موسوعة الفقه الإسلامي

التويجري، محمد بن إبراهيم

المقدمة

بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} ... [آل عمران:102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء:1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب:70، 71]. أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن الفقه في الدين أفضل الأعمال وأعظمها وأشرفها وأزكاها، وهو تاج الدين الأعظم، وجوهره الأسنى. فهو معرفة الله بأسمائه وصفاته .. ومعرفة مخلوقاته وآياته ... ومعرفة سيرة أنبيائه ورسله .. ومعرفة دينه وشرعه .. والعمل بموجب ذلك .. والدعوة إليه. وأعظم الفهم أن تفهم مراد الله منك، ومرادك منه، ثم تسير إليه مستنّاً بأنبيائه ورسله.

وأعظم الحرمان أن يعزف العبد عن العمل الصالح، وأن تموت عنده الغيرة على الدِّين الذي تُنحر أحكامه، ويُهدم بنيانه في كثير من البلاد. وأشد من هذا وذاك أن يستهلك أوقاته بضده، ويصد عن سبيل الله بقوله وفعله. وأخطر من هذا وذاك أن يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، ويبذل كل ما يملك في سبيل نشر ما يراه، وما يدعوه إليه هواه. وقد جاء الثقب الأسود في جدار الدين في وقت مبكر، فهبت عليه العواصف، وتسللت إليه السباع، ودخلت في حصنه الذئاب، وعاثت في الأرض فساداً، فتغيرت الألوان والأفكار، والأعمال والأحوال. ثم اتسع هذا الثقب، ونزف هذا الجرح، حتى صار المسلمون محل الشفقة، ومهبط الإغاثة، ومسرح الظلم، ومأوى الجهل، وميدان الفساد، ومكان السخرية. ونُزع الإيمان والحياء من حياة كثير من الناس، وصُرفت الأمة بحيل ماكرة عن مصدر عزها ومجدها، ووضع الأعداء لها مائدة السموم والفواحش، فقعد رجالها ونساؤها على موائد المحرمات، وصارت تغرف لها ولغيرها كل شر وسم ومحرم، فاعتل جسدها، وتمزقت شعوبها وبلادها. وظلت تستخدم عقولها في الظلم والكذب والحيل الماكرة، وتستهلك أوقاتها في قضاء شهواتها، وتلتهم كسبها من أوسع أبواب المحرمات. ولما انفصلت عن مصدر عزها تعرضت لسخط ربها، وصارت لقمة سائغة بيد عدوها. فما أشد لطمة الأعداء لهذه الأمة الغافلة المسكينة. إنهم يريدون منها أن تخلع لباس الإيمان والتقوى .. وأن تلبس لباس الكفر والمعاصي .. وتركع لشهواتها لا لربها .. وتسجد لهواها لا لإلاهها .. وتصلح الدنيا وتفسد الآخرة .. وتطيع

الشيطان وتعصي الرحمن. إن صلف الباطل يلهب جسد الأمة المسلمة بالسياط الموجعة، ويفرغ في جسدها سموم المعاصي والبدع، وينثر على ظهور الأيام والليالي صنوف المنكرات والمحرمات. ونتيجة لهذه الغفلة بدأت الأمة تحصد سموم ما جنته، وتتمرغ في أوحال الشهوات، وتعتكف في سجون المحرمات، وتغرف من أنهار المعاصي والمنكرات، وتسبح في بحار الظلم والغش إلا ما رحم ربك. فما أنجس هذه اليد القذرة التي لوثت جسد الأمة، ولعبت بأفكارها، وأضاعت أوقاتها، ونهبت أموالها، وتحكمت في حياتها، وجرتها إلى كل شر وبلاء وفتنة. وقد وجد العالم الإسلام ألم قرصة العقرب، وأحس بلدغة الثعبان، وتألم من نهشة الأسد، وتوجع من طعنة الرمح، وتخدر من لطمة الكف، وذاق مرارة العلقم. فهل يكفي أن تسكب العبرات على هذا الواقع الأليم الذي لا يحتاج إلى دليل؟ وهل يليق بالمسلم القعود عن العمل بعد انفجار تلك الجروح الدامية في كل مكان؟ وهل ينفع الصراخ والصياح والبكاء والتباكي؟ إن ذلك كله لا يجدي شيئاً ما لم يتبع بالعمل الجاد المستمر وفق الكتاب والسُّنة، حتى يُظهر الله دينه، أو يموت المسلم في سبيله. ومن سَلَّم زمام راحلته إلى النفس والهوى ضل وأضل، وقاده الشيطان إلى كل شر وبلاء، وقال على الله غير الحق، وأشعل النار في الأخضر واليابس. وكل من فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلى الله والحق سوى القرآن والسنة،

وكل عمل لم يقم على ذلك فهو مطية الشيطان التي أعدها مراكب لأهل النار على مر الدهور. والعجلة باب الشيطان الأعظم، وسوء الظن سلاحه الأكبر، والكبر جناحه الذي لا يطير إلا به، والعصبية سكينه التي يذبح بها كل صيد، والنفاق مخالبه التي يمزق بها البشر، والرياء منقاره الذي يفسد به الثمار. وما أكثر الكتب والفرق والجهات التي تلبس لباس الدِّين، وهي تحارب الحق، وتدافع عن الباطل، وتبغي الحياة عوجاً. ترفع كل سافل .. وتمجد كل باطل .. وتلدغ كل حي .. وتلسع كل مجاهد .. وتدفن كل خير .. وتذيع كل شر. إن الاضطراب في العالم اليوم وقبل اليوم سببه التقصير في إيصال الحق إلى الناس، فلما حرموا من معرفته صاروا أنعاماً لاهية، أو سباعاً مفترسة، هذه مشغولة بشهواتها، وتلك مولعة بسفك دم غيرها. إن العوالم كلها منسجمة منتظمة، تسبح بحمد ربها، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه، إلا ذرية آدم، الذي كرمه الله، وخَلَقَه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض. وهذه الذرية منهم من آمن، ومنهم من كفر، وأشغلهم الشيطان بالعداوة عن العبادة، لأنهم لم يعرفوا الحق، أو عرفوه ولكنهم لم يعملوا به، أو عرفوه وضلوا عنه. فيجب علينا معرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في سبيله، مع حُسْن الخُلُق، والبذل والعطاء، حتى يُعبدَ اللهُ وحده في الأرض، ويكون الدين كله لله، الذي كل ما في الكون يعبده ويطيعه.

فقد جعل الله عز وجل لكل مخلوق في الكون وظيفة يؤديها، وسُنَّة يسير عليها، فالشمس وظيفتها الإنارة، والسحب وظيفتها نقل المياه، والأرض وظيفتها الإنبات، ولكل منها سنن يسير عليها، ويعبد الله بها. وهكذا الإنسان عليه أمانة يؤديها وهي عبادة الله عز وجل، ووظيفة يؤديها وهي الدعوة إلى الله، وله سنن يسير عليها وهي الدين الكامل الذي أرسل الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كافة. وقد وكل الله عز وجل الشمس بالإنارة في العالم كله .. ووكل السحب بتوزيع المياه في العالم كله .. ووكل الأرض بالإنبات في العالم كله .. ووكل الأشجار بالثمار في العالم كله .. ووكلنا بنشر الدين في العالم كله. وهذه المخلوقات العظيمة أدت الأمانة، وأطاعت ربها، وقامت بوظيفتها، فانتظم أمر العالم، وصار الكل يحبها وينتفع بها. ونحن إذا أدينا الأمانة، وقمنا بالوظيفة بإبلاغ الحق للناس كافة، انتظم أمر العالم الإنساني وغيره، وصَفَّ العالم كله يسبحون بحمد ربهم، ويعبدونه وحده، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه. وحاجة الناس للدين أعظم من حاجتهم لغيره، فإنهم يحتاجون للدين بعدد الأنفاس؛ لأن الدين وحده سبب سعادتهم ونجاتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة. والله عز وجل خَلَق الخَلْق لعبادته، وعبادته لا تحصل إلا بمعرفته، ومعرفته لا تحصل إلا بالنظر في آياته ومخلوقاته، ومعرفة ما جاء به رسله. لهذا أرسل الله عز وجل الرسل، وأنزل الكتب، ليتبين الحق من الباطل، والهدى من الضلال. ووهب البشر الأسماع والأبصار والعقول ليعرفوا الحق، ويعبدوا به ربهم وحده

في الأرض، كما يُعبدُ به وحده في السماء. وأحسن ما ركَّبه الله في العقول والفطر حُسْن التوحيد والإيمان .. وأحسن ما ركبه في النفوس حُسْن الخُلُق .. وأحسن ما ركبه في الألسنة قول الحق والدعوة إليه. فما أجمل القلوب إذا تزينت بالتوحيد والإيمان، وما أحسن الأجساد إذا تزينت بالسُّنن، وما أجمل النفوس إذا تزينت بالأخلاق، وما أجمل الحياة إذا كسيت بحلل الدين وجواهر الآداب. والقرآن الكريم فيه تبيان كل شيء، والسنة النبوية فيها تفصيل كل شيء، وسيرة الأنبياء والرسل مملوءة بأحسن الأخلاق والآداب والسنن. وحياة الصحابة والتابعين، وسجل العلماء والدعاة والمصلحين، كل ذلك حافل بكل ما لذ وطاب من العلوم النافعة، والأخلاق الحسنة، وأفضل العبادات، وأحسن المعاملات، وأجمل المعاشرات، وأعظم التضحيات، مع كمال الإيمان والتقوى، والأسوة الحسنة، والصدق في القول والعمل. وأحسن أحوال العبد أن يكون كاملاً بنفسه مكملاً لغيره .. صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره .. حَسَن الخُلُق مع ربه وخَلْقِه .. مطيعاً لله ورسوله. فهو يجني الأرباح من جميع الأقطار، ويكسب الأجور من جميع الأبواب: له أسهم في العبادة .. وأسهم في العلم .. وأسهم في الدعوة .. وأسهم في حُسْن الخُلُق .. وأسهم في الإنفاق .. وأسهم في الجهاد .. وأسهم في الذكر .. وأسهم في الشكر .. وأسهم في الصبر. فهو نائب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته، وخليفته من بعده في زمنه. فهذا الذي أُدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، جمع المجد من أطرافه،

وأحاط بالفضائل كلها، فله النعيم الكامل في الجنة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4]. والله حكيم عليم، فحين ظهرت آثار رحمة الله في الأرض، ونزلت الهدايات في كثير من البقاع، حصل العطش لتعلم دين الله، وزادت الرغبة في العمل بأحكامه، فساق الله من شاء من عباده لجمع أحكام الدين، وجني ثماره من ينابيعه الصافية من القرآن والسنة، لتهدى لهم طيبة مباركة، خالصة من الشوائب والأكدار. فهو سبحانه الحكيم الخبير بما يصلح عباده، فهو الذي ساق هذا ليدعو، وهذا ليعلِّم، وهذا ليكتب، وهذا ليقرأ؛ ليتم أمره، ويظهر فضله، ويجزل العطاء لهذا وهذا. فهو سبحانه الكريم الذي يعطي بلا نوال، ويكرم بالثواب الجزيل على العمل القليل، ولا يبالي كم أعطى، ولمن أعطى، الذي إذا قدر عفا، وإذا عاهد وفَّى. وقد يسر الله لي بفضله وكرمه وتوفيقه وعونه السير في كثير من أقطار الأرض، والاطلاع على كثير من الكتب الإسلامية، فرأيت في هذا وهذا الحسن والقبيح، والطيب والخبيث، والصحيح والسقيم، والسمين والهزيل، والحلو والمر، وغير ذلك مما شاع وذاع، وملأ الأبصار والأسماع. فسألت العزيز الكريم الرحيم أن يجمع البشرية كلها على الدين الحق، وتضرعت إليه أن يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها في الأرض كلها. ثم وفقني ربي عز وجل إلى ما يحبه ويرضاه، وأعانني على ما أرجو أن تصلح به أحوال الأمة، فتجولت في رياض العلم، وسرت في بساتين الفقه، واستمتعت بأنوار التوحيد والإيمان. فوجدت من الثمار ما يحار الإنسان من أيها يقطف، ومن الجواهر من أيها يأخذ،

ومن الأنوار من أيها يقتبس. وقد أعانني الله عز وجل فدونت الموجود، وفتشت عن المستور، وطلبت المفقود، وجمعت المنثور، وكتبت المسموع، وأوضحت المشتبه، وحررت المسائل، حتى أكمل الله البنيان بمنه وفضله، وأظهر سوق الدين الخالص للمحتاجين، وفتح أبواب العلم والهدى للراغبين، وهيأ موائد القلوب والجوارح للطالبين. إن الحق إذا جاء زهق الباطل .. والنور إذا أقبل ذهب الظلام .. والتوحيد إذا جاء أحرق الشرك .. والسُّنن إذا قامت ماتت البدع. وقد أحسن الله إليَّ، ويسر لي جمع هذه الموسوعة من القرآن والسنة، وخلاصة أقوال سلف الأمة في أصول الدين، ومقاصده العظمى، وأحكامه وآدابه؛ ليستبين الحق من الباطل في كل مطلوب. وبينت ذلك بياناً شافياً، سهل الفهم، موجز اللفظ، محكم المعنى؛ ليسهل حفظه والعمل به، وليكون أصلاً لمعرفة التوحيد من الشرك، والإيمان من الكفر، والحق من الباطل، والسنة من البدعة. وجمعت في هذه الموسوعة أحسن أقوال فحول علماء المسلمين، وجهابذة الفقهاء، وفرسان أهل الحديث، وأئمة السلف الصالح، ومنارات الهدى، وأهل العدل والزهد والتقوى في كل عصر. فاجتمع فيها بحمد الله عيون الأخبار .. وجواهر الأحكام .. وأمهات المسائل .. ونفائس الدرر. وتوجت مسائل هذه الموسوعة الشاملة بالآيات القرآنية، والسنن النبوية، والأدلة العقلية، والأمثلة الحسية، والبراهين العلمية.

فجاء هذا المجموع الثمين محكم الأصول، محذوف الفضول، غزير الفوائد، منوع الموائد، حلو الطعم، سهل الفهم، يغني الطالب المبتدي، وينفع العالم المنتهي. أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الخَلْق أجمعين، وأن يُقبل بقلوب عباده لمعرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه. وقد وسمت هذا الدر المنثور باسم: (موسوعة الفقه الإسلامي). والفقه الإسلامي ينقسم إلى ثمانية أقسام: الأول: الأحكام المتعلقة بالتوحيد والإيمان من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان ونحو ذلك، ويسمى هذا الفقه الأكبر. الثاني: الأحكام المتعلقة بعبادة الله من وضوء وصلاة، وزكاة وصيام، وحج وأدعية وأذكار ونحو ذلك، وتسمى هذه بالعبادات. الثالث: الأحكام المتعلقة بالأخلاق والآداب والفضائل ونحوها. الرابع: الأحكام المتعلقة بمعاملة الناس بعضهم بعضاً من بيع وشراء، ورهن وإجارة، وصلح وشركة ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بالمعاملات. الخامس: الأحكام المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق، ووصايا وأوقاف وميراث ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بأحكام الأسرة. السادس: الأحكام المتعلقة بحفظ الأمن، وعقاب المجرمين ونحو ذلك. وتسمى هذه الأحكام بالقصاص والحدود. السابع: الأحكام المتعلقة بواجبات الحاكم من إقامة العدل، وتنفيذ الأحكام، وواجبات المحكوم من السمع والطاعة ونحو ذلك.

وتسمى هذه الأحكام الخلافة والولايات. الثامن: الأحكام المتعلقة بالراعي والرعية من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ونحو ذلك، وتسمى هذه أحكام الدعوة والجهاد والسِّيَر. فهذه أصول أبواب الفقه الإسلامي التي وردت في الكتاب والسنة. ونظراً لحاجة البشرية إلى الإسلام .. وحاجة المسلمين إلى معرفة أحكام هذا الدين العظيم .. وإقبال طلاب العلم على التزود من علوم الشريعة .. ورغبة كثير من المسلمين في كتاب يجمع ما يهم كل مسلم ومسلمة .. وعودة كثير من المسلمين إلى رياض العلم الشرعي .. ودخول كثير من الكفار في دين الله أفواجاً .. ورغبتهم في معرفة أحكام هذا الدين. ومن جانب آخر كثرة المؤلفات التي جمعت بين الغث والسمين .. وكثرة المصنفات التي تمحضت للشر .. ومزاحمة كتب البدع لكتب السنة .. وارتفاع أصوات مجالس البدع واللهو .. وكثرة الافتراءات التي يطلقها الأعداء على الله ورسوله ودينه .. وإثارة الشبهات التي تحمل الناس على الشك في الدين .. وانتفاخ أجساد المنافقين. ومن جانب ثالث تمزق العالم الإسلامي إلى دول متناحرة .. وشعوب متباغضة .. ومذاهب مختلفة ووجود التعصب الذي أغلق باب الإفادة والاستفادة .. وغرق كثير من المؤلفين والمتبوعين في التوسع في ذكر الخلاف الذي يوهن العزيمة، ويُولِّد الشك، ويقعد عن العمل، ويمزق شمل الأمة، ويشغل الأمة عن واجباتها الكبرى. وأعظم من ذلك كله أداء الأمانة .. والقيام بواجب الدعوة إلى الله .. ونشر العلم الشرعي .. والأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر .. والنصح لكل مسلم.

لهذا كله فقد مَنَّ الله علينا ويَسَّر لنا كتابة هذه الموسوعة التي بين يديك .. لتسد حاجة كل طالب علم .. وتغني كل مسلم ينشد معرفة أوامر الله ورسوله .. وتروي ظمأ كل عطشان .. وتدفع شبهة كل حائر .. لتحيا السُّنن .. وتموت البدع .. ويظهر الحق .. وتجتمع البشرية على الدين الحق .. ويكون الدين كله لله. وقد نظمت أبواب هذه الموسوعة في عقد ثمين اشتمل على اثنين وعشرين باباً، وكل باب يفتح على دار مملوءة بالخيرات والثمرات والمجوهرات. وقد رتبت هذه الأبواب على النحو التالي: 1 - كتاب التوحيد ... 12 - كتاب النكاح وتوابعه 2 - كتاب الإيمان ... 13 - كتاب الأطعمة والأشربة 3 - كتاب العلم ... 14 - كتاب الفرائض 4 - كتاب السيرة النبوية ... 15 - كتاب نواقض الإسلام 5 - كتاب الفضائل ... 16 - كتاب الكبائر 6 - كتاب الأذكار ... 17 - كتاب القصاص والديات 7 - كتاب الأدعية ... 18 - كتاب الحدود 8 - كتاب الآداب ... 19 - كتاب القضاء 9 - كتاب القواعد الشرعية ... 20 - كتاب الخلافة 10 - كتاب العبادات ... 21 - كتاب الدعوة إلى الله 11 - كتاب المعاملات ... 22 - كتاب الجهاد في سبيل الله وقد جنيت ثمار هذه الموسوعة من أعظم البساتين، وقطفت أزهارها وورودها من أحسن الرياض.

أسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الموسوعة قرة عيون الموحدين .. ومناراً يهتدي بسببه الضالون .. ونهراً صافياً يشرب منه المسلمون .. وغيثاً يسكب الإيمان واليقين في القلوب .. ودعامة من دعائم الإسلام .. وفأساً يجتث الجهل .. ومعولاً يكسر هامات البدع .. ورمحاً يركز في جوف الشرك .. وسهماً يجهز على الباطل .. وسكيناً تنحر الهوى .. وناراً تحرق الشبهات. وهذه الموسوعة يرجى أن تزرع السنن في بستان المسلمين، وتحصد البدع النابتة في أرضه، وتزيل الغبار عن مساكنه وأشجاره، وتطرد الهوام والسباع عن داره، وتلوي عنق الباطل والجهل حتى لا يدرج فيه. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلها سبباً يشفي القلب والجسد من علله، وأن يزهق بها الباطل بالحق الذي يدمغه .. وأن يجعلها نهراً صافياً يشرب منه كل وارد .. تغني المحتاج عن السؤال .. وتبشر بالحق .. وتزيل الباطل وتفسر المبهم، وتقيم المعوج، وتكسر قرن كل جبار. فهنيئاً لكل مسلم، وكل عابد، وكل داع إلى الله، وكل معلم لشرعه، بهذا المجموع المفيد، الذي جمع الله فيه بمنه وفضله ما تفرق في غيره، وأظهره في وقت الحاجة إليه .. وجمع فيه متين العلم وصلبه. ولا ندعي أن هذا العمل نور يبدد كل الظلمات، ولا بستان فيه كل الثمرات، ولا خزانة جمعت كل المجوهرات. بل هو جهد مخلوق ضعيف جهول عاجز محتاج. ولولا فضل الله ورحمته، وتوفيقه وعونه، ما ظهر لك جسده، ولا بان لك نوره، وإن كانت بين يديك سطوره. أسأله سبحانه أن يجعله قبساً من نور، وشجرة تثمر على مر الدهور، وعيناً تسقي

البشرية إلى يوم الدين .. وتاجاً يتزين به المسلم بين الناس. كما أسأله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من جمعه وكتبه وراجعه، وكل من قرأه وسمعه وأعان على نشره. وهذا غاية اجتهادي، وأغلى ما في فؤادي، وعلى الله اعتمادي، وهو أعلم بمرادي، وما يحترق به فؤادي. والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسلام والإيمان .. ونعمة البدء والختام .. ونعمة الإكمال والإتمام .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما. فالله سبحانه وحده هو الذي هيأ القلب للاستئناس به .. وحرك العقل للفكر فيه .. وجمع الفكر لحسن عرضه .. وهيأ الوقت لتحصيله .. وحرك اليد لتحريره. فلله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. وله الحمد كله على ما قضى وقدر .. وله الحمد على ما أمر وشرع .. وله الحمد على ما يسر وأعان .. ونسأله العفو والقبول والرضوان. وكل ما نرجوه ونسعى إليه أن يرضى الله عز وجل عنا .. وأن يرزقنا حسن العمل بشرعه .. وأن يستعملنا فيما يحبه ويرضاه .. وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً .. وأن يتعلم المسلمون أحكام دينهم .. وأن يعبدوا ربهم وحده لا شريك له .. وأن يدخلوا الجنة .. وينجو من النار .. والله عليم بذات الصدور .. ومتم نوره ولو كره الكافرون. هذا وإني ذاكر وشاكر لكل مخلص وناصح من المؤمنين والمؤمنات، وراغب إليهم أن يستفيدوا من هذا الروض الذي تفتحت أزهاره، وطابت ثماره، وجمعنا فيه ما تفرق في غيره من أصول الدين، وأحكامه الميسرة.

نرجو أن يكون قد لاح النور من خلاله، وفاح المسك من أركانه، ونثرت الأزهار والثمار على أوراقه. أرجو من هذا الصنف من المؤمنين حسن الاستفادة، وصدق النصيحة، والعفو عن الزلل، والتنبيه على النقص والخطأ، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. وأعوذ بالله من كل جاهل غشوم، ومن كل دجال لئيم، ومن كل حاسد وشامت، ومن كل شيطان في صورة إنسان بار. فهذا الصنف من الناس ينخر في جسد الأمة، ليهدم كل بنيان، ويطفئ كل مصباح، ويبث كل عمياء وعوراء، ويوقد نار الفتنة التي تمزق شمل الأمة. وحذار من قتل الأوقات بسكين النوم والشهوات .. وجمع البعر والسموم في خزانة العقل والقلب .. وإطلاق اللسان في القيل والقال .. وشغل الجوارح بالمعاصي والمحرمات .. وإنفاق الأموال في الصد عن سبيل الله .. وإطلاق السمع والبصر والفكر فيما يغضب الله. فما أخسر هذه التجارة، وما أسوأ هذا الحصاد، وما أوكس تلك البضاعة التي أغرق الشيطان بها أكثر الخلق، وقادهم بها إلى جهنم: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ:20]. ولإزالة غبار الشرك، وكبح جماح الباطل، ودفع شرور الفتن، وقلع أشجار الفساد، وتحقيق الأمن والعدل، لا بد من التوبة الصادقة النصوح، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والإحسان إلى البشرية بالقول والعمل، ورحمة الخلق كلهم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، مع كمال الصبر واليقين اللذَيْن تحصل بهما

الإمامة في الدين. وما أحوجنا إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على جميع البشرية، وتسكب ماءها العذب على ذرية آدم، وتجمع الناس على الدين الحق، فينبت من خلال ذلك الإيمان والعمل الصالح والخُلُق الكريم. وأول الغيث قطرة ثم ينسكب، ووراء غلس الليل فجر ساطع، وإذا جاء الحق زهق الباطل. فابسط يديك بكل خير، وأشغل جوارحك بطاعة الله عز وجل، وأطلق لسانك بذكره وحمده، والدعوة إليه، وتعليم شرعه، وهذا عمل الأنبياء والرسل، فنعم العمل، ونعم الحصاد، وإنما حصاد كل امرئ ما كان يزرع، ومن لم يمت في الجهاد النبيل مات كالبهائم في المرقد. لقد أكمل الله بنيان هذا الدين في القرن الأول، فتحقق الأمن والعدل، وانتشر العلم، وعبد المسلمون ربهم بما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الدين الحق. ثم هبت على العالم الإسلامي رياح عاصفة، فتصدعت جدرانه، وتمزقت دوله، وتفرقت شعوبه، وكادت تسقط أركانه، واشتعلت في جوفه حروب مدمرة أكلت الأخضر واليابس. لكن الله جل جلاله تكفل بحفظ هذا الدين وأتباعه على مر القرون، فيبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، ويردها إلى ربها. وهذه الموسوعة أرجو الله عز وجل أن يجعلها سبباً يجمع شمل الأمة على الدين الحق .. ويصل ما انقطع من حبال مودتها .. ويربط ما انفصل من أجزائها .. ويداوي ما انفجر من جراحها .. ويسكن ما التهب من جسدها. وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به وعموم المسلمين، وأن يتقبله مني، وأن يغفر لي ولوالدي وأهل بيتي

وجميع المؤمنين، وأن يضاعف لنا به الأجر والمثوبة، وأن يتجاوز عن كل خطأ وتقصير وأن يعفو عن كل سهو وزلل، إنه هو الغفور الرحيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه الفقير إلى عفو ربه محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري المملكة العربية السعودية - بريدة جوال: 0508013222 0504953332

مقدمة الموسوعة العلمية

مقدمة الموسوعة العلمية 1 - هذه الموسوعة التي بين يديك تعريف عام بدين الإسلام في التوحيد والإيمان، والفضائل والآداب، والأذكار والأدعية، وأحكام العبادات والمعاملات، والقصاص والحدود وغيرها من أبواب الفقه. والمادة العلمية لهذه الموسوعة تستند إلى أصلين عظيمين هما القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الصحيحة، بفهم سلف الأمة. وقد اخترت عامة أصولها وأحكامها ومسائلها من كتب السنة النبوية، وكتب الفقهاء المطولة والمختصرة وغيرها، إلى جانب فتاوى كبار علماء السلف في الماضي والحاضر. واعتمدت الراجح من أقوال علماء الإسلام إذا ظهرت قوة أدلته، خاصة أقوال الأئمة الأربعة (أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد) رحمهم الله. وقرنت في الغالب كل مسألة بأدلتها من الكتاب والسنة، وما لم يرد فيه نص صحيح صريح اعتمدت فيه أقوال واختيارات كبار الأئمة المجتهدين من سلف الأمة في الماضي والحاضر. وجعلت مسائل الفقه على قول واحد، راجياً من الله أن يكون هو الصواب. وقد بسطت ذكر الأدلة الشرعية في جميع أبواب الموسوعة لحاجة العالم والمتعلم والعابد والداعي وكل مسلم إلى ذلك. وعزوت الآيات القرآنية إلى مكانها بذكر اسم السورة ورقم الآية. أما الأحاديث النبوية فقد اجتهدت ألا أثبت في الموسوعة إلا ما كان حديثاً

صحيحاً أو حسناً، مع ذكر مصدره في كتب الحديث، والحكم عليه بالصحة أو الحسن كما يلي: 1 - تم نقل وضبط جميع الأحاديث الواردة في الموسوعة من أصولها الصحيحة. 2 - إذا كان الحديث في صحيحي (البخاري ومسلم) ذكرت رقمه في كل منهما، وصدرت تخريجه بلفظ (متفق عليه)، وإن كان في أحدهما ذكرته مع رقمه فيه. وأحياناً أذكر مع أحدهما من أخرج الحديث في كتب السنة الأخرى لزيادة فائدة، وأثبت لفظه. 3 - إذا كان الحديث في غير الصحيحين كمسند الإمام أحمد، والسنن الأربع، وموطأ مالك، وسنن الدارمي وغيرها من كتب السنة الأخرى، ذكرت له مصدرين، وأحياناً أقل مع ذكر رقمه في الأصل. 4 - اعتمدت في تخريج جميع الأحاديث ذكر رقم الحديث من مصدره، وإذا لم يكن للمصدر ترقيم عام ذكرت رقم الجزء والصفحة. 5 - إذا كان الحديث في الصحيحين فعند التخريج في الهامش صدرته بلفظ متفق عليه، وإن كان في غيرهما كتبت أمام كل حديث (صحيح أو حسن) للحكم بصحة الحديث أو حسنه، مستنداً في ذلك إلى أئمة هذا الشأن من المتقدمين والمتأخرين. 6 - إذا تكرر الحديث في موضع آخر كررت تخريجه معه، ليسهل على القارئ معرفة درجته، وأحياناً أدرج الحديث الصحيح أو بعضه لبيان حكم أو ترغيب أو ترهيب. 2 - رتبت بفضل الله أبواب هذه الموسوعة ترتيباً علمياً يسهل على المستفيد

التقاط ما يريد بسهولة، ويفتح للطالب أبواب العلم الشرعي، ليدخل من باب إلى باب بالرغبة والشوق، والمحبة واللذة، فيدرك مطلوبه بيسر وسهولة، ونشاط وعزيمة، بعيداً عن السآمة والملل. فبدأت هذه الموسوعة بكتاب التوحيد؛ لأنه باب الإسلام الأعظم، ثم كتاب الإيمان؛ لأنه أساس الدين، وشرط في صحة كل عمل، ثم كتاب العلم؛ لأنه لا بد مع الإيمان من العمل، والعمل لا يقبل ولا يصح إلا بعلم، ثم كتاب السيرة النبوية؛ لأن الأسوة في التوحيد والإيمان والعلم والعمل هو محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم بينت كتاب الفضائل؛ لأن الفضائل تحرك القلوب للطاعات، وتنشط الجوارح للإكثار منها. ثم كتاب الأذكار؛ لأن في استدامة ذكر الله كمال الإيمان، وحسن الطاعة، وحلاوة العمل الصالح. ثم كتاب الأدعية؛ لأنه أفضل الأبواب التي يدخل منها العبد على ربه، وكل عبد مفتقر إلى دعاء ربه في جميع أحواله. ثم كتاب الآداب؛ لأن الآداب زينة المسلم التي يتميز بها عن غيره. ثم كتاب القواعد الشرعية؛ لأن أحكام الدين كثيرة ومتنوعة، فتحتاج إلى قواعد تجمع أصولها؛ ليتبين الحق من الباطل، ويُعرف المباح من المحرم، والسنة من البدعة. ثم كتاب العبادات؛ لأنها أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربه. ثم كتاب المعاملات التي تكون بين العبد وغيره من الخَلْق؛ لتستقيم حياة الناس بين العدل والإحسان.

ثم كتاب النكاح وتوابعه؛ لتكوين الأسرة المسلمة، ولضبط حياة الأسرة في البيت كما ضبطت حياة الأمة بأحسن المعاملات خارج البيت. ثم كتاب الأطعمة والأشربة؛ لأنه لا بد للفرد والأمة من طعام وشراب حلال، ليستجاب الدعاء، وتصح الأجسام، وتحفظ العقول. ثم كتاب الفرائض؛ لأنه لا بد لكل إنسان من الموت، والفرائض تبين كيفية قسمة الأموال بعد الموت على الورثة حسب الشرع. فهذه جواهر الدين، وبنيانه الأعظم، من قام بها رضي الله عنه، وأسعده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة. ثم ذكرت كتاب نواقض الإسلام التي تهدم بنيان الدين في حياة الإنسان؛ ليسلم للمسلم توحيده وإيمانه وأعماله الصالحة. ثم ذكرت كتاب الكبائر التي تأكل الحسنات، وتهلك العباد والبلاد، ويتعرض العبد بسببها لسخط ربه عليه. ثم ذكرت كتاب القصاص الذي تصان به الأنفس من الاعتداء والقتل. ثم كتاب الحدود الذي يزجر الناس عن الكبائر والمحرمات. وبالقصاص والحدود يتم حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال. ثم ذكرت كتاب القضاء الذي شرعه الله للفصل بين الخلق عند الاختلاف، والحكم بينهم بالحق والعدل، وتنفيذ أوامر الله على من تجاوز حدوده. ثم كتاب الخلافة؛ لأن حياة الناس لا تستقيم إلا بإمام صالح مطاع، وهي الإمامة الكبرى التي يؤتيها الله من يشاء من عباده ليحكم بين الناس بما أنزل الله.

ثم ذكرت كتاب الدعوة إلى الله التي هي وظيفة كل مسلم ومسلمة؛ ليتم إبلاغ دين الله إلى البشرية كلها، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، ويعبد الناس ربهم بما شرعه لهم. ثم في الختام ذكرت كتاب الجهاد؛ لأن الحق إذا قام فلا بد له من باطل يعاديه، ومن ثم لا بد من جهاد في سبيل الله يحفظ المؤمنين، ويقمع الظالمين، ويصد عدوان المعتدين، والحمد لله رب العالمين. أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها بقبول حسن، وأن يجعلها قرة للعيون والأبصار، وبضاعة رابحة لأهل الإيمان واليقين. وهذا أوان الشروع في المقصود، والبدء في المطلوب. أسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل، كما أسأله عز وجل العون والتوفيق، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

الباب الأول كتاب التوحيد

الباب الأول كتاب التوحيد ويشتمل على ما يلي: • معنى التوحيد. • أركان التوحيد. • أقسام التوحيد. • شروط كلمة التوحيد. • أساس التوحيد. • أصل التوحيد. • معنى توحيد الربوبية والألوهية. • تلازم توحيد الربوبية والألوهية. • حقيقة التوحيد. • فضل التوحيد. • كمال التوحيد. • عظمة كلمة التوحيد. • براهين التوحيد. • تحقيق التوحيد. • قوة كلمة التوحيد. • محل التوحيد. • حفظ التوحيد. • أهل التوحيد. • فقه التوحيد. • ما يجب على المسلم. • ثمرات التوحيد: 1 - ثمرات التوحيد في الدنيا. 2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة.

معنى التوحيد

كتاب التوحيد • معنى التوحيد: التوحيد: هو أن يتيقن العبد ويقر أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. ومعناه: أن يعلم العبد ويتيقن ويقر أن الله واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. فيتيقن ويقر أن الله وحده رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده لا شريك له، له الخلق والأمر في الكون كله. ويتيقن ويقر أن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وكل معبود سواه فهو باطل. ويتقين ويقر أن الله جل جلاله متصف بصفات الكمال، منزه عن كل عيب ونقص، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس:3]. - أركان التوحيد: التوحيد له ثلاثة أركان: الاعتقاد .. والقول .. والعمل .. فلا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم .. ويكون باللسان الذي هو القول .. ويكون بالعمل الذي هو فعل الأوامر واجتناب النواهي.

أقسام التوحيد

فمن أخل بشيء من هذه الأركان لم يكن مسلماً. فإن أقر بالتوحيد، وعمل به، فهذا مسلم حقاً. وإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به، فهذا كافر معاند كفرعون، وإبليس. وإن أقر بالتوحيد وعمل به ظاهراً، وكفر به باطناً، فهذا منافق أشر من الكافر. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. - أقسام التوحيد: التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب نوعان: الأول: توحيد الربوبية. وهو توحيد الله بأسمائه، وصفاته، وأفعاله. فالله سبحانه واحد لا شريك له، واحد لا مثيل له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله فأسماء الرب كلها حسنى، وصفاته كلها عليا. فالأسماء كالحي والقيوم، والعزيز والعليم، والرحيم والحكيم، والسميع والبصير. والصفات كالعلم والقدرة، والرحمة والحكمة، والسمع والبصر. يفعل ما يشاء وحده .. ويحكم ما يريد وحده .. يعز من يشاء وحده .. ويذل من يشاء وحده .. ويهدي من يشاء وحده .. ويضل من يشاء وحده .. ويخلق ما يشاء وحده .. ويدبر الأمر وحده. فهذا توحيد المعرفة والإثبات الذي يجب على كل مسلم معرفته، وعبادة الله ثمرة تلك المعرفة.

الثاني: توحيد الألوهية، ويسمى توحيد العبادة. وهو توحيد الله وإفراده بأفعال العباد التي يفعلونها على وجه التقرب إلى الله عز وجل. فنوحد الله ونفرده بجميع أنواع العبادة كالدعاء والصلاة، والخوف والرجاء، والتوبة والإنابة، والاستعانة والاستغاثة، والمحبة والتوكل، والنذر والنحر، وغير ذلك من أنواع العبادة، فالعبادة خالص حق الله على عباده، فلا يجوز صرف شيء منها لغيره، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون:117].

شروط كلمة التوحيد

- شروط كلمة التوحيد: يشترط لتحقيق كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) سبعة شروط: الأول: العلم المنافي للجهل. بأن يعلم العبد أن الله وحده بيده كل شيء، وما سواه ليس بيده شيء، وأنه وحده هو المستحق للعبادة. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وَعَنْ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬1). الثاني: اليقين المنافي للشك. بأن يستيقن بأن هذه الكلمة حق، وما دلت عليه هو الحق، وكل ما سواه فهو باطل. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ؛ لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم رقم (26). (¬2) أخرجه مسلم رقم (27).

الثالث: القبول المنافي للرد. بأن يقبل بقلبه ولسانه كل ما اقتضته هذه الكلمة، ويرد كل ما خالفها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 2 - وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلاً، لا أسْألُ عَنْهُ أحَدًا بَعْدَكَ (وَفِي حَدِيثِ أبِي أسَامَةَ: غَيْرَكَ) قال: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ». أخرجه مسلم (¬1). الرابع: الانقياد المنافي للترك. بأن ينقاد لكل ما دلت عليه من الإيمان والعمل الصالح، ويترك كل ما خالفها. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف:107]. الخامس: الصدق المنافي للكذب. بأن يصدِّق بلا إله إلا الله بقلبه، ويقر بلسانه، ويصدق ذلك. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. السادس: الإخلاص المنافي للشرك. بأن يخلص العبادة لله وحده لا شريك له، ويصفي عمله من شوائب الشرك. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم رقم (38).

وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. السابع: المحبة المنافية للبغض. بأن يحب كلمة التوحيد وما دلت عليه، ويحب أهلها، ويبغض كلمة الشرك وأهلها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». متفق عليه (¬1). 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:1 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 21 - 22]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16) واللفظ له، ومسلم برقم (43).

أساس التوحيد

- أساس التوحيد: التوحيد هو إفراد الخالق بأسمائه وصفاته، وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له. والتوحيد مبني على معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، فنعرف الله لنكبره ونذكره ونشكره .. ونعرف القادر لنتوكل عليه .. ونعرف الغني لنسأله .. ونعرف الرزاق لنطلب منه أرزاقنا .. ونعرف الصمد فنتوجه إليه وحده في جميع حوائجنا .. ونعرف العفو لنطلب منه العفو .. ونعرف الغفور لنطلب منه المغفرة .. ونعرف الرحيم لنطلب منه الرحمة .. ونعرف السميع فلا نقول ما يسخطه .. ونعرف البصير فنستحي منه .. وهكذا في بقية الأسماء .. ونعرف وعد الله فنرجوه .. ونعرف وعيده فنخافه .. ونعرف فضله وإحسانه فنحبه ونشكره .. وهكذا .. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. - أصل التوحيد: توحيد الربوبية هو الأصل، إذ لا بد لكل عبد أن يعرف معبوده بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يعبده. ولا يغلط في توحيد الألوهية والعبادة إلا من لم يعطه حقه، فالصبر والرضا، والتفويض والتسليم، والاستعانة والتوكل، والإنابة والمحبة، والخوف والرجاء، كلها من نتائج وثمار توحيد الربوبية.

معنى توحيد الربوبية والألوهية

وتوحيد العبادة أعظم وأشهر نتائج توحيد الربوبية، وقد وقع فيه الشرك بسبب الجهل بتوحيد الربوبية. قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. وتوحيد الربوبية أَقَرَّ به أكثر الخلق، ولم ينكره إلا شواذ الخلق، ولكنه لا يكفي للدخول في الإسلام حتى يقترن به توحيد العبادة. وتوحيد الألوهية والعبادة كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل إلى الناس، وأنزل عليهم الكتب، لكي يدعونهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. - معنى توحيد الربوبية والألوهية: توحيد الربوبية: هو توحيد الرب بأسمائه وصفاته وأفعاله. وتوحيد الألوهية: هو توحيد الله بأفعال العباد كالصلاة والدعاء. والربوبية والألوهية لهما إطلاقان: تارة يذكر أحدهما مفرداً عن الآخر، فيكون معناهما واحداً، كما قال سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164]. وتارة يذكران معاً، فيفترقان في المعنى.

تلازم توحيد الربوبية والألوهية

فيكون معنى الرب الخالق المالك، الذي بيده الخلق والأمر كله. ويكون معنى الإله المعبود المستحق للعبادة وحده دون سواه، كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس:1 - 6]. - تلازم توحيد الربوبية والألوهية: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية. فمن أقر بأن الله وحده هو الرب الخالق المالك الرازق، لزمه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له. فلا يدعو إلا الله وحده .. ولا يستغيث إلا به .. ولا يتوكل إلا عليه .. ولا يصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا لله وحده دون سواه. وتوحيد الألوهية مستلزم لتوحيد الربوبية. فكل من عبد الله وحده، ولم يشرك به شيئاً، لا بد أن يكون قد اعتقد وعرف أن الله ربه وخالقه ومالكه ورازقه. فهذا مبني على هذا، ولا يقبل هذا إلا بهذا، ولا يصح عمل إلا بهذا وهذا. وتوحيد الربوبية يقرُّ به الإنسان بموجب فطرته ونظره في الكون. والإقرار به وحده لا يكفي للإيمان بالله، والنجاة من النار، فقد أقرّ به إبليس والمشركون فلم ينفعهم، لأنهم تركوا القيام بثمرته وهو توحيد العبادة لله وحده.

حقيقة التوحيد

- حقيقة التوحيد: 1 - حقيقة التوحيد ولبابه أن يرى الإنسان الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع الإلتفات عن غيره من المخلوقات والأسباب، فلا يرى الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر، إلا منه وحده، ويعبده سبحانه وحده لا شريك له. مع كمال الحب له .. وكمال التعظيم له .. وكمال الذل له. 2 - حقيقة التوحيد ترد الأشياء كلها إلى الله وحده .. خلقاً وإيجاداً .. تصريفاً وتدبيراً .. بقاء وفناءً .. حياة وموتاً .. نفعاً وضراً .. حركة وسكوناً .. قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. وحقيقة الشرك ترد الأشياء كلها إلى غير الله. فالتوحيد ألذ شيء، وأحسنه، وأجمله، والشرك أقبح الأشياء. فالتوحيد أعدل العدل .. والشرك أظلم الظلم. ولهذا يغفر الله كل ذنب وجرم إلا الشرك. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء:48]. - فضل التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام:82]. 2 - عَنْ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى

كمال التوحيد

مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» متفق عليه (¬1). - كمال التوحيد: التوحيد لا يتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب عبادة ما سواه. والتعلق به وحده لا شريك له، وعدم الالتفات إلى ما سواه، والانقياد والتسليم لله في كل شأن. وإيثار كل ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه النفس. وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد. وإجلال الله وتعظيمه، والإكثار من ذكره وشكره، والذل والانكسار بين يديه، والتضرع والافتقار إليه، ومحبته وخوفه ورجائه، وامتثال أوامره. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. - عظمة كلمة التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران:18]. 2 - وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435)، واللفظ له، ومسلم برقم (28).

براهين التوحيد

وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬1). - براهين التوحيد: البراهين والأدلة الدالة على وحدانية الله كثيرة منها: 1 - برهان الفطرة، فجميع الخلق مفطورون على معرفة الله والإقرار به. قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم:30]. 2 - برهان الخلق والإبداع. فالله وحده هو المتفرد بالخلق والإبداع، فيجب أن يفرد بالعبادة وحده. قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} [الرعد: 16]. 3 - النظر في السماء وما فيها من المخلوقات العظيمة. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح: 15 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق:6]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (558).

4 - النظر في الأرض وما فيها من العجائب والآيات. 1 - قال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق:7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)} [النمل:59 - 61]. 5 - النظر في عجائب خلق الإنسان. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [الروم:20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات:20 - 21]. 6 - النظر في عجائب خلق المخلوقات وتدبيرها وتصريفها. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ

الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة:164]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس:31 - 32]. 7 - النظر في مظاهر قدرة الله وجلاله. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر:41]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)} [النبأ: 6 - 17]. 3 - وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [العنكبوت:19 - 20].

8 - النظر إلى سعة علم الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان:34]. 9 - النظر في سعة رحمة الله وفضله. 1 - قال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل:45 - 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} [النحل:72]. 3 - وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)} [السجدة:27]. 10 - النظر إلى غنى الخالق، وفقر المخلوقات كلها إليه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15].

تحقيق التوحيد

2 - وقال الله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)} [يونس:68]. ودلائل وحدانية الله أشهر وأبين من ضوء الشمس، ولا يحصيها إلا الذي أحاط بكل شيء علماً، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. - تحقيق التوحيد: التوحيد يقوم على أصلين: شهادة أن لا إله إلا الله ... وشهادة أن محمداً رسول الله. 1 - فتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي من العبد أن يحب الله، ويحب ما يحبه الله .. ويبغض ما أبغض الله .. ولا يحب إلا لله .. ولا يبغض إلا في الله .. ولا يرجو إلا الله .. ولا يخاف إلا الله .. ولا يسأل إلا الله .. ويأمر بما أمر الله به .. وينهى عما نهى الله عنه .. ويفعل الطاعات .. ويجتنب المعاصي .. ولا يعبد إلا الله .. ولا يستعين إلا بالله .. فهذه ملة إبراهيم، وهي الإسلام الذي بعث الله به جميع الأنبياء والمرسلين. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 2 - وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله: بطاعته فيما أمر .. وتصديقه فيما أخبر .. واجتناب ما نهى عنه وزجر .. وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. فالحلال ما أحله .. والحرام ما حرمه .. والدين ما شرعه ..

قوة كلمة التوحيد

قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]. - قوة كلمة التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان:22]. 2 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحاً - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّي قَاصّ ٌعَلَيْكَ الوَصِيَّةَ، آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بـ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَْرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالكِبْرِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئاً؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ؟ فَقَالََ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6583)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (558).

محل التوحيد

فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - محل التوحيد: القلوب مكان التوحيد والإيمان .. ومكان الشرك والكفر، وهي منبع كل بر وإحسان .. ومنبع كل إثم وعدوان. وإذا صلح القلب بالمعرفة والتوحيد والإيمان، صلح الجسد كله بالطاعة والتسليم والإذعان لرب العالمين. وإذا فسد القلب بالجهل والشرك والكفر، فسد الجسد كله بالمعاصي والطغيان والفجور. فكل فساد في البدن سببه فساد القلب، وكل نقص في الخارج سببه النقص في الداخل، وكل فساد في الأمة سببه فساد الإنسان، وكل فساد في الإنسان سببه فساد القلب. عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أذُنَيْهِ): «إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وَإِنَّ حِمَىَ اللهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ القَلْبُ» متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي رقم (2639)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4300). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) ومسلم برقم (1599) واللفظ له.

حفظ التوحيد

- حفظ التوحيد: التوحيد كالجوهرة يجب حفظه من النفس والهوى والشيطان. والتوحيد والإيمان أعظم شيء في خزائن الله، وأغلى شيء يعطاه أحد، يؤتيه الله من يعلم أنه يصلح له، ويمنعه ممن يعلم أنه لا يصلح له، والله عز وجل وحَّد نفسه في الأسماء والصفات والأفعال. فلا شبيه له ولا مثيل في أسمائه وصفاته، ولا خالق إلا هو، ولا رب سواه. ووحَّد نفسه في الألوهية، فلا يعبد إلا الله وحده لا شريك له. ووحَّد نفسه في الأمر والنهي، فلا حكم إلا لله الحكيم العليم. ووحَّد نفسه في الملك، فهو مالك الملك كله، وله الخلق والأمر كله. والتوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم هو معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإفراده وحده بالعبادة. والعبادة حق الله وحده، لاحظ فيها لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم من الأحياء والأموات والمخلوقات. والتوحيد كالمرآة أدنى شيء يؤثر فيه ويخدشه وينقصه، فهو يدخل في النيات والإرادات، والأقوال والأفعال. فمن عبد الله ليلاً ونهاراً، ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله. قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن:18]. ومن ذبح ألف أضحية لله، ثم ذبح لنبي أو غيره، فقد اتخذ إلهين اثنين، ولم يشهد أن لا إله إلا الله.

أهل التوحيد

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام:162 - 163]. وهكذا .. في كل نية .. وفي كل عمل. فمن أخلص العبادات كلها لله، ولم يشرك فيها غيره، فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله. ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الظالم الجاحد. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)} [النحل:51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر:6]. - أهل التوحيد: الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له. وهو الذي خلق كل شيء، وبيده أمر كل شيء. خلق الكائنات وحركاتها .. وخلق العباد وأفعالهم .. فهو الذي وفق العبد للعمل ثم أثابه عليه .. ووفقه للتوبة ثم قبلها منه .. ووفقه للدعاء ثم أجابه. فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بإذنه ومشيئته

وعلمه. فلا بد للمسلم من العلم بأمرين: 1 - العلم بأن الله وحده تفرد بالخلق والأمر، والهداية والإضلال. 2 - أن ذلك وقع منه سبحانه على وجه الحكمة والعدل لا بالاتفاق. بل بحكمة اقتضت هدى مَنْ عَلِمَ أنه يزكو على الهدى ويقبله ويثمر عنده، وإضلال مَنْ عَلِمَ أنه لا يزكو على الهدى ولا يقبله ولا يثمر عنده. فالله أعلم حيث يجعل رسالته. لم يطرد عن بابه، ولم يبعد من جنابه من يليق به التقريب والهدى والإكرام، بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد والإهانة. فإن قيل: لِمَ خلق من هو بهذه المثابة؟ قيل: لأن خلق الأضداد والمتقابلات من كمال ربوبيته. كالليل والنهار .. والخير والشر .. والحر والبرد .. والبر والفاجر .. والجنة والنار .. ونحو ذلك. وكمال التوحيد وتمامه أن يعلم العبد أن الخلق والأمر كله بيد الله لا بيد غيره. فلا يرى نفعاً ولا ضراً .. ولا حركة ولا سكوناً .. ولا ظلمة ولا نوراً .. ولا قبضاً ولا بسطاً .. إلا ويعلم أن الله خالقه .. وهو مقتضى الحكمة والعدل، والإحسان والرحمة. 1 - قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام:53].

فقه التوحيد

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام:124]. - فقه التوحيد: الله تبارك وتعالى هو الرب الحكيم العليم. له الخلق والأمر كله .. ما شاء الله كان .. وما لم يشأ لا يكون أبداً، يفعل ما يشاء بحكمته. يعطي ويمنع .. ويعز ويذل .. ويهدي ويضل .. ويسعد ويشقى .. هو الذي جعل المسلم مسلماً، وجعل المصلي مصلياً، وهو الذي جعل هذا يدعو إلى الخير، وذاك يدعو إلى الشر، وله سبحانه في كل ما خلقه وقدَّره: حكمة بالغة .. ونعمة سابغة .. ورحمة عامة .. وعلم محيط، لا يفعل شيئاً لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته، ورحمته وحكمته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. والله حكيم عليم رحيم، أحسن كل شيء خلقه، والخير كله بيديه، والشر كله ليس إليه، فلا يفعل قط إلا ما هو خير. وما خلقه الله من الآلام والأمراض، والسيئات والعقوبات، وجهنم وإبليس، فله فيه حكم عظيمة، ونعم جسيمة، وهو سبحانه يستحق الحمد والحب والرضا لذاته وإحسانه. وهو سبحانه الذي خلق كل شيء، وبيده كل شيء. خلق النفس وألهمها فجورها وتقواها، وجعل إبراهيم وآله ومن تبعه أئمة يدعون إلى الخير بأمره، وجعل إبليس وفرعون أئمة يدعون إلى النار.

ما يجب على المسلم

1 - قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. 2 - وقال الله تعالى في آل إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [الأنبياء:73]. 3 - وقال الله تعالى في فرعون وآله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)} [القصص:41 - 42]. - ما يجب على المسلم: يجب على المسلم أن يثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته الله ورسوله، وينفى عنه ما نفاه الله ورسوله، ويثبت خلقه وأمره. فيؤمن بخلقه سبحانه لكل شيء، المتضمن كمال علمه وقدرته ومشيئته ويؤمن بنفوذ أمره في كل شيء، ويؤمن بأمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال. ويؤمن بشرعه وقضائه وقدره، ويعبد ربه بموجب ذلك. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285].

ثمرات التوحيد

- ثمرات التوحيد: 1 - ثمرات التوحيد في الدنيا: الله عز وجل له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولكماله وجماله، وجلاله وكبريائه استحق أن يعبد، ويعبد لما له من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، التي تستلزم أن يكون هو المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له، المحبوب غاية الحب لذاته وكماله وإحسانه. الذي يستحق التعظيم والتكبير والحمد والتسبيح والتقديس لذاته وكماله وجلاله وجماله. وإذا عَرَفت القلوب ذلك أثمر لها في الدنيا ما يلي: التوكل على الله وحده .. والإنابة إليه .. والسكون إليه .. والطمأنينة بذكره .. وخوفه ورجائه .. ومحبته وحمده .. وذكره وشكره .. وتعظيمه وإجلاله .. وحسن عبادته .. والأنس به .. والتلذذ بطاعته .. والتسليم لحكمه .. والصبر على ما يحب .. والرضا عنه .. وترك شكاية الخلق ولومهم .. والتوجه إلى الله في كل حال .. وعدم الالتفات إلى ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت:30 - 32]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3].

2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة

2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة: الله تبارك وتعالى يكرم المؤمنين الموحدين يوم القيامة بسبع كرامات، وهي: دخول الجنة .. ورؤية الرب جل جلاله .. والقرب منه .. ورضاه عنهم .. وسماع كلامه .. والتلذذ بنعيم الجنة .. والخلود في دار النعيم. 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 3 - وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (93).

الباب الثاني كتاب الإيمان

الباب الثاني كتاب الإيمان ويشتمل على ما يلي: 1 - الإسلام. 2 - أركان الإسلام، وتشمل: 1 - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 2 - إقام الصلاة. 3 - إيتاء الزكاة. 4 - صوم رمضان. 5 - الحج. 3 - الإيمان. 4 - أركان الإيمان، وتشمل: 1 - الإيمان بالله. 2 - الإيمان بالملائكة. 3 - الإيمان بالكتب. 4 - الإيمان بالرسل. 5 - الإيمان باليوم الآخر. 6 - الإيمان بالقدر. 5 - الإحسان. 6 - العبادة.

1 - الإسلام

1 - الإسلام · الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. والإسلام له معنيان: 1 - عام: وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك. وهذا هو الإسلام والإيمان الذي دعت إليه جميع الأنبياء والرسل. 2 - خاص: وهو أركان الإسلام الخمسة الواردة في شريعتنا. 2 - أركان الإسلام الأركان التي بني عليها الإسلام خمسة وهي: الأول: الشهادتان: وهي مركبة من ركنين: 1 - الأول: شهادة أن لا إله إلا الله. ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، وأن ما سواه من المعبودات فألوهيتها باطلة، وعبادتها باطلة. ولا إله إلا الله مشتملة على ركنين: 1 - «لا إله» نفي جميع ما يعبد من دون الله. 2 - «إلا الله» إثبات العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته وخلقه وملكه.

إقام الصلاة

قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان:30]. 2 - الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله. ومعناها: أن يقر الإنسان بقلبه ولسانه أن محمداً رسول الله، فيطيعه فيما أمر .. ويصدقه فيما أخبر .. ويجتنب ما نهى عنه وزجر .. ولا يعبد الله إلا بما شرع. وشهادة أن محمداً رسول الله تتضمن ما يلي: الإيمان به .. اليقين التام بأنه رسول الله حقاً للعالمين .. وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين .. وأن كتابه القرآن آخر الكتب المنزلة .. وأن شريعته ناسخة للشرائع قبلها .. وأن محمداً عبد الله ورسوله .. عبد لا يُعبد .. ورسول لا يُكذب .. فتجب محبته، وطاعته، ونصرته، وتحكيم شرعه، والرضا بما جاء به، والتسلم والانقياد لجميع ما جاء به، وعدم الالتفات إلى غير ما جاء به. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء:65]. 2 - وقال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]. الثاني: إقام الصلاة. وهي الصلوات الخمس المفروضة على كل مسلم ومسلمة. قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103].

إيتاء الزكاة

الثالث: إيتاء الزكاة. وهي الزكاة الواجبة في الأموال. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103)} [التوبة: 103]. الرابع: صوم شهر رمضان. وهو صوم رمضان في كل عام. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185)} [البقرة: 185]. الخامس: حج بيت الله الحرام. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. فهذه أركان الإسلام الواجبة على كل مسلم ومسلمة. فالشهادتان على الدوام .. والصلاة في كل يوم وليلة في أوقاتها .. والزكاة على من ملك النصاب في كل عام .. والصوم في كل سنة شهر .. والحج في العمر مرة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) واللفظ له، ومسلم برقم (16).

- مراتب الدين: الدين ثلاث مراتب هي: الإسلام ... والإيمان .. والإحسان. وكل مرتبة لها أركان. عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا». قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِل». قال: فَأخْبِرْنِي عَنْ أمَارَتِهَا. قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وَأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العَالَةَ، رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ». قال ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثُمَّ قال لِي: «يَا عُمَرُ! أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

- الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان: 1 - الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قُرن الإسلام بالإيمان كما في حديث جبريل، فالمقصود بالإسلام الأعمال الظاهرة، وهي أركان الإسلام الخمسة، والمقصود بالإيمان الأعمال الباطنة، وهي أركان الإيمان الستة، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر وحكمه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات:10]. 2 - الإسلام والإيمان متلازمان كالروح والبدن، فكما أن الإنسان مركب من بدن وروح، فكذلك الدين مركب من الإسلام والإيمان، فلا إسلام بلا إيمان، ولا إيمان بلا إسلام. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. 3 - الإسلام أعم من جهة أهله، والإيمان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام. فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً. 4 - الإحسان أعم من الإيمان، والإيمان أعم من الإسلام، ولكل منهما عموم وخصوص. فالإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان، والإيمان أعم من جهة

نفسه؛ لأنه يشمل الإسلام. والإحسان أخص من جهة أهله؛ لأن أهل الإحسان طائفة من أهل الإيمان، وأهل الإيمان طائفة من أهل الإسلام، فكل محسن مؤمن، وليس كل مؤمن محسناً. 5 - الإسلام هو الاستسلام لله وحده، وفعل الطاعات الظاهرة، والإيمان هو التصديق بالغيب، وفعل الطاعات الباطنة، وهذا قدر زائد. - درجات الإسلام والإيمان: 1 - مَنْ فعل ما أمره الله، واجتنب ما نهاه عنه، فقد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه. ومن ترك شيئاً من ذلك نقص من إسلامه وإيمانه بقدر ذلك، فمن نقص من الصلاة والزكاة والصوم والحج نقص من إسلامه بحسب ذلك، والنقصان في الإيمان يكون في الإيمان الذي في القلوب من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ونقص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فإذا زاد الإيمان زادت الطاعات، وإذا نقص الإيمان زادت المعاصي، فالإيمان والإسلام لكل منهما مبدأ وكمال .. وظاهر وباطن .. وقوة وضعف .. وطعم وحلاوة. 2 - الإسلام يتناول من أتى بالإسلام الواجب، وما يلزمه من الإيمان، ولم يأت بالإيمان الواجب. ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، لكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا، ولا من هذا، وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة

نفاق أو أكثر. ويتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان، وهو المنافق المحض. فهذا تثبت له أحكام الإسلام في الدنيا لعدم معرفة ما في قلبه، لكنه في الآخرة في الدرك الأسفل من النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: من 2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء:145]. - فضل الإسلام: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 2 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة:112]. 3 - وقال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} [الزُّمَر:22]. - الدين الحق: الإسلام هو الدين الحق الذي أرسل الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وهو ضروري

في إصلاح حياة البشر في الدنيا والآخرة. فلا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، وحاجتهم إليه أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والهواء. فكل إنسان مضطر إلى الشرع، فهو بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه .. وحركة يدفع بها ما يضره. والإسلام هو النور والهدى والشرع الذي يميز به ما ينفعه وما يضره. وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس، فإن ذلك تدركه البهائم العجم التي تميز بين الشعير والتراب، بل المراد التمييز بين الأفعال التي تنفع صاحبها في معاشه ومعاده كنفع الإيمان والتوحيد، والعدل والإحسان، والأمانة والصدق، وأداء الحقوق، والبر وصلة الأرحام، وتقوى الله، والتوكل عليه، وطاعته، وطاعة رسوله، ونحو ذلك. وكذلك التمييز بين الأفعال التي تضر صاحبها في الدنيا والآخرة كضرر الكفر والشرك، والظلم والإساءة، والإثم والعدوان، والكذب والخيانة، والبغي والفجور، ونحو ذلك. والإسلام هو النور الذي يهتدي به الإنسان إلى ما ينفعه، ولولا الإسلام لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد. فالإسلام أعظم نعم الله على خلقه، والهداية إليه نعمة ثانية فوقها، والإعانة على القيام به نعمة ثالثة فوقها، ومحبته والفرح به نعمة رابعة فوقها، والحصول على ثوابه يوم القيامة نعمة فوق ذلك كله. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ

رَحِيمٌ (3)} [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} [النساء:170]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البيِّنة: 7 - 8]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البيِّنة:6]. - أعمال الإسلام والإيمان: أعمال الإسلام تتعلق بالجوارح قولاً وفعلاً. وأعمال الإيمان تتعلق بالقلوب تصديقاً وإيماناً ومحبة ونحو ذلك. وأعمال القلوب والجوارح كلاهما مطلوب، فالأول أساس للثاني، والثاني شرط لقبول الأول. وإنما خص الله أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فلولا باعث القلب لما تحرك الجسد بالطاعة أو المعصية، كما قال سبحانه: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)} [العاديات:10]. ولذلك جعل الله القلوب الأصل في الذم كما قال سبحانه: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} [البقرة:283].

وجعلها الأصل في المدح كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} [الأنفال:2]. - فقه خلق الإنسان: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعله مركباً من ثلاثة أشياء: جسداً مادياً .. ونفساً حيوانياً .. وروحاً ملكياً. فجسد الإنسان يخلقه الله في بطن الأم، وفي نفس الإنسان بحار الشهوات، وفي روح الإنسان بحار الطاعات، والجسد مطية للغالب منهما. والله سبحانه خلق الدنيا لقضاء حاجات الإنسان، لا لإكمال شهواته؛ لأن محل تكميل الشهوات كلها في الجنة. والله يريد تكميل محبوباته في الدنيا، والنفس تريد تكميل محبوباتها في الدنيا. والشهوات والطاعات ليس لها حد. وأوامر الدين كلها في مقابل شهوات النفس. فالإنسان إما أن يترك الشهوات بسبب الطاعات، أو يترك الطاعات بسبب الشهوات، ولا يمكن الجمع بينهما، كما لا يمكن الجمع بين الماء والنار. فالطاعات من الرب .. والشهوات من النفس .. والإنسان إما أن يكون عبداً للرب .. أو عبداً للنفس، والله سبحانه يريد من الإنسان في الدنيا تكميل الإيمان والطاعات، وقضاء حاجته الضرورية من الأكل والشرب.

والشيطان ثَقَّل على الناس الطاعات، وزين لهم الشهوات، فجعل الشهوات ضرورات، وأقعدهم عن الطاعات. 1 - قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)} [مريم:59 - 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء:27 - 28]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. - حقيقة الإنسان: الجسد علبة الإنسان وظرفه، والروح حقيقة الإنسان، فالجسد إذا كان فارغاً من الروح فلا قيمة له، ولا عمل له، ولذلك يدفن في التراب الذي خلقه الله منه. وإذا كانت الروح فيه، فهذا الجسد له قيمة، ولذلك يكون زوجاً وأباً، وعالماً وعابداً، وملكاً ووزيراً، وتاجراً وصانعاً، فإذا خرج صاحب الجسد صار الجسد لا قيمة له، ولذلك يتعفن في الحال. والدنيا إناء للدين، فلا قيمة للدنيا إلا بالدين، ولا قيمة للإنسان إلا بالدين، فإذا ترك الإنسان الدين صار لا قيمة له في الدنيا ولا في الآخرة.

1 - قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام:122]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة: 18 - 20]. - حياة الإنسان في الدنيا والآخرة: أعطى الله عز وجل كل إنسان عقلاً يميز به بين ما ينفعه وما يضره، فإذا لم يستعمله فإنه يضل ويشقى في الدنيا والآخرة، وتكون حياته شراً من البهائم وأضل كما قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف:179]. فالعقل والفكر طاقة جبارة، ونعمة عظيمة، أعطانا الله إياها، لنتعرف بها على الخالق، ونحقق له العبودية. وكل إنسان له حياتان: حياة في الدنيا تنتهي في أي لحظة .. وحياة في الآخرة تبدأ في أي لحظة. فالأولى كالقطرة، والثانية كالبحر. والأولى لها بداية ونهاية، والثانية لها بداية ولا نهاية لها. وإذا عملنا في الدنيا بالدين أصلح الله دنيانا وأخرانا.

وإذا اشتغلنا في الدنيا بالشهوات عن الطاعات فسدت دنيانا وأخرانا. وإذا كانت الدنيا بالنسبة للآخرة كالقطرة بالنسبة للبحر، فجدير بالعاقل أن يكون مسلماً ليسعد في الدنيا والآخرة. يكمِّل محبوبات ربه .. ويؤثر ما يبقى على ما يفنى .. ويزهد في كل ما يشغله عن ربه .. ويرغب في البحر عن القطرة .. ويقضي حياته مقتدياً بمن أرسله الله رحمة الله للعالمين. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام:104]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء: 77]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. - حكم أعمال الكافر قبل الإسلام: 1 - إذا أسلم الكافر ثم أحسن فالسيئات تُغفر له، وإن أساء أُخذ بالأول والآخر. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال:38]. 2 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الجَاهِلِيَّةِ؟ قال: «مَنْ أحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أسَاءَ فِي الإِسْلامِ أخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6921)، ومسلم برقم (120).

2 - وأعمال الخير يثاب عليها سواء كانت قبل الإسلام أو بعده. عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أرَأيْتَ أمُوراً كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أسْلَمْتَ عَلَى مَا أسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436) ومسلم برقم (123) واللفظ له.

3 - الإيمان

3 - الإيمان - الإيمان: هو تصديق القلب بالغيب. وهو أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. فالله غيب .. وملائكته غيب .. وكتبه غيب .. ورسله غيب .. والآخرة غيب .. والقدر غيب. - فقه الإيمان بالغيب: الله عز وجل عالم الغيب والشهادة. فعالَم الشهادة مكشوف للإنسان والحيوان. وعالَم الغيب مستور عن الإنسان والحيوان. وعالم الغيب أكبر من عالم الشهادة، بل عالم الشهادة بالنسبة لعالم الغيب كالذرة بالنسبة للجبل. وعالم الغيب يصدق به المسلم، ويكذب به الكافر. فيؤمن به المسلم ولم يره، ولكن دلائله وبراهينه وشواهده موجودة ومعلومة بالحس والعقل وأخبار الرسل. والغيب كله لا يعلمه إلا الله وحده، وقد كشف الله منه ما شاء، وستر ما شاء، وأطلع بعض عباده على ما شاء منه. وقد أظهر الله من عالم الغيب أشياء، وأخفى أشياء:

أظهر سبحانه المخلوقات .. وأخفى نفسه. وأظهر الدنيا .. وأخفى الآخرة. وأظهر الأعمال .. وأخفى النيات. وأظهر سنته .. وأخفى قدرته. وأظهر الأبدان .. وأخفى الأرواح. فالتصديق بالغيب هو الذي يميز المؤمن من الكافر. 1 - قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)} [النحل:77]. 3 - وقال الله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة: 1 - 5]. - شعب الإيمان: الإيمان قول باللسان .. وتصديق بالجنان .. وعمل بالجوارح. وشعب الإيمان كثيرة: منها ما يتعلق باللسان .. ومنها ما يتعلق بالقلب .. ومنها ما يتعلق بالجوارح. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ

شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (¬1). - من خصال الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177]. 2 - حب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (¬2). 3 - حب المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» أخرجه مسلم (¬3). 4 - حب الأنصار: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ» متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (35). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44). (¬3) أخرجه مسلم برقم (54). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74).

5 - حب المسلمين: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ (أوْ قال لأَخِيهِ) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه (¬1). 6 - إكرام الجار والضيف والصمت إلا من خير: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» متفق عليه (¬2). 7 - النصيحة: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه مسلم (¬3). 8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (¬4). - فضل الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (55). (¬4) أخرجه مسلم برقم (49).

الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64]. 2 - وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟. قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه (¬1). - كمال الإيمان: المحبة التامة لله عز وجل مبنية على كمال معرفته. ومحبته سبحانه تستلزم وجود محبوباته ومحبتها. فإذا كان حب العبد لله، وبغضه لله، وهما عمل قلبه، وعطاؤه لله، ومنعه لله، وهما عمل بدنه، دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل. وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول .. والجهاد في سبيل الله. وحقيقة الجهاد بذل الجهد في حصول ما يحبه الله، وفي دفع ما يكره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).

وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. - قوة الإيمان: الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها. وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه. وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها. وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله. وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض. ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله. فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ». فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ

مَنْزِلَةً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]» أخرجه مسلم (¬2). والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة. فنوح - صلى الله عليه وسلم - دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 9 - 15]. وهود - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما قال سبحانه: {وَأَمَّا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6571) واللفظ له، ومسلم برقم (186). (¬2) أخرجه مسلم برقم (189).

عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 6 - 8]. وصالح - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} [هود: 66 - 68]. وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء:68 - 71]. ولوط - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود:82 - 83]. وشعيب - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} [هود: 94 - 95]. وموسى - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ

سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} [الذاريات:38 - 40]. هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار. وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي: 1 - قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} [الأنبياء:76]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 4 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:89 - 90]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} [الأنبياء:91]. فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}

[الأحزاب:21]. - قوة المؤمن: المؤمن قوته في قلبه، وضعفه في جسمه، والكافر والمنافق قوته في جسمه، وضعفه في قلبه. فالمؤمن يصدِّق بالحق ويحبه ويعمل به، فكل ما يظهر على البدن من الأعمال الصالحة سببه ما في القلب من الإيمان، والنور، والحياة، وكل من القلب والبدن يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل ينمو ويقوى بفرعه كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم:24 - 26]. والإيمان أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده. وكلما قوي إيمان المسلم زادت أعماله الصالحة وكثرت وتنوعت وحسنت .. ثم رضي الله عنه .. فأسعده في الدنيا بما يقربه إلى ربه ثم أدخله الجنة في الآخرة دار السلام والخلود. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ

بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. - حقيقة الإيمان: كل شيء له ثلاث درجات. لفظ .. وصورة .. وحقيقة. فلفظ الفرس سهل على اللسان أن يقوله، وصورة الفرس سهل أن نشتريها بهللة، لكن حقيقة الفرس ثمنها غال لا نحصل عليه إلا بجهد. وكذا لفظ الإيمان، سهل أن يقول الإنسان آمنت بالله، وقد يقوله بلسانه دون قلبه كالمنافق الذي يأتي بصورة العمل فهذه صورة الإيمان. أما حقيقة الإيمان فتظهر في ثلاثة أماكن بصفة دائمة: قول باللسان .. وتصديق بالقلب .. وعمل بالجوارح. وعلاماتها وثمراتها: وجل القلب عند ذكر الله .. والطمأنينة بذكره .. ومحبة كلامه وشرعه .. وطاعة الله ورسوله .. والإنابة إلى دار الخلود .. والتجافي عن دار الغرور .. والاستعداد للموت قبل نزوله .. والتوجه إلى الله في جميع الأحوال .. وعدم الالتفات إلى ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. - درجات الإيمان: الإيمان له شعب وأركان ودرجات وعلامات. وبحسب معرفة المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان وشعبه، يتأثر قلب الإنسان، وتستقر حقيقة الإيمان في قلبه. فيتذوق طعم الإيمان، ويحس بحلاوته. والإيمان له ثلاث درجات: حقيقة .. وطعم .. وحلاوة. 1 - فحقيقة الإيمان تحصل لمن قام بالدين، وقام بجهد الدين عبادة ودعوة، وبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيع. ولا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وطعم الإيمان يحصل بتجاوز المخلوقات إلى الخالق، وتجاوز الصور إلى المصور، والاستغناء بالله عما سواه. عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وحلاوة الإيمان تحصل بكمال حب الله، وحب من يحب الله، وحب ما يحبه الله، والإكثار من الطاعات، وذكر فضله وإحسانه إليه بنعمة الإسلام. فيرى الخلائق كلها، والأمور كلها بيد الله، وما سواه ليس بيده شيء. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» متفق عليه (¬2). - أقسام المؤمنين: المؤمنون ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات. فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان من الأعمال هو الظالم لنفسه. والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب، وترك المحرم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (34). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).

والسابق بالخيرات هو المحسن الذي فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وعبد الله كأنه يراه. فهذا بأرفع المنازل. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر:32]. - تفاضل أهل الإيمان: المؤمنون متفاضلون في الإيمان بحسب المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وخزائنه، وبحسب معرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما هم متفاوتون فيما يشاهدون ويسمعون، وهم درجات. وكذلك هم يتفاوتون في العلم والإرادة والعمل. فمن كان أكثر ذكراً ومحبة وعبادة لله كان إيمانه أقوى، وإن كان لغيره من العلم بالأسماء والصفات ما ليس له. وكذلك هم متفاضلون في أعمال القلوب والجوارح بحسب معرفتهم بأركان الإيمان وأمور الغيب. وكذلك منازل المؤمنين في الجنة متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم وأعمالهم وأخلاقهم. وكل مسلم عليه أن يقوم بما قدر عليه من أعمال الخير، لكن لا بد من الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة. وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم العبد ما كان أرضى لله، وما كان نفعه أكثر،

وما يفوت وقته، وما هو عليه أقدر. فيقدم ما هو أنفع له وهو في حقه أفضل. ولا يطلب ما هو الأفضل مطلقاً إذا كان متعذراً في حقه أو متعسراً يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فهذا الذكر أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه، بل على وجه ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له. ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. 1 - قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء:21]. 2 - وقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزمل: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:134]. - زيادة الإيمان: الخلق بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام: الأول: الملائكة، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص ولا يتغير، وليس لهم معاص: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا

يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. وليس لهم شهوات تصرفهم عن العمل بموجب الإيمان فهم: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20]. الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم يزيد ولا ينقص. فهم أفضل الخلق إيماناً وعلماً وعملاً وأخلاقاً، اصطفاهم الله، وعلَّمهم، وأرسلهم إلى خلقه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} [الأنعام:89]. الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل، وإيمانهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح:4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57) واللفظ له.

4 - أركان الإيمان

4 - أركان الإيمان - أركان الإيمان أركان الإيمان ستة وهي: الإيمان بالله .. وملائكته .. وكتبه .. ورسله .. واليوم الآخر .. والقدر خيره وشره. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ (177)} [البقرة: 177]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

1 - الإيمان بالله

1 - الإيمان بالله - الإيمان بالله: هو التصديق بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. - أركان الإيمان بالله: أركان الإيمان بالله أربعة: الأول: الإيمان بوجود الله، ويدل على ذلك أمور: 1 - أن الله قد فطر كل مخلوق على الإيمان بخالقه. قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم:30]. 2 - ودل العقل على أن لهذا الكون خالقاً. فهذه المخلوقات لم تخلق نفسها، ولا وجدت صدفة، فتعين أن يكون لها خالق خلقها، وهو الله رب العالمين. قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)} [الطور: 35 - 36]. 3 - ودل الحس على وجود الله سبحانه. فتقليب الليل والنهار، وخَلْق المخلوقات، وتدبير الكائنات، ورِزْق الإنسان والحيوان، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على وجود رب قادر حكيم عليم. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ

أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس: 31 - 32]. 4 - إجابة الداعين، وإعطاء السائلين، وإغاثة المكروبين، كل ذلك يدل على وجود رب سميع قادر كريم. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال:9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء:87]. 5 - تأييد الأنبياء، والرسل بآيات ومعجزات رآها الناس، أو سمعوا بها، وهي أمور خارجة عن قدرة البشر يؤيد الله بها رسله، وهذا برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله جل جلاله. ومن ذلك: أن الله جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .. وفلق البحر والحجر لموسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأحيا الموتى لعيسى - صلى الله عليه وسلم - .. وشق القمر لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)} [الشعراء: 67 - 68].

6 - ودل الشرع على وجود الله سبحانه. فالأحكام الشرعية المتضمنة لمصالح العباد، والتي أنزلها عز وجل في كتبه على أنبيائه ورسله، دليل قاطع على أنها من رب حكيم قادر، عليم بمصالح عباده. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. الثاني: الإيمان بأن الله هو الرب وحده لا شريك له. والرب هو الملك الذي له الخلق والأمر في الكون كله. فلا خالق إلا الله .. ولا مالك إلا الله .. والأمر كله لله. 1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [المُلك:1]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران: 26 - 27]. - معرفة الرب: 1 - الله عز وجل هو العليم بكل شيء .. عالم الغيب والشهادة .. يعلم ما في السماوات وما في الأرض .. ويعلم مثاقيل الجبال .. ويعلم مكاييل البحار .. ويعلم عدد قطر الأمطار .. ويعلم عدد ذرات الرمال .. ويعلم عدد ورق

الأشجار، ويعلم بكل ما في العالم العلوي .. ويعلم بكل ما في العالم السفلي .. ويعلم ما في البر والبحر والجو كما قال سبحانه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 2 - والله جل جلاله هو العظيم وحده لا شريك له، وهو الواحد القهار، الكبير المتعال، خلق الخلائق بإرادته، وقهر المخلوقات بقوته، وأمسك السماء بقدرته، ودحا الأرض بمشيئته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وهو سبحانه القوي العزيز الجبار المتكبر، الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت الأصوات لهيبته، وذل كل مخلوق لقوته وجبروته. وهو المَلِك الذي بيده المُلك .. القوي الذي بيده القوة .. الغني الذي بيده كل شيء، وعنده خزائن كل شيء .. الرزاق الذي بيده الرزق. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 3 - والله جل جلاله هو الكريم الذي قدر فعفا، وعاهد ووفّى، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى. يعطي من يطيعه ويعصيه .. ومن سأله ومن لم يسأله .. ويعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهو الغني وحده، وكل ما سواه فقير إليه.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15]. 4 - والله سبحانه هو القادر على كل شيء. أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، الخلائق كلها في قبضته، والأمور كلها بيده، هو القادر وحده، وكل ما سواه عاجز. قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. 5 - والله سبحانه هو الخالق الذي خلق كل شيء، ولا يعجزه شيء، يستوي عنده خلق الكبير والصغير، والجبل والذرة، والبحر والقطرة. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر:62 - 63]. 6 - والله جل جلاله كل يوم هو في شأن. يدبر الأمر .. ويرسل الرياح .. ويرسل الصواعق .. وينزل الغيث .. ويحي الأرض بعد موتها .. ويحيي ويميت .. يعز من يشاء .. ويذل من يشاء .. ويهدي من يشاء .. ويضل من يشاء .. ويعطي ويمنع .. ويرفع ويخفض. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة:164]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران:26 - 27]. 7 - والله وحده عنده خزائن كل شيء، ويملك خزائن كل شيء، فكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله. خزائن السماوات .. وخزائن الأرض .. وخزائن الرياح .. وخزائن المياه .. وخزائن النبات .. وخزائن الحيوان .. وخزائن التراب .. وخزائن المعادن .. وخزائن العذاب .. وخزائن الرحمة .. وخزائن الهداية .. وخزائن القوة .. وخزائن العزة. فكل هذه الخزائن وغيرها عند الله .. وبيد الله .. وملك لله. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون: 7]. 8 - إذا علمنا ذلك كله، وتيقنا على كمال قدرة الله، وكمال عظمة الله، وكمال علم الله، وكمال قوة الله، وكمال كبرياء الله، وكمال رحمة الله، وكمال كرم الله، وعظمة خزائن الله، عرفنا ربنا بأسمائه وصفاته، وأنه وحده له الأسماء الحسنى، والصفات العلا. فإذا حصلت هذه المعرفة بالله وأسمائه وصفاته أقبلت القلوب إليه ..

وانشرحت الصدور لعبادته .. وانقادت الجوارح لطاعته .. ولهجت الألسن بذكره .. واجتمعت الألسن والقلوب على تكبيره وتوحيده وتسبيحه وحمده. فلا تسأل إلا إياه، ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تحب إلا هو، ولا تخاف إلا منه، ولا تعبد إلا إياه. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة:21 - 22]. الثالث: الإيمان بألوهية الله سبحانه. 1 - فنعلم ونتيقن أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه. فنعبده وحده بما شرع، مع كمال الحب له، وكمال التعظيم له، وكمال الذل له. قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة:163]. 2 - ونعلم ونتيقن أن الله كما أنه واحد في ربوبيته لا شريك له، فكذلك هو واحد في ألوهيته لا شريك له. فنوحده في الخلق والأمر، ونوحده في الطاعة والعبادة.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} ... [يونس:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. 3 - ونعلم ونتيقن أن الله وحده هو المعبود الحق، وأن كل معبود من دون الله فألوهيته باطلة، وعبادته باطلة. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج:62]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)} [العنكبوت:17]. الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته. ويتضمن ذلك أموراً: 1 - فهمها، وحفظها، والتصديق بها، والعمل بمقتضاها، والتعبد لله بها. فمعرفة أسماء وصفات العظمة لله والكبرياء والمجد والجلال تملأ القلوب هيبة لله، وخشية منه، وتعظيماً له. ومعرفة أسماء وصفات العزة والقدرة والجبروت تملأ القلوب ذلاً وخضوعاً وانكساراً بين يدي ربها. ومعرفة أسماء وصفات الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة

وطمعاً في فضل الله وإحسانه وجوده. ومعرفة أسماء وصفات العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في حركاته وسكناته. ومجموع هذه الأسماء والصفات تقود العبد إلى ربه، وتجذبه إليه، وتوجب له محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، والتوكل عليه، والاستعانة به، والخوف منه، والرجاء له، والثناء عليه، والحمد له، والتقرب إليه، وعبادته وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. 2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وندعوه بها. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق عليه (¬1). 3 - أن نثبت لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677).

ونؤمن بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والآثار: فنؤمن بأن الله (رحيم) وأنه ذو رحمة، وأنه يرحم من يشاء، وهكذا في بقية الأسماء والصفات. ونثبت لله الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. فكما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك أسماؤه وصفاته لا تشبه أسماء وصفات الخلق كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:1 - 4]. 4 - أسماء الله من حيث الحكم تنقسم إلى قسمين: الأول: ما لا يصح إطلاقه إلا على الله كالخالق، والله ونحوهما. الثاني: ما يصح إطلاقه على الله وعلى المخلوق، ولكلٍ حكمه، وهي الأسماء المشتركة كالحكيم والعليم والعلي والرحيم ونحوها. 5 - الصفات أوسع من الأسماء، والأفعال أوسع من الصفات، ولهذا وصف الله نفسه بصفات ولم يتسم بها، وأطلق على نفسه أفعالاً لم يتسم بها مثل (يريد، ويشاء، ويُحدث) ولم يسم نفسه بالمريد والشائي والمحدث. كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه ولم يسمّ نفسه بها مثل (يمكر، ويستهزئ، وفتن) ونحوها. وأسماء الله كلها حسنى تدل على المدح، وكل اسم ينقسم إلى كامل وناقص فلا يدخل في أسمائه الحسنى، وإن كان يوصف الله به كالمريد والمتكلم،

فالله يريد ويتكلم، لكن لا يسمى بذلك. 6 - الفرق بين الأسماء والصفات بما يلي: 1 - الصفات مشتقة من الأسماء، فكل اسم يؤخذ منه صفة كالرحمة من الرحيم، والقوة من القوي، والعلم من العليم. 2 - أسماء الله كلها دالة على ذاته. وصفاته نوعان: ذاتية كالحياة والعلم والقدرة، وفعلية كالمجيء، والنزول. 3 - التعبيد في أسماء المخلوقين في الأسماء في لا في الصفات، فيقال عبد الله، ولا يقال عبد العلم، أو عبد الوجه. 7 - وصفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: 1 - الصفات الثبوتية، وهي كل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من صفات الكمال كالحياة، والعلم، والقدرة، والرحمة، والنزول، والاستواء ونحو ذلك كالوجه، واليدين. 2 - الصفات السلبية، وهي كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله من صفات النقص كالموت، والنوم، والعجز، والتعب، والجهل، والنسيان، والغفلة، والظلم ونحو ذلك. فهذه الصفات يجب نفيها عن الله عز وجل، وإثبات ضدها على الوجه الأكمل، والصفات الثبوتية أكثر بكثير من الصفات السلبية. وكل ما نفاه الله عن نفسه فالمراد به إثبات كمال ضده كما قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (58)} [الفرقان: 58].

8 - وصفات الله عز وجل نوعان: 1 - صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الذات، ولا يزال الله متصفاً بها، وهي نوعان: 1 - صفات معنوية كالحياة، والعلم، والقدرة، والحكمة ونحوها. 2 - صفات خبرية كالوجه، والعينين، واليدين، والقدمين. فهذه الصفات كلها ملازمة للذات، لا تنفك عنها أبداً. 2 - صفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وهي نوعان: 1 - صفات لها سبب معلوم مثل الرضا، والسخط، والحب، والكره ونحو ذلك، فإذا وُجد سبب الرضا رضي سبحانه، وإذا وُجد سبب السخط سخط سبحانه. 2 - صفات ليس لها سبب معلوم كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر. ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الله يتكلم متى شاء. 9 - وأسماء الله وصفاته وأفعاله مطلقة في الكمال والحسن، لا تناهى ولا تنقطع بآخِر، ولا تُحدّ بأول كعلمِه، وقدرته، وحلمه، ورحمته، وسائر صفاته. 10 - وأسماء الله عز وجل نوعان: 1 - منها ما يطلق على الله مفرداً أو مقترناً بغيره، وهو غالب أسماء الله عز وجل كالعزيز والحكيم، والسميع والبصير ونحو ذلك، فتقول مثلاً: سبحان العزيز، أو تقول: سبحان العزيز الرحيم.

