جف منه ... وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه لأنه ليس بنام (14) . مذهب المالكية: قال المالكية: حرم على المكلف بالحرم محرما أو غيره، آفاقيا ومن أهل مكة قلع ما نبت بنفسه ولو كان قطعه لإطعام الدواب على المعتمد، ولا فرق بين الأخضر واليابس إلا الأذخر (15) ، كما ورد فى الحديث استثناء الأذخر والملحقات به وهى السنا والسواك والعصا (16) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: ويحل من شجر الحرم الأذخر قلعا وقطعا لاستثنائه فى الخبر. وكذا الشوك كالعوسج (17) وغيره من كل مؤذ منتشر من الأغصان المضرة فى طريق الناس عند الجمهور، والأصح حل أخذ نباته من حشيش أو نحوه لعلفه البهائم وللدواء كحنظل للحاجة إليه (18) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: ويباح الانتفاع بما أنكسر من الأغصان وبما انقطع من الشجر بغير فعل آدمى وكذا الورق الساقط يجوز الانتفاع به (19) . مذهب الظاهرية: قال الظاهرية: من احتطب فى حرم المدينة خاصة فحلال سلب ما وجد معه فى حاله تلك ويجرد من ثيابه إلا مما يستر عورته فقط لما ورد عن عامر بن سعد قال: إن سعدا (أباه) ركب إلى العقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فسألوه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرده عليهم (20) . مذهب الزيدية: قال الزيدية: من محظورات الإحرام قطع شجر من الحرمين أو رعيه. فلو كان يابسا جاز قطعه، فلو كان مؤذيا كالعوسج ونحوه مما له شوك مؤذ فيجوز قطعه فلو كان مستثنى كالاذخر جاز قطعه. أما لو كان أصله فى الحل وفرعه فى الحرم جاز قطعه وأن يكون مما ينبت بنفسه (21) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر، وما أنبته الآدمى ومحل التحريم فيهما الاخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه إن كان أصله ثابتا (22) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وجاز لمحرم احتطاب وشد محمله أى ربطه والعقد عليه إلا على نفسه منه ولا يحل وإن لمحل شجر الحرم، ويجوز رعيه. ولا يجوز قطع اليابس أيضا، وجوز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذخر (23) . والأصل فى شجر الحرم أنه غير مستنبت ففيه الجزاء، وعن ابن محبوب فى عود صغير فى الحرم إطعام مسكين، وقيل فى كسر عود درهم ولو صغيرا كسواك (24) .

_ (1) المغنى لابن قدامة ج6 ص 38. (2) الهداية ج3 ص 177. (3) الهداية ج4 ص 227. (4) حاشية ابن عابدين ج5 ص 389. (5) الجوهرة النيرة ج1 ص 285. (6) الشرح الصغير ج2 ص 159. (7) السراج الوهاج ص 247. (8) المقنع ج2 ص 149. (9) المقنع ج2 ص 183. (10) شرح الأزهار ج3 ص 322. (11) شرائع الإسلام ص 216 باب الشركة. (12) شرح النيل ج5 ص 59. (13) ولا يكون للصوم فى هذه القيمة مدخل لأن حرمة تناولها بسبب الإحرام فكان من ضمان المحال. (14) كتاب الهداية للمرغينانى ج1 ص 127 مطبعة مصطفى الحلبى. (15) نبت كالحناء طيب الرائحة. (16) بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1ص 277 المطبعة التجارية. (17) نوع من الشوك. (18) نهاية المحتاج ج3 ص 342 مطبعة مصطفى الحلبى. (19) المقنع وشرحه ج1 ص 435 المطبعة السلفية، وكشاف القناع ج1 ص 602 المطبعة العامرة الشرقية بالقاهرة. (20) المحلى لابن حزم ج1 ص 263 مسألة رقم 901. (21) شرح الأزهار ج2 ص 103 مطبعة حجازى بالقاهرة. (22) الروضة البهية ج1 ص 182 مطابع دار الكتاب العربى. (23) الأذخر نبت طيب الرائحة تصنع منه الحصر وتسقف منه البيوت ما بين الخشب. (24) شرح النيل ج2 ص 323،337.

احتكار

احْتِكَار معنى الاحتكار فى اللغة جاء فى المصباح: احتكر فلان الطعام، إذا حبسه إرادة الغلاء، والاسم الحكرة، مثل الغرفة من الإغتراف، والحكر (يفتح الحاء والكاف أو اسكانها) بمعنى الاحتكار. وعرف صاحب القاموس الحَكْر، بفتح الحاء وسكون الكاف بأنه الظلم وإساءة المعاشرة، وقال أن بالتحريك اى الحكر بفتحتين: ما احتكر أى حبس انتظارا لغلائه كالحكر بضم الحاء، فيكون اسما من الاحتكار. ونقل الصنعانى (1) عن النهاية لابن الأثير فى شرح قول النبى صلى الله عليه وسلم: " من احتكر طعاما.. " اى اشتراه وحبسه ليغلو فيغلو. ومن هذا يتبين بوضوح أن معانى المادة كلها تدور حول الظلم فى المعاملة وحبس شىء من الأشياء لاستبداد بشأنه. ومنه ما ورد فى استعمال الشريعة من عصر النبوة إلى أن عرفه الفقهاء فى كتبهم بما لا يخرج عن ذلك فى الجملة. التعريف الفقهى للاحتكار يقول الحصكفى من الأحناف فى شرح الدر المنتقى (2) نقلا عن الشر نبلالية عن الكافى: أن الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام: " من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس ". ثم قال: وقيل شهر وقيل كثر، وبين الحصكفى أن تكثيرة مدة الأيام لا معاقبة فى الدنيا بنحو البيع والتعزير. لا للإثم لحصونه وإن قلت المدة، وتفاوت الإثم بين تربص المحتكر لعزة الطعام وندرته أو للقحط. وقد رجعنا إلى حاشية الشر نبلالى على درر الحكام شرح غرر الأحكام (3) فوجدنا ما يأتى تعليقا على قول صاحب الغرر: كره احتكار قوت البشر والبهائم: الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشىء إذا أستبد به وحبسه عن غيره، وتقييده بقوت البشر والبهائم قول أبى حنيفة ومحمد وعليه الفتوى، وقال أبو يوسف: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا. كذا فى الكافى. وأما تقدير مدة حبس الطعام فقد ورد فى كلام صاحب الدرر إذ يقول: " ومدة الحبس قيل أربعون يوما وقيل شهر وهذا فى حق المعاقبة فى الدنيا، لكن يأثم وإن قلت المدة ". ويقول البابرتى (4) الحنفى: إن المراد بالاحتكار " حبس الأقوات تربصا للغلاء " وهذا التعريف أقرب إلى ما أورده الشرنبلالى فإنه لم يقيد الحبس بكونه على سبيل الشراء، ولم يذكر نحو الأقوات، وقد اختلف كل منهما عن الحصكفى من هاتين الناحيتين. وقد وافق صاحب الاختيار الحصكفى فى تقييد الحبس بكونه على سبيل الشراء وإن كان قصر على الطعام كالبابرتى والشرنبلانى، وأشار صاحب الاختيار الموصلى الحنفى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى مصر، فقال (5) : " إن الاحتكار أن يبتاع الشخص طعاما من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر ويحبسه إلى وقت الغلاء". ونبه الكاسانى الحنفى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الإحتكار (6) : فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يفر بالناس بدل قولهم (إلى وقت الغلاء) . مذهب المالكية: أما المالكية فيصورون الاحتكار بما تفيده عبارة المدونة برواية سحنون (7) : أنه سمع مالك، يقول: الحكرة فى كل شىء فى السوق من الطعام والزيت والكتان والصوف وجميع الأشياء وكل ما اضر بالسوق فيمنع من يحتكر شيئا من ذلك كما يمنع من احتكار الحب ". والمالكية فى هذا التعميم يتفقون مع أبى يوسف فى عدم قصر الإحتكار على الطعام. مذهب الشافعية: عرفه الرملى الشافعى بقوله (8) : أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق. وبمثله عرفه الإمام النووى الشافعى فى شرحه لصحيح مسلم (9) وقد انفرد هذا التعريف بتقييد الشراء بكونه وقت الغلاء. مذهب الحنابلة: وعرفه ابن قدامة الحنبلى فى المغنى بقوله (10) : الاحتكار المحرم هو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط: أن يشترى، وأن يكون المشترى قوتا، وأن يضيق على الناس بشرائه. فهو يتفق مع من يقول ممن قدمنا أن الاحتكار يتحقق بالشراء وتخصيصه بالقوت. مذهب الظاهرية: وأما ابن حزم الظاهرى فقد وافق الجميع فى اعتبار الإضرار بالناس قيدا فى الاحتكار الممنوع، واتجه إلى أنه مرتبط بالشراء ولم يقصره على الطعام وعبارته (11) : الحكرة المضرة بالناس حرام، سواء فى الابتياع أو إمساك ما ابتاع، " والمحتكر فى وقت الرخاء ليس آثما ". مذهب الزيدية: والزيدية يخصونه بأن المحبوس قوت آدمى أو بهيمة، ويعممون فى الحبس بما يشمل ما يكون على سبيل الشراء أو غيره ويصور مذهبهم ما جاء فى البحر الزخار (12) من قولهم: يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم- " من احتكر الطعام " (أى الخبز ونحوه) فإنه لم يخصه بالشراء وبذأ يتحقق الاحتكار عندهم مما يكون حبسه بعد الشراء أو الحصول عليه من زراعته، كما يشمل ما إذا كان الشراء من المصر أو كان مجلوبا من خارجها. مذهب الإمامية: وعرف الشيعة الإمامية الحكرة (13) : بأنها جمع الطعام وحبسه يتربص به الغلاء، وحصروا الطعام الذى يتحقق فيه الاحتكار فى سبعة أشياء، هى: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت والملح. فهم لا يخصونه بالشراء وينفردون بقصر الطعام على هذه الأنواع. مذهب الإباضية: وعرفه الإباضية (14) بأنه شراء مقيم من سوق أو من غيره بالنقد أو غيره طعاما ينتظر به الغلاء فهم يخصون الاحتكار بشراء المقيم للطعام، ويصرحون بأن من أخذ الطعام من غيره فى دين أو مقاضاة أو أرش أو أجرة أو ارث أو هبة فلا يكون ذلك من الاحتكار المحظور، وقد ألحقوا بالمقيم فى تحقق الاحتكار الممنوع المسافر الذى يتجر بمال المقيم الذى يتجر بمال المسافر فلا يكون من الاحتكار الممنوع، واختلفوا فى الطعام الذى يكون فيه الاحتكار فجعله بعضهم عاما فى كل ما يطعم ولو رهنا أو شرابا، وخصه بعضهم بالحبوب الستة، وخصه بعضهم بما يسمى فى العرف طعاما، وبعضهم خصه بالبر والشعير. حكم الاحتكار الأخروى الاحتكار الذى تتحقق فيه القيود المذكورة على اختلاف المذاهب فيها كما بينا محظور أجماعا غير أنه قد اختلفت عبارات الفقهاء فى التعبير عن هذا الحظر. فمنهم من صرح بالحرمة، ومنهم من صرح بالكراهة، ومنهم من اكتفى بلفظ المنع الصادق بكل من التحريم والكراهة. فالكاسانى الحنفى يقول (15) : تتعلق بالاحتكار أحكام منها الحرمة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المحتكر ملعون والجالب مرزوق؟، ولا يلحق اللعن إلا بمباشرة المحرم، وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله وبرىء الله منه ". ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام، وساق دليلا آخر عقليا يرجع إلى أن الاحتكار من باب الظلم والظلم حرام، وقال بعد ذلك أن قليل مدة الحبس وكثيرها سواء فى حق الحرمة لتحقق الظلم. ويمثل ذلك صرح الشبراملسى الشافعى فقد قال (16) : إن النهى المتعلق بالاحتكار نهى تحريم، وأيضا فان ابن حجر الهيثمى الشافعى يعتبره من الكبائر ويقول (17) : أن كونه كبيرة هو ظاهر الأحاديث الواردة فى النهى عن الاحتكار لوجود الوعيد الشديد كاللعنة وبراءة ذمة الله ورسوله والضرب عليه بالجذام والإفلاس وبعض هذه دليل على الكبيرة. وكذلك ابن قدامة الحنبلى (18) ينص على تحريم الاحتكار ويستدل بعدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم-: "من احتكر فهو خاطىء ". ووافقهم ابن حزم الظاهرى فيما نقلناه من العبارة السابقة إذ يقول (19) : إن الحكرة المضرة بالناس حرام. وكذلك بالنسبة للزيدية خط فإن صاحب البحر الزخار ينص (20) : على أنه يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة فى الفاصل عن كفايته ومن يمونه. وكذلك الإباضية فقد صرحوا (21) : بأن الاحتكار حرام. وقال صاحب شرح النيل: أن النهى عن الاحتكار أشد من غيره من البيوع الممنوعة لانتظار المحتكر اللعنة بالاحتكار لحديث: " المحتكر ينتظر اللعنة". وأما القائلون بالكراهة فمن الأحناف الميرغينانى صاحب الهداية وكل من الموصلى صاحب الاختيار والتمرتاشى صاحب تنوير الأبصار والحصكفى فى الدر وابن عابدين فى حاشيته وهو المذكور في ملتقى الأبحر وشارحه. يقول صاحب الهداية (22) : " ويكره الاحتكار فى أقوات الآدميين والبهائم.. الخ ". كما يقول صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر وابن عابدين فى حاشيته (23) . " وكره احتكار قوت البشر 00 الخ ". ويوافق الشيعة الجعفرية من قالوا بالكراهة من الأحناف، فقد أورده صاحب اللمعة الدمشقية وشارحه صاحب الروضة البهية فى مكروهات التجارة (24) . وإن كان صاحب الروضة البهية قد اختار فى موضع آخر (25) أنه يحرم مع حاجة الناس إليه إذ يقول: والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه لصحة الخبر بالنهى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم كما أورده صاحب المختصر النافع من الشيعة الجعفرية فى المكروهات أيضا وذكر أن هناك قولا بحرمته. واما من أورد عبارة المنع دون تحديد لجهة المنع فإنه الحطَّاب من المالكية إذ أورد أنه ممنوع (26) . حكم الاحتكار الدنيوى يقول صاحب البدائع الفقيه الحنفى: إن من أحكام الاحتكار أن يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفع إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع. وقال محمد: يجبر عليه، وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع فى معنى الحجر. ويقول الميرغينانى الحنفى فى كتابه الهداية: إن رفع المحتكر إلى الإمام مرة ثانية حبسه وعزره زجرا له ودق الضرر العامة. أما صاحب "الدر الحنفى " فيمرح بأنه يجب على القاضى أن يأمره ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله. ويضيفه ابن عابدين: أنه مع أمره ينهاه عن الاحتكار ويعظه ويزجره. ثم يقول صاحب الدر: فإن لم يبع بل خالف الأمر عزره وباع عليه وفاقا على الصحيح. ثم نقل عن صاحب السراج أنه لو خاف الإمام علي أهل بلد الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وقومه فإذا كانوا فى سعة ردوا مثله. قال: وليس هذا بحجر بل للضرورة، ومثله فى الاختيار والبدائع. مذهب المالكية: ونص المالكية على أن من اشترى الطعام من الأسواق واحتكره وأضر بالناس فإن الناس يشتركون فيه بالثمن الذى اشتراه وصرح ابن جزى بأن فى جبر الناس على إخراج الطعام فى الغلاء خلافا (27) . ويقول الأبى المالكى فى شرح لصحيح مسلم (28) : إن الخليفة كان إذا غلا السعر ترفق بالمسلمين فأمر بفتح مخازنه وأن يباع بأقل مما يبيع الناس حتى يرجع الناس عن غلوهم فى الأثمان، ثم يأمر مرة أخرى أن يباع بأقل من ذلك حتى يرجع السعر إلى أوله أو القدر الذى يصلح للناس حتى يغلب الجالبين والمحتكرين بهذا الفعل وكان ذلك من حسن نظره. مذهب الشافعية: وصرح الشافعية بأن من عنده زائد على كفايته ومئونته سنة يجبر على بيعه فى زمن الضرورة، بل قالوا: أنه إذا اشتدت الضرورة يجبر على بيع ما عنده ولو لم يبق له كفاية سنة. مذهب الحنابلة: كما صرح الحنابلة بأن لولى الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه الناس فى مخمصة فإن من اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل ولو امتنع عن بيعه إِلا بأكثر من سعره أخذه منه بقيمة المثل. ثم يقول ابن القيم (29) : من أقبح الظلم أن يلزم الناس إلا يبيع