2 - ومنها ما لا يطلق على الله بمفرده، بل مقروناً بمقابله كالمعطي المانع، والنافع الضار، والمعز المذل، ونحو ذلك فهذه أسماء مزدوجة تجري مجرى الاسم الواحد؛ لأنه يراد بها الرب المتفرد بالخلق والأمر. - كيفية الإلحاد في أسماء الله: الإلحاد في أسماء الله عز وجل هو العدول بها عن الحق الذي ثبت لها. والإلحاد في أسماء الله أنواع: 1 - تسمية الأصنام بها كتسمية الكفار اللات من الله، والعزى من العزيز. 2 - نسبة الله تعالى إلى ما لا يليق بجلاله كنسبة النصارى له ابناً هو المسيح، ونسبة اليهود له ابناً هو العزير. 3 - وصفه سبحانه بما يتقدس عنه من النقائص كقول اليهود إن الله فقير، وأن يد الله مغلولة، لعنهم الله بما قالوا. 4 - تعطيل أسماء الله عز وجل عن معانيها كقول الملاحدة إن الله سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. 5 - تشبيه صفات الله بصفات خلقه كقول الملاحدة إن أسماء الله وصفاته كأسماء المخلوقين وصفاتهم. وكل ذلك كفر موجب للخلود في النار. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} [فُصِّلَت:40].

1 - أسماء الله الحسنى

1 - أسماء الله الحسنى - عدد أسماء الله الحسنى: العلم بالله وأسمائه وصفاته من أشرف العلوم وأعظمها وأوجبها، وأسماء الله عز جل كلها حسنى، ولهذا أمرنا الله بالتعبد بها. وأسماء الله جل جلاله كثيرة لا يحصيها إلا الله. منها ما تفرد الله بعلمه .. ومنها ما علّمه الله بعض خلقه .. ومنها ما بينه الله في كتابه، أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف:180]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِائَةً إِلا وَاحِداً، مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي» أخرجه أحمد (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7392)، ومسلم برقم (2677). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4318)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (199).

أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن والسنة الله: وهو المألوه المعبود الذي تألهه الخلائق، وتحبه وتعظمه، وتخضع له، وتفزع إليه، المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الجلال والجمال والكمال. وهذا الاسم دال على جميع الأسماء الحسنى، ومستلزم لها، ولهذا يضيفها إليه. وهو الإله: الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه، وتفزع جميع الخلائق إليه لكمال غناه، وتطمئن القلوب بذكره، وتسكن إليه. وهو الرحمان: الذي وسعت رحمته كل شيء، ذو الرحمة الواسعة التي عمت كل شيء، الذي يرحم خلقه في كل وقت وآن. وهو الرحيم: الذي يستحق أن يؤله ويعبد، الذي يرحم برحمته جميع خلقه، فهو الرحمان الذي عم برحمته الواسعة جميع خلقه. وهو الأول: الذي ليس قبله شيء، والذي ابتدأ خلق كل شيء، الذي بلغ الكمال في أسمائه وصفاته. وهو الآخر: الذي ليس بعده شيء، وليس وراءه شيء يقصد، الذي إليه يرجع الأمر كله. وهو الملك: الذي ملك الخلائق كلها، بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، المَلك النافذ أمره في ملكه. وهو المالك: الذي يملك كل شيء، فكل مخلوق مملوك له، مالك الملك في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة.

وهو المليك: الرحيم الكريم القادر، ذو الفضل والإحسان الدائم على من اتقاه وأطاعه. الملك الذي ملك الممالك، وملك الملوك، وملك ما يملكون كله؛ لأنه الذي خلقهم، وملَّكهم ما هم فيه. وهو القدوس: الذي تنزه عن العيوب والنقائص، الممدوح بالفضائل والمحاسن، المنزه عن الأولاد والأنداد والنقائص. وهو السلام: الذي سلم من كل عيب وآفة ونقص وذم، لكمال ذاته وأسمائه وصفاته، السلام الذي سلمت حياته من الموت، وسلم علمه من النقص، وسلم الخلق من ظلمه فلا يظلم أحداً. وهو المؤمن: الذي أثنى على نفسه بكل حمد، المصدق لنفسه ولرسله فيما بلغوه عنه، الذي أمن خلقه من أن يظلمهم، خلق الأمن ومنّ به على من شاء من عباده. وهو المهيمن: الشاهد على خلقه بما يصدر منهم، العالم بجميع ما في الكون، المهيمن العلي على جميع خلقه، الخالق المهيمن على كل مخلوق. وهو العزيز: الذي لا يُرام جنابه، القاهر الذي لا يُغلب، القوي الذي خضعت له المخلوقات، الجبار الذي لا يُنال جنابه لكمال عزته وعظمته وجبروته وكبريائه، وله العزة جميعاً. وهو الجبار: العالي على خلقه، القاهر لهم على ما أراد، ذو الجبروت والعظمة، الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب الرزق، الرحيم الذي جبر القلوب المنكسرة. وهو المتكبر: الذي تكبر عن ظلم خلقه، وتكبر عن كل سوء وشر، وتكبر

بأسمائه وصفاته فلا شيء مثله، وتكبر عن صفات الخلق فلا شيء مثله. وهو الكبير: الذي له الملك والعظمة والسلطان، الكبير العظيم الذي كل شيء دون جلاله صغير، وله الكبرياء في السماوات والأرض. وهو الخالق: الذي خلق المخلوقات كلها على غير مثال سابق، وأحكم الخلق وأتقنه، فلا يستطيع أحد أن يخلق مثله. خلق السماوات والأرض، وخلق الإنس والجن، وخلق الليل والنهار، وخلق الدنيا والآخرة. وهو الخلاق: الذي خلق كل شيء، ويخلق كل يوم، بل كل لحظة ما يشاء، بأي قدر شاء، في أي وقت شاء، من أي نوع شاء، من الذرات والنبات والحيوان وغيرها. وهو البارئ: الذي برأ الخلق كلهم، وأوجدهم على غير مثال سابق، وميز بعضهم من بعض، وجعلهم أبرياء، فخلقه كله مستو مستقيم محكم متقن. وهو المصور: الذي خلق الخلق، وصورهم على صور مختلفة في الحجم واللون والشكل والطول والحُسن، الذي أحسن كل شيء خلقه، يصور خلقه على ما يشاء، ويختار بعلمه وحكمته. وهو البديع: الذي بدع الخلق وبدأه وفطره على غير مثال سابق، خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض وما فيهن، الذي خلق كل شيء وأبدعه في غاية الحسن والجمال. وهو البَرّ: الذي عم جميع خلقه بعطائه، الرحيم بعباده، المحسن إليهم، العطوف عليهم، المصلح لأحوالهم في الدين والدنيا والآخرة. وهو البصير: الذي يبصر كل شيء، فلا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا

في السماء، العليم بحاجات الخلق، البصير بأفعال العباد، العالم بخفيات الأمور، الذي يبصر المستور والمنظور. وهو التواب: الذي يحب التوبة من عباده ويقبلها، الذي كلما تكررت التوبة من العبد تكرر منه القبول، الذي يتوب على كل من تاب إليه وأناب. وهو الجميل: الذي خلق الجمال في كل جميل، الجميل بذاته وأسمائه وصفاته، الذي كل جمال في الكون من جماله، الذي تجمل وتكرم بالخير على عباده. وهو الحكيم: الذي يضع الأشياء في محالها، الحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل ولا نقص، الحكيم في أقواله وأفعاله. وهو الحَكَم: الذي لا حَكَم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه، الذي سَلِم له الحُكم، ورُدّ إليه فيه الأمر. وهو الحاكم: الذي يحكم بين عباده بالعدل، أحكم الحاكمين الذي لا يجور ولا يظلم أحداً، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وهو الحافظ: الذي تكفل بحفظ الخلائق كلها، الذي يحفظ السماوات والأرض وما فيهن بلا كلفة ولا مشقة، الحافظ لأعمال العباد وأقوالهم، الحافظ للخلائق من المعاطب والمهالك. وهو الحفيظ: الذي حفظ جميع ما خلقه، وأحاط علمه بما أوجده، الذي حفظ السماء أن تقع على الأرض، والذي يعلم كل شيء، ولا يغيب عنه شيء، ويحفظ أولياءه من الوقوع في الذنوب. وهو الحاسب: الذي حفظ أعمال خلقه كلهم، المحاسب لهم عليها، المجازي عباده بأعمالهم دقيقها وجليلها.

وهو الحسيب: الكافي عباده، الذي لا غنى لهم عنه أبداً. فهو خالقهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة. الذي أحصى كل شيء عدداً، فلا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وهو الحق: الملك الحق الذي لا إله غيره، فلا يسع أحد إنكاره ولا جحوده، هو الحق، وقوله الحق، وفعله حق، ودينه الحق، وكل شيء نَسَبه إليه فهو حق. وهو الحليم: الذي يدر على خلقه صنوف النعم مع معاصيهم، ويمهلهم ليتوبوا، ولا يعاجلهم بالعقوبة لينيبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فوراً؛ لأنه الحليم الرحيم بعباده، الحكيم الحليم الذي يضع الأمور مواضعها. وهو الحميد: الذي يستحق الحمد كله، المحمود على أسمائه وصفاته، وعلى أقواله وأفعاله، وعلى إحسانه وشرعه وقدره، الذي يحمد خلقه المؤمنين، ويشكرهم على القليل من العمل. وهو الحي: القيوم الدائم الباقي، الحي الذي لا يموت أبداً، الذي يخلق من الأحياء ما لا يحصيه إلا هو، والذي خلق الحياة في كل حي. وهو الحيي: الذي يترك كل ما لا يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه. وهو الخبير: الذي يعلم بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أمور خلقه من متحرك وساكن، وناطق وصامت، وصغير وكبير. وهو الرازق: الذي خلق الأرزاق، وأوصلها إلى خلقه، وتكفل بأرزاق الخلائق كلها.

وهو الرزاق: الذي وسع الخلق كلهم برزقه، الذي يرزق جميع خلقه بلا كلفة ولا مشقة، خالق الأرزاق ومالكها ومعطيها، يصرفها ويقسمها على الخلائق كيف شاء حسب علمه وحكمته. وهو الرؤوف: الذي يرحم عباده، ويلطف بهم، وييسر أمورهم ويعفو عن سيئاتهم. وهو الرب: الذي له الملك والخلق والأمر وحده لا شريك له، والذي يربي جميع خلقه بأصناف النعم، المصلح أحوال خلقه بما أسبغ عليهم من وافر النعم. فكل شيء خَلْقه، وكل مخلوق عَبْده، وهو ربه الذي لا يصلح إلا بتدبيره، ولا يقوم إلا بأمره، ولا يبقى إلا بإذنه. وهو الرفيق: الذي يسهل الأمور، وييسر لعباده أسباب الخير كلها، الحليم الذي لا يَعْجل بعقوبة العصاة لعلهم يتوبون. وهو الرقيب: الذي يراقب الخلائق في كل حال، القائم على كل نفس بما كسبت، الحافظ الذي لا يغفل، ولا يغيب عما يحفظه، الذي يراقب جميع أفعال الخلق وأقوالهم، وما يجول في خواطرهم. وهو السُّبُّوح: الذي يسبحه ويقدسه كل خلقه، الذي كمل في أسمائه وصفاته وأفعاله، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء، الذي تنزه عن الشريك وكل ما لا يليق بجلاله. وهو السِّتِّير: الذي يعلم بجميع أحوال خلقه، ويستر عليهم الكثير من العيوب والقبائح، ولا يفضحهم في المشاهد. وهو السميع: الذي وسع سمعه الأصوات على اختلاف الألسن واللغات

والحاجات، لا يَشْغله سمع عن سمع، ولا يعزب عن سمعه مسموع وإن دق، يسمع السر والنجوى، ويستوي عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت. وهو السيد: الذي كمل في سؤدده، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا، الذي حُقت له السيادة؛ لأنه الملك الذي له الخلق والأمر، وكل الخلائق مفتقرة إليه. وهو الشافي: الذي يشفي خلقه من كل آفة وعاهة ومرض، يشفي الأبدان من الأمراض، ويشفي القلوب من الشبه والشكوك. خلق الداء والدواء، ومَلَكَ الشفاء وحده لا شريك له. وهو الشاكر: الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويشكر من شكره ويزيده. وهو الشكور: الذي تفضل على عباده بالنعم، ورضي منهم بالشكر، الذي يشكر اليسير من الطاعة، ويثيب عليها الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعم، ويرضى باليسير من الشكر. وهو الشهيد: المطَّلع على كل شيء، الذي أحاط علمه بكل شيء، الذي شهد على عباده بما عملوا، القريب من خلقه، الذي يراهم جميعاً في آن واحد، ولا يعزب عنه منهم مثقال ذرة. وهو الصمد: الذي بلغ الكمال في سؤدده وعظمته وجوده، الذي صمد لجميع حوائج الخلق، والذي تصمد الخلائق إليه في حوائجها، السيد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر. وهو الطيب: الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، المنزه عن النقائص

والعيوب، والشر والسوء. وهو الظاهر: الذي ظهر وغلب وقهر جميع المخلوقات، الذي ظهر فوق كل شيء، الذي ظهر بالدلائل الدالة عليه، وأفعاله المؤدية إلى العلم به. وهو الباطن: الذي احتجب عن أبصار الخلق، الذي لا يراه أحد في الدنيا، ويراه المؤمنون في الآخرة، لكنهم لا يدركون ولا يحيطون به؛ لكمال عظمته وكبريائه، الذي يعلم ببواطن الأمور وظواهرها فلا يخفى عليه شيء. وهو العليم: الذي يعلم كل شيء، أحاط علمه بالعالم العلوي، والعالم السفلي، وبالظاهر والباطن، فلا تخفى عليه خافية. وهو العالم بكل ما كان، وما يكون، وما سيكون، العالم بالسرائر والخفيات، العالم بالغيوب دون جميع خلقه، هو وحده عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. وهو العلام: الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة، الذي أحاط بكل شيء علماً، الذي كل عِلم في الناس من علمه. وهو العظيم: ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، العظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، العظيم في ملكه وسلطانه، الذي يعظمه خلقه ويهابونه؛ لأنه العظيم الذي قهر المخلوقات كلها، وتفرد بالملك والخلق والأمر والجلال والجمال. وهو العفو: الذي وسع عفوه جميع خلقه، الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، الواضع عن المذنبين خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم إذا تابوا وأنابوا. وهو العلي: الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه.

فله علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القدر، وعلو القهر. الذي علا فوق كل شيء، وعلا عن كل عيب ونقص وسوء. وهو الأعلى: العالي فوق كل شيء، القاهر لكل شيء، وهو الأعلى في كل شيء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله المثل الأعلى في الخلق والأمر، والعلو والكمال، والعظمة والكبرياء. وهو المتعال: في ذاته وأسمائه وصفاته، المنزه عن كل عيب ونقص وسوء وشر، العالي فوق كل شيء. وهو الغفار: الذي يستر ذنوب عباده، ويغطيها بستره، الستار لمساوئ عباده، فلا يكشف أخطاء المذنبين، ولا يهتك أستار العصاة. وهو الغفور: الذي لم يزل ولا يزال يغفر ويصفح ويعفو، يغفر الذنوب والسيئات، ومن كرمه يبدلها بحسنات. وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه وإعانته. وهو الغافر: الذي يستر على المذنب ذنبه، ولا يفضحه بين خلقه وهو قادر، واسع المغفرة، يغفر الذنوب جميعاً. وهو الغالب: البالغ مراده من خلقه، الغالب الذي لا يُغلب ولا يُقهر، الغالب على أمره، الذي يفعل ما يشاء، القادر الذي لا يملك أحد أن يرد ما قضى؛ لكمال قدرته وعظمته. وهو الغني: الذي استغنى عن الخلق كلهم بقدرته وعز سلطانه، الذي لا حاجة له إلى أحد أصلاً، والخلق كلهم فقراء إليه.

الغني الذي له الغنى التام، وله خزائن السماوات والأرض، وخزائن كل شيء عنده، المغني خلقه ورازقهم من فضله. وهو الفتاح: الذي يحكم بين عباده بالحق والعدل، الذي يفتح أبواب الرزق والعلم والرحمة لعباده، الناصر للمؤمنين. وهو الفاتح: الذي يفتح جميع أبواب الخير والبر والطاعة، ويفتح ما انغلق من الأشياء والأمور، وييسر المتعسر، ويفتح قلوب الخلق وعيونهم ليبصروا الحق والهدى. وهو الفاطر: الذي ابتدأ خلق جميع المخلوقات، وفطر السماوات والأرض بما أراد، الذي فطر عباده على التوحيد والإيمان. وهو القادر: الذي له القدرة التامة، الذي لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوبه، ولا يناله عجز ولا فتور. وهو القدير: الذي إذا أراد شيئاً كان، وله القدرة التامة الشاملة الدائمة، وهو على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون. وهو المقتدر: الذي لا يمتنع عليه شيء، المظهر قدرته في خلق الصغير والكبير، والأبيض والأسود، الذي لا يعجزه شيء على الإطلاق. وهو القاهر: الذي علا فوق جميع المخلوقات، القاهر فوق عباده، الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة. وهو القهار: الذي قهر جميع الخلائق على ما أراد، فهو القاهر وكل ما سواه مقهور، فلا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يموت حي، ولا يزول ملك إلا بإذنه وعلمه، قهر الخلائق كلها بالأمراض والمصائب فلا يستطيع أحد ردها.

وهو القريب: من كل أحد، القريب من الداعي إذا دعاه، الذي يسمع دعاء عباده، القريب اللطيف الذي لا يخفى عليه شيء. وهو القيوم: الذي لا يحتاج إلى أحد، الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام به غيره، وافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد، والإمداد، والبقاء. وهو القائم: الذي تكفل بحفظ كل شيء وتدبيره، القائم على كل نفس، القائم على كل شيء من المخلوقات، القائم بقسمة أرزاق الخلائق، وتصريف أحوالهم، وحشرهم وحسابهم وجزائهم. وهو القوي: القهار العزيز الجبار، الذي له القوة جميعاً، الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ولا يعجزه شيء، الذي له القدرة التامة، الذي خلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العظام، والذي خلق السبع الشداد، وخلق الجبال الراسيات والنجوم الزاهرات. وهو القابض: الذي بيده كل شيء، الذي يطوي بره ومعروفه عمن يشاء من خلقه بحسب علمه وحكمته، الذي يملك كل شيء، ولا يفوته ذرة. وهو الباسط: الذي ينشر فضله على من يشاء من عباده، ويرزق ويوسع بحسب علمه وحكمته، يبسط بفضله، ويقبض بعدله، وهو الحكيم العليم. وهو الكافي: الذي صمد لجميع حوائج الخلق، والذي كفى خلقه وعباده ما يحتاجون من الأرزاق وغيرها، وحفظهم من المكاره، الذي لا يخفى عليه مثقال ذرة من خلقه. وهو الكريم: الذي مَنّ بعطائه وإحسانه جميع خلقه، الكثير الخير دائمه، الذي قدر فعفى، ووعد فوفّى، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، الكريم

الذي يعطي ولا تنقص خزائنه. وهو الأكرم: الذي يجود بكل خير على جميع خلقه، أكرم الأكرمين، لا يضيع من توسل إليه، ولا يَحْرِم أحداً سأله، يجود بالخير في كل آن. وهو الكفيل: القائم بأمور الخلائق كلهم، المتكفل بأرزاقهم، الموصلها إليهم، الذي تكفل برزق كل حي، فلن تموت نفس حتى تستكمل منه رزقها وأجلها وخطاها. وهو اللطيف: الذي أحاط علمه بكل شيء، بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا، الذي لا تخفى عليه خافية، البَرّ بعباده الذي يلطف بهم، ويرزقهم، ويسوق إليهم الخير، ويعصمهم من الشر من حيث لا يحتسبون، اللطيف الذي لا تدركه الأبصار. وهو المبين: الذي لا ريب في وجوده، الذي لا يخفى على خلقه، الذي أوضح لخلقه سبل النجاة في الدنيا والآخرة. وهو المتين: القوي الذي له القوة التامة، الذي لا تنقطع قوته، والذي لا يقف لقوته أحد، الذي نفذت مشيئته في جميع البريات والمخلوقات. وهو المجيب: الذي يجيب كل من دعاه، القريب من خلقه، يجيب من سأله، ويقبل عبادته، ويثيب عليها أجلّ الثواب. وهو المجيد: ذو المجد والكبرياء والعظمة، الذي له المجد كله؛ لعظمة وكمال أسمائه وصفاته، وكثرة خيره ودوامه، الذي تمجَّد بأفعاله، ومجَّده خلقه لعظمته وجلاله وجماله. وهو المحسن: الذي أحسن خَلْقه، وأحسن إلى كل مخلوق، وغمر بإحسانه وفضله جميع عباده.

وهو المحيط: الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأحاط بجميع خلقه فلا يقدرون على فوته، الذي جميع المخلوقات في قبضته وتحت قهره لكمال علمه وقدرته. وهو المستعان: الغني القوي الذي لا يَطْلب العون من أحد، بل كل أحد يطلب عونه، والخلق كلهم فقراء إليه، ولا يمكن لأحد أن يقوم بعمل إلا بعونه. وهو المعطي: الذي عم بعطائه جميع خلقه، الكريم الذي يجود بكل خير، الذي يعطي الجزيل من غير سؤال، ويعطي على العمل القليل الثواب الكثير. وهو المانع: الذي امتنع بعظمته وجبروته وقدرته، فلا يقف له أحد، الذي منع الجبابرة من التسلط والظلم وقهرهم، ومنع بعض خلقه من تمام الرزق بحكمته وعلمه. وهو المقدِّم: الذي يقدِّم من يشاء، ويرفع من يشاء، ويقبل من يشاء، الحكيم الخبير الذي يُنْزِل الأشياء منازلها. وهو المؤخر: الذي يؤخر من يشاء، ويضع من يشاء، ويرد من يشاء؛ لأنه العليم الخبير الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه. وهو المقيت: الذي خلق الأقوات كلها، وأوصل إلى كل مخلوق ما يقتات به حسب علمه وحكمته، وهو القائم على جميع المخلوقات بالتدبير والتصريف، الحافظ لكل شيء، القائم على كل شيء. وهو المنان: الذي مَنَّ على جميع عباده بأنواع الإحسان والإنعام، الذي ابتدأ خلقه بالنوال قبل السؤال، الذي مَنَّ على رسله بالرسالة، وعلى عباده

بالهداية والنصر وجزيل النعم. وهو الناصر: الذي بيده النصر، الذي ينصر رسله والمؤمنين على أعدائهم؛ لأنه الناصر وحده، والنصر منه وحده. وهو النصير: الذي يملك النصر، الذي ينصر أولياءه، فلا يخذلهم ولا يُسْلِمهم لأعدائهم، الحليم الرحيم الذي ينصر عبده إذا انقطعت عنه الأسباب. وهو النور: الذي كل نور في العالم من نوره، الذي أنار قلوب المؤمنين بمعرفته، وأنار أبصارهم بنوره، فهو النور، وحجابه النور، وكتبه ورسله وشرعه نور. وهو الهادي: الذي يملك الهداية وحده، الذي هدى خلقه إلى معرفته، وهدى عباده إلى صراطه المستقيم، وهدى كل مخلوق إلى ما ينفعه، المبيِّن طريق الحق من الباطل. وهو الواحد: الذي تفرد بالكمال وحده لا شريك له، الذي لا يشاركه أحد في ذرة من ذرات ملكه العظيم. وهو الأحد: الذي لا شبيه له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، الأحد الذي لا شريك له في الخلق والأمر والعبادة. وهو الوارث: الحي الذي لا يموت، الباقي بعد فناء الخلق، الذي يسترد الخلق وما يملكون، والذي يرجع إليه كل شيء، فكل شيء لله، وهو إليه راجع. وهو الواسع: الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، الواسع الكريم الذي وسع رزقه جميع خلقه، ووسع علمه جميع ملكه، واسع الفضل والإحسان، واسع

الرحمة والمغفرة، الذي أحاط علمه بكل ذرة في ملكه، واسع العظمة والملك والسلطان. وهو الوتر: الفرد الذي لا شريك له ولا نظير، الأول الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، الواحد الأحد الذي لا شريك له. وهو الودود: الذي يتودد ويتقرب إلى عباده بصنوف النعم، وجميل الإحسان والعفو، المحب لمن أطاعه وأناب إليه، الذي يودّه عباده ويحبونه؛ لكماله وجلاله وجماله وإحسانه. وهو الوكيل: الذي تكفّل بأمور الخلائق كلها خلقاً وتدبيراً وحفظاً، الذي كل الأمور موكولة إليه، الذي توكل ببيان دينه وحفظ كتابه، والذي تكفل بأرزاق الخلائق كلها، وأوصل إلى كل مخلوق رزقه. وهو الولي: الذي يتولى خلقه بنعمه، فهو سيدهم وربهم وخالقهم ومالكهم ورازقهم، الذي يتولى عباده المؤمنين بعونه وتوفيقه، وحفظه ونصره، وإرشادهم إلى ما ينفعهم. وهو المولى: الذي تولى عباده بصنوف النعم، المحب الناصر لعباده المؤمنين، الذي تولاه عباده المؤمنين، فعبدوه لكمال كرمه وغناه، وكمال جلاله وجماله، فنعم المولى، ونعم النصير. وهو الوهاب: الذي يهب من يشاء من عباده النبوة والملك والسلطان والمال والولد، كثير المواهب والعطايا، الذي يهب خيره وبره وإحسانه على الدوام، ويقسمه بين خلقه حسب علمه وحكمته، ويهب الحسن والجمال لكل مخلوقاته.

2 - زيادة الإيمان

2 - زيادة الإيمان - أصول الإيمان: أصل الدين وأساسه هو الإيمان بالله عز وجل، واليقين على ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وخزائنه، ووعده، ووعيده. فهذه سبعة أصول يقوم عليها الإيمان بالله، ويزيد ويثمر. وجميع الأعمال والعبادات مبناها وقبولها مبني على هذا الأصل العظيم. فإذا زاد الإيمان، زادت الأعمال الصالحة، وحسنت الأخلاق، وصلحت الأحوال، وحصل رضا الله، فأسعد عبده في الدنيا، وأدخله الجنة في الآخرة. وإذا ضعف الإيمان، نقصت الأعمال الصالحة، وفسدت الأخلاق، فساءت الأحوال، وحصل غضب الله، فشقي الإنسان في الدنيا، وأدخله الله النار في الآخرة. - زيادة الإيمان: حتى يأتي الإيمان في حياتنا ويزيد لا بد من العلم بأمور: الأول: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خالق كل شيء. فالعرش شيء، والكرسي شيء، والجنة شيء، والنار شيء، والسماوات شيء والأرض شيء، والله خالق كل شيء. والشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، والهواء شيء، والسحاب شيء، والله وحده خالق كل شيء.

والنبات شيء، والحيوان شيء، والإنس شيء، والجن شيء، والملائكة شيء، والجبال شيء، والبحار شيء، والله خالق كل شيء. والدنيا شيء، والآخرة شيء، والله خالق كل شيء: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر: 62 - 63]. نتكلم بذلك، ونسمعه، ونفكر به، وننظر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية، نظر اعتبار وتفكر، حتى يرسخ الإيمان في قلوبنا، ونعرف ربنا، ويزيد إيماننا، وقد أمرنا الله عز وجل بذلك: 1 - قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس:101]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد:24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124]. الثاني: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده خلق المخلوقات كلها وخلق فيها الأثر. خلق الشمس وخلق فيها الأثر وهو النور .. وخلق الحيوان وخلق فيه الأثر وهو الحياة، وخلق النبات وخلق فيه الأثر وهو الثمر .. وخلق النار وخلق فيها الأثر وهو الإحراق. وخلق العين وخلق فيها الأثر وهو البصر .. وخلق الأذن وخلق فيها الأثر وهو السمع .. وخلق اللسان وخلق فيه الأثر وهو الكلام .. فكل مخلوق له من الله ثلاثة أوامر: أمر من الله بالخلق، وأمر بالبقاء، وأمر

بالنفع والضر، فالله وحده الذي يملك الخلق والأمر. قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. الثالث: أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يملك جميع المخلوقات، فلا يخرج منها ذرة عن ملكه وتدبيره. فالسماء والأرض بيده، والإنس والجن بيده، والملوك والأمراء بيده، والأقوياء والضعفاء بيده. فالله وحده هو الذي يتصرف في ملكه وخلقه، ويدبر الأمر كله في العالم العلوي والسفلي، حسب علمه وحكمته كيف شاء. فقد يخلق الشيء ويسلب أثره بقدرته، فقد توجد العين ولا تبصر، والأذن ولا تسمع، واللسان ولا يتكلم، والنار ولا تحرق، والبحر ولا يغرق، والشجرة ولا تثمر، وقد فعل ذلك سبحانه؛ لأنه العليم القدير الذي يتصرف في الخلق كيف شاء، الملك {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [المُلك: 1]. - معرفة الرب: كمال العبادة مبني على كمال الإيمان، وكمال الإيمان مبني على كمال معرفة الرب العظيم بأسمائه وصفاته. وبعض القلوب تتأثر بالشيء أكثر من خالق الشيء، فتتعلق بالشيء وتغفل عن خالق الشيء. والواجب على العبد صفاء الفكر الذي ينقله من المخلوقات إلى الخالق، ومن الصور إلى المصور، ومن الدنيا إلى الآخرة.

وبهذا النظر والفكر والتدبر يصل إلى ربه الذي خلقه وصوره فيعبده وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس:31 - 32]. الرابع: أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له، فنسأله وحده، ولا نلتفت إلى غيره. فهو الملك الغني الكريم الرحيم، وخزائنه مملوءة لا تنقص أبداً. خزائن الطعام والشراب .. وخزائن الحبوب والثمار .. وخزائن الأموال والمعادن .. وخزائن المياه والبحار .. وخزائن الرياح والجبال .. وخزائن النبات والطير والحيوان. وخزائن الرحمة والهداية .. وخزائن السلامة والعافية، وخزائن الأمن والتوفيق .. وخزائن العلم والإيمان، وخزائن الأخلاق والتقوى .. وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله. فكل ما نحتاجه .. وكل ما نريد .. نطلبه من الله .. ونسأله إياه .. فهو سبحانه الكريم الصمد، قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، وخير المسؤولين، وأجزل المعطين، وأكرم الأكرمين. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21].

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. فمعرفة هذا كله يؤثر في القلب، ويزيد فيه الإيمان، ويحرك الجوارح لطاعة الملك القدوس السلام. وكلما تكرر على القلب ازداد نوره، ونبتت فيه شعب الإيمان، فأقبل على طاعة ربه، وابتعد عن معاصيه. هذا بالنسبة للمخلوقات، أما بالنسبة للأحوال فلا بد من العلم بما يلي: 1 - أن نعلم ونتيقن أن خالق جميع الأحوال هو الله وحده لا شريك له. فخالق الليل والنهار هو الله .. وخالق النور والظلام هو الله .. وخالق الحياة والموت هو الله .. وخالق الأمن والخوف هو الله .. وخالق الصحة والمرض هو الله .. وخالق الغنى والفقر هو الله .. وخالق الفرح والحزن هو الله .. وخالق الضحك والبكاء هو الله .. وخالق الهداية والضلالة هو الله .. وخالق السعادة والشقاوة هو الله. فهذه الأحوال وغيرها خلقها الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)} [النجم:43 - 48]. 2 - أن نعلم ونتيقن أن الله وحده هو الذي يدبر الأمر، ويصرِّف جميع هذه الأحوال حسب حكمته وعلمه.

فلا يتبدل فقر الإنسان بالغنى إلا بأمر الله .. ولا يتبدل المرض بالصحة إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الضحك بالبكاء إلا بأمر الله .. ولا تتغير العزة بالذلة إلا بأمر الله .. ولا تتغير الضلالة بالهداية إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الكفر بالإيمان إلا بأمر الله .. ولا يتبدل الخوف بالأمن إلا بأمر الله، ولا يتبدل الحر بالبرد إلا بأمر الله .. وهكذا .. فتأتي الأحوال كلها بأمر الله سبحانه، وتزيد بأمره، وتنقص بأمره، وتزول بأمره. فإذا عرف القلب ذلك، طلب تغيير الأحوال ممن خلقها وملكها وهو الله وحده لا شريك له، فعبد ربه وحده بما شرعه رسوله. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} ... [آل عمران:26]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (154)} [آل عمران: 154]. 3 - أن نعلم ونتيقن أن خزائن كل شيء عند الله وحده لا شريك له فالله هو الغني الحميد، فعلينا أن نسأله ونطلب منه أن يعطينا ما ينفعنا، ويمنع عنا ما يضرنا؛ لأنه الملك الكريم القادر، وخزائنه لا تنقص أبداً، الرب الصمد الذي صمد لجميع حوائج الخلق، وهو أكرم الأكرمين، فلندعوه ونسأله. عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي!

كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (¬1). - فقه العلم بقدرة الله: الله جل جلاله هو الرب الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الشمس والقمر والنجوم، وخلق التراب والنبات والحيوان والإنسان، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويدبر الأمر، حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم هو الملك، وكل ما سواه مملوك له. وهو الغني، وكل ما سواه فقير إليه. وهو القادر، وكل ما سواه عاجز. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

فالله وحده هو القادر على كل شيء، وقدرة الله مطلقة. يخلق ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لأنه الملك الذي يملك كل شيء، ولا يعجزه شيء. أحياناً يعطي ويرزق بالأسباب، كما جعل الماء سبباً للإنبات، والتقاء الذكر بالأنثى سبباً للإنجاب، والنار سبباً للإحراق. ونحن في دار الأسباب، فنأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نتوكل إلا على الله. وأحياناً الله يعطي ويرزق بدون الأسباب، يقول للشيء كن فيكون، كما رزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر. وأحياناً الله يستعمل قدرته بضد الأسباب، كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكما نجى موسى - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وقومه في البحر، وكما نصر موسى - صلى الله عليه وسلم - بأسباب الذلة، وخذل فرعون بأسباب العزة. وكما نجّى يونس - صلى الله عليه وسلم - في ظلمة بطن الحوت والبحر، وإذا عرف القلب أن الله على كل شيء قدير، وأن كل ما سواه عاجز فقير، وأنه الملك الذي يملك كل شيء، آمن به، وعظمه وكبره، وحمده وشكره، ودعاه وسأله. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)} [الزُّمَر:62 - 63]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس:82]. 3 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ

لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12]. - فقه معرفة علم الله: الله تبارك وتعالى هو وحده العليم بكل شيء. يعلم عدد الذرات والنجوم، وعدد الأرواح والملائكة، وعدد الطير والحيوان، وعدد الإنس والجن. ويعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وكل ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار. لا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، ولا صدر ما في قلبه. ويعلم سبحانه وحده ما يقع في كل لحظة من النيات، والأقوال والأعمال، والحركات والسكنات، والتصرفات، والآثار، والكلمات والأنفاس. ويعلم جل جلاله كل شيء. القريب والبعيد .. والظاهر والباطن .. والقليل والكثير .. والكبير والصغير .. والمؤمن والكافر .. والصادق والكاذب، والبر والفاجر .. والسر والجهر .. والغيب والشهادة. والله جل جلاله أحاط علمه بكل شيء، أحاط علمه بالبشر وحركاتهم .. فهم في قبضته وتحت تصرفه. لا ينامون ولا يقومون إلا بإذنه .. ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه .. ولا يطيعون ولا يعصون إلا بعلمه .. وعليهم ملائكة يحصون ما عملوه من خير أو شر.

فالله سبحانه هو العليم بكل شيء، وكل علم في العالم من علمه، وسع علمه جميع خلقه، فلا يفلت عن علم الله شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا ستر الشرك والنفاق عنه. فكل شيء معلوم لعلام الغيوب. وإذا تغذى القلب بهذا العلم، وهذه المعرفة، أناب إلى ربه، وخضع له، ووقف ببابه، واستحيا منه، وعبده وأطاعه. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران:29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)} [لقمان:16]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59]. 4 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)} [إبراهيم:38]. - فقه العلم برحمة الله: الله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء خَلَقه في السماء والأرض، وفي الدنيا والآخرة. ورحمة الله تتجلى على الخلائق عامة، وعلى البشر خاصة، تتجلى ابتداءً في وجود البشر أنفسهم .. وفي تكريم بني آدم على العالمين .. وفي تسخير ما في

هذا الكون العظيم من النعم والأرزاق لهم .. وفي هداية الإنسان للإيمان الذي يسعد به في دنياه وأخراه .. وفي تعليم الإنسان ما لم يعلم .. وموالاة إرسال الرسل إليه بالهدى كلما نسي أو ضل. وتتجلى في مجازاة العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها .. إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وتتجلى في محو السيئة بالحسنة .. وفي تبديل سيئات من تاب حسنات .. وفي تجاوز الله عن السيئات التي عملها العبد بجهالة ثم تاب .. وفي ملء سماواته بالملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض. وتتجلى كذلك في أن ربنا كتب على نفسه الرحمة، فهي على الخلق عامة، وعلى بني آدم خاصة، وعلى المؤمنين بشكل أخص. وتتجلى كذلك في إكرام المؤمنين بدخول الجنة، ووقايتهم من النار. وإذا عرف القلب هذه العناية العظيمة من الرب بالإنسان، وعرف إحسان المولى الكريم، وعلم مقدار رحمة أرحم الراحمين، وأدرك هذا التحنن والتحبب، والعطف والتلطف، من المولى لعباده، عرف عظمة رحمة رب العالمين. فآمن بربه .. وأقبل على عبادته، وسارع إلى طاعته، واستحى من معصيته، لمعرفته بكمال علمه وعظمته وجزيل نعمه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل:78].

3 - وقال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} [الأنعام: 54]. 4 - وقال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)} [فاطر:2]. - فقه العلم بعظمة الله: الله تبارك وتعالى وحده هو العلي العظيم. العظيم في ذاته .. العظيم في أسمائه وصفاته .. العظيم في خلقه وأمره .. العظيم في دينه وشرعه .. العظيم في ملكه وسلطانه .. العظيم في عدله وإحسانه .. العظيم في ثوابه وعقابه .. هو العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، العليم الذي لا أعلم منه، الرحمن الذي لا أرحم منه، الغني الذي لا أغنى منه، الهادي الذي لا أهدى منه، اللطيف الذي لا ألطف منه، القدير الذي لا أقدر منه. هو الأول فليس قبله شيء .. وهو الآخر فليس بعده شيء .. وهو الظاهر فليس فوقه شيء .. وهو الباطن فليس دونه شيء. وهو عالم الغيب والشهادة، وعالم السر والجهر، الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، ولا يعزب عنه مثقال ذرة. وهو الخالق العظيم الذي خلق العرش والكرسي، وخلق السماوات والأرض، وخلق الدنيا والآخرة. خلق أعظم شيء وهو العرش .. وخلق أصغر شيء وهو الذرة .. وخلق كافة المخلوقات بينها، لتدل على عظمته وكمال قدرته.

وإذا أخذنا خلقاً واحداً من أضعف المخلوقات وأصغرها وهو الذرة، وجدنا أن الخالق العظيم ملأ به الكون كله. فذرات الغرفة كالذرة بالنسبة لذرات البيت .. وذرات البيت كالذرة بالنسبة لذرات المدينة ... وذرات المدينة كالذرة بالنسبة لذرات الدولة .. وذرات الدولة كالذرة بالنسبة لذرات القارة .. وذرات القارة كالذرة بالنسبة لباقي الأرض. وذرات الأرض كلها كالذرة بالنسبة لذرات الجو .. وذرات الجو كالذرة بالنسبة لذرات السماوات السبع. وذرات السماوات والأرض كالذرة بالنسبة لذرات الجنة والنار .. وذرات الدنيا والآخرة كالذرة بالنسبة لذرات الكرسي .. وذرات الكرسي كالذرة بالنسبة لذرات العرش العظيم .. وكل ذرة من هذه الذرات التي لا يحصيها إلا الله لها من ربها. أمر بالإيجاد .. وأمر بالبقاء .. وأمر بالحركة والسكون .. وأمر بالصعود والهبوط .. وأمر بالنفع والضر. وهذه الذرات كلها الله يعلمها ويعلم مكانها ويراها، ولا يخفى عليه منها ذرة واحدة في جميع ملكه العظيم. فهذه عظمة الله وقدرته في خلق واحد من أضعف المخلوقات وهو الذرة، فكيف بعظيم الكائنات الأخرى كالسماوات والأرض، والجبال والبحار .. والحيوان والنبات، والشمس والقمر، والنجوم والملائكة .. والكرسي والعرش.

وكم تكون عظمة العظيم العزيز الجبار المتكبر الذي خلقها وصورها. فما أعظم ملكه .. وما أعظم خلقه .. وما أعظم أمره .. وما أوسع علمه .. وما أعظم قدرته، وما أوسع رحمته .. وما ألطف تدبيره .. وما أحسن خلقه. وإذا عرف القلب عظمة الله وجلاله، آمن به، وخشع له، وأناب إليه، وأحبه، وعبده، وأطاعه. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة:255]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:22 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس:61]. 5 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ

فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. - محركات القلوب إلى الله: الخلائق كلها مفتقرة إلى الله في خلقها وبقائها وأعمالها. فهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، وهو الذي يرزق العباد، ويجيب المضطر، ويفرج الكربات، ويكشف السوء، ويرحم خلقه. العزيز الكريم الذي لا تسكن الأرواح إلا بحبه، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره، ولا تزكوا العقول إلا بمعرفته، ولا يحصل شيء إلا بإذنه، ولا يُدْرَك محبوب إلا بتيسيره، ولا تُنال سعادة إلا بطاعته. ومحركات القلوب إلى الله ثلاثة: المحبة .. والخوف .. والرجاء. فالمحبة لله تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر قوتها وضعفها يكون سيره إليه. والخوف من الله يمنعه من الخروج عن طريق المحبوب، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى الله. والرجاء يقوده إلى لزوم طريق محبوبه، وعلى قدر قوته وضعفه يكون سيره إلى الله. فهذه أصول محركات القبول إلى الله، وأقواها المحبة .. وأصل ذلك كله العلم بالله وأسمائه وصفاته. فمن لم يكن عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ومولاه، فعليه بكثرة ذكر الله؛ لأن كثرة ذكره تُعلِّق القلب به، ومطالعة آلائه ونعمائه وإحسانه.

وكذلك الخوف من الله تحركه معرفة عظمة الله وجلاله، وكبريائه وقوته، ومطالعة آيات الوعيد، وأهوال يوم القيامة. وكذلك الرجاء يحركه معرفة سعة حلم الله وعفوه وكرمه ورحمته، ومطالعة آيات الوعد بالخير والجنة. وإذا تحركت القلوب إلى الله اعتصمت به، وتوكلت عليه، وأحبته، وأطاعته، وعبدته. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:42]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة:21 - 22].

3 - تفاضل أهل الإيمان

3 - تفاضل أهل الإيمان - أقسام أهل الإيمان: أهل الإيمان ثلاثة أقسام: الأول: الملائكة، وهؤلاء إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص، فهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهم درجات. الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء إيمانهم يزيد ولا ينقص، لكمال معرفتهم بالله، وهم درجات. الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء إيمانهم يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهم درجات. - درجات الإيمان: الإيمان له بداية، وليس له نهاية، وهو متفاوت بحسب العلم باللهِ وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بخزائنه ووعده ووعيده، والعلم بملائكته وكتبه ورسله، والعلم بقضائه وقدره، والعلم بدينه وشرعه، وثوابه وعقابه. ومثقال ذرة من إيمان يحصل بها المسلم على السعادة في الدنيا، وعشر جنان في الآخرة، فهذا أدنى أهل الجنة. وأعلاهم من يحصل على نعيم لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر. فأول درجات الإيمان تقود المسلم لعبادة ربه وطاعته وحمده.

ولحسن المعاملة مع من فوقه أو مثله من الناس، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لغيره. ولحسن المعاشرة مع من دونه، يحتاج إلى إيمان أقوى يحجزه عن الظلم لمن دونه، كالرجل مع أهله، والحاكم مع رعيته. وهكذا .. كلما زاد الإيمان، زادت الطاعات، وقلّت المعاصي، وصار العبد يؤدي حق الله وحقوق عباده. وكلما زاد اليقين زاد العمل الصالح، وتنوع، واستمر، وصار صاحبه حسن الخلق مع الخالق ومع المخلوق. فهذا بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء:69 - 70]. 2 - وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. - أعلى أهل الإيمان: إيمان الملائكة ثابت لا يزيد ولا ينقص. وأما البشر فهم درجات متفاوتة. فإيمان الأنبياء والرسل أعلى من غيرهم، وإيمان الصحابة أعلى من إيمان غيرهم، وإيمان الصالحين المتقين ليس كإيمان الفاسقين.

وهذا التفاوت العظيم بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته. وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له. ولهذا كانت الأنبياء والرسل أعظم الناس حباً لله، وتعظيماً له، وإيماناً به، وعبادة له. ومحبة الله لذاته وإحسانه وجماله وجلاله أصل العبادة. وكلما قوي العلم بالله قوي الإيمان بالله، ثم قويت المحبة، وكلما قويت المحبة كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، والأنس بالله أكمل. قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253)} [البقرة: 253]. - عمل المؤمن: الإنسان آلة العمل، وكل عبد سائر لا واقف. فإما إلى فوق وإما إلى أسفل .. وإما إلى أمام وإما إلى خلف .. وإما إلى يمين وإما إلى شمال. وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة. فكل عبد ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وصاعد ونازل، ومستقل ومستكثر. وليس في الطريق وقوف البتة، وإنما يتخالف الناس في جهة المسير، وفي السرعة والبطء. فمن لم يتقدم إلى الجنة بالإيمان والأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى النار بالكفر والأعمال السيئة.

وشعب الإيمان تزيد الإيمان، والعبادات، والأخلاق، وشعب الكفر تزيد ضدها. 1 - قال الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} [السجدة:18 - 20]. 2 - وقال الله تعالى: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} [المدَّثر:36 - 37].

4 - وعد الله على الإيمان

4 - وَعْد الله على الإيمان - وَعَد الله المؤمنين بخيرات كثيرة في الدنيا والآخرة. 1 - موعودات المؤمنين في الدنيا كثيرة منها: 1 - الفلاح كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون:1]. 2 - الهداية كما قال سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} [الحج: 54]. 3 - العزة كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} ... [المنافقون: 8]. 4 - النصر كما قال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم:47]. 5 - الخلافة في الأرض كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور:55]. 6 - الدفاع عنهم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} [الحج:38]. 7 - الأمن كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام:82]. 8 - النجاة من المهالك كما قال سبحانه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)} [يونس:103].

9 - الرحمة الخاصة كما قال سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]. 10 - الحياة الطيبة كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل:97]. 11 - حصول البركات كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. 12 - المعية الخاصة كما قال سبحانه: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} [الأنفال:19]. 13 - عدم تسلط الكفار عليهم كما قال سبحانه: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء:141]. 14 - الطمأنينة كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 15 - ولاية الله لهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة:257]. هذه بعض البركات والخيرات والصفات والكرامات التي يكرم الله بها عباده المؤمنين في الدنيا. 2 - أما موعودات المؤمنين في الآخرة فهي: دخول الجنة .. والخلود فيها .. ورؤية ربهم .. والقرب منه .. وسماع كلامه .. ورضوانه عليهم. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. 4 - وقال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب:44]. - وجود الموعودات: ما وعد الله به المؤمنين في الدنيا ليس موجوداً كله، بل لا يكاد يوجد منه إلا القليل، وذلك لضعف الإيمان واليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وضعف اليقين على الصفات والأعمال الصالحة. ولا سبيل للحصول على تلك الموعودات إلا بتقوية الإيمان الموجود بالإيمان المطلوب، ولزوم الأعمال الصالحة والتقوى، فإذا جاء التوحيد والإيمان واليقين جاءت الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة:208]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} [البقرة:137].

2 - الإيمان بالملائكة

2 - الإيمان بالملائكة الإيمان بالملائكة: هو التصديق الجازم بأن لله ملائكة موجودين. نؤمن بمن سمى الله منهم كجبريل - صلى الله عليه وسلم - وغيره، ومن لم نعلم اسمه منهم نؤمن بهم إجمالاً، ونؤمن بما علَّمنا الله ورسوله من صفاتهم وأعمالهم. - حكم الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة. 1 - قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. - عدد الملائكة: الله عز وجل وحده هو الذي يعلم من خلق، وعدد من خلق، والملائكة خلق عظيم، وعددهم كثير لا يحصيهم إلا الذي خلقهم. منهم حملة العرش .. والذين يطوفون حول العرش .. وكل سماء مملوءة بالملائكة .. بل ليس فيها موضع شبر إلا وفيه ملك يعبد الله .. ومنهم خزنة الجنة .. ومنهم خزنة النار .. ومنهم الحفظة والكتبة .. وغيرهم كثير لا يعلمهم ولا يحصيهم إلا الله وحده ..

يصلي منهم كل يوم في البيت المعمور فوق السماء السابعة سبعون ألف ملك، ولكثرتهم يصلون فيه مرة واحدة، ثم يأتي غيرهم. ففي قصة المعراج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى السماء السابعة قال: «فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬1). - أسماء الملائكة: الملائكة خلق كثير لا يحصيهم إلا الله. منهم من أعلمنا الله باسمه وعمله .. ومنهم من نعلم عمله دون اسمه .. ومنهم من لا نعلم اسمه ولا عمله. 1 - الملائكة الذين أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم منهم: 1 - جبريل: وهو الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل ونصرتهم. 2 - ميكائيل: وهو الموكل بالماء والنبات. 3 - إسرافيل: وهو الموكل بالنفخ في الصور. وهؤلاء من أعظم الملائكة، وهم موكلون بأسباب الحياة. فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب. وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض. وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد الموت. 4 - مالك: وهو الموكل بالنار. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162).

5 - رضوان: وهو الموكل بالجنة. 6 - منكر ونكير: وهما موكلان بسؤال كل ميت في قبره. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 3 - وَعَنْ عَائشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كَان إذا قَامَ مِنَ الليلِ قَال: «اللَّهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَِحَدِهِمَا المُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ» أخرجه الترمذي (¬2). 2 - الملائكة الذين علَّمنا الله بأعمالهم دون أسمائهم منهم: جميع الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون. منهم حملة العرش .. وملك الموت، والموكلون بقبض الأرواح .. وخزنة الجنة والنار .. والموكلون بحفظ كل إنسان وعمله وكتابته .. ومنهم ملك الجبال .. ومنهم الموكلون بالأجنة في الأرحام الذين يكتبون رزقه وعمله ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (770). (¬2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1071)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1391).

وأجله وشقي أو سعيد. ومنهم الموكل بالإنسان دائماً، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ومنهم ملائكة يتبعون مجالس الذكر. وغيرهم كثير مما لا يعلمه ولا يحصيه إلا الله الذي أحصى كل شيء عدداً. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر:7]. 2 - قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} [السجدة:11]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} [الانفطار:10 - 11]. 3 - الملائكة الذين لا نعلم أسماءهم ولا أعمالهم: وهؤلاء لا يعلمهم إلا عالم الغيب والشهادة: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدَّثر: 31]. - صفة خلق الملائكة: خلق الله الملائكة من نور، والملائكة عالم غيبي غير عالم الإنس والجن، عالم كله طهر ونقاء وصفاء، وهم كرام أتقياء، خلقهم الله على صور جميلة كريمة، وهم متفاوتون في الخلق والمقدار، ولهم مقامات متفاوتة معلومة. 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر:1]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا

إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} [يوسف: 31]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أخرجه مسلم (¬1). - مراتب الملائكة: الملائكة على درجات متفاوتة في الخلق والمقدار والرتب .. 1 - فهم من حيث الطاعة لله: منحهم الله الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه، وهم مجبولون على الطاعة: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 2 - وهم من حيث العمل: يعبدون الله، ويسبحون بحمده، كما قال عنهم: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19 - 20]. 3 - وهم من حيث الخلق: عباد مكرمون، عابدون لله، خلقهم الله من نور، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، وهم درجات متفاوتة في الخلق بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، وبعضهم أكثر. 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر:1]. 2 - وَعَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2996). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174).

3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». أخرجه أبو داود (¬1). 4 - وهم من حيث الرتبة: لهم مقامات مختلفة عند ربهم. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير:19 - 21]. 3 - وقال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)} [النساء:172]. - ما لا يوصف به الملائكة: 1 - الملائكة لا يوصفون بالذكورة والأنوثة. قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} [الزُّخرُف:19]. 2 - الملائكة لا يأكلون ولا يشربون. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)} [هود:69 - 70]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4727)، انظر السلسلة الصحيحة برقم (151).

3 - الملائكة لا يملون ولا يتعبون ولا ينامون. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19 - 20]. - منازل الملائكة: الملائكة في السماء، وينزلون إلى الأرض لتنفيذ مهمات أوكلت إليهم، ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر، ونصرة المؤمنين كما نزلوا في غزوة بدر لنصرة الرسول والمؤمنين. 1 - قال الله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} [الشورى:5]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم:64]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5]. 5 - وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: مَا تَعُدُّونَ أهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قال: «مِنْ أفْضَلِ المُسْلِمِينَ» أوْ كَلِمَةً

نَحْوَهَا، قال: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ المَلائِكَةِ. أخرجه البخاري (¬1). - نصح الملائكة: الملائكة أنصح خلق الله وأنفعهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصل للبشر كل سعادة وعلم وهدى. يستغفرون لهم .. ويثنون عليهم .. ويدعون الله لهم .. وينصرونهم على أعدائهم .. ويحرسونهم .. ويحركون بواعث الخير في نفوسهم .. وهم سفراء الله إلى أنبيائه ورسله. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر:7 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11)} [الرعد: 10 - 11]. 3 - وقال الله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 193 - 195]. 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وَقَرينهُ منَ المَلائكةِ». قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3992).

اللهِ! قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلا أنَّ اللهَ أعَانَنِي عَلَيْهِ فَأسْلَمَ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْرٍ» أخرجه مسلم (¬1). - عبادة الملائكة: الملائكة عباد مكرمون، وهم دائبون في عبادة الله عز وجل، وقد جبلهم الله على طاعته، وعلى عدم معصيته. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فُصِّلَت:38]. 4 - وقال الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} [الأنبياء:26 - 29]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)} [الصافات:1 - 3]. 6 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} ... [الأحزاب:56]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2814).

7 - وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قِصَّةِ المعْراجِ أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لما أَتى السَّماءَ السَّابعةَ قَال: «فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬1). - حياء الملائكة: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجِعاً فِي بَيْتِي، كَاشِفاً عَنْ فَخِذَيْهِ، أوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أبُو بَكْرٍ، فَأذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَوَّى ثِيَابَهُ (قال مُحَمَّدٌ: وَلا أقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ، وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ! فَقَالَ: «ألا أسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلائِكَةُ» أخرجه مسلم (¬2). - سرعة الملائكة: أعطى الله عز وجل ملائكته تمام القدرة والسرعة في تنفيذ أوامره الكونية، وأوامره الشرعية. 1 - قال الله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات:1 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)} ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2401).

[التكوير:19 - 20]. - صفوف الملائكة: الملائكة خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله، وقد كلفهم الله بتنفيذ أوامره في ملكه العظيم، وهم في اجتماعهم وعبادتهم يصفون صفوفاً منتظمة: 1 - قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر:22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات:164 - 166]. 3 - وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا لِي أرَاكُمْ رَافِعِي أيْدِيكُمْ كَأنَّهَا أذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حِلَقاً، فَقَالَ: «مَالِي أرَاكُمْ عِزِينَ؟». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «ألا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قال: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» أخرجه مسلم (¬1). - كثرة الملائكة: الله جل جلاله ملأ السماوات السبع بالملائكة الذين يعبدونه، ويسبحون بحمده، ويقدسونه، وما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لله. والملائكة الموكلون بالبشر لا يحصيهم إلا الله، فمع كل إنسان ملائكة لحفظه، وملكان لكتابة عمله، وقرين ملكي لهدايته وإرشاده. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (430).

والملائكة الذين يجرون جهنم فقط أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك. والذين يصلون ويحجون ويطوفون بالبيت المعمور يومياً سبعون ألف ملك، وغيرهم كثير مما لا يحصيه إلا الذي أحصى كل شيء عدداً. 1 - عَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ، سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ المِعْرَاجِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أَتى السَّماءَ السَّابِعَةَ قَالَ: «رُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ حَكيم بنِ حزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ يَا رَسُولَ الله، ِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ إمَّا سَاجِدٌ وَإِمَّا قَائِمٌ» أخرجه الطحاوي وأبو نعيم (¬3). - وظيفة الكرام الكاتبين: خلق الله الملائكة الكرام الكاتبين، وجعلهم علينا حافظين، يكتبون النيات والأقوال والأعمال، ومع كل إنسان ملكان، صاحب اليمين يكتب ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2842). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207)، واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬3) صحيح/ أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار برقم (956)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو نعيم في الحلية برقم (1306).

الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من أمامه، وواحد من خلفه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق:17 - 18]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)} [الرعد:11]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَقُولُ اللهُ: إِذَا أرَادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أرَادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» متفق عليه (¬1). - حياة الملائكة: خلق الله الملائكة لعبادته وطاعته وتنفيذ أوامره. وقد خلق الله عز وجل الملائكة قبل خلق آدم. والملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن عند النفخ في الصور. 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7501)، واللفظ له، ومسلم برقم (128).

شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزُّمَر:68]. 2 - وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)} [القصص: 88]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)} [الحِجر:28 - 31]. - رؤية الملائكة: الملائكة أجسام نورانية لطيفة. وقد حجبهم الله عن أبصار البشر فلا يرونهم، وحجب أبصارنا عن رؤيتهم. ولم ير الملائكة في صورهم الحقيقية من هذه الأمة إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما رأى جبريل مرتين. والبشر يستطيعون رؤية الملائكة إذا تمثل الملائكة في صورة بشر. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} [التكوير:23 - 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم:13 - 15]. 3 - وعَنْ مَسْرُوقٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ مُتَّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أبَا عَائِشَةَ! ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَبَّهُ فَقَدْ أعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ، قال

وَكُنْتُ مُتَّكِئاً فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أمَّ المُؤْمِنِينَ! أنْظِرِينِي وَلا تَعْجَلِينِي، ألَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} [التكوير: 23]. {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم: 13] فَقَالَتْ: أنَا أوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَألَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأيْتُهُ مُنْهَبِطاً مِنَ السَّمَاءِ، سَادّاً عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ» متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عُمرَ بنِ الخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرنِي عَنِ الإِسْلامِ. أخرجه مسلم (¬3). - عمل الملائكة مع البشر: للملائكة مع البشر ثلاثة أدوار: الأول: دور عام مع جميع البشر: وذلك بتشكيلهم للنطفة .. وحفظ الإنسان .. ومراقبته .. ونزع الروح ونحو ذلك مما كلفهم الله به. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4855)، ومسلم برقم (177)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174). (¬3) أخرجه مسلم برقم (8).

1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)} [الأنعام:61 - 62]. 2 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِمِ مَلَكاً، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا، قَالَ: أيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الأجَلُ، فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» متفق عليه (¬1). الثاني: دور خاص مع المؤمنين، وأنواعه كثيرة منها: 1 - محبتهم المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ» متفق عليه (¬2). 2 - صلاتهم على المؤمنين: قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب:43]. 3 - تأمينهم على دعاء المؤمنين: 1 - عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْوَةُ المَرْءِ لأَخيهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6595)، واللفظ له، ومسلم برقم (2646). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3209)، واللفظ له، ومسلم برقم (2637).

بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمينْ، وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ».فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» أخرجه مسلم (¬2). 4 - دعاؤهم للمؤمنين: قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر:7]. 5 - كتابتهم المسلمين الذين يحضرون الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَقَفَتِ المَلائِكَةُ عَلَى باب المَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشاً، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» متفق عليه (¬3). 6 - تعاقبهم على المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ العَصْرِ، ثُمَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2733). (¬2) أخرجه مسلم برقم (920). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (929)، واللفظ له، ومسلم برقم (850).

يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» متفق عليه (¬1). 7 - تأمينهم في الصلاة مع المؤمنين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه (¬2). 8 - مقاتلتهم مع المؤمنين: قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال:12]. 9 - شهودهم مجالس العلم والذكر: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ. قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» متفق عليه (¬3). 10 - تبشيرهم المؤمنين بالخير: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أخْرَى، فَأرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أتَى عَلَيْهِ قال: أيْنَ تُرِيدُ؟ قال: أرِيدُ أخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأنَّ اللهَ قَدْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (555)، واللفظ له، ومسلم برقم (631). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (780)، واللفظ له، ومسلم برقم (410). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6408)، واللفظ له، ومسلم برقم (2689).

أحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ» أخرجه مسلم (¬1). 11 - حمايتهم مكة والمدينة من الدجال: 1 - عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» متفق عليه (¬2). 2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ» متفق عليه (¬3). هذه بعض أعمال الملائكة مع المؤمنين. فعلينا أن نتولى جميع الملائكة بالحب والتوقير والإكرام، ونتجنب ما يسيء إليهم، وما يؤذيهم، من المعاصي والفواحش، والمحرمات والمنكرات، والروائح الكريهة، والصور والتماثيل، والأجراس والكلاب، والأقذار والأوساخ. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكْلِ البَصَلِ وَالكُرَّاثِ، فَغَلَبَتْنَا الحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا، فَقَالَ: «مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ الإنْسُ» متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَبي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2567). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881)، ومسلم برقم (2943)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1880)، واللفظ له، ومسلم برقم (1379). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (855)، ومسلم برقم (564)، واللفظ له.

كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ» متفق عليه (¬1). الثالث: دور الملائكة مع الكفار والفساق: فالملائكة لا يحبون الكفار والظالمين والمجرمين والفساق، بل يعادونهم ويحاربونهم ويلعنونهم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة:161 - 162]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال:12]. 3 - وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أشَارَ إِلَى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أخَاهُ لأبِيهِ وَأمِّهِ» أخرجه مسلم (¬3). - فضل الملائكة والمؤمنين: 1 - الملائكة أفضل من المؤمنين باعتبار البداية: فالملائكة الآن في الرفيق الأعلى، مستغرقون في عبادة الله، ومنزهون عما يلابسه البشر من الغفلة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3322)، واللفظ له، ومسلم برقم (2106). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5194)، واللفظ له، ومسلم برقم (1436). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2616).

والمعاصي، وهذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر. 2 - والمؤمنون أفضل من الملائكة باعتبار كمال النهاية، إذا دخلوا الجنة .. وسكنوا الدرجات العلا ... وكانوا في قرب ربهم .. ورأوه في الجنة .. ورضي عنهم ... وقامت الملائكة في خدمتهم والسلام عليهم وإكرامهم. - عمل الملائكة في الآخرة: ينزل الله جل جلاله يوم القيامة لفصل القضاء، ويحمل عرشه العظيم ثمانية من الملائكة، وتجيء الملائكة صفاً صفاً، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار. 1 - قال الله تعال: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر:21 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة:17]. 3 - وقال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد:23 - 24]. 4 - وقال الله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} [المدَّثر:30 - 31].

5 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6]. - فقه الإيمان بالملائكة: الملائكة متفاوتون في الخلق .. متفاوتون في الصفات ... متفاوتون في الأعمال ... متفاوتون في الرتب، جعلهم الله رسلاً في تدبير أوامره الكونية والقدرية. وجعلهم الله رسلاً بينه وبين خلقه في تبليغ أوامره الدينية لرسله وأنبيائه. والعلم بعظمة خلق الملائكة، وعظمة قدرتهم وقوتهم وكثرتهم، تزيد الإيمان في القلب، وتطلعه على كمال عظمة الرب، وكمال قدرته، ورحمته لعباده، وتولِّد في القلب المحبة والخوف والرجاء لرب العالمين. فالملائكة خَلْق عظيم، منحهم الله من القوة والقدرة ما يستطيعون به تنفيذ أوامر ربهم في أسرع وقت، فقوة جميع الخلائق كلها لا تساوي قوة ملك واحد، فكيف بقوة جميع الملائكة، فكيف بقوة العزيز الجبار الذي خلقهم؟ فإسرافيل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكله الله بالنفخ في الصور، والصور قرن كالبوق، بنفخة واحدة منه يصعق جميع من في السماوات والأرض إلا من شاء الله. ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فإذا الخلائق كلهم قيام ينظرون كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزُّمَر:68]. فهاتان نفختان من إسرافيل بالأولى مات من في العالم، وبالثانية دبت الحياة

في جميع من في العالم. فماذا يملك إسرافيل من النفخات ... ؟ وإذا كانت هذه قوة نفخته فكم تكون قوة جسده .. ؟ وكم تكون قوة من خلقه وأمره جل جلاله .. ؟ فسبحان العزيز الجبار المتكبر، الذي قهر جميع الخلائق، وخلق القوة في كل قوي: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)} [هود: 66]. وجبريل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكَّله الله بالوحي إلى الأنبياء ونصرتهم، خلق الله له ستمائة جناح، جناح واحد منها لما نشره سد الأفق. وبطرف جناحه قلع خمس قرى من قرى قوم لوط بما فيها من المخلوقات والجبال، ثم رفعها إلى السماء، ثم قلبها عليهم بأمر الله عز وجل. وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه فكم تكون قوة كامل جناحه .. ؟ وكم تكون قوة جميع أجنحته الستمائة التي خلقها الله له .. ؟ وإذا كانت هذه قوة أجنحته فكم تكون قوة جسده .. ؟ وكم تكون قوة خالقه العزيز الجبار جل جلاله ... ؟ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ. متفق عليه (¬1). وميكائيل - صلى الله عليه وسلم - ملك من الملائكة، وكله الله بالقطر والنبات. فكم من المياه يكيلها ويفرقها في العالم بأمر الله ... ؟ وكم من الأرزاق والحبوب التي يكيلها للخلائق كلها بأمر الله .. ؟ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857)، واللفظ له، ومسلم برقم (174).

فسبحان الخلاق القادر الذي أعطاه القدرة على معرفتها وقسمتها وتوزيعها في العالم. وإذا كان ميكائيل يأخذ كل لحظة من خزائن الله، فكم تكون سعة هذه الخزائن التي يأخذ منها .. ؟ وكم تكون قدرة وعظمة الغني الذي خلقها وتكرم بها على خلقه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)} [الحِجر:21]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قال: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً

فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (¬1). وأحد حملة العرش خلقه الله ما بين شحمة أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود (¬2). وإذا كانت المسافة من الأذن إلى العاتق سبعمائة سنة، فكم تكون المسافة من رأسه إلى رجليه .. ؟ وكم تكون قوة هذا الملك الذي يحمل العرش، الذي السموات والأرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في أرض فلاة .. ؟ وكم عظمة العرش الذي هذا الملك العظيم أحد حملته ... ؟ وكم تكون عظمة وقوة وكبرياء الذي خلق العرش، وخلق حملته، وخلق جميع ما في الكون .. ؟ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر:67]. وملك الموت يقسم المنايا بين الخلق بأمر الله، فلا يفر من الموت أحد، ولا يموت أحد قبل أجله، ثم إلى ربهم يحشرون. فكم يقبض ملك الموت من الأرواح في كل لحظة، وفي كل مكان، ومن كل جنس ... ؟ قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)} [السجدة:11]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4727)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (151).

والملائكة الكرام الكاتبين كم يكتبون من الأقوال والأفعال، والحركات والخطوات، والحسنات والسيئات .. والأنفاس والكلمات. قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق:18]. وكم ملائكة السماء ... وكم ملائكة الأرض .. وكم ملائكة الجنة. .. وكم ملائكة النار ... وكم ملائكة الجبال والبحار والنبات والرياح. فكل حركة في العالم العلوي والسفلي فسببها الملائكة الذين ينفذون أوامر الله في ملكه العظيم، ويقسمون أوامر الله في خلقه: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء:27 - 28]. فعلينا أن نؤمن بوجود هؤلاء الملائكة الكرام، الذين يكتبون كل شيء، ويدافعون عن المؤمنين، ويحفظون الإنسان، ويدعون له ويطيعون الله، وينفذون أوامره في ملكه. وعلينا أن نُجِلّهم، ونوقرهم، ونكرمهم، ونستحي منهم، ولا نؤذيهم بقول أو فعل أو معصية. وعلينا محبة الملائكة لما يقومون به من عبادة الله تعالى، والدعاء والاستغفار للمؤمنين. وعلينا حمد الله وشكره على عنايته ببني آدم، حيث وكل بهم من الملائكة من يقوم بحفظهم ونصرتهم وقسمة أرزاقهم. وعلينا عبادة هذا الرب العظيم الذي: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء:44].

3 - الإيمان بالكتب

3 - الإيمان بالكتب - الإيمان بالكتب: هو التصديق الجازم بأن الله تعالى أنزل كتباً على أنبيائه ورسله هداية لعباده، وأنها من كلام الله حقيقة، وأن ما تضمنته حق لا ريب فيه. - عدد الكتب الإلهية: كتب الله عز وجل منها ما سمى الله في كتابه المبين، ومنها ما لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله عز وجل. وقد بين الله في القرآن الكريم أنه أنزل الكتب الآتية: 1 - صحف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى:18 - 19]. 2 - التوراة: وهي الكتاب الذي أنزله الله على موسى - صلى الله عليه وسلم - لبني إسرائيل. قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44)} [المائدة: 44]. 3 - الزبور: وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)} [الإسراء:55]. 4 - الإنجيل: وهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى - صلى الله عليه وسلم - لبني إسرائيل.

قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)} [المائدة:46]. 5 - القرآن: وهو الكتاب الذي أنزله الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ (185)} [البقرة: 185]. - حكم الإيمان بالكتب الإلهية: الإيمان بالكتب أحد أركان الإيمان الستة. فيجب على المسلم الإيمان بالكتب والصحف التي أنزلها الله على رسله هداية لعباده، وهي شريعة الله ودينه في أوقاتها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 2 - وقال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} [البقرة:136]. - أقسام أوامر الله عز وجل: أوامر الله عز وجل نوعان: 1 - أوامر كونية قدرية: وقد وكل الله الملائكة بتنفيذها في ملكه العظيم على كافة مخلوقاته كما قال سبحانه:

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات:1 - 5]. 2 - أوامر الله الشرعية: وهي الكتب الإلهية التي أنزلها الله عز وجل على رسله، وهي تشتمل على الأوامر الشرعية التي تصلح بها أحوال العباد في الدنيا والآخرة، وتحصل بها هدايتهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)} [آل عمران:2 - 4]. - حاجة العباد إلى أوامر الله: جميع الخلائق محتاجون بل مضطرون إلى أوامر الله الكونية من الخلق والرزق، والتدبير والتصريف وغيرها. والناس محتاجون إلى أوامر الله الشرعية أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والتنفس؛ لأنهم بفقدهم ذلك يموتون ويخسرون الدنيا، لكنهم بفقد الدين يخسرون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. وأوامر الله الشرعية هي الدين الذي أنزله الله على رسله لهداية عباده، وتعريفهم بخالقهم ومعبودهم، وما يحب وما يكره من الأقوال والأعمال والأخلاق، وتبين ثواب من أطاعه، وعقوبة من عصاه. فلا بد للملك في ملكه العظيم من أوامر تصلح بها أحوال عباده، من حث وتحريض، ونهي وتحذير، وترغيب وترهيب. فمن أحسن أثيب ... ومن أساء عوقب. ولا بد للملك من سفراء بينه وبين خلقه، وهم الأنبياء والرسل الذين يربيهم،

وينزل عليهم الوحي، فيعملون به، ويستقيمون عليه، يبينون للناس ما نزل إليهم من أوامر وأحكام، ويبلغون دينه لخلقه، ويحكمون بين الناس بالعدل والإحسان، وينفذون أوامر الله في خلقه. ولا بد للملك من محكمة يحاسب فيها من أطاعه ومن عصاه، وهي يوم القيامة وبعد الحساب يكون الناس فريقين. فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة ... ومن كفر بالله دخل النار. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. - حكمة إنزال الكتب. الله عز وجل نظم الكون بسننه، وسيَّره بقدرته. فالنبات له سنن، والمياه لها سنن، والجبال لها سنن. وقد أكرم الله الإنسان حين أنزل عليه كتاباً يسير على هديه، ويعرِّفه بخالقه ورازقه وما يجب له. فإنّ عقل الإنسان قاصر محدود، لا يدرك تفاصيل المنافع والمضار، وتغلب عليه الشهوات، وتلعب به الأهواء، ولا يعلم ما في الغيب، ولا ما بعد الموت، ولا ما في اليوم الآخر. ولو وكلت البشرية إلى عقولها القاصرة لضلت وتناحرت وهلكت، ولكن

الله برحمته أرسل الرسل بالكتب لبيان ذلك كله. قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران:164]. - مقاصد الكتب السماوية: كتب الله عز وجل تجمع للعبد خيري الدنيا والآخرة. وكل كتاب من كتب الله عز وجل جاء بثلاثة أمور: الأول: تعريف الناس بربهم ليعبدوه وحده، ويجتنبوا عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء:25]. الثاني: تعريفهم بالطريق الموصل إليه، وهو امتثال ما شرعه الله من الأوامر، واجتناب ما نهى الله عنه. قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام:153]. الثالث: تعريفهم بمالهم بعد القدوم عليه سبحانه، فللمؤمن الجنة، وللكافر النار. قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} ... [الروم:14 - 16].

- أنواع الشرائع الإلهية: الشرائع التي أنزل الله على عباده ثلاث: الأولى: شريعة العدل: وهي شريعة التوارة، شريعة الجلال والقهر، وفيها الحكم والقصاص بالعدل. الثانية: شريعة الفضل: وهي شريعة الإنجيل، شريعة الجمال والفضل والإحسان، وفيها الحث على مكارم الأخلاق من العفو والصفح والإحسان. الثالثة: شريعة العدل والإحسان، وهي شريعة القرآن، التي تذكر العدل وتوجبه، وتذكر الإحسان وتندب إليه، وتذكر الظلم وتحرمه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. وقد أرسل الله بالأولى موسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأرسل بالثانية عيسى - صلى الله عليه وسلم - .. وأرسل بالأخيرة محمداً - صلى الله عليه وسلم -. فشريعة موسى - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالجلال، وشريعة عيسى - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالجمال، وشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - جاءت بالكمال الجامع للجلال والجمال، والعدل والإحسان ولهذا رضيها الله ديناً للبشرية إلى يوم القيامة كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. - منزلة الكتب. صحف إبراهيم فيها الأوامر بعبادة الله وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه. والقرآن والتوراة كتابان من عند الله، وكل منهما أصل مستقل، والذي فيهما

دين واحد فيه بيان صفات الله، والأمر بعبادته وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه، كلٌّ في وقته. والزبور فيه دعاء وثناء على الله، وأمر ونهي، وداود - صلى الله عليه وسلم - متبع لشريعة التوراة. وأما الإنجيل فعيسى - صلى الله عليه وسلم - متبع لشريعة التوراة، وأحل لبني إسرائيل بعض الذي حُرِّم عليهم. والقرآن الكريم أصل مستقل بنفسه، مهيمن على غيره، مشتمل على جميع ما في الكتب السابقة من المحاسن، وفيه زيادات وتشريعات لا توجد فيما قبله من الكتب، وهو ناسخ لجميع الكتب قبله. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (48)} [المائدة: 48]. وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. - موقف الناس من الكتب: ينقسم الناس بالنسبة للكتب الإلهية إلى أربعة أقسام: الأول: من آمن بها كلها، وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميع الأنبياء والرسل، وبما أنزل إليهم. قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285].

الثاني: من كفر بها كلها، وهم جميع الكفار والمشركين. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. الثالث: من آمن ببعض الكتب، وكفر ببعضها، وهم اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)} [البقرة:91]. وقد توعد الله هؤلاء بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة:85]. الرابع: من آمن بها ظاهراً، وكفر بها باطناً، وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، وعذابهم في أسفل النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء:145 - 146]. - حكم العمل بالكتب السابقة: 1 - نؤمن بأن الله عز وجل أنزل الكتب السابقة لهداية عباده وهي شريعته ودينه

في أوقاتها، ونصدق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف منها. 2 - نعمل بأحكامها ما لم ينسخ في شريعتنا ذلك الحكم. وجميع الكتب الإلهية السابقة كالتوارة والإنجيل والزبور وغيرها منسوخة بالقرآن كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (48)} [المائدة: 48]. 3 - ما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة والإنجيل، أو العهد القديم والعهد الجديد، لا تصح نسبته كله إلى أنبياء الله ورسله، فقد كُتب بعدهم، ووقع فيه التحريف والتبديل، ومنها ما كتموه، ومنها ما افتروه. كقول اليهود عزير ابن الله .. وقول النصارى المسيح ابن الله .. وقول اليهود إن الله فقير .. وقولهم إن يد الله مغلولة .. واتهام الأنبياء بما لا يليق بمقامهم .. ووصف الخالق بما لا يليق بجلاله. فيجب رد ذلك كله، وعدم الإيمان إلا بما جاء في القرآن والسنة وتصديقه. 4 - إذا حدَّثَنا أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم، ولكن نقول آمنا بالله وكتبه ورسله. فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم، وإن كان ما قالوه باطلاً لم نصدقهم، ونجادلهم بالتي هي أحسن إلا الظالم منهم، ومجادلتنا لهم مبنية على إيماننا بالله وكتبه ورسله، فلا نقدح في شيء من كتب الله المنزلة، ولا في أحد من رسله كما قال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ

وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)} [العنكبوت:46]. وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]» أخرجه البخاري (¬1). - حكم العمل بالقرآن الكريم: القرآن الكريم أعظم الكتب الإلهية، وأفضلها، وأحسنها، وأكملها، أنزله الله على خاتم رسله، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. فالقرآن العظيم أفضل الكتب .. نزل به أفضل الملائكة وهو جبريل .. على أفضل الخلق وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ... على أفضل أمة أخرجت للناس وهي هذه الأمة .. بأفضل الألسنة وأفصحها وهو اللسان العربي المبين .. بأفضل شريعة وأكملها وهي ما فيه من الأحكام والسنن والفضائل والآداب. فيجب على كل أحد الإيمان به، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه كما قال سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)} [التغابن:8]. والقرآن كتاب الله وشرعه ومنهجه للبشرية إلى يوم القيامة. كما قال سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4485).

وقد تكفل الله بحفظه فسلم من التحريف والتبديل، ومن الزيادة والنقصان كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحِجر:9]. ولا يقبل الله العمل بغيره بعد نزوله، لأنه ناسخ لما قبله، وجميع ما قبله من كتب الله شريعة في وقتها، ثم جاء القرآن ناسخاً لها. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 2 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» أخرجه مسلم (¬1). - فضل القرآن الكريم: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزُّمَر:23]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء:82]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} ... [الإسراء:9 - 10]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (153).

- فقه آيات القرآن الكريم: آيات القرآن فيها تبيان كل شيء، وهي إما خبر أو طلب. وأخبار القرآن نوعان: 1 - إما خبر عن الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، وهو الله عز وجل. 2 - وإما خبر عن المخلوق. إما في العالم العلوي كالعرش، والكرسي، والسماء، والملائكة، والنجوم ونحو ذلك. وإما في العالم السفلي كالأرض، والنبات، والحيوان، والإنسان، والجبال، والبحار ونحوها. وإما خبر عن الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأعدائهم، وجزاء كل فريق ونحو ذلك. وإما خبر عن اليوم الآخر، والجنة والنار ونحو ذلك. والطلب في القرآن نوعان: 1 - إما أَمْر بعبادة الله وحده، وطاعة الله ورسوله، وفعل ما أمر الله به كالصلاة والزكاة، والعدل والإحسان، والدعوة والأمر بالمعروف ونحو ذلك. 2 - وإما نهي عن الشرك بالله، وتحذير مما حرم الله كالربا والفواحش ونحو ذلك مما نهى الله عنه كالظلم والمعاصي وسيء الأخلاق. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق:12].

2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. - قوة كلام الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} [الرعد:31]. 2 - وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الحشر:21]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف:109]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء:88]. 5 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فُصِّلَت: 41 - 42]. - فقه الإيمان بالكتب: الكتب الإلهية هي كلام الله التي أنزلها رحمة بعباده. وكلمات الله نوعان: 1 - كلمات كونية: وهي التي كوَّن بها الكون وخلقه ودبره، وهي أمره النافذ في جميع ملكه في كل لحظة.

2 - كلمات شرعية: وهي كتبه المنزلة على رسله هداية لعباده. وكلمات الله جل جلاله فيها من العظمة والقوة والفصاحة ما لا يدركه عقل، ولا يخطر على قلب بشر، فالله عظيم، وأسماؤه وصفاته عظيمة، وكلامه عظيم، وعدد كلماته لا يمكن أن يحصيها أحد، وفوق ما يتصور كل أحد، فلو جمعنا أشجار الدنيا أقلاماً، وبحار الدنيا وسبعة أضعافها مداداً ما نفدت كلمات الله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)} [لقمان:27]. وقوة كلام الله عز وجل فوق ما يتصور كل أحد، فمن قوة كلام الله عز وجل أنه بحرفين من كلامه خلق هذا الكون العظيم، وفي كل لحظة يخلق ما لا يحصيه إلا هو من الخلائق في السماء والأرض: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس: 82 - 83]. وإذا كانت هذه قوة حرفين من كلامه (كن)، فكم تكون قوة كلماته التامات التي لو كانت سبعة أبحر مداداً لها لم تنفد .. ؟ وكم قوة كل كلمة منها .. ؟ وكلام الله تبارك وتعالى كله عظيم، وكله حسن، وكله نور، وكله مشتمل على كل خير. وفصاحة كلام الله وحسنه وجماله وجزالته تملك قلب كل أحد، ويعجز عنها كل أحد، بل قد عجز الثقلان عن أن يأتوا بسورة أو آية من أحسن كتبه وهو القرآن كما قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء:88]. فسبحان الملك العظيم القادر على كل شيء.

كم من الكلمات الكونية التي يخلق بها الخلائق كل لحظة ... ؟ وكم من الكلمات التي يأمر ويصرِّف بها الخلائق كل لحظة .. ؟ وكم من الكلمات التي يغير بها الأحوال كل لحظة من حياة وموت ... وغنى وفقر .. وعافية ومرض ... وأمن وخوف .. وحر وبرد .. وعزة وذلة؟ بكلمة واحدة يتغير كل شيء، ويزول كل شيء، ويحصل كل شيء: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر:50]. كم من الكتب الإلهية التي أنزلها الله رحمة بعباده .. ؟ وكم من الأوامر الشرعية التي شرعها لعباده .. ؟ وكم أرسل من الرسل بتلك الكتب .. ؟ فما أعظم هذا الرب العظيم الحليم الكريم العزيز الرحيم. وما أعظم أسماءه وصفاته وأفعاله. فهو أهل أن يُعظّم ... وأهل أن يُعبد .. وأهل أن يُحمد .. وأهل أن يُطاع. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102].

4 - الإيمان بالرسل

4 - الإيمان بالرسل 1 - الإيمان بالرسل - معنى الإيمان بالرسل: الإيمان بالرسل: هو التصديق الجازم بأن الله عز وجل بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم جميعاً مرسلون صادقون. وقد بلَّغوا جميع ما أرسلهم الله به، منهم من أعلمنا الله باسمه، ومنهم من استأثر الله بعلمه. - الفرق بين الرسول والنبي: لفظ الرسول والنبي كلفظ الإسلام والإيمان، إذا اجتمعا فلكل واحد معنى، وإذا انفرد أحدهما شمل معنى الآخر. فيطلق الرسول على النبي، ويطلق النبي على الرسول، فيكون معناهما واحداً، وهذا هو الغالب. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46].

وتارة يذكران معاً في آية واحدة، فيكون لكل واحد منهما معنى. كما قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} [الحج:52]. فالرسول: من أوحى الله إليه بشرع، وأمره بإبلاغه إلى من لا يعلمه، أو يعلمه ولكنه خالفه. والنبي: من أوحى الله إليه بشرع سابق ليعلِّمه من تركه، ويجدده. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. والذين ذكرهم الله في القرآن كلهم أنبياء ورسل. - بعث الأنبياء والرسل: لم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحي إليه بشريعة من قبله ليجددها، ويعلِّمها من حوله. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ (44)} [المائدة: 44]. - حكم الإيمان بالأنبياء والرسل: الإيمان بأنبياء الله ورسله أحد أركان الإيمان الستة. فيجب علينا الإيمان بجميع الأنبياء والرسل وتصديقهم، ومن كفر بواحد

منهم فقد كفر بهم جميعاً. ويجب علينا تصديق ما صح عنهم من أخبار، والاقتداء بهم في صدق الإيمان، وكمال التوحيد، وحسن الخلق، والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم، وهو سيدهم وخاتمهم الذي أرسله الله إلى الناس كافة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. - حقوق الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل أفضل الخلق؛ لكمال إيمانهم .. وصدق يقينهم .. وحسن عبادتهم .. وحسن أخلاقهم .. وكمال معرفتهم بالله وأسمائه وصفاته وشرعه .. وإحسانهم إلى الخلق .. ورحمتهم للناس .. وصبرهم على دعوة الخلق إلى الدين .. وبذلهم كل ما يملكون في سبيل إعلاء كلمة الله، ليعبد الله وحده لا شريك له. فحقوقهم علينا: الإيمان بهم، وتصديقهم، ومحبتهم، والثناء عليهم من غير إطراء، وتوقيرهم، والصلاة والسلام عليهم عند ذكرهم، والاقتداء بهم في كمال التوحيد والإيمان، وحسن الخلق، والدعوة إلى الله، والاقتداء والعمل بشريعة من أُرسل إلينا منهم وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى

الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران:33 - 34]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157]. - حكمة بعث الأنبياء والرسل: بعث الله جميع الأنبياء والرسل لتحقيق ثلاثة مقاصد: الأول: دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل:36]. الثاني: بيان الطريق الموصل إلى الله وإلى رضاه. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. الثالث: بيان حال الناس بعد القدوم على ربهم يوم القيامة. قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} [الحج:49 - 51]. - عدد الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرون. والذين ذكرهم الله في القرآن قسمان: الأول: مَنْ بَيَّن الله أسماءهم، وقص علينا أخبارهم، وهم خمسة وعشرون: آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وداود، وسليمان، وأيوب، واليسع، ويونس، ولوط، وإلياس، وزكريا، ويحيى، وذو الكفل، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد ذكر الله هؤلاء جميعاً في القرآن الكريم كما يلي: 1 - آدم - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} [طه:115]. 2 - ثمانية عشر ذكرهم الله بقوله سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام:83 - 87].