احتيال

احْتِيَال تعريف الاحتيال: الاحتيال لغة: جاء فى مختار الصحاح (1) : " الحيلة اسم من الاحتيال، وكذا الحَيْل والحوْل.. يقال لا حيل ولا قوة، لغة فى حوْل. وهو أحيل منه، أى أكثر حيلة، ويقال ما له حيلة ولا احتيال ولا محال بمعنى واحد ". وجاء فى لسان العرب (2) : " الاحتيال مطالبتك الشىء بالحيل " وعلى هذا فالاحتيال هو اللجوء إلى الحيلة. ويعرف الشاطبى الحيل بقوله: " أن حقيقته المشهورة هى تقديم عمل ظاهر الجواز لابطال حكم شرعى، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة فى الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة كان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار مال الهبة المنع من آداء الزكاة، وهو مفسدة، ولكن هذا بقصد إبطال الأحكام الشرعية (3) . وقال قبل ذلك (4) : التحيل بوجه سائغ مشروع فى الظاهر وذلك كمن وهب النصاب قبل الحول حتى لا تجب الزكاة، أو غير سائغ كمن شرب الخمر فى وقت الصلاة حتى تسقط عنه، على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر بحيث لا يسقط أو ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود مع العلم بكونها لم تشرع له. ويبين ابن القيم أقسام الحيل فيقول (5) : القسم الأول: الطرق الخفية التى يتوصل بها إلى ما هو محرم فى نفسه بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال، فمتى كان المقصود بها محرما فى نفسه فهى حرام باتفاق المسلمين. وهذا القسم ينطوى على أنواع ثلاثة: أحدها: أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم. الثانى: أن تكون مباحة فى نفسها. ويقصد بها المحرم، فتصير حراما تحريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة. وهذان القسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم، ومفضية إليه كما هى موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية إليه، فإن السفر طريق صالح لهذا وهذا. الثالث: أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام. القسم الثانى: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أنواع أيضا: النوع الأول: أن يكون الطريق محرما فى نفسه وإن كان المقصود به حقا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له، فيقيم صاحبه شاهدى زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق، فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود، وفى مثل هذا جاء الحديث " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ". النوع الثانى: أن تكون الطريق مشروعة، وما تفضى إليه مشروع، وهذه هى الأسباب التى نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة، ويدخل فى هذا النوع الاحتيال على جلب المنافع وعلى دفع المضار، وليس كلامنا ولا كلام السلف الصالح فى ذم الحيل متناولا لهذا النوع، بل العاجز من عجز عنه. النوع الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح، أو قد تكون وضعت ولكنها خفية ولا يفطن لها. والفرق بين هذا النوع والذى قبله أن الطريق فى الذى قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود، والطريق فى هذا النوع نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له، فهى فى الأفعال كالتعريض الجائز فى الأقوال. الصلة بين الاحتيال وبعض الأصول الشرعية قرر الشاطبى حرمة الاحتيال، وأسس هذا البطلان على جملة من الأصول الشرعية الكلية والقواعد القطعية، ثم قام بعمل استقراء من نصوص الشريعة يفيد أن الاحتيال بالفعل المشروع فى الظاهر إلى إبطال الأحكام الشرعية باطل شرعا، وإليك هذه الأصول. أولا: الاحتيال ومخالفة قصد الشارع أسس الشاطبى حرمة الاحتيال على أن المحتال قصد ما ينافى قصد الشارع فبطل عامله. ذلك أن قصد المكلف فى العقل يجب أن يكون موافقا لقصد الشارع وأن من ابتغى فى تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله على المناقضة باطل، وقد أقام الأدلة على أن مخالفة قصد الشارع مبطلة للعمل (6) . أما أن المحتال قاض بالعمل غير ما شرع له فظاهر، فالناكح- يقصد تحليل المرأة لزوجها الأول- قاصد بالزواج غير ما شرع له. فالزواج شرع للتناسل وتكوين الأسرة والسكن والمودة والرحمة، وما إلى ذلك من مصالح الزواج التى لا تحصل إلا بدوام العشرة. وليس من صالح النكاح التى قصدها الشارع منه أن- يحلل الزوج المرأة لغيره، بل إن ذلك مناف للحكمة من الزواج ومفوت لمصالحه. ودليل ذلك أن الجمهور على أن التحليل لو شرط صراحة فى العقد لبطل، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، وقصد الشارع من عقد البيع دفع حاجة البائع إلى الثمن وحاجة المشترى إلى السلعة، فإذا قصد المحتال أن يقرض مائة إلى أجل ليسترد مائتين، وجعل السلعة وسيلة لذلك وليس لأحدهما غرض فيها بوجه من الوجوه فقد خالفه قصده قصد الشارع. الأساس الثانى - الاحتيال وقاعدة اعتبار المآل: يقرر الشاطبى أن النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، وبين أن مضمون هذه القاعدة أن المجتهد لا يحكم على فعل بالإذن أو المنع إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فإذا كان الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، فإنه يمنع إذا أدى استجلاب تلك المصلحة أو درء تلك المضرة إلى فوات مصلحة أهم أو حدوث مفسدة أكبر، وبالمثل فإن الفعل غير المشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحه تندفع به يشرعه إذا أدى استدفاع المضرة أو جلب المصلحة إلى مفسدة تساوى أو تزيد. وهذه القاعدة تنطبق على الاحتيال، ذلك أن الفعل المتحيل به فعل مشروع لمصلحة فى الظاهر، لم يقصد به المتحيل تحصيل هذه المصلحة، وإنما قصد به مفسدة محرمة، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار ماّل الهبة المنع من آداء الزكاة وهو مفسدة (7) . الاحتيال وإسقاط حكم السبب بفعل شرط أو تركه إذا كان إعمال السبب يتوقف على فعل شرط أو تركه، فإن قام المكلف بفعل ما يحقق هذا الشرط أو يفوته، تحصيلا لمصلحة شرعية، فإن فعل الشرط يترتب عليه أثره. وأما إذا فعل المكلف هذا الشرط أو تركه من حيث كونه شرطا دون قصد إلى تحصيل مصلحه شرعية، وإنما فعله قصدا لإسقاط حكم السبب لكى لا يترتب عليه أثره، فهذا عمل غير صحيح، وسعى باطل. ومثل الشاطبى لذلك بأنه إذا توافر النصاب كان سببا لوجوب الزكاة. ولكن يتوقف الوجود على بقاء النصاب، حتى يحول الحول، فإذا ما أنفق المكلف النصاب قبل الحول للحاجة إلى إنفاقه، أو أبقاه للحاجة إلى إبقائه، فإن الأحكام التى تترتب على الأسباب تنبنى على وجود الشرط أو فقده، أما إذا أنفقه من حيث أنه شرط لوجوب الزكاة قاصدا عدم ترتب آثار السبب عليه، فإن هذا العمل غير صحيح، ولقد أقام الشاطبى الأدلة التى تفيد القطع فى جملتها بأن فعل ما يحقق الشرط أو يعدمه يقصد إبطال حكم السبب، فعل غير صحيح وسعى باطل. ثم قال: فإن هذا العمل يصير ما انعقد سببا للحكم، جلبا لمصلحة أو دفعا لمفسدة، عبثا لا حكمة له ولا منفعة فيه، وهذا مناقض لما ثبت فى قاعد المصالح وأنها معتبرة فى الأحكام، وأيضا فإنه مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد سببا وحصل فى الوجود صار مقتضيا شرعا لمسببه، ولكنه توقف شرعا على حصول شرط هو تكميل للسبب، فصار هذا الفاعل أو التارك بقصد رفع حكم السبب قاصدا لمضادة الشارع فى وضعه سببا. وقد تبين أن مضادة قصد الشارع باطلة، فهذا العمل باطل (8) . الاحتيال وانعدام الإرادة فى العقد المتحيل به إن ركن العقد هو الرضا، ولما كانت الإرادة أمرا باطنا لا يطلع عليه، جعل الشارع مظنة الرضا، وهو الصيغة، قائمة مقام الرضا على أنه إذا ثبت أن العاقد الذى أتى بالصيغة قد قصد بها غير ما وضعت له، فإن الرضا بالعقد يكون منعدما، إذ الصيغة لا تنعقد سببا لترتب آثار العقد عليه إلا إذا قصدها العاقد غير مريد بها معنى يناقض موجبها ومعناها. فعاقد الهبة بقصد القرب من الزكاة لم يتوافر بالنسبة له الرضا بالعقد الذى أبرمه ذلك أنه قصد بالصيغة ما ينافى المعنى الذى وضعت له. فلفظ الهبة إنما وضع لإرادة تمليك الواهب للموهوب له على سبيل الإرفاق والإحسان، والواهب للنصاب لم يقصد باللفظ معناه الموضوع له شرعا، وإنما قصد به الهروب من دفع الزكاة، ولم يضع الشرع لفظ الهبة للهروب من دفع الزكاة. كما لم يضع لفظ النكاح ليحلل المطلقة وإنما وضعه لدوام العشرة، وإذا كانت بعض عقود الهازل صحيحة، فإن هناك فرقا بين الهازل والمحتال. ذلك أن الهازل أتى بالصيغة غير قاصد ما يناقض المعنى الذى وضعت له شرعا، فكان قاصدا لحكم اللفظ حكما، وإن لم يقصده حقيقة، وذلك بخلاف المحتال، فإنه لما كان قاصدا خلاف معنى اللفظ لم يصح القول بأنه قاصد لمدلوله حكما، فالهازل آت بالسبب غير راغب فى ترتب آثاره عليه وترتب الأثر بحكم الشارع لا بإرادة الشخص (9) . حكم الاحتيال وأدلته يقرر الشاطبى أن الاحتيال بالمعنى الذى قرره غير مشروع، والفعل المتحيل به غير صحيح فيقول: الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة فى الجملة ... فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع (10) . وعلى هذا فإن الفعل المتحيل على ما لا يجوز غير مشروع فى الباطن بينه وبين الله تعالى، وغير صحيح، ولا يترتب عليه أثر فى أحكام الدنيا إذا قامت الأدلة عن القصد المحرم والباعث غير المشروع. وعلى هذا فإن واهب النصاب قبيل الحول بقصد الفرار من الزكاة تحرم هبته وتبطل إذا ثبت بإقراره أو بالقرائن أنه إنما وهب النصاب بقصد الفرار من هذا الواجب وهو مجال الخلاف بين المالكية والحنابلة من جهة، وبين الشافعية والحنفية من جهة أخرى. فالفريق الأول يبطلون الفعل الذى يقصد به الفاعل قصداً غير مشروع إذا قامت القرائن على هذا القصد، أما الفريق الآخر فإنهم وإن وافقوا على أن القصد إلى إبطال الحقوق وإسقاط الواجبات وغير ذلك من النيات المحرمة والمقاصد غير المشروعة محرم، إلا أن العقد أول التصرف لا يبطل بل يترتب عليه أثره، ويحكم بصحته قضاء، ولو ثبت قصد الفاعل غير المشروع أو نيته المحرمة، ما لم يكن العاقد قد أظهر هذا القصد أو تلك النية فى العقد نفسه، بحيث كانت داخلة فى صلب التصرف ومعبراً عنها فيه. ويقرر الشاطبى أن هناك نصوصا شرعية يقطع مجموعها بالمنع من الاحتيال فى الشريعة ونحن نورد بعض هذه النصوص: 1- ما جاء فى القرآن من نصوص خاصة بالمنافقين والمرائين: فقد ذم الله هذين الفريقين وتوعدهم بالعقوبة وشنع عليهم، ويتمثل النفاق فى الرياء فى أنهم أتوا قولا أو عملاً، للشارع منه قصد معين، وهم يقصدون منه ما يناقض هذا القصد، فالمنافق ينطق بكلمة الشهادة لا يقصد بها الخضوع فى الباطن والظاهر لله عز وجل، وإنما يقصد بها صيانة دمه وماله والمرائى يأتى العبادة لا يقصد بها التوجه إلى الله الواحد المعبود، ولا نيل

إحداد

إحْدَاد تعريفه لغة: الإحداد مأخوذ من الحد، وهو لغة: المنع.، ويريد به اللغويون منعا خاصا، وهو امتناع المرأة عن الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها (1) . وفى عرف الفقهاء: ألا تقرب المعتدة من وفاة، شيئا من الزينة والطيب، وما إليهما على تفصيل فى ذلك بين المذاهب، وعلى خلاف بين المباح والممنوع (انظر ما تجتنبه الحاد) . زاد بعض المذاهب كالحنفية والزيدية المعتدة من طلاق ثلاثا وعلل الحنفية ذلك بأن حزن المرأة على انفصام عرى الزوجية لا يقل عن حزنها لموته (2) . والإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما، و " من " كل ما كان من دواعى الجماع.. والحداد ثياب المآتم السود، والحاد والمحد من النساء التى تترك الزينة والطيب يقال: حدت تحد وتحد حدا وحدادا، وأحدت. وأبى الأصمعى إلا أحدت تحد وهى محد ولم يعرف حدت. قال أبو عبيد: ونرى أنه مأخوذ من المنع، لأنها قد منعت من ذلك، ومنه قيل للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول والسجان حداد. وقد سميت الحدود الشرعية كذلك لأنها تمنع وتردع عن المعصية. وقال ابن عرفة: الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره، فيدخل ترك الخاتم، إذ قد يكون زينة وحده لبعض النساء، وقد لا يكون، فى بعض آخر، إلا مع غيره، فيمنع على الحالين والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " (3) . حكمه وجمهور الفقهاء على وجوبه (4) على المتوفى عنها، إلا ما يروى عن الحسن البصرى من طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه قال: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويتطيبان ويختصبان وينتعلان ويصنعان ما شاء. ومثله عن الحكم بن عتيبة، وعن الشعبى أنه كان لا يعرف الإحداد، قال أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين، وفى الحسن والشيم، وخفى ذلك عليهما. وحجة الجمهور حديث أم عطية فى المتفق عليه واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً (5) . وقد فصل العلماء القول فى وجوبه على الكتابية والأمة والصغيرة والمطلقة الخ ... على ما سيأتى بيانه. حكمته أن التطيب والتزين يلفت النظر إلى المرأة، ويدعو إلى اشتهائها والتفكير فيها، فمنعت منه صونا لها فى زمن عدتها وفاء بحق الزوج الذى فارقها وهو على وفاق معها، وإذا كانت تلك الأمور دواعى للرغبة فيها وهى ممنوعة من النكاح فإن اجتنابها واجب كى لا تصير ذريعة على الوقوع فى المحرم (6) . مدته أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها للحرة، وعلى النصف من ذلك للأمة، وتحل الحرة ليلة الحادى عشر. مذهب الحنفية: أن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، لقوله تعالى: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن". مذهب المالكية: قال الباجى: قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما هى أربعة أشهر وعشراً " على وجه الإخبار بمدة الإحداد الواجب على زوجة المتوفى: ذلك أربعة اشهر وعشر. وقال مالك: تحد الأمة إذا توفى عنها زوجها شهرين وخمس ليال، مثل عدتها وليس على أم الولد إحداد إذا مات سيدها ولا على أمة يموت عنها سيدها إحداد، وإنما الإحداد على ذوات الأزواج (7) : انظر مصطلح "عدة". مذهب الشافعية: وقال الشافعى فى الأم: وعدة المتوفى عنها من يوم يموت عنها زوجها فإن لم يأتها نبأ وفاة حتى انقضت عدتها لم تستأنف عدة جديدة. وكذلك لو لم يأتها نبأ الوفاة حتى يمضى بعض عدتها أكملت ما بقى من عدتها حادة، ولم تعد ما مضى منها. وإن بلغها يقين وفاته ولم تعرف اليوم الذى مات عنها فيه اعتدت من يوم استيقنت وفاته حتى تكمل عدتها، ولم تعتد بما شك فيه كأن شهد عندها أنه مات فى رجب، وقالوا لا ندرى فى أى رجب مات فتعتد فى آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان، وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة الأشهر فى آخر ساعات النهار حلت، فكانت قد استكملت أربعة أشهر وعشرا (8) . هذا إذا لم تكن حاملا، وإلا فإن أمد الإحداد ينتهى بوضع حملها. قصرت المدة أم طالت. وقال بعض العلماء: لا يلزمها الإحداد بعد أربعة أشهر وعشرا وإن لم تضع الحمل. وهذا بالنسبة للزوج، أما إذا كان الإحداد على غير زوج فلا يزيد عن ثلاث ليال، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: " لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (9) . مذهب الحنابلة: إذا كانت حاملا فحتى تضع. مذهب الظاهرية: وافقوا الجمهور فى مدة الإحداد على الزوج، وعلي غيره من الأقارب. قال ابن حزم: لو التزمت المرأة ثلاثة أيام على أب أو أخ او ابن أو أم أو قريب أو قريبة، كان ذلك مباحا واستدل بنحو الرواية التى سقناها قريبا. أما إن كانت المتوفى عنها حاملا فقد ذكر بشأنها أنه إن كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلابد من الإحداد أربعة أشهر وعشر فأقل إن وضعت قبل مضيها ولا نوجبه عليها بعد ذلك، لأن النصوص كلها إنما جاءت بأربعة أشهر وعشر فقط. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سبيعة الأسلمية بأن تنكح من شاءت إذا وضعت حملها أثر موت زوجها بليال، وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر ذلك عليها، فصح أنه لا إحداد عليها بعد إنقضاء حملها قبل الأربعة الأشهر وعشر. ثم قال: ولم نجد نصابا يجابه عليها أن تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشرا، فإن وجد فالقول به واجب وإلا فلا. ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فى بعض طرق خبر أم عطية أنها تجتذب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة أشهر وعشرا، فكان العموم أولى أن تضع حملها (10) . مذهب الزيدية: قالوا: والحامل بآخر الأجلين لقوله تعالى: " أن يضعن حملهن " وقوله: " أربعة أشهر وعشرا وقيل: بالوضع فقط لقوله تعالى " أن يضعن حملهن، ولم يفصل. مذهب الإمامية: قالوا: بأبعد الأجلين إذا كانت حاملا. وسواء قيل بالوضع أو بأبعد الأجلين، فمحصل آراء الحنفية والزيدية والإمامية والحنابلة أنه إذا استمر حملها أكثر من أربعة أشهر وعشرا لا تحل حتى تضع. وحيث أن الإحداد يكون فى مدة العدة فإنه فى هذه الحالة يستمر وجوبه حتى تضع كذلك (11) . إحداد الكتابية مذهبا الحنفية والزيدية: يرون إن الإحداد لا يجب على الكتابية لأن الإيمان شرط لوجوب الإحداد، عملا بظاهر الحديث، ولأن الإحداد عبادة، والكتابية غير مخاطبة بها خطاب تأليف إذ ليست من أهل العبادة (12) . مذهب المالكية: اختلف قول مالك فى ذلك حسبما روى عنه، فروى عنه أشهب: لا إحداد عليها لما ذكرنا من التعليل عند الأحناف. وروى عنه ابن القاسم وغيره: أن عليها الإحداد كالمسلمة، ووجهه أن هذا حكم من أحكام العدة، وحق من حقوق الزوجية فلزوم الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة والنفقة. وعلى هذا فلا يكون المراد من وصف الإيمان هنا ما يفهم تخصيص الحكم بالمؤمنات بل يكون ذكره على سبيل الترغيب فى الفعل والترهيب من الترك، والتأكيد فى الزجر بمعنى أن هذا أمر لا يتركه من يؤمن بالله واليوم الأخر كما قال - صلى الله عليه وسلم- " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه" (13) . مذهب الحنابلة والشافعية والظاهرية: يرون الإحداد واجبا على الكتابية كالمسلمة، ويعلل الظاهرية ذلك بقولهم قال تعالى: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " وقال عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "، والدين الحكم (14) . فواجب عليهم أن يحكم عليهم بحكم الإسلام وهو لازم لهم، وبتركهم إياه استحقوا الخلود " فى النار". ومن قال أنه لا يلزمهم دين الإسلام فقد فارق الإسلام وقال الشافعى: من وجبت عليه عدة الوفاة، وجب عليه الإحداد، لا يختلفن. مذهب الإمامية: قال صاحب الروضة البهية: والذمية كالحرة فى الطلاق والوفاة على الأشهر بل لا نعلم القائل بخلافه (15) . إحداد الصغيرة يرى الحنفية والزيدية: أنه لا إحداد عليها لرفع القلم عنها (16) . أما الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية، فيرون أن عليها الإحداد كالكبيرة والمخاطب بذلك هو وليها فيجب عليه أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة (17) . والأصل فى ذلك، على ما ذكره المالكية، ما روى عن أم سلمة أن امرأة سألت النبى - صلى الله عليه وسلم- عن ابنة لهما توفى زوجها الحديث، وقد أجابها - صلى الله عليه وسلم- ولم يسأل عن سنها، استدل بهذا القاضى أبو محمد، والدليل على ذلك من جهة المعنى أن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة (18) . إحداد الأمة اتفق الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والزيدية على أن الأمة المنكوحة يلزمها الإحداد لأن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " محمول على التعميم. ولأنها مخاطبة بحقوقه تعالى فيما ليس فيه إبطال حق السيد، إذ ليس فى الإحداد إبطال لحق سيدها وليس لسيدها منعها من الإحداد لأنه حكم من أحكام الزوجية فلم يكن لهم منعها منه كملك الزوج حق الاستمتاع بها (19) . مذهب الإمامية: اختلف النقل عنهم فروى عن الباقر أنها لا تحد لأنه قال: إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء فى العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد، وهذا هو الأقوى. وذهب الشيخ الطوسى فى أحد قوليه وجماعة إلى وجوب الإحداد عليها لعموم قول النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وفيه مع سلامة السند أنه عام وذاك خاص، فيجب التوفيق بينهما (20) . أما الأمة الموطوءة بملك اليمين يموت عنها السيد فلا إحداد عليها. الإحداد فى ذات النكاح الفاسد اتفق الحنفية والحنابلة والظاهرية والمالكية (21) ، على أنه لا إحداد عليها لأنها ليست زوجة على الحقيقة وليس لها زوج كانت تحل له ويحل لها فتحزن على فقده. وخالف فى ذلك القاضى أبو الوليد الباجى المالكى ففصل فقال: وهذا عندى فى التى يفسخ نكاحها ولم يثبت بينها شىء من أحكام النكاح من توارث ولا غيره، وأما التى يثبت بينهما أحكام التوارث فإنها تعتد عدة الوفاة ويلزمها الإحداد ... انظر فى مصطلح " نكاح. النكاح الفاسد ". وذكر ابن حزم فى تعليل ذلك: " أما ليست مطلقة ولا متوفى عنها، ولم يأت بإيجاب عدة عليها قرآن: لا سنة، ولا حجة فيما سواهما ". مذهب الزيدية: فى المسألة رأيان أصحهما أن الإحداد يلزم فى النكاح الفاسد ما لم يفسخ (22) . إحداد المطلقة لا يخلو حال المطلقة من أن تكون رجعية أو مبتوتة (مطلقة ثلاثا) أى بائنة بينونة كبرى. فأما الرجعية فلا خلاف بين الفقهاء أنه لا إحداد عليها، وأما المبتوتة فالمالكية والظاهرية والإمامية يرون أن لا إحداد عليها، ويعلل المالكية ذلك- بأن المتوفى فارق زوجته وهو على نهاية الإشفاق عليها والرغبة فيها، ولم تكن المفارقة من قبله فلزمها الإحداد لذلك ولإظهار الحزن كذلك.. أما المطلقة فقد فارقها مختاراً لفراقها، مقابحا لها، فلا يتعلق بها حكم الإحداد كالملاعنة (23) وعلى من تحد والزوج باق؟ مذهب الحنفية والزيدية: يرون الإحداد، ويعلل الحنفية ذلك بأن النبى - صلى الله عليه وسلم- نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال: الحناء طيب، ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذى هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، سواء فى ذلك الطلاق البائن: الواحد أو الثلاث أو المخت