3 - إدريس - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)} [مريم:56]. 4 - هود - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)} [الشعراء:123 - 125]. 5 - صالح - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)} [الشعراء:141 - 143]. 6 - شعيب - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)} [الشعراء:176 - 178]. 7 - ذو الكفل - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)} [ص:48]. 8 - محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. فهؤلاء خمسة وعشرون كلهم أنبياء ورسل. الثاني: من لم نعلم أسماءهم، ولم يقص الله علينا أخبارهم. وهؤلاء كثيرون لا يحصيهم ولا يعلمهم إلا الذي أرسلهم، فنؤمن بهم

إجمالاً؛ تصديقاً لخبر الله عنهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)} [غافر:78]. 2 - وقال الله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء:164 - 165]. - أولو العزم من الرسل: أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح .. وإبراهيم .. وموسى .. وعيسى .. ومحمد .. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى:13]. وقد تميز هؤلاء بمواجهة عتاة البشرية: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 34]. - أفضل الأنبياء والرسل: أفضل البشر هم المؤمنون .. وأفضل المؤمنين الأنبياء والرسل .. وأفضل الأنبياء والرسل هم أولو العزم .. وأفضل أولي العزم سيد ولد آدم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

أعلم الخلق بالحق .. وأنصح الخلق للخلق .. وأفصح الخلق في البلاغ والبيان .. وأكملهم معرفة بالله وأسمائه وصفاته .. اجتمع في حقه: كمال العلم بالحق .. وكمال الإيمان به .. وكمال الإرادة له .. وكمال القدرة على بيانه .. وكمال العمل به .. وكمال الدعوة إليه ... وكمال الصبر عليه .. فصلوات الله وسلامه عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (¬1). - أول الأنبياء والرسل: أول الرسل من ذرية آدم نوح - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163]. 2 - وعن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - في حديث الشفاعة ... وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهْلِ الأرْضِ» متفق عليه (¬2). - آخر الأنبياء والرسل: آخر الرسل إلى أهل الأرض محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712)، ومسلم برقم (194). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340)، واللفظ له، ومسلم برقم (194).

- تربية الأنبياء والرسل: الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، اصطفى من البشر رسلاً وأنبياء، علَّمهم ورباهم، وأرسلهم إلى عباده بدينه. واشتملت تربيتهم ودعوتهم على أربعة أمور: تحصيل الإيمان .. وحفظ الإيمان .. والاستفادة من الإيمان ... ونشر الإيمان. فاجتهدوا لتحصيل الإيمان بالنظر والتفكر في آيات الله ومخلوقاته، والعبادة والتزكية، وكثرة ذكر الله، حتى جاء في قلوبهم اليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، وأنه خالق كل شيء، وبيده كل شيء، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له. وبذلوا من أجل الدين كل شيء، وصبروا على كل ذلك، فكمل الإيمان واليقين في قلوبهم. ثم اجتهدوا لحفظ الإيمان بلزوم العبادة، والبيئات الصالحة، والعمل الصالح، والإكثار من ذكر الله، ومواصلة الدعوة إلى الله، وبذل كل جهد في سبيل إعلاء كلمة الله. ثم اجتهدوا لقضاء حاجاتهم وحاجات الدين بالاستفادة من الإيمان، فيرون أن الله معهم حيثما كانوا، ويطلبون منه وحده كل شيء. كما أغرق الله الكفار بدعاء نوح - صلى الله عليه وسلم - .. وفتح البحر لموسى .. وفجر الحجر بالماء لموسى .. وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم .. وخرج الماء من بين أصابع محمد - صلى الله عليه وسلم - .. ونصره في غزوة بدر والأحزاب وحنين وغيرها.

وهكذا استفادوا من قدرة الله، ومن خزائن الله. ثم اجتهدوا على نشر هذا الإيمان، وهذا اليقين بين أقوامهم، ومن أُرسلوا إليه، ليعبدوا الله وحده لا شريك له. فالله ربى أنبياءه ورسله على هذا الإيمان، والأنبياء والرسل يربون أممهم على ذلك، فيزيد إيمانهم وإيمان أتباعهم، ويتحقق مراد الله من خلقه بعبادته وحده لا شريك له. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. - صفات الأنبياء والرسل: 1 - جميع الأنبياء والرسل رجال من البشر، اجتباهم الله واصطفاهم على سائر الناس، وفضّلهم بالنبوة والرسالة، وجمّلهم بأحسن الأخلاق. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران:33]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - جميع الأنبياء والرسل أفضل الخلق إيماناً وعلماً، وعملاً وتعبداً، وأخلاقاً وتواضعاً، فقد وصف الله سيدهم وأفضلهم بالعبودية والرحمة في كتابه. 1 - قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1].

2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107]. 3 - جميع الأنبياء والرسل بشر مخلوقون. يأكلون .. ويشربون .. وينسون .. وينامون .. ويمرضون .. ويموتون. وهم كغيرهم من البشر لا يملكون شيئاً من خصائص الربوبية والألوهية، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم من الأمر شيء. فلا يملكون النفع والضر لأحد إلا ما شاء الله، ولا يملكون شيئاً من خزائن الله جل جلاله، ولا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه. لكنهم قدوة البشر في الإيمان، والطاعة، والعبادة، والعمل الصالح، والخلق الحسن. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف:188]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)} [الأنعام:50]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. 4 - الأنبياء والرسل أطهر البشر قلوباً، وأصدقهم إيماناً، وأقواهم عبادة، وأذكاهم عقولاً، وأحسنهم أخلاقاً، وأكملهم ديناً، وأقواهم صبراً، وأشدهم بأساً، وأعظمهم رحمة، وأكملهم أجساماً، وأحسنهم صورة، وأصدقهم حديثاً.

1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. 2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29]. - خصائص الأنبياء والرسل: خص الله الأنبياء والرسل بخصائص أهمها: 1 - أن الله اصطفاهم بالوحي والرسالة. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)} [الحج:75]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (163)} [النساء: 163]. 2 - أنهم معصومون فيما يبلغونه للناس من الدين. قال الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم:1 - 5]. 3 - أنهم لا يورثون بعد موتهم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» متفق عليه (¬1). 4 - أنها تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم. عَنْ أنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - في قصة الإسراء- وفيه: وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأنْبِيَاءُ تَنَامُ أعْيُنُهُمْ وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. متفق عليه (¬2). 5 - أنهم يخيرون عند الموت بين الدنيا والآخرة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» متفق عليه (¬3). 6 - أنهم يقبرون حيث ماتوا. عَنْ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُقْبَرَ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ يَمُوتُ» أخرجه أحمد (¬4). 7 - أنهم أحياء في قبورهم يصلون. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ رَأيْتُنِي فِي الحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْألُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَألَتْنِي عَنْ أشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ لَمْ أثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قال: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا ¬

(¬1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (6730) واللفظ له، ومسلم برقم (1757). (¬2) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (3570) واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4586)، واللفظ له، ومسلم برقم (2444). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27).

إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأنِي بِالسَّلامِ» أخرجه مسلم (¬1). 8 - أن أزواجهم لا تنكح من بعدهم. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب: 53]. 9 - أن الله يرسل الأنبياء والرسل من الرجال لا من النساء. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل:43]. - إلى من بعث الله الأنبياء والرسل: بعث الله جميع الأنبياء والرسل السابقين إلى أقوامهم خاصة. وبعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، والعالم أجمع. فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأفضلهم، وأرسله الله رحمة للعالمين إلى يوم الدين. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد:7]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (172).

أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} [سبأ:28]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107]. - الأصول التي دعا إليها الأنبياء والرسل: جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالتوحيد الخالص ... الذي لا ظل فيه للشرك في صورة من صوره، وأمروا الناس بعبادة الله وحده .. وأخبروا أممهم أنهم بشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه .. ولا يملكون بسط الرزق لأحد .. ولا قبض الرزق عن أحد. وأنذروا قومهم الآخرة، ورغَّبوهم في الجنة .. وحذروهم من النار .. وأمروهم بطاعة الله .. ونهوهم عن معصية الله .. ودعوا إلى مكارم الأخلاق. فهذه الأصول التي دعا إليها كل رسول من رسل الله إلى عباده. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} [الأنعام:151]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36]. - حاجة البشرية إلى الأنبياء والرسل: الأنبياء والرسل هم مصابيح الدجى، وينابيع الهدى في هذه الأرض، فهُدى الله للبشر جاء بواسطتهم.

وما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا، وما أنزل الله الكتب إلا ليُحكم بها بين الناس، ليُعبد الله وحده، ويكون الدين كله لله. وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وإحسانه، فما كان الله ليخلق بني آدم، ويجمعهم في الأرض، ثم يتركهم سدى، ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث إليهم رسولاً يبين لهم ما يتقون، وينزل عليهم كتاباً به يرشدون. بل مَنَّ الله على البشرية كافة ببعثة الأنبياء والرسل إليهم كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران:164]. - حاجة الإنسان إلى الدين: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وخلق فيه العين يبصر بها الأشياء، والأذن يسمع بها الأصوات، والعقل يستفيد به من طاقات الأرض التي سخرها الله له، ويميز به بين البدائل الممكنة، وما كان الله ليدع هذا الإنسان وحده بدون منهج يعتمد عليه، ومبادئ يرجع إليها في أقواله وأفعاله، فالعقل لا يستقل بمعرفة ما ينفعه وما يضره، وتسيطر عليه رغباته وشهواته. وليس العقل موكلاً بصياغة نظام للحياة، فهذا مجال الدين والشريعة التي تأتي من الله بواسطة رسله، فيؤمن بها، ويتبع ما جاءت به. ومن ثم لا يكل الله الإنسان إلى العقل وحده، ولا إلى ما أودع في فطرته من معرفة ربه، ولجوئه إليه في الشدائد.

فهذه الفطرة قد تفسد بسبب الإغواء والتضليل والتزيين الذي يقوم به شياطين الإنس والجن. إنما يكل الله الناس إلى وحيه المنزل على رسله، الذي كله هدى ورحمة وشفاء، يكمل به فطرتهم، ويصحح به عقولهم، ويجلو به غاشية الظلام الذي أصابهم. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام:104]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} [النساء:170]. - ثمرات الإيمان بالأنبياء والرسل: معرفة الأنبياء والرسل، والإيمان بهم، له ثمرات: منها: معرفة كمال رحمة الله بعباده، وعنايته بهم، حيث أرسل إليهم الرسل يأمرونهم بعبادة الله وحده، ويبينون لهم كيف يعبدونه. ومنها: حمد الله وشكره على هذه النعمة. ومنها: محبة الرسل، وتصديقهم، والثناء عليهم من غير إطراء؛ لأنهم رسل الله آمنوا بالله، وقاموا بعبادته، وإبلاغ رسالته، والنصح لعباده. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (¬1). - فقه الإيمان بالأنبياء والرسل: أكرم الله آدم - صلى الله عليه وسلم - بكرامات: فخلقه سبحانه بيده ... ونفخ فيه من روحه .. وأسجد له ملائكته .. وأسكنه جنته .. وجعله خليفة في الأرض. وأكرم الله بني آدم بكرامات: ففطرهم على التوحيد، ووهبهم العقول والأسماع والأبصار، وجعل منهم الأنبياء والرسل، وأرسلهم إلى خلقه بالدين، واصطفى الله هؤلاء الأنبياء والرسل، وجعلهم أئمة الناس في الخير والهدى، وحسن العبادة، وحسن الخلق. والإيمان بالأنبياء والرسل ليس فقط اعتقاداً بالقلب، بل هو مع ذلك عمل إيجابي في تنفيذ جميع ما جاءوا به، وفيما وقفوا حياتهم كلها من أجله، وهو إبلاغ رسالة الله إلى عباده. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وشرعه مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس كافة. والشرائع السابقة أكملها الله بالإسلام، ورسول الله جاء ليكمل اللبنة الناقصة في البناء الإيماني، ليكمل البناء، ويكون صالحاً مفتوحاً لكل فرد من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15) واللفظ له، ومسلم برقم (44).

البشرية إلى يوم القيامة. فما أعظم فضل الرب على الناس .. وما أعظم رحمته بهم ... وما أعظم عنايته بهم .. وتودده إليهم. يرسل إليهم رسولاً بعد رسول، ويهديهم بكتاب بعد كتاب، حتى أكمل الله الدين، وبعث به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين. إن مصائر البشرية كلها في الدنيا والآخرة منوطة بالرسل، وبأتباعهم من بعدهم، وهي أمانة عظيمة ثقيلة جسيمة كبيرة، إنها أمانة إبلاغ رسالة الله إلى خلقه، والتي عليها مدار سعادتهم وشقاوتهم في الدنيا والآخرة. ولهذا قام بها الأنبياء والرسل على أكمل وجه، وبذلوا كل ما يملكون من أجل وصول الحق إلى الخلق، والله يعينهم ويحفظهم وينصرهم، لمحبته لعباده، ورحمته لهم، وشدة عنايته بهم. فكم أرسل الله من الأنبياء والرسل إلى البشرية .. ؟ وكم من رسالة حملوها إلى ذرية آدم .. ؟ وكم بذلوا من الأوقات والأموال والأنفس في سبيل إبلاغ دين الله إلى الناس .. ؟ وكم تركوا من الديار والأهل والأموال والشهوات من أجل أن يكون الدين كله لله ... ؟ وكم تعرضوا للسب والشتم والقتل وهم يبلغون رسالات الله .. ؟ وكم صبروا على الأذى والظلم، والافتراء والتكذيب، والاستهزاء والسخرية من أقوامهم .. ؟ وكم وقفوا بين يدي ربهم ركعاً وسجداً وبكيًّا .. ؟

وكم أحسنوا إلى الناس .. ؟ وكم رحموا من أهل الأرض؟ وكم من البشرية هداهم الله على أيديهم .. ؟ فنالوا رضوان ربهم .. وبلغوا رسالات الله .. وفازوا بأعلى الجنان. ثم مضى هؤلاء الأنبياء والرسل من أول الرسل نوح - صلى الله عليه وسلم -، إلى خاتمهم وسيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبقي هذا الواجب العظيم الثقيل على من بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين برسالته. ولا فكاك أبداً من هذه التبعة الثقيلة إلا بإبلاغ رسالة الله على ذات المنهج الذي بلَّغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدين للناس كافة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36)} [النحل: 36]. 3 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)} [يونس:108]. 5 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52].

2 - محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

2 - محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - نسبه - صلى الله عليه وسلم -: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأمه آمنة بنت وهب، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة. عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» أخرجه مسلم (¬1). - مولده - صلى الله عليه وسلم -: ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين بمكة عام الفيل، الموافق عام 570م. ومات والده عبد الله وهو حمل في بطن أمه آمنة. ولما ولد - صلى الله عليه وسلم - كفله جده عبد المطلب، ولما مات جده كفله عمه أبو طالب. وماتت أمه آمنة وهو ابن ست سنين. - صفاته - صلى الله عليه وسلم -: صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين: الأول: الصفات البدنية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2276).

كان - صلى الله عليه وسلم - متوسط القامة .. ليس بالطويل ولا بالقصير .. وليس بالجسيم ولا بالنحيف .. عريض الصدر .. ضخم اليدين والقدمين ... مبسوط الكفين لينهما، قليل لحم العقبين ... يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة ... وشعر رأسه يبلغ شحمة أذنيه .. أحسن الناس وجهاً ... أبيض اللون مزهراً ... مستدير الوجه مليحه .... واسع الفم ... رَجِل الشعر ... ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير ... سليم الحواس والأعضاء ... نظيف البدن .. حسن الهيئة والشكل ... طيب الرائحة. الثاني: الصفات الأخلاقية. كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، وكان خُلقه القرآن. فهو أشجع الناس ... وأكرم الناس ... وأرحم الناس .. وأعف الناس .. وأعلم الناس .. وأصدق الناس .. وأزهد الناس .. وأحلم الناس .. وأصبر الناس .. يضحك مع الناس .. ويبكي من خشية الله .. فصيح اللسان .. ثابت الجنان .. لين الجانب ... لطيف المعاملة .. حسن العشرة ... حسن الفهم ... قوي العقل ... صائب الرأي .. يعفو ويصفح عمن أساء ... رحيماً رفيقاً ... بعيداً عن الغلظة والقسوة .. جريئاً في قول الحق .. أميناً في أقواله وأعماله ومعاملاته .. إذا حدث صدق .. وإذا عاهد وفى ... قليل الكلام .. كثير الذكر والاستغفار والتوبة .. يؤثر غيره على نفسه ... ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر. أعظم الخلق إيماناً .. وأفضلهم خلقاً .. وأحسنهم عبادة .. وأصدقهم تقوى .. وأشجعهم نفساً .. وأرحمهم قلباً .. وأشدهم حياءً .. كان خلقه القرآن. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4].

2 - عَنْ سَعْد بنِ هِشَامٍ أَنه قَال لِعائِشةَ: يَا أُمَّ المُؤمِنين أنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القُرْآنَ. أخرجه مسلم (¬1). - أسماؤه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِي خَمْسَةُ أسْمَاءٍ: أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَأنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأنَا العَاقِبُ» متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أسْمَاءً، فَقَالَ: «أنَا مُحَمَّدٌ، وَأحْمَدُ، وَالمُقَفِّي، وَالحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ» أخرجه مسلم (¬3). - بعثته - صلى الله عليه وسلم -: جاء جبريل - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو في غار حراء، وأخبره أنه رسول الله إلى الناس كافة. وكان ذلك على رأس الأربعين من عمره. عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلَى أهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (746). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3532) واللفظ له، ومسلم برقم (2354). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2355).

يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ». قَالَ: «فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ: «مَا أنَا بِقَارِئٍ»، فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}. فَرَجَعَ بِهَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا واللهِ! مَا يُخْزِيكَ اللهُ أبَداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَءاً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأخْبَرَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ، لَيْتَنِي أكُونُ حيّاً إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟». قَالَ: نَعَم، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وَإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3) واللفظ له، ومسلم برقم (160).

- دعوته - صلى الله عليه وسلم -: لما نزل الوحي بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى توحيد الله، والإيمان به وعبادته وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه. فلقي صنوفاً من الأذى، فصبر ودعا وجاهد حتى أظهر الله دينه. ولما هاجر إلى المدينة شرعت الأحكام، وبدأ الجهاد في سبيل الله وعز الإسلام، وكمل الدين، فنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - في حجته وهو واقف بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} [المائدة: 3]. - وفاته - صلى الله عليه وسلم -: مات النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة يوم الإثنين من ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، ولحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى بعدما بلّغ البلاغ المبين، ودل الأمة على كل خير، وحذرها من كل شر، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى عليه المسلمون، ودفن في المكان الذي مات فيه في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فصلوات الله وسلامه عليه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزُّمَر:30]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران:144].

- خصائصه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خاتم النبيين، وسيد المرسلين .. وإمام المتقين .. ورسالته عامة للثقلين .. أرسله الله رحمة للعالمين .. وأسرى به إلى بيت المقدس .. وعرج به إلى السماء .. وناداه الله بوصف النبوة والرسالة وغير ذلك مما سبق. 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب:40]. 2 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) واللفظ له، ومسلم برقم (521).

2 - ومما خصه الله به دون أمته. الوصال في الصيام .. والزواج بلا مهر .. ونكاح أكثر من أربع نساء .. وعدم أكل الصدقة .. وأنه يسمع ما لا يسمع الناس .. ويرى ما لا يرى الناس كما رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها. - حقوقه - صلى الله عليه وسلم -: للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته حقوق كثيرة أهمها: 1 - الإيمان به، ومحبته، وطاعته، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7]. 2 - الصلاة والسلام عليه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56]. 3 - تعظيم ما جاء به، ولزومه، وعدم تجاوزه إلى غيره. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحُجُرات:1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115]. 4 - الاقتداء به في أقواله وأعماله وأخلاقه وسائر أحواله.

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. 5 - توقيره - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)} [الفتح:9]. 6 - عدم إيذاء أحد من أتباعه بغير حق. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب:58]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10]. - أزواجه - صلى الله عليه وسلم -: أمهات المؤمنين هن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وكلهن مسلمات، طيبات، طاهرات، نقيات، مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن، وهن إحدى عشرة امرأة: خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وسودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وميمونة بنت الحارث. فهؤلاء أزواجه - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن أجمعين، مات قبله منهن خديجة بنت خويلد، وزينب بنت خزيمة. وتوفيت الباقيات بعده. وأفضل أزواجه خديجة، وأحبهن إليه عائشة -رضي الله عنهن أجمعين-.

- أولاده - صلى الله عليه وسلم -: 1 - الأبناء: ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبناء، وهم: القاسم، وعبد الله، وهذان من زوجته خديجة رضي الله عنها. وإبراهيم من سُرِّيَّته مارية القبطية. وكلهم ماتوا صغاراً، القاسم وعبد الله في مكة، وإبراهيم في المدينة. 2 - البنات: رُزق النبي - صلى الله عليه وسلم - من زوجته خديجة أربع بنات وهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وكلهن تزوجن ومتن قبله إلا فاطمة فماتت بعده. وجميعهن مسلمات، طيبات، طاهرات، رضي الله عنهن أجمعين، وأكملهن فاطمة رضي الله عنها. - أصحابه - صلى الله عليه وسلم -: أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم خير القرون، ولهم فضل عظيم على جميع الأمة. اختارهم الله عز وجل لصحبة رسوله، فآمنوا بالله ورسوله، ونصروا الله ورسوله، وهاجروا ونصروا من أجل إعلاء كلمة الله، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، حتى رضي الله عنهم ورضوا عنه، فرضي الله عنهم أجمعين، وأفضلهم المهاجرون، ثم الأنصار. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 2 - عَنْ عَبْدِاللهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ

الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ: تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» متفق عليه (¬1). - حق أصحابه - صلى الله عليه وسلم -: يجب على كل مسلم في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلي: محبتهم جميعاً بالقلب .. والثناء عليهم باللسان .. والترضي عنهم .. والاستغفار لهم .. والكف عما شجر بينهم .. وعدم سبهم ... فكلهم مجتهد من أصاب فله أجران .. ومن أخطأ فله أجر واحد .. وذلك لما لهم من المحاسن والفضائل وصدق الإيمان، وبذل المعروف والإحسان، ونصرة الله ورسوله بالطاعة والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله .. والهجرة والنصرة ابتغاء مرضاة الله، وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله. فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأولئك هم المؤمنون حقاً. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 2 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (29)} [الفتح: 29]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَباً، مَا أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ، وَلا نَصِيفَهُ» متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2652)، واللفظ له، ومسلم برقم (2533). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673)، ومسلم برقم (2540)، واللفظ له.

5 - الإيمان باليوم الآخر

5 - الإيمان باليوم الآخر 1 - الإيمان باليوم الآخر - اليوم الآخر: هو يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلائق للحساب والجزاء. سمي بذلك لأنه لا يوم بعده. حيث يستقر أهل الجنة في الجنة أبداً .. ويستقر أهل النار في النار أبداً. - أسماء اليوم الآخر: كل ما عظم شأنه، كثرت أسماؤه، وتعددت صفاته. وهذه أشهر أسماء ذلك اليوم: 1 - يوم القيامة: سمي بذلك لما يقوم فيه من الأمور العظام، وقيام الناس لرب العالمين. قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء:87]. 2 - اليوم الآخر: سمي بذلك لأنه لا يوم بعده. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة:18].

3 - الآخرة: سميت بذلك لأنها الدار الآخرة التي يستقر فيها الإنسان. قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص:83]. 4 - الساعة: سميت بذلك لقربها، فإن كل آت قريب. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} [الحج:1]. 5 - القارعة: سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها وعرصاتها. قال الله تعالى: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} [القارعة:1 - 4]. 6 - الصاخة: سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع بأهوالها حتى تكاد تصمها. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس:33 - 37]. 7 - الغاشية: سميت بذلك لأنها تغشى الناس وتغمهم بأهوالها. قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} [الغاشية:1].

8 - الواقعة: سميت بذلك لتحقق وقوعها ووجودها. قال الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)} [الواقعة:1 - 3]. 9 - الحاقة: سميت بذلك لأنها حق لا شك فيه، وفيها يتحقق الوعد والوعيد. قال الله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)} [الحاقة:1 - 4]. 10 - يوم الفصل: سمي بذلك لأن الله يفصل فيه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)} [الصافات:21]. 11 - يوم الدين: سمي بذلك لأن الله يحاسب العباد ويجازيهم في ذلك اليوم. قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)} [الصافات:19 - 20]. 12 - يوم البعث: سمي بذلك لأن الله يحيي فيه الأموات، ويبعثهم أحياء من قبورهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)} [الروم:56].

13 - يوم الخروج: سمي بذلك لأن العباد يخرجون فيه من قبورهم للحساب والجزاء. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)} [ق:42]. 14 - يوم الحسرة: سمي بذلك لشدة تحسر الكفار لعدم إيمانهم، وتحسر المؤمنين على قلة العمل. قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)} [مريم:39]. 15 - يوم الخلود: سمي بذلك لأن الناس يصيرون إلى دار الخلد، المؤمنون في الجنة، والكفار في النار. قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)} [ق:34]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة:39]. 16 - يوم الحساب: سمي بذلك لأن الله يحاسب فيه عباده بأعمالهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)} [غافر:27]. 17 - يوم الجمع: سمي بذلك لأن الله يجمع فيه العباد للحساب والجزاء.

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} [الشورى:7]. 18 - يوم الآزفة. سمي بذلك لقرب وقوعه، فكل آت قريب. قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ (18)} [غافر:18]. 19 - يوم التغابن: سمي بذلك لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار، ويرثون نصيبهم من الجنة. قال الله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [التغابن:9]. 20 - يوم التناد: سمي بذلك لكثرة ما فيه من النداء كلٌّ باسمه. قال الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)} [غافر:32]. 21 - يوم التلاق: سمي بذلك لأنه يلتقي فيه الخالق بالمخلوق، ويلتقي فيه العباد بعضهم ببعض. قال الله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)} [غافر:15].

22 - يوم الوعيد: سمي بذلك لأنه اليوم الذي أوعد الله به الكفار والعصاة. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)} [ق:20]. 23 - الطامة الكبرى: سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع بأهوالها. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)} [النازعات:34 - 35]. هذه هي أشهر أسماء اليوم الآخر. - الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بكل ما أخبر الله ورسوله به مما يكون في ذلك اليوم العظيم: من البعث والحشر .. والحساب والجزاء .. والصراط والميزان .. والجنة والنار .. وغير ذلك مما يجري في عرصات القيامة. ويلحق بذلك ما يكون قبل الموت من علامات الساعة وأشراطها، وما يكون بعد الموت من فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه. - حكم الإيمان باليوم الآخر: الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة. والإيمان بالله واليوم الآخر أعظم أركان الإيمان، وعليهما مع بقية أركان الإيمان مدار استقامة الإنسان وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة. ولأهمية هذين الركنين يقرن الله بينهما كثيراً في آيات القرآن.

1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء:87]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 2]. - مقدار يوم القيامة: يوم القيامة على الكافر بمقدار خمسين ألف سنة. وعلى المؤمن بمقدار ما بين الظهر والعصر. 1 - قال الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج:4]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَوْمُ القِيامَةِ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ» أخرجه الحاكم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: يَوْمُ القِيامَةِ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ. أخرجه الحاكم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (259). (¬2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (260).

2 - أول منازل الآخرة

2 - أول منازل الآخرة - أول منازل الآخرة: القبر أول منازل الآخرة، وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة، أو يكون حفرة من حفر النار. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه (¬1). - فتنة القبر: 1 - عَنِ البَراءِ بنِ عَازبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرجْنا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في جَنازة ... وفيهِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِْسْلاَمُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أصْحَابُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فَأ قْعَدَاهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1379)، ومسلم برقم (2866)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8733)، وأخرجه أبو داود برقم (4753)، وهذا لفظه.

فَيُقَالُ: انظر إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأمَّا الكَافِرُ، أوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إلا الثَّقَلَيْنِ» متفق عليه (¬1). - مدة عذاب القبر: عذاب القبر نوعان: الأول: عذاب دائم لا ينقطع، وهو عذاب الكفار والمنافقين كما قال سبحانه عن فرعون وآله: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46]. الثاني: عذاب له أمد ثم ينقطع، وهو عذاب عصاة الموحدين. فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه العذاب، أو ينقطع بسبب رحمة الله، أو حصول مكفرات للذنوب ونحو ذلك. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ». ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، أمَّا أحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ». قَالَ: ثُمَّ أخَذَ عُوداً رَطْباً، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338)، واللفظ له، ومسلم برقم (2870). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1378)، واللفظ له، ومسلم برقم (292).

عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» أخرجه مسلم (¬1). - ما ينجي من عذاب القبر: ينجي المؤمن من فتنة القبر وعذابه وأهواله أمور كالشهادة في سبيل الله، والرباط في سبيل الله. - نعيم القبر: القبر روضة من رياض الجنة على أهل الإيمان والتقوى. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فُصِّلَت:30 - 32]. 2 - وَعنِ البَراءِ بنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ في المُؤْمنِ إذا أَجَابَ المَلَكَينِ في قَبرِهِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). - أحوال الأرواح في القبر: الأرواح في البرزخ متفاوتة تفاوتاً عظيماً. فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء والرسل، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1631). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18733)، وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (4753).

وهم متفاوتون في منازلهم. ومنها أرواح في صورة طير يعلق في شجر الجنة، وهي أرواح المؤمنين. ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وهي أرواح الشهداء. ومنها أرواح محبوسة في القبر كالغالّ من الغنيمة. ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنة بسبب دين عليه. ومنها ما يكون محبوساً في الأرض بسبب روحه السفلية. ومنها أرواح تسبح في نهر الدم، وتلقم بالحجارة، وهم أكلة الربا. ومنها أرواح في تنور الزناة والزواني ونحو ذلك. 1 - عَنْ مَسْرُوقٍ، قال: سَألْنَا عَبْدَاللهِ (هُوَ ابْنَ مَسعُودٍ)، عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران:169] قال: أمَا إِنَّا قَدْ سَألْنَا، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ القَنَادِيلِ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَن ْسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يعني- مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأصْحَابِهِ: «هَلْ رَأى أحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟». قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ: ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1887).

كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ المَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. [قَالَ]: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ -قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أبُو رَجَاءٍ- فَيَشُقُّ قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالجَانِبِ الأوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ -قَالَ: وَأحْسِبُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أتَاهُمْ ذَلِكَ اللهبُ ضَوْضَوْا. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَراً فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَألْقَمَهُ حَجَراً. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأكْرَهِ مَا أنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا.

قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لا أكَادُ أرَى رَأْسَهُ طُولا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْهَا وَلا أحْسَنَ. قَالَ: قَالا لِي: ارْقَ فِيهَا قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنَا باب المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأقْبَحِ مَا أنْتَ رَاءٍ. قَالَ: قَالا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأنَّ مَاءَهُ المَحْضُ مِنَ البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أحْسَنِ صُورَةٍ. قَالَ: قَالا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُداً، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ. قَالَ: قَالا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأدْخُلَهُ. قَالا: أمَّا الآنَ فَلا، وَأنْتَ دَاخِلَهُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأيْتُ؟. قَالَ: قَالا لِي: أمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ.

وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الافَاقَ. وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجارةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. وَأمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ. وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -. وَأمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ». قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ الله، وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ. وَأمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ» متفق عليه (¬1). - أحوال المؤمنين عند الخروج من القبور: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7047)، واللفظ له، ومسلم برقم (2275).

وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32]. - أحوال الكفار عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} [يس:51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)} [المعارج:42 - 44]. 3 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر:6 - 8].

3 - أشراط الساعة

3 - أشراط الساعة - أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمارات وعلامات وأشراط تدل على قرب قيام الساعة. وتنقسم أشراط الساعة إلى قسمين: أشراط صغرى ... وأشراط كبرى. 1 - أشراط الساعة الصغرى - وقت العلامات الصغرى: أشراط الساعة الصغرى هي التي تتقدم الساعة الكبرى بأزمان متطاولة، وتكون من نوع المعتاد كقبض العلم، وشرب الخمر، وتطاول الناس في البنيان ونحو ذلك. وقد يظهر بعضها مع العلامات الكبرى، أو بعدها كهدم الكعبة، وظهور الريح التي تقبض أرواح المؤمنين. - حكم علامات الساعة: ليس كل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة يكون محرماً أو مذموماً، وإنما هي علامات تكون بالخير والشر، وتكون بالمباح كفشو المال، وتطاول الرعاء في البنيان، وتقارب الأسواق، وتكون بالمحرم ككثرة الهرج، وظهور المعازف، واستحلال الخمر. وتكون بغير ذلك كموت الفجأة والفتوحات ونحوها.

- أقسام علامات الساعة الصغرى: تنقسم أشراط الساعة الصغرى إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: علامات وقعت وانتهت: منها بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وانشقاق القمر آية له .. وموته - صلى الله عليه وسلم - ... فتح بيت المقدس ... وخروج نار من أرض الحجاز. 1 - قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر:1]. 2 - وَعَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أدَمٍ، فَقال: «اعْدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطاً، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ ألْفاً» أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أرْضِ الحِجَازِ، تُضِيءُ أعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى» متفق عليه (¬2). - فَتْح بيت المقدس سنة عشر من الهجرة في عهد عمر رضي الله عنه ... وخرجت النار في المدينة في منتصف القرن السابع الهجري. القسم الثاني: علامات ظهرت وما زالت مستمرة: وهذه أكثر علامات الساعة، وكلها ثابت في الأحاديث الصحيحة، ومنها: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3176). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7118)، واللفظ له، ومسلم برقم (2902).

ظهور الفتن .. وظهور مدعي النبوة .. وظهور الجهل بالدين .. وظهور الزنا .. وظهور المعازف واستحلالها .. وظهور الشرك في هذه الأمة ... وظهور الفحش .. وظهور القلم .. وظهور الكاسيات العاريات. ومنها: قبض علم الشرع .. وكثرة الشُّرَط وأعوان الظلمة ... وكثرة شرب الخمر واستحلالها .. وكثرة الهرج وهو القتل .. وكثرة المال .. وكثرة الشح .. وكثرة الكذب .. وكثرة الزلازل .. وكثرة شهادة الزور .. وكثرة موت الفجأة. ومنها: تطاول الحفاة العراة رعاء الشاة في البنيان، وتباهي الناس في المساجد وزخرفتها، وتقارب الزمان، وتقارب الاسواق .. وتخوين الأمين .. وائتمان الخائن .. وتسليم الخاصة .. وتكليم السباع للإنس .. وتكليم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله .. وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده. ومنها: انتشار الأمن .. وإسناد الأمر إلى غير أهله .. وارتفاع الأسافل .. والتماس العلم عند الأصاغر .. وإضاعة الأمانة .. وانتشار الربا. ومنها: أن تُرفع الأشرار .. وتوضع الأخيار .. وأن يفتح القول .. ويخزن العمل .. وأن تحاصر العراق ويمنع عنها الطعام والدرهم .. ثم تحاصر الشام ويمنع عنها الطعام والدينار .. ثم تحاصر مصر كذلك ثم تكون هدنة بين المسلمين والروم .. ثم يغدر الروم بالمسلمين. ومنها: عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً .. وفشو التجارة .. وعدم تحري الرزق الحلال .. وقطيعة الرحم .. وسوء الجوار .. وبيع الحكم .. واتباع سنن اليهود والنصارى .. ورفض السنة النبوية .. ومنها حلق اللحى كحواصل الطير أو بالكلية .. وتشبب المشيخة .. وذهاب الصالحين .. وانتفاخ الأهلة .. وكثرة المطر وقلة النبات .. وكثرة الروم وقتالهم المسلمين .. وغير ذلك.

وهذه بعض الأحاديث الصحيحة التي تؤكد ذلك. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المَشْرِقِ يَقُولُ: «ألا إِنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، ألا إِنَّ الفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً شِبْراً، وَذِرَاعاً ذِرَاعاً، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟» متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ ألَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الخَلَصَةِ» متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيباً مِنْ ثَلاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أنَّهُ رَسُولُ اللهِ» متفق عليه (¬4). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كيف إضاعتها يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «إِذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» أخرجه البخاري (¬5). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7093)، ومسلم برقم (2905)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7320)، واللفظ له، ومسلم برقم (2669). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7116)، ومسلم برقم (2906)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3609)، واللفظ له، ومسلم برقم (84) (157) كتاب الفتن. (¬5) أخرجه البخاري برقم (6496).

وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ» متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» أخرجه مسلم (¬2). 8 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُوشِكُ، إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ، أنْ تَرَى قَوْماً فِي أيْدِيهِمْ مِثْلُ أذْنَابِ البَقَرِ، يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللهِ، وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللهِ» أخرجه مسلم (¬3). 9 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» متفق عليه (¬4). 10 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ: أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا» متفق عليه (¬5). 11 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لا يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أخَذَ المَالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِنْ حَرَامٍ» أخرجه البخاري (¬6). 12 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1036)، واللفظ له، ومسلم برقم (47/ 11). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2128). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2857). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7115)، ومسلم برقم (53) (157) كتاب الفتن. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (80)، واللفظ له، ومسلم برقم (2671). (¬6) أخرجه البخاري برقم (2083).

«لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» أخرجه البخاري (¬1). 13 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 14 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْريلَ سأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأخْبِرُكَ عَنْ أشْرَاطِهَا: إذَا وَلَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا، وَإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ» متفق عليه (¬3). 15 - وََعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ». قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ» متفق عليه (¬4). 16 - وَعَن المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الكِنْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لاَ يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬5). 17 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5590). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12379)، وأخرجه أبو داود برقم (449). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (50)، واللفظ له، ومسلم برقم (9). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6037)، واللفظ له، ومسلم برقم (2672). (¬5) متفق عليه، أخرجه أحمد برقم (17174)، واللفظ له، وأخرجه أبو داود برقم (4604).

أُمَّتِي أنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» أخرجه مسلم (¬1). 18 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّاْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» أخرجه مسلم (¬2). 19 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ المَالُ وَيَفِيضَ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلا يَجِدُ أحَداً يَقْبَلُهَا مِنْهُ، وَحَتَّى تَعُودَ أرْضُ العَرَبِ مُرُوجاً وَأنْهَاراً» أخرجه مسلم (¬3). 20 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإنْسَ وَحَتَّى تُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَتُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ» أخرجه أحمد والترمذي (¬4). 21 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ، يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلا البَلاءُ» أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (6). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2896). (¬3) أخرجه مسلم برقم (12/ 60). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11792)، وأخرجه الترمذي برقم (2181)، وهذا لفظه. (¬5) أخرجه مسلم برقم (52/ 54).

- ظهور الفتن من المشرق: منبع الفتن والبدع والشرور المشرق، العراق وما وراءه، فمن العراق ظهرت الفرق الضالة، والمذاهب الباطلة، ثم انتشرت في الأرض، ومن المشرق ظهر التتار الذين استباحوا ديار المسلمين. وسيكون ظهور الدجال ويأجوج ومأجوج من جهة المشرق. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: «اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شامِنَا، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «هُنَاكَ الزَّلازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7094). (¬2) أخرجه البخاري برقم (115).

بَعْضاً، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ، عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إِلَيْه» أخرجه مسلم (¬1). القسم الثالث: علامات لم تظهر وستقع بلا شك: ومنها: انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب .. فتح القسطنطينية بدون سلاح .. قتال الترك .. قتال اليهود ونصر المسلمين عليهم .. خروج رجل من قحطان يُدان له بالطاعة. ومنها: قلة الرجال وكثرة النساء .. ونفي المدينة لشرارها ثم خرابها. ومنها: ظهور المهدي وهو رجل من أهل البيت يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. ومنها: هدم الكعبة على يد رجل من الحبشة ثم لا تعمر بعده .. وهبوب ريح تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم تقوم الساعة على شرار الناس وذلك في آخر الزمان. وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كله في الأحاديث الصحيحة، ومنها: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، لَعَلِّي أكُونُ أنَا الَّذِي أنْجُو» أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1844). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2894).

يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً» متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي البَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي البَحْرِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ ألْفاً مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أحَدُ جَانِبَيْهَا». قَالَ ثَوْرٌ: لا أعْلَمُهُ إِلا قَالَ «الَّذِي فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ المَغَانِمَ، إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ» أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ» أخرجه مسلم (¬3). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ! يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلا الغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ» متفق عليه (¬4). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7119)، ومسلم برقم (2894). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2920). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2912). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2926)، ومسلم برقم (2922) واللفظ له.

يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لا يُحَدِّثُكُمْ أحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأةً القَيِّمُ الوَاحِدُ» متفق عليه (¬2). 8 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أخْلَفَ اللهُ فِيهَا خَيْراً مِنْهُ، ألا إِنَّ المَدِينَةَ كَالكِيرِ، تُخْرِجُ الخَبِيثَ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ» أخرجه مسلم (¬3). 9 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِ -يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا» متفق عليه (¬4). 10 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُود عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي يَمْلأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3517)، ومسلم برقم (2910). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (81)، واللفظ له، ومسلم برقم (2671). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1381). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1874)، واللفظ له، ومسلم برقم (1389). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4282)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2230).

11 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُخَرِّبُ الكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الحَبَشَةِ» متفق عليه (¬1). 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَظْهَرُ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ عَلَى الكَعْبَةِ، قال: حَسِبْتُ أَنَّهُ قال: فَيَهْدِمُهَا» أخرجه أحمد (¬2). 13 - وَعَنْ النَّواسِ بنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ بَعدَ إهْلاكِ يَأجُوجَ وَمَأجُوج: «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» أخرجه مسلم (¬3). - وقت خروج المهدي: يخرج في آخر الزمان رجل من أهل البيت يؤيد الله به الدين، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين، وتنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الجَبْهَةِ أَقْنَى الأنْفِ يَمْلأُ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ» أخرجه أبو داود (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1591)، ومسلم برقم (2909). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8094). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4285).

- مكان خروج المهدي: المهدي رجل صالح من أهل البيت، يخرج من جهة المشرق، ويأوي إلى مكة قادماً من المدينة، فيبايع له بين الركن والمقام عند الكعبة. يُبعث إليه جيش لقتله، فيخسف الله بهم، وينصره ويؤيده، فيحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الناس، ويدرك الدجال وعيسى بن مريم، ويلتقي مع نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم -، فيؤم الأمة وعيسى - صلى الله عليه وسلم - يصلي خلفه، ويخرج معه ليساعده على قتل الدجال. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً» أخرجه أبو داود (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأرض يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ». قالتْ: قُلْتُ: ... يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أسْواقهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قال: «يُخْسَفُ بِأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (156). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4283). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2118)، ومسلم برقم (2884).

2 - أشراط الساعة الكبرى

2 - أشراط الساعة الكبرى - عدد أشراط الساعة الكبرى: عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. أخرجه مسلم (¬1). 1 - خروج الدجال - مكان خروج الدجال: الدجال رجل من بني آدم، يظهر في آخر الزمان ويدعي الربوبية، يخرج من الشرق من خراسان، من يهودية أصبهان. ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله، إلا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما، ولا يدخل كذلك مسجد المقدس والطور. 1 - عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ! ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2901).

فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِالعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم (¬3). - الأماكن التي لا يدخلها الدجال: 1 - عن أنَس بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ» متفق عليه (¬4). 2 - وعن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال -وفيه- فقال: « ... لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الحَرَامِ، وَمَسْجِدَ المَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الأَقْصَى» أخرجه أحمد (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12) , وأخرجه الترمذي برقم (2237) وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2944). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881) , ومسلم برقم 29438) واللفظ له. (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (24085) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2934).

- صفات الدجال: حذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من اتباع الدجال أو تصديقه، وبين لنا صفاته لنحذر منه. 1 - عَنْ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لا وَاللهِ، مَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِيسَى أحْمَرُ، وَلَكِنْ قال: «بَيْنَمَا أنَا نَائِمٌ أطُوفُ بِالكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ ألْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً ابْنُ قَطَنٍ». قال الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا، رَأْيَ العَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ العَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَاراً وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لاَ تَعْقِلُوا إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ العَيْنِ لَيْسَ بنَاتِئَةٍ وَلاَ حَجْرَاءَ فَإِنْ أُلْبسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأَعْوَرَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3441) , واللفظ له، ومسلم برقم (169). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2934). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22764) , وأخرجه أبو داود برقم (4320)، وهذا لفظه.

4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ صَائِدٍ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: أَمَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ، يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّهُ لاَ يُولَدُ لَهُ» قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَقَدْ وُلِدَ لِي أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ المَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ» أخرجه مسلم (¬1). الدجال عينه اليمنى مطموسة، وعينه اليسرى معيبة. - أتباع الدجال: أكثر أتباع الدجال من اليهود ... والعجم ... وأخلاط من الناس، غالبهم من الأعراب والنساء والعامة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم (¬2). - فتنة الدجال: فتنة الدجال فتنة من الله لهذه الأمة، كما فتن الله قوم موسى بالعجل. وفتنة الدجال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وهو منبع الكفر والضلال، وفتنة للناس. فقد ثبت أن معه جنة وناراً .. فناره جنة .. وجنته نار .. ومعه جبال الخبز .. وأنهار الماء .. يأمر السماء فتمطر .. ويأمر الأرض فتنبت .. وتتبعه كنوز الأرض .. ويقطع الأرض بسرعة كالغيث إذا استدبرته الريح. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2927). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2944).

ويمكث في الأرض أربعين يوماً. يوم كسنة .. ويوم كشهر .. ويوم كجمعة .. وسائر أيامه كأيامنا. ثم يقتله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - عند باب لُدّ بفلسطين. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الدَّجَّالُ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا، رَأْيَ العَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ وَالآخَرُ رَأْيَ العَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَاراً وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ -وفيه- فقال: «إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِالعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِيناً وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللهِ «فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْماً يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ، قَالَ: «لاَ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ قَالَ: «كَالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القَوْمِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2934). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2934).

فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُراً، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي القَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ قَالَ: «وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ إِنَّهُ لاَ يَضُرُّكَ»، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالأَنْهَارَ قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7122) , ومسلم برقم (2939) واللفظ له.

5 - وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً حَدِيثاً طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: «يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ، فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ لَهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللهِ! مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الآنَ قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - الوقاية من فتنة الدجال: الوقاية من فتنة الدجال تكون: بالإيمان باللهِ عز وجل وعدم الالتفات إلى ما سواه .. والتعوذ باللهِ من فتنة الدجال في كل صلاة .. وحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف .. والفرار من الدجال عند خروجه لما معه من الشبهات والخوارق التي يجريها الله على يديه فتنة للناس. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أرْبَعٍ، يَقُولُ: اللهمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1882) , ومسلم برقم (2938) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1377) , ومسلم برقم (588) واللفظ له.

2 - نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -

أوَّلِ سُورَةِ الكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعنْ عِمرَان بنِ حُصينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ مِنْهُ -ثَلاَثاً يَقُولُهَا- فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَتَّبِعُهُ، وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - نزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - - وقت نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم -: بعد خروج الدجال، وإفساده في الأرض، يُنزل الله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - إلى الأرض، عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، فيصلي مع المسلمين الذين استعدوا لقتال الدجال، فيقتل الدجال، ويحكم بالإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتذهب الشحناء. يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قِبَل الشام فتقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، يتهارجون تهارج الحمر، ثم يأمرهم الشيطان بعبادة الأوثان، وعليهم تقوم الساعة. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (809). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19968) وهذا لفظه, وأخرجه أبو داود برقم (4319).

السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْراً مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». ثُمَّ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء: 159]. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال، فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ (لاَ أَدْرِي: (أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْراً أَوْ أَرْبَعِينَ عَاماً) فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحاً بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلاَمِ السِّبَاعِ، لاَ يَعْرِفُونَ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُونَ مُنْكَراً فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلاَ تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لِيتاً وَرَفَعَ لِيتاً» أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3448) , واللفظ له، ومسلم برقم (155). (¬2) أخرجه مسلم برقم (156). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2940).

ذَاتَ غَدَاةٍ -وفيه- فقال: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن، وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ» أخرجه مسلم (¬1). - حكمة نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - دون غيره: نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - من السماء في آخر الزمان دون غيره من الأنبياء لحكم يعلمها الله، ولعل منها: الرد على اليهود الذين زعموا أنهم قتلوا عيسى بن مريم، وأنه حي سيقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال إذا نزل. ونبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - دعا الله أن يكون من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فأبقاه الله حتى ينزل آخر الزمان مجدداً لأمر الإسلام. وينزل مكذباً للنصارى الذين أَلَّهوه، ثم يموت، ويدفن في الأرض كغيره. قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 61]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937).

- ما يحكم به عيسى - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل: يحكم عيسى - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بالشريعة المحمدية، ويكون من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - يصلي مع المسلمين ويحج معهم، فلا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. قال، فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُ أمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجّاً أوْ مُعْتَمِراً، أوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا». أخرجه مسلم (¬2). - مدة بقاء عيسى - صلى الله عليه وسلم - في الأرض: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبيٌّ يَعْنِي عِيسَى وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإسْلاَمِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجِزْيَةَ وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ المِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإسْلاَمَ وَيُهْلِكُ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَيَمْكُث فِي الأرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (156). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1252). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9270) , وأخرجه أبو داود برقم (4324) وهذا لفظه.

3 - خروج يأجوج ومأجوج

3 - خروج يأجوج ومأجوج - أصل يأجوج ومأجوج: يأجوج ومأجوج أمتان عظيمتان من بني آدم، وهم رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم لقوتهم وكثرتهم، يخرجون في آخر الزمان. 1 - قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)} [الأنبياء: 96 - 97]. 2 - وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قالتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». متفق عليه (¬1). - وقت خروج يأجوج ومأجوج: تخرج أمة يأجوج ومأجوج من المشرق، بعد نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - آخر الزمان، وخروجهم من علامات الساعة الكبرى، وهم الآن خلف السد الذي بناه ذو القرنين يحجز بينهم وبين من استغاثوا به منهم فبناه بين جبلين، فإذا جاء الوقت المحدد لخروجهم اندكّ هذا السد فخرجوا وأفسدوا في الأرض، ثم يدعو عليهم نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فيموتون، وتنزل البركة في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3346) واللفظ له, ومسلم برقم (2880).

الأرض، ثم يرسل الله ريحاً تقبض روح كل مؤمن. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)} [الكهف: 94 - 98]. 2 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ -وَأنَّ عيسَى يَقْتُلهُ- وفيه-: «فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَاداً لِي لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْراً مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْراً كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَراً لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي

4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة

الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة - الخسوفات الثلاثة من أشراط الساعة الكبرى وهي: خسف بالمشرق .. وخسف بالمغرب .. وخسف بجزيرة العرب. وقد وقع بعض الخسوفات في أماكن متفرقة، وأزمان متباعدة، وتلك من أشراط الساعة الصغرى. أما هذه الخسوفات الثلاثة فهي عظيمة وعامة لعدة أماكن في المشرق والمغرب وجزيرة العرب، وهي لم تقع حتى الآن. عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2937). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2901).

7 - الدخان

- وقت وقوع الخسوفات: الخسوفات الثلاثة علامة على قرب وقوع الساعة، وتحصل عند كثرة المعاصي والذنوب التي تستوجب غضب الله وعقوبته. 7 - الدخان - وقت ظهور الدخان: ظهور الدخان من علامات الساعة الكبرى. وهو دخان عظيم عام يظهر قرب قيام الساعة بسبب ترك الحق، وكثرة المعاصي، يملأ الأرض كلها فتصبح كبيت أوقد فيه. يأخذ بالمؤمنين كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه. 1 - قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} ... [الدخان: 10 - 12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتّاً طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّة، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ العَامَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2947).

8 - طلوع الشمس من مغربها

8 - طلوع الشمس من مغربها طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى، وهي أول الآيات المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي. فإذا طلعت من مغربها فلا ينفع الكافر إيمانه، ولا تنفع العاصي توبته، سواء رآها أو لم يرها، وطبع على كل قلب بما فيه. 1 - قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)} [الأنعام: 158]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجاً، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحىً وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيباً». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتّاً طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّة، أَوْ خَاصَّةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4635) , ومسلم برقم (157) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2941).

9 - خروج الدابة

أَحَدِكُمْ، أَوْ أَمْرَ العَامَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). خاصة أحدكم: الموت .. وأمر العامة: الساعة. 9 - خروج الدابة - وقت خروج الدابة: خروج دابة الأرض في آخر الزمان علامة على قرب قيام الساعة ويكون ذلك عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتماديهم في العصيان والطغيان. فإذا خرجت هذه الدابة العظيمة، فإنها تسم المؤمن والكافر، تجلو وجه المؤمن فيشرق .. وتخطم أنف الكافر علامة على كفره. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} [النمل: 82]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي أُمَامةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ، فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ، ثُمَّ يَعْمُرُونَ فِيكُم، حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ البَعِيرَ فَيَقُولُ: مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أَحَدِ المُخَطَّمِينَ» أخرجه أحمد (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2947). (¬2) أخرجه مسلم برقم (158). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22308) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (322).

- تتابع الآيات: إذا ظهر أول أشراط الساعة الكبرى تتابعت بعدها الآيات يتلو بعضها بعضاً كمثل العقد الذي انفرط نظامه. فأول العلامات الكبرى بعد المهدي خروج الدجال، ثم نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - لقتله، ثم ظهور يأجوج ومأجوج ودعاء عيسى - صلى الله عليه وسلم - عليهم فيهلكوا، وتحصل الخسوفات، ويظهر الدخان، ثم تتابع الآيات بطلوع الشمس من مغربها، فيغلق باب التوبة، ثم تخرج الدابة على الناس ضحى لتميز المؤمن من الكافر، ثم آخر الآيات نار تخرج من اليمن تحشر الناس إلى محشرهم في الشام، ثم يكون النفخ في الصور، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق. 1 - عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الأَمَارَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ بِسِلْكٍ، فَإِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضاً» أخرجه الحاكم (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجاً، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحىً وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيباً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8639) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1762). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2941). (¬3) أخرجه مسلم برقم (148).

10 - خروج النار التي تحشر الناس

10 - خروج النار التي تحشر الناس - مكان خروج النار: تخرج هذه النار من اليمن، من بحر حضرموت، من قعر عدن، ثم تنتشر في الأرض، فتسوق الناس من المشرق إلى المغرب في أرض المحشر في الشام. وهذه النار العظيمة آخر أشراط الساعة الكبرى، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فلا شيء بعدها من أمور الدنيا، فيقع بعدها النفخ في الصور، وقيام الساعة. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّال، َ وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم - وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ. وفي لفظ: «وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ» أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَلَغَ عَبْدَاللهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَأتَاهُ، فَقال: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ: مَا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ، وَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أبِيهِ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2901).

وَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أخْوَالِهِ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفاً جِبْرِيلُ». قال: فَقال عَبْدُاللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلائِكَةِ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ» أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ» قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّأْمِ» أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - كيفية حشر النار الناس: الذين تحشرهم النار إلى الشام ثلاثة أفواج: 1 - فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون. 2 - فوج يمشون تارة، ويركبون تارة، يعتقبون البعير لقلة الظهر. 3 - فوج لا ظهر لهم فتحشرهم النار وتسوقهم، وتحيط بهم من كل جانب، ومن تخلّف أكلته. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا: وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3329). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5146) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2217). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6522) , واللفظ له، ومسلم برقم (2861).

- آخر من تحشرهم النار: راعيان من مزينة يريدان المدينة، فلا يجدان إلا الوحوش والسباع بسبب خلوها من السكان، حيث حشرتهم النار إلى أرض المحشر في الشام، فإذا بلغا ثنية الوداع خرا لوجههما بسبب نفخة الصعق. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لا يَغْشَاهَا إِلا العَوَافِي، ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1874) , ومسلم برقم (1389) واللفظ له.

4 - علم الساعة

4 - علم الساعة - علم الغيوب المستقبلة: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يكون من الأمور إلى قيام الساعة، وذلك مما أطلعه الله عليه من الغيوب المستقبلة. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَاماً، مَا تَرَكَ شَيْئاً يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبي زَيْدٍ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الفَجْرَ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ العَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا. أخرجه مسلم (¬2). - علم قيام الساعة: علم الساعة غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وهو مما استأثر الله بعلمه، لم يَطَّلع ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6604) , ومسلم برقم (2891) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2892).

فلا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)} [الأعراف: 187]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63]. 3 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} [النازعات: 42 - 44]. 4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ! مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ». أخرجه مسلم (¬1). - اليوم الذي تقوم فيه الساعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (¬2). - قرب قيام الساعة: 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} [الأحزاب: 63]. 2 - وقال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2538). (¬2) أخرجه مسلم برقم (854).

5 - النفخ في الصور

سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} [القمر: 1 - 2]. 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثْتُ أنَا وَالسَّاعَة كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أوْ: كَهَاتَيْنِ». وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. متفق عليه (¬1). - معنى الساعة: الساعة في اللغة: هي جزء من أجزاء الليل والنهار، وجمعها ساعات، والليل والنهار معاً أربع وعشرون ساعة. والساعة في الشرع: الوقت الذي تقوم فيه الساعة. سميت بذلك لقربها، وسرعة الحساب فيها، ولأنها تفجأ الناس في ساعة. والساعة تطلق على ثلاث معان: 1 - الساعة الصغرى: وهي موت الإنسان، فمن مات فقد قامت قيامته. 2 - الساعة الوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد. 3 - الساعة الكبرى: وهي يوم القيامة. وإذا أطلقت الساعة في القرآن فالمراد بها يوم القيامة الكبرى. 5 - النفخ في الصور - وقت النفخ في الصور: إذا اكتملت جميع أشراط الساعة الصغرى والكبرى أمر الله إسرافيل - صلى الله عليه وسلم - أن ينفخ في الصور، وهو قرن كالبوق فينفخ في الصور النفخة الأولى، فيصعق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5301) , واللفظ له، ومسلم برقم (2950).

من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. ثم يأمره سبحانه أن ينفخ النفخة الثانية، وهي نفخة البعث، فيقوم الناس لرب العالمين للحساب والجزاء. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزمر: 68 - 70]. - أحوال الناس عند النفخ في الصور: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} [النمل: 87 - 88]. 2 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر: 6 - 8]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} [المدثر: 8 - 10]. 4 - وقال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزمر 68 - 70].

- مقدار ما بين النفختين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. متفق عليه (¬1). - استعداد إسرافيل للنفخ في الصور: إسرافيل - صلى الله عليه وسلم - مستعد للنفخ في الصور في أي لحظة. عَنْ أبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُستَعِدٌّ يَنظُرُ نَحوَ العَرشِ مَخافَةَ أَنْ يُؤمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيهِ طَرْفُهُ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوكَبانِ دُرِّيَّانِ» أخرجه الحاكم (¬2). - ما يحصل للخلق بعد نفخة الصعق: يتبع نفخة الصعق تغيير وانقلاب في العالم العلوي والسفلي، فتنفطر السماء، وتتناثر الكواكب، ويخسف القمر، وتكور الشمس، وترجف الأرض، وتتناثر الجبال، وتدك الأرض والجبال دكة واحدة تسوي عاليها بسافلها، ثم ينزل الله مطراً تنبت منه أجساد الناس، ثم يُنفخ في الصور نفخة البعث. قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)} [الحاقة: 13 - 16]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935) , ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8676) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1078).

6 - البعث والحشر

6 - البعث والحشر - الدور التي يمر بها الإنسان: الدور التي يمر بها العبد ثلاث: دار الدنيا .. ثم دار البرزخ .. ثم دار القرار في الجنة أو النار. وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن وروح. وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبع لها. وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها. وجعل أحكام يوم القيامة من النعيم والعذاب على الأبدان والأرواح معاً. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 16 - 21]. 2 - وقال الله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} [طه: 55]. - البعث: هو إحياء الأموات حين ينفخ في الصور النفخة الثانية. فيقوم الناس لرب العالمين، ويبعث كل عبد على ما مات عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)} [يس: 51 - 53]. 2 - وقال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ

عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن: 7]. 3 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} [المؤمنون: 15 - 16]. 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة البعث: يُنزل الله من السماء ماءً فينبت الناس كما ينبت البقل. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: 57]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ».قَالَ: «وَلَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْماً وَاحِداً وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). - أول من ينشق عنه القبر: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2878). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4935) , ومسلم برقم (2955)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2278).

- من يحشر يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 93 - 95]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)} [الواقعة: 49 - 50]. 4 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)} [مريم: 68]. - صفة أرض المحشر: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} [طه: 105 - 107]. 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ». متفق عليه (¬1). - صفة حشر الخلق يوم القيامة: الحشر قسمان: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6521) , ومسلم برقم (2790)، واللفظ له.

الأول: حشر إلى موقف الحساب لعموم الخلق كلهم. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)} [الكهف: 47 - 48]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الملك: 24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38]. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ». متفق عليه (¬1). الثاني: حشر إلى دار القرار في الجنة أو النار للإنس والجن. فالمؤمنون يساقون إلى الجنة مكرمين كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر: 73]. والكافرون يساقون إلى جهنم مهانين كما قال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر: 71 - 72]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6527) , ومسلم برقم (2859)، واللفظ له.

7 - أهوال يوم القيامة

7 - أهوال يوم القيامة - يوم القيامة يوم عظيم أمره، شديد هوله، ويدل على عظمة أهواله أمور: الأول: أن الله عز وجل وصف ذلك اليوم بالعظيم .. والثقيل .. والعسير .. والعبوس .. وغير ذلك من الأوصاف المروعة: 1 - قال الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)} [الإنسان: 27]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)} [المدثر: 8 - 9]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)} [الإنسان: 10]. الثاني: الرعب والفزع الذي يصيب الناس في ذلك اليوم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج: 1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} [إبراهيم: 42 - 43].

3 - وقال الله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)} [المزمل: 17 - 18]. 4 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} [النازعات: 6 - 9]. الثالث: فرار الخلق من بعضهم لشدة الأهوال والمخاوف: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} [لقمان: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 33 - 37]. الرابع: استعداد الكفار لبذل كل شيء للنجاة من العذاب: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)} [يونس: 54]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36، 37]. 3 - وقال الله تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج: 11 - 18].

الخامس: طول يوم القيامة حتى يظن الناس أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة: 1 - قال الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)} [يونس: 45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)} [الروم: 55]. - أهوال يوم القيامة الحسية المروعة: الأول: قبض الله الأرض، وطي السماء: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} [الأنبياء: 104]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقاً لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر: 67]. متفق عليه (¬1). الثاني: موران السماء وانشقاقها وانفطارها: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4811) , واللفظ له، ومسلم برقم (2786).

1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)} [الطور: 9]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 1 - 2]. 3 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1]. الثالث: تكوير الشمس، وخسوف القمر، وتناثر النجوم: 1 - قال الله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} [القيامة: 6 - 12]. 3 - وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 1 - 2]. الرابع: دك الأرض، ونسف الجبال وتسييرها: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)} [الحاقة: 13 - 15]. 2 - وقال الله تعالى: { } [الفجر: 21 - 22]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} [طه: 105 - 107]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. الخامس: تفجير البحار وتسجيرها واشتعالها ناراً:

1 - قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]. السادس: تبديل الأرض والسماء: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48]. 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ! فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ: ألا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ اليَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أهْلِي». فَقَالَ اليَهُودِيُّ: جِئْتُ أسْألُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ». قال: أسْمَعُ بِأذُنَيَّ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ: «سَلْ». فَقَالَ اليَهُودِيُّ: أيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ». أخرجه مسلم (¬2). السابع: شدة الحرارة في الموقف: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (315). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2791).

عَنِ المِقْدَاد بْن الأَسْوَدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ». قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالمِيلِ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ. قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلْجَاماً». قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. أخرجه مسلم (¬1). - الذين يظلهم الله في الموقف: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ» أخرجه أحمد وابن خزيمة (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2864). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17333) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن خزيمة برقم (2431).

8 - فصل القضاء

8 - فصل القضاء - مجيء الله لفصل القضاء: 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 21 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة: 17]. 3 - وقال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)} [البقرة: 210]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقْبِضُ اللهُ الأرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا المَلِكُ، أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ». متفق عليه (¬1). - شدة كرب الناس في الموقف: إذا حُشر الناس إلى ربهم يوم القيامة، وبلغ منهم العناء والكرب مبلغاً عظيماً لشدة الأهوال، يرغب الناس إلى ربهم ليحكم فيهم، وليفصل بينهم. فإذا طال موقفهم، وعظم كربهم، ذهبوا إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم ليفصل بينهم، فيشفع في هذا الجمع العظيم، وهذا الموقف العظيم، سيد الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقضي الله بين عباده. 1 - قال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7382) , ومسلم برقم (2787).

لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)} [المرسلات: 35 - 39]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ألا تَرَوْنَ مَا أنْتُمْ فِيهِ؟ ألا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ. فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أنْتَ أبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ

إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ، بِرِسَالاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْباً، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهِ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأرْفَعُ رَأْسِي فَأقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِ، مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ

لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (¬1). - فصل الله بين الناس: يفصل الله بين الناس يوم القيامة، ويحكم بينهم بالحق والعدل. فتعطى الكتب .. وتوضع الموازين .. وينصب الصراط .. ويحاسب الناس كلهم فرداً فرداً. فآخذ كتابه بيمينه إلى الجنة .. وآخذ كتابه بشماله إلى النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} [الحج: 17]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْواً». قُلْنَا: لا. قال: «فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا». ثُمَّ قال: «يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأصْحَابُ الأوْثَانِ مَعَ أوْثَانِهِمْ، وَأصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ. ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ. ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712) , ومسلم برقم (194)، واللفظ له.

مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ. حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، مِنْ بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. قال: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنَا، فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأنْبِيَاءُ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ، فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً وَاحِداً. ثُمَّ يُؤْتَى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قال: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عَقِيفة، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَمَا أنْتُمْ بِأشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ. وَإِذَا رَأوْا أنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ. فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ

9 - أحوال الناس يوم القيامة

فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». قال أبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]. «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أقْوَاماً قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أبْيَضَ. فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». متفق عليه (¬1). 9 - أحوال الناس يوم القيامة - أقسام الناس يوم القيامة: الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام: الكفار والمنافقون .. والمؤمنون المتقون .. وعصاة الموحدين. الأول: أحوال الكفار يوم القيامة: 1 - أحوال الكفار عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , واللفظ له، ومسلم برقم (183).

يُوعَدُونَ (44)} [المعارج: 42 - 44]. 2 - وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر: 6 - 8]. 2 - أحوال الكفار في عرصات القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)} [إبراهيم: 42 - 43]. 2 - وقال الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} [النساء: 41 - 42]. 3 - وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان: 26 - 27]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)} [غافر: 18]. 3 - بطلان أعمال الكفار يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}

[إبراهيم: 18]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [النور: 39]. 4 - دخول الكفار والمنافقين النار: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} [الأحزاب: 64 - 65]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} ... [النساء: 140]. الثاني: أحوال المؤمنين المتقين يوم القيامة: 1 - أحوال المتقين عند خروجهم من القبور: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت: 30 - 32]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس: 62 - 64]. 2 - أحوال المؤمنين المتقين في الموقف العظيم: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82].

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ، العَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). 3 - دخول المؤمنين المتقين الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} [الحج: 14]. الثالث: أحوال عصاة الموحدين يوم القيامة: 1 - أحوال من أهمل الصلاة ومنع الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة: 34 - 35]. 2 - أحوال من كتم ما أنزل الله من العلم: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

10 - الشفاعة

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة: 174]. 3 - أحوال أهل الغلول: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران: 161]. 4 - أحوال ذي الوجهين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (¬1). 5 - أحوال أهل الغدر: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَمَعَ الله الأَوّلِينَ وَالآخرينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ». متفق عليه (¬2). 10 - الشفاعة - الشفاعة: هي سؤال العون للغير. - أقسام الشفاعة: الشفاعة يوم القيامة قسمان: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6058) , واللفظ له، ومسلم برقم (2526). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3188) , ومسلم برقم (1735)، واللفظ له.

الأولى: شفاعة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أنواع: 1 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الموقف، فيشفع فيهم، ويقضي الله بينهم، وهي المقام المحمود له، وهذه هي الشفاعة العظمى كما سبق. 2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أناسٍ من أمته، فيدخلون الجنة بغير حساب، وهم السبعون ألفاً كما سبق. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة. 4 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في رفع درجات من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. 5 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه. 6 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المؤمنين أن يدخلوا الجنة. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا أوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأنَا أكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». متفق عليه (¬2). الثانية: شفاعة عامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الملائكة والأنبياء والمؤمنين. وهذه الشفاعة تكون فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (196). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3885) , ومسلم برقم (210)، واللفظ له.

1 - قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم: 26]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» أخرجه أبو داود (¬2). - شروط الشفاعة: يشترط لقبول الشفاعة شرطان: الأول: إذن الله في الشفاعة. الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له. قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} [النجم: 26]. - حكم الشفاعة للكفار: لا يقبل الله شفاعة أحد من الكفار؛ لأنهم مخلدون في النار، ولو فرض أن أحداً شفع لكافر لم تنفعه الشفاعة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6304) , ومسلم برقم (199)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2522).

يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدَّثر: 46 - 48]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أبُوهُ: فَاليَوْمَ لا أعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِنْ أبِي الأبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقال: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة طلب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أراد شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فليطلبها من ربه، ويتبع ذلك بالعمل الصالح الموجب لها بإخلاص العبادة لله وحده، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسؤال الوسيلة له. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ -ظَنَنْتُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ- أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قال لا إلَهَ إلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3350). (¬2) أخرجه البخاري برقم (99).

11 - الحساب

2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 11 - الحساب - الحساب: هو أن يوقف الله عباده بين يديه يوم القيامة، ثم يجازيهم حسب أعمالهم. فيوقف الله عباده بين يديه، المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ويعرِّفهم بأقوالهم وأعمالهم، ثم يجازيهم بحسب أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها. - من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب: وهؤلاء هم الصفوة من هذه الأمة، أهل كمال الإيمان والتقوى. 1 - عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأجدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قال: لا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قال: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قال: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384).

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثلاَث حَثيَاتٍ مِنْ حَثيَاتِ رَبي عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - لقاء الرب يوم القيامة: جميع الناس يلقون ربهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وهم صنفان: الأول: أهل اللقاء المحبوب، وهم المؤمنون، وهم أسعد الخلق بهذا اللقاء كما قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب: 43 - 44]. الثاني: أهل اللقاء المكروه، وهم الكفار والمنافقون، وهم أشقى الخلق؛ لجرمهم وتكذيبهم بهذا اللقاء كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا} ... [الانشقاق: 6 - 12]. - ديوان الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة يكون على ثلاثة أشياء: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6541) , واللفظ له، ومسلم برقم (220). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2437) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4286)، وهذا لفظه.

جزء مدون فيه الأعمال الصالحة التي فعلها العبد .. وجزء مدون فيه المعاصي التي ارتكبها العبد .. وجزء مدون فيه نعم الله على العبد. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 3 - وقال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 6 - 8]. - قواعد محاسبة العباد يوم القيامة: لو عذب الله عز وجل جميع خلقه لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف شاء. ولكن الله كريم يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، ويحب الإحسان. وقد بين الله في القرآن القواعد التي يحاسب الخلق بموجبها، وهي: 1 - أن الله يحكم بين عباده بالعدل ويوفيهم أجورهم كاملة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8].

2 - يجازي الله عباده بأعمالهم، ولا يأخذ أحداً بجريرة غيره: 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم: 39 - 41]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام: 164]. 3 - اطلاع العباد على ما فعلوه في الدنيا: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} [آل عمران: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 13 - 14]. 4 - يضاعف الله الحسنات دون السيئات: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة: 245]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا

اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً». متفق عليه (¬1). 5 - تبديل سيئات التائبين حسنات: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 68 - 70]. 6 - تكفير صغائر الذنوب لمن اجتنب الكبائر: قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [النساء: 31]. 7 - إقامة الشهود الذين يشهدون على الخلق بما عملوه: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} [ق: 21 - 22]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} [النور: 24 - 25]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6491) , ومسلم برقم (131)، واللفظ له.

- عرض كتب الأعمال: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} [الكهف: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)} [الجاثية: 28 - 29]. - عظمة موقف الحساب يوم القيامة: مشهد الحساب يوم القيامة مشهد عظيم؛ لما فيه من الخوف والهول، والوجل والرعب، فتطيش عقول الناس، وتصاب بالرعب الشديد، مما ترى في صحائف الأعمال من مثاقيل الذر من حقوق العباد. 1 - قال الله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 48 - 49]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} [الجاثية: 27 - 28]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)} [الزُّمَر: 69 - 70].

4 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)} [الأنعام: 94]. 5 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج: 1 - 2]. 6 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. - صفة الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة نوعان: حساب يسير .. وحساب عسير .. وتكريم .. وتوبيخ .. وعدل .. وعفو .. وستر وفضيحة. الأول: الحساب اليسير: وأهله لا يناقشون الحساب، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم، ثم يتجاوز الله لهم عنها، وهؤلاء هم عامة المؤمنين. 1 - عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا هَلَكَ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألَيْسَ قَدْ قال: اللهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا

ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا عُذِّبَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأى فِي نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ، قال: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}». متفق عليه (¬2). الثاني: الحساب العسير: وأهله يناقشون الحساب، ويُسألون عن كل ما عملوه. وهؤلاء هم الكفار والمشركون، وبعض أهل الكبائر من المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)} [الأنعام: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} [الأنعام: 130]. 3 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 4 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} [يس: 65]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6537) , واللفظ له، ومسلم برقم (2876). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441) , واللفظ له، ومسلم برقم (2768).

- أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة: أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). - أول ما يحاسب عليه المسلم: أول ما يحاسب عليه العبد المسلم يوم القيامة من الأعمال الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. وأول ما يقضى بين الناس في الحقوق الدماء. 1 - عَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، فِي الدّمَاءِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انظروا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - المحاسبون من الأمم: الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: الأول: من لا حساب عليه ولا عذاب من المؤمنين: وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهم السبعون ألفاً من هذه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6624) , واللفظ له، ومسلم برقم (855). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6533) , ومسلم برقم (1678)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16951) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (866).

الأمة، وأهل كمال الإيمان والتقوى كما سبق. الثاني: من يحاسب ثم يدخل الجنة. وهؤلاء عامة المؤمنين، وعصاة الموحدين بعد عفو الله عن ذنوبهم، أو تطهيرهم في النار ثم خروجهم إلى الجنة. الثالث: من يحاسبون وتعرض عليهم أعمالهم توبيخاً لهم: وهؤلاء هم الكفار والمشركون. وهم متفاوتون في العذاب، ومن له حسنات يخفف عنه العذاب لكنه لا يدخل الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 49]. 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « ... يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يُسأل الناس عنه يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)} [القصص: 62]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577).

3 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص: 65]. 4 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحِجر: 92 - 93]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} [الإسراء: 34]. 6 - وقال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} [الأعراف: 6 - 7]. 7 - وقال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} [الشعراء: 90 - 95]. 8 - وقال الله تعالى: { } [التكاثر: 5 - 8]. 9 - وَعَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ». أخرجه الترمذي والدارمي (¬1). - اقتصاص المظالم التي بين الخلق: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2417) , وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (543).

يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الدّمَاءِ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (¬4). 5 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2581). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2582). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6533) , ومسلم برقم (1678)، واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (2449). (¬5) أخرجه البخاري برقم (2440).

- صفة أخذ الكتب: يعطى كل واحد من أهل الموقف كتابه، فمنهم من يعطى كتابه بيمينه وهم السعداء، ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره وهم الأشقياء. 1 - قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)} [الإسراء: 13 - 14]. 2 - وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 6 - 12]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)} [الحاقة: 18 - 27]. - رؤية الأعمال: تعرض أعمال العباد عليهم يوم القيامة، ويرى المرء عمله وهو يباشره، خيراً كان أو شراً، صغيراً كان أو كبيراً. قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8].

- جزاء الأعمال في الدنيا والآخرة: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». أخرجه مسلم (¬1). - حكم أعمال الكفار: الكفار والمشركون والمنافقون لا يقبل الله قُرَبهم وطاعاتهم؛ لفقدها شرطها وهو الإيمان، وما عملوه لله يجازون به في الدنيا بصحة، وسعة رزق ونحو ذلك، وليس لهم في الآخرة إلا النار. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} [إبراهيم: 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [النور: 39]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2808).

4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قال: «لا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الأطفال يوم القيامة: أطفال المؤمنين يدخلون الجنة كما يدخلها الكبار على صورة أبيهم آدم، وكذلك أطفال المشركين. ومن لم يتزوج من الذكور والإناث فإنه يتزوج في الآخرة، فليس في الجنة أعزب. عَنْ سُمرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -. وَأمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ». قال: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم أعمال من لا يعقل: كل من لا يعقل كالمجنون والخرف والأبله والأصم، ومن مات في الفترة ونحوهم، هؤلاء كلهم يُمتحنون يوم القيامة. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَصَمُّ لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئاً، وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالبَعْرِ، وَأَمَّا الهَرَمُ فَيَقُولُ: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (214). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7047).

12 - الميزان

رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئاً، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قال: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا» أخرجه أحمد (¬1). - حساب الحيوانات يوم القيامة: يحشر الله يوم القيامة جميع الدواب، والبهائم، والوحوش، والطيور، ثم يقتص الله لبعضها من بعض، فيقتص للشاة الجماء من القرناء التي نطحتها. فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كوني تراباً فتكون. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام: 38]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم (¬2). 12 - الميزان - الميزان: هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، يوزن به العباد وأعمالهم يوم القيامة. - حجم الميزان: الميزان لا يَقْدر قَدْره إلا الله عز وجل، وهو ميزان عظيم لو وضعت فيه ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16302) , وانظر السلسلة الصحيحة رقم (1434). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2582).

السماوات والأرض لوسعهن. - دقة الميزان: جعل الله الميزان يوم القيامة حَكَماً بين الناس؛ إظهاراً لكمال العدل الإلهي، وهو ميزان دقيق لا يزيد ولا ينقص مثقال ذرة. 1 - قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 - 8]. - نصب الموازين: توضع الموازين يوم القيامة لحساب الخلائق، ويتقدم الناس واحداً واحداً للحساب، فيحاسبهم ربهم، فإذا تم الحساب كان بعده وزن الأعمال. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف: 8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6 - 11]. 3 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ

القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). - كيفية الوزن: الذي يوزن يوم القيامة هو العامل، وعمله، وصحف أعماله. توزن أعمال العباد يوم القيامة من حسنات وسيئات. فتوضع الحسنات في كفة الميزان، وتوضع السيئات في الكفة الأخرى، فمن رجحت حسناته بسيئاته أفلح ونجا، ومن رجحت سيئاته بحسناته خسر وهلك، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهؤلاء أهل الأعراف، وهم في الجنة. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} [الكهف: 103 - 105]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} [الأعراف: 8 - 9]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441) , ومسلم برقم (2768)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4729) , واللفظ له، ومسلم برقم (2785).

13 - الحوض

4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 13 - الحوض - اسم الحوض: عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَمَا أنَا أسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِباب الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ، أوْ طِيبُهُ، مِسْكٌ أذْفَرُ». متفق عليه (¬3). - صفة الحوض: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْن عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أبداً». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا آنِيَةُ الحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلاَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6682) , واللفظ له، ومسلم برقم (2694). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4799) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2002). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6581) , واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6579) , واللفظ له، ومسلم برقم (2292).

فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ». أخرجه مسلم (¬1). - سعة الحوض: 1 - عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ اليَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالمَدِينَةِ». أخرجه مسلم (¬3). - مَنْ يشرب من الحوض: يشرب من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة كل من آمن به ومات على ذلك. 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَداً، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2300). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6580) , واللفظ له، ومسلم برقم (2303). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2303). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6583) , واللفظ له، ومسلم برقم (2290). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6575) , واللفظ له، ومسلم برقم (2287).

14 - الصراط

- من يطرد عن الحوض: يطرد عن الحوض كل كافر، وكل من ارتد عن الإسلام. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي، فَيُجْلَوْنَ عَنِ الحَوْضِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قالتْ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقال: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ». متفق عليه (¬2). الرهط: من الثلاثة إلى العشرة. 14 - الصراط - الصراط: هو الجسر المنصوب على ظهر جهنم ليعبر المؤمنون عليه إلى الجنة. - صفة الصراط: عَنْ أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ في حَديثِ الرؤيةِ: « ... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6585) , واللفظ له، ومسلم برقم (2290). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6593) , واللفظ له، ومسلم برقم (2293).

السَّعْدَانِ، هَلْ رَأيْتُمُ السَّعْدَانَ؟». قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قال: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى». متفق عليه (¬1). - الذين يمرون على الصراط: الذين يمرون على الصراط هم المؤمنون. أما الكفار والمشركون فتتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا من الأصنام والأوثان والشياطين وغيرها من الآلهة الباطلة، فترد النار مع معبودها أولاً. ثم يبقى بعد ذلك من كان يعبد الله وحده في الظاهر، سواء كان صادقاً أم منافقاً. وهؤلاء الذين ينصب لهم الصراط. ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود، وانقطاعهم عن المؤمنين في الظلمة، وَتَمَيُّز المؤمنين عنهم بالنور، فيعود المنافقون إلى الوراء إلى النار. ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم وعموم المسلمين منهم. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7437) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} [هود: 96 - 98]. 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ». قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلا يَبْقَى أحَدٌ، كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأنْصَابِ إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أهْلِ الكِتَابِ. فَيُدْعَى اليَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا، يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، قال فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أدْنَى صُورَةٍ مِنِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا. قال: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أمَّةٍ

مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا! فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً (مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً) حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلا أذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أرَادَ أنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ ربُّنا. ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ بِأشَدَّ مُنَاشَدَةً للهِ، فِي اسْتِقْصَاءِ الحَقِّ، مِنَ المُؤْمِنِينَ للهِ يَوْمَ القِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمِ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا! كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! مَا بَقِيَ فِيهَا أحَدٌ مِمَّنْ أمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا أحَداً مِمَّنْ أمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أمَرْتَنَا أحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً». وَكَانَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الحَدِيثِ فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «شَفَعَتِ المَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَماً، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ألا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الحَجَرِ أوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أبْيَضَ؟». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَأنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالبَادِيَةِ. قال: «فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أهْلُ الجَنَّةِ، هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أدْخَلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ فَمَا رَأيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا! أعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنَ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا! أيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ، فَلا أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً». متفق عليه (¬1). - صفة المرور على الصراط: يمر المؤمنون والمنافقون على الصراط، فيسقط المنافقون في النار، ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الحديد: 12]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , ومسلم برقم (183)، واللفظ له.

2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)} [الحديد: 13 - 15]. - وقت المرور على الصراط: يكون المرور على الصراط بعد الحساب، ووزن الأعمال، والفراغ من كل ذلك، ثم يضطر الناس إلى المرور على الصراط. - أول من يعبر الصراط: لا يعبر الصراط إلا المؤمنون. وأول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته. فيعطى المؤمنون نورهم على قدر إيمانهم وأعمالهم، ثم يمرون على الصراط بحسب ذلك. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ ِرَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حَديثِ الرؤيةِ: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». متفق عليه (¬1). - ما يكون للمؤمنين بعد عبور الصراط: عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَخْلُصُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

15 - دار القرار

المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬1). 15 - دار القرار الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء والقرار. لكن لا ينقطع العمل والسؤال إلا بعد دخول دار القرار في الجنة أو النار. أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع التكليف، كسؤال الملكين الميت في قبره، ودعوة الخلائق إلى السجود لله يوم القيامة، وامتحان المجانين، ومن مات في الفترة ونحو ذلك. ثم يحكم الله بين العباد حسب إيمانهم وأعمالهم. فريق في الجنة .. وفريق في السعير. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} ... [الروم: 14 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]. 3 - وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6535).

الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} ... [الحج: 56 - 57]. - صفة حشر المؤمنين إلى الجنة: يحشر المؤمنون إلى الجنة وفداً مكرمين، ويساقون إليها زمراً. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم: 85]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. - صفة حشر الكفار إلى النار: 1 - حشر الكفار إلى النار مرعب ومخيف، يقطع القلب حسرات، فهم يحشرون إلى جهنم أذلاء صاغرين كقطعان الماشية، وينهرون نهراً غليظاً، ويصاح بهم من هنا وهناك. 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزُّمَر: 71]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} [فُصِّلَت: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} [الطور: 13]. 2 - ويحشرون إلى جهنم صماً، وبكماً، وعمياً، عطاشاً، زرقاً. 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ

جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} [مريم: 85 - 86]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)} [طه: 102]. 4 - وَعَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِراً عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - ويحشر أهل النار أذلاء مع آلهتهم الباطلة وأتباعهم. قال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} [الصافات: 22 - 23]. 4 - وقبل وصول الكفار إلى النار يسمعون أصواتها التي تملأ قلوبهم رعباً وهلعاً، فإذا وصلوها اشتدت حسرتهم، ولكنهم لا يجدون منها مفراً. 1 - قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)} [الفرقان: 11 - 13]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)} [الأنعام: 27]. 3 - وقال الله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)} [الكهف: 53]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (24760) , ومسلم برقم (2806)، واللفظ له.

5 - ثم بعد ذلك يؤمر الكفار بدخول النار هم والشياطين الذين أضلوهم. 1 - قال الله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} [النحل: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 68 - 72]. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل. ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. - دار القرار: الدنيا دار الإيمان والعمل .. وقد رأيناها، ونحن الآن فيها. والآخرة دار الثواب والعقاب .. والخلود في الجنة أو النار. ولا بد للمسلم من أمرين: 1 - معرفة الإيمان والعمل الصالح الذي جعله الله سبباً لدخول الجنة. 2 - معرفة الشرك والمعاصي التي جعلها الله سبباً لدخول النار. وسيكون الحديث هنا إن شاء الله تعالى عن الجنة وعن النار من كتاب من خلقها، وخلق ما فيها، وخلق أهلها. ومن سنة من دخلها، ووطئت أقدامه أرضها محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكل ذلك على ضوء ما ورد في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة.

1 - صفة الجنة

1 - صفة الجنة - الجنة: هي دار السلام التي أعدها الله للمؤمنين والمؤمنات في الآخرة. - أسماء الجنة: الجنة واحدة في الذات، متعددة الصفات، وهي اسم لدار النعيم المطلق في الآخرة. وهذه أشهر أسماء الجنة: 1 - جنة الخلد: قال الله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)} [الفرقان: 15]. 2 - جنة المأوى: قال الله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)} [السجدة: 19]. 3 - جنة الفردوس: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} [الكهف: 107 - 108]. 4 - جنة عدن: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص: 49 - 50].