إحراز

إحْرَاز معنى الإحراز فى اللغة: جاء فى لسان العرب: " أحرزت الشىء أحرزه إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ" (1) . معنى الإحراز عند الفقهاء الإحراز فى عرف الشرع هو وضع المال فى حرز مثله. ولقد تكلم الفقهاء عن الإحراز فى باب السرقة والوديعة، فعرفوا الحرز وبينوا أنواعه والضابط الذى يرجع إليه فى تحديده.. راجع كلمة " حَرَزَ " العلاقة بين الإحراز والحيازة يؤخذ من كتب اللغة أن الإحراز والحيازة بمعنى واحد، يقول صاحب لسان العرب (2) : "وأحرز الشىء حازه ". وجاء فى موضع آخر منه فى مادة " حاز " " حزت الشىء إذا أحرزته ". وأما العلاقة بين الإحراز والحيازة فى عرف الفقهاء فهى العموم والخصوص، ذلك أنهم يستعملون الإحراز بمعنى وضع الشىء فى حرز مثله، وبمعنى ملاحظته وحراسته، ويستعملون الحيازة فى باب تملك المال المباح، ويقصدون بها الاستيلاء عليه. وليس كل ما يعد حيازة للمال يعد إحرازا له فى باب السرقة والوديعة، فقد يكون محوزا ولكنه فى غير حرز مثله (3) . الإحراز والقبض الإحراز والقبض بمعنى واحد فى اللغة، فقد جاء فى لسان العرب (4) " حازه يحوزه إذا قبضه، وحرزت الشىء أحرزته ". أما الفقهاء فقد استعملوا القبض فى أعم من معنى الإحراز، وعرفوه عند الكلام على قبض المبيع والمرهون، وحكم بيع الطعام قبل قبضه، بأنه التخلية، أو النقل فيما ينقل، والتخلية فى العقار، وهذا المعنى أعم من الإحراز، بمعنى وضع المال فى الحرز.. انظر مادة " قبض ". الإحراز والاستيلاء جاء فى المنجد (5) : " استولى استيلاء على الشىء صار الشىء فى يده ". وعلى هذا فالاستيلاء فيه معنى الإحراز والقبض والحيازة فى عرف أهل اللغة، ذلك أن الشىء إذا صار فى يده فقد قبضه وأحرزه. وأما الفقهاء فإنهم يستعملون الاستيلاء فى حيازة المال المباح ويعدونه من أسباب كسب الملك وتعريفهم للاستيلاء وتحديدهم للضابط الذى يرجع إليه فيه يفيد أن الاستيلاء أعم من الإحراز، ذلك أن بعض صور الاستيلاء قد يعد إحرازا فى حين أن البعض الآخر لا يعد كذلك، ومن ناحية أخرى فإن بعض صور الإحراز قد يكون بالحراسة، وهذه قد لا تعد استيلاء تثبت به ملكية على المال المباح.. أنظر "استيلاء". اشتراط الإحراز فى السرقة تكلم الفقهاء على الإحراز كشرط من شروط القطع فى السرقة، وإليك مذاهبهم فى ذلك: مذهب الحنفية: جاء فى الهداية والفتح (6) : ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلا. مذهب المالكية: جاء فى الشرح الكبير للدردير (7) : تقطع يد السارق اليمنى بسرقة طفل أو ربع دينار مخرج من حرز. مذهب الشافعية: جاء فى شرح الجلال المحلى على منهاج الطالبين (8) : يشترط لوجوب القطع فى المسروق أمور ... الرابع كونه محرزا بملاحظة أو حصانة موضعه. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة فى" المغنى" (9) : القطع لا يجب إلا بشروط سبعة ... الشرط الرابع أن يسرق من حرزه ويخرج منه وهذا قول أكثر أهل العلم لما روى أن رجالا من مزينة سأل النبى- صلى الله عليه وسلم- عن الثمار فقال " ما أخذ فى غير أكمامه فاحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان فى الخزائن ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم فى "المحلى": " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من حر ز، ولو أراد الله ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله ... فنحن نشهد ونبت ونقطع، أن الله تعالى لم يرد قط اشتراط الحرز فى السرقة. مذهب الزيدية: يقول ابن المرتضى فى "البحر الزخار" (11) : وشرط القطع عند العترة الأخذ من الحرز، وجاء فى "شرح المنتزع المختار" (12) : إنما يقطع بالسرقة من جمع شروطا ... السابع أن يكون السارق أخرج النصاب من حرز وكان ذلك الإخراج بفعله. مذهب الإمامية: جاء فى المختصر النافع (13) : يشترط فيه - السارق- التكليف ... وأن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه، ويأخذه سراً. وجاء فيه أيضا: لابد من كونه- المسروق - محرزا بقفل أو غلق أو دفن. مذهب الإباضية: جاء فى " شرح النيل فى الفقه الإباضى (14) : وتقطع يمنى سارق ... إن خرج من حرز. إحراز المال المباح إحراز المال المباح سبب منشىء للملكية، ولقد عبر الفقهاء عن هذا السبب " بحيازة المال المباح" والاستيلاء على المال المباح، وإحياء الموات، ثم تكلموا على شروط الحيازة أثرها بالنسبة لكل نوع من أنواع المال المباح 000 راجع مصطلحات " حيازة- استيلاء- إحياء ". الإحراز فى الوديعة تكلم الفقهاء علي التزام المودع بإحراز الوديعة فى حرز مثلها. وهاك مذاهبهم فى ذلك. مذهب المالكية: جاء فى شرح الخرشى (15) : لا ضمان على المودع إذا أمره صاحب الوديعة أن يجعلها فى كمه فجعلها فيه ونسيها فوقعت فضاعت، وقيد بأن تكون غير منثورة فى كمه وإلا ضمن لأنه ليس بحرز حينئذ. مذهب الشافعية: يذهب الشافعية إلى أن المُوِدع إذا أحرزَ الوديعةَ فى غير حرز مثلها دون إذن المالك مضيعا لها، والتزم بضمانها، ولو قصد بذلك إخفاءها لأن الودائع مأمور بحفظها فى حرز مثلها (16) . مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى لابن قدامة (17) : وإذا لم يحفظها كما يحفظ ماله، وهو أن يحرزها بحرز مثلها، فإنه يضمنها، وحرز مثلها يذكر فى باب القطع فى السرقة وهذا إذا لم يعين له المودع ما يحفظها فيه، فإن عين له لزمه حفظها فيما أمره به سواء كان حرز مثلها أو لم يكن، وإن أحرزها بمثله أو أعلى منه لم يضمنها ويتخرج أن يضمنها إذا فعل ذلك من غير حاجة. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (18) : إذا لم يعين المالك حرزها فعليه أن يحفظها حيث يحفظ مثلها فى مثله. مذهب الإمامية: جاء فى المختصر النافع (19) : وتحتفظ كل وديعة بما جرت به العادة، ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه.. ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إلا مع الخوف.