5 - جنات النعيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)} [لقمان: 8]. 6 - دار السلام: قال الله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} [الأنعام: 127]. 7 - دار المقامة: قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} [فاطر: 34 - 35]. - مكان الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)} [النجم: 13 - 15]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} [الذاريات: 22]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7423).

- عدد أبواب الجنة: أبواب الجنة ثمانية: 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». قال: فَقُلْتُ: مَا أجْوَدَ هَذِهِ! فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أجْوَدُ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ، قال: إِنِّي قَدْ رَأيْتُكَ جِئْتَ آنِفاً، قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ» أخرجه مسلم (¬2). - أسماء أبواب الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬2) أخرجه مسلم برقم (234).

الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فَقال أبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: بِأبِي أنْتَ وَأمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا؟ قال: «نَعَمْ، وَأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬1). - سعة أبواب الجنة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْراً، وَوَاللهِ! لَتُمْلأَنَّ أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ. أخرجه مسلم (¬3). - الأوقات التي تفتح فيها أبواب الجنة في الدنيا: يوم الإثنين .. ويوم الخميس .. وإذا دخل رمضان .. وعند الوضوء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1897) , واللفظ له، ومسلم برقم (1027). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4712) , ومسلم برقم (194)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2967).

1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عُمرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (¬3). - أبواب الجنة مفتوحة يوم القيامة: قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} [ص: 49 - 50]. - أول من يدخل الجنة: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «آتِي باب الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأسْتَفْتِحُ، فَيَقُولُ الخَازِنُ: مَنْ أنْتَ؟ فَأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَُ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2565). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , واللفظ له، ومسلم برقم (1079). (¬3) أخرجه مسلم برقم (234). (¬4) أخرجه مسلم برقم (197).

2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا أكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأنَا أوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ». أخرجه مسلم (¬1). - أول أمة تدخل الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). - أول زمرة يدخلون الجنة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ -الألنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ- وَأزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً، أوْ سَبْعُ مِائَةِ ألْفٍ (لا يَدْرِي أبُو حَازِمٍ أيَّهُمَا قال) مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». متفق عليه (¬4). - دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء: فالدخول هكذا ... ثم لكل درجته حسب عمله. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (196). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (876) , ومسلم برقم (855)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6543) ومسلم برقم (219)، واللفظ له.

1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ، يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى الجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - صفة وجوه أهل الجنة: وجوه أهل الجنة بيضاء .. ناعمة .. ناضرة .. ضاحكة .. مسفرة .. مستبشرة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطفِّفين: 22 - 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الغاشية: 8 - 10]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} [آل عمران: 107]. 5 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38 - 39]. 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: «أوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2979). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8521) , وأخرجه الترمذي برقم (2354).

وَلا تَحَاسُدَ» متفق عليه (¬1). - درجات الجنة: وهي درجات متفاوتة بعضها فوق بعض. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} [طه: 75 - 76]. 2 - وقال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء: 21]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال: 2 - 4]. - أعلى درجات الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3254) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2790).

- إلحاق ذرية المؤمن به إن كانوا مؤمنين محسنين: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور: 21]. - أعلى منزلة في الجنة: هي الوسيلة، وهي أقرب الدرجات إلى الله، وقد خص الله بها خليله محمداً - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). - تفاوت أهل الجنة في الدرجات: 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قال: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , واللفظ له، ومسلم برقم (2831).

جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُقَالُ لِصَاحِب القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم منزلة: 1 - عَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2790). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1464) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2914). (¬3) أخرجه مسلم برقم (189).

2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولا الجَنَّةَ، وَآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه (¬1). - عدد صفوف أهل الجنة: عَنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - سعة الجنة وعلوها: الجنة عالية المكان، واسعة المساحة. 1 - قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية: 8 - 11]. 2 - وقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21]. 3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]. - تفاضل أهل الجنة في القصور: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)} [الإنسان: 20]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7511) , واللفظ له، ومسلم برقم (186). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2546) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4289).

2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)} [العنكبوت: 58]. 3 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ: «بلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬1). - أكثر الأمم في الجنة: أعطى الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن تكون أمته شطر أهل الجنة، ثم زاده الكريم إلى الثلثين. 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ، فَقال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ». قُلْنَا: نَعَمْ، قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ، وَذَلِكَ أنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أنْتُمْ فِي أهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , ومسلم برقم (2831)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6528) , واللفظ له، ومسلم برقم (221).

2 - وَعَنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - عدد الجنات في الآخرة: الجنات كثيرة لا يعلم عددها إلا الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} [الحج: 14]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46]. 3 - وَعَنْ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى». أخرجه البخاري (¬2). 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». متفق عليه (¬3). - صفة استقبال أهل الجنة: الملائكة وخزنة الجنة تستقبل المؤمنين بالسلام والبِشْر والثناء. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2546)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4289). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2809). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4878) , واللفظ له، ومسلم برقم (180).

1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزُّمَر: 73]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} [الأنبياء: 103]. 4 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الحديد: 12]. - من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب: 1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأجدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قال: لا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قال: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قال: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثلاَث حَثيَاتٍ مِنْ حَثيَاتِ رَبي عَزَّ وَجَلَّ» ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6541) , واللفظ له، ومسلم برقم (220).

أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً، أوْ سَبْعُمِائَةِ ألْفٍ -لا يَدْرِي أبُو حَازِمٍ أيُّهُمَا قال- مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». متفق عليه (¬2). - صفة أرض الجنة وقصورها: 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبيَّ لمَّا عُرِجَ بهِ إلى السَّماءِ قَالَ: «ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أتَى بِي السِّدْرَةَ المُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا ألْوَانٌ لا أدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا إِذا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ فَإِذا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَآنَسْنَا أَهَالِينَا وَشَمَمْنَا أَوْلاَدَنَا أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا، فَقَالََ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذلِكَ لَزَارَتْكُمُ المَلاَئِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2437) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4286)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6554) , واللفظ له، ومسلم برقم (219). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3342) , واللفظ له، ومسلم برقم (163).

وَلَوْ لَمْ تُذنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ» قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ قَالَ: «مِنَ المَاءِ» قُلْنَا: الجَنَّةُ مَا بنَاؤُهَا؟ قَالَ: «لَبنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبنَةٌ مِنْ ذهَبٍ وَمِلاَطُهَا المِسْكُ الأَذفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ» أخرجه أحمد والترمذي (¬1). 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تُرْبَةِ الجَنَّةِ فَقَالَ: «دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ». أخرجه مسلم (¬2). - صفة خيام أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72]. 2 - عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً، مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متفق عليه (¬3). وفي لفظ: «فِي الجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً» أخرجه مسلم (¬4). - صفة استلام قصور الجنة: أهل الجنة يوم القيامة يعرفون مساكنهم كما يعرفون بيوتهم في الدنيا. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8043) , وأخرجه الترمذي برقم (2526)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2928). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4879) , ومسلم برقم (2838)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2838).

بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} [محمد: 4 - 6]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري (¬1). - صفة فرش أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)} [الرحمن: 54]. 2 - وقال الله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} [الواقعة: 34]. - صفة البسط والنمارق في الجنة: 1 - قال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 13 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)} [الرحمن: 76]. النمارق: الوسائد، الزرابي: البسط، الرفرف: الفرش الزائدة على المجالس. العبقري: المنسوج الفاخر. - صفة آرائك الجنة: الأرائك: هي الأَسِرَّة عليها الكلل، أو الكراسي ذات الوسائد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطفِّفين: 22 - 23]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2440).

2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)} [الإنسان: 13]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس: 55 - 56]. - صفة سرر أهل الجنة: سرر أهل الجنة عالية .. مصفوفة .. موضونة. 1 - قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} [الحِجر: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)} [الطور: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)} [الواقعة: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13]. - صفة حلي أهل الجنة ولباسهم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا

وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)} [الحج: 23]. 2 - وقال الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} [الكهف: 31]. 3 - وقال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 33]. 4 - وقال الله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} [الإنسان: 21]. - أول من يكسى يوم القيامة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقال: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، وَإِنَّ أوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقُولُ كَمَا قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْحَكِيمُ} قالَ: فَيُقال: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة أواني أهل الجنة: أواني أهل الجنة من الذهب والفضة في صفاء القوارير. 1 - قال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 71]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} [الإنسان: 15 - 16]. 3 - وقال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة: 17 - 18]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6526).

4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬2). - صفة خدم أهل الجنة: خدم أهل الجنة ولدان مخلدون في منتهى الحسن والجمال، لا يهرمون ولا يتغيرون. 1 - قال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة: 17 - 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)} [الإنسان: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} [الطور: 24]. - صفة طعام أهل الجنة: طعام أهل الجنة كل ما لذ وطاب من أنواع الأطعمة والفواكه واللحوم. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7444) , ومسلم برقم (180). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067).

2 - وقال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 70 - 71]. 3 - وقال الله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} [الواقعة: 20 - 21]. 4 - وقال الله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة: 23 - 24]. 5 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)} [يس: 57]. 6 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَكُونُ الأرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ». فَأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقال: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أبَا القَاسِمِ، ألا أخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال: «بَلَى». قال: تَكُونُ الأرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قال: ألا أخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قال: إِدَامُهُمْ بَالامٌ وَنُونٌ، قالوا: وَمَا هَذَا؟ قال: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ ألْفاً. متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلاَ يَتْفُلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6520) , واللفظ له، ومسلم برقم (2792).

وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (¬1). 8 - وَعن عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً لا أَعْلَمُ أَكْثَرَ شَوْكاً مِنْهَا يَعْنِي الطَّلْحَ، فَقَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِثْلَ خَصْوَةِ التَّيْسُ المَلْبُودُ يَعْنِي الخَصِيَّ، فِيهَا سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ لا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ» أخرجه الطبراني (¬2). 9 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَقَالَ لأَِصْحَابِهِ: إِنْ أَقَرَّ لِي بِهَذِهِ خَصَمْتُهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالجِمَاعِ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الحَاجَةُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ رِيحِ المِسْكِ فَإِذَا البَطْنُ قَدْ ضَمُرَ» أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 10 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الكَوْثرُ؟ قَالَ: «ذاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهُ -يَعْنِي فِي الجَنَّةِ- أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الجُزُرِ» قَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكَلَتُهَا أَحْسَنُ مِنْهَا». أخرجه أحمد والترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2835). (¬2) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (17/ 130) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2734). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19269) , وأخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (11478). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13206) , وأخرجه الترمذي برقم (2542)، وهذا لفظه.

- أول طعام يأكله أهل الجنة: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: بَلَغَ عَبْدَاللهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ فَأتَاهُ، فَقال: مَا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ، ... -وفيهِ- فَقَالَ اليَهُودِيُّ: فَمَنْ أوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قال: «فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ». قال اليَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟ قال: «زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ». قال: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قال: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أطْرَافِهَا». قال: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قال: «مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا». قال: صَدَقْتَ. أخرجه مسلم (¬2). - صفة شراب أهل الجنة: شراب أهل الجنة: كل ما لذ وطاب من أنهار الماء واللبن والخمر والعسل والرحيق المختوم. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5 - 6]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3329). (¬2) أخرجه مسلم برقم (315).

3 - وقال الله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)} [الإنسان: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان: 17 - 18]. 5 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطفِّفين: 22 - 28]. 6 - وقال الله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)} [الصافات: 45 - 47]. 7 - وقال الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)} [الواقعة: 17 - 19]. 8 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الكَوْثرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثلْجِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - صفة أشجار الجنة وثمارها: أشجار وفواكه الجنة كثيرة متنوعة .. مختلفة الأشكال، والألوان، والطعوم، والأحجام. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)} [المرسلات: 41 - 42]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3361) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4334).

2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)} [النبأ: 31 - 32]. 3 - وقال الله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان: 14]. 4 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)} [ص: 51]. 5 - وقال الله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)} [الدخان: 55]. 6 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة: 27 - 33]. 7 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)} [الحاقة: 19 - 23]. 8 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)} [الرحمن: 46 - 54]. 9 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 62 - 68]. 10 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَا أنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ -وَذَكَرَ: يَعْنِي رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، وأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أبْيَضَ، دُونَ البَغْلِ

وَفَوْقَ الحِمَارِ: البُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ، جَاءَ فَأتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قال: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقالا: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قِيلَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قال: نَعَمْ، قِيلَ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ. فَأتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أبْكَاكَ؟ قال: يَا رَبِّ هَذَا الغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا، قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ، قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ

وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأنَّهُ قِلالُ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا كَأنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ، فِي أصْلِهَا أرْبَعَةُ أنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: أمَّا البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالفُرَاتُ. متفق عليه (¬1). 11 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا». متفق عليه (¬2). 12 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذهَبٍ». أخرجه الترمذي (¬3). - صفة أنهار الجنة: أنهار الجنة كثيرة منوعة .. مختلفة الأشربة والطعوم .. دائمة الجريان في غير أخدود. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207) , واللفظ له، ومسلم برقم (162). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6553) , واللفظ له، ومسلم برقم (2828). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2525).

الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1 - 2]. 5 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِي الحَوْضَ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأقُولُ: أصْحَابِي؟ فَيَقُولُ لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ». أخرجه البخاري (¬1). 6 - وَعَن عَبْداللهِ بْن عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أبداً». متفق عليه (¬2). 7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ-: وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6582). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6579) , واللفظ له، ومسلم برقم (2292). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2790).

8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة عيون الجنة: عيون الجنة كثيرة .. مملوءة بما لذ وطاب من أنواع الشراب .. يفجِّرها عباد الله متى شاؤا. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)} [الحِجر: 45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطفِّفين: 27 - 28]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} [الإنسان: 17 - 18]. 5 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)} [الرحمن: 50]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)} [الرحمن: 66]. - صفة ظلال الجنة: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان: 13 - 14]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2839).

3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)} [النساء: 57]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 27 - 30]. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، لاَ يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}». متفق عليه (¬1). - صفة نساء أهل الجنة: نساء أهل الجنة حسان الأجسام والوجوه .. حور عين .. قاصرات الطرف .. أحسن الخلق صورة وبياضاً وجمالاً .. وأحسنهم كلاماً وريحاً .. أبكار أسنانهن متماثلة. 1 - قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)} [الواقعة: 35 - 38]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} [الصافات: 48 - 49]. 4 - وقال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4881) , واللفظ له، ومسلم برقم (2826).

يَعْمَلُونَ (24)} [الواقعة: 22 - 24]. 5 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 56 - 58]. 6 - وقال الله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 70 - 72]. 7 - وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} [ص: 52]. 8 - وَعَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، أوْ مَوْضِعُ قِيدٍ -يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أنَّ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أهْلِ الأرْض لأضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْهُ رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬1). 9 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاء، ِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الجَنَّةِ أَعْزَبُ؟». متفق عليه (¬2). - صفة عطور وروائح الجنة: عطور الجنة مختلفة الألوان والروائح بحسب اختلاف درجات أهل الجنة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2796) , واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3246) , ومسلم برقم (2834)، واللفظ له.

فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ، أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ -الألنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ- وَأزْوَاجُهُمُ الحُورُ العِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي اللهُ عَنْهما، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهِداً لَهُ ذِمَّةُ الله وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَقَدْ أَخْفَرَ بذِمَّةِ الله فَلاَ يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). - صفة غناء أزواج أهل الجنة: أصوات وكلام وغناء نساء أهل الجنة في غاية الحسن والعذوبة. عَنْ ابنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحْنُ الخَيِّرَاتُ الحِسَانُ ... أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ ... نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3327) , واللفظ له، ومسلم برقم (2834). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3166). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1403) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2687).

نَحْنُ المُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّ» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬1). - جماع أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس: 55 - 56]. 2 - وَعَنْ زَيدِ بنِ أرْقمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ ا? - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالشَّهْوَةِ وَالجِمَاعِ»، فقال رجل من اليهود: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ، فَإذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمِرَ». أخرجه الطبراني والدارمي (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قيلَ يا رَسُولَ ا?: هَلْ نَصِلُ إلى نِسَائِنا فِي الجنَّةِ؟ فقالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي اليَوْمِ إلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ». أخرجه الطبراني في «الأوسط» وأبو نعيم (¬3). 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً، مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (4917). (¬2) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (5/ 178) , وهذا لفظه. وأخرجه الدارمي برقم (2721). (¬3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (5263). وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» برقم (373). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4879) , ومسلم برقم (2838)، واللفظ له.

- صفة الحمل والولادة في الجنة: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ إِذا اشْتَهَى الوَلَدَ فِي الجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - طول أهل الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، ثُمَّ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ». متفق عليه (¬2). - سن أهل الجنة: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثلاَثينَ أَوْ ثلاَث وَثلاَثينَ سَنَةً». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - صفة سوق الجنة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَسُوقاً، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللهِ! لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11079) , وأخرجه الترمذي برقم (2563). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3326) , واللفظ له، ومسلم برقم (2841). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (7920) , وأخرجه الترمذي برقم (2545)، وهذا لفظه.

وَاللهِ! لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً». أخرجه مسلم (¬1). - صفة مُلك وقصور أهل الجنة: يكرم الله كل واحد من أهل الجنة بملك كبير من الجنان والقصور .. والنساء والخدم .. وألوان النعيم الدائم .. والأنهار والبساتين .. وفوق ذلك كله رؤية ربه .. والفوز برضاه وقربه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 20 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. 3 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} [الزُّمَر: 20]. 4 - وَعنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ!، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ: «بلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2833). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3256) , ومسلم برقم (2831)، واللفظ له.

- دوام نعيم أهل الجنة: أهل الجنة خالدون في نعيم كامل دائم .. لا يزول ولا يتغير ولا ينقص. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)} [الرعد: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54]. 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدريّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قِيلَ: يا رسولَ الله هلْ ينامُ أهلُ الجَنَّةِ؟ قالَ: «لَا، النَّومُ أَخُو المَوتِ» أخرجه البزار (¬2). - صفة نعيم الجنة: في الجنة من النعيم واللذات والشهوات ما لا عين رأت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2837). (¬2) صحيح/ أخرجه البزار برقم (3517) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1087).

[الزُّخرُف: 69 - 73]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} [الدخان: 51 - 56]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 12 - 22]. 4 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة: 10 - 26]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)

لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} [الواقعة: 27 - 40]. 6 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}». متفق عليه (¬1). - أعظم نعيم أهل الجنة: النعيم في الجنة نوعان: نعيم الاستمتاع بما في الجنة من اللذات والشهوات .. وأعلى نعيم أهل الجنة رؤية الله ورضوانه وسماع كلامه والقرب منه. 1 - قال الله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطفِّفين: 22 - 23]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟». قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكََ» متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3244) , ومسلم برقم (2824)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

قال يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (¬1). 6 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ، رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً». متفق عليه (¬2). - كلام وذكر وتحية أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} [الزُّمَر: 74]. 2 - وقال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [يونس: 10]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)} [الواقعة: 25 - 26]. 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6549) , ومسلم برقم (2829)، واللفظ له.

المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالحَمْدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ». أخرجه مسلم (¬1). - سلام الرب على أهل الجنة: 1 - قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} [الأحزاب: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس: 58]. - أهل الجنة: كل من آمن بقلبه .. وعمل الصالحات بجوارحه .. فهو من أهل الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)} [البقرة: 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} [النساء: 69]. 3 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « ... وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ قَالُوا: بَلَى قَالَ: - صلى الله عليه وسلم - كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2835). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2865).

لأَبَرَّهُ» متفق عليه (¬1). - أكثر أهل الجنة: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ». متفق عليه (¬2). - آخر من يدخل الجنة: عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، وَآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأى، فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». متفق عليه (¬3). - سبب دخول الجنة: دخول الجنة برحمة الله، والعمل سبب، واقتسام المنازل بحسب الأعمال الصالحة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء: 124]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أَحَداً عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (498) , ومسلم برقم (2853)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3241) , واللفظ له، ومسلم برقم (2737). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7511) , واللفظ له، ومسلم برقم (186).

قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ». متفق عليه (¬1). - ما يبشَّر به أهل الجنة: يبشر الله وملائكته أهل الجنة بكل ما يسر عيونهم .. ويفرح قلوبهم. 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} [التوبة: 21 - 22]. 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَداً». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قال يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6464) , ومسلم برقم (2818)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2837).

أُعْطُوا شَيْئاً أحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (¬1). - عظمة نعيم الجنة: نعيم الجنة فوق ما يخطر بالبال، فلا يعلم مدى عظمته ومقداره إلا الذي خلقه. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزُّخرُف: 70 - 71]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ تَعَالى: أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬3). - خلود أهل الجنة: أهل الجنة خالدون أبداً .. في نعيم لا يزول أبداً. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3244) , واللفظ له، ومسلم برقم (2824). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3250) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881).

وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البيِّنة: 7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود: 108]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَارَ أهْلُ الجَنَّةِ إِلَى الجَنَّةِ، وَأهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أهْلُ الجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ». متفق عليه (¬1). - إرث أهل الجنة منازل أهل النار: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ لَهُ مَنْزِلاَنِ مَنْزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ فَإِذا مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرِث أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}». أخرجه ابن ماجه (¬2). - سيدة الجنان في الآخرة: الفردوس أعلى الجنة .. وأوسط الجنة .. وسقفها عرش الرحمن .. اختارها الله لخيرته من خلقه. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف: 107]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6548) , واللفظ له، ومسلم برقم (2850). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (4341).

سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). - جنة الدنيا: وهي الإيمان .. وروضة المسجد النبوي .. وحِلق الذكر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا مَرَرْتُمْ برِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «حِلَقُ الذِّكْرِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - ميزان دخول الجنة: دخول المؤمنين الجنة بفضل الله ورحمته .. ودخول الكفار النار بعدل الله .. ورحمة الله سبقت غضبه، فلا يدخل النار إلا من عمل أعمال أهل النار من الكفر والمعاصي. وأما الجنة فيدخلها المؤمنون .. ثم يبقى فيها فضل فينشئ الله لها أقواماً ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7423). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196) , ومسلم برقم (1391). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (12551) , وأخرجه الترمذي برقم (3510).

يُسكنهم إياها من غير عمل عملوه. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يُدْخِلُ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النَّارِ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». متفق عليه (¬2). - طبقات أهل الجنة: الطبقة الأولى: طبقة الأنبياء والرسل، وهي أعلى درجات الجنة، وهم يتفاوتون في هذه الدرجات، وأعلاهم منزلة محمد - صلى الله عليه وسلم -. الطبقة الثانية: طبقة ورثة الرسل، وهم خلفاء الرسل في أممهم، القائمون بما بُعثوا به علماً وعملاً ودعوة، وهذه أفضل درجات الأمة بعد الأنبياء. الطبقة الثالثة: طبقة أئمة العدل وولاته، وهم الذين يحكمون بالكتاب والسنة، وتُؤْمَن بهم السبل، ويُدفع بهم شر الأعداء. الطبقة الرابعة: طبقة المجاهدين في سبيل الله، وهم جند الله الذين يقيم بهم دينه، ليكون الدين كله لله. الطبقة الخامسة: طبقة أهل الإيثار والإحسان والصدقة، وهم أهل الإحسان إلى الناس بأموالهم إكراماً وإيثاراً ومواساة. فهذه درجات السبق .. وأهلها أنفع الناس لعباد الله .. ولا تستقيم الحياة إلا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2817). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4848) , ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

بهؤلاء. الطبقة السادسة: طبقة من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه كالنوافل والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها .. فهذا على خير عظيم .. لكن إذا مات طويت صحيفته. الطبقة السابعة: طبقة أهل النجاة، وهو من يؤدي فرائض الله .. ويجتنب محارم الله .. فهذا من المفلحين. الطبقة الثامنة: طبقة من أسرف على نفسه ثم تاب .. وهؤلاء ناجون من عذاب الله. الطبقة التاسعة: طبقة من خلط العمل الصالح بالعمل السيء، وحسناتهم أكثر من سيئاتهم .. فهؤلاء ناجون فائزون. الطبقة العاشرة: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم وهم أهل الأعراف .. فهؤلاء يوقفون بين الجنة والنار .. ثم يدخلهم ربهم الجنة برحمته وفضله. وما تقدم من الطبقات هم أهل الجنة الذين لم تمسهم النار. الطبقة الحادية عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية .. وهم من رجحت سيئاتهم على حسانتهم .. وهؤلاء يعذبون في النار على قدر أعمالهم السيئة ثم يخرجون إلى الجنة. الطبقة الثانية عشرة: طبقة من لا طاعة لهم ولا معصية .. ولا كفر ولا إيمان كالمجانين ومن لم تبلغهم الدعوة .. وهؤلاء يمتحنون فمن أطاع دخل الجنة .. ومن عصى دخل النار. - الطريق إلى الجنة: الطريق إلى الجنة هو سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة بالإيمان

وطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُلُّ أمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلا مَنْ أبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قال: «مَنْ أطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ». أخرجه مسلم (¬2). اللهم إنا نسألك الجنة .. وما قرب إليها من قول وعمل. ونعوذ بك من النار .. وما قرب إليها من قول وعمل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7280). (¬2) أخرجه مسلم برقم (93).

2 - صفة النار

2 - صفة النار - النار: هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة. - أسماء النار: النار واحدة في الذات، متعددة الصفات، بحسب ما فيها من ألوان العذاب. وهذه أشهر أسماء النار: 1 - جهنم: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140]. 2 - الجحيم: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 10]. 3 - السعير: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)} [الأحزاب: 64]. 4 - الهاوية: قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 8 - 11]. 5 - سقر: قال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48].

6 - الحطمة: قال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهُمَزة: 4 - 6]. 7 - لظى: قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} [المعارج: 15 - 17]. 8 - دار البوار: قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29]. - مكان النار: النار تحت الأرض السفلى. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطفِّفين: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6]. 3 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إنَّ المُؤمِنَ إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ حَضَرَتهُ مَلائِكةُ الرَّحمَةِ، فَإِذا قُبِضَت نَفسُهُ جُعلَت فِي حَريرَةٍ بَيضاءَ، فَيُنْطَلَقُ بِها إِلى بَابِ السَّماءِ، فَيقُولُونَ: مَا وَجدنَا رِيحاً أَطْيَبَ مِنْ هَذِهِ، فَيُقالُ: دَعُوهُ يَستَريحُ فَإِنَّه كَانَ فِي غَمٍّ، فَيُسأَلُ: مَا فَعلَ فُلانٌ؟ مَا فَعلَ فُلانٌ؟ مَا فَعلَت فُلانَةُ؟ وَأَمَّا الكَافِرُ فَإذا قُبِضَت نَفْسُهُ وَذُهِبَ بِها إِلى بَابِ الأَرضِ، يَقُولُ خَزَنَةُ الأَرضِ: مَا وَجدنَا رِيحاً أَنتَنَ مِن هَذهِ، فَتَبلُغُ بِها إِلَى الأَرضِ

السُّفلَى» أخرجه الحاكم وابن حبان (¬1). - عدد أبواب النار: أبواب النار سبعة، وكل باب أسفل من الآخر. قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)} [الحِجر: 43 - 44]. - صفة أبواب النار: أبواب النار مغلقة على أهلها. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهُمَزة: 4 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} ... [السجدة: 20]. - مجيء النار في عرصات القيامة: 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: 21 - 23]. 2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ، سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا». ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1304) , وأخرجه ابن حبان برقم (3013).

أخرجه مسلم (¬1). - قعر النار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ». أخرجه مسلم (¬3). - وقود النار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء: 98]. - قوة حرارة النار: 1 - قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} [الإسراء: 97]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2842). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2844). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2845).

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قَالُوا: وَاللهِ! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». متفق عليه (¬2). - دركات النار: النار دركات بعضها أسفل من بعض. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّهُ قال: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬3). - صفة ظل النار: أهل النار في سموم وحميم، وظل شديد الحرارة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3265) , ومسلم برقم (2843)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3260) , واللفظ له، ومسلم برقم (617). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3883) , ومسلم برقم (209)، واللفظ له.

1 - قال الله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)} [الواقعة: 41 - 44]. 2 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزُّمَر: 16]. 3 - وقال الله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)} [المرسلات: 30 - 31]. - خزنة النار: مالك خازن النار، وعدد خزنة جهنم تسعة عشر. 1 - قال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 2 - وقال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدَّثر: 26 - 31]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49 - 50]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6]. 5 - وقال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ

أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)} [الزُّمَر: 71]. - عظمة خلق أهل النار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الكَافِرِ، أَوْ نَابُ الكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الكَافِرِ فِي النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، لِلرَّاكِبِ المُسْرِعِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ضِرْسُ الكَافِرِ يَومَ القِيامَةِ مِثلُ أُحِدٍ، وَعَرضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِراعاً، وَعَضُدُهُ مِثلُ البَيضاءَ، وَفَخِذُهُ مِثلُ وَرِقانَ، وَمَقعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَينِي وَبينَ الرَّبَذَةَ» أخرجه أحمد والحاكم (¬3). - صفة وجوه أهل النار: وجوه أهل النار يوم القيامة: سوداء .. مظلمة .. باسرة .. كالحة .. خاشعة .. ذليلة .. مغبرة .. عليها قترة. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)} [الزُّمَر: 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} [القيامة: 24 - 25]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2851). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6551) , ومسلم برقم (2852)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8345) , وأخرجه الحاكم برقم (8759)، وهذا لفظه.

خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون: 103 - 104]. 4 - وقال الله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس: 40 - 42]. 5 - وقال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)} [الغاشية: 2]. - ورود الناس النار: قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. - الذين يمرون على الصراط: الذين يمرون على الصراط المؤمنون والمنافقون، أما الكفار فيساقون إلى جهنم مباشرة. عَنْ أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي حَديثِ الرؤيةِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». متفق عليه (¬1). - أول من يعبر الصراط: أول من يعبر الصراط محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته. عَنْ أبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي حَديثِ الرؤيةِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَيُضْرَبُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7439) , ومسلم برقم (183)، واللفظ له.

الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ». متفق عليه (¬1). - بعث النار: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفاً». متفق عليه (¬2). - أول من تسعر بهم النار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلََكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3348) , واللفظ له، ومسلم برقم (222).

إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلََكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - أهل النار: أهل النار المخلدون في النار: الكفار والمنافقون .. والمعذبون إلى أمد: وهم بعض عصاة المؤمنين. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} [الأحزاب: 64 - 65]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 3 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « ... وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً، وَالخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ». وَذَكَرَ البُخْلَ أَوِ الكَذِبَ «وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ». أخرجه مسلم (¬2). - صفة دخول النار: يساق أهل النار إلى النار سوقاً عنيفاً .. ويسحبون على وجوههم .. يدخلونها من مكان ضيق مقرنين في السلاسل .. يدفع بعضهم بعضاً .. ويلعن بعضهم بعضاً. 1 - قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1905). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2865).

أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزُّمَر: 71 - 72]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 48]. 3 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)} [الطور: 13 - 14]. 4 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)} [الفرقان: 34]. - اضطراب النار يوم القيامة: النار يوم القيامة إذا رأت أهلها اشتد زفيرها وسعيرها وغيضها .. وزاد لهيبها .. يَحْطِم بعضها بعضاً .. وتَحْطِم كل من يدخلها. 1 - قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)} [الفرقان: 11 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ

يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [المُلك: 6 - 8]. 4 - وقال الله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهُمَزة: 4 - 9]. 5 - وَعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ» أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - أكثر أهل النار: أكثر أهل النار النساء، وأمة يأجوج ومأجوج. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أُرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». قِيل: أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قال: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8411) , وأخرجه الترمذي برقم (2574)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29) , واللفظ له، ومسلم برقم (907).

قال: «أبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألْفاً». متفق عليه (¬1). - أشد أهل النار عذاباً: أشد أهل النار عذاباً إبليس، ثم الأخبث فالأخبث من نُوَّابه وجنوده. 1 - قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} [ق: 24 - 26]. 2 - وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)} [مريم: 68 - 70]. 3 - وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88]. 6 - وَعَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - «إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوّرُونَ». متفق عليه (¬2). 7 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3348) , واللفظ له، ومسلم برقم (222). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , ومسلم برقم (2109)، واللفظ له.

بثلاَثةٍ بكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ الله إِلَهاً آخَرَ وَبالمُصَوِّرِينَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - أهون أهل النار عذاباً: 1 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ وَالقُمْقُمُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أهْوَنُ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً أبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقال لأهون أهل النار عذاباً: عَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فَأبَيْتَ إِلا أنْ تُشْرِكَ بِي». متفق عليه (¬4). - أعظم عذاب أهل النار: العذاب في النار نوعان: عذاب على الأبدان بالنار والإحراق .. وعذاب على الأرواح بالإهانة والصغار، وحجابهم عن رؤية ربهم، وهذا أعظمها. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8411) , وأخرجه الترمذي برقم (2574)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6562) , واللفظ له، ومسلم برقم (213). (¬3) أخرجه مسلم برقم (212). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6557) واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)} [الأنعام: 124]. 3 - وقال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطفِّفين: 15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]. - ما يبشَّر به أهل النار: يبشر أهل النار تهكماً بأنواع العذاب الأليم الذي ينتظرهم. 1 - قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} [الجاثية: 7 - 8]. 2 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)} [النساء: 138]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)} [آل عمران: 21]. - سلاسل النار وأغلالها ومقامعها: خلق الله في جهنم سلاسل يقرن بها كل كافر بمثله .. وأغلالاً تغل بها الأيدي والأعناق .. ومقامع يضربون بها .. ثم يقلب على جمر جهنم .. ويُنْظَم في سلسلة من سلاسل جهنم ويعلق فيها.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)} [الحاقة: 30 - 33]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزَّمل: 12 - 13]. 4 - وقال الله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج: 21 - 22]. 5 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)} [غافر: 70 - 74]. - صفة طعام أهل النار: طعام أهل النار كريه المذاق .. شديد المرارة .. قبيح الطعم .. منتن الريح .. شديد الحرارة .. يغص به آكله لمرارته وبشاعته .. ومنه شجرة الزقوم .. وصديد أهل النار .. والضريع .. والشوك. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} [المزَّمل: 12 - 13]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} [الحاقة: 33 - 37].

3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان: 43 - 46]. 4 - وقال الله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} [الصافات: 62 - 68]. 5 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} [الغاشية: 6 - 7]. - صفة شراب أهل النار: شراب أهل النار في غاية الحرارة .. كريه الطعم .. خبيث الرائحة .. حميم لا يطاق .. وصديد من القيح والدم .. وماء كالمهل غليظ أسود .. حار منتن .. شديد المرارة .. وغساق لا يطاق شربه لبرودته وبشاعته. 1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} [إبراهيم: 15 - 17]. 2 - وقال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29].

4 - وقال الله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} [ص: 55 - 58]. 5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة ثياب أهل النار: ثياب أهل النار قُطِّعت من نار .. وسرابيلهم من قطران، وهو النحاس المذاب الحار. 1 - قال الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} [الحج: 19 - 20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)} [إبراهيم: 49 - 50]. - فرش أهل النار: فرش أهل النار من نار .. ولحفهم من نار .. ومن فوقهم ظلل من النار .. ومن تحتهم ظلل من النار. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2002).

1 - قال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)} [الأعراف: 41]. 2 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} [الزُّمَر: 16]. - تحية أهل النار: أهل النار يسب بعضهم بعضاً .. ويلعن بعضهم بعضاً .. ويدعو بعضهم على بعض. 1 - قال الله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)} [الأعراف: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} [العنكبوت: 25]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13 - 14]. - خطبة إبليس في أهل النار: إذا قضى الله الأمر .. وفصل بين العباد .. ودخل أهل النار في النار .. خطب فيهم إبليس ليزيد من كربهم وندامتهم. قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ

وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)} [إبراهيم: 22]. - حسرة أهل النار: إذا استقر أهل النار في النار .. ونالوا جزاء كفرهم .. ازدادت حسرتهم على ما فاتهم من النعيم .. وما حلَّ بهم من العذاب المقيم. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} [البقرة: 166 - 167]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ أحَدٌ الجَنَّةَ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْراً، وَلا يَدْخُلُ النَّارَ أحَدٌ إِلا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ لَوْ أحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قال: نَعَمْ، قال: فَقَدْ سَألْتُكَ مَا هُوَ أهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أنْ لا تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6569). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3334) , واللفظ له، ومسلم برقم (2805).

- طلب النار المزيد: النار يوم القيامة تطلب المزيد من الكفار، لشدة غضبها على من عصى ربها. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} [ق: 30]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». متفق عليه (¬1). - صور من أحوال أهل النار: عذاب أهل النار في جهنم عظيم فظيع فوق ما يخطر على البال. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)} [الأحزاب: 64 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]. 3 - وقال الله تعالى: { } [الزُّخرُف: 74 - 76]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} [القمر: 47 - 48]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4848) , ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36]. 6 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 106 - 107]. - صور من أصناف المعذبين في النار: المعذبون في النار متفاوتون بحسب الكفر والشرك والنفاق .. وبحسب المعاصي والكبائر .. وهؤلاء بعضهم. 1 - الكفار والمنافقون: قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 2 - مانع الزكاة: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة: 34 - 35]. 3 - الذين يكتمون ما أنزل الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة: 174]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ

فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ الله بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 4 - قاتل النفس المعصومة عمداً: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬2). 5 - المصورون: 1 - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هََذِهِ الصّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمّ قَالَ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا حَتّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَوّرَ صُورَةً فِي الدّنْيَا كُلّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3658) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3166). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225)، ومسلم برقم (2110) واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7042)، ومسلم برقم (2110) واللفظ له.

6 - آكل مال اليتيم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]. 7 - أهل الكذب والغيبة والنميمة: 1 - قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} [الجاثية:7 - 8]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّاباً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ... يَا نَبيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذونَ بمَا نَتَكَلَّمُ بهِ؟ فَقَالََ: «ثكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). 8 - الذين تخالف أقوالهم أفعالهم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ؟ ألَيْسَ كُنْتَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2607). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2616) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3973).

تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». متفق عليه (¬1). 9، 10، 11 - آكل الربا، الزناة والزواني، الذين ينامون عن الصلاة: عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في حديث الرؤيا - وفيه أَنَّ المَلَكَيْن قَالاَ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ. وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحِجَارَةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا. أخرجه البخاري (¬2). - بكاء أهل النار وصراخهم: أهل النار يبكون ويصرخون .. ويزفرون ويندمون .. من شدة ما يرون ويعانون من الأهوال. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة: 81 - 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)} [فاطر: 37]. 3 - وقال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)} [الأنبياء: 100]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3267) , واللفظ له، ومسلم برقم (2989). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7047).

تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)} [الفرقان: 13 - 14]. 5 - وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} [الفرقان: 27]. - دعاء أهل النار: إذا دخل أهل النار فيها نادوا واستغاثوا لعلهم يجدون من يغيثهم، فينادون أهل الجنة .. وينادون خزنة النار .. وينادون خازن النار .. وينادون ربهم .. فلا يجابون إلا بما يزيد حسرتهم. ثم يفقدون الأمل في الخروج منها .. ويأخذون في الزفير والشهيق. 1 - قال الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)} [الأعراف: 50]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)} [غافر: 49 - 50]. 3 - وقال الله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزُّخرُف: 77 - 78]. 4 - وقال الله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 106 - 108]. 5 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 106 - 107].

- تخاصم أهل النار: إذا رأى الكفار ما أعد الله لهم من العذاب مقتوا أنفسهم .. ومقتوا أحبابهم في الدنيا .. وانقلبت كل محبة بينهم في الدنيا إلى عداوة .. وعند ذلك يخاصم ويحاج أهل النار بعضهم بعضاً. وهذه صور من مخاصمة أهل النار: 1 - مخاصمة العابدين لمعبوديهم: قال الله تعالى: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)} [الشعراء: 96 - 99]. 2 - مخاصمة الضعفاء للسادة: قال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} [غافر: 47 - 48]. 3 - تخاصم الأتباع مع قادة الضلال: قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)} [الصافات: 27 - 33]. 4 - تخاصم الكافر وقرينه الشيطان: قال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا

لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق: 27 - 29]. 5 - ويبلغ الأمر أشده حينما يخاصم الإنسان أعضاءه: قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)} [فُصِّلَت: 19 - 21]. - دعاء أهل النار على من أضلهم: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 67 - 68]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} [فُصِّلَت: 29]. - خلود أهل النار: الكفار والمشركون والمنافقون مخلدون في النار. وأما عصاة الموحدين فهم تحت مشيئة الله .. إن شاء غفر لهم .. وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم ثم أخرجهم إلى الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

- خروج عصاة الموحدين من النار: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَماً ثمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَاب الجَنَّةِ قَالَ فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ المَاءَ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثاءُ فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ ثمَّ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - قرب الجنة والنار: الطاعة سبب لدخول الجنة .. والمعصية سبب لدخول النار. عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ». أخرجه البخاري (¬3). - حجاب الجنة والنار: الجنة محجوبة بالمكاره .. والنار محجوبة بالشهوات .. فمن هتك الحجاب اقتحم هذه أو هذه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (44) , ومسلم برقم (193)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15268) , وأخرجه الترمذي برقم (2597)، وهذا لفظه. (¬3) أخرجه البخاري برقم (6488).

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ». متفق عليه (¬1). - احتجاج الجنة والنار: يوم القيامة تكون خصومة بين الجنة والنار .. ثم يحكم الله بينهما. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْتَجَّتِ النَّارُ وَالجَنَّةُ، فَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الجَبَّارُونَ وَالمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَرُبَّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا». متفق عليه (¬2). - خلود أهل الجنة والنار: 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود: 105 - 108]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 36 - 37]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6487) , واللفظ له، ومسلم برقم (2823). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4850) , ومسلم برقم (2846)، واللفظ له.

3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَارَ أهْلُ الجَنَّةِ إِلَى الجَنَّةِ، وَأهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أهْلُ الجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ». متفق عليه (¬1). - طبقات أهل النار: أهل النار في العذاب طبقات بحسب أعمالهم: الطبقة الأولى: طبقة أهل النفاق، وهم كل من أظهر الإسلام، وأبطن الكفر .. فهؤلاء في الدرك الأسفل من النار؛ لغلظ كفرهم. الطبقة الثانية: طبقة رؤساء الكفر ودعاته، وهم أئمة الكفر الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، وإمامهم إبليس .. ثم الأخبث فالأخبث من نوَّابه .. فهؤلاء أشد الكفار جرماً .. وأشدهم عذاباً. الطبقة الثالثة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة، فهؤلاء بمنزلة البهائم الضالة .. فهؤلاء كفار جاهلون .. ومَنْ قبلهم كفار معاندون .. وكلهم في النار. فهذه طبقات أهل النار .. وكل طبقة لها أدنى ووسط وأعلى بحسب أعمالهم. - الطريق إلى النار: الطرق إلى النار كثيرة .. ويجمعها الكفر والشرك ومعصية الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6548) , واللفظ له، ومسلم برقم (2850).

لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14]. - فقه الإيمان باليوم الآخر: معرفة العبد بأهوال يوم القيامة وعرصاتها: من البعث والحشر .. والحساب والفصل .. والصراط والميزان .. والجنة والنار .. كل ذلك يزيد الإيمان في القلوب .. ويحرك الجوارح بالطاعة والعبادة .. واللسان بالذكر والشكر .. والقلب بالتعظيم والإجلال للعزيز الجبار .. والإيمان باليوم الآخر يذكِّر الإنسان برجوعه إلى ربه، وأنه صائر إليه، وقائم بين يديه. وإذا تيقن العبد أنه راجع إلى ربه بادر إلى الإيمان به، وسارع إلى طاعته، وشكر نعمه، وعبادته، لينال ثوابه، وينجو من عقابه، ويفوز برضاه. والإيمان باليوم الآخر يذكِّر المسلم بعظمة مولاه، وقوة سلطانه، وسعة ملكه، وكمال جلاله وجبروته، وسعة رحمته، وجميل عدله وإحسانه .. وجزيل إكرامه .. وأليم عقابه. فيبادر المسلم للطاعات، ويحبس نفسه عن المعاصي، ويتقرب إلى ربه بما يقربه إليه يوم يلقاه؟ 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء: 87]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ

وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 281]. 3 - وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25]. - اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة .. وفي الآخرة حسنة .. وقنا عذاب النار. -

6 - الإيمان بالقدر

6 - الإيمان بالقدر - القدر: هو علم الله تعالى بكل شيء، وكتابته له، وتقديره له، ومشيئته له. والقدر سر الله في خلقه .. لم يطَّلع عليه مَلَك مقرَّب .. ولا نبي مرسل. - حكم الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يتم الإيمان إلا به. وهو التصديق الجازم بأن كل ما يجري في هذا الكون، وكل ما يقع من الخير والشر، وكل ما يحصل من الأحوال، فهو بقضاء الله وقدره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 49 - 50]. 2 - وَعَنْ عُمَر بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الاخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ

يَرَاكَ». أخرجه مسلم (¬1). - الفرق بين القضاء والقدر: القضاء والقدر لفظان يطلق كل واحد منهما على الآخر. وإذا اجتمعا في جملة فلكل واحد منهما معنى. فالقدر: ما قدَّره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه. والقضاء: ما قضى به سبحانه في خلقه من وجود وعدم، وحياة وموت، وتغيير وتبديل. وعلى هذا يكون التقدير سابقاً. - وقت كتابة المقادير: أول ما خلق الله بعد خلق الريح والماء والعرش القلم. ولما خلق الله القلم أمره أن يكتب جميع المقادير في العالم العلوي، والعالم السفلي .. من المخلوقات .. والحركات .. والسكنات .. والكلمات .. والخطوات .. والآجال .. والأرزاق .. والأحوال .. وكل ما سيجري في هذا الكون العظيم من النعم والمصائب .. والخير والشر. ثم رفع القلم، وجفت الصحف بما هو كائن إلى يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزُّمَر: 62]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى المَاء». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2653).

3 - وَعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لاِبْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَب وَمَاذا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذا فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - عموم القضاء والقدر: الله تبارك وتعالى له الخلق والأمر كله، وكل شيء يجري في الكون فهو بمشيئة الله وعلمه. فالقدر خيره وشره .. وحلوه ومره .. وظاهره وباطنه .. وكبيره وصغيره .. وكثيره وقليله .. وأوله وآخره .. وأعلاه وأسفله .. وساكنه ومتحركه. كل ذلك من الله عز وجل، قضاء قضاه الله على عباده، وقَدَر قَدَّره عليهم، وكُلّهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قدره عليهم، ولا خروج لأحد من الخلق عنه، فما شاء الله كائن لا محالة، وما لم يشأ لا يكون أبداً. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 49]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اللهمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَقَالَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4700) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3319).

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئاً قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئاً عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّار، ِ أَوْ عَذَابٍ فِي القَبْرِ كَانَ خَيْراً وَأَفْضَلَ». أخرجه مسلم (¬1). - حقيقة الإيمان بالقدر: يجب أن يؤمن العبد أن جميع المخلوقات والأشياء والأحوال مخلوقة بقدر من الله، فلا يمكن أن يقع في ملك الله شيء إلا بإذنه وعلمه ومشيئته، فكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون مخلوقة بقدر، مدبرة بحكمة. فلا شيء جزاف .. ولا شيء عبث .. ولا شيء مصادفة .. ولا شيء ارتجال. قَدَر يحدد وجوده .. وقَدَر يحدد وظيفته .. وقَدَر يحدد صفته .. وقَدَر يحدد مقداره .. وقَدَر يحدد عمره .. وقَدَر يحدد زمانه .. وقَدَر يحدد مكانه .. وقَدَر يحدد منفعته .. وقَدَر يحدد مضرته .. وقَدَر يحدد أثره. 1 - قال الله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} [القمر: 52 - 53]. 2 - وقال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} [الفرقان: 1 - 2]. - مراتب الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر له أربع مراتب: الأولى: الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، سواء كان مما ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2663).

يتعلق بفعله سبحانه كالخلق، أو مما يتعلق بفعل الإنسان كأقواله وأفعاله، أو مما يتعلق بأحوال الحيوان والنبات والجماد، أو مما يتعلق بأحوال العالم العلوي والسفلي. فالله عليم بكل شيء، كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]. الثانية: الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ من المخلوقات والأحوال، والأرزاق والآجال، والنعم والمصائب. كتب حجمه ومقداره .. وكميته وكيفيته .. ومكانه وزمانه .. ومنفعته ومضرته. فلا يتغير ولا يتبدل ولا يزيد ولا ينقص إلا بأمره سبحانه. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)} [الحج: 70]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى المَاء». أخرجه مسلم (¬1). الثالثة: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله وإرادته، فكل شيء واقع بمشيئة الله، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. سواء كان مما يتعلق بفعل الله كالخلق والتدبير، والإحياء والإماتة، أو مما يتعلق بفعل المخلوق كالأقوال والأفعال. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2653).

1 - قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)} [القصص: 68]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} [الأنعام: 112]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} [التكوير: 27 - 29]. الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء. خلق سبحانه جميع الكائنات بذواتها وصفاتها، وأقوالها وأفعالها، وحركاتها وسكناتها، لا خالق غيره، ولا رب سواه. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزُّمَر: 62]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 49]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96]. - الأوامر الكونية والشرعية: أوامر الله عز وجل نوعان: أوامر كونية .. وأوامر شرعية. وأوامر الله الكونية ثلاثة أنواع: الأول: أمر الخلق: وهو أمر متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالخلق والإيجاد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ

بِالْبَصَرِ (50)} [القمر: 49 - 50]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزُّمَر: 62]. الثاني: أمر البقاء: وهو أمر متوجه من الله إلى جميع المخلوقات بالبقاء. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الروم: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41]. الثالث: أوامر التدبير والتصريف: وهي أوامر متوجهة من الله إلى جميع المخلوقات بالحركة والسكون، والنفع والضر، والتدبير والتصريف. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران: 26 - 27]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)} [غافر: 68]. فهذه الأوامر الكونية القدرية بيد الله وحده لا شريك له. وفي كل ثانية يصدر وينزل من الله مليارات الأوامر على الكون ومن فيه: أوامر الخلق .. وأوامر البقاء .. وأوامر التدبير والتصريف.

قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]. أما الأوامر الشرعية: فهي موجهة من الله إلى الثقلين الإنس والجن، وهي الدين. وأوامر الله الشرعية خمسة أنواع: أوامر التوحيد والإيمان .. وأوامر العبادات .. وأوامر المعاملات .. وأوامر المعاشرات .. وأوامر الأخلاق. وبامتثال أوامر الله الشرعية يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة. وبترك الأوامر الشرعية يشقى الإنسان في الدنيا والآخرة. وبمقدار معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله تكون قوة امتثال أوامره الشرعية، وأسعد الناس بذلك الأنبياء وأتباعهم، وبامتثال أوامر الله الشرعية تُفتح لنا بركات السماء والأرض في الدنيا، ويدخلنا الله الجنة في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58]. 2 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. 3 - وقال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} [طه: 123 - 126].

4 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96]. - فقه أوامر الله عز وجل: أوامر الله عز وجل نوعان: 1 - أوامر شرعية: قد يطيع العبد ربه فيها، وقد يعصيه، بإذن الله، ومنها كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} [الإسراء: 23]. 2 - أوامر كونية لا بد من وقوعها وهي نوعان: 1 - أمر رباني مباشر لازم الوقوع، ولا يمكن للإنسان مخالفته كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82]. 2 - أوامر ربانية كونية، وهي السنن الكونية التي تتكون من أسباب ونتائج، فإذا حصل هذا السبب ظهرت نتيجته. ومن السنن الكونية التي تَتْبعها نتائجها: 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)} [الأنفال: 53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)} [الإسراء: 16]. وهذه السنن الكونية يمكن لإبليس وأتباعه تزيينها، وإغراء بني آدم بها، لتكون سبباً لهلاك بعض الناس، وقد شرع الله لنا الدعاء والاستغفار للنجاة من ذلك.

والدعاء لجوء إلى الله الذي خلق السنن الكونية كلها، فهو القادر على إبطال مفعولها، وتغيير نتائجها في أي وقت، كما أبطل الله مفعول النار فلم تحرق إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} [الأنبياء: 68 - 69]. - فقه الفتن: الفتن نوعان: فتن الشبهات .. وفتن الشهوات. ففتنة الشبهات تُدفع بالحق واليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته، ومعرفة دينه وشرعه، فالحق يدفع الشبهات كلها. وفتنة الشهوات تُدفع بالصبر الذي يكف عن الشهوات، ولهذا جعل الله سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. - حكمة الابتلاء: الله عز وجل حكيم عليم. ابتلى عباده بما يُصلح أحوالهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة. فابتلاهم بالشهوات والأوامر، لينظر من يمتثل أوامر ربه ممن يتبع شهوات نفسه. وابتلاهم بالنعم ليعلم الشاكر من الكافر، ومن يستعين بها على طاعة الله ممن يستعين بها على معصية الله.

وابتلاهم بالمصائب ليعلم الصابر من الجازع، وليعلم من يتوجه إليه عند المصيبة ممن يتوجه إلى غيره. وابتلاهم بالحلال والحرام ليعلم من يخافه بالغيب فيقف عند حدود الله ممن لا يبالي بذلك. ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنْ نَغَّصَ عليهم الدنيا، وكَدَّرها عليهم؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا بها، ليرغبوا في دار النعيم المقيم عند ربهم في الجنة. فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان. فَمَنَعهم ليعطيهم .. وابتلاهم ليعافيهم .. وأماتهم ليحييهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)} [يونس: 7 - 8]. - أنواع القضاء والقدر: اختيار الرب لعباده نوعان:

الأول: اختيار ديني شرعي: والواجب على العبد في هذا أن لا يختار غير ما اختاره الله له من الدين الكامل. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب: 36]. الثاني: اختيار كوني قدري وهو نوعان: 1 - ما لا يَسْخطه الرب كالمصائب التي يبتلي الله بها عباده، فهذه لا يضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه، بل عليه أن يدفع قَدَر المرض بقدر الدواء، وقَدَر الجوع بقدر الأكل. 2 - ما لا يحبه الله ولا يرضاه بل يسخطه كقدر المعاصي والذنوب التي يقع فيها بعض الناس. فهذه العبد مأمور بسخطها، ومنهي عن الرضا بها، ويجب على من فعلها التوبة منها. قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)} [الزُّمَر: 7]. - فقه القضاء والقدر: كل ما قدره الله عز وجل من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره الحكيم العليم بأسباب، فقد جعل الله لكل شيء سبباً. فالله يعلم أن هذا يولد له بالوطء .. وهذا يشبع بالأكل .. وهذا يموت بالقتل.

ويعلم سبحانه أن هذا يدخل الجنة بالإيمان .. فإن لم يكن معه إيمان دخل النار. ومن قال من الناس أنا لا أتزوج ولا آكل ولا أعمل اتكالاً على القدر فهو مخطئ؛ لأن الله أمر بفعل الأسباب التي تكون هذه الأمور بها. فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات ومالكها، يفعل بها، وبدونها، وبضدها. فلا بد للعبد من العلم بأمرين: أحدهما: أن يعلم أن الله وحده تفرد بالخلق والأمر، والهداية والإضلال. الثاني: أن يعلم أن ذلك كله وقع منه سبحانه على وجه الحكمة والعدل، لا بالاتفاق، ولا بمحض المشيئة المجردة عن وضع الأشياء في مواضعها. فهو سبحانه الحكيم العليم الذي هدى من عَلِم أنه يزكو على الهدى، ويقبله، ويشكر ربه عليه، ويثمر عنده. فالله عز وجل أعلم حيث يجعل رسالته وهدايته أصلاً وميراثاً. لم يطرد عن بابه ولم يبعد عن جنابه من يليق به الهدى والتقريب والإكرام من الخلق من الملائكة، والأنبياء، والمؤمنين. بل طرد من لا يليق به إلا الطرد والإبعاد من الشياطين والكفار والفجار. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام: 53]. فعلى العبد أن يحمد الله على نعمة الهداية، ويفعل ما أمره الله به، ويجتنب ما نهاه عنه، مستعيناً بالله، متوكلاً عليه.

فإذا وقع قدر الله عليه بغير فعله فعليه أن يصبر عليه، وأكمل منه أن يرضى به، وأكمل منه أن يشكر ربه عليه. وإن وقع قدر الله عليه بفعله وهو طاعة أو نعمة حمد الله عليه، وإن كان معصية استغفر الله وتاب منه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} [التوبة: 51]. - حكم الرضا بالقدر: ما قضاه الله وقدره ثلاثة أقسام: 1 - الطاعات والنعم: فهذه يجب الرضا بها، ويشكر الله عليها. 2 - المصائب والنقم: فهذه يجب الصبر عليها، ويستحب الرضا بها. 3 - الكفر والفسوق والعصيان: فهذه لا يؤمر العبد بالرضا بها، بل يؤمر ببغضها وسخطها، فإن الله لا يحبها ولا يرضاها. والله عز وجل وإن خلق ما لا يحبه كالشياطين، والمعاصي، فإنه يفضي إلى ما يحبه من الجهاد، والتوبة، والاستغفار. فنحن نرضى بما خلق الله، أما نفس الفعل المذموم وفاعله فلا نرضى به، ولا نحبه. فالأمر الواحد يُحب من وجه .. ويُبغض من وجه .. كالدواء الكريه .. فهو مكروه لكنه يفضي إلى محبوب.

والطريق إلى الله أن نرضيه بفعل ما يحبه ويرضاه، ليس أن نرضى بكل ما يحدث ويكون، ولسنا مأمورين أن نرضى بكل ما قضاه وقدره، ولكننا مأمورون أن نرضى بما أمرنا الله ورسوله أن نرضى به من الإيمان والطاعات وغيرهما. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس: 58]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} [الحُجُرات: 7 - 8]. - وجه الرضا بالقدر: قضاء الله خيراً وشراً له وجهان: الأول: تعلقه بالرب، ونسبته إليه. فمن هذا الوجه يرضى به العبد، فقضاء الله كله خير وعدل وحكمة. الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فهذا نوعان: منه ما يرضى به كالإيمان والطاعات .. ومنه ما لا يرضى به كالكفر والمعاصي. والله يحب الإيمان والطاعات، ويأمر بها، ويثيب عليها. ويكره الكفر والمعاصي، وينهى عنها، ويعاقب عليها. 1 - قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)} [القصص: 68].

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} [الأعراف: 28 - 29]. - حكم فعل الأسباب: ما قدَّره الله للعبد من خير أو شر قَدَّره مربوطاً بأسبابه. فللخير أسبابه وهي الإيمان والطاعات. وللشر أسبابه وهي الكفر والمعاصي. والإنسان يعمل بمحض الإرادة التي قدرها الله له، والاختيار الذي منحه الله إياه. ولا يصل العبد إلى ما كتب الله عليه، وما قدره له، من سعادة أو شقاء، إلا بواسطة تلك الأسباب التي يفعلها باختياره الذي منحه الله إياه. فلدخول الجنة أسباب .. ولدخول النار أسباب .. فيجب أن نفعل الأسباب .. لكن لا نتوكل إلا على الله الذي خلقها. 1 - قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 132]. 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ اللهُ مَكَانَهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلاَّ وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» قَالَ: فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ

فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. متفق عليه (¬1). - دَوْر الأسباب: فعل الأسباب المشروعة ليس كافياً في حصول المطلوب. فالولد لا يحصل بمجرد الوطء؛ بل لا بد من تمام الشروط، وانتفاء الموانع، وأن يشأ الله خلقه، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك أمر الآخرة، فليس بمجرد العمل يدخل الإنسان الجنة. بل العمل سبب، وليس العمل عوضاً وثمناً كافياً في دخول الجنة. بل لا بد من عفو الله وفضله ورحمته، فكل نعمة منه فضل، وكل عقوبة منه عدل. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزُّمَر: 62]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَة». متفق عليه (¬2). - أفعال العباد مخلوقة: الله عز وجل خلق الإنسان، وخلق صفاته، وخلق أفعاله، وعلم ذلك، وكتبه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4945) , ومسلم برقم (2674)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6463) , ومسلم برقم (2816)، واللفظ له.

قبل وقوعه. فإذا فعل العبد خيراً أو شراً انكشف لنا ما علمه الله وخلقه وكتبه وقدره. وعِلْم الله بفعل العبد عِلْم إحاطة، فالله قد أحاط بكل شيء علماً، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس: 61]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». متفق عليه (¬1). - حكم الاحتجاج بالقدر: ما قضاه الله وقدره بالنسبة للإنسان نوعان: الأول: ما قضاه الله وقدره من صفات وأحوال خارج إرادة الإنسان، سواء كانت فيه كلونه وحجمه، وطوله وقصره، وحسنه وقبحه، وحياته وموته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3208) , ومسلم برقم (2643)، واللفظ له.

أو وقعت عليه بغير اختيار كالمصائب والأمراض، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وغيرها من المصائب التي قدرها الله بحكمة، فتارة تكون عقوبة للعبد .. وتارة تكون امتحاناً له .. وتارة تكون لرفعة درجاته. وهذه الصفات التي فيه، والأحوال التي تقع عليه دون إرادة منه، لا يُسأل عنها الإنسان، ولا يحاسب عليها. فيجب على العبد الإيمان أن ذلك كله بقضاء الله وقدره، فيرضى ويسلم. ويجب عليه في المصائب الصبر والتسليم لله، فما من حادثة في الكون إلا وللعليم الخبير فيها حكمة ممن أزمة الأمور كلها بيده وحده. 1 - قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد: 22 - 23]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله وَإِذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2669) , وأخرجه الترمذي برقم (2516)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4826) , ومسلم برقم (2246).

الثاني: ما قضاه الله وقدره من الأفعال التي يقدر عليها الإنسان، ويفعلها العبد بما وهبه الله له من العقل والقدرة والاختيار كالإيمان والطاعات .. والكفر والمعاصي .. والإحسان والإساءة .. فهذه وأمثالها يحاسب عليها الإنسان، وبحسبها يكون الثواب والعقاب؛ لأن الله أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيَّن الحق من الباطل، ورغَّب في الإيمان والطاعات، وحذر من الكفر والمعاصي، وزود الإنسان بالعقل، وأعطاه القدرة على الاختيار، فيسلك ما شاء بمحض اختياره. وأي الطريقين اختار فهو داخل تحت مشيئة الله وقدرته، إذ لا يقع في ملك الله شيء بدون إذنه ومشيئته وعلمه. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فُصِّلَت: 46]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} [التكوير: 27 - 29]. - متى يجوز الاحتجاج بالقدر؟ للعبد مع القدر حالتان: الأولى: يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على المصائب لا على المعائب، فإذا مرض الإنسان، أو ابتلي بمصائب بغير اختياره، فله أن يحتج بقدر الله فيقول: قدّر الله وما شاء فعل.

وعليه أن يصبر، ويرضى إن استطاع، لينال ثواب الصابرين. قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]. الثانية: لا يجوز أن يحتج الإنسان بالقدر على المعاصي والمعائب، وترك الواجبات، أو يفعل المحرمات ويقول: هذا ما قدر الله. لأن الله أمر بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي، وأمر بالعمل، ونهى عن الاتكال على القدر. ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين، ولم يشرع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومن رأى القدر حجة لأهل المعاصي يرفع الذم والعقاب عنهم، فعليه ألا يذم أحداً، ولا يعاقبه إذا سرقه أو اعتدى عليه، ولا يفرق بين من فعل معه خيراً أو شراً، وهذا باطل يخالف العقل والشرع. 1 - قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)} [الأنعام: 148]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} [الأعراف: 28].

- حكم دفع القدر بالقدر: يشرع دفع القدر بالقدر فيما يلي: 1 - دفع القدر الذي انعقدت أسبابه ولَمَّا يقع بأسباب أخرى من القدر تقابله كدفع العدو بقتاله .. ودفع الحر والبرد بضدهما. 2 - دفع القدر الذي قد وقع واستقر بقدر آخر يرفعه ويزيله كدفع قدر المرض بالتداوي .. ودفع قدر الذنب بقدر التوبة .. ودفع قدر الإساءة بالإحسان وهكذا. 3 - كل ما يجري في هذا الكون كائن بقضاء الله وقدره. وقد أمرنا الله عز وجل أن نزيل الشر بالخير .. ونزيل الكفر بالإيمان .. والباطل بالحق .. والبدعة بالسنة .. والمعصية بالطاعة. فلا نقف مع القدر، بل ندفع قدر الله بقدر الله، ونفر من قدر الله إلى قدر الله كما أمر، فندفع ما قدره الله من الشر بما قدره من الخير وأمر به، كدفع شر الكفار والفجار بإعداد القوة ورباط الخيل، وكالدعاء والصدقة يدفعان البلاء وهكذا. فندفع قدر الله المكروه .. بقدر الله المحبوب له .. حسب أمر الله. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ

السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. - فعل الخير والشر: فعل الخير والشر من العبد لا ينافي نسبتهما إلى الله خلقاً وإيجاداً، فالله خالق كل شيء، ومن ذلك خَلْق الإنسان وأفعاله. ولكن ليست مشيئة الله عز وجل دليلاً على محبته ورضاه، فالكفر والمعاصي والفساد كله كائن بمشيئة الله، ولكن الله لا يحب ذلك، ولا يرضاه، ولا يأمر به، بل يبغضه وينهى عنه، وكون الشيء مبغوضاً مكروهاً لا يخرجه عن مشيئة الله المتضمنة لخلق لكل شيء. فلكل شيء خلقه الله حكمة مقصودة، واقعة على أساس تدبيره لملكه وخلقه. وأفضل الناس وأسعدهم الذين يحبون ما يحبه الله ورسوله، ويفعلونه، ويأمرون به، ويبغضون ما يبغضه الله ورسوله، ويجتنبونه، وينهون عنه. وليس عندهم حب ولا بغض لغير ذلك. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} [الزُّمَر: 62]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت: 30 - 32]. - الفرق بين المشيئة والمحبة: مشيئة الله عز وجل ومحبته بينهما فرق.

فقد يشاء الله ما لا يحبه .. ويحب ما لا يشاء كونه. فالأول: كمشيئة الله لخلق إبليس وجنوده، ومشيئة الله العامة لجميع ما في الكون مع بغضه لبعضه. والثاني: كمحبته سبحانه إيمان الكفار، وطاعات الفجار، وعدل الظالمين، ولو شاء الله لذلك لحصل كله، والله عز وجل لم يأمر عباده بالرضا بكل ما خلقه وشاءه، بل أمرهم بالرضا بكل ما أمر الله ورسوله به. فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس الإسلام. والرضا بالقضاء الكوني القدري الموافق لمحبة العبد كالعافية والغنى أمر لازم بمقتضى الطبيعة. والرضا بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما لا يلائمه، ولا يدخل تحت اختياره، كالمرض والفقر، والحر والبرد، وأذى الخلق له، كل ذلك مستحب. والرضا بالقدر الجاري عليه باختياره مما يكرهه الله ويسخطه وينهى عنه، كل ذلك محرم يعاقب عليه؛ لأن الله لا يحبه ولا يرضاه، ولم يأمر به، كأنواع الظلم والفسوق والعصيان. والله حكيم عليم يشاء أمراً وهو لا يحبه ولا يرضاه، بل يكرهه ويسخطه؛ لأنه يفضي إلى ما هو أحب إليه من غيره. كما خلق إبليس الذي هو سبب كل فساد ومعصية، ومع هذا فهو وسيلة إلى محابٍّ كثيرة للرب ترتبت على خلقه، وجودها أحب إليه من عدمها. كظهور قدرة الله في خلق المتضادات، وظهور العبوديات المتنوعة كعبودية الجهاد، وعبودية التوبة والاستغفار وغيرها.

وسر المسألة: أن الرضا بالله يستلزم الرضا بأسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، ولا يستلزم الرضا بمفعولاته كلها. بل حقيقة العبودية أن يوافق العبد ربه في رضاه وسخطه، فيرضى بما يرضى به ربه، ويسخط ما سخط ربه منها. قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]. - أقسام الإرادة: أفعال العباد أربعة أقسام: الأول: ما تعلقت به الإرادة الكونية، والإرادة الشرعية، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة .. فالله أرادها إرادة كون فوقعت .. وأرادها إرادة دين وشرع فأحبها ورضيها وأمر بها. الثاني: ما تعلقت به الإرادة الشرعية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فأطاع ذلك الأمر المؤمنون، وعصى ذلك الأمر الكافرون. فهذه يحبها الله ويرضاها، لكنها قد يقع مرادها، وقد لا يقع. الثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث والأحوال التي لم يأمر بها ولم يحبها كالمعاصي، فلولا مشيئة الله وإرادته لم تكن؛ لأن الله خالق كل شيء، ومن ذلك العباد وأفعالهم. الرابع: ما لم تتعلق به الإرادة الكونية والشرعية. فهذا ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} [النساء: 27]. - أنواع كلمات الرب: كلمات الله نوعان: كلمات كَوَّن الله بها الكون .. وكلمات شرعية أمر بها العباد. 1 - فكلمات الله الكونية هي التي يُكَوِّن بها الكون، المتضمنة لخلقه وتدبيره، وهذه هي الكلمات التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر. فلا يمكن لأحد أن يخرج عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط له في اللوح المسطور. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82]. 2 - وَعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَب وَمَاذا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وكلمات الله الشرعية هي المتضمنة لأمره ونهيه كالكتب الإلهية كالتوراة، والإنجيل، والقرآن. فهذه يؤمن بها البعض، ويكفر البعض، فالمؤمنون أطاعوا أمره ونهيه، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4700) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3319).

والكفار عصوا أمره ونهيه، أما الكلمات الكونية فلا يمكن لأحد مخالفتها. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء: 54 - 55]. 3 - وقال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115]. - سبب القدر: القدر الإلهي كله حق وعدل ورحمة. ففي كل حادثة سببان: الأول: سبب ظاهري يحكم الناس على وفقه، وكثيراً ما يظلمون. الثاني: سبب حقيقي يجري القدر الإلهي على وفقه، وهو الحق. فمن سجن مظلوماً من غير جناية، فالقدر الإلهي قضى بسجنه لجناية له خفية، أو تربية له، ليعدِّل من خلال ظلم البشر له سلوكه. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216]. - حكمة أقدار الله: ما يفعله الله ويقضيه ويقدره على خلقه كله مصالح وحكم:

فما يفعله الله عز وجل من المعروف والإحسان دال على رحمته. وما يفعله من البطش والانتقام دال على غضبه. وما يفعله من اللطف والإكرام دال على محبته. وما يفعله من الإهانة والخذلان دال على بغضه ومقته. والخلق والتصريف والتدبير في ملكه العظيم دال على كمال علمه وقدرته، وعظمته وعزته، ورحمته وكرمه. وما يفعله بمخلوقاته من الحياة بعد الموت، والكمال بعد النقص، والنقص بعد الكمال دال على وقوع المعاد. 1 - قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج: 5 - 7]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]. - أقسام القدر: القدر قدران: أحدهما: قدر مطلق مثبت، وهو ما في أم الكتاب، فهذا لا يتغير ولا يتبدل، ولا يعلمه إلا الله وحده. الثاني: قدر معلق أو مقيد، وهو ما في صحف الملائكة، فهذا الذي يقع فيه المحو والإثبات.

قال الله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} [الرعد: 39]. - أحوال العبد مع القدر: العبد له في المقدور حالان: حال قبل القدر .. وحال بعد القدر. فعليه قبل حصول المقدور أن يستعين بالله، ويتوكل عليه، ويفعل ما أمره الله به، ويسأله ويدعوه، ويرغب إليه مفتقراً في طلب الخير، وترك الشر. وإذا وقع المقدور بغير فعله: فإن كان نعمة حمد الله عليها .. وإن كان مصيبة صبر عليها، وإن رضي بها، وشكر الله عليها فهو الأفضل. وإن وقع المقدور بفعله: فإن كان خيراً حمد الله عليه، وإن كان ذنباً استغفر الله منه، وعلى المؤمن أن يفعل ما أمره الله به، فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبير لله غير تدبيره، فليتقبل قضاء الله بالرضا والتسليم والطمأنينة؛ لأنه الأصل الذي كان مجهولاً له، فكشف الله عنه الستار: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} [البقرة: 232]. - العدل والإحسان: أفعال الله عز وجل دائرة بين العدل والإحسان. فلا يمكن أن يظلم أحداً مثقال ذرة. فهو سبحانه إما أن يعامل عباده بالعدل .. وإما أن يعاملهم بالإحسان.

فالمسيء يعامله بالعدل ولا يظلمه كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. والمحسن يعامله بالفضل والإحسان ولا ينقصه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. - عدل الله وفضله: كل ما في الكون من رحمة ونفع، ونعمة ومصلحة، فهو من فضله تعالى. وكل ما في الوجود من غير ذلك فهو من عدله سبحانه. فكل نعمة منه فضل .. وكل نقمة منه عدل .. وكل ثواب منه فضل .. وكل عقاب منه عدل .. وكل عطاء منه فضل .. وكل حرمان منه عدل .. وكل هداية منه فضل .. وكل ضلال منه عدل. فهو سبحانه الحكيم العليم، الرحيم الكريم. يده اليمنى فيها الإحسان إلى الخلق .. ويده الأخرى فيها العدل والميزان الذي يرفع به ويخفض. فخفضه ورفعه من عدله، وإحسانه إلى خلقه من فضله. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} [يونس: 60].

3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلأى لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أرَأيْتُمْ مَا أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأخْرَى الفَيْضُ، أوِ القَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ». متفق عليه (¬1). - الهداية والإضلال: الله عز وجل له الخلق والأمر كله في الكون كله. يفعل ما يشاء .. ويحكم ما يريد .. ويهدي من يشاء .. ويضل من يشاء .. الملك ملكه، والخلق خلقه، لا يُسأل عما يفعل، وهو الحكيم العليم الذي يضع الشيء في موضعه. فيعطي الخير والهدى من يشكره، ويعلم أنه أهل له، ويمنعه من ليس له بأهل، ويعلم أنه يكفره. ومن رحمته سبحانه بعباده: أن أرسل إليهم الرسل .. وأنزل عليهم الكتب .. وأوضح السبل .. وأزاح العلل .. وأعطى الإنسان ما يعرف به ما ينفعه وما يضره فزوّده بالسمع، والبصر، والعقل. ثم بعد ذلك يأتي دور الإنسان: 1 - فمن آثر الهداية، ورغب فيها، وتحرك لطلبها، وعمل بأسبابها، وجاهد في سبيل تحصيلها، هداه الله إليها، وأعانه على تحصيلها وتكميلها ونشرها، وهذا فضل الله ورحمته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7419) , واللفظ له، ومسلم برقم (993).

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت: 69]. 2 - ومن آثر الضلالة، ورغب فيها، وطلبها، وعمل بأسبابها، تمت له، وولاه الله ما تولى، ولم يجد من الله صارفاً عنها، وهذا عدل الله. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. - طرق الحصول على الهداية: الإنسان يحصل على الهداية بأمور: أحدها: الدعاء المستمر بطلب الهداية: قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6 - 7]. الثاني: المجاهدة في طلب الهداية: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت: 69]. الثالث: الاعتصام بالله في كل حال: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 101]. الرابع: الإنابة إلى الله: قال الله تعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى: 13].

الخامس: العلم والعمل بالدين: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18]. السادس: اتباع ما يحبه الله ويرضاه: قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة: 15 - 16]. السابع: اجتناب سبل الضلالة والغواية: 1 - قال الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)} [آل عمران: 86]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)} [غافر: 28]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)} [المنافقون: 6]. - الطاعات والمعاصي: الطاعات يحبها الله .. والمعاصي تحبها النفس .. والإيمان بحر الطاعات .. والكفر بحر المعاصي .. والطاعات من أسباب دخول الجنة .. والمعاصي سبب دخول النار. والطاعة تولد المنفعة، وتثمر الأخلاق الحسنة. والمعصية تولد المضرة، وتثمر الأخلاق السيئة.

فالشمس والقمر، والنبات والحيوان، والبر والبحر، أطاعت ربها، فخرج منها منافع كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى. والأنبياء لما أطاعوا الله خرج منهم من الخير ما لا يحصيه إلا الله تعالى. وإبليس لما عصى ربه وأبى واستكبر، خرج بسببه من الشرور والفساد في الأرض ما لا يحصيه إلا الله تعالى. وهكذا الإنسان: إذا آمن بربه وأطاعه، خرج منه من الخير والمنافع له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى. وإذا عصى ربه، خرج منه من الشر والمضار له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله تعالى. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14]. - آثار الطاعات والمعاصي: جعل الله عز وجل للطاعات والحسنات والطيبات آثاراً طيبة محبوبة، لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة. وجعل سبحانه للمعاصي والسيئات والخبائث آثاراً وآلاماً مكروهة مؤلمة، تورث الحسرة والندم والألم، وتُرْبي على لذة تناولها أو فعلها بأضعاف

مضاعفة. وما حصل لعبد حال مكروهة قط إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر. والطاعات نافعة جداً للقلوب، كالأغذية الطيبة نافعة للأجساد. والذنوب مضرة جداً للقلوب، كالسموم مضرة بالأجساد. والله عز وجل خلق الإنسان على الفطرة حسناً جميلاً سليماً. فإن تاب إلى الله وأناب، أعاد الله إليه حسنه وجماله وعافيته، وبلغ كماله في الجنة. فلكل طاعة آثار محمودة على النفس، وعلى الأمة، وفي العالم العلوي، وفي العالم السفلي، وفي الدنيا، وفي الآخرة. ولكل معصية آثار مذمومة كذلك تماماً. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13،14]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96]. - فقه الحسنات والسيئات: تنقسم الحسنات إلى قسمين: 1 - حسنة سببها الإيمان والعمل الصالح، وهي طاعة الله ورسوله. 2 - حسنة سببها الإنعام الإلهي على الإنسان بمال، أو صحة، أو نصر، أو عزة.

وتنقسم السيئات إلى قسمين: 1 - سيئة سببها الشرك والمعاصي، وهي ما يصدر من الإنسان من شرك ومعصية. 2 - سيئة سببها الابتلاء، أو الانتقام الإلهي كنقص الأموال، والأنفس، والثمرات، والمرض والهزيمة ونحو ذلك. وبيان مَنْ فَعَل هذه الحسنات والسيئات كما يلي: 1 - الحسنة بمعنى الطاعة لا تنسب إلا إلى الله وحده. فهو الذي شرعها للعبد .. وعلمه إياها .. وحبب إليه فعلها .. وأعانه عليها .. وأثابه إذا عملها. 2 - والسيئة بمعنى معصية الله ورسوله. هذه إذا فعلها العبد بإرادته واختياره، مُؤْثِراً المعصية على الطاعة، فهذه السيئة تنسب للعبد فاعلها، ولا تنسب إلى الله؛ لأن الله لم يشرعها، ولم يأمر بها. بل حرمها وتوعد عليها، وحذر منها. قال الله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} [النساء: 79]. 3 - الحسنة بمعنى النعمة: كالمال والولد، والجاه والنصر، والصحة والعزة. والسيئة بمعنى الابتلاء والانتقام: كالنقص في المال، والأنفس، والثمرات، والمرض، والهزيمة ونحو ذلك. هاتان الحسنة والسيئة بهذا المعنى من عند الله. لأنه سبحانه يبلو عباده ابتلاءً، وانتقاماً، ورفعة، تربية لعباده، فهو الرب

الحكيم الخبير، العليم بما يصلح به أحوال عباده. 1 - قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء: 78]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]. - دفع عقوبة السيئات: إذا عمل المؤمن سيئة فعقوبتها تندفع عنه بما يلي: إما أن يتوب فيتوب الله عليه .. أو يستغفر فيغفر الله له .. أو يعمل حسنات تمحوها. أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له .. أو يهدوا له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به. أو يبتليه الله في الدنيا بمصائب تكفر عنه .. أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه .. أو يبتليه في عرصات القيامة بما يكفر عنه. أو يشفع فيه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. أو يرحمه أرحم الراحمين، والله غفور رحيم. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. - ثمرات الإيمان بالقدر: الإيمان بالقضاء والقدر مصدر الراحة والطمأنينة لكل مسلم، وهو أمر لازم لكل عبد في كل وقت ليسعد في دنياه وأخراه. فيعلم أن ربه الملك العظيم له الخلق والأمر كله. يخلق ويرزق .. ويعطي ويمنع .. ويعز ويذل .. ويكرم ويهين .. ويحيي ويميت .. ويهدي ويضل. ويعلم أن ربه عليم بكل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة من ملكه العظيم. ويعلم أن كل شيء بقدر الله، فلا يعجب بنفسه عند حصول مراده، ولا يقلق عند فوات محبوب، أو حصول مكروه؛ لأنه يعلم أن ذلك كله بقدر الله، وهو كائن لا محالة، وهو خير بلا ريب. 1 - قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد: 22 - 23]. 2 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2999).

- ثمرات أركان الإيمان: أركان الإيمان الستة لها ثمرات عظيمة نافعة: 1 - فالإيمان بالله عز وجل يثمر محبة الله وتعظيمه، وحمده وشكره، وخوفه ورجاءه، وعبادته وطاعته، والتوكل عليه، والاستعانة به، والإنابة إليه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. 2 - والإيمان بالملائكة يثمر محبتهم، وتعظيم من خلقهم، والاستحياء منهم، والاعتبار بطاعتهم، والتشبه بهم، والاستكثار من الطاعات، والحذر من المعاصي. 3 - والإيمان بالكتب يثمر معرفة عظمة الله، وعظمة كلامه، ومعرفة حسن شرائعه، وكمال عناية الله بخلقه، ومحبته لهم، حيث أنزل لهم كتباً ونوراً يهتدون به. 4 - والإيمان بالرسل يثمر معرفة كمال رحمة الله وعنايته بخلقه، ومحبته وشكره، حيث أرسل إليهم الرسل يدعونهم إلى الله، ويبينون للناس ما نزل إليهم، وماذا يريد الله من الناس في الدنيا، وماذا سيعطيهم في الآخرة. 5 - والإيمان باليوم الآخر يثمر معرفة جلال الله وعظمته، وعظمة خزائنه، والرغبة في الطاعات، والخوف من الله، ووجل القلب مما أمامه من أهوال يوم القيامة. 6 - والإيمان بالقدر يثمر طمأنينة النفس، وسكونها، ورضاها بما قدر الله، والتسليم لمن بيده الملك، وأزمة الأمور كلها بيده. وذلك كله يثمر عبادة الله وحده لا شريك له، واجتناب عبادة ما سواه، والتوكل عليه وحده، وعدم الالتفات إلى ما سواه.

ويثمر طاعة الله ورسوله، وتقديم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد. 1 - قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة: 285]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13]. - وبهذا تمت بفضل الله أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله .. وملائكته .. وكتبه .. ورسله .. واليوم الآخر .. والقدر خيره وشره. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم كمال الإيمان، وصدق العبودية، وحسن العمل.

5 - الإحسان

5 - الإحسان - مراتب الدين: مراتب الدين ثلاث: الإسلام .. والإيمان .. والإحسان. وكل مرتبة لها أركان، والإحسان أعلاها. فالإسلام يمثل أعمال الجوارح .. والإيمان يمثل أعمال القلوب .. والإحسان إتقان تلك الأعمال، وحسن أدائها، مع كمال التوجه بها إلى الله. وقد مضى الكلام في الإسلام والإيمان بحمد الله، وبقي الكلام في الإحسان. - الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. - منزلة الإحسان: الإحسان هو فعل الشيء الحسن في النفس أو الغير. وكلما كان الإنسان أكثر إحساناً إلى نفسه وإلى غيره كان أقرب إلى رحمة الله، وكان ربه قريباً منه برحمته كما قال سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف: 56]. واختص أهل الإحسان برحمة الله؛ لأنها إحسان من الله، والإحسان إنما يكون لأهل الإحسان من خلقه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم، أحسن الله إليهم برحمته كما قال سبحانه: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن: 60].

وأحسن الناس وأسعدهم وأفضلهم هو المؤمن الذي استسلم لربه، واتبع شرعه كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125]. وقد وعد الله كل من أحسن عبادة الله، وأحسن إلى عباد الله بالثواب الجزيل كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)} [المرسلات: 41 - 44]. وأعظم الإحسان الصادر من العبد: هو الإيمان بالله، وتوحيده، وطاعته، والإنابة إليه، واتباع شرعه، وأن تعبد الله كأنك تراه، وبذلك تحصل للعبد معية الله عز وجل. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل: 128]. - إحسان الرب: إحسان الرب إلى الخلق لا يحيط به أحد من الخلق. وأعظم إحسان الرب إلى عباده: خلقهم في أحسن تقويم .. وتسخير ما في السماوات والأرض لهم .. وإمدادهم بالأرزاق والنعم على مر الدهور. وأعظم من ذلك كله: إنزال الكتب عليهم .. وإرسال الرسل إليهم .. وهدايتهم إلى التوحيد والإيمان .. وإثابتهم على الطاعات بالأجور المضاعفة .. ثم الخلود في جنات النعيم.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)} [غافر: 61]. - إحسان العبد: إحسان العبد له ثلاث حالات: الأولى: إحسان إلى النفس بحملها على طاعة الله ورسوله. الثانية: إحسان في عبادة الله، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الثالثة: إحسان إلى عباد الله تعالى، وذلك بإيصال جميع أنواع الخير لهم. ومن أعظم الإحسان إلى الخلق دعوتهم إلى الله، وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم، وما يكون سبباً لسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة من العلم بالله وأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه، وتحذيرهم سبل الشر والهلكات. وأعظم الناس إحساناً إلى الخلق هم الأنبياء وأتباعهم الذين يحملون الخير للبشرية كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164]. - فقه الإحسان: اليقين هو ظهور الشيء للقلب بحيث تصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين، فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلاً. وهذا نهاية الإيمان، وهو مقام الإحسان. فاليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وهو روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح.

ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً، ومحبة لله، ورحمة لخلقه، وانتفى عنه كل شك وريب. وكلما زاد اليقين في القلب امتلأ بمحبة الله .. والأنس به .. والإنابة إليه .. والرضا به .. والتوكل عليه .. والخوف منه .. والشكر له .. والرضا به .. والاستعانة به .. وعدم الالتفات إلى غيره .. واليقين لا يسكن قلباً فيه سكون لغير الله أبداً. 1 - قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان: 22]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. - درجات الإحسان: الإحسان في العبادة درجتان: الأولى: أن يعبد الإنسان ربه بقلب حاضر كأنه يراه عبادة طلب وشوق، ورغبة ومحبة، وهذه أعلى المرتبتين. الثانية: إذا لم يعبد ربه كأنه يراه، فليعبده كأنه هو الذي يراه، عبادة خائف منه، هارب من عقابه. والناس متفاوتون في هذه الرتب. فالحب لله يولِّد الشوق والطلب .. والتعظيم يولِّد الخوف والهرب .. وفي هذا

وهذا كمال العبودية لله .. وكمال الحب لله .. وكمال التعظيم له .. وهذا هو الإحسان في عبادة الله جل جلاله. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125]. 2 - وَعَنْ عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الاخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

6 - العبادة

6 - العبادة - معنى العبادة: الذي يستحق العبادة هو الله وحده لا شريك له. والعبادة تطلق على شيئين: الأول: التعبد: وهو التذلل لله عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، محبة له وتعظيماً. الثاني: المتعبَّد به: وهو كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالدعاء والذكر، والمحبة والخوف، والصلاة ونحو ذلك. فالصلاة مثلاً عبادة .. وفعلها تعبُّد لله .. والزكاة عبادة .. وأداؤها تعبُّد لله .. وهكذا. فنعبد الله وحده بما شرع .. مع كمال التعظيم له .. وكمال الحب له، وكمال الذل له. - حكمة خلق الجن والإنس: خلق الله عز وجل الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له، ولم يخلقهم عبثاً أو سدىً، ولم يوجدهم ليأكلوا ويشربوا، ويلهوا ويلعبوا .. ويمرحوا ويضحكوا. إنما خلقهم لعبادته وطاعته، والعمل بشرعه، واجتناب عبادة ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

2 - وقال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115]. - حقيقة الإنسان: الله تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم. وجعله مركباً من ثلاثة أشياء: جسداً مادياً .. ونفساً حيوانياً .. وروحاً ملكياً .. فالجسد مَرْكب النفس والروح، وفي نفس الإنسان بحار الشهوات، وفي روح الإنسان بحار الطاعات، والجسد للغالب منهما. والجسد علبة الإنسان، والروح حقيقة الإنسان. فالجسد إذا كان فارغاً من الروح فلا قيمة له، ولا عمل له. ولذلك يدفن في التراب الذي خلقه الله منه. وإذا كانت فيه الروح صار له قيمة، وله وظيفة، وله عمل، ولذلك يكون ملكاً وأميراً، وزوجاً، وأماً وأباً، وتاجراً وطبيباً. فإذا خرج صاحب الجسد صار الجسد لا قيمة له، ولذلك يتعفن في الحال، فيعاد إلى التراب الذي خلقه الله منه، ثم يقوم للحساب والجزاء .. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]. 2 - وقال الله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} [طه: 55].

- أمهات العلوم: أمهات العلوم ثلاث: معرفة النفس .. ومعرفة الرب .. ومعرفة الدين. فمعرفة النفس تكون عن طريق الذي خلقها وصورها. ومعرفة الرب بآياته ومخلوقاته، والنظر في ملكوت السماوات والأرض. ومعرفة الدين تكون بواسطة الرسل الذين بعثهم الله إلى عباده، فإذا عرف الإنسان نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة .. وإذا عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغنى .. وإذا عرف نفسه بالجهل عرف ربه بالعلم .. وهكذا. إذا عرف ربه بالعدل عرف نفسه بالظلم .. وإذا عرف ربه بالقوة عرف نفسه بالضعف .. وإذا عرف ربه بالعزة عرف نفسه بالذلة. فلله صفات الكمال المطلق، وللعبد صفات النقص المطلق. وإذا عرف الإنسان ربه بالجلال والجمال والكمال آمن به وأطاعه واتبع شرعه، وتقرب إليه بما يحب. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة: 5]. - مكانة الإنسان: لقد أكرم الله بني آدم، وعظَّم حرمة المسلم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه، وذِكْر الله بما لا ينبغي؛ حفظاً لنفسه، وأوجب الحد بقذفه، والقطع بسرقته،

وأباح له المحرم عند الضرورة، وأنزل إليه الكتب، وأرسل إليه الرسل، وأطعمه من جوع، وسقاه من عطش، ورزقه وهداه، وزوده بالسمع والبصر والعقل. إن رباً هذه صفاته، وهذا إحسانه، لحقيق أن تعظَّم شعائره، وتوقر أوامره. أيحسن مع هذا الإكرام أن يرى الرب عبده عاصياً لأمره، معرضاً عن دينه، مطيعاً لعدوه. بينما هو بحضرة الحق والملائكة سجود له، تترامى به الأحوال والجهالات، فيوجد ساجداً لصنم من حجر، أو شجر، أو مخلوق. لا يليق بهذا الإنسان الكريم على ربه أن يُرى إلا عابداً لله في الدنيا، مجاوراً له في دار الجزاء، وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير موضعها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 21 - 22]. - منزلة العبد عند الخلق: العبد كلما كان أذل لله، وأعظم افتقاراً إليه، كان أقرب إليه، وأعزّ له، وأعظم لقدره. والرب أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه، فكلما سألته زاد قدرك

ومحبتك عنده. والخلق أهون ما يكون عليهم أحوج ما يكون إليهم، وأعظم ما يكون العبد قدراً عند الخلق إذا لم يحتج إليهم. فإنْ أحسن إليهم مع الاستغناء عنهم كان أعظم ما يكون عندهم. ومتى احتاج إليهم ولو في شربة ماء نقص عندهم بقدر حاجته إليهم. وهذا من حكمة الله ورحمته؛ ليظل العبد دائماً واقفاً بباب مولاه العزيز الكريم، ولا يذل نفسه لمخلوق مثله أو دونه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. - الغاية من الخلق والأمر: المقصود من إظهار الخلق والأمر في العالم العلوي، والعالم السفلي، أن يعرف الناس ربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإذا عرفوه عبدوه وحده لا شريك له بما شرعه لهم من الدين، وهو القسط الذي أرسل الله به رسله إلى خلقه. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

- حاجة الأمة للدين: أعظم حاجات البشر معرفة الدين الحق، والعمل به. ولا بقاء ولا سعادة لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم. فإذا درست آثار الرسل من الأرض، وزالت بالكلية، دمر الله وأنهى العالم العلوي والسفلي، وأقام القيامة، وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسل والهدى الذي جاؤا به كحاجتهم إلى الشمس، أو الهواء، أو الماء، أو الطعام؛ بل هي أعظم من ذلك وأشد حاجة من كل ما يخطر بالبال. فالرسل رحمة من الله لعباده .. جعلهم الله وسائط بينه وبين خلقه في أمره ونهيه .. وسفراء في دينه وشرعه. 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164]. 2 - وقال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} [الحُجُرات: 17]. - أصل العبادة: الله عز وجل غني كريم، وله ملك السماوات والأرض، وهو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد، القادر الذي لا يستعين بأحد، الخالق الذي خلق كل شيء، المالك الذي يملك كل شيء. أمرنا الله بشكره لا لحاجته إليه، ولكن لننال به المزيد من فضله. وأمرنا بذكره سبحانه ليذكرنا بفضله وإحسانه فنسأله.

وأمرنا بسؤاله ليعطينا، بل أعطانا أجلّ العطايا بلا سؤال. وأمرنا بالتوكل عليه والاستعانة به وحده حتى لا يذلنا لأحد سواه. وأرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، ليسعدنا في الدنيا والآخرة. ولكن أكثر الناس لا يعرف ربه، ومن ثم لا يشكره، ولا يطيع أمره، لأنه لا يعرفه، ولا يعرف فضله وإحسانه. والإنسان بدون الإيمان ظلوم كفار، إنْ أنعم الله عليه بالعافية والمال والجاه استعان بنعمه على معاصيه، وإن سلبه ذلك ظل ساخطاً على ربه، شاكياً له على خلقه. لا يصلح له على عافية ولا على بلاء .. العافية تلقيه في مساخطه .. والبلاء يدفعه إلى كفرانه، وشكايته على خلقه. والله دعاه إلى بابه فما وقف عليه، وأرسل إليه رسوله يدعوه إلى ما يسعده في دنياه وأخراه فعصاه، وحذره من عدوه الشيطان فأطاعه، ودعاه إلى دار كرامته فاشتغل عنها بدنياه. ومع هذا لم يؤيسه من رحمته، بل قال متى جئتني قبلتك، ومتى استغفرتني غفرت لك، رحمتي سبقت غضبي، وعفوي سبق عقوبتي. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} [البقرة: 152]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ

عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزُّمَر: 53]. - حق الله على العباد: حق الله على أهل السماوات والأرض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. بأن يطاع فلا يُعصى .. ويُذكر فلا يُنسى .. ويُشكر فلا يُكفر. فهو سبحانه أحق من عُبد، وأجود من سُئل، وأرحم من ملك، وأكرم من أعطى، وأعدل من حكم، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وهو الغفور الرحيم. فمَنْ مِنْ أهل الأرض لم يصدر منه خلاف ما خُلق له. إما عجزاً .. وإما جهلاً .. وإما تفريطاً .. وإما غلواً .. وإما إعراضاً. لهذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ لأنهم ملكه، وهم عبيده، والمالك يتصرف في ملكه بما شاء. ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)} [النمل: 91]. 2 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، قال: فَقَالَ «يَا مُعَاذُ! تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أنْ لا يُعَذِّبَ

مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلا أبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا». متفق عليه (¬1). - طريق العبودية: الدين يقوم على أصلين عظيمين: عبادة الله وحده لا شريك له .. وعبادته سبحانه بما شرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وعبادة الله عز وجل مبنية على أصلين عظيمين: حب كامل لله عز وجل .. وذل تام له. وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين: الأول: مشاهدة منة الله، وفضله، وإحسانه، ورحمته التي توجب محبة العبد له. الثاني: مطالعة عيب النفس، وتقصيرها، وغفلتها، وعجزها، وفقرها، وسوء عملها الذي يورث الذل التام لله عز وجل. وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه. فلا يرى نفسه إلا مفلساً .. ولا يرى ربه إلا ملكاً غنياً .. قادراً رحيماً .. فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقاماً .. ولا سبباً يتعلق به .. ولا وسيلة يمنّ بها. بل يشهد ضرورته كاملة إلى ربه عز وجل، وأنه إن تخلى عنه خسر وهلك. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)} [النحل: 18]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856) , ومسلم برقم (30)، واللفظ له.

3 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)} [النمل: 73]. - العبادة المقبولة: العبادة حق الله على خلقه، وفائدتها تعود عليهم. فمن عبد الله وحده بما شرع فهو مؤمن، وعبادته مقبولة. ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع، وعبادته مردودة. ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، وعبادته مردودة. ومن عبد غير الله فهو كافر، وعبادته مردودة. ومن عبد الله في الظاهر، وكفر به في الباطن، فهو منافق، وعبادته مردودة. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]. 2 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66]. 3 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718)، واللفظ له.

- أصول العبادة: أصول العبادة التي أمر الله عباده بها هي: 1 - أن تكون العبادة خالصة لله عز وجل. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة: 5]. 2 - أن يشرعها الله عز وجل. قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)} [الجاثية: 18 - 19]. 3 - أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7]. 4 - أن تكون العبادة قائمة على محبة الله، وتعظيمه، والذل له، وخوفه ورجائه. قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 90]. 5 - أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103]. 2 - وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]. 6 - أن يقوم بالعبادة من البلوغ إلى الوفاة.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحِجر: 97 - 99]. - أحوال العباد في العبادات: العبادات المأمور بها شرعاً لها ثلاثة أحوال: 1 - حال السابق: وهو من أتى فيها بالواجب والمستحب. 2 - حال المقتصد: وهو من أتى فيها بالواجب فقط. 3 - حال الظالم لنفسه: وهو مَنْ نقص من الواجب فيها. والنقص من الواجب نوعان: 1 - نوع يبطل العبادة كنقص ركن من أركان الطهارة، أو الصلاة ونحوهما. 2 - ونوع لا يبطل العبادة، ولكن ينقصها، كنقص واجبات الصلاة، أو الحج، إذا تركها سهواً. والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: الأول: العلم بما أنزل الله .. والثاني: القدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون، والعاجز عن العمل كالمخرِّف فلا أمر عليه ولا نهي. 1 - قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 32 - 33]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15].

3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - أقسام الناس في الدنيا: البشر في الدنيا أربعة أقسام: 1 - قسم خلقهم الله لعبادته وجنته، وهم الأنبياء والرسل وأتباعهم، وهؤلاء أفضل الخلق. 2 - وقسم خلقهم الله لعبادته وناره، وهم المراؤن بأعمالهم كالمنافقين. 3 - وقسم خلقهم الله لجنته لا لعبادته كمن مات وهو طفل. 4 - وقسم خلقهم الله لمعصيته وناره كإبليس وفرعون ونحوهما ممن مات كافراً. - كمال العبودية: 1 - تكمل العبودية لله بأربعة أمور: الأول: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. الثاني: أعمال القلوب كالمحبة والخوف والرجاء واليقين والتوكل ونحوها. الثالث: أعمال الجوارح بامتثال أوامر الله حسب سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: حسن الخلق: مع الخالق بلزوم العبادة والطاعة، ومع المخلوق بالنصح له، والإحسان إليه. وأشرف أهل الأرض عبوديةً الأنبياء والرسل؛ لكمال معرفتهم بالله وما يجب له. ¬

(¬1) صحيح، أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432)، وهذا لفظه.

2 - وكل عبد يتقلب بين ثلاثة أمور: نعم من الله تترادف عليه، فواجبه فيها الحمد والشكر. وذنوب اقترفها، فواجبه فيها الاستغفار والتوبة. ومصائب يبتليه الله بها، فواجبه فيها الصبر. ومن قام بواجب هذه الثلاث فقد أكمل العبودية، وله السعادة في الدنيا والآخرة. 3 - ولله على كل عبد عبوديتان: عبودية في السراء .. وعبودية في الضراء .. وعبودية فيما يحب .. وعبودية فيما يكره. وأكثر الناس يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن إعطاء العبودية في المكاره. فالوضوء بالماء البارد في الصيف عبودية، والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية .. والصبر عن المعاصي عبودية، والصبر على الجوع عبودية، ولكن فرق بين العبوديتين. فمن كان قائماً لله بالعبوديتين في حال السراء والضراء، وحال المحبوب والمكروه، فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وليس لعدوه سلطان عليه. 4 - والله عز وجل يريد من الإنسان تكميل محبوباته وهي أوامره سبحانه، والنفس تريد من الإنسان تكميل محبوباتها وهي الشهوات. والله يريد منا العمل للآخرة، والنفس تريد العمل للدنيا.

وكمال العبودية بحمل النفس على الإيمان والأعمال الصالحة. وتكميل ما يحب الرب في الدنيا، ليكمل للإنسان ما يحب في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت: 30 - 32]. - أنواع العبادات: العبادات أنواع: 1 - منها ما يتعلق بالمكان والزمان كالحج. 2 - ومنها ما يتعلق بالمكان دون الزمان كالعمرة. 3 - ومنها ما يتعلق بالزمان دون المكان كالصيام. 4 - وغالبها لا يتعلق بزمان ولا مكان كالنوافل المطلقة والصدقة، والذكر والدعاء، وتلاوة القرآن ونحو ذلك. - صفة أداء العبادات: الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فيجب الاعتدال في أداء العبادات، وعدم الإفراط والتفريط. فالنفوس لها إقبال وإدبار، ونشاط وكسل، وإقدام وإحجام، ورغبات وشهوات. فلله حقوق، وللنفس حقوق، وللغير حقوق، فيعطي كل ذي حق حقه، وتؤخذ

النفوس إذا نشطت، وتراح إذا كلّت. 1 - قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة: 185]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنه قالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي امْرَأةٌ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقُلْتُ: امْرَأةٌ، لا تَنَامُ، تُصَلِّي. قال: «عَلَيْكُمْ مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ! لا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (39). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (43) , ومسلم برقم (785)، واللفظ له.

- أقسام العبودية: العبودية نوعان: 1 - العبودية العامة: وهي عبودية أهل السماوات والأرض كلهم .. مؤمنهم وكافرهم .. بَرّهم وفاجرهم، وهي عبودية القهر والمُلْك التي لا يخرج عنها أحد. قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 93 - 95]. 2 - العبودية الخاصة: وهي عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأمر، وهي خاصة بالمؤمنين. قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18]. - أهل العبودية: أهل العبودية المأمورين بالعبادة هم الإنس والجن. فجميع ذرية آدم مأمورون بالعبادة، وهي واجبة عليهم. والجن مأمورون منهيون كالإنس، لكن ما أمروا به ليس مساوياً للإنس في الحد. لكنهم مشاركون للإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي، والإيمان والتوحيد، والتحليل والتحريم. مؤمنهم في الجنة وكافرهم في النار. والرسل من رجال الإنس، والجن ليس فيهم إلا نذر.

ومحمد - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى كافة الثقلين الإنس والجن. وآدم أبو البشر، وإبليس أبو الجن، وفي هؤلاء وهؤلاء المؤمن والكافر .. والمطيع والعاصي، والسعيد والشقي. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} [الأحقاف: 29]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 14 - 15]. - فقه العبادة: الله عز وجل خالق كل شيء. خَلْقه للطاعات نعمة ورحمة .. وخَلْقه للمعاصي له فيها حكمة ورحمة، وهي مع هذا عدل منه، فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون. وظلم الناس لأنفسهم نوعان: الأول: عدم عملهم بالطاعات، فهذا ليس مضافاً إليهم. الثاني: عملهم بالسيئات، خلقه الله عقوبة لهم على ترك الطاعات التي خلقهم لها، وأمرهم بها. فكل نعمة منه فضل .. وكل نقمة منه عدل.

وكل ما يذكره الله في القرآن من خَلْق الكفر والمعاصي فهو جزاء على ترك تلك الطاعات كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)} [الأنعام: 125]. ولا بد لكل عبد من حركة وإرادة، فلما لم يتحركوا بما أمروا به من الطاعات، حُركوا بالسيئات عدلاً من الله، حيث وضع ذلك في موضعه اللائق به، القابل له، وهو القلب الذي لا يكون إلا عاملاً إما بالحسنات وإما بالسيئات. فالعبد أحدث المعصية، والله أحدث جزاءها عقوبة منه. كما قال سبحانه: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} [الزُّخرُف: 55 - 56]. - منازل العبودية: عبادة الله عز وجل تقوم على أصلين: عبودية القلوب .. وعبودية الجوارح .. وكل منهما درجات. فعبودية القلوب: منها مهابة الجبار جل جلاله أفضل من المحبة؛ لأن المهابة نشأت عن معرفة جلال الرب وعظمته وكبريائه. ثم يليها محبة الله عز وجل الناشئة عن معرفة إنعام الرب وإفضاله، وبره وإحسانه. ثم التوكل عليه سبحانه؛ لأن منشأه ملاحظة توحد الرب جل جلاله بالخلق والتدبير والتصريف.

ثم الخوف والرجاء؛ لأنهما نشآ عن ملاحظة الخير والشر، والثواب والعقاب، وتعلقهما بهما. وقد شرفا من جهة معرفة قدرة الله عليهما، إذ لا يرجى من يعجز عن الخير، ولا يُخاف من لا يقدر على الضير. قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزُّمَر: 67]. - فقه العبودية: كل مخلوق فقير إلى الله في جلب ما ينفعه، ودفع ما يضره. والله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته، فبذكره تطمئن قلوبهم، وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم. يعطيهم في الدنيا أعظم شيء وهو الإيمان به، ويعطيهم في الآخرة أعظم شيء وهو النظر إليه عز وجل. وليس في الوجود ما يسكن العبد إليه، ويطمئن به إلا الله سبحانه. وحاجة القلوب إلى الإيمان أعظم من حاجة الأجساد للطعام. ذلك أن الإيمان بالله وعبادته ومحبته هو غذاء القلوب، وزاد الإنسان وقُوْته، وصلاحه وقوامه. فليست عبادة الله تكليف ومشقة لأجل الاختبار فقط، ولا لأجل التعويض بالأجرة فقط. وإنما المقصود الأول والأهم إرادة وجه الله عز وجل، والتوجه إليه وحده؛ لأنه الإله الحق الذي تألهه القلوب، وتطمئن إليه.

فجميع أوامر الله عز وجل قرة العيون، وسرور القلوب، ولذة الأرواح. والمخلوق كله ليس بيده شيء، وليس عنده لنفسه ولا لغيره نفع ولا ضر، ولا عطاء ولا منع، بل ذلك كله بيد الذي خلقه. وتعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه، ومن أحب غير الله حباً تاماً فلا بد أن يسأمه أو يفارقه. ومن أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون سبباً لعذابه في الدنيا والآخرة، والضرر حاصل له إن وَجد أو فَقد. فإن وجد حصل له من الألم أكثر من اللذة، وإن فقد تعذب بالفراق وتألم. والخلق كلهم لن ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. ولن ينفعوك أو يضرك إلا بإذن الله فلا تعلق بهم رجاءك، والعابد حقاً من جمع في عبادته بين المشهدين: الأمر الشرعي .. والأمر الكوني، وعلى هذين المشهدين مدار الدين. فإن العبد إذا شهد عبوديته لربه، لم يكن مستبغضاً لأمر سيده، لا يغيب بعبادته عن معبوده، ولا يغيب بمعبوده عن عبادته. بل يكون له عينان مبصرتان، ينظر بأحدهما إلى معبوده كأنه يراه، وينظر بالأخرى إلى أمر سيده، فيوقعه على الوجه الشرعي الذي يحبه مولاه ويرضاه. وتلك عبادة الرسل، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التعبد بها. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ

إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125]. - أكمل الناس عبادة: أكمل الناس عبادة الأنبياء والرسل؛ لأنهم أكملهم معرفة بالله من غيرهم، وأعلمهم به وبأسمائه وصفاته وأفعاله. ثم زادهم الله فضلاً بإرسالهم إلى الناس، فصار لهم فضل الرسالة، وفضل العبودية الخاصة. ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم لله ورسوله، واستقاموا على أمره. ثم الشهداء الذين شهدوا للدين أنه الحق، وبذلوا أنفسهم في سبيله، ثم الصالحون الذين طابت أعمالهم، وحسنت أخلاقهم، وصلحت سرائرهم وعلانيتهم. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء: 69 - 70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [الأنبياء: 73]. - العوائق التي تعوق القلب عن سيره إلى الله: الذي يعوق القلب عن سيره إلى الله ثلاثة: الشرك .. والبدعة .. والمعصية. فيزول الشرك بتحقيق التوحيد .. وتزول البدعة بتحقيق السنة .. وتزول المعصية بتحقيق التوبة.

قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].

الباب الثالث كتاب العلم

الباب الثالث كتاب العلم ويشتمل على ما يلي: 1 - أقسام العلم. 2 - أشرف العلوم. 3 - فضائل العلم. 4 - أحكام العلم. 5 - آداب العلم، وتشمل: 1 - آداب المعلم. 2 - آداب طالب العلم.

1 - أقسام العلم

1 - أقسام العلم - العلم: هو نقل صورة المعلوم من الخارج، وإثباتها في النفس، كتعلم الإيمان والأحكام والأخلاق. - العمل: هو نقل صورة العلم من النفس، وإثباتها في الخارج، كأداء الصلاة والزكاة ونحوهما. - العلوم الممنوحة والممنوعة: الله عز وجل هو العليم بكل شيء وحده، وقد علَّم عباده أشياء، ومنعهم أشياء، وهو العليم الحكيم. 1 - العلوم الممنوحة: علَّم الله الإنسان ما لم يعلم، وعلمه البيان، وأقدره على العمل، وعلَّمه ما ينفعه في الدنيا والآخرة من الإيمان، والعمل الصالح، وأمور الكسب والمعاش. وعرَّفه ما يضره في الدنيا والآخرة من الكفر، والشرك، والمعاصي. قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. 2 - العلوم الممنوعة: طوى الله عن البشر ومنعهم ما ليس من شأنهم، ولا حاجة لهم به، ولا مصلحة لهم فيه، ولا نشأتهم قابلة له. كعلم الغيب .. والعلم بكل ما كان وما يكون .. والعلم بما في قلوب الناس ..

والعلم بعدد القطر .. وعدد النبات .. وعدد الذرات .. وعدد النجوم .. وعدد المخلوقات .. وعدد الأنفاس .. وعدد الكلمات .. ووقت قيام الساعة .. ووقت نزول الغيث .. وغير ذلك مما حجب العليم الخبير علمه عن البشر، واختص بعلمه عالم الغيب والشهادة. فمن تكلف علم ذلك فقد ظلم نفسه، وتدخل فيما لم يؤمر به، وتجاوز ما حُدّ له، وكلف نفسه ما لا طاقة له به. قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]. - أقسام العلوم باعتبار منفعتها: العلوم باعتبار منفعتها نوعان: الأول: علم تكمُل النفس به، وهو العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وشرعه. الثاني: علم لا يحصل للنفس به كمال، وهو كل علم لا يضر الجهل به، ولا ينفع العلم به من قيل وقال، وما يضر كعلم السحر والكهان. - درجات الحصول على العلم: العلم من حيث الحصول عليه ثلاث درجات: الأولى: علم جلي: وهو كل ما يدرك بالحواس كالسمع، والبصر، والعقل، وهي طرق العلم وأبوابه، وكذلك ما يُدْرَك بخبر الصادق، وما يحصل بالفكر والاستنباط. الثانية: علم خفي: وهو ما ينبت في القلوب الطاهرة من كدر الدنيا، وفي الأبدان الزاكية التي زَكَتْ بطاعة الله، ونبتت على أكل الحلال.

فمتى خلصت الأبدان من الحرام، وطهرت الأنفس من علائق الدنيا، زكت أرض القلب، وأنبتت من كل زوج بهيج، علماً وعملاً. الثالثة: علم لدني: وهو ما يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله، وتعريف منه لعبده. وذلك ثمرة العبودية الصادقة، والمتابعة الحسنة، والصدق مع الله، والإخلاص له، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والانقياد له، فيفتح الله له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به. قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114]. - أقسام العلوم باعتبار مصدرها: العلوم باعتبار مصدرها تنقسم إلى قسمين: الأول: العلوم الشرعية: وهي كل ما استفيد من الأنبياء والرسل. والعلوم الشرعية قسمان: منها ما يتعلق بالقلوب كالتوحيد والإيمان، والمحبة والتوكل ونحو ذلك. ومنها ما يتعلق بالجوارح، وهو علم المسائل والأحكام كالعلم بكيفية العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك. الثاني: العلوم التي ليست بشرعية: وهي كل ما سوى ذلك. وهي ثلاثة أقسام: علم محمود .. وعلم مباح .. وعلم مذموم. 1 - فالعلم المحمود: هو ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب. فالطب ضروري لبقاء الأبدان وسلامتها، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء،

وأرشد إلى استعماله، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله، وهو فرض كفاية، وأفضل العلوم بعد علم الشرع، وفيه أجر بحسب نية صاحبه. وكذلك الحساب تعلمه ضروري في المعاملات، وقسمة المواريث والوصايا. وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الفرض عن الباقين. وكذلك كل ما يحتاجه الناس في حياتهم تعلُّمه فرض كفاية كالفلاحة، والصناعة ونحو ذلك. 2 - والمباح: كالعلم بالأشعار، وتواريخ الأخبار والأحداث. 3 - والمذموم: كل ما يفسد البلاد والعباد والأخلاق كعلم السحر، والكهانة، والشعوذة ونحو ذلك. - أقسام العلم الشرعي: العلم الشرعي ثلاثة أقسام: الأول: العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأكثر آيات القرآن في تقرير هذا النوع. الثاني: العلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية .. وما يكون من الأمور المستقبلة .. وما هو كائن من الأمور الحاضرة. وفي مثل هذا أنزل الله آيات الخلق، وقصص الأنبياء مع أممهم، وآيات الوعد والوعيد، وصفة الجنة والنار. الثالث: العلم بما أمر الله ورسوله به من أعمال القلوب كالإيمان واليقين والتوكل ونحو ذلك.

ومن أعمال الجوارح كالعبادات والطاعات القولية والفعلية. - فقه العلم الشرعي: العلم خمسة أنواع: 1 - علم هو حياة الدين وأصله، وهو علم التوحيد. 2 - علم هو غذاء الدين، وهو علم الإيمان، والذكر والوعظ، والتفكر في الآيات الكونية، والآيات القرآنية. 3 - علم هو دواء الدين، وهو علم المسائل الشرعية، والفتوى. 4 - وعلم هو داء الدين، وهو كل قول على الله بلا علم. 5 - وعلم هو هلاك الدين وأهله، وهو علم السحر والكهانة، والبدع والفواحش ونحوها. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33]. - أقسام العلوم الشرعية باعتبار ذاتها: العلوم الشرعية تنقسم إلى قسمين: علوم خبرية اعتقادية .. وعلوم طلبية عملية. فالأول: كالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بأركان الإيمان، والثواب والعقاب ونحو ذلك.

والثاني: كالعلم بأعمال القلوب والجوارح من الأحكام، من الأركان، والواجبات، والسنن، والمحرمات، والمكروهات، والمباحات. - شعب العلم الشرعي: العلم الشرعي له شعبتان: فضائل .. ومسائل. 1 - الفضائل: تولِّد الشوق والرغبة لامتثال أوامر الله عز وجل، وهي من الإيمان، ونتعلمها قبل الأحكام والمسائل، وبها تُعرف قيمة الأعمال، فتنشط النفوس للعمل. فالقلوب تتأثر من كلام الله ورسوله، فتتحرك الجوارح لأداء الطاعات بالرغبة والشوق. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} [الكهف: 107 - 108]. 2 - المسائل: وهي الأحكام الشرعية العملية التي نتعلمها، ونعمل بها، ونعلمها الناس كأحكام الطهارة، والصلاة ونحوهما، والقصد من معرفتها التعبد لله بها، وأن تكون جميع أعمالنا على طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2]. - أقسام العلماء من حيث المعرفة: العلماء من حيث العلم ثلاثة أقسام: الأول: عالم بالله، عالم بأوامر الله، فهذا في أعلى الدرجات.

الثاني: عالم بالله، غير عالم بأوامر الله كما يجب. الثالث: عالم بأوامر الله، غير عالم بالله كما يجب. أما الأول: فهو الذي عرف ربه بأسمائه وصفاته، وعرف جلاله وجماله، وعرف أحكام دينه وشرعه. فهذا بأعلى المنازل، وهذا سبيل الأنبياء والصديقين. وعلامته: أن يكون دائم الذكر لربه .. معظماً له .. محباً له .. مستحٍ منه .. خائفاً منه .. راجياً له .. مطيعاً له .. عابداً له بما شرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. معلماً لشرعه .. داعياً إليه. وأما الثاني: فهو الذي استولت معرفة ربه على قلبه، فهو يرى عظمة الله، فهو دائم التعبد والذكر والاستغفار، فلا يتفرغ لتعلم الأحكام إلا ما لا بد منه. فهذا على خير عظيم، لكنه دون الأول. وأما الثالث: فهو الذي عرف الحلال والحرام، والأركان والواجبات، والسنن والمباحات، لكنه لا يعرف أسرار جلال الله وعظمته وجماله، وحقوقه على عباده. فهذا على خير لكنه دون الأول والثاني. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر: 9]. - أولو الأمر: المراد بأولي الأمر الأمراء المتقون .. والعلماء الربانيون.

فهؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله: الأمراء المتقون بأيديهم .. والعلماء الربانيون بألسنتهم. والأمراء يرجعون إلى العلماء الربانيون فيما أشكل عليهم، فعاد الأمر إلى فضل العلم والعلماء، وأنهم أئمة الناس الذين يقتدى بهم، ويهتدي بسببهم الضال، ويُشفى العليل، ويتعلم الجاهل. وهذا النور الذي أضاء على الناس منهم هو نور الإيمان والعلم والمعرفة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)} [النساء: 83]. - أقسام العلماء من حيث المنفعة: العلماء ثلاثة أقسام: الأول: عالم استنار بنور الإيمان والعلم، واستنار بذلك الناس منه. فهذا من خلفاء الرسل، وورثة الأنبياء، وبسطته للناس رحمة لهم. الثاني: عالم استنار بنور علمه، ولم يستنر به غيره. فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه, وبينه وبين الأول ما بينهما. الثالث: عالم لم يستنر بنور علمه، ولم يستنر به غيره. فهذا علمه وبال عليه، وبسطته للناس فتنة لهم، ومن يرد الله فتنته فلا حيلة

فيه، ولا يزيده كثرة العلم إلا حيرة وضلالاً وطغياناً، والله أعلم حيث يجعل رسالته: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)} [المائدة: 41]. - أقسام الناس من حيث العلم والعمل: الناس في العلم والعمل أربعة أصناف: الأول: من رزقه الله علماً وعملاً: وهؤلاء خلاصة الخلق، وأئمة هذا الصنف الأنبياء والرسل، وهم في ذلك درجات، ثم يليهم أتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين، وهم في ذلك درجات. الثاني: من حُرم العلم والعمل: وهذا الصنف شر البرية، وهم الصم البكم العمي الذين لا يعقلون، وجلهم أمثال البهائم والحمير والسباع. الثالث: من فُتح له باب العلم، وأُغلق عنه باب العمل: فهذا في رتبة الجاهل أو شر منه، وما زاده العلم إلا وبالاً وعذاباً. الرابع: من رزقه الله حظاً من الإرادة والعمل، ولكن قل نصيبه من العلم: فهذا له نصيب من الخير، وإذا عرف فضل العلم أقبل عليه، وحسن عمله. ونور العلم لم يُحجب عن القلوب لمنعٍ من جهة المنعم سبحانه، ولكنه حُجب لخبث وشغل من جهة القلوب، فالقلوب المملؤة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله.

- قوة العلم والعمل: الناس من حيث القوة العلمية والعملية قسمان: الأول: من تكون له القوة العلمية الكاشفة، ويكون ضعيفاً في القوة العملية، يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى سبل المهالك ولا يتوقاها، فهو أعمى البصر عند ورود الشهوات، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم. وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، إذ قد يكون لها مقاصد غير وجه الله تحرمها ثمرة العلم، وهو العمل بموجبه، والمعصوم من عصمه الله. الثاني: من تكون له القوة العملية، وتكون أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيف القوة العلمية، فهو أعمى البصر عند ورود الشبهات. فداء هذا من جهله .. وداء الأول من فساد إرادته. وهذا حال أكثر السالكين على غير طريق العلم. فهؤلاء كلهم عمي عن ربهم، وعمي عن شريعته. ومن كملت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله عز وجل، وحصلت له السعادة في الدنيا والآخرة. واستكمال القوة العلمية يكون بمعرفة فاطره وبارئه .. ومعرفة أسماء الله وصفاته .. ومعرفة الطريق الموصلة إليه .. ومعرفة نفسه وآفاتها. واستكمال القوة العملية يكون بأداء حقوق الله وأوامره صدقاً، وإخلاصاً، ومتابعة.

2 - أشرف العلوم

2 - أشرف العلوم - فضل العلم: فضيلة الشيء وشرفه يظهر تارة من عموم منفعته .. وتارة من شدة الحاجة إليه .. وتارة من ظهور النقص والشر بفقده .. وتارة من حصول اللذة والسرور بوجوده .. وتارة من كمال وحسن الثمرة المترتبة عليه. وهذه الجهات بأسرها حاصلة للعلم. والعلوم غذاء للقلوب، كما أن الأطعمة غذاء للأبدان، والكل متفاوت. وشرف العلم تابع لشرف المعلوم، فليس العلم بالله وشرعه كالعلم بالتراب والقماش. فأجلّ العلوم وأشرفها وأفضلها وأحسنها هو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، بل هو أصل العلوم كلها. ولا شيء أطيب للعبد ولا ألذ ولا أهنأ ولا أنعم للقلب من معرفة ربه، ومحبة فاطره، ودوام ذكره، والسعي في مرضاته. ومن أجل هذا خلق الله الخلق .. ولأجله نزل الوحي .. ولأجله أرسل الله الرسل .. وقامت السماوات والأرض .. وخلقت الجنة والنار. ولا سبيل إلى معرفة ذلك، والمنافسة فيه، إلا من باب العلم، فأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له، وتعظيماً له، وطاعة له. والعلم يفتح الباب العظيم الذي هو سر الخلق والأمر. قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ

لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} [الطلاق: 12]. - أساس دعوة الرسل: لب دعوة الرسل ثلاثة أصول: الأول: تعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. الثاني: تعريف الناس بالطريق الموصل إليه، وهو شريعته المتضمنة لأمره ونهيه. الثالث: تعريف السالكين بما لهم بعد الوصول إليه في الآخرة، وهو الجنة لمن آمن به وأطاعه .. والنار لمن كفر به وعصاه. وورثة الرسل وخلفاؤهم من سار على هديهم. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21]. - ما ينال به العلم: السمع والبصر والقلب هي أمهات ما ينال به العلم. فالقلب يعقل الأشياء بنفسه .. والعين تنقل ما رأت وتصبه في القلب .. والأذن تسمع العلم وتنقله إلى القلب. وصاحب الأمر هو القلب، وسائر الأعضاء حجبة له، توصل إليه ما لا يأخذه بنفسه من المسموعات والمرئيات. والقلب خلقه الله للإيمان والتوحيد، والذكر للقلب بمنزلة الغذاء للجسم. وإذا كان القلب مشغولاً بالله، عاقلاً للحق، متفكراً في العلم، فقد وُضِع في موضعه. وإذا لم يُصرف القلب إلى العلم، ولم يُودَع فيه الحق، فهو ضائع، والقلب

نفسه لا يقبل إلا الحق. والذي يَحُول بين القلب والحق شغله بغيره من فتن الدنيا، وشهوات الجسد، وقد يعرض له الهوى قبل معرفة الحق، فيبعده عن النظر فيه، وقد يعرض عنه عن كبر فيه، وقد يعرض له الهوى بعد معرفة الحق فيجحده ويعرض عنه. والقلوب أوعية العلم والإيمان. فمن كان قلبه سليماً ليناً رقيقاً سَهُل قبوله العلم، ورسخ فيه وأثّر. وإن كان القلب مريضاً قاسياً غليظاً كان قبوله للعلم صعباً عسيراً. فإذا كان القلب زاكياً صافياً زَكَى فيه العلم، وأثمر ثمراً طيباً. وإن قَبِل القلب العلم، وكان فيه كدورة وخُبث أفسد ذلك العلم كالزرع مع الدَّغَل ينبت لكن لا يزكو. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل: 78]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28]. 3 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأنْبَتَتِ الكَلأ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى

اللهِ الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه (¬1). - مقاصد الإسلام: مقاصد الإسلام تدور على أربعة أصول: الأول: معرفة الله بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو التوحيد والإيمان. الثاني: معرفة العبادات والمعاملات، والمعاشرات والأخلاق، وكيفية أدائها والاتصاف بها. الثالث: الدعوة إلى الله، وتعليم شرعه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليسعد كل فرد في العالم بهذا الدين. الرابع: إيقاف المعتدي عند حده بوضع الأحكام والعقوبات التي تحفظ الأمن، والأنفس، والأعراض، والأموال، والعقول، والدين، وهي الجهاد والحدود. والقلوب كالأواني ما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء. فالقلوب المشغولة بغير الله، لا تدخلها المعرفة بجلال الله. وليس المقصود من العلم العمل فقط، بل المقصود الإيمان والعمل. ولو كان المقصود من العلم العمل فقط، لكان المنافقون في الجنة، لكنهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يعملون بلا إيمان. فالعلم بوحدانية الله، وأنه لا إله إلا هو، مطلوب مراد لذاته، فكما أن عبادته مرادة لذاتها، فكذلك العلم به سبحانه مراد لذاته، ولا بد للعبد من معرفة هذا وهذا، والعمل بموجب هذه المعرفة. قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (79) , واللفظ له، ومسلم برقم (2282).

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. - فقه الرغبة في طلب العلم: الإنسان لا يرغب في طلب العلم ولا يقبل عليه إلا بإرادة جازمة، ولا تأتي الإرادة إلا بمحرك لها وهو الإيمان، ومعرفة فضل العلم، وثواب العلماء، ومعرفة درجاتهم عند الله عز وجل. ومما يرغِّب الإنسان في طلب العلم الشرعي، ويحرك نفسه لتعلمه وتعليمه أن يتفكر ويقول لنفسه: إن الله أمرني بالعبادات والطاعات، ولا أقدر على أدائها إلا بالعلم. ونهاني عن المعاصي والآثام، ولا أقدر على اجتنابها إلا بعد معرفة قبحها، وسوء عاقبتها، ولا يتم ذلك إلا بالعلم. ويقول: إن الله عز وجل أوجب علي شكر نعمه الظاهرة والباطنة، ولا أقدر على معرفتها، وطاعة الله فيها، إلا بالعلم. وأمرني سبحانه بإنصاف الخلق، ولا أقدر على إنصافهم إلا بعد معرفة حقوقهم، وما يجب لهم، ولا يتم ذلك إلا بالعلم. وأمرني سبحانه بالصبر على بلائه، ولا أقدر على ذلك إلا بعد معرفة ثوابه، وحسن عاقبته، ولا يتم ذلك إلا بالعلم. وأمرني سبحانه بعداوة الشيطان وأتباعه، ولا أقدر على ذلك إلا بعد معرفة كيده وخطواته، ولا يتم ذلك إلا بالعلم .. وهكذا. - العلم الحقيقي: العلم الحقيقي هو العلم الإلهي، والعلم الإنساني بالنسبة إليه كله جهالة؛

لأن العلم الإلهي يربط المخلوق بالخالق، والعلم الإنساني يربط المخلوق بالمخلوق. والعلم الحقيقي هوا لذي يورث العمل والخشية لله. ولا بد في كل عمل من أمرين: إخلاص العمل لله .. وأداؤه كما ورد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والاتباع يكمل بثلاثة أمور: اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في نيته .. واتباعه في وجهته وهي الآخرة .. واتباعه في هيئة العمل. فالوضوء له أحكام معلومة .. والصلاة كذلك .. والدعوة كذلك. قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر: 9]. - مسؤولية طالب العلم: على طالب العلم مسؤولية عظيمة، وهي متفاوتة بحسب ما عنده من العلم، وبحسب حاجة الناس إليه .. وبحسب طاقته وقدرته. أما من جهة نفسه: فعليه أن يعتني بفهم وحفظ الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة .. ومعرفة كلام أهل العلم .. وأن يخلص لله ويتقيه .. ويعمل بما علم .. وأن يكون هدفه إرضاء الله عز وجل، وأداء الواجب، وبراءة الذمة، ونفع الناس، فالعلم أمانة أودعها الله إياه، ولا بد من أدائها كما أمره ربه، ولا يهدف بعلمه وعمله إلى

مال، أو عَرَض من الدنيا، ولا يطلب الرياء والسمعة، فيكون من أول من تسجر بهم النار. فطالب العلم له ثلاثة مواقف: موقف مع ربه بالصدق والإخلاص .. وموقف مع نفسه بالعلم والعمل .. وموقف مع غيره بالتعليم والدعوة وحسن الخلق. 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة: 159 - 160]. - آفة العمل: آفة العمل عدم مطابقته لمراد الله الديني الذي يحبه ويرضاه. إما بسبب فساد العلم .. وإما بسبب فساد الإرادة. ففساده من جهة العلم أن يعتقد أن هذا مشروع، وهو ليس كذلك، أو يعتقد أنه يقرِّبه إلى الله وإن لم يكن مشروعاً. وأما فساده من جهة القصد، فأن لا يقصد به وجه الله والدار الآخرة، بل يقصد به الدنيا والخلق. ولا سبيل للسلامة من هاتين الآفتين في العلم والعمل إلا بمعرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في باب العلم، وإرادة وجه الله في باب القصد والإرادة. فمتى خلا قلب المسلم من هذه المعرفة، وهذه الإرادة، فسد علمه وعمله،

ودنياه وآخرته. وكل من آثر الدنيا واستحبها من أهل العلم، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه. وهؤلاء لا بد أن يبتدعوا في الدين، مع الفجور في العمل؛ لأن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكِّسه فيرى السنة بدعة، والبدعة سنة. وفي هؤلاء وأشباههم يقول سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)} [الأعراف: 169]. فهذا حال العالم المؤثر الدنيا على الآخرة. أما العابد الجاهل فآفته من إعراضه عن العلم وأحكامه، وغلبة ما تهواه نفسه، على ما شرعه ربه. وفي هؤلاء وأمثالهم يقول سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50]. - كمال الإنسان: كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل .. وإيثار الحق على الباطل بالعمل به، والدعوة إليه. وتفاوت منازل الخلق عند الله في الدنيا والآخرة بحسب تفاوتهم في هذين الأمرين.

وقد انقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام: الأول: من عرف الحق وآثره على الباطل، بالعمل به، والدعوة إليه. فهؤلاء أشرف الخلق، وأكرمهم على الله تعالى. الثاني: من لا بصيرة له في الدين، ولا رغبة له فيه لنفسه ولا لغيره. وهؤلاء شر الخلق، غرهم الشيطان فصاروا من جنده وحزبه. الثالث: من له بصيرة في العلم والهدى، لكنه ضعيف لا قوة له. فهذا حال المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه. الرابع: من له قوة وهمة، ولكنه ضعيف البصيرة في الدين. وليس في جميع هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضع لها، سوى القسم الأول الذين قال الله فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. - درجات الكمال: سنة الله عز وجل أن جعل لكل مخلوق كمالاً يختص به هو غاية شرفه وحسنه، فإذا عدم كماله نزل إلى الرتبة التي دونه، واستُعمل فيها. وقد فاوت الله عز وجل بين النوع الإنساني أعظم تفاوت في الخلق .. والعلم. فإذا كان الإنسان صالحاً لاصطفاء الله له بالرسالة اتخذه رسولاً. فإن كان قاصراً عن هذه الدرجة، قابلاً لدرجة الولاية رشح لها. فإن كان ممن يصلح للعمل والعبادة، دون العلم والمعرفة، جعل من أهلها، حتى ينتهي إلى درجة عموم المؤمنين، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

فإن نقص عن هذه الدرجة، ولم تكن نفسه قابلة لشيء من الخير أصلاً، استُعمل حطباً ووقوداً للنار. فالإنسان يترقى في درجات الكمال بعلمه وعمله وخلقه درجة بعد درجة، حتى يبلغ نهاية ما يناله أمثاله. قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11]. - أصول العبودية: العبودية الكاملة تقوم على ثلاثة أصول: الهيبة .. والحياء .. والأنس. فإذا عرف المسلم عظمة الله وجلاله، وقدرته وقوته، جاءت عنده صفة الهيبة. وإذا عرف غزارة نعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى غيره، مع قلة الشكر، ونظر إلى كثرة المعاصي، جاء عنده الحياء من ربه. وإذا عرف لطف الله ورحمته، وجوده وإحسانه، وعفوه وحلمه، جاء عنده الأنس بالله، ولذة مناجاته، ودوام الوقوف ببابه. وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان بالله، ومعرفة أسمائه وصفاته، ولذة مناجاته وعبادته. فليهنأ بذلك من رزق ذلك: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس: 58].

- ثمرات معرفة الله: لا بد للعبد الضعيف العاجز .. الفقير المحتاج .. الظلوم الجهول .. الذي لا يستغني عن ربه طرفة عين أن يعرف ربه الذي يربيه بنعمه الظاهرة والباطنة. وأن يعرف إلهه ومعبوده الذي تكفل بكل ما يحتاجه الخلق في الدنيا والآخرة. فإذا عرف العبد أن ربه هو القوي وحده، استعان بالله وحده. وإذا عرف أن ربه هو الغني وحده، طلب منه وحده كل ما يحتاجه. وإذا عرف أن ربه هو العفو وحده، طلب منه وحده المسامحة. وإذا عرف أن ربه الغفور وحده، طلب منه وحده المغفرة. وإذا عرف أن ربه هو الملك وحده، توجه إليه بالعبودية والطاعة وحده. وإذا عرف أن ربه هو الكريم وحده، شكره وسأله وحده. وإذا عرف أن ربه هو الكبير وحده، عظمه وحده، وكبره وحده. وإذا عرف أن ربه هو العليم وحده، خافه وحذر من معصيته. وإذا عرف أن ربه هو الرزاق وحده، سأله أن يرزقه. وهكذا في بقية أسماء الله وصفاته، يتعلمها، ويحفظها، ويعبد الله بمقتضاها. فالله عز وجل هو الصمد الذي تكفل بما يحتاجه الخلق، ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا رحمة بعباده ليجيب من دعاه، ويعطي من سأله، ويغفر لمن استغفره. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180].

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬1). - أحسن اللذات: أفضل اللذات، وأحسنها، وأعظمها، هي لذة العلم الإلهي. وأعظم اللذات التي يجد الإنسان طعمها وحلاوتها في الحياة .. والتي تبقى بعد الموت .. وتنفع في الدار الآخرة .. هي لذة العلم بالله وأسمائه وصفاته .. ولذة مناجاته وعبادته .. وهي لذة الإيمان والأعمال الصالحة. فأطيب ما في الدنيا معرفته سبحانه، وأطيب ما في الآخر النظر إليه، والقرب منه، وسماع كلامه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758).

3 - فضائل العلم

3 - فضائل العلم - فضل العلم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1 - 4]. - فضل أهل العلم: 1 - قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 18]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11]. 3 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر: 9]. 4 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5027).

- فضل طلب العلم: 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل من عَلِم وعَلَّم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأنْبَتَتِ الكَلأ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (79) , واللفظ له، ومسلم برقم (2282).

3 - وَعَنْ عَبْدُاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه (¬1). - فضل من دعا إلى هدى: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فُصِّلَت: 33]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الفقه في الدين: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [التوبة: 122]. 2 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المُعْطِي وَأنَا القَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73) , واللفظ له، ومسلم برقم (816). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2674). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3116) , واللفظ له، ومسلم برقم (1391).

وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل مجالس الذكر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5027). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2700).

4 - أحكام العلم

4 - أحكام العلم - وجوب تعلم العلم: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [التوبة: 122]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)} [المائدة: 98]. - وجوب إبلاغ العلم: 1 - قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52]. 2 - وَعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ: « ... لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3461). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

- وجوب العمل بما علم كله: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة: 85]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة: 208]. - علامة العالم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر: 9]. - عقوبة من كتم العلم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة: 159 - 160]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ

فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - عقوبة من لم يعمل بعلمه: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} [البقرة: 44]. 3 - وقال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78 - 79]. 4 - وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أتَيْتَ فُلاناً فَكَلَّمْتَهُ، قال: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إِلا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ، دُونَ أنْ أفْتَحَ بَاباً لا أكُونُ أوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أقُولُ لِرَجُلٍ أنْ كَانَ عَلَيَّ أمِيراً: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ؟ ألَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3658) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3267) , واللفظ له، ومسلم برقم (2989).

- عقوبة من طلب العلم لغير الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} [آل عمران: 19]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بهِ وَجْهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - عقوبة الكذب على الله ورسوله: 1 - قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} [البقرة: 79]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} [الأنعام: 144]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل: 116 - 117]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3664) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (252). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (110) , ومسلم برقم (3)، واللفظ له.

- عقوبة ترك الدين والعلم: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعَهُ مِنْهُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (81) , ومسلم برقم (2671)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (100) , واللفظ له، ومسلم برقم (2673).

5 - آداب العلم

5 - آداب العلم - للعلم آداب: منها ما يتعلق بالمعلم .. ومنها ما يتعلق بطالب العلم. 1 - آداب المعلم - التحلي بالأخلاق الحسنة: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]. - التواضع وخفض الجناح: 1 - قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء: 215]. 2 - وَعَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَى المُؤْمِنِينَ: فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْواً، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬1). - تخوّل الناس بالموعظة: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , واللفظ له، ومسلم برقم (2586). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (68) , واللفظ له، ومسلم برقم (2821).

- رفع الصوت بالعلم وتكراره ليفهم: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍوَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأدْرَكَنَا -وَقَدْ أرْهَقَتْنَا الصَّلاةُ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلأعْقَابِ مِنَ النَّارِ». مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً. أخرجه البخاري (¬2). - الغضب إذا سمع أو رأى ما يكره: عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي لأتَأخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أجْلِ فُلانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ أمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ». متفق عليه (¬3). - إجابة السائل أحياناً بأكثر مما سأل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَجُلا سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلا أحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (60) , واللفظ له، ومسلم برقم (241). (¬2) أخرجه البخاري برقم (95). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (90) , ومسلم برقم (466)، واللفظ له.

الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلا الوَرْسُ». متفق عليه (¬1). - طرح المسألة على الطلاب لاختبارهم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ». فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قال عَبْدُاللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «هِيَ النَّخْلَةُ». متفق عليه (¬2). - عدم ذكر المتشابه عند العامة: وأن يخص بالعلم قوماً دون قوم خشية أن لا يفهموا. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قال: «يَا مُعَاذُ!» قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «يَا مُعَاذُ!». قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «يَا مُعَاذُ!». قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ» قال: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلا أخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قال: «إِذاً يَتَّكِلُوا». فَأخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ، تَأثُّماً. متفق عليه (¬3). - ترك تغيير المنكر إذا خشي الوقوع فيما هو أشد منه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لأمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأدْخَلْتُ فِيهِ مَا أخْرِجَ مِنْهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1542) , ومسلم برقم (1177). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (61) , واللفظ له، ومسلم برقم (2811). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (128) , ومسلم برقم (32)، واللفظ له.

وَألْزَقْتُهُ بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَربيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أسَاسَ إِبْرَاهِيمَ». متفق عليه (¬1). - بذل العلم للرجال، وللنساء إذا كُنّ على حِدَة: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْماً مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْماً لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قال لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأةٌ تُقَدِّمُ ثَلاثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إلا كَانَ لَهَا حِجَاباً مِنَ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ». متفق عليه (¬2). - وعظ العالم الناس وتعليمهم في الليل أو النهار، على الأرض أو على ظهر الراحلة: 1 - عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ عَبْدُاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ: «أرَأيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أحَدٌ». متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، قال: فَقَالَ «يَا مُعَاذُ! تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586) , واللفظ له، ومسلم برقم (1333). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (101) , واللفظ له، ومسلم برقم (2633). (¬3) أخرجه البخاري برقم (115). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (116) , واللفظ له، ومسلم برقم (2537).

العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قال قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قال قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلا أبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «لا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا». متفق عليه (¬1). - أن يجعل لطلاب العلم أياماً معلومة: عَنْ أبِي وَائِلٍ قالَ: كَانَ عَبْدُاللهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، لَوَدِدْتُ أنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قال: أمَا إنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنِّي أكْرَهُ أنْ أمِلَّكُمْ، وَإنِّي أتَخَوَّلُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بِهَا، مَخَافَةَ السَّآمةِ عَلَيْنَا. متفق عليه (¬2). - الدعاء لطلاب العلم: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: «الَّلهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً، قال: «مَنْ وَضَعَ هَذَا». فَأخْبِرَ، فَقَالَ: «الَّلهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (¬4). - التحذير من الاختلاف: عَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856) , ومسلم برقم (30)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (70) , واللفظ له، ومسلم برقم (2821). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (75)، واللفظ له، ومسلم برقم (2477). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (143) , واللفظ له، ومسلم برقم (2477).

قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الغَضَبُ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِي الكِتَابِ». أخرجه مسلم (¬1). - التذكير بتقوى الله عند العلم بالمعصية: عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأمَرَتْنِي أنْ أشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «أعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا». قال: لا، قال: «فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ». قال: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه (¬2). - فعل السنن العملية أمام الناس ليقتدى به: 1 - عَنْ حُمْرَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْلَى عُثْمَانَ أخْبَرَهُ: أنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ: دَعَا بِإنَاءٍ، فَأفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْحَرُ، أَوْ يَذْبَحُ بِالمُصَلَّى. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2666). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2587) , واللفظ له، ومسلم برقم (1623). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226).

أخرجه البخاري (¬1). - تنبيه من هو أعلم منه لأمر ينبغي تداركه: عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَعْتَمَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ العِشَاءَ، قال: حَتَّى رَقَدَ نَاسٌ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاةَ. متفق عليه (¬2). - ما يقوله في ختام المجلس: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالََ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ: سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (982). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (571) , ومسلم برقم (642)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (10420) , وأخرجه الترمذي برقم (3433)، وهذا لفظه.

2 - آداب طالب العلم

2 - آداب طالب العلم - الاهتمام بحضور حلق العلم والذكر: عَنْ أبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إذْ أقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأقْبَلَ اثْنَانِ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قال: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَّا أحَدُهُمَا: فَرَأى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأمَّا الثَّالِثُ: فَأدْبَرَ ذَاهِباً، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أمَّا أحَدُهُمْ فَأوَى إلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأمَّا الآخَرُ فَأعْرَضَ فَأعْرَضَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه (¬1). - الدنو من الإمام عند الصلاة والموعظة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)} [الحِجر: 24]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أولُو الأحْلامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (ثَلاثاً) وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأسْوَاقِ». أخرجه مسلم (¬2). - هيئة الجلوس في حلق العلم والذكر: 1 - عَنْ عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (66) , واللفظ له، ومسلم برقم (2176). (¬2) أخرجه مسلم برقم (432).

يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ، فَقَامَ عَبْدُاللهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أبِي؟ فَقَالَ: «أبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أكْثَرَ أنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نَبٍيّاً، فَسَكَتَ. متفق عليه (¬2). - التأدب بآداب المجلس المشروعة ومنها: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11]. 2 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُقِيمُ الرّجُلُ الرّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلََكِنْ تَفَسّحُوا وَتَوَسّعُوا». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ»، وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقّ بِهِ». أخرجه مسلم (¬4). 4 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذا أَتَيْنَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ أَحَدُنَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (50) , ومسلم برقم (8)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (93) , واللفظ له، ومسلم برقم (2359). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6270) , ومسلم برقم (2177)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2179).

حَيْث يَنْتَهِي. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 5 - وَعَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ بي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ اليُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي فَقَالَ: «أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ المَغْضُوب عَلَيْهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 6 - وَعَنْ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الاَخَرِ، حَتّىَ تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ». متفق عليه (¬3). - الحرص على تحصيل العلم: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ -ظَنَنْتُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ- أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قال لا إلَهَ إلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (¬4). - حضور القلب وحسن الاستماع: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)} [ق: 37]. 2 - وقال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4825) , وأخرجه الترمذي برقم (2725). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19683) , وأخرجه أبو داود برقم (4848). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6290) , ومسلم برقم (2184)، واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (6570).

الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18]. - الإنصات للعلماء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحُجُرات: 2]. 2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ». فَقَالَ: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق عليه (¬1). - غض الصوت: 1 - قال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} [الحُجُرات: 3]. - كتابة العلم: 1 - عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قُلْتُ لِعَلِيِّ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قال: لا، إلا كِتَابُ اللهِ، أوْ فَهْمٌ أعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قال: قُلْتُ فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قال: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأسِيرِ، وَلا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ أكْثَرَ حَدِيثاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (121) , واللفظ له، ومسلم برقم (65). (¬2) أخرجه البخاري برقم (111).

عَنْهُ مِنِّي، إلا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلا أكْتُبُ. أخرجه البخاري (¬1). - توقير العلماء والكبار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحُجُرات: 2]. 2 - وَعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ فَقَالََ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبيرَنَا». أخرجه الترمذي والبخاري في الأدب (¬2). - سؤال العالم إذا سمع منه شيئاً لم يفهمه: عَنْ ابْن أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لا تَسْمَعُ شَيْئاً لا تَعْرِفُهُ إلا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أوَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَتْ: فَقَالَ: «إنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ». متفق عليه (¬3). - تعلم اللغة الأجنبية عند الحاجة: عن زيد بن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ وَقَالَ: «إِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي»، فَتَعَلَّمْتُهُ، فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلاَّ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (113). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1919) , وهذا لفظه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (363). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (103) , واللفظ له، ومسلم برقم (2876).

نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ، وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - تعاهد المحفوظات من القرآن وغيره: 1 - عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: وِعَاءَيْنِ فَأمَّا أحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ. أخرجه البخاري (¬3). - الخروج في طلب العلم .. وتحمل المشقة في طلبه والاستكثار منه .. ولزوم التواضع في كل حال: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي تَمَارَيْتُ أنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى، الَّذِي سَألَ مُوسَى السَّبِيلَ إلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قال: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلأٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أحَداً أعْلَمَ مِنْكَ؟ قال مُوسَى: لا، فَأوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَألَ مُوسَى السَّبِيلَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإنَّكَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (21618)، وأخرجه أبو داود برقم (3645) وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5033) , واللفظ له، ومسلم برقم (791). (¬3) أخرجه البخاري برقم (120).

سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أرَأيْتَ إذْ أوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ؟ فَإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، وَمَا أنْسَانِيهِ إلا الشَّيْطَانُ أنْ أذْكُرَهُ قال: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً، فَوَجَدَا خَضِراً، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ». متفق عليه (¬1). - السؤال عن الأحكام، وتجنب الأغلوطات والمشتبهات: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} [المائدة: 101]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل: 43]. 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُوَيْمِراً العَجْلاَنِىَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ الأَنْصَارِىِّ فَقَالَ لَهُ يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِى يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَسَائِلَ وَعَابَهَا. متفق عليه (¬2). - مشاورة العلماء في أمور الدين والدنيا: 1 - عَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقال: «أحَيٌّ وَالِدَاكَ». قال: نَعَمْ، قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (74) , واللفظ له، ومسلم برقم (2380). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5308) , واللفظ له، ومسلم برقم (1492). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3004) , واللفظ له، ومسلم برقم (2549).

2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أرْضاً، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أصَبْتُ أرْضاً، لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ عُمَرُ: أنَّهُ لا يُبَاعُ أصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) , واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

الباب الرابع كتاب السيرة النبوية

الباب الرابع كتاب السيرة النبوية ويشتمل على ما يلي: 1 - فقه السيرة النبوية: وتشمل: 1 - حكمة إرسال الرسل إلى البشر. 2 - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخلق. 3 - فضل الإسلام على ما سواه. 4 - فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 5 - فقه أصول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 6 - فقه الوظائف الكبرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته. 7 - ثمرات القيام بهذه الواجبات الكبرى. 2 - أصول الواجبات في الإسلام: وتشمل: 1 - الإيمان بالله. 2 - تعلم العلم وتعليمه. 3 - عبادة الله عز وجل. 4 - التحلي بمكارم الأخلاق. 5 - الدعوة إلى الله. 6 - الجهاد في سبيل الله.

1 - فقه السيرة النبوية

1 - فقه السيرة النبوية 1 - حكمة إرسال الرسل إلى البشر بعث الله جميع الأنبياء والرسل لتحقيق ثلاثة مقاصد هي: الأول: التعريف بالله وأسمائه وصفاته. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف:54]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص:1 - 4]. الثاني: بيان الطريق الموصل إليه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة:2]. الثالث: بيان ما للناس بعد الموت. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء:13].

2 - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخلق

2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} [الحج:49 - 51]. 2 - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخلق 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (523). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2278).

3 - فضل الإسلام على ما سواه

3 - فضل الإسلام على ما سواه 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 3 - وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة:15 - 16]. 4 - فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 3 - وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة:15 - 16].

5 - فقه أصول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

5 - فقه أصول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - - قامت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ستة أصول هي: 1 - الإيمان بالله. 2 - تعليم شرع الله. 3 - عبادة الله. 4 - مكارم الأخلاق. 5 - الدعوة إلى الله. 6 - الجهاد في سبيل الله. فهذه أركان حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأركان حياة أصحابه من بعده، وهي أركان حياة كل مسلم من بعده، ووظيفة كل مسلم ومسلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف:108]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21].

6 - فقه الوظائف الكبرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته

6 - فقه الوظائف الكبرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمته الله تبارك وتعالى له ملك السماوات والأرض، خلق جميع الخلق لعبادته، وله الخلق والأمر في الكون كله. خلق الشمس وأمرها بالإنارة، وخلق الأرض وأمرها بالإنبات، وخلق اللسان وأمره بالكلام، وخلق الأذن وأمرها بالسمع، وخلق الإنسان وأمره بامتثال أوامر الله الشرعية. فأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمره بعبادته وطاعته، ليشترك مع جميع المخلوقات في عبادة الله وطاعته. ولكي يتحقق هذا في البشرية كلها أمرنا الله بستة أمور هي: 1 - أن نتعلم الإيمان، ونعلم الناس الإيمان. 2 - أن نتعلم شرع الله، ونعلم الناس شرع الله. 3 - أن نعبد الله وحده لا شريك له، وندعو الناس إلى عبادة الله وحده. 4 - أن نتحلى بمكارم الأخلاق، وندعو الناس إلى مكارم الأخلاق. 5 - أن ندعو إلى الله، ونرغب الناس في الدعوة إلى الله. 6 - أن نجاهد في سبيل الله، وندعو الناس للجهاد في سبيل الله. فالإيمان والعلم والعبادة هي أصول الدين الكبرى، وهذه الأمور الثلاثة العظام لا بد لها من إناء جميل توضع فيه، وهو حسن الأخلاق، لتزداد حسناً وجمالاً. وهذه الأمور الأربعة العظام هي أساس الدين وقاعدته، وأصول سعادة

البشرية في الدنيا والآخرة. وقد أمرنا الله عز وجل بحملها للبشرية، وإيصالها لكل إنسان بالدعوة إلى الله في جميع أقطار الأرض بالرفق واللين، والرحمة، والحكمة، والموعظة الحسنة. وإذا وقف أحد دون نشر هذه الحقوق والفضائل العظمى فلا بد من جهاده باللسان والسنان والنفس والمال، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله. وبالقيام بهذه الواجبات الكبرى يتحقق مراد الله من خلقه بعبادته وطاعته، ويسعد الناس في الدنيا والآخرة، ويُعبد الله في الأرض كما يُعبد في السماء. وقد حصل هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فرضي الله عنهم، ونصرهم، ومكن لهم في الأرض، فهم خير القرون. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 3 - وعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أقْوَامٌ: تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2652) , واللفظ له، ومسلم برقم (2533).

7 - ثمرات القيام بهذه الواجبات الكبرى

7 - ثمرات القيام بهذه الواجبات الكبرى كل من يقوم من المسلمين بهذه الواجبات الكبرى فإن الله يكرمه بكرامات عظيمة أهمها: 1 - السعادة في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64]. 2 - دخول الجنة يوم القيامة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)} [الحج:14]. 3 - القرب من الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} [الواقعة: 10 - 14]. 4 - سماع كلام الله عز وجل: قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس:55 - 58].

5 - رؤية الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة:22 - 23]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟». قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ!. قال: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ». متفق عليه (¬1). 6 - الخلود في الجنة: 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود:108]. 7 - رضوان الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ، رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (806) , ومسلم برقم (182)، واللفظ له.

فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى؟ يَا رَبِّ؟ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَداً». متفق عليه (¬1). - وهذه أعظم الواجبات التي شرف الله بها رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده، ليعرفها كل مسلم، ويبني حياته عليها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6549) , ومسلم برقم (2829)، واللفظ له.

2 - أصول الواجبات في الإسلام

2 - أصول الواجبات في الإسلام 1 - الإيمان بالله - فقه الإيمان: التوحيد والإيمان أساس الدين، فلا بد من تحصيله، وحفظه، وزيادته، والاستفادة منه، ونشره. 1 - قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. 2 - وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} [الأعراف:185]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)} [آل عمران:84]. 4 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس:104 - 106]. 5 - وَعَنْ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأنَا

بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإيمَاناً، فَأفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أطْبَقَهُ ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا». متفق عليه (¬1). 6 - وَعَنْ عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الاخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قال: فَأخْبِرْنِي عَنْ أمَارَتِهَا. قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وَأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العَالَةَ، رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ». قال ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثُمَّ قال لِي: «يَا عُمَرُ! أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». أخرجه مسلم (¬2). 7 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (349) , واللفظ له، ومسلم برقم (163). (¬2) أخرجه مسلم برقم (8).

الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ». متفق عليه (¬1). - فقه زيادة الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح:4]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 4 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء:82]. 5 - وقال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس:101]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16)، واللفظ له.

2 - تعلم العلم وتعليمه

2 - تعلم العلم وتعليمه - علم النبي - صلى الله عليه وسلم -: النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق بالله، وأعرفهم بما يجب له. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} [النساء:113]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه:114]. 4 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأنْبَتَتِ الكَلا وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه (¬1). 5 - وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (79) , واللفظ له، ومسلم برقم (2282).

فَخَطَبَ فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً». قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، قَالَ: غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. متفق عليه (¬1). - تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته: 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف:9]. 3 - وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)} [الطلاق:10 - 11]. 4 - وَعَنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْماً مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أُغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ كَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4621) , ومسلم برقم (2359)، واللفظ له.

وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُويرث رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتَيْنَا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً رَفِيقاً، فَلَمَّا ظَنَّ أنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أهْلَنَا، أوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَألَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأخْبَرْنَاهُ، قال: «ارْجِعُوا إلَى أهْلِيكُمْ، فَأقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ». وَذَكَرَ أشْيَاءَ أحْفَظُهَا، أوْ لا أحْفَظُهَا: «وَصَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أصَلِّي». أخرجه البخاري (¬2). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ، وَقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». ثَلاثاً، فَقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي؟ فَقال: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا». متفق عليه (¬3). 7 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (¬4). 8 - وَعَنْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1458) , ومسلم برقم (19)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (631). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (757) , واللفظ له، ومسلم برقم (397). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2022).

حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا». متفق عليه (¬1). - تعلم العلم وتعليمه واجب على كل مسلم ومسلمة: تعلم العلم الشرعي وتعليمه واجب على كل أحد كل بحسبه. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856) , ومسلم برقم (30)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (5027).

3 - عبادة الله عز وجل

3 - عبادة الله عز وجل - العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. - دوام عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} [المزَّمل:1 - 9]. 2 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ مِنَ الأيام شَيْئاً؟ قالتْ: لا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطِيقُ. متفق عليه (¬1). - صور من عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإنَاءٍ، فَأفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1987) , واللفظ له، ومسلم برقم (783). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226).

2 - صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ رَجُلا سَألَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ لَهُ: «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ». (يَعْنِي اليَوْمَيْنِ) فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بِلالاً فَأذَّنَ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ العَصْرَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، فَلَمَّا أنْ كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أمَرَهُ فَأبْرَدَ بِالظُّهْرِ، فَأبْرَدَ بِهَا، فَأنْعَمَ أنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، أخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى العِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الفَجْرَ فَأسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قال: «أيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟». فَقَالَ الرَّجُلُ: أنَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأيْتُمْ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ وَالجُمُعَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ. متفق عليه (¬2). 3 - تهجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء:79]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937) , ومسلم برقم (729)، واللفظ له.

قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً». متفق عليه (¬1). 4 - تصدق النبي - صلى الله عليه وسلم -: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬2). 5 - صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يَصُومُ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّياً إِلا رَأيْتَهُ، وَلا نَائِماً إِلا رَأيْتَهُ. أخرجه البخاري (¬4). 6 - حج النبي - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، وَأهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، فَأمَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، أوْ جَمَعَ الحَجَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4837) , واللفظ له، ومسلم برقم (2820). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1971) , واللفظ له، ومسلم برقم (1157). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1972).

وَالعُمْرَةَ، لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. متفق عليه (¬1). 7 - ذِكْر النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} [الأعراف:205]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (¬3). - فقه عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -: النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل الخلق عبادة لله عز وجل، وكانت حياته - صلى الله عليه وسلم - كلها عبادة لربه. وقد امتن الله عز وجل على هذه الأمة: بأحسن الكتب .. وأحسن العلوم .. وأحسن العبادات .. وأحسن المعاملات .. وأحسن الأخلاق .. وقد بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته عملياً، فكان خلقه القرآن. يتأدب بآدابه .. ويعمل بمحكمه .. ويحل حلاله .. ويحرم حرامه. وعبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه من أحسن العبادات، وقد نوَّعها الله له ولأمته؛ لِتُقبل النفوس، وتنشط الأجساد، وتدوم الطاعة. فمنها ما هو مشروع في أوقات خاصة. كصلوات الفريضة، وصوم رمضان، والحج ونحو ذلك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1562) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬2) أخرجه مسلم برقم (373). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2702).

ومنها ما هو مشروع على الدوام في كل وقت كالأذكار، والأدعية. ومنها ما هو واجب في اليوم مرة كالصلوات الخمس. ومنها ما هو واجب في الأسبوع مرة كصلاة الجمعة. ومنها ما هو واجب في السنة مرة كصوم رمضان. ومنها ما هو واجب في العمر مرة كالحج. ومنها ما هو واجب كأركان الإسلام، وأركان الإيمان، وأركان الأخلاق. ومنها ما هو مسنون كنوافل العبادات كالصلاة والصوم والصدقة والحج. ومنها ما هو بين العبد وربه كالعبادات الكبار، والأدعية والأذكار. ومنها ما هو بين العبد وغيره كالمعاملات من بيع وشراء، وقرض وإجارة، ووقف ووصية، وصلح وهدية ونحو ذلك. ومنها ما يتعلق بالآداب العامة والخاصة .. والأخلاق الحسنة. فحياته - صلى الله عليه وسلم - كلها عبادة، وكلها تعبد لله بما أرسله الله به، وكلها استقامة على أوامر الله في كل حين، وكلها طاعة للهِ عز وجل. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام:162 - 163].

4 - التحلي بمكارم الأخلاق

4 - التحلي بمكارم الأخلاق - فقه الأخلاق الحسنة: النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً. وكان خلقه القرآن، يتأدب بآدابه، ويحل حلاله، ويحرم حرامه. اصطفاه الله على البشر، وأرسله بالحق رحمة للعالمين إلى يوم الدين: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة:4]. فمن أراد أحسن الأخلاق وأجملها فليأخذها من مشكاته، ويقتدي به في سيرته وسريرته، ومعاشرته وأخلاقه، وعبادته ومعاملاته، ودعوته وتعليمه، وفي سائر أحواله. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. وقد ذكرنا أهم الأخلاق والشمائل التي تخلق بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعا الناس إليها، وعاملهم بها، ورغبهم في التخلق بها، لتكون قدوة لكل إنسان على وجه الأرض. يعبد بها ربه .. ويتجمل بها بين خلقه .. ويتألف بها قلوب العباد .. ويسوق بها الكافر إلى الإسلام .. ويجر بها العدو إلى المحبة .. ويجذب بها الخلق إلى الحق .. ويدفع بها السفيه إلى الحلم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فُصِّلَت:34 - 35].

- فقه الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -: يجب على كل مسلم أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما جاء به من عند الله من الأقوال والأفعال، والأخلاق والآداب، والتوحيد والإيمان، والسنن والأحكام. فنقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء إلا ما خصه الله به كالنبوة، والوحي إليه، ونكاح أكثر من أربع زوجات، وحرمة نكاح نسائه من بعده، وحرمة الأكل من الصدقة، وعدم إرثه، ووصال الصيام، ونحو ذلك مما هو معلوم، فذلك خاص به، لا يشاركه فيه غيره، ولا يقتدى به فيه. 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب:21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر:7]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». متفق عليه (¬1). - حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3493) , ومسلم برقم (2638)، واللفظ له.

مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قال لِي: أفٍّ، وَلا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلا: ألا صَنَعْتَ. متفق عليه (¬2). - كرم النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ جَابِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لا. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنْ أنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ! أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّداً يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الفَاقَةَ. أخرجه مسلم (¬5). - حياؤه - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. متفق عليه (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6038) , واللفظ له، ومسلم برقم (2309). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6034) , واللفظ له، ومسلم برقم (2311). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2312). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6102) , واللفظ له، ومسلم برقم (2320).

- تواضعه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُطْرُونِي كَمَا أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلاَنٍ! انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ». فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ، أوْ كُرَاعٍ، لأَجَبْتُ، وَلَوْ أهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ». أخرجه البخاري (¬3). - استقامته - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام:161 - 163]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} [الشورى:15]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3445). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2326). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2568).

- شجاعته - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعاً، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ البَرَاء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنّا وَالله إِذَا احْمَرّ البأْسُ نَتّقِيِ بِهِ، وَإِنّ الشّجَاعَ مِنّا لَلّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ سِنَانِ بْنِ أبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أخْبَرَهُ أنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ نَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لا يَشْعُرُ بِهِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي، فَقال: مَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: اللهُ، فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ». ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ. متفق عليه (¬3). - رفقه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعْرابِيّاً بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2908)، ومسلم برقم (2307)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4317)، ومسلم برقم (1776)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2913) , واللفظ له، ومسلم برقم (843).

ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعُوهُ، وَأهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، أوْ سَجْلا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». متفق عليه (¬3). - عفوه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} [المائدة:13]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أمْرَيْنِ إِلا أخَذَ أيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً، فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ إِلا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ للهِ بِهَا. متفق عليه (¬4). - رحمته - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء:107]. 2 - وَعَنْ أبي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أبِي العَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6128) , واللفظ له، ومسلم برقم (284). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6125)، ومسلم برقم (1734). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6927) , ومسلم برقم (2593)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3560) , واللفظ له، ومسلم برقم (2327). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5996) , واللفظ له، ومسلم برقم (543).

3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً، فَقَالَ الأقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: «مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرّ بِالرّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرّ! لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلّةً، فَقَالَ: إنّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمّهُ أَعْجَمِيّةً، فَعَيّرْتُهُ بِأُمّهِ، فَشَكَانِي إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرّ! إنّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيّةٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَنْ سَبّ الرّجَالَ سَبّوا أَبَاهُ وَأُمّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تُكَلّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». متفق عليه (¬3). 6 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5997) , واللفظ له، ومسلم برقم (2318). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (703) , واللفظ له، ومسلم برقم (467). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30)، ومسلم برقم (1661)، واللفظ له.

«الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - ضحكه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى أرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أسْلَمْتُ، وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. متفق عليه (¬3). - بكاؤه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَأْ عَلَيَّ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ». فَالتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (¬5). 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ. أخرجه البخاري (¬6). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1356). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6092) , واللفظ له، ومسلم برقم (899). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6089) , واللفظ له، ومسلم برقم (2475). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5050) , واللفظ له، ومسلم برقم (800). (¬5) أخرجه مسلم برقم (976). (¬6) أخرجه البخاري برقم (1342).

4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ البُكَاءِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته: 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة:128]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الجَنَادِبُ وَالفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي». أخرجه مسلم (¬2). - انبساطه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف:199]. 2 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُخَالِطُنَا، حَتَّى يَقُولَ لأخٍ لِي صَغِيرٍ: «يَا أبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ ألْعَبُ بِالبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (904) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (1214). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2285). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6129) , واللفظ له، ومسلم برقم (2150). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6130) , واللفظ له، ومسلم برقم (2440).

- عدله - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقالوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقالوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قال: «إِنَّمَا أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زُمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). - غضبه - صلى الله عليه وسلم - لأمر الله: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: أتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي لأتَأخَّرُ عَنْ صَلاةِ الغَدَاةِ، مِنْ أجْلِ فُلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، قال: فَمَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3475) , واللفظ له، ومسلم برقم (1688). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2688) واللفظ له، ومسلم برقم (1463). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6109) , واللفظ له، ومسلم برقم (2107).

قَطُّ أشَدَّ غَضَباً فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، قال: فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ». متفق عليه (¬1). - حلمه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلا أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ فَأغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقالا». ثُمَّ قال: «أعْطُوهُ سِنّاً مِثْلَ سِنِّهِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِلا أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقال: «أعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أحْسَنَكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قال: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا زَوْجَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَدّثَتْهُ أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ الله! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6110) , واللفظ له، ومسلم برقم (466). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2306) , واللفظ له، ومسلم برقم (1601). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3149) , واللفظ له، ومسلم برقم (1057).

عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلاّ بِقَرْنِ الثّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنّ الله عَزّ وَجَلّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلّمَ عَلَيّ. ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ! إنّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدالله وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). - صبره - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم:60]. 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأرَتِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231) , ومسلم برقم (1795)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5667) , ومسلم برقم (2571)، واللفظ له.

مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: ألا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، ألا تَدْعُو لَنَا؟ فقال: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إِلا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». أخرجه البخاري (¬1). - زهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [طه:131]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتاً». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ. قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ، فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنْ الأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ. متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6943). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6460) , واللفظ له، ومسلم برقم (1055). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2567) , ومسلم برقم (2972)، واللفظ له.

طَعَامِ بُرٍّ، ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعاً، حَتَّى قُبِضَ. متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَلا عَبْداً وَلا أمَةً، إِلا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاحَهُ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لإبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. أخرجه البخاري (¬2). - حمده - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء:111]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)} [الفرقان:58]. 3 - وَعَنِ المُغِيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ، حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ، أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ الفِرَاشِ، فَالتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ. وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ! أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5416) , ومسلم برقم (2970)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (4461). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1130) , واللفظ له، ومسلم برقم (2819). (¬4) أخرجه مسلم برقم (486).

شمايل النبي - صلى الله عليه وسلم -

شمايل النبي - صلى الله عليه وسلم - - «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً، وَأحْسَنَهُ خَلْقاً، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلا بِالقَصِيرِ». متفق عليه (¬1). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً». أخرجه البخاري (¬2). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاةِ، وَإذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أبْرَدَ بِالصَّلاةِ». أخرجه البخاري (¬3). - وَ «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ». متفق عليه (¬4). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ». أخرجه مسلم (¬5). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَبْدَأ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بِالسِّوَاكِ». أخرجه مسلم (¬6). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ». متفق عليه (¬7). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيراً مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ». أخرجه مسلم (¬8). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3549) , واللفظ له، ومسلم برقم (2337). (¬2) أخرجه البخاري برقم (95). (¬3) أخرجه البخاري برقم (906). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5016) , ومسلم برقم (2192)، واللفظ له. (¬5) أخرجه مسلم برقم (867). (¬6) أخرجه مسلم برقم (253). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3556) , ومسلم برقم (2769)، واللفظ له. (¬8) أخرجه مسلم برقم (2531).

- وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَألَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ». أخرجه مسلم (¬1). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، نَفَثَ عَلَيْهِ بِالمُعَوّذَاتِ». أخرجه مسلم (¬2). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ». متفق عليه (¬3). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ». أخرجه مسلم (¬4). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإذَا أرَادَ الفَرِيضَةَ، نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ». أخرجه البخاري (¬5). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ». متفق عليه (¬6). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَطْرُقُ أهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً». متفق عليه (¬7). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ، وَهُنَّ حُيَّضٌ». متفق عليه (¬8). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ العَسَلَ وَالحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ». متفق عليه (¬9). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2192). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬4) أخرجه مسلم برقم (373). (¬5) أخرجه البخاري برقم (400). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) , واللفظ له، ومسلم برقم (1106). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1800) , واللفظ له، ومسلم برقم (1928). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (303) , ومسلم برقم (294)، واللفظ له. (¬9) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5268) , واللفظ له، ومسلم برقم (1474).

- وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً سَهْلاً». أخرجه مسلم (¬1). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَاراً، فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأ بِالمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ». متفق عليه (¬2). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُوجِزُ فِي الصَّلاةِ وَيُتِمُّ». أخرجه مسلم (¬3). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ». أخرجه مسلم (¬4). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - مَرْبُوعاً، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أذُنيه». متفق عليه (¬5). - وَ «كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجِلا، لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلا الجَعْدِ، بَيْنَ أذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ». متفق عليه (¬6). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ أوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِ آخِرَهُ». متفق عليه (¬7). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً رَقِيقاً». أخرجه مسلم (¬8). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ». أخرجه البخاري (¬9). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1213). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3088) , ومسلم برقم (716)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (469). (¬4) أخرجه مسلم برقم (670). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3551) , واللفظ له، ومسلم برقم (2338). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5905) , واللفظ له، ومسلم برقم (2338). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1146) , ومسلم برقم (739)، واللفظ له. (¬8) أخرجه مسلم برقم (1641). (¬9) أخرجه البخاري برقم (5363).

- وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا». أخرجه مسلم (¬1). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيماً رَفِيقاً». أخرجه البخاري (¬2). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَرِهَ شَيْئاً عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ». متفق عليه (¬3). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْكُلُ شَيْئاً حَتَّى يَعْلَمَ مَا هُوَ». متفق عليه (¬4). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُسْأَلُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ». أخرجه الحاكم (¬5). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ فِي المَسِيرِ فَيُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُمْ». أخرجه أبو داود (¬6). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اكْتَحَلَ اكْتَحَلَ وِتْراً». أخرجه أحمد (¬7). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - تُعْجِبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬8). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَعَا لِأَحَدٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬9). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَبِيتُ اللَّيَالِي المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً، قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬10). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2032). (¬2) أخرجه البخاري برقم (631). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6102) , ومسلم برقم (2320)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5391) , ومسلم برقم (1946)، واللفظ له. (¬5) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (2591). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2639). (¬7) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17562). (¬8) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (26364) , وأخرجه أبو داود برقم (4074). (¬9) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (21126) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (3984). (¬10) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2303) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2360).

- وَ «كَانَ أَحَبُّ الثِّيَاب إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - القَمِيصَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَرَادَ الحَاجَةَ أَبْعَدَ». أخرجه أحمد والنسائي (¬2). - وَ «كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بالوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). - وَ «كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمُ فِضَّةٍ يَتَخَتَّمُ بهِ فِي يَمِينِهِ». أخرجه النسائي (¬4). - وَ «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بالمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بالصَّاعِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬5). - وَ «كَانَ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَمَلَ الصَّالِحَ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ العَبْدُ وَإِنْ كَانَ يَسِيراً». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬6). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4025) , وأخرجه الترمذي برقم (1762). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15746) , وأخرجه النسائي برقم (16). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4210) , وأخرجه النسائي برقم (5244). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (5197). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (92) , وأخرجه النسائي برقم (347)، وهذا لفظه. (¬6) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (26726) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1225).

5 - الدعوة إلى الله

5 - الدعوة إلى الله - فقه حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -: تنقسم حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاثة أقسام: الأول: القيام بفرائض الحياة: وهي أركان الدين وواجباته الظاهرة والباطنة. قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف:158]. الثاني: طريقة الحياة الإسلامية: وهي التأدب بالآداب الإسلامية في كل حال، والتحلي بالأخلاق الحسنة، واجتناب الكبائر والمحرمات والخبائث. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر:7]. الثالث: مقصد الحياة: وهو عبادة الله، والقيام بالدعوة إلى الله، وتعليم شرع الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح لعباد الله. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا

تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)} [الأحزاب:45 - 48]. - الدعوة إلى الله وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب:45 - 46]. 2 - وقال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1]. 3 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل:125]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 5 - وقال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)} [الأنعام:19]. 6 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف:108]. - الدعوة إلى الله وظيفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ

الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} [آل عمران:110]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران:104]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف:108]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فُصِّلَت:33]. 5 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. 6 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). 7 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ فِي حجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ: « ... إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (¬2). - ميادين الدعوة إلى الله: 1 - البدء بدعوة الأهل والعشيرة، كما قال سبحانه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء:214]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3461). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

2 - دعوة قومه، كما قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} [السجدة:3]. 3 - دعوة أهل بلده ومن حولهم، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} [الشورى:7]. 4 - دعوة الناس عامة، كما قال سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم:52]. 5 - دعوة العالمين كافة، كما قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1].