_ (1) لسان العرب جـ 23 ص 323. (2) جـ 23 ص 341. (3) راجع الهداية مع فتح القدير جـ4 ص 241 ومنهاج الطالبين جـ4 ص190. (4) جـ23 ص 341. (5) ص 1021. (6) جـ4 ص 238. (7) جـ4 ص 332. (8) جـ4 ص 190. (9) جـ4 ص 240. (10) جـ 11 ص 337. (11) جـ5 ص 179. (12) جـ8 ص364. (13) ص 223. (14) جـ7 ص 646. (15) جـ6 ص 129. (16) راجع مغنى المحتاج جـ6 ص 87. (17) جـ6 ص 384. (18) جـ4 ص 169. (19) ص 150.

إحراق

إحْرَاق مقدمة: للإحراق أحكام فى الشريعة الإسلامية تبدو فى المواضع الآتية: أولها: أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وطهارة الأعيان المحروقة واستعمالها. ثانيها: ما يجوز للإمام وولى الأمر من الإحراق، وذلك فى أمور شتى، كإحراق- آلات اللهو والفسق، وإحراق الكتب التى تتضمن الكفر، والصلبان، وما يجوز من إحراق المصاحف وإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة، والمنافقين والفساق، ورحال الغالِّ للغنيمة ومتاعه. وأخيرا: ما يجوز عند القتل والقصاص وامتناع المْثلَة والتعذيب. ثالثها: بحث ما يجوز من الإحراق فى القتال، برمى النار على المشركين عند محاربتهم، والحكم لو تترسوا بمن لا يجوز قتله، وكان المحاربون من البغاة أو المرتدين. رابعها: الجناية على النفس أو المال بالإحراق وما يكون من مُثْلَة السيد بعبده بالإحراق. إحراق النجاسات واستعمال الأشياء المحروقة اختلف الرأى فى أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وهل يؤدى الإحراق إلى طهارتها، أم تظل نجسة بعد الإحراق، وحكم رمادها ودخانها. فذهبت بعض المذاهب إلى أن الإحراق يطهر الأعيان النجسة مع تفصيل فى دخانها وما تخلف من رمادها. وذهب البعض الآخر إلى أن الأعيان النجسة لا تطهر بالإحراق وأن رمادها وسخامها نجسان. مذهب الحنفية: للحنفية (1) رأيان: أحدهما: رأى الإمام أبى يوسف (2) ، وعنده أن الأشياء النجسة لا تطهر بالإحراق. فإذا احترقت خشية أصابها بول أو عذرة، ووقع رمادها فى بئر، فسد ماؤها عنده. ذلك لأن الرماد عنده أجزاء لتلك النجاسة، فتبقى على نجاستها بعد الإحراق. والثانى: هو رأى الإمام محمد (3) ، وعليه الفتيا، وهو أن الإحراق النجاسات يطهرها. ذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفى الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فمن باب أولى بانتفائها كلها. وإنما قيل (4) أن إحراق الذى تطهر به النجاسة هو ما استحالت به النجاسة، أى تغيرت به مادتها وتحولت عن طبيعتها. فليس كل ما يدخل النار يطهر بدخوله فيها وإنما تطهر الأعيان النجسة بالإحراق. وقيل (5) أيضا أنه لا فرق بين الجفاف بالنار أو الشمس أو الريح، فكل ذلك يطهر النجاسة. فإذا احترقت الأرض بالنار وذهب أثر ما عليها من النجاسة جازت الصلاة مكانها من باب أولى. وعلى القول بأن النجاسات تطهر بالإحراق إذا استحالت مادتها قالوا: إن السرقين (الزبل أو العذرة، فضلة الإنسان) إذا أحرقت حتى صارت رمادا ظهرت. وإذا أحرق راعى الشاة الملطخ بالدم وزال عنه الدم يحكم بطهارته. وإذا لبَّن (عجن اللبن: وهو الطوب المضروب من الطين) بالماء النجس واحرق صار طاهرا. وكذلك الكوز أو القدر إذا طبخ من طين نجس يطهر بالإحراق والإناء من الحديد أو الخزف أو الحجر إذا دخلت النجاسة فى أجزائه فإنه يطهر بالإحراق. مذهب المالكية: وذكر المالكية فى ذلك رأيين: أحدهما: أن النجاسات تطهر بالإحراق ... قاله الدردير فى شرح بلغة السالك على الشرح الصغير (6) ، وقاله ابن رشد كذلك (7) . والثانى: أن النجاسات لا تطهر بالإحراق (8) وذلك مفهوم من قال بنجاسة دخان النجاسات المحترقة ورمادها. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (9) بالتفرقة بين ما هو نجس لعينه، وما هو نجس لمعنى فيه. فأما الأشياء النجسة لعينها كالعذرة والسرجين وعظام الميتة ونحوها فقالوا لا تطهر بالإحراق، وأما إذا كانت نجاستها لمعنى كالخمر- فإنها بإحراقها يزول هذا المعنى، فتطهر بالإحراق. فإذا طبخ اللبن (الطوب النىء) الذى خلط بطينة السرجين لم يطهر لأن النار لا تطهر النجاسة. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (10) : لا تظهر النجاسة بالإحراق ولا بالاستحالة ولو أحرق السرجين النجس فصار رمادا لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً أو صديداً. وعلى هذا الأساس اعتبر الخمر كأن تتحول إلى خل فإنها نجسة بالاستحالة، فجاز أن تطهر بها. وقالوا لا تطهر الأرض بشمس ولا ريح ولا جفاف، وقالوا لا تطهر نجاسة بنار فرمادها ودخانها وبخارها وغبارها نجس. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (11) : تطهر الأعيان النجسة بإحراقها، فإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا فكل ذلك طاهر ويتيمم به. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (12) : إن النار تطهر النجاسات وذلك بالاستحالة التامة وهى تغير اللون والريح والطعم إلى غير ما كانت عليه. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (13) : إذا أحالت النار النجاسة رماداً أو دخانا طهرت، أما إذا أحالتها خزفاً أو آجُرَّا فلا تطهر. مذهب الإباضية: وللإباضية (14) فى النجس إذا صار جمرا أو رمادا قولان: أحدهما: أنه يطهر بالإحراق. والثانى: أنه لا يصير طاهراً به، فهو ذات واحدة تغير لونها. أما ما تنجس (أى أصابته نجاسة من غيره) فإنه يطهر بالاحتراق، فيكون جمره ورماده ولهبه طاهرا، لأن ما تنجس بغيره تزول نجاسته بمزيل كالنار، ونصوا على أن النجاسة تزال بالنار، وقالوا: إنها أقوى من الشمس والريح فى إزالة عين النجاسة فيما يتحملها كالأرض والفخار بأن يحمى عليه حتى تطيقُه اليد سواء جعلت النار على موضع النجاسة أو تحته أو وصلته الحرارة التى لا تطيقها اليد حتى ولو لم تترك أثرا. دخان النجاسات ورمادها الرأى فى دخان النجاسات ورمادها على وجهين. أحدهما: مبنى على القول بأن الإحراق يطهر النجاسات فيكون دخانها ورمادها طاهرين. والآخر: مبنى على أنه لا يطهرها، والدخان هو أجزاء من النجاسات فلا يكون طاهرا ولا رمادها. مذهب الحنفية: قال الأحناف (15) تبعا لرأيهم الراجح: إن دخان النجاسة ورمادها طاهران، فإذا (16) أصاب الثوب أو البدن دخان نجاسة لا ينجسه. وإذا أحرقت العذرة فى بيت فعلا، دخانها وبخارها إلى السقف، وانعقد وذاب أو عرق فأصاب ماؤه ثوبا، لا ينظر استحسانا. قيل ما لم يظهر أثر النجاسة. مذهب المالكية: قال المالكية (17) ممن رأوا نجاسة الأشياء النجسة المحروقة، أن دخان النجاسات عند حرقها نجس. وقيل إن دخانها أشد نجاسة من رمادها، وأن رمادها نجس كذلك. وكذلك عرق الحمام من الرطوبات التى به من بول، وعرق، ونجاسات. فإذا كان الدخان ينعكس على طعام يطهى على نجاسات يوقد بها، فإن كان دخانها ينعكس فى الطعام، فيصل إليه فإن الطعام يكون نجسا فلا يؤكل. وإن كان لا ينعكس فلا بأس به. ولذلك فلا يؤكل الخبز الذى يوقد عليه بأرواث الحمير. ولا يوقد بعظام الميتة على طعاما أو شراب. وقيل (18) ينبغى أن يرخص فى مصر فى الخبز بالزبل (ومثله الجلة) لعموم البلوى ومراعاة لمن يرى أن النار تطهر النجاسات وإن رماد النجاسة طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل. وقيل لا ينجس بالملاقاة أو العلوق، وهو أن يظهر أثر الدخان فيما أصابه، لا مجرد رائحته. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (19) فى رماد النجاسات لعينها أنه نجس، فلا يطهر السرجين والعذرة وعظام الميتة بالإحراق ورمادها المتخلف عنها نجس. أما دخانها ففيه وجهان: أحدهما: أنه نجس لأنه أجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد. والثانى: أنه ليس بنجس لأنه بخار نجاسة كالبخار الذى يخرج من الجوف. وقالوا (20) : إن النار المتصاعدة من الوقود بأعيان نجسة ليست نجسة لأنها ليست من نفس الوقود، وإنما هى تأكل الوقود. فالنار المتصاعدة طاهرة ما لم تختلط بالدخان. وقيل: يعفى عن القليل من دخان النجاسة. وقيل لا يعفى عنه، فإذا قيل ذلك، فإذا مسح التنور مما علق به من دخان بخرقة يابسة طهر. وإذا مسح بخرقة رطبة يطهر وإلا غسل بالماء. وقالوا فيما علق بالثوب من دخان النجاسات: إن كان قليلا عفى عنه، وإن كان كثيرا لم يعفه عنه ولم يطهر إلا بالغسل وإذا اسود الرغيف مما لصق به من دخان وقود نجس، كان أسفله نجسا. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (21) : لا تطهر نجاسة بنار. فرمادها ودخانها وبحارها وغبارها نجس. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (22) : إن تراب النجاسات المحروقة طاهر، وذلك تبعا لقولهم بطهارة المحروقات النجسة. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (23) : إن العذرة والروث والميتة ونحوها إذا صارت رماداً، فالمذهب أن الاستحالة توجب الطهارة، وفى الدخان وجهان. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (24) : إذا أحالت النار النجاسة رمادا أو دخانا طهرت. مذهب الإباضية: وللإباضية (25) قولان فى غبار النجس ورماده. أحدهما: أنه يطهر بالإحراق. والراجح عندهم أنه لا يطهر بالإحراق لأن غبرة الشىء جزء لطيف منه. أما دخانه فقد قالوا بطهارته لأنه لا توجد فيه ذات النجس ولا طعمه ولا لونه ولا رائحة يحكم على النجاسة بها. أما المتنجس بغيره فلا خلاف عندهم فى طهارة غباره ورماده وجمره ودخانه. استعمال المحروقات لا خلاف بين فقهاء المذاهب فى جواز استعمال الرماد المتخلف من محروق طاهر غير أن التيمم بالرماد أو بما خالطه الرماد من تراب الأرض أو بمدفون المحروق فموضعه الكلام على التيمم، انظر "تيمم". وفيما يحرق من أجل التجمير "تبخير"، فموضعه مصطلح " تجمير ". الإحراق بأمر الإمام أو ولى الأمر هناك أحوال شتى يكون فيها للإمام أو ولى الأمر استعمال النار فى الإحراق كما أن ثمة قيودا على استعمال النار فى نواح أخرى. نتكلم فيما يلى على الفروض التى قيل بجواز الإحراق فيها، وما لا يجوز من المثلة والتعذيب بالنار. إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه نص الحنابلة (26) : على إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه، واكتفى الحنفية (27) والمالكية (28) والشافعية (29) بالقول بأنه يؤدب، وقال الإمام الشافعى: لا يرجل الغال عن دابته فيحرق سرجه ومتاعه، لأن الرجل لا يعاقب فى ماله، وإنما يعاقب فى بدنه. وإنما جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات. وأما المال فلا توقع العقوبة عليه. وقال الحنابلة: إن حكم الغال- وهو الذى يكتم ما يأخذه من الغنيمة فلا يطلع الإمام عليه ولا يضعه فى الغنيمة- أن يحرق رحله كله. وقال ابن قدامة: وبهذا قال الحسن وفقهاء الشام، ومنهم مكحول والأوزاعى وأن سعيد بن عبد الملك أتى بغال فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يعبه. وقال يزبد بن يزيد بن جابر: إن السنة فى الذى يغل أن يحرق رحله. وقد رواه سعيد فى سننه. والدليل ما روى صالح بن محمد بن زرارة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبى يحدث عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه سلم قال:" إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه " ... قال: فوجدنا فى متاعه، مصحفا فسأل سالما عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه. فالمصحف لا يحرق إذا غل، وكذلك لا ينبغى أن تحرق كتب العلم والحديث، ولا يحرق الحيوان لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يعذب بالنار إلا ربها، ولحرمة الحيوان فى نفسه ولأنه لا يدخل فى اسم المتاع المأمور بإحراقه. قال ابن قدامة: وهذا لا خلاف فيه. ولا تحرق كذلك آلة الدابة أى سرج الدابة ونحوه أيضا، نص عليه أحمد، لأنه يحتاج إليها للانتفاع بها ولأنها تابعة لما لا يحرق، فأشبه جلد المصحف وكيسه قال ابن قدامة: قال الأوزاعى: ويحرق سرجه وأكافه (البرذعة) ، ولا تحرق ثياب الغال التى عليه لأنه لا يجوز تركه عريانا، ولا ما غل من غنيمة المسلمين ويرفع إلى المغنم كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ولا يحرق سلاحه لأنه يحتاج إليه فى القتال، ولا تحرق نفقته لأن ذلك مما لا يحرق عادة، وجميع ذلك أو ما أبقت عليه النار من حديد أو

إحرام (أ)

إحرامُ (أ) التعريف اللغوى: الإحرام لغة مصدر أحرم وأحرم دخل فى الحرم أو فى حرمة لا تهتك أو فى الشهر الحرام، وأحرم الحاج أو المعتمر دخل فى عمل حرم عليه به ما كان حلالا. والأصل فيه المنع. ويقال أحرمت الشىء بمعنى حرمته. والمحرم المسالم، ومنه حديث الصلاة تحريمها التكبير كأن المصلي بالتكبير والدخول فى الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها (1) . التعريف الاصطلاحى مذهب الحنفية: عرفه فقهاء الحنفية بالنسبة للحج بأنه تحريم المباحات على النفس لأداء هذه العبادة (التى هى الحج والعمرة) وقال صاحب فتح القدير: حقيقته الدخول فى الحرمة، والمراد الدخول فى حرمات مخصوصة أى التزامها غير أنه لا يتحقق ثبوته شرعا إلا بالنية مع الذكر (2) . مذهب المالكية: هو عند المالكية نية أحد النسكين " الحج والعمرة أو هما معا " والعبرة بالقصد لا باللفظ، والأولى ترك اللفظ ولا يضر مخالفة اللفظ لما نواه، ولا يضر رفض أحد النسكين بل هو باق علي إحرامه وإن رفضه: أى ألغاه (3) . مذهب الشافعية: عند الشافعية هو الدخول في حج أو عمرة أو فيهما أو فيما يصلح لهما أو لأحدهما ويطلق أيضا على نية الدخول فى النسك (4) مذهب الحنابلة: هو عند الحنابلة نية النسك أى الدخول فيه لا نيته ليحج أو يعتمر سمى الدخول فى النسك إحراما لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة له من النكاح والطيب وغيرها (5) مذهب الظاهرية: يفهم من كلام ابن حزم الظاهرى أن الإحرام هو الدخول فى الحج أو العمرة فقد جاء فى المحلى: إذا جاء من يريد الحج أو العمرة إلى أحد المواقيت فإن كان يريد العمرة فليتجرد من ثيابه إن كان رجلا ويلتحف فيما شاء من كساء أوملحفة أو رداء، فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت ثم يقولون: لبيك بعمرة أو ينويان ذلك فى أنفسهما، والأمر كذلك عنده بالنسبة للحاج على تفصيل فيمن ساق الهدى ومن لم يسقه (6) مذهب الزيدية: والزيدية يذهبون إلى أن الإحرام هو نية الحج أو العمرة أو هما معا عند الميقات، فقد قالوا إنما ينعقد بالنية، ولابد معها من تلبية، ويصح نية الإحرام من غير تعيين ما أحرم له (7) . مذهب الإمامية: يقول الإمامية هو فى الحقيقة عبارة عن النية لأن توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها، ويمكن أن يريد به نية الحج جملة (8) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: يعقد نية الإحرام بحج ويقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك بحج تمامه وبلاغه عليك يا الله. ومن لم يلب لم يدخل فى حج ولم يصح إحرامه، والتلبية مع نية الإحرام بحج أو بعمرة أو بهما قيل: كافيتان عن ذكر حج أو عمرة أو ذكرهما فى التلبية.، والأول الذى هو ذكر أحدهما أو ذكرهما فى التلبية أصح (9) حكم الإحرام فى الحج مذهب الحنفية: عند الحنفية هو شرط ابتداء فصح تقديمه على أشهر الحج، إن كره، وله حكن الركن انتهاء فلا يجوز لفائت الحج استدامة الإحرام ليقضى به من قابل بل عليه التحلل بعمرة ثم القضاء من قابل. (10) مذهب المالكية: قال المالكية هو ركن من أركان الحج، والركن فى هذا الباب هو مالابد من فعله ولا يجزىء عنه دم ولا غيره (11) مذهب الشافعية: عند الشافعية الإحرام ركن من أركان الحج على أنه نية الدخول فى النسك (12) مذهب الحنابلة: اختلفت الرواية فى الإحرام فروى أن الإحرام ركن لأنه عبارة عن نية الدخول فى الحج، فلم يتم بدونها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ". وكسائر العبادات، وروى أنه ليس بركن لحديث الثورى الذى يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة"، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه، والرأى الأول هو مشهور المذهب (13) مذهب الزيدية: أركان الحج عند الزيدية هى الإحرام والوقوف وطواف الزيارة وفروضه الأركان وطواف القدوم.. إلخ. فعدوه ركنا وفرضا (14) مذهب الإمامية: ويشترط فى حج الأفراد النية، والمراد بها نية الإحرام بالنسك المخصوص ووجه تخصيصه- أى الإحرام - أنه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثره أحكامه. وقالوا: أفعال العمرة المطلقة وهى الإحرام والطواف والسعى والتقصير ... والثلاثة الأول منها أركان (15) . مذهب الإباضية: الإحرام ركن من أركان الحج (16) . حكم الإحرام فى الصلاة مذهب الحنفية: قال الحنفية: التحريمة، وهى تكبيرة الافتتاح شرط صحة الشروع فى الصلاة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه، ويستقبل القبلة، ويقول الله اكبر ". نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن إنما يؤخذ (أى يلزم) هذا الشرط على القادر دون العاجز. والإحرام فى الصلاة عند الحنفية يكون بلفظ الله اكبر وما اشتق منه كقوله الله الأكبر والله الكبير، واقتصر أبو يوسف على ذلك. وقال أبو حنيفة ومحمد يجوز الشروع بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير، كأن يقول الله أجل، الله أعظم، أو الحمد لله أو سبحان الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو الرحمن أعظم أو الرحيم أجل.. ويجوز الشروع فى الصلاة بلفظ من هذه الألفاظ على الخلاف المذكور بغير اللغة العربية لمن كان عاجزا عن النطق بها، أما من كان قادرا على النطق بها فيجوز له النطق بغيرها عند أبى حنيفة ولا يجوز عند الصاحبين (17) مذهب المالكية: قال المالكية: الصلاة مركبة من أقوال وأفعال فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة، منها تكبيرة الإحرام (18) مذهب الشافعية: قال الشافعية من أركان الصلاة تكبيرة الإحرام، لما روى الشيخان " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ويتعين فيها علي القادر. بالنطق بها " الله كبر " لأنه المأثور من فعله صلى الله عليه وسلم (19) مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: التكبير ركن فى الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أم سوأ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " تحريمها التكبير " فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه، فإن كان أخرس أو عاجزا فى عن التكبير بكل لسان سقط عنه (20) مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: الإحرام بالتكبير فرض لا تجزىء الصلاة إلا به لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ... وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" أرجع فصل، فإنك لم تصل " (ثلاث مرات) فقال: والذى بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمنى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر "، فقد أمر بتكبير الإحرام (21) مذهب الزيدية: قال الزيدية: الفرض الثانى من فرائض الصلاة هو التكبير، ومن شرطه أن يكون المكبر قائما، والتكبير من الصلاة فى الأصح (22) مذهب الإمامية: قال صاحب المختصر النافع: أفعال الصلاة واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية وعد من بينها التكبير. قال: وهو ركن فى الصلاة وصورته الله كبر مرتبا ولا ينعقد بمعناه، ومع التعذر تكفى الترجمة والأخرس ينطق بالممكن، ويعقد قلبه بها مع الإشارة، ويشترط فيها القيام (23) مذهب الإباضية: وفرضت تكبيرة الإحرام والافتتاح وزعم بعضهم أنها سنة سائر التكبير وقيل أن كسائر فرض، ومن تعمد فيها لحنا أعاد الصلاة وإن لم يتعمد فقولان، وصح بالعربية وفسد بغيرها علي المختار، وبوجوب ترتيب اللفظين وموالاتهما وجوز عند البعض البناء على اللفظ الأول لقطع كسعلة أو عطسة أو نحوها (24) كيفية الإحرام بالحج مذهب الحنفية: قال الحنفية: إذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ، والغسل أفضل، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أغتسل لإحرامه، إلا أن الاغتسال للتنظيف حتى تؤمر به الحائض، وإن لم يقع فرضا عنها فيقوم الوضوء مقامه، ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين: إزار، ورداء، لأن المحرم ممنوع عن لبس المخيط. وينبغى لولى من أحرم من الصبيان العقلاء أن يجرده ويلبسه ثوبين إزارا ورداء لأن الصبى فى مراعاة السنن كالبالغ ويتطيب بأى طيب شاء، ويستحب عند الإحرام للمحرم تقليم أظافره وقص شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وتسريح رأسه عقيب الغسل، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم ائتزر وارتدى عند إحرامه، ولابد من ستر العورة. والجديد فى الثياب افضل، لأنه أقرب إلى الطهارة، والأولى أن يكونا أبيضين ومس الطيب، وعن محمد أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام. ووجه المشهور حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، والإزار من الحقو والرداء من الكتف ويدخل الرداء تحت يمينه ويلقيه على كتفه الأيسر فيبقى كتفه الأيمن مكشوفا ولا يزره ولا يعقده ولا يخلله، فإن فعل ذلك كره ولا شىء عليه والثوب الواحد الساتر جائز، وصلى ركعتين، لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى الحليفة ركعتين عند إحرامه، ويقول بعد الصلاة، إن أراد أن يحرم بالحج: " اللهم إنى أريد الحج فيسره لى وتقبله منى، وإذا أراد أن يحرم بالعمرة يقول اللهم إنى أريد العمرة فيسرها لى وتقبلها منى، وإذا أراد القرآن يقول اللهم إنى أريد العمرة والحج فيسرهما لى وتقبلهما مني، لأنه فى عبادة عظيمة فيها كلفة ومشقة شديدة، فيستحب الدعاء بالتيسير وبالتسهيل وبالقبول ثم يلبى عقب صلاته، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم لبى فى دبر صلاته وإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز ولكن الأول أفضل ولا ينبغى أن يخل بشىء من كلمات التلبية ولو زاد فيها جاز، وإذا لبى فقد أحرم: يعنى مع النية. لأن العبادة لا تتأتى إلا بالنية ولا يصير شارعا فى الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية وعن أبى يوسف يصير شارعا بالنية وحدها من غير تلبية. ودليل من ذهب إلى اشتراط التلبية قول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولى الألباب ((25) قال ابن عباس - رضى الله عنه -: فرض الحج الإهلال. وقال ابن عمر- رضى الله عنه-: التلبية وقالت عائشة - رضى الله عنها -: لا إحرام إلا لمن أهل أو لبى، والإهلال رفع الصوت بالتلبية، ولأن الحج يشتمل علي أركان فوجب أن يشترط فى تحريمه ذكر يراد به التعظيم كالصلاة (26) .قال المالكية عن كيفية الإحرام: تجرد ذكر من محيط سواء كان الذكر مكلفا أم لا، والخطاب يتعلق بولى الصغير والمجنون، وسواء كان المحيط بخياطة كالقميص والسراويل أم لا، كنسج أو صياغة، أو بنفسه، كجلد سلخ بلا شق والأنثى لا يجب عليها التجرد إلا فى نحو أساور، ووجب علي المحرم المكلف ذكر أو أنثى تلبية، ووجب وصلها به (أى بالإحرام) ويسن للإحرام غسل متصل به متقدم عليه، فإن تأخر إحرامه كثيرا أعاد الغسل، ولا يضر فصل بسد رحاله وإصلاح حاله وسن لبس إزار بوسطه ورداء على كتفيه ونعلين فى رجليه (27) . وقال الخرشى: ظاهر كلام خليل أن السنة الإحرام عقب نفل، ولذا قال: والفرض مجز، والمستحب أن يكون أثر نافلة ليكون للإحرام صلاة تخصه (28) . ويندب للمحرم إزالة شعثه قبل الُغسل بأن يقص أظافره وشاربه ويحلق عانته وينتفه شعر إبطه ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إن كان من أهل الحلاق ليستريح من ضررها وهو محرم (29) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: ويستحب للمحرم أن يغتسل، لما روى زيد بن ثابت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم اغتسل لإحرامه، وان كانت امرأة حائضا أو نفساء اغتسلت للإحرام، لما روى ا

§1/1