6 - الجهاد في سبيل الله

6 - الجهاد في سبيل الله - أقسام الجهاد في سبيل الله: ينقسم الجهاد في سبيل الله إلى قسمين: الأول: جهاد باللسان: وهو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله ونشرها بالدعوة إلى الله، وتعليم شرعه، وهذا القسم أعظم وأفضل أقسام الجهاد في سبيل الله، وهو جهاد جميع الأنبياء والرسل وأتباعهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان:51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج:78]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت:69]. الثاني: جهاد بالسيف: وهو القتال في سبيل الله ببذل النفس والمال لإعلاء كلمة الله، وصد عدوان المعتدين، وهو المقصود هنا.

وهذا الجهاد ثلاثة أقسام: 1 - جهاد طلب لمن وقف ضد الإسلام، أو مَنَع الناس من الدخول فيه، أو مَنَع الدعوة إليه ونحو ذلك. فهؤلاء يقاتلون لكف شرهم عن الخلق. قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} [البقرة:193]. 2 - جهاد ضد الكفار والمشركين من أهل الكتاب وغيرهم. وهؤلاء يُدعون إلى الإسلام، فإن أبوا طلبنا منهم دفع الجزية، فإن أبوا قاتلناهم. 1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة:29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة:73]. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 4 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2504) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (3096).

عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيِْ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - جهاد دفع للعدو الذي هجم على بلاد المسلمين، واستباح ديارهم وأموالهم وأعراضهم ونحو ذلك. فهذا الجهاد يجب على كل قادر من الأمة فوراً. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة:190]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)} [البقرة:191 - 192]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة:36]. - فقه فرض الجهاد في سبيل الله: الله تبارك وتعالى له ملك الدنيا والآخرة، وكل ما في الكون عابد لربه، مطيع له. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1730).

وقد أكرم الله بني آدم، واصطفاهم على الخلق، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، وأنزل عليهم الدين الحق، ليأكلوا من رزقه، ويتفرغوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فبعث إليهم الرسل رحمة منه. فمن أطاع الرسل فهو مسلم محبوب للرب. ومن عصاهم فهو كافر بالله ورسله، عَارَض أمر الله، ورد النعمة التي أكرمه الله بها، وأرسل بها رسله. فهؤلاء من أبى الإسلام منهم، وكف شره عن المسلمين، فهذا نبرّه ونحسن إليه لعله يسلم، ونأخذ منه الجزية مقابل حمايته. ومن أبى الإسلام منهم، وآذى المسلمين وظلمهم، وأساء إليهم بالقول أو الفعل، فهذا نقاتله لكف شره، ورد عدوانه، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، وتُحكم البلاد والعباد بالإسلام، وإن رغبوا في السلم سالمناهم. 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة:8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة:190]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} [البقرة:193]. 4 - وقال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)} [التوبة:14 - 15].

5 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} [الأنفال:61 - 62]. - فضل الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف:10 - 13]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف:4]. 4 - وقال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} [النساء:74]. 5 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران:169 - 171].

الباب الخامس كتاب الفضائل

الباب الخامس كتاب الفضائل ويشتمل على ما يلي: فقه فضائل الأعمال. 1 - فضائل التوحيد. 2 - فضائل الإيمان. 3 - فضائل العلم. 4 - فضائل الدعوة إلى الله. 5 - فضائل الجهاد في سبيل الله. 6 - فضائل العبادات، وتشمل: 1 - فضائل الطهارة. 2 - فضائل الأذان. 3 - فضائل الصلاة. 4 - فضائل الزكاة. 5 - فضائل الصيام. 6 - فضائل الحج والعمرة. 7 - فضائل الذكر. 8 - فضائل الدعاء. 7 - فضائل المعاملات. 8 - فضائل المعاشرات. 9 - فضائل الأخلاق. 10 - فضائل القرآن الكريم. 11 - فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -. 12 - فضائل الأنبياء والرسل. 13 - فضائل الصحابة.

فقه فضائل الأعمال

فقه فضائل الأعمال خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وركبه من جسد وروح. ولما تحمل الإنسان الأمانة ابتلاه الله بالشهوات والأوامر، وبالنعم والمصائب، وما تحبه النفس وما تكرهه. وأمره سبحانه في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح، ووعده على ذلك السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. ولما كانت الأعمال الصالحة متنوعة وكثيرة، والمطلوب مداومة العبد عليها حتى يلقى ربه. ولما كان الإنسان ضعيفاً، ناقص العلم، احتاج إلى من يشد أزره، ويرفع همته، وينشِّط قلبه، ويحرك جوارحه ليأنس وينهض بطاعة ربه. لذا: فمن رحمة الرب الكريم بالعباد أن أعطاهم الأجر والثواب الجزيل على العمل القليل، ورغبهم في العمل الصالح مقروناً بذكر ثوابه، ليتم القيام به، والحرص عليه، والإكثار منه، والتنافس فيه، والتلذذ به، والانشراح لأدائه، والطمأنينة بفعله، والمواظبة عليه. وقد أوردت في هذا الكتاب الآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة الواردة في فضائل الأعمال الصالحة، التي تقرِّب العبد إلى الله، وترغب في العمل الصالح. فَذِكر كل عمل مع بيان فضيلته، يولِّد في النفس الرغبة والشوق للعمل، ويبعث النشاط في القلب والبدن، ويطرد العجز والكسل، ويحرك الجوارح بالطاعة والعبادة، ويُنطِق اللسان بالذكر والشكر، ويجمِّل القلوب والأبدان بالإيمان، والأخلاق، والأعمال الصالحة.

1 - فضائل التوحيد

1 - فضائل التوحيد · فضل كلمة التوحيد: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام:82]. 2 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 3 - وَعَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3435) , واللفظ له، ومسلم برقم (28). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6403)، ومسلم برقم (2691)، واللفظ له.

الرَّحْلِ، قال: «يَا مُعَاذُ!» قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «يَا مُعَاذُ!». قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «يَا مُعَاذُ!». قال: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ» قال: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلا أخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قال: «إِذاً يَتَّكِلُوا». فَأخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ، تَأثُّماً. متفق عليه (¬1). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقال: «لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (¬2). 7 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬3). · فضل الإخلاص: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ، كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أوِ امْرَأةٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (128) , ومسلم برقم (32)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6570). (¬3) أخرجه مسلم برقم (26).

يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». أخرجه مسلم (¬2). · فضل طاعة الله ورسوله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)} [الفتح:17]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء:13]. 3 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَد أَبَى» متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6689) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2564). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7280) واللفظ له، ومسلم برقم (1835).

2 - فضائل الإيمان

2 - فضائل الإيمان - فضل الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة:257]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة:72]. 3 - وقال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)} [التغابن:11]. - فضل الإيمان بالله ورسله: 1 - قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد:21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)} [النساء:152]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ

الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف:10 - 13]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬1). - فضل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر: 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136]. 3 - وقال الله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)} [آل عمران:113 - 114]. 4 - وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) , واللفظ له، ومسلم برقم (83).

5 - وَعَنْ عُمَر بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» قال: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ صَدَقْتَ. أخرجه مسلم (¬1). - فضل الإيمان والعمل الصالح: 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)} [البقرة:82]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} [الكهف:107 - 108]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء:124]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (8).

5 - وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل:97]. - فضل الإيمان بالغيب: 1 - قال الله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة:1 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)} [المُلك:12]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق:31 - 35]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)} [يس:11]. 5 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)} [الأنبياء:48 - 49].

3 - فضائل العلم

3 - فضائل العلم - فضل العلم: 1 - قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران:18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه:114]. 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل طلب العلم: 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المُعْطِي وَأنَا القَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5027). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2699).

مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». متفق عليه (¬1). - فضل من دعا إلى الخير والهدى: 1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل العلماء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر:28]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3116) , واللفظ له، ومسلم برقم (1037). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2674). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1893).

3 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)} [العنكبوت:48 - 49]. 5 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه (¬1). - فضل العلم الإلهي: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} [الإسراء:9 - 10]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس:57 - 58]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1409) , ومسلم برقم (816).

النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة:15 - 16]. 4 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)} [الجاثية:20]. 5 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (79) , ومسلم برقم (2282)، واللفظ له.

4 - فضائل الدعوة إلى الله

4 - فضائل الدعوة إلى الله - فضل الدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فُصِّلَت:33]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران:104]. 3 - وَعَنْ سَهْل بْن سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ: « ... انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ، حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ! لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». متفق عليه (¬1). 4 - وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1 - قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} [آل عمران:110]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2924)، ومسلم برقم (2406)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2674).

2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 3 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل النصيحة: 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة:91]. 2 - وقال الله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} [الأعراف:68]. 3 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل نشر السنن: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قال: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (49). (¬2) أخرجه مسلم برقم (55).

مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَا رَأى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأمَرَ بِلالاً فَأذَّنَ وَأقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. وَالآيَةَ الَّتِي فِي الحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ}. تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ (حَتَّى قال) وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قال: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّلُ، كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل المجاهدة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت:69]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان:51 - 52]. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1017). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2504) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (3096).

5 - فضائل الجهاد في سبيل الله

5 - فضائل الجهاد في سبيل الله - فضل الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة:111]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء:95 - 96]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. 5 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [الصف:10 - 13].

6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأَعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إيمَانٌ بِاللهِ». قال: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قال: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬1). 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ الله عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُوهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ الله، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَىَ» متفق عليه (¬2). - فضل الهجرة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء:100]. 3 - وَعن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ، كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) , ومسلم برقم (83)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2785) , ومسلم برقم (1878)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6689) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

- فضل الهجرة والجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} [التوبة:20 - 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. - فضل الرباط في سبيل الله: 1 - عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَىَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتّانَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابطاً فِي سَبيلِ اللهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1913). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2892) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2500) , وأخرجه الترمذي برقم (1621)، وهذا لفظه.

- فضل الشهادة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران:169 - 171]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} [النساء:74]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} [محمد:4 - 6]. 4 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَدِدْتُ أنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحيَا». متفق عليه (¬2). - فضل من جهز غازياً في سبيل الله: عَنْ زَيْد بْن خَالِدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2817) , واللفظ له، ومسلم برقم (1877). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7227) , واللفظ له، ومسلم برقم (1876).

سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». متفق عليه (¬1). - فضل النفقة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)} [التوبة:88 - 89]. 3 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا، يَوْمَ القِيَامَةِ، سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ فِي الجَنَّةِ: يَا عَبْدَاللهِ! هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاةِ، دُعِيَ مِنْ باب الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ، دُعِيَ مِنْ باب الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ باب الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ باب الرَّيَّانِ». قال أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عَلَى أحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2843) , واللفظ له، ومسلم برقم (1895). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1892). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1897) , ومسلم برقم (1027)، واللفظ له.

- فضل بذل النفس والمال في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة:120 - 121]. 2 - وَعَنْ أبي عَبْسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل من أراد الجهاد فحبسه عذر: عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقال: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الغدوة والروحة في سبيل الله: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي أَيّوبَ رَضيَِ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ وَغَرَبَتْ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (907). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2839). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2792) , واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1883).

- فضل الصوم في سبيل الله: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (¬1). - فضل من يُجرح في سبيل الله: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يُكْلَمُ أحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ». تفق عليه (¬2). - فضل من احتبس فرساً في سبيل الله: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ، إِيمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬3). - علو درجات المجاهدين في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء:95 - 96]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2803) , واللفظ له، ومسلم برقم (1876). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2853).

فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ- وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلانِي دَاراً هِيَ أحْسَنُ وَأفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل من قَتل كافراً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النّارِ أَبَداً». أخرجه مسلم (¬3). - فضل منازل الشهداء: عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدالله (هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عَنْ هَذِه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قَالَ: أَمَا إِنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمّ تَأْوِي إلَىَ تِلْكَ القَنَادِيلِ، فَاطّلَعَ إلَيْهِمْ رَبّهُمُ اطّلاَعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا أَنّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتّىَ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرّةً أُخْرَىَ، فَلَمّا رَأَىَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2790). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2791). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1891).

أخرجه مسلم (¬1). - فضل الحراسة في سبيل الله: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الخدمة في سبيل الله: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ البَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ تَفْعَلْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً، آلَيْتُ أَنْ لاَ أَصْحَبَ أَحَداً مِنْهُمْ إِلاَّ خَدَمْتُهُ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قال: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأجْرِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1887). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2887). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2888) , ومسلم برقم (2513)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2890) , ومسلم برقم (1119)، واللفظ له.

6 - فضائل العبادات

6 - فضائل العبادات 1 - فضائل الطهارة - فضل الطهارة: 1 - قال الله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة:108]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة:6]. 3 - وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. - فضل الوضوء: 1 - عَنْ أبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ «أوْ تَمْلأُ» مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ،

وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أوْ مُوبِقُهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ (أوِ المُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاءِ (أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ (أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ المَاءِ (أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضيَِ اللهُ عَنهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أظْفَارِهِ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ أمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». متفق عليه (¬4). - فضل التيمن في الوضوء: عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (223). (¬2) أخرجه مسلم برقم (244). (¬3) أخرجه مسلم برقم (245). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (136) , واللفظ له، ومسلم برقم (246). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268).

- فضل إسباغ الوضوء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الذكر بعد الوضوء: عَنْ عُمَر رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الصلاة بعد الوضوء: 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإنَاءٍ، فَأفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (251). (¬2) أخرجه مسلم برقم (234). (¬3) أخرجه مسلم برقم (234).

بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَتَوَضَّأ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ، فَيُصَلِّي صَلاةً، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ الَّتِي تَلِيهَا». متفق عليه (¬2). - فضل السواك: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (160) , ومسلم برقم (227)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (887) , واللفظ له، ومسلم برقم (252).

2 - فضائل الأذان

2 - فضائل الأذان - فضل الأذان: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أنَّ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال لَهُ: إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أوْ بَادِيَتِكَ، فَأذَّنْتَ بِالصَّلاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ: «لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلا إنْسٌ وَلا شَيْءٌ، إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». قال أبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الاَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «المُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْنَاقاً يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل متابعة الأذان: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (609). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437). (¬3) أخرجه مسلم برقم (387).

الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال: «مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل الدعاء بين الأذان والإقامة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذانِ وَالإقَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384). (¬2) أخرجه البخاري برقم (614). (¬3) أخرجه مسلم برقم (386). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (521) , وأخرجه الترمذي برقم (212)، وهذا لفظه.

3 - فضائل الصلاة

3 - فضائل الصلاة - فضل الصلاة: 1 - قال الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)} [العنكبوت:45]. 2 - وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون:1 - 2]. 3 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بُنِىَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ» متفق عليه (¬1). - فضل الصلوات الخمس: 1 - قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود:114]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرًا بِبَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟». قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قال: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , ومسلم برقم (16) (22) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (528) , ومسلم برقم (667) واللفظ له.

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل أداء الصلاة على وقتها: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلَى اللهِ؟ قال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قال: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. متفق عليه (¬2). - فضل المشي إلى الصلاة في المسجد: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْساً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإنَّ أحَدَكُمْ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ، وَأتَى المَسْجِدَ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي- عَلَيْهِ المَلائِكَةُ، مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». متفق عليه (¬3). - فضل صلاة الجماعة: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (233). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) , واللفظ له، ومسلم برقم (85). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (477) , واللفظ له، ومسلم برقم (649).

صَلاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (¬1). - فضل من غدا إلى المسجد وراح: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفق عليه (¬2). - فضل إتيان الصلاة بسكينة ووقار: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلَّوْا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا، فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ».متفق عليه (¬3). - فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». أخرجه مسلم (¬4). - فضل صلاة الفجر والعصر: 1 - عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) , واللفظ له، ومسلم برقم (650). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) , واللفظ له، ومسلم برقم (669). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (636) , ومسلم برقم (602)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (251). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (574) , ومسلم برقم (635).

2 - وعَنْ أَبِي بَصْرَةَ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ بِالمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَيْنِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل صلاة العشاء والفجر: عَنْ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الصف الأول وتسوية الصفوف: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا لِي أرَاكُمْ رَافِعِي أيْدِيكُمْ كَأنَّهَا أذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حِلَقاً، فَقَالَ: «مَالِي أرَاكُمْ عِزِينَ؟». قال ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «ألا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قال: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (830). (¬2) أخرجه مسلم برقم (656). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437). (¬4) أخرجه مسلم برقم (430).

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا». أخرجه مسلم (¬1). - فضل يوم الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل من اغتسل واستمع الخطبة وصلى الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل آخر ساعة من يوم الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ أبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ فِي الجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْألُ اللهَ خَيْراً، إِلا أعْطَاهُ إِيَّاهُ». وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا، يُزَهِّدُهَا. متفق عليه (¬4). - فضل قيام الليل: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (440). (¬2) أخرجه مسلم برقم (854). (¬3) أخرجه مسلم برقم (857). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5294) , ومسلم برقم (852).

مَحْمُودًا (79)} [الإسراء:79]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة:15 - 17]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الصلاة والدعاء آخر الليل: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ الصَّلاةِ أفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأيُّ الصِّيَامِ أفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «أفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ عَمْرو بْن عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ مِنَ الأُخْرَى أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ أَقْرَبَ مَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1163). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1163).

يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ العَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ سَاعَةُ صَلاَةِ الكُفَّارِ فَدَعِ الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ وَيَذهَبَ شُعَاعُهَا، ثمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَعْتَدِلَ الشَّمْسُ اعْتِدَالَ الرُّمْحِ بنِصْفِ النَّهَارِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَتُسْجَرُ، فَدَعِ الصَّلاَةَ حَتَّى يَفِيءَ الفَيْءُ ثمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). - فضل الدعاء بالليل: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْألُ اللهَ خَيْراً مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلا أعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل قيام رمضان: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬3). - فضل قيام ليلة القدر: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3579) , وأخرجه النسائي برقم (1572)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (757). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2009) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901) , ومسلم برقم (960).

- فضل الوتر آخر الليل: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَافَ أنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أفْضَلُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل السنن الراتبة: 1 - عَنْ أُمَّ حَبِيبَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ. متفق عليه (¬3). 3 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ. متفق عليه (¬4). - فضل صلاة الضحى: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (755). (¬2) أخرجه مسلم برقم (728). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1165) , واللفظ له، ومسلم برقم (729). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1182) , واللفظ له، ومسلم برقم (730). (¬5) أخرجه مسلم برقم (720).

- أفضل وقت صلاة الضحى: عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أنَّ زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَأى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أمَا لَقَدْ عَلِمُوا أنَّ الصَّلاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «صَلاةُ الأوَّأَبِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل كثرة السجود: 1 - عَنْ رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَةَ اليَعْمُرِيّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: أخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الجَنَّةَ، أوْ قال قُلْتُ: بِأحَبِّ الأعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَألْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَألْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬3). - فضل صلاة النوافل في البيوت: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... عَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلا الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (748). (¬2) أخرجه مسلم برقم (489). (¬3) أخرجه مسلم برقم (488). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731) , ومسلم برقم (781)، واللفظ له.

- فضل صلاة السنن الرواتب في البيوت: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أرْبَعاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، فِيهِنَّ الوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِماً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأ قَاعِداً، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أخرجه مسلم (¬1). - فضل أداء الفرائض والنوافل: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل ركعتي الوضوء: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (730). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6502).

نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (¬2). 2 - وعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬3). - فضل الصلاة في بيت المقدس: عن أبي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: تَذَاكَرنَا وَنَحْنُ عِندَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّهُما أَفْضَلُ: مَسجِدُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَسجِدُ بَيتِ المَقْدِسِ، فَقَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ المُصَلَّى». أخرجه الحاكم (¬4). - فضل الصلاة في مسجد قباء: عَنْ سَهْل بْن حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلاَةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (234). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1406)، وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8553). (¬5) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (699) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1412)، وهذا لفظه.

- فضل الصلاة على الجنازة واتباعها: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (¬1). - فضل من صلى عليه مائة فأكثر: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل من صلى عليه أربعون فأكثر: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أوْ بِعُسْفَانَ، فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ! انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ، قال: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أرْبَعُونَ؟ قال: نَعَمْ، قال: أخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلا، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل من مات صفيُّه واحتسبه عند الله عز وجل: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلا الجَنَّةُ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) , واللفظ له، ومسلم برقم (945). (¬2) أخرجه مسلم برقم (947). (¬3) أخرجه مسلم برقم (948). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6424).

4 - فضائل الزكاة

4 - فضائل الزكاة - فضل أداء الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103]. 2 - وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} [المؤمنون:1 - 4]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [البقرة:277]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعْرَابيا أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ، إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ. قال: «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا أزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». متفق عليه (¬1). - فضل الإسرار بالصدقة: 1 - قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة:271]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1397) , واللفظ له، ومسلم برقم (14).

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). - فضل الجهر بالصدقة لمصلحة: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قال: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ -وفيه- فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: « ... تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ (حَتَّى قال) وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قال: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّلُ، كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1017).

- فضل الصدقة من الكسب الطيب: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (¬1). - فضل الصدقة: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)} [الحديد:18]. 3 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬2). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2588). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014).

- أفضل الصدقة: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْراً؟ قال: «أنْ تَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». متفق عليه (¬1). - فضل صدقة المُقِلّ: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر:9]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَصَدَّقَ أحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ، إِلا أخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فَصِيلَهُ». متفق عليه (¬2). - فضل التعفف: 1 - قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)} [البقرة:273]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419) , واللفظ له، ومسلم برقم (1032). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014)، واللفظ له.

2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار، سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الإنفاق في وجوه الخير: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} [فاطر:29 - 30]. 2 - وقال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد:7]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ! أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (¬3). - فضل صدقة المرأة من مال زوجها: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1054). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , ومسلم برقم (1010).

طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أجْرُهَا بِمَا أنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أجْرَ بَعْضٍ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). - فضل صدقة الخازن والخادم: 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّ الخَازِنَ المُسْلِمَ الأَمِينَ الَّذِي يُنْفِذُ (وَرُبَّمَا قال يُعْطِي) مَا أمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلاً مُوَفَّراً، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أمِرَ لَهُ بِهِ -أحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ مَمْلُوكاً، فَسَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أأتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ؟ قال: «نَعَمْ، وَالأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل القرض الحسن: 1 - قال الله تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)} [التغابن:17]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1425)، ومسلم برقم (1024). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1438) , ومسلم برقم (1023). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1025).

وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. 2 - وَعَنْ أَبِي اليَسَرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل سقي الماء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». متفق عليه (¬3). - فضل الزرع والغرس: 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إِلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) أخرجه مسلم برقم (3006). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2363) , واللفظ له، ومسلم برقم (2244). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1552).

2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ» فَقَالَتْ: بَلْ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: «لا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْساً، وَلا يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلا دَابَّةٌ وَلا شَيْءٌ إِلا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1552).

5 - فضائل الصيام

5 - فضائل الصيام - فضل شهر رمضان: 1 - قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللُه عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (¬1). - فضل الصيام: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفق عليه (¬2). - فضل الصائمين: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , ومسلم برقم (1079)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1904) , واللفظ له، ومسلم برقم (1151).

مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (¬1). - فضل من صام رمضان إيماناً واحتساباً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه». متفق عليه (¬2). - فضل من قام رمضان إيماناً واحتساباً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬3). - فضل من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬4). - أفضل الصيام: عَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ يَقُولُ: لأقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ». فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (38) , واللفظ له، ومسلم برقم (760). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (371) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901) , واللفظ له، ومسلم برقم (760).

«فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». قال قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «صُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْمَيْنِ». قال قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «صُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْماً». متفق عليه (¬1). - فضل صوم مُحرَّم: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال: عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر: 1 - عَنْ عَبْدَاللهِ بن عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أقُولُ: وَاللهِ لأصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وَأمِّي، قال: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: أوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ: «صِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأنْ أوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131)، ومسلم برقم (1159)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1163). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1164). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1976) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1981) , واللفظ له، ومسلم برقم (721).

- فضل صوم يوم الاثنين: عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ، عَنْ صَوْمِ الاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل صوم يوم عرفة وعاشوراء: عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الصوم في سبيل الله: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (¬3). - فضل السحور: عَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». متفق عليه (¬4). - فضل تعجيل الإفطار: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1162). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1162). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1923) , واللفظ له، ومسلم برقم (1095). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1098).

6 - فضائل الحج والعمرة

6 - فضائل الحج والعمرة - فضل عشر ذي الحجة: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلِكَ بشَيْءٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - فضل الحج المبرور: 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (969). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2438) , وأخرجه الترمذي برقم (757)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) , واللفظ له، ومسلم برقم (1350). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1519) , واللفظ له، ومسلم برقم (83).

- فضل العمرة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (¬1). - فضل الطواف بالبيت: عن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لاِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَا لِي لاَ أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إِلاَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، الحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ؟ فَقال ابْنُ عُمَرَ: إِنْ أَفْعَلْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «إِنَّ اسْتِلاَمَهُمَا يَحُطُّ الخَطَايَا»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعاً يُحْصِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَماً وَلاَ وَضَعَهَا، إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُدَرَجَاتٍ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - فضل التلبية: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبي إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). - فضل الحلق في النسك: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهُمَّ! اغْفِرْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , واللفظ له، ومسلم برقم (1349). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4462) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (959). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (828) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2921).

لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق عليه (¬1). - فضل يوم عرفة: عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلاءِ؟». أخرجه مسلم (¬2). - فضل يوم النحر: قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} [التوبة:3]. - فضل نحر الهدي: قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج:36 - 37]. - فضل أيام التشريق: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728) , ومسلم برقم (1302)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1348).

عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} [البقرة:203]. 2 - وَعَنْ نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ للهِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل العمرة في رمضان: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَجَّتِهِ، قال لأُمِّ سِنَانٍ الأنْصاريَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ». قالتْ: أبُو فُلانٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أرْضاً لَنَا. قال: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أوْ حَجَّةً مَعِي». متفق عليه (¬2). - فضل المتابعة بين الحج والعمرة: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ وَالذهَب وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - فضل حج النساء: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفَلا نُجَاهِدُ؟ قال: «لا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1141). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1863) , واللفظ له، ومسلم برقم (1256). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (3669) , وأخرجه الترمذي برقم (810)، وهذا لفظه. (¬4) أخرجه البخاري برقم (1520).

7 - فضائل الذكر

7 - فضائل الذكر - فضل الذكر: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} [البقرة:152]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل دوام الذكر والفكر: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. 2 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405) , واللفظ له، ومسلم برقم (2675). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6407).

حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيراً قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ! إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا ذَاك؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيراً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ المَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه مسلم (¬1). - فضائل الأذكار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». متفق عليه (¬2). 2 - وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبّ الكَلاَمِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2750). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6403) , ومسلم برقم (2691)، واللفظ له.

إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إِلََهَ إِلاّ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لاَ يَضُرّكَ بِأَيّهِنّ بَدَأْتَ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ «أوْ تَمْلأُ» مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ». أخرجه مسلم (¬3). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». متفق عليه (¬4). 6 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعاً قَرِيباً وَهُوَ مَعَكُمْ». قَالَ: وَأَنَا خَلْفَهُ وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَاللهِ بْنَ قَيْسٍ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2137). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2695). (¬3) أخرجه مسلم برقم (223). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6682) , واللفظ له، ومسلم برقم (2694). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6384) , ومسلم برقم (2704)، واللفظ له.

7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً». أخرجه مسلم (¬1). 8 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوْبٍ الأَنْصارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (408). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2693).

8 - فضائل الدعاء

8 - فضائل الدعاء - فضل الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». متفق عليه (¬1). - فضل الدعاء بمغفرة الذنوب: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)} [آل عمران:147 - 148]. 2 - وَعَنْ طَارق بنْ أَشْيَم رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي». وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ «فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405) , ومسلم برقم (2675)، واللفظ له.

وَآخِرَتَكَ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الاستغفار والتوبة: 1 - قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} [هود:3]. 3 - وقال الله تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة:74]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه البخاري (¬2). 5 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2697). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6307). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2702).

7 - فضائل المعاملات

7 - فضائل المعاملات - فضل الورع في المعاملات: عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - فضل الكسب الحلال: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وَعَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل السماحة في البيع والشراء: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (2072).

سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (¬1). - فضل إنظار المعسر: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيماً لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللهِ قَالَ: آللهِ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي اليَسَرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعن بريدة رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ الله تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». أخرجه أحمد (¬4). - فضل إنظار الموسر: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قالوا: أعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئاً؟ قال: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أنْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2076). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1563). (¬3) أخرجه مسلم برقم (3006). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23046) , انظر «الإرواء» رقم (1438).

يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ المُوسِرِ، قال: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ». متفق عليه (¬1). - فضل الإصلاح بين الناس: 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬2). - فضل العدل: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [المائدة:8]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 4 - وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرو رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْد اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2077) , واللفظ له، ومسلم برقم (1560). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707) , واللفظ له، ومسلم برقم (1009). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1827).

- فضل الإحسان: 1 - قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس:26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة:195]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7]. - فضل الوقف في سبيل الله: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ، إِيمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل العتق: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد:11 - 13]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا رَجُلٍ أعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1631). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2853). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2517) , واللفظ له، ومسلم برقم (1509).

- فضل الإنفاق في وجوه الخير: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فَقال أبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: بِأبِي أنْتَ وَأمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا؟ قال: «نَعَمْ، وَأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬1). - فضل الإقالة: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ الله عَثرَتَهُ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1897) , واللفظ له، ومسلم برقم (1027). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (7431) , وأخرجه أبو داود برقم (3460)، وهذا لفظه.

8 - فضائل المعاشرات

8 - فضائل المعاشرات - فضل التواصي بالحق: 1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 3 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الإصلاح بين الناس: 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحُجُرات:10]. 3 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «إِصْلاَحُ ذاتِ البَيْنِ وَفَسَادُ ذاتِ البَيْنِ الحَالِقَةُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (55). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4919) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2509).

- فضل التعاون على الخير: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً». وَشَبَّكَ أصَابِعَهُ. متفق عليه (¬1). - فضل عيادة المريض: عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ»: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الزيارة في الله: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481) , واللفظ له، ومسلم برقم (2585). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2568). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2567).

وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ». أخرجه مالك وأحمد (¬1). - فضل صلة الرحم: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». أخرجه البخاري (¬4). - فضل بر الوالدين: 1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)} [الإسراء:23 - 25]. 2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلَى اللهِ؟ قال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه مالك برقم (1779) , وهذا لفظه، وأخرجه أحمد برقم (22380). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5986) , واللفظ له، ومسلم برقم (2557). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5988) , واللفظ له، ومسلم برقم (2554). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5991). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) , واللفظ له، ومسلم برقم (85).

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قال: «أُمُّكَ». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أُمُّكَ». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أُمُّكَ». قال: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أبُوكَ». متفق عليه (¬1). - فضل حسن معاشرة الأولاد: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْألُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: «مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئاً، فَأحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أرْحَمُهُمَا». أخرجه البخاري (¬3). - فضل تربية الأولاد: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ «إِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971) , واللفظ له، ومسلم برقم (2548). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5995) , واللفظ له، ومسلم برقم (2629). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6003).

اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. أخرجه مسلم (¬2). - فضل صلة أصدقاء الوالدين: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْماً عَلَى ذَلِكَ الحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وَالعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، غَفَرَ اللهُ لَكَ! أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيَّ حِمَاراً كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل السعي على الأرملة والمسكين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». متفق عليه (¬4). - فضل من يعول اليتيم: عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2630). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2631). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2552). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5353) , واللفظ له، ومسلم برقم (2982).

هَكَذَا». وَأشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً. متفق عليه (¬1). - فضل عتق الرقاب: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد:11 - 13]. 2 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَيُّمَا امْرِئ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه (¬2). - فضل حسن الجوار: 1 - قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} [النساء:36]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَهُ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5304) , واللفظ له، ومسلم برقم (2983). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2517) , واللفظ له، ومسلم برقم (1509). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6014) , واللفظ له، ومسلم برقم (2624). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6016).

4 - وَعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (¬1). - فضل رحمة الناس: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ». متفق عليه (¬2). - فضل رحمة المؤمنين خاصة: 1 - قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح:29]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْواً، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬3). - فضل بر الأقارب المشركين المسالمين: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة:8]. 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13) , واللفظ له، ومسلم برقم (45). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2319). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , واللفظ له، ومسلم برقم (1468).

مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ، صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (¬1). - فضل حسن الولاية وحسن المعاشرة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». قال: وَحَسِبْتُ أنْ قَدْ قال: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أبِيه وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ مَعْقِل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , واللفظ له، ومسلم برقم (1002). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893) , واللفظ له، ومسلم برقم (1829). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150) , ومسلم برقم (142)، واللفظ له.

- فضل حسن معاشرة المسلم وقضاء حاجته: 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً». متفق عليه (¬2). - فضل حسن معاشرة النساء: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم:21]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». متفق عليه (¬3). - فضل حسن معاشرة الخدم: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قال لِي: أفٍّ، وَلا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلا: ألا صَنَعْتَ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2442) , ومسلم برقم (2580)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481) , ومسلم برقم (2585)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3331) , واللفظ له، ومسلم برقم (1468). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6038) , واللفظ له، ومسلم برقم (2309).

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل حسن معاشرة الخادم لسيده: عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «المَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ، لَهُ أجْرَانِ». متفق عليه (¬2). - فضل الشفاعة: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء:85]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قال: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ». متفق عليه (¬3). - فضل من حكم فعدل: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1356). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2551) , واللفظ له، ومسلم برقم (154). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , واللفظ له، ومسلم برقم (2627).

بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ، عِنْدَ اللهِ، عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: « ... وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل السلام: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلا سَألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1827). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2865). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (12) , واللفظ له، ومسلم برقم (39). (¬5) أخرجه مسلم برقم (54).

9 - فضائل الأخلاق

9 - فضائل الأخلاق - فضل حسن الخلق: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: «البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أنَسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً. متفق عليه (¬3). - فضل الإيمان: 1 - قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد:21]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2553). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6203) , واللفظ له، ومسلم برقم (2150).

فَقَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬1). - فضل العلم: 1 - قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. 2 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (¬2). - فضل الصبر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10]. 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار، سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) , واللفظ له، ومسلم برقم (83). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (71)، ومسلم برقم (1037). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053).

- فضل الصدق: 1 - قال الله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)} [المائدة:119]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً، وَإِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً». أخرجه مسلم (¬1). - فضل اليقين والتوكل: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران:173 - 174]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3]. 3 - وَعَنْ شَدَّاد بْن أوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2607).

وَأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ. قال: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل التقوى: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحُجُرات:13]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} [الأنفال:29]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكْرَمُ النَّاسِ؟ قال: «أكْرَمُهُمْ أتْقَاهُمْ». قالوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْألُكَ، قال: «فَأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللهِ». قالوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْألُكَ، قال: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْألُونَني». قالوا: نَعَمْ، قال: «فَخِيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا». متفق عليه (¬2). - فضل الإخلاص: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزُّمَر:2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6306). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3374) , واللفظ له، ومسلم برقم (2378).

3 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ، كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - فضل الحب في الله: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي». أخرجه مسلم (¬4). - فضل الخوف من الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران:175]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن:46]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6689) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16) , واللفظ له، ومسلم برقم (43). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13) , واللفظ له، ومسلم برقم (45). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2566).

3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون:60 - 61]. - فضل البكاء من خشية الله: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} [الإسراء:107 - 109]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً». قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، قَالَ: غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). - فضل الرجاء: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4621) , ومسلم برقم (2359)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزُّمَر:53]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل المجاهدة في الله: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت:69]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)} [العنكبوت:6 - 7]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً». متفق عليه (¬2). - فضل الرحمة: 1 - قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح:29]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2749). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4837) , ومسلم برقم (2820)، واللفظ له.

2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ ابْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً، فَقَالَ الأقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: «مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّ للهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالبَهَائِمِ وَالهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعاً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). - فضل الرفق: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ». أخرجه مسلم (¬4). - فضل الحياء: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5997) , واللفظ له، ومسلم برقم (2318). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6000) , ومسلم برقم (2752)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6927) , ومسلم برقم (2594)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2594). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (9) , واللفظ له، ومسلم برقم (35).

2 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. متفق عليه (¬2). - فضل العفو والصفح: 1 - قال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور:22]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} [التغابن:14]. 3 - وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 4 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف:199]. - فضل الصمت إلا عن خير: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3484). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6102) , واللفظ له، ومسلم برقم (2320). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6475) , واللفظ له، ومسلم برقم (47).

2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الإسْلامِ أفْضَلُ؟ قال: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». متفق عليه (¬1). - فضل التواضع: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54]. 2 - وقال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)} [القصص:83]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الحلم وكظم الغيظ: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} [الشورى:36 - 37]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (11) , واللفظ له، ومسلم برقم (42). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2588).

3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي حَدِيث وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ -وفيه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الاستقامة على أوامر الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32]. 2 - وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلاً، لا أسْألُ عَنْهُ أحَداً بَعْدَكَ، قال: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ فَاسْتَقِمْ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل العدل: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [المائدة:8]. 2 - وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (18). (¬2) أخرجه مسلم برقم (38). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1827).

- فضل الإحسان: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)} [المرسلات:41 - 44]. 3 - وقال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} [البقرة:112]. - فضل الإيثار: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر:9]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الكرم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2630).

2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحُجُرات:13]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬2). - فضل العفة: 1 - قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)} [البقرة:273]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار، سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018) , ومسلم برقم (47)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2320).

وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬1). - فضل الزهد: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه:131 - 132]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَشْبَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعاً، مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. متفق عليه (¬3). - فضل طيب الكلام وطلاقة الوجه: 1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». أخرجه مسلم (¬4). - فضل الوفاء بالعهد: 1 - قال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2977). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5374) , ومسلم برقم (2976)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2626).

الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)} [الرعد:19 - 20]. 2 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177]. 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أحَقُّ مَا أوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه (¬1). - فضل أداء الأمانة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)} [المعارج:32 - 35]. 3 - وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون:1 - 11]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5151) , واللفظ له، ومسلم برقم (1418).

- فضل الطمأنينة: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر:27 - 30]. - فضل السكينة: 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح:18]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح:4]. 3 - وَعَنٍْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الاستعانة بالله: 1 - قال الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة:1 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} [البقرة:153]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً، فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2700).

سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - فضل الاحتساب: 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} [البقرة:207]. 3 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إذَا أنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬2). - فضل الاعتذار: عَنِ المُغِيرَةِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللهِ لأنَا أغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أحَدَ أحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ، وَلا أحَدَ أحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2669) , وأخرجه الترمذي برقم (2516)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (55) , ومسلم برقم (1002). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7416) , واللفظ له، ومسلم برقم (1499).

- فضل التفاؤل: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ». متفق عليه (¬1). - فضل التواد: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم:21]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)} [الشورى:23]. 3 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬2). - فضل العطاء والتيسير: 1 - قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل:5 - 7]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5756) , ومسلم برقم (2224). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , ومسلم برقم (2586)، واللفظ له.

وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الحكمة: 1 - قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة:269]. 2 - وَعَنِ عَبْدَاللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه (¬2). - فضل الشجاعة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} [التوبة:123]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعاً، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»، قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْراً، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ». قَالَ: وَكَانَ فَرَساً يُبَطَّأُ. متفق عليه (¬3). - فضل الصلاح والعمل الصالح: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73) , ومسلم برقم (816)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2908) , ومسلم برقم (2307)، واللفظ له.

النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء:69 - 70]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)} [لقمان:8]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البيِّنة:7 - 8]. 4 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)} [العنكبوت:9]. - فضل القنوت: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)} [النحل:120 - 121]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُوهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1878).

10 - فضائل القرآن الكريم

10 - فضائل القرآن الكريم - فضل القرآن الكريم: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزُّمَر:23]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} [الإسراء:9]. - فضل قراءة القرآن: 1 - عن أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإِنَّ أخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا تَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟». قُلْنَا: نَعَمْ. قال: «فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (804). (¬2) أخرجه مسلم برقم (802).

3 - وَعَنْ عَبْدَ اللهِ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَاب اللهِ فَلَهُ بهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثالِهَا، لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». أخرجه الترمذي (¬1). - فضل قارئ القرآن: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف:170]. 2 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُقَالُ لِصَاحِب القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - فضل قارئ القرآن العامل به: 1 - قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالمُؤْمِنُ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2910). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1464) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2914). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5059) , واللفظ له، ومسلم برقم (797).

- فضل الماهر بقراءة القرآن: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أجْرَانِ». متفق عليه (¬1). - فضل تعلم القرآن وتعليمه: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 2 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى العَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ. قال: «أفَلا يَغْدُو أحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثٍ، وَأرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أرْبَعٍ، وَمِنْ أعْدَادِهِن مِنَ الإبِلِ؟». أخرجه مسلم (¬3). - فضل الاجتماع على تلاوة القرآن: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4937) , ومسلم برقم (798)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (5027). (¬3) أخرجه مسلم برقم (803).

آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل تحسين الصوت بالقرآن: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا أذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنِ البَرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ فِي العِشَاءِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ... فَمَا سَمِعْتُ أحَداً أحْسَنَ صَوْتاً أوْ قِرَاءَةً مِنْهُ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7544) , واللفظ له، ومسلم برقم (792). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5024) , ومسلم برقم (792)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7546) , واللفظ له، ومسلم برقم (464).

- فضل القيام بالقرآن: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ هَذَا الكِتَابَ، فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَتَصَدَّقَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل التفكر في آيات القرآن: 1 - قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص:29]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَأْ عَلَيَّ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ». فَالتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفق عليه (¬3). - فضل حفظ القرآن وتعاهده: 1 - قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)} [العنكبوت:49]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5025) , ومسلم برقم (815)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (817). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5050) , واللفظ له، ومسلم برقم (800).

الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف:170]. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «تَعَاهَدُوا هَذَا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ القُرْآنِ كَمَثَلِ الإبِلِ المُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أمْسَكَهَا، وَإِنْ أطْلَقَهَا ذَهَبَتْ». متفق عليه (¬2). - فضل قراءة القرآن في الصلاة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟». قُلْنَا: نَعَمْ. قال: «فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل سورة الفاتحة: عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}». ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ». فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ قُلْتَ: «لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ». قَالَ: «الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5033) , واللفظ له، ومسلم برقم (791)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5031) , ومسلم برقم (789)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (802).

أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل سورة الإخلاص: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل المعوذات: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}. وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه البخاري (¬4). 3 - وََعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5006). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5013). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5016) , واللفظ له، ومسلم برقم (2192). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5017). (¬5) أخرجه مسلم برقم (814).

- فضل سورة البقرة: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعَ نَقِيضاً مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا باب مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلا اليَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلا اليَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةُ الكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ. أخرجه مسلم (¬3). - فضل قراءة سورة البقرة وآل عمران: عَنْ أبي أُمَامَةَ البَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَإِنَّ أخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا تَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (780). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5009) , واللفظ له، ومسلم برقم (807). (¬3) أخرجه مسلم برقم (806). (¬4) أخرجه مسلم برقم (804).

- فضل آية الكرسي: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَّ الحَدِيثَ- فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ». أخرجه البخاري معلقاً ووصله النسائي (¬1). 2 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أبَا المُنْذِرِ! أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أعْظَمُ؟». قال قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «يَا أبَا المُنْذِرِ! أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أعْظَمُ؟». قال قُلْتُ: اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ. قال: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَاللهِ! لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبَا المُنْذِرِ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل سورة الكهف: 1 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالقُرْآنِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري معلقاً برقم (5010)، ووصله النسائي وغيره بسند صحيح، وانظر مختصر صحيح البخاري للألباني (2/ 106). (¬2) أخرجه مسلم برقم (810). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5011) , واللفظ له، ومسلم برقم (795).

أوَّلِ سُورَةِ الكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل سورة الفتح: عَنْ عُمَر رَضيَ اللهُ عَنهُ ... -وفيه- قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (809). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5012).

11 - فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -

11 - فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - - فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا العَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ». متفق عليه (¬2). - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَاناً فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2276). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4896) , ومسلم برقم (2354)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (523).

اللَّبِنَةُ! قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ». متفق عليه (¬1). - فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلق: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ للهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلاَمَ». أخرجه أحمد والنسائي (¬4). - أكمل كيفية للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3535) , ومسلم برقم (2286)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2278). (¬3) أخرجه مسلم برقم (408). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3666) , وأخرجه النسائي برقم (1282)، وهذا لفظه. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) , واللفظ له، ومسلم برقم (406).

12 - فضائل الأنبياء والرسل

12 - فضائل الأنبياء والرسل - فضل آدم - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة:34]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} [ص:71 - 74]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، ثُمَّ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ المَلائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ». متفق عليه (¬1). - فضل نوح - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} [الصافات:75 - 81]. 2 - وقال الله تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3326) , واللفظ له، ومسلم برقم (2841).

وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)} [هود:48]. - فضل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)} [النحل:120 - 123]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} [البقرة:130 - 131]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 4 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)} [هود:74 - 75]. 5 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا خَيْرَ البَرِيَّةِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم». أخرجه مسلم (¬1). - فضل موسى - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2369).

الْفَاسِقِينَ (145)} [الأعراف:144 - 145]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)} [مريم:51 - 53]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)} [الصافات:114 - 122]. - فضل عيسى - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)} [النساء:171]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} [مريم:30 - 34]. 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ،

غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا». ثُمَّ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ: «{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، الأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ». متفق عليه (¬2). - فضائل الأنبياء والرسل: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران:33 - 34]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام:83 - 87]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)} [النساء:163 - 165]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3431) , واللفظ له، ومسلم برقم (2366). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3443) , ومسلم برقم (2365)، واللفظ له.

4 - وقال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة:253]. 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ألا تَرَوْنَ مَا أنْتُمْ فِيهِ؟ ألا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ. فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أنْتَ أبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ

غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ، بِرِسَالاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ، عَلَى النَّاسِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْباً، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، ألا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ ألا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟. فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهِ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأرْفَعُ رَأْسِي فَأقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلِ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِ، مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340) , ومسلم برقم (194)، واللفظ له.

13 - فضائل الصحابة

13 - فضائل الصحابة - فضل الصحابة رضي الله عنهم: 1 - قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح:29]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)} [الحديد:10]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ». متفق عليه (¬1). - فضل المهاجرين والأنصار: 1 - قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673) , ومسلم برقم (2540)، واللفظ له.

فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر:8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءاً مِنَ الأنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وَسَلَكَتِ الأنْصَارُ وَادِياً أوْ شِعْباً، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنْصَارِ، أوْ شِعْبَ الأنْصَارِ». متفق عليه (¬1). - فضل الخلفاء الراشدين: 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائِطاً وَأمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقال: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإِذَا أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقال: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ». فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قال: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ». فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنَّ عَبْداً خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ». فَبَكَى أبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7244) , واللفظ له، ومسلم برقم (1059). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3695) , واللفظ له، ومسلم برقم (2403)، واللفظ له.

بَيْنَ أنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أبُو بَكْرٍ هُوَ أعْلَمَنَا بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ مِنْ أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، إِلا خُلَّةَ الإِسْلامِ، لا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلا خَوْخَةُ أبِي بَكْرٍ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ». أخرجه البخاري (¬2). 4 - وَعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجِعاً فِي بَيْتِي، كَاشِفاً عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ، وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ! فَقَالَ: «أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلاَئِكَةُ». أخرجه مسلم (¬3). 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3904) , واللفظ له، ومسلم برقم (2382). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3469). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2401). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2417).

6 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي». متفق عليه (¬1). - فضل آل البيت: 1 - عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً فِينَا خَطِيباً، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمّاً، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ! أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4416) , ومسلم برقم (2404)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2424).

هَؤُلاَءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ كَعْب بْن عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قال: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُولُوا: الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬3). - فضل فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: «مَرْحَباً بِابْنَتِي». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضاً، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إِذَا قُبِضَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2408). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6357) , واللفظ له، ومسلم برقم (406). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3369) , واللفظ له، ومسلم برقم (407).

سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي العَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُُحُوقاً بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ: «أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ». فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أغْضَبَهَا أغْضَبَنِي». متفق عليه (¬2). - فضل الحسن والحسين: 1 - عَنِ البَرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أحِبُّهُ فَأحِبَّهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ، وَالحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ». أخرجه البخاري (¬4). 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬5). - فضل علي بن أبي طالب: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِعَلِيّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3623)، ومسلم برقم (2450). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3767) , واللفظ له، ومسلم برقم (2449). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3749) , واللفظ له، ومسلم برقم (2422). (¬4) أخرجه البخاري برقم (3746). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (10999) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3768).

خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نُبُوَّةَ بَعْدِي». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيّاً»، فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}. دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3706) , ومسلم برقم (2404)، واللفظ له.

الباب السادس كتاب الأذكار

الباب السادس كتاب الأذكار ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الأذكار. 2 - فضائل الأذكار. 3 - الأذكار المطلقة. 4 - الأذكار المقيدة: وتشمل: 1 - أذكار الصباح والمساء. 2 - أذكار الأحوال العادية. 3 - أذكار الأحوال العارضة. 4 - الأذكار التي تقال في الشدة. 5 - الأمراض التي تصيب الإنسان. 6 - عداوة الشيطان لبني آدم. 7 - ما يعتصم به العبد من الشيطان من الأدعية والأذكار. 8 - علاج السحر والمس. 9 - رقية العين.

1 - أحكام الأذكار

1 - أحكام الأذكار · منزلة الذكر: ذِكر الله عز وجل من أيسر العبادات وأسهلها وأجلِّها وأفضلها، فحركة اللسان أخف حركات الجوارح، وقد رتب الله عليه من الفضل والعطاء ما لم يرتب على غيره من الأعمال. وحاجة القلب للذكر أعظم من حاجة البدن للطعام، وضرر المعاصي للقلب أشد من ضرر السموم للبدن. لهذا ما فرض الله عز وجل على عباده من فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر، إلا الذكر فإنه لأهميته لم يجعل الله له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله. فلعظيم منافع الذكر أمرنا الله عز وجل بذكره في جميع الأوقات والأحوال بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. · الذكر الكامل: المقصود من ذكر الله عز وجل هو تحقيق العبودية الكاملة لله، وسهولة امتثال أوامره في جميع الأوقات والأحوال. ويتحقق الذكر الكامل بمعرفة خمسة أمور: ذكر الله بأسمائه وصفاته .. وذكر آلائه وإحسانه .. وذكر قضائه وقدره .. وذكر دينه وشرعه .. وذكر ثوابه وعقابه.

فذكر الله بأسمائه وصفاته، والثناء عليه بها، وتوحيده بها، يولِّد في القلب كمال التعظيم لله، وكمال الحب له، وكمال الذل له. وذكر آلاء الله وإحسانه يولِّد في القلب كمال الحب لله، وكمال الحمد والشكر للمنعم عز وجل. وذكر قضاء الله وقدره في كل حال يولِّد في القلب الطمأنينة والسكون لكل ما قضاه الله وقدره. وذكر دينه وشرعه، وأمره ونهيه، يحمل المسلم على عبادة ربه بما جاء عن الله ورسوله مع كمال الحب والتعظيم. وذكر ثوابه وعقابه، والجنة والنار، يبعث النفوس لفعل الطاعات، والمسارعة إلى الخيرات، ويزجرها عن المعاصي والمحرمات. فالذكر الكامل يولِّد الإيمان الكامل، والعمل الكامل، وجزاء ذلك النعيم الكامل كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32]. · صفة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل هو النبي - صلى الله عليه وسلم -. فكان يذكر الله في كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، فكلامه كله في ذكر الله وما والاه، وكان أمره ونهيه وتشريعه ذكراً منه لربه سبحانه، وكان إخباره عن ربه في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ذكراً منه لربه، وكان حمده لربه،

وتسبيحه وتمجيده له، وثناؤه عليه، ذكراً منه لربه. وكان سؤاله لله، ودعاؤه إياه في كل حال ذكراً منه لربه. وكان خوفه من ربه، ورجاؤه إياه ذكراً منه لربه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬1). · فوائد ذكر الله عز وجل: ذِكر الله تبارك وتعالى له فوائد عظيمة، ومنافع كثيرة منها: أن ذكر الله سبحانه قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وشفاء من الأسقام. وذكر الله يقوي القلب والبدن، وينور القلب والوجه، ويفتح أبواب المعرفة بالله، ويورث القرب من الله، وكثرة حمده وشكره. وذكر الله عز وجل يرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويجلب الخير، ويزيل الشر، ويسهل الصعب، وييسر العسير، ويذهب الهم والغم، ويثمر الطمأنينة والسكينة. وذكر الله جل جلاله يعطي الذاكر قوة، ويكسوه جلالة ومهابة، ويحليه بالنضرة والرحمة، ويزكيه بالتقوى والإنابة. وذكر الله عز وجل يورث حياة القلب، وحصول الرزق، ونزول النصر، ومغفرة الذنوب، ويلين قسوة القلوب. وذكر الله سبحانه يجلو القلب من الصدأ والغفلة، ويحط الخطايا ويذهبها، ويذهب المخاوف، وينجي من عذاب الله، ويزيل الوحشة بين العبد وربه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (373).

وذكر الله عز وجل يورث ذكر الله لعبده، ومحبة الله له، والأنس به، والقرب منه، ورضاه عنه، والإنابة إليه، والتلذذ بعبادته، والفوز بجنته. وذكر الله سبحانه نور للذاكر في الدنيا والآخرة، ودور الجنة تبنى بالذكر، وتغرس بساتينها بالذكر. وذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، يحرك الجوارح بالطاعات، ويزجرها عن المعاصي، ويحفظ المسلم من الغيبة، وينبه القلب من النوم، وهو أمان من النفاق، وسدّ بين العبد وبين جهنم، مجالس الذكر مجالس الملائكة، وهي روضة من رياض الجنة. وذكر الله سبحانه سبب لنزول السكينة على الذاكرين، وغشيان الرحمة لهم، وبه تحفهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، ويباهي بهم ملائكته، ويغفر ذنوبهم، ويبدل سيئاتهم حسنات. ولكي نحصل على ذلك كله أمرنا الله عز وجل بدوام ذكره فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. · أحكام الأذكار: الأفضل ذكر الله جل جلاله على طهارة، ويجوز ذكره على غير طهارة. ويسن ذكر الله في جميع الأوقات والأحوال، ولا يشرع للمسلم رفع اليدين في شيء من الأذكار. والأذكار المقيدة بمكان أو زمان مبنية على التوقيف، فلا يجوز التصرف فيها بزيادة أو نقص أو تغيير.

والأذكار الواردة في مكان أو زمان معين كأذكار الصباح والمساء، لا يشترط في الإتيان بها ترتيب معين؛ لأنها لم ترد مرتبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والأذكار التي لها وقت محدد في الشرع لا تقضى إذا فات وقتها أو محلها، كما لو نسي الذكر الوارد بعد الوضوء أو الأذان فإنه لا يقضيه؛ لفوات وقته. والأصل عدم الجهر بالأدعية والأذكار؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص وحسن الأدب، ويستثنى من ذلك حالات يشرع رفع الصوت بها، ومنها: الأذان، والإقامة، وأذكار أدبار الصلوات الخمس، والتكبير في العيدين، والتلبية في الحج والعمرة، والسلام ورده، والذكر الوارد بعد الوتر، والحمد عند العطاس، وتشميت العاطس، والدعاء إذا أفطر عند قوم، والدعاء للمتزوج، وإذا أسحر وهو مسافر، وتكبير المسافر عند الصعود، وتسبيحه عند النزول ونحو ذلك. والموطن الذي ورد فيه أكثر من ذكر واحد الأصل أن لا يُجمع بين تلك الأذكار المتعددة في ذلك الموطن، بل يأتي بهذا مرة، وهذا مرة، إحياءً للسنة. والمواضع التي ورد فيها أكثر من ذكر، ورغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدد من الأذكار فيها ثلاث: أذكار الصباح والمساء .. وأذكار أدبار الصلوات الخمس .. وأذكار النوم. والذكر الواحد الذي له عدة صيغ، السنة أن يأتي بهذه الصيغة مرة، وبتلك الصيغة مرة أخرى؛ إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. والأذكار التي لها أكثر من صيغة كالأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهد، والتسبيح بعد الفرائض، والأذكار المحددة بعدد معين، فيقتصر على ما ورد،

لأن تحديد الوقت والحال والعدد مقصود من الحكيم العليم. والأذكار عبادة من العبادات فلا يدخلها القياس، فلا يقال بعد النافلة ما يقال بعد الفريضة من الأذكار، ولا يجوز التعبد إلا بذكر مشروع ثابت في القرآن والسنة أو في أحدهما، فلا يشرع العمل بالذكر المجرب إذا لم يكن له أصل؛ لأن الذكر من الدين، والدين لا يثبت بالتجربة؛ بل بالنص، والأذكار الشرعية تقال في السفر كما تقال في الحضر. فليحرص المسلم على المحافظة على جميع الأذكار المطلقة والمقيدة، والإكثار من ذكر الله عز وجل في جميع الأوقات والأحوال. فذكر الله سبحانه يثمر المعرفة، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، وينشط للعمل، ويولِّد الخوف، ويبعث الرجاء، ويسكب الطمأنينة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. · صفة الذكر والدعاء: ذكر الله تعالى ثلاث درجات: الأولى: ذكر الله بالقلب واللسان، وهذه أعلى الدرجات. الثانية: ذكر الله بالقلب فقط، وهي الدرجة الثانية. الثالثة: ذكر الله باللسان فقط، وهي الدرجة الثالثة. والأصل في الذكر والدعاء هو الإسرار، والجهر في الذكر والدعاء استثناء لا يكون إلا بما ورد به الشرع كما سبق. 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} [الأعراف:205].

2 - وقال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف:55]. · وجوب ذكر الله والصلاة على نبيه في كل مجلس: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} [المزَّمل:8]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذكُرُونَ اللهَ فِيهِ إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذكُرُوا الللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). · الذكر أفضل من الدعاء: ذِكر الله عز وجل أفضل من الدعاء؛ لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بأسمائه وصفاته، والدعاء سؤال العبد ربه حاجته. لهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته. فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإذا انضاف إلى ذلك إخبار العبد بفقره ومسكنته كان أبلغ في الإجابة وأفضل. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4855) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3380). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9580) , وأخرجه الترمذي برقم (3380) , وهذا لفظه.

1 - قال الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة:1 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 3 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ، لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِلَ هَذا». ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بتَمْجِيدِ رَبهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يَدْعُو بَعْدُ بمَا شَاءَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1481) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3477).

2 - فضائل الأذكار

2 - فضائل الأذكار - فضائل ذكر الله تعالى: 1 - قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} [البقرة:152]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد:28]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)} [الأحزاب:35]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ». أخرجه البخاري (¬2). 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405) , واللفظ له، ومسلم برقم (2675). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6407).

فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ، سَبَقَ المُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتُ». أخرجه مسلم (¬1). 7 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهِ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الإكثار من ذكر الله تعالى: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب:41 - 43]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)} [الإنسان:25]. 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإسْلاَمِ قَدْ كَثرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبرْنِي بشَيْءٍ أَتَشَبَّث بهِ. قَالَ: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللهِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2676). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2018). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3375) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3790).

5 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ أُنَبئُكُمْ بخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذهَب وَالوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). 6 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬2). - فضل مجالس الذكر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 2 - وَعَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ». قَالُوا: وَاللهِ! مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3377) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3790). (¬2) أخرجه مسلم برقم (373). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2700). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2701).

4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضُلاً يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ. متفق عليه (¬1). - فضل الذكر خالياً: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} [الأعراف:205]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6408) , ومسلم برقم (2689) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

3 - الأذكار المطلقة

3 - الأذكار المطلقة - الأذكار قسمان: أذكار مطلقة .. وأذكار مقيدة. وهذه أهم الأذكار المطلقة التي يشرع للمسلم أن يقولها كل وقت: - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». أخرجه مسلم (¬1). - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إِلََهَ إِلاّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لاَ يَضُرّكَ بِأَيّهِنّ بَدَأْتَ». أخرجه مسلم (¬2). - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». متفق عليه (¬3). - وَعَنْ أبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ «أوْ تَمْلأُ» مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَايِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أوْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2695). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2137). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6682) , واللفظ له، ومسلم برقم (2694).

مُوبِقُهَا». أخرجه مسلم (¬1). - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ الكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ». أخرجه الترمذي (¬3). - وَعَنْ سَعْدِ بنِ أبِي وقَاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ»؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ». أخرجه مسلم (¬4). وفي لفظ: «تُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَتُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ سَيِّئَةٍ». أخرجه أحمد والترمذي (¬5). - وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا»؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ». أخرجه مسلم (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (223). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2731). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3464) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (64). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2698). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (1496) , والترمذي برقم (3463) , وهذا لفظه. (¬6) أخرجه مسلم برقم (2726).

- وَعَنْ أَبِي أيُوبَ الأنْصَارِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ». متفق عليه (¬1). - وَعَنْ سَعْدِ بنِ أبِي وقَاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَماً أَقُولُهُ قَالَ: «قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً وَالحَمْدُ للهِ كَثِيراً سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ» قَالَ: فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي فَمَا لِي قَالَ: «قُلِ اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي». أخرجه مسلم (¬2). - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». أخرجه مسلم (¬3). - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: رَضِيتُ باللهِ رَبّاً وَبالإسْلاَمِ دِيناً وَبمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». أخرجه مسلم وأبو داود (¬4). - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعاً قَرِيباً وَهُوَ مَعَكُمْ». قَالَ: وَأَنَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6404)، ومسلم برقم (2693) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2696). (¬3) أخرجه مسلم برقم (720). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1884) , وأبو داود برقم (1529) , وهذا لفظه.

خَلْفَهُ وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَاللهِ بْنَ قَيْسٍ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «قُلْ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ». متفق عليه (¬1). - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه البخاري (¬2). - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (¬3). - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً». أخرجه مسلم (¬4). - وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثاً، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَارّاً مِنَ الزَّحْفِ». أخرجه الحاكم (¬5). - الباقيات الصالحات: 1 - سبحان الله: معناها تقديس الله، وتنزيهه عن العيوب والنقائص، ونفي الشريك له في ربوبيته وألوهيته، ونفي الشبيه له في أسمائه وصفاته. 2 - الحمد لله: معناها إثبات جميع المحامد له، فهو المحمود في ذاته المحمود على أسمائه وصفاته، وهو المحمود على أفعاله وإنعامه، وهو المحمود على ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6384) , ومسلم برقم (2704) , واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6307). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2702). (¬4) أخرجه مسلم برقم (408). (¬5) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (2550) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2727).

دينه وشرعه. 3 - لا إله إلا الله: معناها لا معبود بحق إلا الله، فليس بيد المخلوق شيء، بل الأمور كلها بيد الله وحده لا شريك له، فيجب إخلاص العبادة لله وحده. 4 - الله أكبر: معناها إثبات صفات الجلال والكبرياء والعظمة لله وحده لا شريك له. 5 - لا حول ولا قوة إلا بالله: معناها أن الله وحده صاحب الحول والقوة، فلا يغير جميع الأحوال إلا الله وحده لا شريك له، ولا نتمكن من أي عمل إلا بمعونته وحده لا شريك له، فيجب إخلاص العبادة لله وحده. قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)} [الكهف:46].

4 - الأذكار المقيدة

4 - الأذكار المقيدة - الأذكار المقيدة أربعة أقسام: 1 - أذكار الصباح والمساء. 3 - أذكار الأحوال العارضة. 2 - أذكار الأحوال العادية. 4 - الأذكار التي تقال في أوقات الشدة. 1 - أذكار الصباح والمساء - وقت أذكار الصباح والمساء: 1 - في الصباح: بعد صلاة الصبح إلى ما قبل طلوع الشمس. 2 - في المساء: بعد صلاة العصر إلى ما قبل غروب الشمس. والأذكار المقيدة لا تقضى إذا فات محلها. 1 - قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} [ق:39]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} [الأعراف:205]. - أذكار الصباح والمساء: عَنْ عُثمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي

الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثلاَث مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ: «أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ». أخرجه مسلم (¬2). - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ يَنْقُصُ، فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ شِبْهِ الغُلامِ المُحْتَلِمِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ، جِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: لا بَلْ جِنِّيٌّ، قَالَ: فَنَاوِلْنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَإِذَا يَدُهُ يَدُ كَلْبٍ، وَشَعْرُهُ شَعْرُ كَلْبٍ، قَالَ: هَكَذَا خَلْقُ الجِنِّ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتِ الجِنُّ أَنَّ مَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدُّ مِنِّي، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فَجِئْنَا نُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ، قَالَ: فَمَا يُنْجِينَا مِنْكُمْ؟ قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ البَقَرَةِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} مَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يُمْسِيَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «صَدَقَ الخَبِيثُ». أخرجه الحاكم والطبراني (¬3). - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». متفق عليه (¬4). - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمْسَى قَالَ: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3388) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3869). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2709). (¬3) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (2064) , وأخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 201). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4008) , واللفظ له، ومسلم برقم (807).

«أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ للهِ، وَالحَمْدُ للهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهمَّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَسُوءِ الكِبَرِ، اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي القَبْرِ». أخرجه مسلم (¬1). - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذا أَصْبَحَ: «اللَّهمَّ بكَ أَصْبَحْنَا وَبكَ أَمْسَيْنَا وَبكَ نَحْيَا وَبكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذا أَمْسَى قَالَ: اللَّهمَّ بكَ أَمْسَيْنَا وَبكَ نَحْيَا وَبكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ». أخرجه البخاري في «الأدب» وأبو دواد (¬2). - وَعَنْ شَدَّادِ بْنُ أوْسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ. قال: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬3). - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي مَا أَقُولُ إِذا أَصْبَحْتُ وَإِذا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالََ: «يَا أَبَا بَكْرٍ قُلِ: اللَّهمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2723). (¬2) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (1234) , وأخرجه أبو داود برقم (5068). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6306).

الغَيْب وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءاً أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ». أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» والترمذي (¬1). - وَعَنْ ابن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبحُ: «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذ بكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ». أخرجه مسلم (¬3). وفي لفظ: «وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». متفق عليه (¬4). - وَعَن عَبْدِاللهِ بْنِ أَبْزَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ». أخرجه أحمد والدارمي (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (1239) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3529). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5074) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3871) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2692). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6405) , ومسلم برقم (2691) , واللفظ له. (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15434) , وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (2588).

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (¬1). - وَعَنْ أَبي عَيَّاشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ إِذا أَصْبَحَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَانَ لَهُ عِدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبحَ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللهُ لا إَلَهَ إِلَّا هُو، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، سَبعَ مَرَّاتٍ، كَفَاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ هَمَّهُ مِن أَمرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ». أخرجه ابن السني (¬3). - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ: «مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرَفَةَ عَيْنٍ». أخرجه النسائي في «الكبرى» والحاكم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6403) , ومسلم برقم (2691) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5077) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3867). (¬3) صحيح/ أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» برقم (71). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي في الكبرى برقم (10405) , وأخرجه الحاكم برقم (2000).

2 - أذكار الأحوال العادية

2 - أذكار الأحوال العادية - ما يقول عند دخول البيت: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً وما يقال له: 1 - عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اسْتَجَدَّ ثوْباً سَمَّاهُ باسْمِهِ إِمَّا قَمِيصاً أَوْ عِمَامَةً ثمَّ يَقُولُ: «اللَّهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ». قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا لَبسَ أَحَدُهُمْ ثوْباً جَدِيداً قِيلَ لَهُ: تُبْلى وَيُخْلِفُ اللهُ تَعَالَى. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 2 - وَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنت خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قال: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ». فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قال: «ائْتُونِي بأُمِّ خَالِدٍ». فأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَألْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أبْلِي وَأخْلِقِي». مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2018). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4020) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1767).

«يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا». وَالسَّنَا بِلِسَانِ الحَبَشِيَّةِ الحَسَنُ. أخرجه البخاري (¬1). - ما يقول إذا أراد دخول الخلاء: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَخَلَ الخَلاءَ قَالَ: «اللَّهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ». متفق عليه (¬2). - ما يقول إذا خرج من الخلاء: عَنْ عَائِشَةُ رَضِي اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - ما يقول بعد الفراغ من الوضوء: عَنْ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (¬4). - ما يقول عند الخروج من البيت: 1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذ بكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا». أخرجه الترمذي والنسائي (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5845). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (142) , ومسلم برقم (375). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (30) , وأخرجه الترمذي برقم (7). (¬4) أخرجه مسلم برقم (234). (¬5) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3427) , وأخرجه النسائي برقم (5486).

2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ برَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - ما يقول حين يسمع الأذان: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬3). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَبِالإِسْلامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5095) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3426). (¬2) أخرجه مسلم برقم (384). (¬3) أخرجه البخاري برقم (614). (¬4) أخرجه مسلم برقم (386).

- ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُل: اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ». أخرجه مسلم (¬2). - ما يقول عند القيام من المجلس: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالََ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ وَبحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - ما يقوله عند النوم: عَنِ البَرَاء بن عَازِبٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466). (¬2) أخرجه مسلم برقم (713). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (10420) , وأخرجه الترمذي برقم (3433) , وهذا لفظه. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6311) , واللفظ له، ومسلم برقم (2710).

3 - أذكار الأحوال العارضة

3 - أذكار الأحوال العارضة - ما يقول إذا سمع صياح الديكة، ونهيق الحمار، ونباح الكلاب: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْألُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأتْ مَلَكاً، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأى شَيْطَاناً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الكِلاَب وَنَهِيقَ الحُمُرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذوا باللهِ فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَ مَا لاَ تَرَوْنَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). - ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مُبْتَلىً فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلا؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاءُ». أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬3). - ما يقول لمن صنع إليه معروفاً: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً، قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا». فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: «اللَّهمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2729). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14334) , وأخرجه أبو داود برقم (5103) , وهذا لفظه. (¬3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (5320) , انظر «السلسلة الصحيحة» رقم (2737). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (143) , واللفظ له، ومسلم برقم (2477).

مَعْرُوفٌ فَقَالََ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثنَاءِ». أخرجه الترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبي رَبيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ أَلْفاً، فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ وَالأَدَاءُ». أخرجه النسائي وابن ماجه (¬2). 4 - عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللهِ المُزَنِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَأتَاهُ أعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَا لِي أرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ العَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الحَمْدُ للهِ! مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلا بُخْلٍ، قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أسَامَةُ، فَاسْتَسْقَى فَأتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ، وَسَقَى فَضْلَهُ أسَامَةَ، وَقَالَ: «أحْسَنْتُمْ وَأجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا». فَلا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). - ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأوْا أوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا أخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللَّهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ». قال: ثُمَّ يَدْعُو أصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4683) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2424). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1316). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1373).

- ما يقول عند التعجب: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَهُ قال: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟». قال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقِيتَنِي وَأنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أنْ أجَالِسَكَ حَتَّى أغْتَسِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ». متفق عليه (¬1). - ما يقول عند السرور: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39]. 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -وَفيهِ-: قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللهِ! أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ، فَقَالَ: «لا». فَقُلْتُ: اللهُ أكْبَرُ. متفق عليه (¬2). - ما يقول لمن نُصح ثم استكبر: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لاَ اسْتَطَعْتَ» مَا مَنَعَهُ إِلاّ الكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَىَ فِيهِ. أخرجه مسلم (¬3). - ما يقول إذا شرع في إزالة المنكر: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (283) , ومسلم برقم (371)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5191) , واللفظ له، ومسلم برقم (1479). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2021).

الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}. متفق عليه (¬1). - ما يقول إذا أراد مدح مسلم: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحاً صَاحِبَهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَناً، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَداً أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا». متفق عليه (¬2). - ما يقول إذا زُكِّي: وَعَنْ عَدِيِّ بنِ أَرْطأَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا زُكِّيَ قَالَ: اللَّهمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (¬3). - ما يقول من الدعاء لمن يخدمه: عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَتْ أمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ، خَادِمُكَ أنَسٌ، ادْعُ اللهَ لَهُ، قال: «اللَّهمَّ أكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتَهُ». متفق عليه (¬4). - ما يفعله إذا أتاه أمر يسره: عَنْ أَبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بهِ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1781). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2662) , ومسلم برقم (3000) , واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (782). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6344) , واللفظ له، ومسلم برقم (660). (¬5) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1578) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1394) , وهذا لفظه.

- ما يقول إذا رأى السحاب والمطر: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا رَأَى سَحَاباً مُقْبلاً مِنْ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ تَرَكَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلاَتِهِ حَتَّى يَسْتَقْبلَهُ فَيَقُولُ: «اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّ مَا أُرْسِلَ بهِ» فَإِنْ أَمْطَرَ قَالَ: «اللَّهمَّ سَيْباً نَافِعاً» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثلاَثةً. وَإِنْ كَشَفَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُمْطِرْ حَمِدَ اللهَ عَلَى ذلِكَ. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» وابن ماجه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ: «اللَّهمَّ صَيِّباً نَافِعاً» رواه البخاري (¬2). - ما يقول إذا عصفت الريح: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: «اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أرْسِلَتْ بِهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أرْسِلَتْ بِهِ». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقول إذا نزل المطر: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ». متفق عليه (¬4). - ما يقول إذا عطس: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (707) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3889) وهذا لفظه. (¬2) أخرجه البخاري برقم (1032). (¬3) أخرجه مسلم برقم (899). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1038) , ومسلم برقم (71).

الحَمْدُ للهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قال لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). - ما يقول للكافر إذا عطس: عَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمُ اللهُ فَيَقُولُ: «يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - ما يقول المقيم للمسافر: عَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا أَرَادَ سَفَراً: ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - ما يقول المسافر للمقيم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: وَدِّعَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ الَّذِي لاَ يُضِيعُ وَدَائِعَهُ». أخرجه أحمد (¬4). - ما يقول لمن تزوج: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا رَفَّأَ الإنْسَانَ إِذا تَزَوَّجَ قَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ وَبَارَك عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6224). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5038) , وأخرجه الترمذي برقم (2739). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4524)، وأخرجه الترمذي برقم (3443) وهذا لفظه. (¬4) حسن/ أخرجه أحمد برقم (9230) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (16). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2130) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1091).

- ما يقول من نزل منزلاً في سفر أو غيره: عَنْ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يقول إذا تعثرت راحلته: عَنْ أَبي المَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَثرَتْ دَابَّةٌ فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: «لاَ تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثلَ البَيْتِ وَيَقُولُ بقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ بسْمِ اللهِ فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثلَ الذبَاب». أخرجه أبو داود (¬2). - ما يقول عند زيارة أهل القبور: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَداً مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقوله من أصابه شك في الإيمان: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2708). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4982). (¬3) أخرجه مسلم برقم (974). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3276) , ومسلم برقم (134) , واللفظ له.

4 - الأذكار التي تقال في أوقات الشدة

4 - الأذكار التي تقال في أوقات الشدة - ما يقول عند الكرب: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ سَعْد بن أبي وَقَاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ». أخرجه الترمذي (¬2). - ما يقول إذا أصابه هم أو حزن: عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمّ، ٌ وَلاَ حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً»، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6343) , ومسلم برقم (2730). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3505).

سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا». أخرجه أحمد (¬1). - ما يقول إذا راعه شيء: عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَاعَهُ شَيْءٌ قَالَ: «اللهُ اللهُ رَبِّي، لا شَرِيكَ لَهُ». أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (¬2). - ما يقول إذا خاف قوماً: 1 - عَنْ أبي مُوسَى الأشْعَري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذ بكَ مِنْ شُرُورِهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). 2 - «اللَّهمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». أخرجه مسلم (¬4). - ما يقول عند لقاء العدو: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا غَزَا قَالَ: «اللَّهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بكَ أَحُولُ وَبكَ أَصُولُ وَبكَ أُقَاتِلُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3712) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (199). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» برقم (657) , انظر الصحيحة رقم (2070). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19958) , وأخرجه أبو داود برقم (1537) , وهذا لفظه. (¬4) أخرجه مسلم برقم (3005). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2632) , وأخرجه الترمذي برقم (3584).

الْوَكِيلُ (173)}. أخرجه البخاري (¬1). - ما يقول من الدعاء على من ظلم المسلمين: 1 - عَنْ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «مَلأ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ». متفق عليه (¬2). 2 - «اللَّهمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». متفق عليه (¬3). - ما يقول إذا لحقه العدو: عَنْ أنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أبَا بَكْرٍ، وَأبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لا يُعْرَفُ، قال: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قال: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ. فَالتَفَتَ أبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا. فَالتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «اللَّهمَّ اصْرَعْهُ». فَصَرَعَهُ الفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ. أخرجه البخاري (¬4). - ما يقول عند طلب النصر على العدو: عَنْ عَبْداللهِ بن أبِي أوْفَى رضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأحْزَابِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4563). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6396) , واللفظ له، ومسلم برقم (627). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1006) , ومسلم برقم (675) , واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (3911).

عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقال: «اللَّهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اللَّهمَّ اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». متفق عليه (¬1). - ما يقول إذا غلبه أمر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلاَ تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». أخرجه مسلم (¬2). - ما يقول ويفعل من أذنب ذنباً: عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذنِبُ ذنْباً فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ» ثمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ? {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ... } إِلَى آخِرِ الآيَةِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - ما يقول من عليه دين عجز عنه: 1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَباً جَاءَهُ فَقَالََ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي. قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ؟ قَالَ: «قُلِ: اللَّهمَّ اكْفِنِي بحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2933) , واللفظ له، ومسلم برقم (1742). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2664). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1521) , وأخرجه الترمذي برقم (3006).

وَأَغْنِنِي بفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». أخرجه البخاري (¬2). - ما يقول من أصابته نكبة صغيرة أو كبيرة: 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسلمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فيَقوُلُ ما أمَرَه اللهُ: إنَا للهِ وَإنا إليهِ راجِعُونَ. اللِّهُمَ أجُرْني فِي مُصِيبتيَ وأخْلفِ لي خْيراً مِنْها إلا أخْلَفَ اللهُ لهُ خْيراً منْها». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقول عند الغضب: عَنْ سُلَيْمَان بن صُرَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قال: أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (1319) , وأخرجه الترمذي برقم (3563). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6369). (¬3) أخرجه مسلم برقم (918). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6115) , واللفظ له، ومسلم برقم (2610).

- ما يقول لطرد نزغات الشيطان: قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} [فُصِّلَت:36]. - ما يقول إذا استصعب عليه أمر: «اللَّهمَّ لا سَهْلَ إِلا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إِنْ شِئْتَ سَهْلاً». أخرجه ابن حبان وابن السني (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه ابن حبان برقم (970) , وأخرجه ابن السني برقم (351) وهذا لفظه.

5 - الأمراض التي تصيب الإنسان

5 - الأمراض التي تصيب الإنسان - الأمراض التي تصيب الإنسان نوعان: أمراض القلوب .. وأمراض الأبدان. وأمراض القلوب نوعان: 1 - مرض شبهة كما قال الله عز وجل عن المنافقين: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} [البقرة:10]. 2 - مرض شهوة كما قال الله عز وجل لأمهات المؤمنين: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} [الأحزاب:32]. وطب القلوب لا يمكن معرفته أبداً إلا بواسطة الرسل عليهم الصلاة والسلام. فإنه لا صلاح للقلوب إلا أن تكون مؤمنة عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه، مُؤْثِرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه. أما أمراض الأبدان فهو ما يصيبها من الأدواء والعلل بسبب الإفراط أو التفريط. وطب الأبدان نوعان: 1 - نوع فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمه، فهذا لا يحتاج إلى طبيب كالجوع والعطش والتعب، تعالج بأضدادها من الأكل والشرب والراحة. 2 - نوع يحتاج إلى فكر وتأمل، وعلاجه يكون بالأدوية الطبيعية أو الشرعية أو

بهما معاً. - أمراض القلب: مرض القلب خروجه عن صحته واعتداله، فإن صحته أن يكون عارفاً بالحق، محباً له، مُؤْثِراً له على غيره، عاملاً به. فمرضه إما بالشك فيه، وإما بإيثار غيره عليه. فمرض المنافقين مرض شك وشبهة، ومرض العصاة مرض شهوة. وللقلوب أمراض أخرى من الرياء، والكبر، والعجب والحسد، والفخر، والخيلاء، والظلم، والجهل، وحب الرئاسة، والعلو في الأرض وغير ذلك. وهذه الأمراض مركبة ومتولدة من مرضي الشبهة والشهوة، فمنهما يتفجر كل شر وبلاء. ولا يمكن أن يشفى الإنسان من هذه الأمراض إلا بثلاثة أمور: أن يرضى بالله رباً .. وبالإسلام ديناً .. وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً.

6 - عداوة الشيطان لبني آدم

6 - عداوة الشيطان لبني آدم - ما أكرم الله به الإنس والجن: خص الله عز وجل المخلوقات المكلفة وهي الإنس والجن بثلاث نعم أساسية هي: العقل .. والدين .. وحرية الاختيار. فمن آمن بالله فقد شكرها، ومن كفر بالله فقد كفرها. وإبليس أول من أساء استخدام هذه النعم، بتمرده على أمر ربه، وإصراره على معصيته، بل طلب الإمهال إلى يوم البعث لاستغلال هذه النعم أسوأ استغلال، بإغواء بني آدم، وإضلالهم، وتزيين المعاصي لهم ليتبعوه إلى النار: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ:20]. - كيد الشيطان لبني آدم: قد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق، فاتبعه الأكثرون، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي رضيه لهم. وتلطف الشيطان في الحيل والمكر والمكيدة، فأدخل الشرك وعبادة الصالحين وغيرهم على كثير من المسلمين في قالب محبة الأنبياء والصالحين، والاستشفاع بهم، وأن لهم جاهاً ومنزلة عند الله، ينتفع بها من دعاهم ولاذ بحماهم. وزين لهم أن من أقر لله وحده بالملك والتدبير، والخلق والرزق، فهو

المسلم، ولو دعا غير الله، ولاذ بحماه. وزين لهم أن الدعاء والاستعانة والاستغاثة والحب والتعظيم ونحو ذلك ليس بعبادة، وأن العبادة هي الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك من الزخرفة والمكيدة التي أضل بها الناس عن الهدى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} [النمل:24]. - سبل الشيطان: السبل التي يسلكها الإنسان أربعة: اليمين .. والشمال .. والأمام .. والخلف. وأي سبيل سلكها الإنسان من هذه وجد الشيطان عليها رصداً له. فإن سلكها العبد في طاعة الله عز وجل وجد الشيطان عليها يثبطه عنها، ويبطئه، ويعوقه، وإن سلكها في معصية الله وجده عليها حاملاً له، وخادماً ومعيناً ومزيناً: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف:16 - 17]. - مداخل الشيطان: المداخل التي يأتي الشيطان إلى الإنسان من قِبَلها ثلاثة: الشهوة .. والغضب .. والهوى. فالشهوة بهيمية، وبها يصير الإنسان ظالماً لنفسه، ومن نتائجها الحرص والبخل. والغضب سبعية، وهو آفة أعظم من الشهوة، وبالغضب يصير الإنسان ظالماً

لنفسه ولغيره، ومن نتائجه العجب والكبر. والهوى شيطانية، وهو آفة أعظم من الغضب، وبالهوى يتعدى ظلمه إلى خالقه بالشرك والكفر، ومن نتائجه الكفر والبدعة. وأكثر ذنوب الخلق بهيمية؛ لعجزهم عن غيرها، ومنها يدخلون على ما هو شر منها من بقية الأقسام: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)} [النساء:119 - 120]. وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى البَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً». أخرجه مسلم (¬1). - خطوات الشيطان: الشيطان هو السبب في حصول جميع الشرور في العالم، ويسلك لتحقيق ذلك طرقاً مختلفة على مر العصور. ويمكن حصر شره في سبع خطوات لا يزال بابن آدم حتى يوقعه فيها أو في أحدها. فأول وأعظم شر يريده من الإنسان شر الكفر والشرك، وعداوة الله ورسوله. الثانية: إن يئس من العبد وآمن نقله إلى شر البدعة وزينها له. الثالثة: إن عجز عنه فلم يقبل البدعة نقله إلى شر الكبائر. الرابعة: إن عجز عنه فلم يقبل الكبائر نقله إلى شر الصغائر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2813).

الخامسة: إن عجز عنه فلم يقبل الصغائر، أشغله بالمباحات عن الطاعات والواجبات. السادسة: إن عجز عنه فلم يقبل الاشتغال بالمباحات، أشغله بالعمل المفضول عن الفاضل كإشغاله بالنوافل حتى تفوت الفرائض وهكذا. السابعة: إن عجز عنه في كل ما سبق سلط عليه حزبه من شياطين الإنس والجن بأنواع الأذى، ليشغله ويشوش عليه أموره. فالمؤمن لا يزال في جهاد مع النفس والشيطان حتى يلقى الله نائلاً أجر الجهاد. نسأل الله العون والثبات. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة:208]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} [النور:21]. - مظاهر عداوة الشيطان للإنسان: الشيطان للإنسان عدو مبين، وهو يجسد هذه العداوة بصور وألوان مختلفة. منها: إغواء بني آدم، وتزيين الشرور والآثام لهم، ثم يتبرأ منهم. ومنها: أنه يضل بني آدم ويعدهم ويمنيهم وينزغ بينهم. ومنها: أنه يؤز بني آدم إلى المعاصي وسائر المحرمات. ومنها: أنه يغوي بني آدم بالوسوسة في العمل.

ومنها: أنه يسعى في التحريش بين بني آدم، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم. ومنها: إثارة الغل والحسد في قلوبهم. ومنها: إيذاء بني آدم بأنواع الشرور والأسقام، وصدهم عن سبيل الله بكل ما يقدر عليه. ومنها: أنه يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصباح، ويعقد على رأسه عُقَداً تمنعه من اليقظة. ومنها: أنه قعد لابن آدم بطرق الخير كلها ليمنعه منها، ويثبطه عنها، ويخوفه منها. فمن أطاع الرحمن، وعصى الشيطان، حفظه الله منه، وأدخله الجنة. ومن عصى الرحمن، وأطاع الشيطان، صار من حزبه، وحشر معه في النار. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)} [الإسراء:61 - 65]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ

مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)} [النساء:117 - 121]. 3 - وَعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبي فَاكِهٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الإسْلاَمِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثلُ المُهَاجِرِ كَمَثلِ الفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ المَرْأَةُ وَيُقْسَمُ المَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ». أخرجه أحمد والنسائي (¬1). - دفع شرور شياطين الإنس والجن: المَلك والشيطان يتعاقبان على قلب ابن آدم تعاقب الليل والنهار، وللمَلك بقلب ابن آدم لَمّة، وللشيطان لََمّة، والحرب سجال. وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: فإما إلى غلو ومجاوزة .. وإما إلى تفريط وتقصير. ولدفع شرور شياطين الإنس والجن أرشدنا الله عز وجل إلى أمرين: الأول: أمر الله عز وجل بمصانعة العدو الإنسي، وملاطفته والإحسان إليه، فإن طبعه الطيب الأصل يرده إلى الموالاة وكريم الأخلاق: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16054) , وأخرجه النسائي برقم (3134) , وهذا لفظه.

وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فُصِّلَت:34 - 35]. الثاني: أمر الله عز وجل بالاستعاذة من العدو الشيطاني، الذي لا يقبل مصانعة ولا إحساناً، بل طبعه إغواء بني آدم وعداوتهم، فقال سبحانه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} [فُصِّلَت:36].

7 - ما يعتصم به العبد من الشيطان من الأدعية والأذكار

7 - ما يعتصم به العبد من الشيطان من الأدعية والأذكار أرشد الله عز وجل كل مسلم أن يتحصن من الشيطان، ويحذر من شره، بما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، من الأدعية والأذكار، وفيهما الهدى والشفاء والعصمة من جميع الشرور في الدنيا والآخرة ومن ذلك: الحرز الأول: الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم. فقد أمر الله رسوله أن يستعيذ بالله من الشيطان على وجه العموم، وعند قراءة القرآن، وعند الغضب، وعند الوسوسة، وعند الحلم المكروه على وجه الخصوص. 1 - قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} [فُصِّلَت:36]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)} [النحل:98 - 99]. الحرز الثاني: التسمية، فالتسمية حرز من الشيطان، وعصمة من مخالطته للإنسان في طعامه وشرابه، وجماعه، ودخوله بيته، وسائر أحواله. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2018).

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أبَداً». متفق عليه (¬1). الحرز الثالث: قراءة المعوذتين عند النوم، وأدبار الصلوت، وعند المرض والأحوال الشديدة. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الجُحْفَةِ وَالأَبْوَاءِ إِذ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذ بأَعُوذ برَب الفَلَقِ وَأَعُوذ برَب النَّاسِ وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذ بهِمَا فَمَا تَعَوَّذ مُتَعَوِّذٌ بمِثلِهِمَا» قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بهِمَا فِي الصَّلاَةِ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). الحرز الرابع: قراءة آية الكرسي. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَّ الحَدِيثَ- فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ». أخرجه البخاري معلقاً (¬3). الحرز الخامس: قراءة الآىتين الأخيرتين من سورة البقرة: 1 - قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7396) , واللفظ له، ومسلم برقم (1434). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17483) , وأخرجه أبو داود برقم (1463) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه البخاري معلقاً برقم (5010) , ووصله النسائي بسند صحيح/ انظر مختصر صحيح البخاري للألباني (1/ 106).

غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} [البقرة:285 - 286]. 2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَرَأ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ». متفق عليه (¬1). الحرز السادس: قراءة سورة البقرة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ». أخرجه مسلم (¬2). الحرز السابع: الإكثار من ذكر الله تعالى بقراءة القرآن، والتهليل والتكبير، والتسبيح والتحميد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5009) , ومسلم برقم (808) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (780). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6403) , واللفظ له، ومسلم برقم (2691).

الحرز الثامن: دعاء الخروج من المنزل. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ. قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ برَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). الحرز التاسع: الدعاء إذا نزل منزلاً. عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬2). الحرز العاشر: كظم التثاؤب، ووضع اليد على الفم. 1 - عَنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ». متفق عليه (¬4). الحرز الحادي عشر: الأذان. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ، أدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإذَا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ، حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أدْبَرَ، حَتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5095) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3426). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2708). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2995). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3289) , ومسلم برقم (2994) , واللفظ له.

وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذكُر كَذَا، اذكُر كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى». متفق عليه (¬1). الحرز الثاني عشر: دعاء دخول المسجد. عَنْ عُقْبَةَ قالَ: حَدَّثنَا عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» قَالَ: أَقَطْ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذا قَالَ ذلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليَوْمِ. أخرجه أبو داود (¬2). الحرز الثالث عشر: الوضوء والصلاة، ولا سيما عند الغضب والشهوة المحرمة. الحرز الرابع عشر: طاعة الله ورسوله وتجنب فضول النظر، والكلام، والطعام، والمخالطة. الحرز الخامس عشر: تطهير البيت من الصور والتماثيل، والكلاب والأجراس. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَصْحَبُ المَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ». أخرجه مسلم (¬4). الحرز السادس عشر: اجتناب مساكن الجن والشياطين كالأماكن الخربة، والأماكن النجسة كالحشوش والمزابل، والأماكن الخالية من الإنس كالصحاري وشواطئ البحار البعيدة، ومرابض الإبل ونحوها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (608) , واللفظ له، ومسلم برقم (389). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2112). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2113).

8 - علاج السحر والمس

8 - علاج السحر والمس - السحر: هو كل ما خفي ولطف سببه. وهو عبارة عن رقى وعقد، وعزائم وأدوية، تؤثر في القلوب والأبدان. - كيفية حصول السحر: يستعمل الدجالون والمشعوذون تلك الرقى والعزائم، ويستعينون بالشياطين للإضرار بالناس، ولا يمكن للساحر أن يتعاطى السحر، وأن يؤثر في الناس ويضربهم إلا إذا تعامل مع الشياطين، وأشرك بالله عز وجل. فإذا أشرك بالله وكفر به، وأرضى الشياطين بمعصية الله، فإن الشياطين تتعاون معه للإضرار ببني آدم، مقابل كفره بالله عز وجل. - حكم السحر: السحر شر محض، وظلم وبغي وعدوان، واعتداء على حقوق العبد إما في بدنه، أو ماله، أو عقله، أو علاقته مع غيره. وتعلمه وتعليمه وفعله كفر، ولا يجوز الاستعانة بالسحرة لقضاء الحوائج، ومعرفة الغائبين، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. والساحر كافر، ولكنه لا يضر أحداً إلا بإذن الله. 1 - قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ

بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة:102]. 2 - وقال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} [الجن:26 - 27]. - أقسام السحر: السحر ينقسم إلى قسمين: الأول: سحر حقيقي يؤثر في القلوب والأبدان، وهو ناتج عن أفعال يفعلها السحرة بالناس. فهو يمرض، أو يقتل، أو يفرق بين المتحابين، أو يجمع بين المتباغضين، وهو ما يسمى بالصرف والعطف. فهذا سحر حقيقي مشاهد، لكنه لا يكون ولا يضر أحداً إلا بإذن الله. الثاني: سحر تخييلي، وهو ما يسمى عند الناس بالقُمْرة، وهو نتيجة الشعوذة. حيث يعمل الساحر أشياء وإشارات يخيل للناس أنها حقيقة، تحصل بسبب تعاون الساحر مع الشياطين، وليست حقيقة، كأن يبتلع الساحر الجمر ولا يؤثر فيه، أو يطعن نفسه بالسكين ولا تؤثر فيه، أو يمشي في النار ولا يجد حرها. وكأن يعطيك ورقاً ويخيل إليك أنها نقود، فإذا ذهب عادت إلى طبيعتها ورقاً. ومنه السِّيْرك، وأهل السِّيْرك سحرة دجالون كمن يمشي على حبل، أو يرمي

خرقة يخيل للناس أنها حمامة ونحو ذلك. فهذا كله سحر تخييلي باطل كما حكى الله عن سحرة فرعون حيث: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} [طه:65 - 66]. - عقوبة الساحر: السحر كفر، والساحر كافر؛ لأنه لا يمكن إلا عن طريق الشياطين، وعن طريق الشرك بالله جل جلاله. فإذا ثبت على أحد أنه ساحر، إما بإقرار، أو بشهادة عدلين عليه، وجب قتله، لقطع دابره، وإراحة المسلمين من شره. عَنْ بَجَالَةَ قالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بسَنَةٍ: اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ المَجُوسِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ، فَقَتَلْنَا فِي يَوْمٍ ثلاَثةَ سَوَاحِرَ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - حكم حل السحر: السحر من الكبائر، ومن أعظم المحرمات، فلا يجوز التداوي به، ولا حل السحر به، وهو ما يسمى بالنشرة. وإنما يُحَلّ السحر بالأدوية المباحة، والآيات القرآنية، والأدعية النبوية، وطلب الشفاء من الله الذي لا شافي إلا هو كما قال سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [يونس:107]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (1657) , وأخرجه أبو داود برقم (3043) , وهذا لفظه.

- حكم تحضير الأرواح: تحضير الأرواح نوع من أنواع السحر، وتحضير الأرواح تلبيس باطل، فليست الأشياء التي تتكلم هي الأرواح، وإنما هي الشياطين تدعي أنها هي الأرواح، وأرواح الموتى لا يمكن تحضيرها؛ لأنها في قبضة الله، لكن قد يأتي الشيطان بصورة الميت. - حكم استخدام الإنس للجن: الجن أحياء عقلاء .. مأمورون منهيون .. لهم طاعات ومعاص .. ولهم ثواب وعقاب .. لكننا لا نراهم في صورتهم. واستخدام الإنس للجن له أربع حالات: أحدها: أن يستخدم الجني في طاعة الله ورسوله. فمن كان من الإنس يأمر الإنس ويأمر الجن بما أمر الله ورسوله به من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا من أفضل أولياء الله، وقد حضر الجن لسماع القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} [الأحقاف:29]. الثانية: أن يستخدم الجن في أمور مباحة شرعاً، فهذا يُمنع منه؛ لعدم وروده في الشرع. الثالثة: أن يستخدم الجن فيما يظن أنه من الكرامات، فهذا مغرور قد مكروا به. الرابعة: أن يستخدم الجن فيما نهى الله ورسوله عنه، إما في الشرك، وإما في قتل معصوم الدم، أو في عدوان كنهب أموال الناس، وإيذاء المسلمين بمرض أو

فاحشة ونحو ذلك، فهذا كله محرم؛ لما فيه من الظلم والإثم والعدوان. - المس: هو صرع الجن للإنس. - أسباب المس: المس يقع بشكل مباشر من الجن، وأسبابه ثلاثة: أحدها: أن يقع المس عن شهوة وهوى وعشق كما يقع للإنس. الثاني: أن يقع عن بغض ومجازاة لمن ظلمهم أو آذاهم من الإنس، إما بقتل بعضهم، أو صب ماء حار عليهم، أو البول على بعضهم ونحو ذلك. الثالث: أن يقع عن عبث وشر من الجن كما يفعله سفهاء الناس بالناس. - الصرع: غشية وإغماء يعتري بعض الناس أحياناً. - أسباب الصرع: أسباب الصرع كثيرة، فهو يحصل إما بسبب صداع في الرأس .. أو وهن في البدن .. أو إرهاق وتعب ونحو ذلك. وقد يكون سببه تلبس الجني بالإنسي، وغلبة الجني على روح الإنسي، فيصرع الإنسي، ويغلب على عقله، ويتكلم بما لا يقصده، وينطق الجني على لسانه. - علاج السحر والمس: السحر والمس له حالتان: الأولى: أن يعرف الإنسان موضع السحر، فيُستخرج ويُتلف بحرق ونحوه، فيبطل السحر بإذن الله، وهذا أبلغ ما يعالج به المسحور.

ويمكن معرفة مكان السحر بما يلي: إما بالرؤيا في المنام .. أو يوفقه الله لرؤيته أثناء البحث عن السحر .. أو يعرفه إذا قرأ على المسحور فينطق الجني، ويخبر بمكان السحر ونحو ذلك. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ، (قال سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، إِذَا كَانَ كَذَا) فَقال: «يَا عَائِشَةُ، أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقال الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قال: مَطْبُوبٌ، قال: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قال: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقاً- قال: وَفِيمَ؟ قال: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قال: وَأَيْنَ؟ قال: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ». قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ. متفق عليه (¬1). الثانية: أن لا يعرف موضع السحر فيعالج حينئذ بأمرين: 1 - الرقية الشرعية: وهي ما اجتمع فيها ثلاثة شروط: 1 - أن تكون بكلام الله تعالى أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو بهما معاً، فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية. 2 - أن تكون باللسان العربي، أو بما يُعرف معناه من غيره. 3 - أن يعتقد أن الشافي هو الله وحده، والرقية لا تؤثر بذاتها، بل بقدرة الله تعالى. 2 - تناول الدواء المباح شرعاً مما جعله الله سبباً للشفاء والعافية كالعسل، والعجوة، والحبة السوداء، والحجامة ونحوها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5765) , واللفظ له، ومسلم برقم (2189).

1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ تَصَبّحَ بِسَبْعِ تَمرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ سُمّ وَلاَ سِحْرٌ». متفق عليه (¬2). وفي لفظ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمرَاتٍ مِمّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرّهُ سُمّ حَتّىَ يُمْسِيَ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنّ فِي الحَبّةِ السّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ، إِلاّ السّامَ». متفق عليه (¬4). 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ». أخرجه أبو داود (¬5). - صفة الرقية الشرعية: الأفضل للمسلم أن يكون على طهارة دائماً، فيتوضأ الراقي، ثم يبدأ بالقراءة على صدر المريض أو رأسه أو في أي عضو من أعضائه، يرتل الآيات، وينفث على المريض بما تيسر من القرآن ومن ذلك: سورة الفاتحة .. وآية الكرسي .. وخواتيم سورة البقرة .. وسورة الكافرون .. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5681). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5769) , ومسلم برقم (2047) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2047). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5688) , ومسلم برقم (2215) , واللفظ له. (¬5) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3861) , انظر صحيح الجامع رقم (5968).

وسورة الإخلاص .. والمعوذتان .. وآيات السحر والجان ومنها: - {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)} [الأعراف:117 - 122]. - {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)} [يونس:79 - 82]. - {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)} [طه:65 - 70]. - {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة:102].

- {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} [الصافات:1 - 10]. - {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)} [الأحقاف:29 - 30]. - {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)} [الرحمن:33 - 36]. - {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون:115 - 116]. - ثم يدعو بالأدعية النبوية الصحيحة كما سيأتي في رقية العين إن شاء الله تعالى.

9 - رقية العين

9 - رقية العين - العين: هي سهام مسمومة تخرج من نفس الحاسد إلى المحسود. - كيفية الإصابة بالعين: العين التي تصيب بني آدم نتيجة من نتائج الحسد، أو انبهار شديد بما يرى العائن، مع غفلة عن ذكر الله تعالى، وقد يتبعها شيطان من شياطين الجن. والعين تصيب المحسود تارة، وتخطئه تارة، فإن صادفته حذراً محصَّناً لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه، وإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد. وتحصل الإصابة بالعين بأن يطلق العائن الوصف على من يريد بدون ذكر اسم الله تعالى ولا تبريك، فتتلقفه الأرواح الشيطانية الحاضرة، وتعمد إلى إهلاك المعيون أو إيذائه، لكن ذلك لا يحصل إلا بإذن الله عز وجل. - علاج من أصابته العين: من أصابته عين الحاسد فله حالتان: الأولى: إن عرف العائن فعليه أن يأمره بالاغتسال، وعلى العائن أن يمتثل ويغتسل طاعة لله ورسوله، ورحمة بأخيه المصاب، ثم يؤخذ الماء الذي اغتسل فيه العائن، ويُصب من خلف المَعِين دفعة واحدة، فيبرأ بإذن الله تعالى. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَيْنُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ

سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا». أخرجه مسلم (¬1). - صفة الاغتسال: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الخَزَّارِ مِنَ الجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الجِسْمِ وَالجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقال: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَلُبِطَ بِسَهْل، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ. قال: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامِراً فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقال: «عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ هَلاَّ إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟» ثُمَّ قال لَهُ: «اغْتَسِلْ لَهُ» فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ المَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ القَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). الثانية: إذا لم يعرف العائن فيُرقى المريض بالقرآن والأدعية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع حسن الظن بالله، ويقين القارئ والمقروء عليه على أن الشافي وحده هو الله عز وجل، وأن القرآن شفاء من كل داء. ويرقيه بما تيسر من القرآن والأدعية النبوية الصحيحة ومن ذلك: - الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2188). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16076) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3509).

والمعوذتان، وإن شاء قرأ: - {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)} [البقرة:137]. - {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)} [القلم:51]. - {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء:54 - 55]. - {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء:81 - 82]. - {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس:57 - 58]. - {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} [الشعراء:75 - 82]. وغير ذلك مما تيسر من القرآن الكريم. - ثم يدعو بالأدعية النبوية الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها: - «اللَّهمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5743) , واللفظ له، ومسلم برقم (2191).

- «بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرّ كُلّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِد، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ». أخرجه مسلم (¬1). - «امْسَحِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ». أخرجه البخاري (¬2). - «أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ». أخرجه البخاري (¬3). - «أَعُوذ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّات مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ». أخرجه مسلم (¬4). - «بِاسْمِ اللهِ (ثَلاَثاً) أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» سَبْعَ مَرّاتٍ، واضعاً يده على مكان الألم. أخرجه مسلم (¬5). - «أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬6). - «بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرّ كُلّ ذِي عَيْنٍ». أخرجه مسلم (¬7). نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين الشفاء العاجل من كل داء وسقم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2186). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5744). (¬3) أخرجه البخاري برقم (3371). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2709). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2202). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3106) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2083). (¬7) أخرجه مسلم برقم (2185).

الباب السابع كتاب الأدعية

الباب السابع كتاب الأدعية ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الدعاء. 2 - فضائل الدعاء. 3 - آداب الدعاء. 4 - أفضل المواطن التي يستجاب فيها الدعاء: ويشمل: 1 - أفضل أوقات الدعاء. 2 - أفضل أماكن الدعاء. 3 - أفضل الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء. 5 - الأدعية الواردة في القرآن والسنة: وتشمل: 1 - الدعاء من القرآن الكريم. 2 - الدعاء من السنة النبوية الصحيحة.

1 - أحكام الدعاء

1 - أحكام الدعاء - الدعاء: هو سؤال العبد ربه حاجته. - حكم الدعاء: الدعاء مشروع كل وقت، ومندوب إليه في كل آن، لم يجعل الله له حداً محدوداً، ولا زماناً موقوتاً. قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60]. - أنواع الدعاء: الدعاء نوعان: 1 - دعاء ثناء: وهو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته في حصول محبوب، أو دفع مكروه، أو كشف ضر كما قال سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 2 - دعاء المسألة: وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع، أو كشف ضر. قال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)} ... [آل عمران:16]. والدعاء هو العبادة، وكل واحد من النوعين مستلزم للآخر، متضمن له.

- أفضل الدعاء: أفضل الدعاء ما جمع بين التضرع والخفية. فإخفاء الدعاء أكمل إيماناً وإخلاصاً، وأبلغ في الخضوع والخشية، وأعظم في الأدب والتوقير لله عز وجل، وأقوى في جمعية القلب على الله سبحانه، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب. وإخفاء الدعاء يدل على قرب صاحبه من ربه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف:55]. - أفضل دعاء الخلق: أفضل دعاء الخلق دعاء الأنبياء والرسل، وكله ليس فيه طلب لعَرَض من أعراض الدنيا؛ بل كله لطلب الإيمان والعلم النافع، والعمل الصالح، والفوز بالجنة والرضوان، والنجاة من النار. فهذا دعاء القلوب التي عرفت ربها وفاطرها، وعرفت ما عنده من الخير والنعيم، فأصبحت تحتقر ما عداه، كما قال سليمان - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل:19]. - أفضل ما يسأله العبد ربه: أمرنا الله عز وجل أن نسأله كل شيء من خيري الدنيا والآخرة.

وأعظم ما يسأل العبد ربه إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وأنفع الدعاء طلب العون على مرضاة الله. فهذا أجلّ المطالب، ونيله أشرف المواهب. وحتى يستجاب هذا الدعاء، علّمنا الله كيف نسأله. فأمرنا أن نقدم بين يدي سؤالنا حمد الله، والثناء عليه، وتمجيده، ثم الإقرار بعبوديته وتوحيده، فهذا لا يكاد يرد معه الدعاء كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة:2 - 6]. وأمهات مطالب السائلين من رب العالمين أربع: 1 - إما خير موجود: فيُطلب دوامه وثباته، وأن لا يُسْلَبه كالإيمان والأعمال الصالحة. 2 - وإما خير موعود: فيُطلب حصوله كالوصول إلى الجنة. هذا ما يتعلق بالخير، أما الشر فنوعان: 1 - شر موجود: فيَطلب من ربه رفعه كالذنوب والسيئات. والذنوب والسيئات إذا افترقا فمعناهما واحد، وإذا اجتمعا فالمراد بالذنوب الكبائر، والمراد بالسيئات الصغائر. 2 - شر معدوم: فيَطلب بقاءه على العدم، والنجاة منه كالنار والمصائب. وقد ذكر الله هذه المطالب كلها في قوله سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا

تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} [آل عمران:193 - 195]. - ما يجوز من الدعاء وما لا يجوز: الدعاء على ثلاثة أضرب: 1 - دعاء أمر الله العبد به إما أمر إيجاب، أو أمر استحباب كالأدعية الواردة في العبادات وغيرها مما ورد في القرآن والسنة، فهذا يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه. 2 - دعاء نهى الله العبد عنه كالاعتداء في الدعاء. مثل أن يسأل العبد ما هو من خصائص الرب، كأن يسأل الله أن يجعله بكل شيء عليم، أو على كل شيء قدير، أو يطلعه على الغيب ونحو ذلك. فهذا الدعاء لا يحبه الله، ولا يرضاه. 3 - دعاء مباح كأن يسأل العبد الفضول التي لا معصية فيها. - حكم طلب الدعاء من الناس: الأصل أن يدعو كل مسلم بنفسه لنفسه ولغيره. ويجوز طلب الدعاء من الفاضل الحي لعارض وسبب. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)} [يوسف:97 - 98]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إذْ قَامَ

رَجُلٌ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ أنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ امَرْأَةً سَوْدَاءَ أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» قَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متفق عليه (¬2). - فضل الدعاء للغير: 1 - قال الله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح:28]. 2 - وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم التوسل: التوسل الذي جاءت به الشريعة أنواع: أحدها: التوسل إلى الله بالإيمان به وطاعته، كما قال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)} [آل عمران:193]. الثاني: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (932) , واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5652) , ومسلم برقم (2576) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2733).

كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). الثالث: التوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره، كما قال أيوب - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84]. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته من الأحياء الصالحين. كمَا قالَ الأعرَابِي يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهمَّ اسْقِنَا، اللَّهمَّ اسْقِنَا، اللَّهمَّ اسْقِنَا». متفق عليه (¬2). الخامس: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة. متفق عليه (¬3). فهذا كله من التوسل المشروع. أما التوسل إلى الله سبحانه بذوات الصالحين وجاههم أحياءً أو أمواتاً، فهذا كله بدعة ووسيلة من وسائل الشرك الأكبر؛ بل هذا من الغلط والجهل الذي تتابع عليه الجهال. فما أجهل من يذهب إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو قبور الأنبياء الصالحين، ثم يشكو لهم الحال، ويسألهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء الأسقام. والله يقول: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3513) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3850). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1013) , واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3464) , ومسلم برقم (2964).

تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر:13 - 14]. ويقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف:188]. - مفاسد سؤال الخلق: في سؤال الخلق ثلاث مفاسد: الأولى: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهذا نوع من الشرك. الثانية: مفسدة إيذاء المخلوق، وهذا نوع من الظلم. الثالثة: مفسدة ذل العبد لغير خالقه، وهذا ظلم للنفس. - من يسأل العبدُ حاجته؟: ما يحتاجه العباد قسمان: أحدهما: ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا لا يطلب إلا من الله وحده سبحانه، فهو القادر عليه وحده دون سواه مثل: هداية القلوب .. غفران الذنوب .. شفاء المرضى .. إنزال المطر .. إنبات النبات .. كشف الكربات .. ونحو ذلك من جلب المنافع ودفع المضار. الثاني: ما يقدر عليه الناس، فيستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه من النصر، والعون، والعطاء ونحو ذلك مما أقدره الله عليه. فالأول لا يطلب إلا من الله وحده، ومن طلبه من غيره فقد أشرك. والثاني يطلب من الله دائماً، ويطلب من غيره ممن يقدر عليه عند الضرورة.

- كيفية الحصول على المحبوب: الناس في تحصيل مرادهم بالأسباب والدعاء أربعة أقسام: 1 - منهم من فعل الأسباب المأمور بها، وسأل ربه سؤال من لم يُدْلِ بسبب أصلاً، بل سؤال يائس ليس له حيلة ولا وسيلة، فهذا أعلم الخلق، وأحزمهم، وأفضلهم. 2 - منهم من لم يفعل الأسباب، ولم يسأل ربه، فهذا أجهل الخلق وأمهنهم، وأعجزهم. 3 - منهم من فعل الأسباب، ولم يسأل ربه، فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله على الأسباب، لكنه منقوص لا يحصل له ما يريد إلا بجهد، فإذا حصل له فهو قليل البركة، سريع الزوال. 4 - منهم من نبذ الأسباب وراء ظهره، وأقبل على الطلب والدعاء، فهذا يُحمد إن كانت الأسباب محرمة، ويُذم إذا كانت الأسباب مأموراً بها كمن يطلب الولد من غير نكاح، فيترك النكاح، ويسأل ربه أن يرزقه الولد. - أحوال الدعاء مع البلاء: الدعاء من أنفع الأدوية الشافية بإذن الله، وهو عدو البلاء، يمنع نزوله، ويرفعه إذا نزل أو يُخففه. وللدعاء مع البلاء ثلاث حالات: الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه. الثانية: أن يكون الدعاء أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء. الثالثة: أن يتقاوم الدعاء والبلاء، ويمنع كل واحد منهما صاحبه.

- موانع إجابة الدعاء: الدعاء من أقوى الأسباب في حصول المطلوب، ودفع المكروه. وقد يتخلف عن الدعاء أثره لما يلي: إما لضعف القلب وعدم إقباله على الله تعالى وقت الدعاء. وإما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان. وإما لوجود المانع من الإجابة من أكل الحرام، والملبس الحرام، وضعف اليقين، واستيلاء الغفلة، والظلم والعدوان، وتراكم الذنوب على القلب. وإما استعجال الإجابة، وترك الدعاء. وربما منعه الله في الدنيا ليعطيه في الآخرة أعظم منه. وربما منعه وصرف عنه من الشر مثله. وربما كان في حصول المطلوب زيادة إثم، فكان المنع أولى. وربما منعه لئلا ينشغل به عن ربه فلا يسأله ولا يقف ببابه. - فقه إجابة الدعاء: كل من دعا الله أجابه، وليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، أو محباً له، أو راضياً بفعله، فالله سبحانه مالك كل شيء، وعنده خزائن كل شيء، يسأله من في السماوات ومن في الأرض، يسأله المؤمن والكافر .. والبَرّ والفاجر .. والمطيع والعاصي. وكثير من الناس يدعو دعاءً يعتدي فيه، فيحصل له ذلك أو بعضه، فيظن أن عمله صالح مرضي لله، ويرى أن الله لرضاه عنه يسارع له في الخيرات، فهذا من المغرورين الذين قال الله عنهم: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)

نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون:55 - 56]. بل هو استدراج كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام:44]. فالدعاء له حالتان: 1 - إما أن يكون عبادة يثاب عليها الداعي كسؤال الله الإعانة والمغفرة ونحوهما. 2 - أو يكون مسألة تقضى به حاجته، ويكون مضرة عليه، تنقص به درجته، ويقضي الله حاجته، ويعاقبه على ما أضاع من حقوقه، وتجاوز حدوده. - شروط الدعاء: الدعاء بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط. فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به .. والساعد ساعداً قوياً .. والمانع مفقوداً، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلفت الثلاثة أو واحد منها تخلف الأثر. والدعاء سلاح المؤمن، ينفع مما نزل ومما لم ينزل. وبقدر قوة اليقين على الله، والاستقامة على أوامره، وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله، تكون إجابة الدعاء بما هو أصلح للعبد. وإذا حصل الدعاء بشروطه: فالله إما أن يعطي السائل حالاً .. أو يؤخره ليُكثر السائل من البكاء والتضرع .. أو يعطيه الله شيئاً آخر أنفع له من سؤاله .. أو يرفع به عنه بلاءً .. أو يؤخره إلى يوم القيامة.

فالله أعلم بما يصلح لعباده فلا نستعجل {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:3]. قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} ... [البقرة:186]. - أوقات الدعاء: الدعاء له ثلاث حالات: 1 - تارة يكون قبل العمل طلباً للعون عليه، كما قال سبحانه في غزوة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال:9]. 2 - وتارة يكون أثناء العمل طلباً للثبات عليه، والاستمرار فيه، والعون عليه، وإخلاصه وقبوله كما قال سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة:127 - 128]. 3 - وتارة يكون بعد العمل، ثناءً على الله، واستغفاراً لما حصل من تقصير كما قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:1 - 3]. - قيمة المؤمن عند ربه: المؤمن كريم على ربه، الله يحبه، ويحب عمله، ويضاعف أجره، ويتحبب

إليه بالنعم، ويتودد إليه بالعفو، ويغفر ذنوبه وزلاته، ويقبل أعماله حياً وميتاً. المؤمن نائم على فراشه، والملائكة يستغفرون له، والأنبياء يدعون له، والمؤمنون إلى يوم القيامة يستغفرون له. فالملائكة يستغفرون له، ويدعون له كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر:7]. والأنبياء والرسل يستغفرون له، ويدعون له. فقال نوح - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح:28]. وقال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم:41]. وقال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد:19]. والمؤمنون يستغفرون له، ويدعون له كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر:10].

2 - فضائل الدعاء

2 - فضائل الدعاء 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)} [آل عمران:147 - 148]. 4 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف:56]. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي». متفق عليه (¬1). 6 - وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ، ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60]. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7405) , ومسلم برقم (2675) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1479) , وأخرجه الترمذي برقم (3247) , وهذا لفظه.

3 - آداب الدعاء

3 - آداب الدعاء - هيئة القلب عند الدعاء: يتوجه المسلم إلى ربه بالدعاء كأنه يراه، بإظهار الافتقار إلى ربه .. والتذلل والانكسار بين يدي مولاه .. والتبرؤ من الحول والقوة .. واستشعار الخوف والوجل من الله .. والثناء على الله عز وجل بكل المحامد .. واستحضار عظمة الله وجلاله .. ورؤية إنعامه وإحسانه .. ويتوجه إليه وحده .. ولا يلتفت إلى ما سواه .. ويجزم أن الله يراه .. ويسمع كلامه .. ويتيقن أن الله سيجيب دعاءه بما هو أصلح له. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْألَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللَّهمَّ إِنْ شِئْتَ فَأعْطِنِي، فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ». متفق عليه (¬1). - أسباب إجابة الدعاء: يجيب الله دعاء العبد إذا تحققت الشروط، وانتفت الموانع. ومن أهم أسباب إجابة الدعاء ما يلي: الإخلاص لله عز وجل .. وحضور القلب أثناء الدعاء .. وخفض الصوت بالدعاء .. والاعتراف بالذنب .. والاستغفار منه .. والاعتراف بالنعم .. وشكر الله عليها. وتكرار الدعاء ثلاثاً .. والإلحاح في الدعاء .. وعدم استبطاء الإجابة .. والجزم في الدعاء مع اليقين بالإجابة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6338) , واللفظ له، ومسلم برقم (2678).

وأن يبدأ بحمد الله تعالى .. والثناء عليه .. ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الدعاء وآخره. واستقبال القبلة أثناء الدعاء .. ورفع اليدين إلى المنكبين ضاماً لهما وبطونهما نحو السماء، وإن شاء قنَّع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة. التضرع والخشوع .. والطهارة من الحدث والخبث. وأن لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم .. وأن لا يعتدي في الدعاء .. ولا يدعو على نفسه وأهله وماله وولده. وأن يكون مطعمه ومشربه وملبسه من حلال .. ويرد المظالم إن كانت .. ويكثر من الاستغفار. وأن يكثر من نوافل العبادات .. ويحسن بر والديه .. ويتوسل إلى ربه بأسمائه وصفاته وأعماله الصالحة. وأن يدعو بجوامع الكلم مما ورد في القرآن والسنة .. ويدعو في الرخاء والشدة بالأدعية التي هي مظنة الإجابة مما ورد في القرآن، وثبت في السنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. - صفة رفع اليدين عند الدعاء: رفع اليدين عند الدعاء له ثلاث حالات: الأولى: عند الدعاء العام، ويسمى المسألة. وصفته: أن يرفع يديه حذو منكبيه أو نحوهما، ضاماً لهما وبطونهما نحو السماء، وإن شاء قنَّع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة. الثانية: عند الابتهال، وهو المبالغة في المسألة، كحال الجدب، وعند النازلة،

ونحو ذلك من أحوال الشدة. وصفته: أن يرفع يديه ماداً لهما كأن ظهورهما إلى السماء، حتى يرى بياض إبطيه. الثالثة: رفع سبابة اليد اليمنى حال التشهد في الصلاة، وعند الذكر والدعاء حال الخطبة على المنبر. فهذه حالات رفع اليدين عند الدعاء، ولكل حالة رفعٌ يخصها.

4 - أفضل المواطن التي يستجاب فيها الدعاء

4 - أفضل المواطن التي يستجاب فيها الدعاء 1 - أفضل أوقات الدعاء: جوف الليل الآخر .. ليلة القدر .. دبر الصلوات المكتوبات .. بين الأذان والإقامة .. ساعة من كل ليلة .. ساعة من يوم الجمعة وأرجاها آخر ساعة بعد العصر، وعند دخول الإمام للخطبة إلى أن تقضى الصلاة .. وعند النداء للصلوات المكتوبة .. وإذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا .. الدعاء في شهر رمضان ونحو ذلك. 2 - أفضل أماكن الدعاء: دعاء يوم عرفة في عرفة .. والدعاء على الصفا .. والدعاء على المروة .. والدعاء عند المشعر الحرام .. والدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى في النسك. 3 - أفضل الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء: الدعاء حال إقبال القلب على الله تعالى .. والدعاء حال السجود .. والدعاء بعد الوضوء .. والدعاء عند شرب ماء زمزم .. ودعاء المسافر .. ودعاء المريض .. ودعاء المظلوم .. ودعاء المضطر .. ودعاء الوالد لولده .. والدعاء عند صياح الديكة .. وعند الدعاء بـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ونحو ذلك. - أهم أسباب إجابة الدعاء: 1 - كمال اليقين على الله، وحسن التوكل عليه:

1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله عليه وسلم -: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود:56]. 2 - كثرة ذكر الله والتفكر في مخلوقاته: قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران:190 - 191]. 3 - الاستغاثة بالله، ولزوم الطاعات في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال:9]. 2 - وقال الله تعالى عن يونس - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات:143 - 147]. 4 - التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته مع إظهار الافتقار إليه: قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84].

5 - كثرة الاستغفار والتوبة: 1 - قال الله تعالى عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله عليه وسلم -: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود:52]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء:110]. 6 - الاعتراف بالخطأ والتقصير: 1 - قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. 2 - وقال الله تعالى عن موسى - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)} [القصص:16]. 7 - قضاء حوائج الخَلق والإحسان إليهم: 1 - قال الله تعالى عن الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:90]. 2 - وقال الله تعالى عن موسى - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي

حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)} [القصص:23 - 25].

5 - الأدعية الواردة في القرآن والسنة

5 - الأدعية الواردة في القرآن والسنة هذه بعض الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، يدعو بها المسلم، ويختار منها ما يناسب حاله. 1 - الدعاء من القرآن الكريم - {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة:1 - 7]. - {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر:1]. - {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)} [الكهف:1 - 3]. - {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} [الأنعام:1]. - {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية:36 - 37]. - {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)} [الحشر:22]. - {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ

الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر:23]. - {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر:24]. - {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} [يس:36]. - {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس:83]. - {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)} [الزُّخرُف:82]. - {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)} [البقرة:32]. - {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)} [الأعراف:143]. - {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران:173]. - {حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة:129]. - {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء:87]. - {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف:23]. - {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)} [الممتحنة:4]. - {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)} [إبراهيم:38]. - {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} [آل عمران:53].

- {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} [المؤمنون:109]. - {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)} [آل عمران:16]. - {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)} [الكهف:10]. - {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} [الأعراف:126]. - {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)} [البقرة:250]. - {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [الأعراف:89]. - {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)} [التحريم:8]. - {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)} [الفرقان:65 - 66]. - {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران:147]. - {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر:10]. - {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان:74]. - {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم:41]. - {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)} [آل عمران:9].

- {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة:201]. - {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)} [غافر:7 - 9]. - {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} [الممتحنة:5]. - {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} [يونس:85 - 86]. - {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران:8]. - {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} [البقرة:286]. - {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)} [الأعراف:47]. - {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} [الدخان:12]. - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة:127 - 128]. - {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ

فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران:191 - 194]. - {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)} [يونس:88]. - {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل:19]. - {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} [الأحقاف:15]. - {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)} [إبراهيم:40]. - {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)} [طه:25 - 28]. - {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)} [الشعراء:83 - 85]. - {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)} [آل عمران:38]. - {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} [الصافات:100]. - {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه:114].

- {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)} [الإسراء:80]. - {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص:16]. - {رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [العنكبوت:30]. - {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)} [المؤمنون:29]. - {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:126]. - {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)} [إبراهيم:35]. - {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} [القصص:24]. - {رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)} [المؤمنون:93 - 94]. - {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)} [الأنبياء:112]. - {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} [هود:45]. - {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)} [مريم:4]. - {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)} [القصص:21]. - {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)} [الشعراء:117 - 118].

- {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)} [يوسف:33]. - {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)} [الأنبياء:89]. - {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)} [المؤمنون:118]. - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح:28]. - {رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء:24]. - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)} [ص:35]. - {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)} [الأعراف:151]. - {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)} [القصص:17]. - {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)} [المؤمنون:97 - 98]. - {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} [هود:47]. - {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)} [المائدة:25]. - {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} [نوح:26 - 27]. - {رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)} [الرعد:30].

- {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} [الزُّمَر:46]. - {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء:87]. - {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران:26 - 27]. - {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة:285]. - {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} ... [الأعراف:155 - 156]. - {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} [يونس:85 - 86]. - {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)} [يوسف:101]. - {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات:180 - 182].

2 - الدعاء من السنة النبوية الصحيحة

2 - الدعاء من السنة النبوية الصحيحة - «اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أنْتَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَأسْرَرْتُ وَأعْلَنْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لا إِلَهَ إِلا أنْتَ». متفق عليه (¬1). - «اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». أخرجه مسلم (¬2). - «سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي». متفق عليه (¬3). - «اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬4). - «اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7442) , واللفظ له، ومسلم برقم (769). (¬2) أخرجه مسلم برقم (471). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (794) , واللفظ له، ومسلم برقم (484). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) , واللفظ له، ومسلم برقم (406). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834) واللفظ له, ومسلم برقم (2705).

- «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ». متفق عليه (¬1). - «اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». أخرجه البخاري (¬2). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْل، ِ وَالهَرَمِ وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا». أخرجه مسلم (¬3). - «اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَغْرَمِ وَالمَأْثَمِ، اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ». متفق عليه (¬4). - «اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ القَبْرِ». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2823) , ومسلم برقم (2706) , واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6369). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2722). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6375) , واللفظ له، ومسلم برقم (49) (589) في كتاب الذكر والدعاء. (¬5) أخرجه البخاري برقم (6374).

- «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ». أخرجه مسلم (¬1). - «اللَّهمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». متفق عليه (¬2). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ». أخرجه مسلم (¬3). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ البَرَصِ وَالجُنُونِ وَالجُذامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬4). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ». أخرجه الترمذي (¬5). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي». أخرجه الترمذي والنسائي (¬6). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الفَقْرِ وَالقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذ بكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬7). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي». أخرجه أبو داود والنسائي (¬8). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2716). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6376) , واللفظ له، ومسلم برقم (587). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2739). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1554) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5493). (¬5) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3591). (¬6) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3492) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5455). (¬7) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1544) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5460). (¬8) صحيح/ أخرجه أبو داودبرقم (5074) , وأخرجه النسائي برقم (5529) , وهذا لفظه.

- «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الهَدْمِ وَأَعُوذ بكَ مِنَ التَّرَدِّي وَأَعُوذ بكَ مِنَ الغَرَقِ وَالحَرَقِ وَالهَرمِ وَأَعُوذ بكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ المَوْتِ وَأَعُوذ بكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبيلِكَ مُدْبراً وَأَعُوذ بكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغاً». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذ بكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمِ اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبيُّكَ وَأَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذ بهِ عَبْدُكَ وَنَبيُّكَ اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَعُوذ بكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْراً». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللهُ بأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذنُوبي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بأَنَّ لَكَ الحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬4). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1552) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5531). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (25533) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3846) , وهذا لفظه. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (985) , وأخرجه النسائي برقم (1301) , وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1495) , وأخرجه النسائي برقم (1300) , وهذا لفظه. (¬5) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3475) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3857).

- «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالسَّدَادَ». أخرجه مسلم (¬1). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وَحُبَّ المَسَاكِينِ وَإِذا أَرَدْتَ بعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ». أخرجه الترمذي (¬2). - «اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى». أخرجه مسلم (¬3). - «اللَّهمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» وأبو داود (¬4). - «اللَّهمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَعَظِّمْ لِي نُوراً». أخرجه مسلم (¬5). - «اللَّهمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». أخرجه مسلم (¬6). - «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي، فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». متفق عليه (¬7). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2725). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3233). (¬3) أخرجه مسلم برقم (4721). (¬4) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (771) , وأخرجه أبو داود برقم (1522). (¬5) أخرجه مسلم برقم (763). (¬6) أخرجه مسلم برقم (2720). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6398)، ومسلم برقم (2719) , واللفظ له.

- «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي». أخرجه مسلم (¬1). - «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ». أخرجه مسلم (¬2). - «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلا أنْتَ». أخرجه مسلم (¬3). - «اللَّهمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ». أخرجه البخاري (¬4). - «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). - «اللَّهمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي». أخرجه مسلم (¬6). - «اللَّهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2697). (¬2) أخرجه مسلم برقم (483). (¬3) أخرجه مسلم برقم (771). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6306). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1425)، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (464). (¬6) أخرجه مسلم برقم (2725).

لاَ يَمُوتُ، وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ». متفق عليه (¬1). - «اللَّهمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». متفق عليه (¬2). - «اللَّهمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ». أخرجه مسلم (¬3). - «يَا مُقَلِّبَ القُلُوب ثبتْ قَلْبي عَلَى دِينِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬4). - «اللَّهمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي». أخرجه أحمد (¬5). - «اللَّهمَّ بعِلْمِكَ الغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي اللَّهمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْب وَالشَّهَادَةِ وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَب وَأَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى وَأَسْأَلُكَ نَعِيماً لاَ يَنْفَدُ وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ القَضَاءِ وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ وَأَسْأَلُكَ لَذةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهمَّ زَيِّنَّا بزِينَةِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7383) , ومسلم برقم (2717) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6389) , ومسلم برقم (2688). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2654). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12107) , وأخرجه الترمذي برقم (2140). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4318) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (199).

الإيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ». أخرجه النسائي (¬1). - «اللَّهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - «اللَّهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أوْ أشَدَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ». متفق عليه (¬3). - «اللَّهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مُدِّنَا وَفِي صَاعِنَا، بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ». أخرجه مسلم (¬4). - «اللَّهمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، َ وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ المُقِيمَ الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ العَيْلَةِ وَالأَمْنَ يَوْمَ الخَوْفِ، اللَّهمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِْيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ اللَّهمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عن سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ، إِلَهَ الحَقِّ». أخرجه أحمد والبخاري في «الأدب المفرد» (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1305). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3513) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3850). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1889) , ومسلم برقم (1376) , واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (1373). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15573) , وهذا لفظه، وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (720).

- «اللَّهمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». أخرجه مسلم (¬1). - «اللَّهمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي». أخرجه أحمد (¬2). - «رَب اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). - «اللَّهمَّ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (770). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (24392). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4726)، وأخرجه الترمذي برقم (3434). (¬4) أخرجه مسلم برقم (486).

الباب الثامن كتاب الآداب

الباب الثامن كتاب الآداب ويشتمل على ما يلي: 1 - آداب السلام. 2 - آداب الاستئذان. 3 - آداب اللقاء. 4 - آداب الزيارة. 5 - آداب الضيافة. 6 - آداب المعاشرات. 7 - آداب الأكل والشرب. 8 - آداب النوم والاستيقاظ. 9 - آداب الرؤيا. 10 - آداب قضاء الحاجة. 11 - آداب اللباس والزينة. 12 - آداب عشرة النساء. 13 - آداب الكلام. 14 - آداب المجلس. 15 - آداب الطريق. 16 - آداب المساجد. 17 - آداب الدعاء. 18 - آداب الشورى. 19 - آداب عيادة المريض. 20 - آداب العطاس والتثاؤب. 21 - آداب الجوار. 22 - آداب البيوت. 23 - آداب السوق. 24 - آداب السفر.

1 - آداب السلام

1 - آداب السلام · فضل السلام: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بوَجْهِ كَذابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلاَمٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). · صفة السلام: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء:86]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (12) , واللفظ له، ومسلم برقم (39). (¬2) أخرجه مسلم برقم (54). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2485) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1334).

2 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ثمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَشْرٌ». ثمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: «عِشْرُونَ». ثمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: «ثلاَثونَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). · صفة رد السلام: قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء:86]. · الأفضل رد السلام على طهارة: عَنْ أبِي الجَهْمِ ابْنِ الحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ، حَتَّى أقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ. أخرجه مسلم (¬2). · عدم السلام والرد أثناء قضاء الحاجة: عَنِ المُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثمَّ اعْتَذرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذكُرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5195) , وأخرجه الترمذي برقم (2689). (¬2) أخرجه مسلم برقم (369). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (17) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (38).

· الأَوْلى بالبدء بالسلام: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُسَلّمُ الرّاكِبُ عَلَى المَاشِي، والمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ». متفق عليه (¬2). · السلام على من عرفت ومن لم تعرف: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلا سَألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (¬3). · فضل المصافحة: عَنْ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). · متى تكون المصافحة والمعانقة؟: عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَلاقَوا تَصَافَحُوا وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفِرٍ تَعانَقُوا. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6321) , ومسلم برقم (2160). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6232)، ومسلم برقم (2160). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (12) , واللفظ له، ومسلم برقم (39). (¬4) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (5212) , وأخرجه الترمذي برقم (2727). (¬5) حسن/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (97) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (2647).

· عدم الانحناء عند اللقاء: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبلُهُ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: أَفَيَأْخُذ بيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). · السلام عند الدخول وعند الخروج: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الأُولَى بأَحَقَّ مِنْ الآخِرَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). · صفة السلام على أيقاظ عند نيام: عَنِ المِقْدَادِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لَي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَىَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَىَ أَهْلِهِ، فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «احْتَلِبُوا هََذَا اللّبَنَ بَيْنَنَا»، قَالَ: فَكُنّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلّ إنْسَانٍ مِنّا نَصِيبَهُ، وَنَرْفَعُ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَصِيبَهُ، قَالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللّيْلِ فَيُسَلّمُ تَسْلِيماً لاَ يُوقِظُ نَائِماً، وَيُسْمِعُ اليَقْظَانَ، قَالَ ثُمّ يَأْتِي المَسْجِدَ فَيُصَلّي، ثُمّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ. أخرجه مسلم (¬3). · تكرار السلام إذا لم يسمع: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً، ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (2728) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3702). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (5208) , وأخرجه الترمذي برقم (2706). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2055).

حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً. أخرجه البخاري (¬1). · عدم السلام على الكفار: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَبْدَؤُا اليَهُودَ وَلاَ النّصَارَىَ بِالسّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرّوهُ إِلَىَ أَضْيَقِهِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». متفق عليه (¬3). · من مر بمجلس فيه كفار ومسلمون سلم وقصد المسلمين: عَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ حِمَاراً، عَلَيْهِ إكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتّىَ مَرّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ، فِيهِمْ عَبْداللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْداللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدّابّةِ، خَمّرَ عَبْدالله بْنُ أُبَيّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمّ قَالَ: لاَ تُغَبّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلّمَ عَلَيْهِمُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إلَى الله وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (95). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2167). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6258) , واللفظ له، ومسلم برقم (2162). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5663) , ومسلم برقم (1798) , واللفظ له.

· ما يقول من التحايا بعد السلام ورده: 1 - عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ لَمَّا أتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ القَوْمُ؟ أوْ مَنِ الوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ. قال: «مَرْحَباً بِالقَوْمِ، أوْ بِالوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِأمِّ هَانِئٍ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. متفق عليه (¬2). · تأنيس القادم، وسؤاله عن اسمه لينزل منزلته: عَنْ أبِي جَمْرَةَ قالَ: كُنْتُ أتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: إنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ أتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنِ الوَفْدُ أوْ مَنِ القَوْمُ؟». قَالُوا: رَبِيعَةُ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِالقَوْمِ أوْ بِالوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى». متفق عليه (¬3). · السلام عند دخول البيت: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} [النور:61]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} [النور:27]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (53) , واللفظ له، ومسلم برقم (17). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (357) , واللفظ له، ومسلم برقم (336). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (87) , واللفظ له، ومسلم برقم (17).

· السلام على الصبيان والنساء عند أمن الفتنة: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَسْمَاء بنت يَزِيد رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: مَرَّ عَلَيْنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). · تسليم النساء على الرجال عند أمن الفتنة: عَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِأمِّ هَانِئٍ». متفق عليه (¬3). · إذا التقى اثنان متساويان فأفضلهما من بدأ بالسلام: 1 - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ المَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6247) , واللفظ له، ومسلم برقم (2168). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5204) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3701). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6158) , واللفظ له، ومسلم برقم (336). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6077) , ومسلم برقم (2560) , واللفظ له.

- صلى الله عليه وسلم -: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». متفق عليه (¬1). · عدم الابتداء بـ: عليك السلام: عَنْ أَبي جُرَيٍّ الهُجَيْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «لاَ تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ المَوْتَى». أخرجه أبو داود (¬2). · القيام للقادم إكراماً له: 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، فَأرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ فَجَاءَ، فَقَالَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أوْ قال: خَيْرِكُمْ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ سَمْتاً وَهَدْياً وَدَلاًّ برَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهَا كَانَتْ إِذا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذ بيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذتْ بيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا. أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). · عدم القيام على الشخص تعظيماً له: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَأبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَاماً، فَأشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا، فَصَلَّيْنَا بِصَلاتِهِ قُعُوداً، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: «إِنْ كِدْتُمْ آنِفاً لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6251) , واللفظ له، ومسلم برقم (397). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5209). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6262) , واللفظ له، ومسلم برقم (1768). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5217) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3872).

فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلا تَفْعَلُوا». أخرجه مسلم (¬1). · عقوبة من سره أن يتمثل له الرجال قياماً: عَنْ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). · تقديم تحية المسجد على السلام على من في الحلقة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ المَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». متفق عليه (¬3). · صفة رد السلام على الغائب: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ». فَقالتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لا أرَى. متفق عليه (¬4). · عدم السلام على من اقترف ذنباً إذا كان ذلك يردعه: عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلامِنَا، وَآتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلامِ أمْ لا؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الفَجْرَ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (413). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5229) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2755). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6251) , واللفظ له، ومسلم برقم (397). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3217) , واللفظ له، ومسلم برقم (2447). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6255) , واللفظ له، ومسلم برقم (2769).

2 - آداب الاستئذان

2 - آداب الاستئذان - حكمة الاستئذان: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} [النور:27]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِدْرىً يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «لَوْ أعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ». متفق عليه (¬1). - كيفية الاستئذان: 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أحَدُكُمْ ثَلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: حَدَّثنَا رَجُلٌ مَنْ بَنِي عَامِرٍ أَنَّهُ اسْتَأْذنَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَلِجُ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَادِمِهِ: «اخْرُجْ إِلَى هَذا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذانَ فَقُلْ لَهُ: قُلِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟» فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - أين يقف من يريد الاستئذان؟: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبلْ البَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأيْمَنِ أَوْ الأيْسَرِ وَيَقُولُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6241) , واللفظ له، ومسلم برقم (2156). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6245) , واللفظ له، ومسلم برقم (2154). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23515) , وأخرجه أبو داود برقم (5177) , وهذا لفظه.

السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - وقت استئذان المماليك والصغار: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)} [النور:58]. - من دعاه أحد فجاء إليه فليستأذن: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «أبَا هِرٍّ، الحَقْ أهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ». قال: فَأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. أخرجه البخاري (¬2). - لزوم الجماعة وعدم الاستئذان إلا لحاجة: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)} [النور:62]. - عدم النظر في بيت غيره إلا بإذنه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17844) , وأخرجه أبو داود برقم (5186) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6246).

عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ». متفق عليه (¬1). - ما يقوله المستأذن إذا سئل عن اسمه: 1 - عَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالتْ: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: «مَنْ ذَا؟». فَقُلْتُ: أنَا، فَقَالَ: «أنَا أنَا». كَأنَّهُ كَرِهَهَا. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6888) , ومسلم برقم (2158) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (357) , واللفظ له، ومسلم برقم (336). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6250) , واللفظ له، ومسلم برقم (2155).

3 - آداب اللقاء

3 - آداب اللقاء - البدء بالسلام: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَقّ المُسْلِمِ عَلَىَ المُسْلِمِ سِتّ»، قِيلَ: مَا هُنّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِد اللهَ فَسَمّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتّبِعْهُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬2). - المصافحة عند اللقاء: عَنْ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - عدم مصافحة المرأة التي لا تحل له: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالَتْ فِي قِصَّةِ بَيْعَةِ النِّسَاءِ: لا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ؛ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2162). (¬2) أخرجه مسلم برقم (54). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5212) , وأخرجه الترمذي برقم (2727). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1866).

فَلَقَّنَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ. قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنَا؟ قَالَ: «إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لاِمْرَأَةٍ قَوْلِي لِمائَةِ امْرَأَةٍ». أخرجه أحمد والنسائي (¬1). - عدم النظر إلى المرأة التي لا تحل له: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30]. 2 - وَعَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتْهُ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآْخَرِ. متفق عليه (¬2). - عدم نظر المرأة إلى الرجال الأجانب: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بالحِجَاب فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «احْتَجِبَا مِنْهُ». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - عدم الخلوة بالمرأة التي لا تحل له: 1 - عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27006) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (4181). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1513) , ومسلم برقم (1334) , واللفظ له. (¬3) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4112) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2778).

يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - القيام للقادم إكراماً له: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَى سَعْدٍ. فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ. فَلَمّا دَنَا قَرِيباً مِنَ المَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيّدِكُمْ» (أَوْ خَيْرِكُمْ). متفق عليه (¬3). - عدم الانحناء أو السجود عند اللقاء: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبلُهُ؟ قَالَ: «لاَ» قَالَ: أَفَيَأْخُذ بيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬4). - طلاقة الوجه عند اللقاء: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , ومسلم برقم (1341) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (114) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2165). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3043) , ومسلم برقم (1768) , واللفظ له. (¬4) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (2728) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3702). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2626).

4 - آداب الزيارة

4 - آداب الزيارة - فضل الزيارة في الله: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ مُعَاذ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ». أخرجه مالك وأحمد (¬2). - الإكثار من الزيارة لأهل الخير: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. أخرجه البخاري (¬3). - الطلب من العلماء وأهل الخير الإكثار من الزيارة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2567). (¬2) صحيح/ أخرجه مالك برقم (1779) , وهذا لفظه، وأخرجه أحمد برقم (22004). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6079).

خَلْفَنَا}. أخرجه البخاري (¬1). - لا يؤم الزائر صاحب الدار ولا يجلس على فراشه إلا بإذنه: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ وَأقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أكْبَرُهُمْ سِنّاً، وَلا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِي أهْلِهِ وَلا فِي سُلْطَانِهِ، وَلا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ، فِي بَيْتِهِ، إِلا أنْ يَأْذَنَ لَكَ، أَوْ بِإِذْنِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - احتفاء صاحب المنزل بمن زاره: قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. - أن يطعم الزائر مما يقدم له: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَارَ أهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَاماً، فَلَمَّا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ، أمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ البَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. أخرجه البخاري (¬3). - التعريض أو القيام من صاحب المنزل إذا أطال الزوار الجلوس: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعَا القَوْمَ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4731). (¬2) أخرجه مسلم برقم (673). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6080).

فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَدْخُلَ فَإِذَا القَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ. متفق عليه (¬1). - زيارة العالم والكبير لوجهاء القوم: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. متفق عليه (¬3). - زيارة العالم والكبير بيوت الفقراء: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَارَ أهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَاماً، فَلَمَّا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ، أمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ البَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأكَلَ مِنْهُ، فَقال: «قُومُوا فَلأصَلِّيَ بِكُمْ». فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِس، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاليَتِيمُ مَعِي، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4791) , واللفظ له، ومسلم برقم (1428). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6079). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5663) , واللفظ له، ومسلم برقم (1798). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6080). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (860) , واللفظ له، ومسلم برقم (658).

5 - آداب الضيافة

5 - آداب الضيافة - فضل الضيافة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬1). - إكرام الضيوف من سنن المرسلين: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬2). - حكم الضيافة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018) , واللفظ له، ومسلم برقم (47). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6475) , ومسلم برقم (47) , واللفظ له.

2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ». متفق عليه (¬1). - الترحيب بالضيوف والثناء عليهم بما فيهم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: إنَّ وَفْدَ عَبْدِالقَيْسِ لَمَّا أتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ القَوْمُ؟ أوْ مَنِ الوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ. قال: «مَرْحَباً بِالقَوْمِ، أوْ بِالوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى». متفق عليه (¬2). - المبادرة في إكرام الضيف: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِه السّاعَةَ؟» قَالا: الجُوعُ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «وَأَنَا، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الّذَي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا» فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَىَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمّا رَأَتْهُ المَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَباً وَأَهْلاً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَيْنَ فُلاَنٌ؟» قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ المَاءِ، إذْ جَاءَ الأَنْصَارِيّ فَنَظَرَ إلَىَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَصَاحِبَيْهِ، ثُمّ قَالَ: الحَمْدُ لله، مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافاً مِنّي، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6137) , واللفظ له، ومسلم برقم (1727). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (53) , واللفظ له، ومسلم برقم (17).

قَالَ فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِه، وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِيّاكَ وَالحَلُوبَ» فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ العِذْقِ، وَشَرِبُوا، فَلَمّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنّ عَنْ هَذَا النّعِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتّىَ أَصَابَكُمْ هَذَا النّعِيمُ». أخرجه مسلم (¬1). - إكرام الضيف بما تيسر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} [هود:69]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللهُ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئاً، قَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدِي إِلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ: ضَحِكَ مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ». فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2038). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4889) , واللفظ له، ومسلم برقم (2054).

- ما يقول الضيف إذا تبعه من لم يُدْع: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحّامٌ، فَرَأَىَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الجُوعَ، فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: وَيْحَكَ، اصْنَعْ لَنَا طَعَاماً لِخَمْسَةِ نَفَرٍ، فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعوَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ، قَالَ فَصَنَعَ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَاتّبَعَهُمْ رَجُلٌ، فَلَمّا بَلَغَ البَابَ قَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنّ هَذَا اتّبَعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ» قَالَ: لاَ، بَلْ آذَنُ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ. متفق عليه (¬1). - أين يجلس الضيف؟: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - توقير العلماء والكبار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. 2 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَرَانِي فِي المَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5434) , ومسلم برقم (2036) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (673).

السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ». أخرجه مسلم (¬1). - تقديم الأكبر ثم من هو على يمين الأكبر: 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أصْغَرُ القَوْمِ، وَالأشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقال: «يَا غُلامُ، أتَأْذَنُ لِي أنْ أعْطِيَهُ الأشْيَاخَ». قال: مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أحَداً يَا رَسُولَ اللهِ، فَأعْطَاهُ إِيَّاهُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِنَا هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأعْطَيْتُهُ، وَأبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ، وَأعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قال عُمَرُ: هَذَا أبُو بَكْرٍ، فَأعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قال: «الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، ألا فَيَمِّنُوا». قال أنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. متفق عليه (¬3). - خفض الصوت وغض البصر: 1 - قال الله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30]. - خدمة صاحب المنزل لضيوفه: قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2271). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2351) , واللفظ له، ومسلم برقم (2030). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2571) , واللفظ له، ومسلم برقم (2029).

سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. - مدة الضيافة: عَنْ أبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ». متفق عليه (¬1). - عدم التكلف للضيف وغيره: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «طَعَامُ الإِثْنَيْنِ كَافِي الثّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثّمَانِيَةَ». أخرجه مسلم (¬4). - دعاء الضيف إذا طعم: «اللَّهم بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6135) , واللفظ له، ومسلم برقم (48). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7293). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5392) , ومسلم برقم (2058) , واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2059). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2042).

- الانصراف بعد الفراغ من الطعام: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53]. - إجابة دعوة الكافر لمصلحة ما لم يكن منكر: 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيّاً دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، فَأَجَابَهُ. أخرجه أحمد (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13201).

6 - آداب المعاشرات

6 - آداب المعاشرات - فضل حسن الخلق: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رضيَ اللهُ عَنْهما قال: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬1). - حسن المعاشرة والعمل الصالح: 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً مِنْ أهْلِ البَادِيَةِ أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قال: «وَيْلَكَ، وَمَا أعْدَدْتَ لَهَا». قال: مَا أعْدَدْتُ لَهَا إِلا أنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قال: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ». فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟ قال: «نَعَمْ». فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً. متفق عليه (¬2). - الإحسان في كل شيء: 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة:195]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6167) , واللفظ له، ومسلم برقم (2639).

رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف:56]. 3 - وقال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس:26]. - اختيار الرفيق والجليس الصالح: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً». متفق عليه (¬1). - حسن البشاشة واللين: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». أخرجه مسلم (¬2). - التواضع وعدم التكبر: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2101) , ومسلم برقم (2628) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2626). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2588).

إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». أخرجه مسلم (¬1). - الصدق وعدم الكذب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّاباً». متفق عليه (¬2). - المودة والرحمة وسلامة الصدر: 1 - قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح:29]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2865). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6094) , ومسلم برقم (2607) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , ومسلم برقم (2586) , واللفظ له.

- كظم الغيظ والعفو عن الزلات: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬1). - التعاون على البر والتقوى: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً». وَشَبَّكَ أصَابِعَهُ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: «البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». أخرجه مسلم (¬3). - بذل النصيحة: 1 - قال هود - صلى الله عليه وسلم - لقومه: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2588). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481) , واللفظ له، ومسلم برقم (2585). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2553).

الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} [الأعراف:67 - 68]. 2 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: «فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». متفق عليه (¬2). - الإصلاح بين الناس: 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحُجُرات:9 - 10]. 3 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «صَلاَحُ ذاتِ البَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - حسن الظن بالمؤمنين: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (55). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7204) , ومسلم برقم (56). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4619) , وأخرجه الترمذي برقم (2509) , وهذا لفظه.

تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. 2 - وقال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} [النور:12]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً». متفق عليه (¬1). - الحب في الله: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬3). - إخبار المؤمن أخاه بمحبته له: عَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5143) , ومسلم برقم (2563) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2566). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2567).

أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حفظ الأمانات: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفق عليه (¬2). - حفظ السر: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سِرّاً، فَمَا أخْبَرْتُ بِهِ أحَداً بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَألَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أخْبَرْتُهَا بِهِ. متفق عليه (¬3). - خدمة أهل العلم والفضل: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قال لِي: أفٍّ، وَلا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلا: ألا صَنَعْتَ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً، قال: «مَنْ وَضَعَ هَذَا». فَأخْبِرَ، فَقَالَ: «اللَّهمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (¬5). - الإيثار ومواساة المحتاجين: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5124) , وأخرجه الترمذي برقم (2392) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33) , ومسلم برقم (59). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6289) , واللفظ له، ومسلم برقم (2482). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6038) , واللفظ له، ومسلم برقم (2309). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (143) , واللفظ له، ومسلم برقم (2477).

وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر:9]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - الصبر في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} [البقرة:153]. 3 - وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. - عدم المنّ على الناس: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (4699).

[البقرة:262]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَارٍ، قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬1). - عدم الفخر والخيلاء: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:18 - 19]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ، قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَىَ يَوْمِ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). - اجتناب الغيبة والنميمة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟». قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (106). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5790) , ومسلم برقم (2088) , واللفظ له.

بَهَتَّهُ». أخرجه مسلم (¬1). - اجتناب السخرية والتنابز بالألقاب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحُجُرات:11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء:140]. - اجتناب التحاسد والتباغض والتهاجر: 1 - قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء:54 - 55]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2589). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6076) , واللفظ له، ومسلم برقم (2559). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2565).

7 - آداب الأكل والشرب

7 - آداب الأكل والشرب - فضل الإطعام والمواساة فيه: 1 - قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)} [الإنسان:8 - 12]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ، عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيّ. أخرجه مسلم (¬2). - الأكل من الطعام الطيب الحلال: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة:172]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6236) , واللفظ له، ومسلم برقم (39). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2053).

3 - وَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - اجتناب ما يحرم أكله وشربه: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام:121]. 2 - وقال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة:90]. - اجتناب الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬1). - عدم الجلوس على مائدة فيها خمر أو محرم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالخَمْرِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - غسل اليدين قبل الطعام إن كان فيها قذر: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا كَانَ جُنُباً، فَأرَادَ أنْ يَأْكُلَ أوْ يَنَامَ، تَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ قَالَتْ: غَسَلَ يَدَيْهِ ثمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬4). - غسل اليدين بعد الطعام: 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (125) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2801). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (286) , ومسلم برقم (305) , واللفظ له. (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (223) , وأخرجه النسائي برقم (257) , وهذا لفظه.

وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ فَمَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَصَلَّى. أخرجه ابن ماجه (¬2). - السنة الأكل على الأرض، ويجوز على الطاولة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خِوَانٍ، وَلا فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلامَ يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. أخرجه البخاري (¬3). - كيف يجلس الناس على الطعام: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} [النور:61]. - هيئة الجلوس للأكل: 1 - عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا آكُلُ مُتَّكِئاً». أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُقْعِياً، يَأْكُلُ تمْراً. أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3852) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1860). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (493). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5415). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5398). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2044).

3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَهْدَيْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةً، فَجَثا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقَالَ أَعْرَابيٌّ: مَا هَذِهِ الجِلْسَةُ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْداً كَرِيماً وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً عَنِيداً». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - عدم الازدحام على الطعام: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ صَنَعَ طَعَاماً لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الخَنْدَقِ -وفيه-: فَلَمَّا دَخَلَ -أي جابر- عَلَى امْرَأتِهِ قال: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قالتْ: هَلْ سَألَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقال: «ادْخُلُوا وَلا تَضَاغَطُوا». فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قال: «كُلِي هَذَا وَأهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». متفق عليه (¬2). - ما يفعله عند ازدحام الناس والمكان: عَنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً .. -وفيه-: فَأقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ». فَأتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأدَمَتْهُ، ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَقُولَ، ثُمَّ قال: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأذِنَ لَهُمْ، فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قال: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأذِنَ لَهُمْ، فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قال: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأذِنَ لَهُمْ، فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قال: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3773) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3263) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4101) , واللفظ له، ومسلم برقم (2039).

وَشَبِعُوا، وَالقَوْمُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً. متفق عليه (¬1). - وضع الطعام بين يدي الضيوف: قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. - تذكير الآكلين بالتسمية: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً لِنَفْسِهِ خَاصّةً، ثُمّ أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ، وَسَاقَ الحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ وَسَمّىَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقَالَ «كُلُوا وَسَمّوا اللهَ» فَأَكَلُوا، حَتّىَ فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلاً، ثُمّ أَكَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ البَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْراً. متفق عليه (¬2). - التسمية على الطعام، والأكل مما يليه: عَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (¬3). - ما يفعله من نسي التسمية: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللهَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ، فَلْيَقُلْ حِينَ يَذْكُرُ: بِسْمِ اللهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3578) , واللفظ له، ومسلم برقم (2040). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5450) , ومسلم برقم (2040) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2022).

يَسْتَقْبِلُ طَعَامَهُ جَدِيداً، وَيَمْنَعُ الخَبِيثَ مَا كَانَ يُصِيبُ مِنْهُ». أخرجه ابن حبان وابن السني (¬1). - التسمية عند أكل الذبائح المشتبهة ونحوها: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قَوْماً قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قَوْماً يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لا نَدْرِي: أذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أمْ لا؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ». أخرجه البخاري (¬2). - الأكل والشرب باليمين: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ». أخرجه مسلم (¬3). - إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. 2 - وَعَنْ أبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه ابن حبان برقم (5213) , وأخرجه ابن السني برقم (461) , انظر الصحيحة رقم (198). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2057). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2020). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6135) , واللفظ له، ومسلم برقم (14) (48) كتاب اللقطة.

- البدء بالأكل بعد الكبير: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتّىَ يَبْدَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَيَضَعَ يَدَهُ. أخرجه مسلم (¬1). - إيثار أهل الفضل بما يحبون: عَنْ أَنَسٍ رَضِي الله عَنْه قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ. متفق عليه (¬2). - كيف يأكل الطعام: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة:172]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 3 - وَعَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثّلاَثَ، قَالَ: وقَالَ: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَىَ، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشّيْطَانِ» وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ، قَالَ: «فَإِنّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2017). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5420) , واللفظ له، ومسلم برقم (2041). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2032).

طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْرِنَ الرّجُلُ بَيْنَ التّمْرَتَيْنِ حَتّىَ يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. متفق عليه (¬2). 6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلاَ يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلاَهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - قطع اللحم بالسكين عند الحاجة: عَنْ عَمْرو بن أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. متفق عليه (¬4). - مدح الآكل الطعام: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاّ خَلّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: «نِعْمَ الأُدُمُ الخَلّ، نِعْمَ الأُدُمُ الخَلّ». أخرجه مسلم (¬5). - عدم عيب الطعام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2034). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2455) , ومسلم برقم (2045) , واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3772) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1805). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5408) , واللفظ له، ومسلم برقم (355). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2052).

أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. متفق عليه (¬1). - التقليل من الطعام: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعاً، حَتَّى قُبِضَ. متفق عليه (¬2). - صفة أكل المشغول: 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ، فَجَعَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ، يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلاً ذَرِيعاً. وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: أَكْلاً حَثِيثاً. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ، فَأتِيَ بِهَدِيَّةٍ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأكَلَ ثَلاثَ لُقَمٍ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَمَا مَسَّ مَاءً. أخرجه مسلم (¬4). - الأكل مع الخادم: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاجَهُ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5409) , واللفظ له، ومسلم برقم (2064). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5416) , ومسلم برقم (2970) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2044). (¬4) أخرجه مسلم برقم (359). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5460) , واللفظ له، ومسلم برقم (1663).

- تقديم الأكل إذا حضر على الصلاة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِالعَشَاءِ». متفق عليه (¬1). - مسح اليد بالمنديل بعد لعقها: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى فِى أَىِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ». أخرجه مسلم (¬2). - تقديم الأكل على الشرب: 1 - قال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} [البقرة:60]. 2 - وقال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} [الحاقة:24]. - صفة الماء الذي يشرب: 1 - قال الله تعالى: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)} [الحِجر:22]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنْهما: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5463) , واللفظ له، ومسلم برقم (557). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2033).

اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ وَإِلا كَرَعْنَا». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسْتَعْذبُ لَهُ المَاءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا. قَالَ قُتَيْبَةُ: هِيَ عَيْنٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ المَدِينَةِ يَوْمَانِ. أخرجه أبو داود (¬2). - السنة الشرب جالساً: 1 - عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قصة أصحاب الصفة -وفيه- قال: حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أبَا هِرٍّ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «بَقِيتُ أنَا وَأنْتَ». قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ». فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ. أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنِ الشّرْبِ قَائِماً. أخرجه مسلم (¬4). - جواز الشرب قائماً: 1 - عَنِ النَّزَّالِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَلَى باب الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِماً، فَقَالَ: إِنَّ نَاساً يَكْرَهُ أحَدُهُمْ أنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا رَأيْتُمُونِي فَعَلْتُ. أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5613). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3735). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6452). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2025). (¬5) أخرجه البخاري برقم (5615).

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْرَبُ قَائِماً وَقَاعِداً، وَيُصَلِّي حَافِياً وَمُنْتَعِلاً، وَيَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. أخرجه النسائي (¬2). - ساقي القوم آخرهم شرباً: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وفِي آخِرِهِ قَالَ-: فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِيَ كُلُّ شَيْءٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكْنَا، عَطِشْنَا. فَقَالَ: «لا هُلْكَ عَلَيْكُمْ». ثُمَّ قال: «أطْلِقُوا لِي غُمَرِي». قال وَدَعَا بِالمِيضَأةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ، فَلَمْ يَعْدُ أنْ رَأى النَّاسُ مَاءً فِي المِيضَأةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحْسِنُوا المَلأ، كُلُّكُمْ سَيَرْوَى». قال فَفَعَلُوا، جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُبُّ وَأسْقِيهِمْ، حَتَّى مَا بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قال: ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لي: «اشْرَبْ». فَقُلْتُ: لا أشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «إِنَّ سَاقِيَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْباً». قال: فَشَرِبْتُ، وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). - عدم النفخ في الشراب: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشُّرْب مِنْ ثلْمَةِ القَدَحِ وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَاب. أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1637) , ومسلم برقم (2027) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1361). (¬3) أخرجه مسلم برقم (681). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3722) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1887).

- التنفس عند الشرب خارج الإناء: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَفّسُ فِي الشّرَابِ ثَلاَثاً، وَيَقُولُ: «إِنّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ». متفق عليه (¬1). - يبدأ الساقي بالكبير ثم من هو على يمينه: عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِنَا هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأعْطَيْتُهُ، وَأبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ، وَأعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قال عُمَرُ: هَذَا أبُو بَكْرٍ، فَأعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قال: «الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، ألا فَيَمِّنُوا». قال أنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. متفق عليه (¬2). - الشرب مما يشرب الناس: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقال العَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقال: «اسْقِنِي». قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيَهُمْ فِيهِ. قال: «اسْقِنِي». فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقال: «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ». ثُمَّ قال: «لَوْلا أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ، حَتَّى أضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ». يَعْنِي: عَاتِقَهُ، وَأشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. أخرجه البخاري (¬3). - ما يفعله إذا شرب لبناً: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَناً، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5631) , ومسلم برقم (2028) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2571) , واللفظ له، ومسلم برقم (2029). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1635).

وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَماً». متفق عليه (¬1). - ما يقول لمن سقاه أو إذا أراد سقيا: «اللَّهم أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي». أخرجه مسلم (¬2). - ما يقول من الدعاء عند الفراغ من الطعام: 1 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الحَمْدُ للهِ كَثِيراً طَيِّباً مُبَاركَاً فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبَّنَا». أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ، قَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مَكْفُورٍ». أخرجه البخاري (¬4). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬5). 4 - وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً». أخرجه أبو داود (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (211) , ومسلم برقم (358) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2055). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5458). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5459). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2734). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3851).

5 - «اللَّهمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وَأَحْيَيْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ». أخرجه أحمد (¬1). 6 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَىَ أَبِي، قَالَ: فَقَرّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاماً وَوَطْبَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمّ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النّوَىَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السّبّابَةَ وَالوُسْطَىَ، ثُمّ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عَنْ يَمِينِهِ، قَالَ فَقَالَ أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابّتِهِ: ادْعُ الله لَنَا، فَقَالَ: «اللَّهم بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16712) , انظر الصحيحة رقم (71). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2042).

8 - آداب النوم والاستيقاظ

8 - آداب النوم والاستيقاظ - شكر نعمة النوم: قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)} [الروم:23]. - فضل النوم على طهارة: عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: قال لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وَقُل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ». متفق عليه (¬1). - ما يفعله إذا أراد أن ينام: 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أوْ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6311) , واللفظ له، ومسلم برقم (2710). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3280) , واللفظ له، ومسلم برقم (2012).

2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَىَ أَهْلِهِ بِالمَدِينَةِ مِنَ اللّيْلِ، فَلَمّا حُدّثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَأْنِهِمْ قَالَ: «إِنّ هَذِهِ النّارُ إِنّمَا هِيَ عَدُوّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ». متفق عليه (¬1). - غسل اليد من الدسم قبل النوم: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - عدم الإكثار من الفرش إلا لحاجة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: «فِرَاشٌ لِلرّجُلِ، وَفِرَاشٌ لاِمْرَأَتِهِ، وَالثّالِثُ لِلضّيْفِ، وَالرّابِعُ لِلشّيْطَانِ». أخرجه مسلم (¬3). - عدم النوم في الأماكن التي تضره: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السّيْرَ، وَإِذَا عَرّسْتُمْ بِاللّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ، فَإِنّهَا مَأْوَى الهَوَامّ بِاللّيْلِ». أخرجه مسلم (¬4). - عدم النوم في أماكن أهل الظلم والمعاصي: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6294) , ومسلم برقم (2016) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3852) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1860). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2084). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1926).

وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)} [النساء:97 - 99]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام:68]. - نفض الفراش ثلاثاً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ، إِنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ». متفق عليه (¬1). - النوم بعد صلاة العشاء: 1 - عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7393) , واللفظ له، ومسلم برقم (2714). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1146) , واللفظ له، ومسلم برقم (739). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (568) , واللفظ له، ومسلم برقم (648).

- السمر في الفقه والخير بعد العشاء: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْمُرُ مَعَ أَبي بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا. أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - أحسن أوقات النوم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)} [النور:58]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُبَكِّرُ بِالجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الجُمُعَةِ. أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (600) , واللفظ له، ومسلم برقم (640). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (175) , وأخرجه الترمذي برقم (169) , وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬4) أخرجه البخاري برقم (905).

- ما يقرؤه المسلم من القرآن عند النوم: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}. وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَّ الحَدِيثَ- فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ». أخرجه البخاري معلقاً (¬2). - ما يقوله ويفعله عند النوم: 1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ فَاطِمَةَ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أثَرِ الرَّحَا، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا وَقَدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأقُومَ، فَقال: «عَلَى مَكَانِكُمَا». فَقَعَدَ بَيْنَنَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقال: «ألا أعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَألْتُمَانِي، إِذَا أخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أرْبَعاً وَثَلاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاثاً ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5017). (¬2) أخرجه البخاري معلقاً برقم (5010) ووصله النسائي بسند صحيح، انظر «مختصر صحيح البخاري» للألباني (2/ 106).

وَثَلاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِيَ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلاً إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، قَالَ: «اللَّهمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وَقُل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ». متفق عليه (¬4). 5 - وَعَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنَ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3705) , واللفظ له، ومسلم برقم (2727). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2715). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2712). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6311) , واللفظ له، ومسلم برقم (2710).

فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ». وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬1). 6 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا نَامَ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ وَقَالَ: «اللَّهمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ». أخرجه أحمد (¬2). 7 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهمَّ بِاسْمِكَ أمُوتُ وَأحْيَا». أخرجه البخاري (¬3). 8 - وَعَنْ أَبي الأزْهَرِ الأنْمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا أَخَذ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «بسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبي، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي ذنْبي وَأَخْسِئْ شَيْطَانِي وَفُكَّ رِهَانِي وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الأعْلَى». أخرجه أبو داود (¬4). - ما يقوله ويفعله إذا تقلب ليلاً: عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ للهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2713). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18660) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2754). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6314). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5054). (¬5) أخرجه البخاري برقم (1154).

- ما يفعله الجنب عند النوم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأ لِلصَّلاةِ. أخرجه البخاري (¬1). - ما يقوله ويفعله إذا استيقظ ليلاً: 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأ العَشْرَ الآياتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأ مِنْهَا فَأحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. متفق عليه (¬3). - ما يقوله إذا استيقظ من النوم: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قال: «بِاسْمِكَ اللَّهمَّ أمُوتُ وَأحْيَا». وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قال: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (288). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1136) , واللفظ له، ومسلم برقم (255). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (183) , واللفظ له، ومسلم برقم (763). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6324).

9 - آداب الرؤيا

9 - آداب الرؤيا - فضل الرؤيا الصالحة: 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ»، قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ». متفق عليه (¬2). - أقسام الرؤيا: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثاً، وَرُؤْيَا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ، بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6990). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6983) , واللفظ له، ومسلم برقم (2263). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7017) , واللفظ له، ومسلم برقم (2263). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7017) , ومسلم برقم (2263) , واللفظ له.

- عدم الكذب في حكاية الرؤيا: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ مِنْ أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». أخرجه البخاري (¬2). - عدم الإخبار بتلعب الشيطان به في المنام: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: «إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ، فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ». أخرجه مسلم (¬3). - أنسب الأوقات في حكاية الرؤيا وتعبيرها: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ البَارِحَةَ رُؤْيَا؟». متفق عليه (¬4). - ما يقول ويفعل إذا رأى في منامه ما يحب أو يكره: 1 - عَنْ أبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأى أحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثْ بِهِ إِلا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأى مَا يَكْرَهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7042) , واللفظ له، ومسلم برقم (2110). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7043). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2268). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (845) , ومسلم برقم (2275) , واللفظ له.

فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاثاً، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أحَداً، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا رَأى أحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثاً، وَرُؤْيَا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ، بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. متفق عليه (¬3). - الاستبشار برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي اليَقَظَةِ، لاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي، إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7044) , واللفظ له، ومسلم برقم (2261). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7045). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7017)، ومسلم برقم (2263) واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6993) , ومسلم برقم (2266) , واللفظ له. (¬5) أخرجه مسلم برقم (2268).

10 - آداب قضاء الحاجة

10 - آداب قضاء الحاجة - فضل الطهارة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. 2 - وعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ». رواه مسلم (¬1). - اجتناب الأماكن الجالبة للعن الناس: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أوْ فِي ظِلِّهِمْ» .. أخرجه مسلم (¬2). - عدم البول في الماء الراكد: 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ نَهَى أنْ يُبَالَ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬4). - الاستتار عند قضاء الحاجة: عَنْ المُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (223). (¬2) أخرجه مسلم برقم (469). (¬3) أخرجه مسلم برقم (281). (¬4) أخرجه مسلم برقم (282).

«يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإدَاوَةَ». فَأخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ. متفق عليه (¬1). - البعد عن الناس عند قضاء الحاجة: 1 - عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبي قُرَادٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الخَلاَءِ وَكَانَ إِذا أَرَادَ الحَاجَةَ أَبْعَدَ. أخرجه أحمد والنسائي (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ، أتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ. متفق عليه (¬3). - ما يقول عند دخول الخلاء: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَخَلَ الخَلاءَ قَالَ: «اللَّهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ». متفق عليه (¬4). - ما يقول عند الخروج من الخلاء: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). - عدم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة: عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا». قال أبُو أيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (363) , واللفظ له، ومسلم برقم (274). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15746) , وأخرجه النسائي برقم (16) , وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (267) , واللفظ له، ومسلم برقم (271). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (142) , واللفظ له، ومسلم برقم (375). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (30) , وأخرجه الترمذي برقم (7) , وهذا لفظه.

تَعَالَى. متفق عليه (¬1). - البول قاعداً: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَالَ قَائِماً فَلاَ تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلاَّ جَالِساً. أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). - البول قائماً إن أمن التلوث والنظر إليه: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْتُنِي أنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى، فَأتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أحَدُكُمْ، فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأشَارَ إلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ. متفق عليه (¬3). - عدم استخدام اليد اليمنى حال قضاء الحاجة: عَنْ أبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا بَالَ أحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَسْتَنْجِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءِ». متفق عليه (¬4). - عدم الاستجمار بالعظم والروث: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا، فَقال: «مَنْ هَذَا». فَقال: أنَا أبُو هُرَيْرَةَ، فَقال: «ابْغِنِي أحْجَاراً أسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ». فَأتَيْتُهُ بِأحْجَارٍ أحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي، حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ العَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قال: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، وَإِنَّهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (394) , واللفظ له، ومسلم برقم (264). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (12) , وأخرجه النسائي برقم (29) , وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (225) , واللفظ له، ومسلم برقم (273). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (154) , واللفظ له، ومسلم برقم (267).

أتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، وَنِعْمَ الجِنُّ، فَسَألُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللهَ لَهُمْ أنْ لا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ إِلا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَاماً». أخرجه البخاري (¬1). - الاستجمار وتراً وأقله ثلاث مسحات: عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال لَنَا المُشْرِكُونَ: إِنِّي أرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ، حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الخِرَاءَةَ، فَقَالَ: أجَلْ، إِنَّهُ نَهَانَا أنْ يَسْتَنْجِيَ أحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أوْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالعِظَامِ، وَقَالَ: «لا يَسْتَنْجِي أحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاثَةِ أحْجَارٍ». أخرجه مسلم (¬2). - عدم السلام والرد حال قضاء الحاجة: عَنْ أبِي الجُهَيْم الأنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى أقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ. متفق عليه (¬3). - الوضوء وصلاة ركعتين بعده: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: «يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُوراً، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3860). (¬2) أخرجه مسلم برقم (262). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (337) , واللفظ له، ومسلم برقم (369). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149) , واللفظ له، ومسلم برقم (2458).

11 - آداب اللباس والزينة

11 - آداب اللباس والزينة - فضل اللباس والزينة: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. 2 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قال رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قال: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ». أخرجه مسلم (¬1). - منافع اللباس: 1 - الزينة وستر العورة. قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. 2 - الوقاية مما يضر: قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)} [النحل:81]. - ما يسن من اللباس والزينة: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (91).

ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَلْبَسَهَا الحِبَرَةَ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَسُوا مِنْ ثِيَابكُمُ البَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). 4 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَاب إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - القَمِيصَ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأحْفُوا الشَّوَارِبَ». متفق عليه (¬4). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالإِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ». متفق عليه (¬5). 7 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أمَّتِي، أوْ عَلَى النَّاسِ، لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ». متفق عليه (¬6). 8 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُرْدَةً سَوْدَاءَ فَلَبسَهَا فَلَمَّا عَرَقَ فِيهَا وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ فَقَذفَهَا قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَانَ تُعْجِبُهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5813) , واللفظ له، ومسلم برقم (2079). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4061) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1472). (¬3) صحيح/ أخرجه البخاري برقم (4025) , وأخرجه الترمذي برقم (1746). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5892) , واللفظ له، ومسلم برقم (259). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5891) , واللفظ له، ومسلم برقم (257). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (887) , واللفظ له، ومسلم برقم (252).

الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - السنة التيامن في اللباس ونحوه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬2). - ما يسن التزين من أجله: 1 - أداء الصلاة: قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - يوم الجمعة، وعند استقبال الوفود: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ باب المَسْجِدِ، فَقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬3). 3 - الطواف بالبيت الحرام: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (26364) , وأخرجه أبو داود برقم (4074) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (886) , واللفظ له، ومسلم برقم (2068). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1539) , واللفظ له، ومسلم برقم (1189).

4 - مجامع الناس كالعيد ونحوه: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ». متفق عليه (¬1). 5 - الزوجة لزوجها وعكسه: قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]. - ما يحرم من اللباس والزينة: 1 - لبس الذهب والحرير على الذكور. 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَلِيّ بن أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ نَبيَّ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذ حَرِيراً فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذ ذهَباً فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذكُورِ أُمَّتِي». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 3 - وَعَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ: عِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ: لُبْسِ الحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (948) , واللفظ له، ومسلم برقم (2068). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4057) , وأخرجه النسائي برقم (5145).

وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالمَيَاثِرِ الحُمْرِ. متفق عليه (¬1). 2 - لباس الشهرة. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَبسَ ثوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثوْبَ مَذلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ ثمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَاراً». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). 3 - اللباس الذي يصف العورة أو يكشفها. عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». أخرجه مسلم (¬3). 4 - اللباس الذي فيه صلبان أو صور ذوات الأرواح. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فِيهِ تَصَالِيبُ إِلا نَقَضَهُ. أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَتَكَهُ وَقَالَ: «أشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5849) , واللفظ له، ومسلم برقم (2066). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4030) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3607) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2128). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5952). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5954) , ومسلم برقم (2107) , واللفظ له.

5 - إسبال الثياب. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال: فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَارٍ، قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الإسْبَالُ فِي الإزَارِ وَالقَمِيصِ وَالعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئاً خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 6 - التشبه بالكفار في زيهم ولباسهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران:105]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قال: «فَمَنْ». متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5787). (¬2) أخرجه مسلم برقم (106). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4094) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5334). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3456) , واللفظ له، ومسلم برقم (2669).

مِنْهُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 7 - تشبه الرجال بالنساء وعكسه. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ». قال: فَأخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فُلاناً، وَأخْرَجَ عُمَرُ فُلاناً. أخرجه البخاري (¬3). 8 - تغيير شكل الجسم والوجه. 1 - قال الله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)} [النساء:117 - 119]. 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ الله، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟. متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأرَادُوا أنْ يَصِلُوهَا، فَسَألُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (5114) , وأخرجه أبو داود برقم (4031). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5885). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5886). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5943) , واللفظ له، ومسلم برقم (2125).

الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ». متفق عليه (¬1). 9 - جلود السباع. عَنْ خَالِدٍ قَالَ: وَفَدَ المِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُكَ باللهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوب عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 10 - الطيب للنساء في مجامع الرجال. عَنِ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ». أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 11 - الإسراف في اللباس والزينة. 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفٍ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ». أخرجه أحمد وعلقه البخاري (¬4). - مقدار اللباس للرجل والمرأة: 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِزْرَةُ المُسْلِمِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5934) , واللفظ له، ومسلم برقم (4123). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4131) , وأخرجه النسائي برقم (4255) , وهذا لفظه. (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (19711) , وأخرجه النسائي برقم (5126) , وهذا لفظه. (¬4) حسن/ أخرجه أحمد برقم (6708) , وهذا لفظه، وعلقه البخاري في أول كتاب اللباس.

إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلاَ حَرَجَ أَوْ لاَ جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ، مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَرَّ ثوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بذيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْراً» فَقَالَتْ: إِذاً تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعاً لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). - المنهي عنه من هيئات اللباس: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى أحَدِ شِقَّيْهِ. أخرجه البخاري (¬3). - عدم الفخر والخيلاء في اللباس والزينة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬4). - عدم تبرج النساء باللباس والزينة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4093) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3573). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1731) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5336). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5821). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5789) , واللفظ له، ومسلم برقم (2088).

جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} [النور:60]. - الاهتمام بالزينة والنظافة: 1 - عَنْ أَبي الأَحْوَصِ عَنْ أَبيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثوْبٍ دُونٍ فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مِنْ أَيِّ المَالِ؟» قَالَ: قَدْ آتَانِي اللهُ مِنَ الإبلِ وَالغَنَمِ وَالخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ: «فَإِذا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ جَابرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَى رَجُلاً شَعِثاً قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذا مَا يُسَكِّنُ بهِ شَعْرَهُ». وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ هَذا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بهِ ثوْبَهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). - وجوب ستر العورة: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا المَرْأةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4063) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5224). (¬2) صحيح، أخرجه أبو داود برقم (4062) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5236).

فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِي المَرْأةُ إِلَى المَرْأةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ». أخرجه مسلم (¬1). - التواضع في اللباس والفرش: 1 - عَنْ أبِي بُرْدَةَ قال: أخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَاراً غَلِيظاً، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَيْنِ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ وِسَادَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الّتِي يَتّكِىءُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. أخرجه مسلم (¬3). - ما يقوله إذا لبس ثوباً جديداً ونحوه: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اسْتَجَدَّ ثوْباً سَمَّاهُ باسْمِهِ إِمَّا قَمِيصاً أَوْ عِمَامَةً ثمَّ يَقُولُ: «اللَّهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ». قَالَ أَبُو نَضْرَةَ فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا لَبسَ أَحَدُهُمْ ثوْباً جَدِيداً قِيلَ لَهُ: تُبْلَى وَيُخْلِفُ اللهُ تَعَالَى. أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). - ما يدعى به لمن لبس ثوباً جديداً: عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْت خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قال: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ». فَأسْكِتَ القَوْمُ، قال: «ائْتُونِي بأُمِّ خَالِدٍ». فأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَألْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أبْلِي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (338). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5818) , واللفظ له، ومسلم برقم (2080). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2082). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4020) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1767).

وَأخْلِقِي». مَرَّتَيْنِ. أخرجه البخاري (¬1). - ما يباح للنساء لبسه من الذهب: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِاللهِ: وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَأتَى النِّسَاءَ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أسْمَاءَ قِلادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا فَوَجَدَهَا، فَأدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. متفق عليه (¬3). - ما يباح للرجال من الحرير عند الحاجة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْبَأَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ فِي القُمُصِ الحَرِيرِ فِي السَّفَرِ، مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا، أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا. متفق عليه (¬4). - لباس الرأس: عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَأنِّي أنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5845). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5880) , واللفظ له، ومسلم برقم (884). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (336) , واللفظ له، ومسلم برقم (367). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2919) , ومسلم برقم (2076) , واللفظ له. (¬5) أخرجه مسلم برقم (1359).

- جواز لبس الفضة للرجال والنساء: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ حَبِيبَهُ طَوْقاً مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقاً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَهُ سِوَاراً مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ بِسِوَارٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالفِضَّةِ العَبُوا بِهَا لَعِباً، العَبُوا بِهَا لَعِباً». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمَ فِضّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصّ حَبَشِيّ، كَانَ يَجْعَلُ فَصّهُ مِمّا يَلِي كَفّهُ. أخرجه مسلم (¬2). - عدم لبس الرجل خاتم الذهب: 1 - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِى يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِى يَدِهِ». فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬4). - لبس الرجل خاتم الفضة في اليمين أو الشمال: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمَ فِضّةٍ فِي يَمِينِهِ، ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (8416) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (3246). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2094). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5864) , واللفظ له، ومسلم برقم (2089). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2090).

فِيهِ فَصّ حَبَشِيّ، كَانَ يَجْعَلُ فَصّهُ مِمّا يَلِي كَفّهُ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هََذِهِ، وَأَشَارَ إِلَىَ الخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ اليُسْرَىَ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتَخَتّمَ فِي إِصْبَعِي هََذِهِ أَوْ هََذِهِ، قَالَ: فَأَوْمَأَ إِلَىَ الوُسْطَىَ. أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَاتَمِ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ. يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى. أخرجه النسائي (¬4). - كيفية لبس النعلين: 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ النّعَالِ، فَإِنّ الرّجُلَ لاَ يَزَالُ رَاكِباً مَا انْتَعَلَ». أخرجه مسلم (¬5). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا انْتَعَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِاليَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِيَكُنِ اليُمْنَى أوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ». متفق عليه (¬6). - استعمال الطيب: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا شَمَمْتُ عَنْبَراً قَطُّ وَلاَ مِسْكاً وَلاَ شَيْئاً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ مَسِسْتُ شَيْئاً قَطُّ دِيبَاجاً وَلاَ حَرِيراً أَلْيَنَ مَسّاً مِنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2094). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2095). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2078). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (5211). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2096). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5856) , واللفظ له، ومسلم برقم (2097).

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). - ترجيل الشعر وصبغ الشيب: 1 - عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَى رَجُلاً شَعِثاً قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذا مَا يُسَكِّنُ بهِ شَعْرَهُ». وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ هَذا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بهِ ثوْبَهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ». متفق عليه (¬3). - مقدار شعر الرجل: 1 - عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ القَزَعِ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3561) , ومسلم برقم (2330) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4062) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5236). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3462) , ومسلم برقم (2103). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3551) , ومسلم برقم (2337) , واللفظ له. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5921) , ومسلم برقم (2120).

12 - آداب عشرة النساء

12 - آداب عشرة النساء - تعليم النساء أمور دينهن: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 3 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيماً رَفِيقاً، فَلَمَّا رَأى شَوْقَنَا إلَى أهَالِينَا، قال: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أكْبَرُكُمْ». متفق عليه (¬1). - الرفق بالنساء: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (628) , واللفظ له، ومسلم برقم (674). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2593).

الآْخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أمْراً فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». أوْ قال: «غَيْرَهُ». أخرجه مسلم (¬2). - الإحسان إلى النساء: 1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - وقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي وَإِذا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ». أخرجه الترمذي (¬3). - حسن المعاشرة بين الزوجين: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء:19]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3331) , ومسلم برقم (1468) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1469). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3895).

2 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ القُشَيْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فَقُلْتُ مَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا؟ قَالَ: «أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَكْتَسُونَ وَلاَ تَضْرِبُوهُنَّ وَلاَ تُقَبِّحُوهُنَّ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صفة حج النبي ... -وفيه-: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم (¬2). - ملاطفة الزوجة وملاعبتها: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا»، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ»، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: «تَقَدَّمُوا»، فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ» فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: «هَذِهِ بِتِلْكَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِمَّا قَالَ: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ». فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ». حَتَّى ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (20011) , وأخرجه أبو داود برقم (2144). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1218). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (26277) , وهذا لفظه، وأبو داود برقم (2578).

إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: «حَسْبُكِ». قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبِي». متفق عليه (¬1). - العدل بين الزوجات: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3]. 2 - وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} [الطلاق:6]. 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - عدم إفشاء الأسرار الزوجية: قال الله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)} [التحريم:3]. - الصبر والتغاضي عن الزلات: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضَيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ القَصْعَةَ، فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقال: «كُلُوا». وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ القَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ وَحَبَسَ المَكْسُورَةَ. أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (950) , واللفظ له، ومسلم برقم (892). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2133) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1141).

البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضَيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». متفق عليه (¬2). - التبكير بالنوم مع الأهل: عَنْ أبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا. متفق عليه (¬3). - وعظ الأهل وحثهم على الخير: 1 - قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه:132]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أوْتَرَ قال: «قُومِي، فَأوْتِرِي يَا عَائِشَةُ!». أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2481). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3331) , واللفظ له، ومسلم برقم (1468). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (568) , واللفظ له، ومسلم برقم (647). (¬4) أخرجه مسلم برقم (744). (¬5) أخرجه البخاري برقم (115).

- ما يفعله الزوجان إذا تنازعا: 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} [النساء:34 - 35]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فُصِّلَت:34 - 35]. - استخدام الروائح الطيبة، واجتناب الروائح الخبيثة: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَألْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أهْدَتْ لَهَا امْرَأةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ: أمَا وَاللهِ! لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، وَقُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لا، فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُرْدَةً سَوْدَاءَ فَلَبسَهَا فَلَمَّا عَرَقَ فِيهَا وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ فَقَذفَهَا قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَانَ تُعْجِبُهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6972) , ومسلم برقم (1474).

الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - التسمية قبل الوطء: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ قال: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أبَداً». متفق عليه (¬2). - الأحوال التي تُمنع فيها النساء من الطيب: 1 - عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلا نَكْتَحِلَ، وَلا نَتَطَيَّبَ، وَلا نَلْبَسَ ثَوْباً مَصْبُوغاً إلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أظْفَارٍ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا امْرَأةٍ أصَابَتْ بَخُوراً، فَلا تَشْهَدْ مَعَنَا العِشَاءَ الآخِرَةَ». أخرجه مسلم (¬4). - صفة القَسْم بين الزوجات: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لا يَنْتَهِي إِلَى المَرْأةِ الأولَى إِلا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا. أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (26364) , وأخرجه أبو داود برقم (4074) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6388) , ومسلم برقم (1434). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (313) , ومسلم برقم (66) (938) كتاب الطلاق. (¬4) أخرجه مسلم برقم (444). (¬5) أخرجه مسلم برقم (1462).

13 - آداب الكلام

13 - آداب الكلام - شكر نعمة الكلام: قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)} [الروم:22]. - أحسن الكلام: 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزُّمَر:23]. 2 - وقال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر:17 - 18]. - الإكثار من ذكر الله والصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب:56]. 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9843) , وأخرجه الترمذي برقم (3380) , وهذا لفظه.

- أفضل الكلام مع الناس: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة:67]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فُصِّلَت:33]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬1). - حفظ اللسان عن الباطل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل:116 - 117]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (54).

فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟». قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ». أخرجه مسلم (¬2). 6 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ رَجُلاً يَنُمُّ الحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ». متفق عليه (¬3). - الصدق وعدم الكذب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّاباً». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6478) , واللفظ له، ومسلم برقم (2988). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2589). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6056) , ومسلم برقم (105) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6094) , ومسلم برقم (2607) , واللفظ له.

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفق عليه (¬1). - ما يباح من الكذب: عَنْ أُمَّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْراً وَيَنْمِي خَيْراً». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ، الحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ المَرْأَةِ زَوْجَهَا. متفق عليه (¬2). - اجتناب الفحش واللعن: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحُجُرات:11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33)، ومسلم برقم (59). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2692) , ومسلم برقم (2605) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321).

اللَّعَّانِينَ لاَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلاَ شُفَعَاءَ، يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬1). - قلة الكلام وعدم الخوض في الباطل: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام:68]. 2 - وَعَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأمَّهَاتِ، وَمَنْعاً وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ». متفق عليه (¬2). - الصمت وعدم الكلام إلا بخير: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬3). - عدم مقاطعة الحديث: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَمَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قال فَكَرِهَ مَا قال، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إذَا قَضَى حَدِيثَهُ قال: «أيْنَ -أرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ». قال: هَا أنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «فَإذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قال: كَيْفَ إضَاعَتُهَا؟ قال: «إذَا وُسِّدَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2598). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5975) , ومسلم برقم (12) الأقضية, واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6136) , واللفظ له، ومسلم برقم (47).

الأمْرُ إلَى غَيْرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». أخرجه البخاري (¬1). - عدم إطالة الحديث: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثاً لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لأحْصَاهُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْراً». أخرجه مسلم (¬3). - عدم الإكثار من الأسئلة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} [المائدة:101]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قال لِلنَّاسِ: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ». قال رَجُلٌ: مَنْ أبِي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافَةُ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «أبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ». فَلَمَّا رَأى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّا نَتُوبُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنِ المُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (59). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3567) , واللفظ له، ومسلم برقم (2493). (¬3) أخرجه مسلم برقم (869). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (92) , واللفظ له، ومسلم برقم (2360).

الأمَّهَاتِ، وَمَنْعاً وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ». متفق عليه (¬1). - الجهر عند وعظ الناس: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأدْرَكَنَا -وَقَدْ أرْهَقَتْنَا الصَّلاةُ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلأعْقَابِ مِنَ النَّارِ». مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. أخرجه مسلم (¬3). - تكرار الكلام ليُفهم عنه: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلاثاً، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإذَا أتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاثاً. أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5975) , ومسلم برقم (12) (593) كتاب الأقضية, واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (60) , واللفظ له، ومسلم برقم (241). (¬3) أخرجه مسلم برقم (867). (¬4) أخرجه البخاري برقم (95).

قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬1). - مخاطبة الناس بالكلام اللين الحسن: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} [الإسراء:53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]. 3 - وقال الله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} [طه:42 - 46]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87).

14 - آداب المجلس

14 - آداب المجلس - اختيار الجليس الصالح: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً». متفق عليه (¬1). - فضل الاجتماع على ذكر الله: 1 - قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف:28]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5534) , واللفظ له، ومسلم برقم (2628). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2700).

- فضل ذكر الله في المجلس: عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ». قَالُوا: وَاللهِ! مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ». أخرجه مسلم (¬1). - اجتناب مجالس الغفلة: 1 - قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء:140]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - السلام عند الدخول والخروج: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا انْتَهَى أَحَدُكُمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2701). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9843) , وأخرجه الترمذي برقم (3380) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (54).

إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الأُولَى بأَحَقَّ مِن الآخِرَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حفظ الجوارح عما لا يحل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحُجُرات:11]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. - فضل المجلس الواسع: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «خَيْرُ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا». أخرجه أبو داود (¬2). - الجلوس حيث ينتهي به المجلس: عَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذا أَتَيْنَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْث يَنْتَهِي. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (5208) , وأخرجه الترمذي برقم (2706). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4820) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (832). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4825) , وأخرجه الترمذي برقم (2725).

- توقير العلماء والكبار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ. فَقَالََ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبيرَنَا». أخرجه الترمذي والبخاري في «الأدب المفرد» (¬1). - حفظ الوقت بما ينفع: 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 2 - وَعَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلَى اللهِ؟ قال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». قال: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. متفق عليه (¬2). - عدم إقامة الرجل من مجلسه للجلوس فيه: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُقِيمُ الرّجُلُ الرّجُلَ مِنْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1919) , وهذا لفظه، وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (363). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) , واللفظ له، ومسلم برقم (85).

مَقْعَدِهِ ثُمّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلََكِنْ تَفَسّحُوا وَتَوَسّعُوا». متفق عليه (¬1). - إذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق به: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - التفسح في المجالس إذا ضاق المكان بأهله: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. - عدم التفريق بين اثنين إلا بإذنهما: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثنَيْنِ إِلاَّ بإِذنِهِمَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - عدم التناجي بين اثنين دون الثالث: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)} [المجادلة:9]. 2 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6269)، ومسلم برقم (2177) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2179). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4845) , وأخرجه الترمذي برقم (2752) , وهذا لفظه. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6290) , واللفظ له، ومسلم برقم (2184).

- عدم التجسس على الغير: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَاناً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬2). - اجتناب ما يؤذي أهل المجلس: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب:58]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]. 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ البَقْلَةِ، الثُّوم (وَقالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ البَصَلَ وَالثُّومَ وَالكُرَّاثَ) فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5143) , واللفظ له، ومسلم برقم (2563). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7042). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (854) , ومسلم برقم (564) , واللفظ له.

- ختم المجلس بكفارة المجلس: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالََ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ وَبحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - الاستئذان عند الانصراف من المجلس الجامع: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)} [النور:62]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (10420) , وأخرجه الترمذي برقم (3433) , وهذا لفظه.

15 - آداب الطريق

15 - آداب الطريق - حق الطريق: 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «فإِذْ أبَيْتُمْ إِلا المَجْلِسَ، فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنّا قُعُوداً بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدّثُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصّعُدَاتِ» فَقُلْنَا: إِنّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأْسٍ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدّثُ، قَالَ: «إِمّا لاَ، فَأَدّوا حَقّهَا: غَضّ البَصَرِ، وَرَدّ السّلاَمِ، وَحُسْنُ الكَلاَمِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عُمَرَ بن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ -وفيه-: «وَتُغِيثوا المَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ». أخرجه أبو داود (¬3). - إماطة الأذى عن الطريق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6229) , واللفظ له، ومسلم برقم (2121). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2160). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4817). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (652) , ومسلم برقم (1914).

- عدم الجهر بالمعاصي في الطريق وغيره: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور:19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)} [الأعراف:86]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ». متفق عليه (¬1). - عدم قضاء الحاجة في الطريق: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أوْ فِي ظِلِّهِمْ». أخرجه مسلم (¬2). - إعانة المحتاج: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ قَالَ: وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6069) , واللفظ له، ومسلم برقم (2990). (¬2) أخرجه مسلم برقم (269).

الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). - عدم اتخاذ ظهور الدواب منابر: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذوا ظُهُورَ دَوَابكُمْ مَنَابرَ فَإِنَّ اللهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بشِقِّ الأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ». أخرجه أبو داود (¬2). - عدم النزول والنوم على الطريق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السّيْرَ، وَإِذَا عَرّسْتُمْ بِاللّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ، فَإِنّهَا مَأْوَى الهَوَامّ بِاللّيْلِ». أخرجه مسلم (¬3). - الإرداف على الدابة عند الحاجة إذا لم يشق عليها: 1 - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أبَا بَكْرٍ، وَأبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لا يُعْرَفُ، قال: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قال: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2891) , ومسلم برقم (1009) واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2567). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1926). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2856) , ومسلم برقم (30) , واللفظ له.

الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ. أخرجه البخاري (¬1). - السير على يمين الطريق: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬2). - الإخبار بمن معه من النساء إذا خشي سوء الظن به: عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفاً، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدّثْتُهُ، ثُمّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمّا رَأَيَا النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَىَ رِسْلِكُمَا، إِنّهَا صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيَ» فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِنّ الشّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَىَ الدّمِ، وَإِنّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً» أَوْ قَالَ: «شَيْئاً». متفق عليه (¬3). - أحسن المشي وأعدله: 1 - قال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} [الفرقان:63]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)} [الإسراء:95]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3911). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3281) , ومسلم برقم (2175) , واللفظ له.

4 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ وَلاَ مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلاَ حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬1). - الإسراع في المشي عند الحاجة: عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِث رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعاً، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، إلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقال: «ذَكَرْتُ شَيْئاً مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فَأمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ». أخرجه البخاري (¬2). - مكان سير الرجال والنساء في الطريق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ». أخرجه ابن حبان (¬3). - اجتناب مشية الخيلاء: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} [لقمان:18]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي، قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ حَتّىَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2330). (¬2) أخرجه البخاري برقم (851). (¬3) حسن/ أخرجه ابن حبان برقم (5572).

تَقُومَ السّاعَةُ». متفق عليه (¬1). - لبس النعال والاحتفاء أحياناً: 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ أدْبَرَ الانْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أخَا الانْصَارِ كَيْفَ أخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ» فَقَالَ صَالِحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟». فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ، وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلا خِفَافٌ وَلا قَلانِسُ وَلا قُمُصٌ، نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ. فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ. حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ النّعَالِ، فَإِنّ الرّجُلَ لاَ يَزَالُ رَاكِباً مَا انْتَعَلَ». أخرجه مسلم (¬3). - ما يقوله عند الخروج من المنزل: 1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذ بكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا». أخرجه الترمذي والنسائي (¬4). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ» قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: «هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5789) , ومسلم برقم (2088) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (925). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2096). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3427) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5486).

برَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - ما يقوله عند ركوب الراحلة: قال الله تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزُّخرُف:12 - 14]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5095) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3426).

16 - آداب المساجد

16 - آداب المساجد - فضل المساجد: 1 - قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} [النور:36 - 37]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أحَبُّ البِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأبْغَضُ البِلادِ إِلَى اللهِ أسْوَاقُهَا». أخرجه مسلم (¬1). - فضل عمارة المساجد: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة:18]. - فضل بناء المساجد: عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً للهِ تَعَالَى (قال بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّهُ قال: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ) بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ». متفق عليه (¬2). - عقوبة من أساء إلى بيوت الله: قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (671). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (450) , ومسلم برقم (533) , واللفظ له.

خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)} [البقرة:114]. - أفضل المساجد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (¬1). - فضل المشي إلى المساجد: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». أخرجه مسلم (¬3). - التزين عند المجيء للمسجد: قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. - صفة المشي إلى المسجد: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا سَمِعْتُمُ الإقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) , واللفظ له، ومسلم برقم (669). (¬3) أخرجه مسلم برقم (666).

وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا». متفق عليه (¬1). - فضل التبكير إلى المسجد: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً». متفق عليه (¬2). - ما يقول ويفعل عند الدخول والخروج من المسجد: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُل: اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ». أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ إِذا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (¬5). 4 - وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنِّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلتَ المَسْجِدَ أَنْ تَبدَأَ بِرِجْلِكَ اليُمْنَى، وَإِذَا خَرَجتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ اليُسْرَى. أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (636) , واللفظ له، ومسلم برقم (602). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬4) أخرجه مسلم برقم (713). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466).

الحاكم (¬1). - ماذا يفعل إذا دخل المسجد: عَنْ أبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». متفق عليه (¬2). - أين يضع نعليه عند الصلاة: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلاَ يُؤْذِ بهِمَا أَحَداً لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا». أخرجه أبو داود (¬3). - الصلاة حافياً أو منتعلاً: 1 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الأزْدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قال: نَعَمْ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حَافِياً وَمُنْتَعِلاً. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬5). - فضل الجلوس في المسجد على طهارة: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الحاكم برقم (748). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1163) , واللفظ له، ومسلم برقم (714). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (655). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (386) , واللفظ له، ومسلم برقم (555). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (653) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1038).

ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ». قُلْتُ: مَا يُحْدِثُ؟ قال: يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». أخرجه مسلم (¬2). - تنظيف المسجد وكنسه وتطييبه وصيانته: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رجلاً أسْوَدَ، أوِ امْرَأةً سَوْدَاءَ، كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَألَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، أوْ قال قَبْرِهَا». فَأتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُنَا بالمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا. أخرجه أبو داود (¬4). - عدم تلويث المسجد بالأقذار: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (176) , ومسلم برقم (274) كتاب المساجد, واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (458) , واللفظ له، ومسلم برقم (956). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (456).

مَهْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ». أوْ كَمَا قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: «إنَّ أحَدَكُمْ إذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ، فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أوْ: إنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَلا يَبْزُقَنَّ أحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». ثُمَّ أخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: «أوْ يَفْعَلُ هَكَذَا». متفق عليه (¬3). - اجتناب تناول ما ينفر المصلين: 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أكَلَ مِنْ هَذِهِ البَقْلَةِ، الثُّومِ (وَقالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ البَصَلَ وَالثُّومَ وَالكُرَّاثَ) فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ -وفيه- قَالَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ أيُّهَا النَّاسُ! تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لا أرَاهُمَا إِلا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا البَصَلَ وَالثُّومَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (219) , ومسلم برقم (285) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (415) , ومسلم برقم (552). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (405) , واللفظ له، ومسلم برقم (551). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (854)، ومسلم برقم (564) , واللفظ له.

لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي المَسْجِدِ، أمَرَ بِهِ فَأخْرِجَ إِلَى البَقِيعِ، فَمَنْ أكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخاً. أخرجه مسلم (¬1). - عدم رفع الصوت باللغط ونحوه: 1 - قال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]. 2 - وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ قَائِماً فِي المَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قال: مَنْ أنْتُمَا، أوْ مِنْ أيْنَ أنْتُمَا؟ قَالا: مِنْ أهْلِ الطَّائِفِ، قال: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أهْلِ البَلَدِ لأوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬2). - عدم تخطي رقاب الناس: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - عدم المرور بين يدي المصلي: عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه». قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (567). (¬2) أخرجه البخاري برقم (470). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17674) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (1118). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510)، ومسلم برقم (507).

- عدم اتخاذ القبور مساجد: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: « ... ألا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬2). - عدم البيع والشراء في المسجد: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا لاَ أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ». أخرجه الترمذي (¬3). - عدم إنشاد الضالة في المسجد: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». أخرجه مسلم (¬4). - عدم الصلاة في الأماكن المنهي عنها: 1 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (532). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1321). (¬4) أخرجه مسلم برقم (568).

مَبَارِكِ الإبلِ فَقَالَ: «لاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإبلِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي مَرَابضِ الغَنَمِ فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬2). - عدم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة: عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ، وَرَأى رَجُلاً يَجْتَازُ المَسْجِدَ خَارِجاً بَعْدَ الأَذَانِ، فَقَالَ: أمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). - اجتناب الصور والتصوير في المساجد وغيرها: 1 - عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ». متفق عليه (¬5). 3 - وَعَنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ». متفق عليه (¬6). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18538) , وأخرجه أبو داود برقم (493) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (972). (¬3) أخرجه مسلم برقم (6556). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225) , ومسلم برقم (2110) , واللفظ له. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , واللفظ له، ومسلم برقم (2109). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3322) , ومسلم برقم (2106).

- الصلاة على الأرض: 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬2). - جواز الصلاة على الحصير والفرش: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلاةُ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ، ثُمَّ يُنْضَحُ، ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا، وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ. أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) , واللفظ له، ومسلم برقم (521). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1208) , ومسلم برقم (620) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6203) , ومسلم برقم (659) , واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (381).

- جواز الأكل والنوم والسكن في المسجد للحاجة: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إلا الدَّمُ يَسِيلُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَماً، فَمَاتَ فِيهَا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: أسْلَمَتِ امْرَأةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ العَرَبِ، وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي المَسْجِدِ، قالتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا. أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ الخُبْزَ وَاللَّحْمَ. أخرجه ابن ماجه (¬3). - الانتقال عند النعاس إلى مكان آخر في المسجد: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). - جواز الاستلقاء في المسجد: عَنْ عَبْداللهِ بْن زَيْدٍ المَازِنِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَلْقِياً فِي المَسْجِدِ، وَاضِعاً إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (463) , واللفظ له، ومسلم برقم (1769). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3835). (¬3) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (3300). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1119) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (526). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (475)، ومسلم برقم (2100).

- جواز الحدث في المسجد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ! ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ! اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ! تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». متفق عليه (¬1). - جواز جلوس الحائض والنفساء في المسجد إذا تحفظت وتلجمت: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ». قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه (¬3). - جواز دخول الكافر والجنب المسجد والمكث فيه: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (445) , ومسلم برقم (272) (649) , كتاب المساجد واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (298). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (324) , ومسلم برقم (890) , واللفظ له.

وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. متفق عليه (¬1). - عدم دخول الكافر المسجد الحرام: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة:28]. - الوعظ وطلب العلم في المسجد: 1 - عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللّيْثِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَىَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ فَوَقَفَا عَلَىَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمّا أَحَدُهُمَا فَرَأَىَ فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمّا الاَخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمّا الثّالَثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِباً، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النّفَرِ الثّلاَثَةِ؟ أَمّا أَحَدُهُمْ فَأَوَىَ إِلَىَ اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمّا الاَخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « .. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) , واللفظ له، ومسلم برقم (1764). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (66) , ومسلم برقم (2176) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2699).

- الاهتمام بخدمة المسجد: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رجلاً أسْوَدَ، أوِ امْرَأةً سَوْدَاءَ، كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَألَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، أوْ قال قَبْرِهَا». فَأتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. متفق عليه (¬1). - المبادرة إلى الصف الأول: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى فِي أصْحَابِهِ تَأخُّراً. فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬3). - الصلاة عن يمين الإمام: عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْبَبْنَا أنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (458) , واللفظ له، ومسلم برقم (956). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , ومسلم برقم (437). (¬3) أخرجه مسلم برقم (438). (¬4) أخرجه مسلم برقم (709).

- الصلاة جماعة في المسجد: 1 - عَنْ عَبْداللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلاةِ إِلا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ المَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلاةَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاةَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ». متفق عليه (¬2). - صلاة النساء خلف الرجال: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ أنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا، خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأمِّي أمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. متفق عليه (¬3). - التزين والتطيب: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - وَعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (654). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (644) , ومسلم برقم (651) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (727) , واللفظ له، ومسلم برقم (658).

بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الامَامُ، إلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى». أخرجه البخاري (¬1). - اجتناب النساء الطيب عند الذهاب للمسجد وغيره: عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيباً». أخرجه مسلم (¬2). - بُعْد النساء عن الرجال إذا لم يكن بينهم حاجز: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا». أخرجه مسلم (¬3). - انصراف النساء من المسجد قبل الرجال: عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللهُ، فَإذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ الرِّجَالُ. أخرجه البخاري (¬4). - إذا أقيمت الفريضة فلا يشرع في نافلة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (883). (¬2) أخرجه مسلم برقم (443). (¬3) أخرجه مسلم برقم (440). (¬4) أخرجه البخاري برقم (866). (¬5) أخرجه مسلم برقم (710).

- التبكير والإنصات للخطبة يوم الجمعة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:9 - 10]. 2 - وَعَنْ أَوْس بْن أَوْسٍ الثقَفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الإمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - استقبال الغريب والوفد في المسجد: عَنِ جَرِير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ. أخرجه مسلم (¬2). - جواز إنشاد الشعر الحسن في المسجد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ حَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي المَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ! أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَجِبْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (345) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1087). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1017).

عَنِّي، اللَّهُمَّ! أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ»؟. قَالَ: اللَّهُمَّ! نَعَمْ. متفق عليه (¬1). - جواز التحدث في الأمور المباحة في المسجد: عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيراً، كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬2). - جواز تشبيك الأصابع في المسجد وغيره: عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً». وَشَبَّكَ أصَابِعَهُ. متفق عليه (¬3). - نصح الجاهل ومن خالف الشرع: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ». أوْ كَمَا قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: «يَا سُلَيْكُ! قُمْ فَارْكَعْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3212)، ومسلم برقم (2485) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2322). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481) , واللفظ له، ومسلم برقم (2585). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (219) , ومسلم برقم (285) , واللفظ له.

رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». ثُمَّ قال: «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمْ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ انْتَهَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «زَادَكَ اللهُ حِرْصاً وَلا تَعُدْ». أخرجه البخاري (¬2). - جواز لعب الصغار بالمسجد بما لا معصية فيه: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَا الحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ، فَأهْوَى إِلَى الحَصَى فَحَصَبَهُمْ بِهَا، فَقال: «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ». متفق عليه (¬4). - عدم التباهي بالمساجد وزخرفتها: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أُمِرْتُ بتَشْيِيدِ المَسَاجِدِ». أخرجه أبو داود (¬5). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (875). (¬2) أخرجه البخاري برقم (783). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2901)، واللفظ له، ومسلم برقم (893). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (454)، واللفظ له، ومسلم برقم (892). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (448). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (449) , وأخرجه ابن ماجه برقم (739).

17 - آداب الدعاء

17 - آداب الدعاء - فضل الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ» ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - الإكثار من الأعمال الصالحة: 1 - قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:89 - 90]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1479) , وأخرجه الترمذي برقم (3247) , وهذا لفظه.

مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - التوسل بالأعمال الصالحة عند الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} [آل عمران:53]. 2 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)} ... [آل عمران:193]. 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً للهِ، فَادْعُوا اللهَ تَعَالَى بِهَا، لَعَلَّ اللهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ فَقَالَ أَحَدُهُم: اللَّهمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالحِلاَبِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ». وَقَالَ الآخَرُ: «اللَّهمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502).

بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَاللهِ اتَّقِ اللهَ، وَلاَ تَفْتَحِ الخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ عَنْهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ». وَقَالَ الآخَرُ: «اللَّهمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَراً وَرِعَاءَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي حَقِّي، قُلْتُ اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ خُذْ ذَلِكَ البَقَرَ وَرِعَاءَهَا فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللهُ مَا بَقِيَ». متفق عليه (¬1). - التضرع والانكسار بين يدي الله: 1 - قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف:55 - 56]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5974) , ومسلم برقم (2743) , واللفظ له.

4 - وقال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)} [الأنعام:43]. - حضور القلب عند الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون:60 - 61]. - قوة اليقين والعزم في الدعاء: 1 - قال الله تعالى حكاية عن قوم هود: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود:54 - 56]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)} [يونس:71 - 73]. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي

الدُّعَاءِ وَلاَ يَقُلِ اللَّهمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ». متفق عليه (¬1). - استقبال القبلة عند الدعاء: 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الكَعْبَةَ، فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ. فَأشْهَدُ بِاللهِ، لَقَدْ رَأيْتُهُمْ صَرْعَى، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْماً حَارّاً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُمَر بْن الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَىَ المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - القِبْلَةَ، ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ: «اللَّهم أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهم آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهم؛ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ. أخرجه مسلم (¬3). - جواز الدعاء لغير القبلة: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَسْقِيَنَا. فَتَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَمُطِرْنَا، حَتَّى مَا كَادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنَا. فَقَالَ: «اللَّهمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا». فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ حَوْلَ المَدِينَةِ، وَلا يُمْطِرُ أهْلَ المَدِينَةِ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6338) , ومسلم برقم (2678) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3960) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1763). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6342) , واللفظ له، ومسلم برقم (897).

- رفع اليدين عند الدعاء: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أعْرَابِيٌّ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً». أخرجه أبو داود (¬2). - إخفاء الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف:55]. 2 - وقال الله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)} [مريم:2 - 3]. - تكرار الدعاء والإلحاح فيه: 1 - عَنْ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَىَ المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - القِبْلَةَ، ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ: «اللَّهم؛ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهم؛ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهم؛ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (933) , واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1488).

الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ، مَادّاً يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حَتّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. ثُمّ التَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: يَا نَبِيّ الله كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإنّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فَأَمَدّهُ اللهُ بِالمَلاَئِكَةِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمَّ أَغِثْنَا، اللَّهمَّ أَغِثْنَا، اللَّهمَّ أَغِثْنَا». متفق عليه (¬2). - تقديم الحمد والثناء على الله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة:2 - 6]. 2 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِلَ هَذا». ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بتَمْجِيدِ رَبهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يَدْعُو بَعْدُ بمَا شَاءَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1763). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1014) , واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1481) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3476).

- الدعاء بما يناسب الحال مما ورد في القرآن والسنة: 1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران:8]. 2 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران:194]. 3 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في حديث التشهد -وفي آخره- قالَ - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو». متفق عليه (¬1). - الدعاء بجوامع الكلم، ومنه: 1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة:201]. 2 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان:74]. 3 - وَعَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي. قال: «قُلِ: اللَّهمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّك أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». متفق عليه (¬2). - اجتناب ما يمنع استجابة الدعاء، ومنه: 1 - الاعتداء في الدعاء: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (835) , واللفظ له، ومسلم برقم (402). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834) , واللفظ له، ومسلم برقم (2705).

قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعراف:55]. 2 - أكل ولبس الحرام: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». أخرجه مسلم (¬1). 3 - الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تعجل الإجابة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: «يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ». متفق عليه (¬2). - الدعاء والذكر في جميع الأوقات والأحوال: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1015). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6340) , ومسلم برقم (2735) , واللفظ له.

2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬1). - تأمين الحضور عند الجهر بالدعاء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وَقال ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «آمِينَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (373). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780) , ومسلم برقم (410).

18 - آداب الشورى

18 - آداب الشورى - فضل الشورى: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً. متفق عليه (¬1). - مقصد الشورى: 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)} [النساء:83]. 3 - وقال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى:13]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (481) , ومسلم برقم (2585) , واللفظ له.

- التأدب في الشورى بآداب المجلس، ومنها: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة:11]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. - اختيار الكفء للفصل في الأمور: 1 - قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ سِلْماً، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ» قال الأَشَجُّ فِي رِوَايَتِهِ: (مَكَانَ سِلْماً) سِنّاً. أخرجه مسلم (¬1). - أهل الشورى: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (673).

2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء:59]. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ تَكَلّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إيّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ الله؟ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا البَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إلَى بَرْكِ الغِمَادِ لَفَعَلْنَا. أخرجه مسلم (¬1). - أخذ الرأي من العالم والكبير ثم من على يمينه: 1 - عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ أخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أصَابَهُمْ، فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أنَّ عَبْدَاللهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أوْ عَيْنٍ، فَأتَى يَهُودَ فَقَالَ: أنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَاللهِ، ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ، وَأقْبَلَ هُوَ وَأخُوهُ حُوَيِّصَةُ، وَهُوَ أكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ». يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِمَّا أنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1779). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7192) , واللفظ له، ومسلم برقم (1669).

وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬1). - إعطاء الرأي إذا طُلب منه: عَنْ عَبْدالله بْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قِصَّةِ أسَارَى بَدْرٍ قَالَ: فَلَمّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَىَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيّ الله هُمْ بَنُو العَمّ وَالعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوّةً عَلَى الكُفّارِ، فَعَسَى الله أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الخَطّابِ؟» قُلْتُ: لاَ. وَالله يَا رَسُولَ الله مَا أَرَى الّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنّي أَرَى أَنْ تُمَكّنّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكّنَ عَلِيّاً مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكّنّي مِنْ فُلاَنٍ -نَسِيباً لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَإنّ هَؤُلاَءِ أَئِمّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا. فَهَوِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ. أخرجه مسلم (¬2). - إعطاء الرأي السديد: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب:70 - 71]. 2 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1763). (¬3) أخرجه مسلم برقم (55).

- عدم التعصب للرأي: 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص:26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة:49 - 50]. - مشاورة العلماء والكبار في كل شيء: 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ تَكَلّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إيّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ الله؟ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا البَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إلَى بَرْكِ الغِمَادِ لَفَعَلْنَا. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قال: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ». فَأسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بأُمِّ خَالِدٍ». فأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَألْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أبْلِي وَأخْلِقِي». مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1779). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5845).

- المشاورة في الأمور الكبار والصغار: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ وَأسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْألُهُمَا وَهُوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أهْلِهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ». فَأسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بأُمِّ خَالِدٍ». فأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَألْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أبْلِي وَأخْلِقِي». مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا». أخرجه البخاري (¬2). - مشاورة الرجال والنساء: 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة:71]. 2 - وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ في قصة الحُدَيْبِيَةِ أنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا». قال: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قال ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أحَدٌ دَخَلَ عَلَى أمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ. فَقالتْ أمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَداً مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَداً مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7369) , واللفظ له، ومسلم برقم (2770). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5845).

رَأوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضاً، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضاً غَمّاً. أخرجه البخاري (¬1). - اللين وسماحة الخلق: 1 - قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف:199]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬2). - التثبت والتماس العذر وبيان الحق: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحُجُرات:6]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلا أنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَأمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، قَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ وَأعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ: فَعَمُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2731). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (3759). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1468) , واللفظ له، ومسلم برقم (983).

19 - آداب عيادة المريض

19 - آداب عيادة المريض - فضل عيادة المريض: 1 - عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَائِدُ المَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟». أخرجه مسلم (¬2). - حكم عيادة المريض: 1 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ. وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فُكُّوا العَانِيَ -يَعْنِي: الأسِيرَ- وَأطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2568). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2569). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1239) , واللفظ له، ومسلم برقم (2066). (¬4) أخرجه البخاري برقم (3046).

- أين يقعد العائد: 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَادَ المَرِيضَ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (¬2). - ما يقوله إذا رأى صاحب بلاء: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاءُ». أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬3). - تذكير المريض بفضل الصبر على البلاء: 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1356). (¬2) صحيح/ أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» برقم (546). (¬3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (5320).

3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قَالَ فَقُلْتُ: ذَلِكَ، أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَجَلْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذىً مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلاَّ حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه (¬2). - عيادة النساء للرجال عند أمن الفتنة: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ رَضيَ اللهُ عَنْهما، قالت: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، قُلْتُ: يَا أبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ، وَيَا بِلالُ كَيْفَ تَجِدُكَ، قالت: وَكَانَ أبُو بَكْرٍ إِذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ: ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قالت عَائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، اللَّهمَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5641) , واللفظ له، ومسلم برقم (2573). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5648) , ومسلم برقم (2571) , واللفظ له.

وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالجُحْفَةِ». متفق عليه (¬1). - عيادة المغمى عليه: عَنْ جَابِرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرِضْتُ مَرَضاً، فَأتَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، وَأبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي أغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأفَقْتُ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي، كَيْفَ أقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ. متفق عليه (¬2). - عيادة المشرك لدعوته: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬3). - عيادة الأطفال: عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ. وَتُخْبِرُهُ أنَّ صَبِيّاً لَهَا، أوِ ابْناً لَهَا، فِي المَوْتِ. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَأخْبِرْهَا: أنَّ للهِ مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعْطَى. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمّىً. فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا. قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَانْطَلَقْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5654) , واللفظ له، ومسلم برقم (1376). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5651) , واللفظ له، ومسلم برقم (1616). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1356).

مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأنَّهَا فِي شَنَّةٍ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». متفق عليه (¬1). - إرشاد المريض إلى ما ينفعه: 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ الثّقَفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ شَكَا إِلَىَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَجَعاً، يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ضَعْ يَدَكَ عَلَىَ الّذِي تَأَلّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ الله، ثَلاَثاً، وَقُلْ، سَبْعَ مَرّاتٍ: أَعُوذُ بِالله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنّ فِي الحَبّةِ السّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلّ دَاءٍ، إِلاّ السّامَ». متفق عليه (¬4). 4 - وَعَنْ أُمِّ رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَوْلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ لاَ يُصِيبُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرْحَةٌ وَلاَ شَوْكَةٌ إِلاَّ وَضَعَ عَلَيْهِ الحِنَّاءَ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬5). - سؤال المريض عن حاله: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، وُعِكَ أبُو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1284) , ومسلم برقم (923) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2202). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5681) , واللفظ له، ومسلم برقم (2205). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5688) , ومسلم برقم (2215) , واللفظ له. (¬5) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (2054) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3502) , وهذا لفظه.

بَكْرٍ وَبِلالٌ رَضيَ اللهُ عَنْهما، قالت: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، قُلْتُ: يَا أبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قَالَ: «أجَلْ، كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». قَالَ: لَكَ أجْرَانِ؟ قال: «نَعَمْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلا حَطَّ اللهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه (¬2). - ما يقوله المريض عند اشتداد الوجع: 1 - قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء:83]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأنَا حَيٌّ فَأسْتَغْفِرَ لَكِ وَأدْعُوَ لَكِ». فَقالت عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللهِ إِنِّي لأظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّساً بِبَعْضِ أزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أنَا وَا رَأْسَاهْ». أخرجه البخاري (¬3). - جواز مداواة المرأة للرجل وعكسه عند الضرورة: عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَسْقِي وَنُدَاوِي الجَرْحَى، وَنَرُدُّ القَتْلَى. أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5654) , واللفظ له، ومسلم برقم (1376). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5667) , واللفظ له، ومسلم برقم (2571). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5666). (¬4) أخرجه البخاري برقم (2882).

- التوقي من العدوى: 1 - عَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَىَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ ِ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ». متفق عليه (¬4). - عدم إعطاء المريض ما يكرهه إلا بإذنه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَدَدْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، فَأَشَارَ أَنْ لاَ تَلُدّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدّوَاءِ، فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ: «لاَ يَبْقَىَ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاّ لُدّ، غَيْرُ العَبّاسِ، فَإِنّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ». متفق عليه (¬5). - ما يدعو به للمريض عند عيادته: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَكَى مِنّا إِنْسَانٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3473) , ومسلم برقم (2218) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2231). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5771) , واللفظ له، ومسلم برقم (2221). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5707) , واللفظ له، ومسلم برقم (2220). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5712)، ومسلم برقم (2213) , واللفظ له.

مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمّ قَالَ: «أَذْهِبِ البَاسَ، رَبّ النّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: «لا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ». فَقال لَهُ: «لا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ». قَالَ: قُلْتُ: طَهُورٌ؟ كَلا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَنَعَمْ إِذاً». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ يَعُودُهُ بِمَكّةَ، فَبَكَى، قَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالأَرْضِ الّتِي هَاجَرْتُ مِنْهَا، كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ اشْفِ سَعْداً، اللَّهمَّ اشْفِ سَعْداً» ثَلاَثَ مِرَارٍ. متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذلِكَ المَرَضِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). - النفث على المريض: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي المَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5675) , ومسلم برقم (2191) , واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (3616). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5659) , ومسلم برقم (1628) , واللفظ له. (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3106) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2083).

لِبَرَكَتِهَا. متفق عليه (¬1). - صفة رقية المريض: 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإِنّ سَيّدَ الحَيّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعاً مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَىَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتّىَ أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا رَقَيْتُ إِلاّ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَتَبَسّمَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنّهَا رُقْيَةٌ؟» ثُمّ قَالَ: «خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُمْنَى وَيَقُولُ: «اللَّهمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي الرُّقْيَةِ: «بِاسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا، وَرِيقَةُ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا». متفق عليه (¬4). 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ جِبْرِيلَ أَتَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5735) , واللفظ له، ومسلم برقم (2192). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2276) , ومسلم برقم (2201) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5743) , واللفظ له، ومسلم برقم (2191). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5746) , واللفظ له، ومسلم برقم (2194).

كُلّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِد، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ. أخرجه مسلم (¬1). - إذا عاد المريض وحضرت الصلاة صلى معه: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ يَعُودُونَهُ فِي مَرَضِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً، فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ قِيَاماً، فَأشَارَ إِلَيْهِمُ: «اجْلِسُوا». فَلَمَّا فَرَغَ قال: «إِنَّ الإِمَامَ لَيُؤْتَمُّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِنْ صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً». متفق عليه (¬2). - تكرار عيادة المريض: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. متفق عليه (¬3). - الذهاب بالمريض ليدعى له: عَنِ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ ابْنَ أخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ. متفق عليه (¬4). - عدم تمني المريض الموت: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَلْيَقُلِ: اللَّهمَّ أحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2186). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5658) , واللفظ له، ومسلم برقم (412). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (463) , واللفظ له، ومسلم برقم (1769). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (190) , واللفظ له، ومسلم برقم (2345).

لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الجَنَّةَ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ». متفق عليه (¬2). - ما يقال عند المريض والميت: 1 - عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ، أوِ المَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْراً فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أبُو سَلَمَةَ أتَيْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ. قَالَ «قُولِي: اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ. وَأعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً». قَالَتْ فَقُلْتُ: فَأعْقَبَنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ. مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5671) , واللفظ له، ومسلم برقم (2680). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5673) , واللفظ له، ومسلم برقم (2816). (¬3) أخرجه مسلم برقم (919). (¬4) أخرجه مسلم برقم (920).

- تلقين المحتضر الشهادة: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ». أخرجه مسلم (¬1). - جواز البكاء على المريض والميت: 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: «أقَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللهِ! فَبَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ بَكَوْا. فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا (وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأرْسَلَتْ إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ تَدْعُوهُ. وَتُخْبِرُهُ أنَّ صَبِيّاً لَهَا، أوِ ابْناً لَهَا، فِي المَوْتِ. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: «ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَأخْبِرْهَا: أنَّ للهِ مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعْطَى. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمّىً. فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ أقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا. قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأنَّهَا فِي شَنَّةٍ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ، جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (916). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1304) , ومسلم برقم (924) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1284) , ومسلم برقم (923) , واللفظ له.

- كشف وجه الميت وتقبيله: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبَّلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مَيِّتٌ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، جِيءَ بِأَبِي مُسَجًّى، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو، فَقَالَ: «وَلِمَ تَبْكِي فَمَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ». متفق عليه (¬2). - إغماض عين الميت والدعاء له: عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5709). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1244) , ومسلم برقم (2471) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (920).

20 - آداب العطاس والتثاؤب

20 - آداب العطاس والتثاؤب - تشميت العاطس إذا حمد الله: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللهَ، كَانَ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَأمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَقّ المُسْلِمِ عَلَىَ المُسْلِمِ سِتّ»، قِيلَ: مَا هُنّ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِد اللهَ فَشَمّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتّبِعْهُ». أخرجه مسلم (¬2). - ما يفعل عند العطاس: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بهَا صَوْتَهُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - متى يشمت العاطس: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَشَمَّتَ أحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: «هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6226). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2162). (¬3) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5029) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (2745).

اللهَ». متفق عليه (¬1). - كيف يُشَمَّت العاطس: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ للهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قال لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». أخرجه البخاري (¬2). - كم مرة يشمت العاطس: 1 - عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: «يَرْحَمُكَ اللهُ»، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُشَمَّتُ العَاطِسُ ثلاَثاً فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ». أخرجه ابن ماجه (¬4). - ما يقال للكافر إذا عطس: عَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ اليَهُودُ تَعَاطَسُ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فَكَانَ يَقُولُ: «يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6221) , واللفظ له، ومسلم برقم (2991). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6224). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2993). (¬4) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (3714). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5038) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2739).

- ما يفعله عند التثاؤب: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6223) , ومسلم برقم (2994) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2995).

21 - آداب الجوار

21 - آداب الجوار - فضل الجار الصالح: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ (أوْ قال لأَخِيهِ) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ الأَصْحَاب عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ». أخرجه الترمذي (¬2). - حق الجار: 1 - قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} [النساء:36]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه (¬3). - إكرام الجار والإحسان إليه: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13) , ومسلم برقم (45) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1944). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6014) , واللفظ له، ومسلم برقم (2624).

فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». أخرجه مسلم (¬2). - تقديم الجار الملاصق على غيره في الإحسان: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أهْدِي؟ قال: «إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْكِ باباً». أخرجه البخاري (¬3). - عدم منع الجار جاره من الانتفاع بجداره: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ». متفق عليه (¬4). - عدم أذى الجار بقول أو فعل: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ». متفق عليه (¬5). - أعظم أذى الجار: عَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018) , ومسلم برقم (47) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2625). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2259). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2463) , واللفظ له، ومسلم برقم (1609). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018) , ومسلم برقم (47).

حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه (¬1). - إثم من لا يأمن جاره بوائقه: 1 - عَنْ أبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَهُ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». أخرجه مسلم (¬3). - ماذا يفعل من آذاه جاره: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ: «اذهَبْ فَاصْبرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثلاَثاً فَقَالَ: «اذهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللهُ بهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لاَ تَرَى مِنِّي شَيْئاً تَكْرَهُهُ. أخرجه أبو داود (¬4). - عدم الظن السيء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) , واللفظ له، ومسلم برقم (86). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6016). (¬3) أخرجه مسلم برقم (46). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5153).

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً». متفق عليه (¬1). - ما يجوز من الظن: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أظُنُّ فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئاً». قال اللَّيْثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ المُنَافِقِينَ. أخرجه البخاري (¬2). - اختيار الجار قبل الدار: 1 - قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)} [التحريم:11]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في حديث الهجرة -وفيه-: فَقالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّ بُيُوتِ أهْلِنَا أقْرَبُ». فَقَالَ أبُو أيُّوبَ: أنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلاً». قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6064) , ومسلم برقم (2563) , واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6067). (¬3) أخرجه البخاري برقم (3911).

22 - آداب البيوت

22 - آداب البيوت - ما يقوله إذا دخل البيت: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} [النور:27]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يفعله إذا دخل بيته: عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ، قُلْتُ: بِأيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ. أخرجه مسلم (¬2). - حسن الخلق مع الأهل: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي». أخرجه الترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2018). (¬2) أخرجه مسلم برقم (253). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3895).

- حسن معاشرة الأهل: 1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء:23 - 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في حجة الوداع -وفيه- قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. أخرجه مسلم (¬2). 5 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أرْحَمُهُمَا». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2631). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6003).

- تعليم الأهل ما ينفعهم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ». أخرجه مسلم (¬1). - تلاوة القرآن: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)} [الأحزاب:34]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ». أخرجه مسلم (¬2). - أفضل أعمال النساء في البيوت: قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (779). (¬2) أخرجه مسلم برقم (780).

بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)} [الأحزاب:32 - 34]. - إعانة الرجل أهله: عَنِ الأسْوَدِ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ. أخرجه البخاري (¬1). - النصح والتوجيه: 1 - قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه:132]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:16 - 19]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (676).

مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} [مريم:41 - 45]. 4 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (¬1). - الرفق بالأهل والخدم: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إنّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمّهُ أَعْجَمِيّةً، فَعَيّرْتُهُ بِأُمّهِ، فَشَكَانِي إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرّ! إنّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيّةٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ سَبّ الرّجَالَ سَبّوا أَبَاهُ وَأُمّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2022). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6024) , واللفظ له، ومسلم برقم (2165).

تُكَلّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». متفق عليه (¬1). - الرحمة والشفقة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً، فَقَالَ الأقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: «مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَرْحَمَ بِالعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعاً لَهُ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ البَيْتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْناً، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ. أخرجه مسلم (¬4). - البشر وطلاقة الوجه: 1 - عَنْ أبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ البَرَاءُ: أكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ السَّيْفِ، قال: لا، بَلْ مِثْلَ القَمَرِ. أخرجه البخاري (¬5). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30) , ومسلم برقم (1661) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5997) , واللفظ له، ومسلم برقم (2318). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5998) , ومسلم برقم (2317) , واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2316). (¬5) أخرجه البخاري برقم (3552).

حَتَّى أرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». أخرجه مسلم (¬2). - الصبر على المصائب: 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} [فُصِّلَت:34 - 36]. 3 - وقال الله تعالى: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} [لقمان:17]. - إكرام الضيوف: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات:24 - 27]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6092) , واللفظ له، ومسلم برقم (899). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2626).

وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬1). - الإحسان إلى الجيران: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ». أخرجه مسلم (¬3). - مواساة المحتاجين: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬4). - صلة الأرحام: 1 - قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018) , واللفظ له، ومسلم برقم (47). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6014) , واللفظ له، ومسلم برقم (2624). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2625). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2699).

عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء:1]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ». متفق عليه (¬1). - الحلم والعفو: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:133 - 134]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف:199]. 3 - وقال الله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} [يوسف:91 - 92]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971) , ومسلم برقم (2548) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2588).

- تناول الحلال الطيب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة:172]. 2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». أخرجه مسلم (¬1). - اجتناب المحرمات والخبائث: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام:121]. 3 - وقال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1015).

النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3]. 4 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157]. 5 - وَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - حفظ الجوارح عما حرم الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل:116 - 117]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36]. 3 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

قَالَ: « .. يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - اجتناب مساوئ الأخلاق: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحُجُرات:11]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحُجُرات:12]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ مَعْقِل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬3). - اجتناب الصور والتصوير: 1 - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هََذِهِ الصّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمّ قَالَ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2577). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150) , ومسلم برقم (142) , واللفظ له.

حَتّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَوّرَ صُورَةً فِي الدّنْيَا كُلّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ». متفق عليه (¬3). - إزالة المنكرات من البيت: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً عِنْد اللهِ يَوْمَ القيَامَةِ، الّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلاَمُ فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَتْ تِلْكَ السّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصاً فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: «مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلاَ رُسُلُهُ» ثُمّ التَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَتَىَ دَخَلَ هَذَا الكَلْبُ هَهُنَا؟» فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا دَرَيْتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاعَدْتَنِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225)، ومسلم برقم (2110) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7042) , ومسلم برقم (2110) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3322) , ومسلم برقم (2106). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5954) , ومسلم برقم (2107) , واللفظ له.

فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ». فَقَالَ: مَنَعَنِي الكَلْبُ الّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ، إنّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. أخرجه مسلم (¬1). - منع مَنْ يُخشى ضرره من دخول البيت: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ المُخَنَّثُ لأخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِاللهِ بْنِ أبِي أمَيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللهُ لَكُمُ الطَّائِفَ غَداً، أدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ». متفق عليه (¬2). - عدم الخلوة بالمرأة الأجنبية: 1 - عَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَرَأيْتَ الحَمْوَ؟ قال: «الحَمْوُ المَوْتُ». متفق عليه (¬4). - عدم كشف وجه المرأة إلا للمَحْرم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2104). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5235) , واللفظ له، ومسلم برقم (2180). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006) , ومسلم برقم (1341) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5232)، ومسلم برقم (2172).

جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب:53]. - عدم مصافحة النساء الأجانب: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهْا قَالَتْ: كَانَتِ المُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... } إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أقَرَّ بِالمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قال لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ». لا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ؛ فَلَقَّنَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ. قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنَا؟ قَالَ: «إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ؛ إِنَّمَا قَوْلِي لاِمْرَأَةٍ قَوْلِي لِمائَةِ امْرَأَةٍ». أخرجه أحمد والنسائي (¬2). - عدم اختلاط الرجال بالنساء الأجانب من غير حجاب: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1866). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27006) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (4181).

مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب:53]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور:30 - 31]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَالعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلاَمُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ». متفق عليه (¬1). - عدم النظر في بيت الغير إلا بإذنه: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ أبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ امْرَءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6243) , ومسلم برقم (2657) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6902) , واللفظ له، ومسلم برقم (2158).

- تقويم الأخطاء إذا وقعت: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أمُّكُمْ». ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ». متفق عليه (¬2). - التوسعة على الأهل من غير إسراف: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} [الإسراء:29]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْداً لَهُ، عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ألَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟». فَقَالَ: لا، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟». فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِاللهِ العَدَوِيُّ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5225). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6024) , واللفظ له، ومسلم برقم (2165).

رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قال: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ». أخرجه مسلم (¬2). - الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - وقال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء:26 - 27]. 3 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفٍ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ». أخرجه أحمد وعلقه البخاري (¬3). - العدل يبن الزوجات: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (997). (¬2) أخرجه مسلم برقم (994). (¬3) حسن/ أخرجه أحمد برقم (6708) , وهذا لفظه، وعلقه البخاري في أول كتاب اللباس.

الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لا يَنْتَهِي إِلَى المَرْأةِ الأولَى إِلا فِي تِسْعٍ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا. أخرجه مسلم (¬1). - العدل بين الأولاد: عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَصَدّقَ عَلَيّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلّهِمْ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُمْ» فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدّ تِلْكَ الصّدَقَةَ. متفق عليه (¬2). - ملاطفة الصغار ومداعبتهم: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ، لا يُكَلِّمُنِي وَلا أكَلِّمُهُ، حَتَّى أتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقال: «أثَمَّ لُكَعُ، أثَمَّ لُكَعُ». فَحَبَسَتْهُ شَيْئاً، فَظَنَنْتُ أنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَاباً أوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَقال: «اللَّهمَّ أحْبِبْهُ وَأحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالحَسَنِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1462). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2587) , ومسلم برقم (1623) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2122) , واللفظ له، ومسلم برقم (2421).

وَالحُسَيْنِ، بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهمَّ إِنِّي أحِبُّهُ فَأحِبَّهُ». متفق عليه (¬2). - الإذن للنساء بالخروج للمسجد: 1 - قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]. 2 - وَعَنْ ابنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةُ أحَدِكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا». متفق عليه (¬3). - قيام الليل: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء:79]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أوْتَرَ قال: «قُومِي فَأوْتِرِي يَا عَائِشَةُ». أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2423). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3749) , واللفظ له، ومسلم برقم (2422). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5238) , واللفظ له، ومسلم برقم (442). (¬4) أخرجه مسلم برقم (744).

نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - ما يقوله إذا خرج من المنزل: 1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذ بكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا». أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ». قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ: «هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ برَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1308) , وأخرجه النسائي برقم (1610) , وهذا لفظه. (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3427) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5486). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (5095) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3426).

23 - آداب السوق

23 - آداب السوق - فضل الكسب الحلال: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلا فَيَسْألَهُ، أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ المِقْدَامِ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ، خَيْراً مِنْ أنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل السماحة في البيع والشراء: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً، سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (¬3). - تعلم أحكام البيع والشراء: 1 - عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المُعْطِي وَأنَا القَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470) , واللفظ له، ومسلم برقم (1042). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2072). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2076).

خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ النُّعْمَان بن بَشِير رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الحَلالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألا إنَّ حِمَى اللهِ فِي أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬2). - النصح للناس في المعاملات وغيرها: 1 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬4). - عدم البيع والشراء في أوقات الصلوات: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3116) , واللفظ له، ومسلم برقم (1037). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , واللفظ له، ومسلم برقم (1599). (¬3) أخرجه مسلم برقم (55). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , ومسلم برقم (2586) , واللفظ له.

[الجمعة:9 - 10]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} [الجمعة:11]. - عدم الغش والكذب: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». متفق عليه (¬2). - عدم احتكار السلع: عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِىءٌ». أخرجه مسلم (¬3). - العدل في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (102). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2079) , واللفظ له، ومسلم برقم (1532). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1605).

2 - وقال الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطفِّفين:1 - 6]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} [الإسراء:35]. - اجتناب كثرة الحلف: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلرّبْحِ». متفق عليه (¬1). - أن يبيع ويشتري ما ينفع ويجتنب ما يضر: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة:90]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2087) , ومسلم برقم (1606) , واللفظ له.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». أخرجه مسلم (¬1). - البيع والشراء من المسلم وغيره: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ. متفق عليه (¬2). - حفظ السمع والبصر عن كل محرم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:30 - 31]. - اجتناب الإسراف والتبذير في البيع والشراء: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1015). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2068) , واللفظ له، ومسلم برقم (1603).

2 - وقال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء:26 - 27]. - ألا تشغله تجارته عن مهمات الدين: 1 - قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} [النور:36 - 37]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} [المنافقون:9]. - حسن القضاء: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالا»، فَقَالَ لَهُمُ: «اشْتَرُوا لَهُ سِنّاً فَأَعْطُوهُ إيّاهُ» فَقَالُوا: إنّا لاَ نَجِدُ إِلاّ سِنّاً هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنّهِ، قَالَ: «فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إيّاهُ، فَإنّ مِنْ خَيْرِكُمْ -أَوْ خَيْرَكُمْ- أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬1). - وفاء الدين إذا حل: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2305) , ومسلم برقم (1601) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287) , واللفظ له، ومسلم برقم (1564).

- إنظار المعسر والتجاوز عنه: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأى مُعْسِراً قال لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه (¬1). - التبكير في طلب الرزق: عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» وَكَانَ إِذا بَعَث سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً، وَكَانَ يَبْعَث تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - إفشاء السلام: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ». أخرجه مسلم (¬3). - الأخذ بمفاتيح الرزق وأسبابه، ومنها: - الإكثار من ذكر الله: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2078) , واللفظ له، ومسلم برقم (1562). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2606) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1212). (¬3) أخرجه مسلم برقم (54).

وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب:41 - 42]. - الإكثار من الاستغفار والتوبة: 1 - قال الله تعالى عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله عليه وسلم -: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود:52]. - التوكل على الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:3]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بطَاناً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - تقوى الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2344) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4164) , وهذا لفظه.

- اجتناب المعاصي: 1 - قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم:41]. 2 - وقال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطفِّفين:14]. - الإحسان إلى الضعفاء: 1 - عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأى سَعْدٌ أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبيهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ نَبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بضَعِيفِهَا بدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ». أخرجه النسائي (¬2). - الدعاء والاستعانة بالله: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} [المائدة:114]. 3 - وقال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة:5]. - حضور القلب عند العبادة: عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنًى، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقاً، يَا ابْنَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2896). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (3178).

آدَمَ، لا تَبَاعَدْ مِنِّي، فَأَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْراً، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ شُغْلاً». أخرجه الحاكم (¬1). - الإنفاق على من يجتهد للدين: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالََ: «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بهِ». أخرجه الترمذي (¬2). - صلة الأرحام: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه (¬3). - الإنفاق في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} [سبأ:39] 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ قالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ». متفق عليه (¬4). - الهجرة في سبيل الله: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء:100]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (7926) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1359). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2345). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2067) , واللفظ له، ومسلم برقم (2557). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4684)، ومسلم برقم (993) واللفظ له.

24 - آداب السفر

24 - آداب السفر - أقسام السفر: ينقسم السفر إلى ثلاثة أقسام: 1 - سفر محمود وهو سفر الطاعات. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء:100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100]. 2 - سفر مذموم وهو سفر المعاصي. قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال:47] 3 - سفر مباح كالسفر للصيد والتجارة ونحوهما. قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزَّمل:20].

- أفضل الأسفار: 1 - سفر الهجرة في سبيل الله: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء:100]. 2 - سفر الدعوة إلى الله: قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف:108]. 3 - سفر الجهاد في سبيل الله: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74]. 4 - السفر من أجل العلم الشرعي: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران:79]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « .. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). 5 - سفر الحج والعمرة: 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699).

2 - وقال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. 6 - سفر الاعتبار: قال الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)} [الأنعام:11]. 7 - سفر البر والعمل الصالح: 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - طلب الوصية من أهل الخير عند السفر: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي. قَالَ: «عَلَيْكَ بتَقْوَى اللهِ وَالتَّكْبيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: «اللَّهمَّ اطْوِ لَهُ الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - أخذ الزاد للسفر: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (3445) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2771).

أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)} [الكهف:60 - 62]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: كَانَ أهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَألُوا النَّاسَ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. أخرجه البخاري (¬1). - السفر مع رفقة صالحين: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً». متفق عليه (¬2). - أحسن الأيام للسفر: 1 - عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ. أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ كَعْب بن مَالِك رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إِذَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1523). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5534) , واللفظ له، ومسلم برقم (2628). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2950).

خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلاَّ يَوْمَ الخَمِيسِ. أخرجه البخاري (¬1). - وقت الخروج للسفر: 1 - قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعاً، وَصَلَّى العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وَأحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أصْبَحَ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» وَكَانَ إِذا بَعَث سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - ما يقوله المقيم للمسافر عندما يودعه: عَنِ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا أَرَادَ سَفَراً ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬4). - ما يقوله المسافر للمقيم عندما يودعه: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ: أُوَدِّعْكَ كَمَا وَدَّ عَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2949). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1547) , واللفظ له، ومسلم برقم (690). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15522) , وأخرجه أبو داود برقم (2606) , وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4524) وأخرجه الترمذي برقم (3443)، وهذا لفظه.

كَمَا وَدَّعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ الَّذِي لاَ يُضِيْعُ وَدَائِعَهُ». أخرجه أحمد (¬1). - اتخاذ الدليل لمن خشي أن يضل الطريق: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في حديث الهجرة -وفيه- وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُو مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِياً خِرِّيتاً -وَالخِرَّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفاً في آلِ العَاص ابْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَث لَيَالٍ، فأتاهما بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عامِرُ ابْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأخَذَ بِهمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. أخرجه البخاري (¬2). - عدم اصطحاب الكلب وآلات اللهو ونحوها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَصْحَبُ المَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلا جَرَسٌ». أخرجه مسلم (¬3). - الرفق بالضعفاء: عَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ فِي المَسِيرِ فَيُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُمْ. أخرجه أبو داود (¬4). - عدم السفر وحده إلا لحاجة: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (9230) , انظر السلسلة الصحيحة (16). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3905). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2113). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2639).

الوَحْدَةِ مَا أعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - ما يفعله إذا خرج اثنان في سفر: عَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ وَمُعَاذاً إلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا». متفق عليه (¬2). - ما يفعله إذا خرج ثلاثة فأكثر في سفر: عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا كَانَ نَفَرٌ ثَلاثٌ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ، ذَاكَ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه ابن خزيمة (¬3). - دعاء الركوب: قال الله تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزُّخرُف:12 - 14]. - دعاء السفر: عَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثاً، ثُمَّ قَالَ: «{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}. اللَّهمَّ إِنَّا نَسْألُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ، اللَّهمَّ! إِنِّي أعُوذُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2998). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4344) , ومسلم برقم (1733) , واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه ابن خزيمة برقم (2541).

بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ، فِي المَالِ وَالأهْلِ». أخرجه مسلم (¬1). - القرعة بين زوجاته إذا أراد السفر بإحداهن: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). - عدم سفر المرأة بدون محرم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهمُا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأتِي حَاجَّةً، قال: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬3). - عدم السفر لبلاد الكفار من أجل النزهة: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام:68]. 2 - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلاً حَتَّى يُفَارِقَ المُشْرِكِينَ إِلَى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1342). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2593) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).

المُسْلِمِينَ». أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). - عدم السفر بالقرآن إذا خاف أن يناله العدو: عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ العَدُوّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوّ. متفق عليه (¬2). - الركوب على ما تيسر من المراكب: 1 - قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)} [النحل:8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)} [غافر:79 - 80]. - عدم لعن المركوب: عَنْ عِمْرَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ». قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ. أخرجه مسلم (¬3). - خدمة المسافرين وغيرهم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه النسائي برقم (2568) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2536) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2990) , ومسلم برقم (1869) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2595).

وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} [القصص:23 - 24]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأبِي طَلْحَةَ: «التَمِسْ لِي غُلاماً مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي». فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا نَزَلَ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قال: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأجْرِ». متفق عليه (¬2). - إعانة المحتاج بما تيسر: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِيناً وَشِمَالاً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». أخرجه مسلم (¬3). - الإرداف على الدابة إذا لم تتضرر: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2889) , ومسلم برقم (1365) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2890) , ومسلم برقم (1119) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1728).

وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعاً، فَاقْتَحَمَ أبُو طَلْحَةَ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قال: «عَلَيْكَ المَرْأةَ». فَقَلَبَ ثَوْباً عَلَى وَجْهِهِ وَأتَاهَا فَألْقَاهُ عَلَيْهَا، وَأصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، قال: «آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. متفق عليه (¬1). - ما يقوله المسافر إذا صعد وإذا هبط: 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضيَ اللهُ عَنْهمُا قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ... وَكَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَجُيُوشُهُ إِذا عَلَوُا الثنَايَا كَبَّرُوا وَإِذا هَبَطُوا سَبَّحُوا. أخرجه أبو داود (¬3). - الاعتقاب في السفر عند قلة الظهر: عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أصْنَعُ بِأنْ أذْكُرَهُ، كَأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أفْشَاهُ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3085) , واللفظ له، ومسلم برقم (1345). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2993). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2599). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4128) , واللفظ له، ومسلم برقم (1816).

- ما يقوله إذا نزل منزلاً: عَنْ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬1). - العطاء والمواساة في السفر: عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَأَصَابَنَا جَهْدٌ، حَتّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَأَمَرَ نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَمَعْنَا مَزَاوِدَنَا، فَبَسَطْنَا لَهُ نِطَعاً، فَاجْتَمَعَ زَادُ القَوْمِ عَلَى النّطَعِ. قَالَ: فَتَطَاوَلْتُ لأَحْزُرَهُ كَمْ هُوَ؟ فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ العَنْزِ. وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتّى شَبِعْنَا جَمِيعاً، ثُمّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا. متفق عليه (¬2). - ما يقوله إذا عثرت دابته: عَنْ أَبي المَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَثرَتْ دَابَّةٌ فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: «لاَ تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثلَ البَيْتِ وَيَقُولُ بقُوَّتِي وَلَكِنْ قُلْ: بسْمِ اللهِ فَإِنَّكَ إِذا قُلْتَ ذلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثلَ الذبَاب». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). - ما يقوله المسافر إذا أسحر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ: «سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَحُسْنِ بَلاَئِهِ عَلَيْنَا رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2708). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2484) , ومسلم برقم (1729) , واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (20867) , وأخرجه أبو داود برقم (4982) , وهذا لفظه.

عَائِذاً بِاللهِ مِنَ النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يقوله المسافر إذا رأى قرية: عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَرَى قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا، إِلا قَالَ حِينَ يَرَاهَا: «اللَّهمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْر هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْر أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا». أخرجه النسائي في الكبرى والطحاوي (¬2). - القصر والجمع في السفر: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاةِ الحَضَرِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. أخرجه البخاري (¬4). - عدم النزول والنوم في الطريق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السّنَةِ، فَأَسْرِعُوا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2718). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» برقم (8826) , وأخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» برقم (5693). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (350) , واللفظ له، ومسلم برقم (685). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1107).

عَلَيْهَا السّيْرَ، وَإِذَا عَرّسْتُمْ بِاللّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطّرِيقَ، فَإِنّهَا مَأْوَى الهَوَامّ بِاللّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). - الاجتماع وعدم التفرق عند النوم في الصحراء: عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزِلاً فَعَسْكَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فِي الشِّعَابِ وَالأَْوْدِيَةِ، فَقَامَ فيهم، فَقَالَ: «إِنمَّا تَفَرُّقَكُمْ فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ». قَالَ: فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا نَزَلُوا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى إِنَّكَ لَتَقُولُ لَوْ بَسَطْتُ عَلَيْهِمْ كِسَاءً لَعَمَّهُمْ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). - كيفية النوم في السفر: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ، اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ. أخرجه مسلم (¬3). - صلاة التطوع على الراحلة: 1 - عَنْ ابنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1926). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17736) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (2628). (¬3) أخرجه مسلم برقم (683). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1098) , ومسلم برقم (700) , واللفظ له.

حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ. متفق عليه (¬1). - التعجيل بالعودة إلى بلده إذا قضى حاجته: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أهْلِهِ». متفق عليه (¬2). - ما يقوله إذا رجع من سفره: 1 - عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثاً، ثُمَّ قال: «{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}. اللَّهمَّ إِنَّا نَسْألُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ، اللَّهمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ، فِي المَالِ وَالأهْلِ». وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1105) , واللفظ له، ومسلم برقم (700). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3001) , واللفظ له، ومسلم برقم (1927). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797) , واللفظ له، ومسلم برقم (1344).

أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَا وَأبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ المَدِينَةِ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا المَدِينَةَ. متفق عليه (¬2). - وقت القدوم من السفر: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَطْرُقُ أهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً. متفق عليه (¬3). - ما يفعله المسافر إذا قدم من السفر: 1 - عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَاراً، فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأ بِالمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ، فَأبْطَأ بِي جَمَلِي وَأعْيَا، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالغَدَاةِ، فَجِئْتُ المَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى باب المَسْجِدِ، قَالَ: «الآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قال: «فَدَعْ جَمَلَكَ، وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». قال: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1342). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3085)، ومسلم برقم (1345) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1800) , واللفظ له، ومسلم برقم (1928). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418)، ومسلم برقم (716) , واللفظ له. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2097) , ومسلم برقم (715) , واللفظ له.

- إعلام الأهل إذا أراد الدخول ليلاً: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلْتَ لَيْلاً، فَلا تَدْخُلْ عَلَى أهْلِكَ، حَتَّى تَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ، وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ». متفق عليه (¬1). - استقبال القادمين من السفر: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنِ السَّائِب بن يَزِيد رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ. أخرجه البخاري (¬3). - المصافحة والمعانقة عند القدوم من السفر: عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَلاقَوا تَصَافَحُوا وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفِرٍ تَعانَقُوا. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (¬4). - تقديم الطعام عند القدوم من السفر: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيراً بِوَقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أوْ دِرْهَمَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صِرَاراً، أمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأكَلُوا مِنْهَا. أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5246) , واللفظ له، ومسلم برقم (715). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1798). (¬3) أخرجه البخاري برقم (3083). (¬4) حسن/ أخرجه الطبراني في «الأوسط» برقم (97) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (2647). (¬5) أخرجه البخاري برقم (3089).

الباب التاسع كتاب القواعد الشرعية

الباب التاسع كتاب القواعد الشرعية ويشتمل على ما يلي: 1 - أصول الفقه الإسلامي: ويشمل: 1 - فقه الأحكام الشرعية. 2 - فقه الأدلة الشرعية. 3 - فقه العزيمة والرخصة. 4 - فقه الإفتاء. 2 - القواعد الشرعية: وهي قسمان: 1 - القواعد الكبرى: وهي: 1 - الأمور بمقاصدها. 2 - اليقين لا يزول بالشك. 3 - لا ضرر ولا ضرار. 4 - المشقة تجلب التيسير. 5 - العادة محكّمة. 6 - الوسائل لها أحكام المقاصد. 7 - الله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولا ينهى إلا عن ما فيه مفسدة. 8 - الوجوب يتعلق بالاستطاعة. 9 - الأصل في الأشياء الإباحة. 10 - الإخلاص والمتابعة لازمان في كل عمل. 11 - العدل واجب، والفضل مسنون. 12 - إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى على الأدنى. 2 - القواعد الفرعية، وتشمل: 1 - قواعد العبادات. 2 - قواعد المعاملات.

1 - أصول الفقه الإسلامي

1 - أصول الفقه الإسلامي - الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية بأدلتها التفصيلية. - أقسام الفقه: الفقه في الدين ينقسم إلى قسمين: الأول: فقه القلوب: وهو العلم بالأحكام الشرعية العلمية بأدلتها التفصيلية كالعلم بالله، وأسمائه وصفاته، وأفعاله. والعلم بأركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. والعلم بما يجب لله عز وجل من التوحيد والإيمان والعبادة والإخلاص واليقين، والخوف والرجاء، والتعظيم والمحبة، والإنابة والتوكل، ونحو ذلك مما يجب لله. الثاني: فقه الجوارح: وهو العلم بالأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية كالعلم بالأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين كالصلاة والزكاة، والصوم والحج، والأذكار والأدعية، والحدود والبيوع ونحو ذلك من العبادات والمعاملات. والأول هو الأصل، والثاني تابع له، وكلاهما مطلوب، وأسعد الناس من رُزق هذا وهذا.

- منزلة الفقه في الدين: الفقه في الدين من أفضل الأعمال، وأرفع المنازل، وأكمل المراتب؛ لأنه الموصل لسعادة الدنيا والآخرة. 1 - عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (1). 2 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري (2). - مصادر الفقه الإسلامي: القرآن .. والسنة .. والإجماع .. والقياس. فالإجماع: هو اتفاق علماء الأمة على حكم شرعي مبني على الكتاب والسنة. والقياس: هو إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بينهما. مثاله: تحريم المخدرات قياساً على تحريم الخمر لعلة الإسكار.

_ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3116) , واللفظ له، ومسلم برقم (1037). (2) أخرجه البخاري برقم (5027).

1 - فقه الأحكام الشرعية

1 - فقه الأحكام الشرعية - الحكم الشرعي: هو ما دل عليه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب فعل، أو ترك، أو تخيير، أو وضع. - أقسام الأحكام الشرعية: تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: أحكام تكليفية .. وأحكام وضعية. الأول: الحكم التكليفي: وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين باللزوم أو التخيير. - أقسام الحكم التكليفي: ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام هي: الواجب .. والمستحب .. والمحرم .. والمكروه .. والمباح. 1 - الواجب: هو ما يثاب فاعله امتثالاً، ويستحق العقاب تاركه. مثاله: الصلوات الخمس يثاب فاعلها، ويستحق العقاب تاركها. - أقسام الواجب: الواجب له ثلاثة أحوال: الأول: واجب باعتبار الوقت، وهو قسمان: 1 - واجب موسع: وهو ما كان وقته متسعاً له ولغيره. مثاله: أوقات الصلوات الخمس، فوقت الظهر أو العشاء يتسع لأداء الفرض،

ويبقى وقت طويل يمكن أن يصلى فيه صلوات ونوافل. 2 - واجب مضيق: وهو ما كان وقته لا يتسع لغيره من جنسه. مثاله: صوم رمضان لا يتسع لغيره من الصيام، والحج لا يتسع لغيره من النسك ونحو ذلك. الثاني: واجب باعتبار المكلف به، وهو قسمان: 1 - واجب معين: وهو ما طلب الله من المسلم فعله بعينه. مثاله: الصلاة والصوم والحج ونحوها. فهذه يجب على كل مسلم فعلها بعينها، ولا يجوز له أن يأتي ببدل عنها. 2 - واجب مخير: وهو ما طلب الله من المسلم فعله، وخيَّره في أنواعه. مثاله: كفارة اليمين، فقد أوجب الله على من حنث في يمينه أن يكفر بخصلة من ثلاث وتبرأ ذمته، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة. الثالث: واجب باعتبار المكلف، وهو قسمان: 1 - واجب عيني: وهو ما طلب الله فعله من كل واحد من المكلفين بعينه. مثاله: الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها. فهذه يجب على كل مسلم بعينه أن يأتي بها. 2 - واجب كفائي: وهو ما طلب الله فعله من المسلمين عامة. فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، فإن لم يقم به أحد أثموا جميعاً. مثاله: الأذان، والإفتاء، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك. 2 - المستحب: وهو ما يثاب فاعله امتثالاً، ولا يعاقب تاركه.

مثاله: جميع أنواع التطوع من صلاة، وصيام، وصدقات، وأذكار ونحوها، ويسمى المندوب والمسنون والتطوع، وهو أنواع كثيرة: منها ما هو مطلق .. ومنها ما هو مقيد .. ومنها ما هو مؤكد .. ومنها ما ليس بمؤكد .. ومنها ما له سبب .. ومنها ما ليس له سبب. 3 - المحرم: وهو ما يثاب تاركه، ويستحق العقاب فاعله. مثاله: جميع الكبائر والمحرمات كالكفر والشرك، والزنا والربا، والظلم والبغي ونحو ذلك. والمحرمات أنواع كثيرة بعضها أغلظ من بعض. منها ما يتعلق بما بين العبد وربه .. ومنها ما يتعلق بما بين العبد ونفسه .. ومنها ما يتعلق بما بين العبد وغيره من الخلق. 4 - المكروه: وهو ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله. مثاله: الطلاق لأدنى سبب. 5 - المباح: وهو ما خيَّر الله المسلم بين فعله وتركه. مثاله: الأكل من أنواع الطيبات .. وصيد البر والبحر .. وأكل طعام أهل الكتاب .. ونكاح نسائهم. وقد ينوي بفعل المباح الاستعانة به على طاعة الله فيؤجر. وقد يتوصل بالمباح إلى الخير فيُلحق بالمأمورات. وقد يتوصل بالمباح إلى الشر فيُلحق بالمنهيات. الثاني: الحكم الوضعي: وهو خطاب الله القاضي بجعل الشيء سبباً لشيء، أو شرطاً له، أو مانعاً منه.

فالله عز وجل وضع أشياء، ونصبها أدلة على إثبات الأحكام أو نفيها. فكل حكم يثبت بوجود سببه، وتوفر شرطه، وانتفاء مانعه، وينتفي بانتفاء سببه، أو تخلف شرطه، أو وجود مانعه. - أصل الحكم الوضعي: الحكم الوضعي موضوع من قِبَل الله عز وجل. فهو سبحانه الذي جعل الوضوء شرطاً لصحة الصلاة، وجعل السرقة سبباً لقطع اليد، وجعل قتل الوارث لمورثه مانعاً من الإرث .. ونحو ذلك. - أقسام الحكم الوضعي: ينقسم الحكم الوضعي إلى ثلاثة أقسام: الأول: السبب: وهو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم. مثاله: الوقت جعله الله سبباً لفعل الصلاة، فإذا دخل وقت الصلاة وجب أداء الصلاة، وإذا لم يدخل الوقت لم تصح الصلاة، وشهود رمضان جعله الله سبباً للصيام وهكذا. الثاني: الشرط: وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود. مثاله: الطهارة للصلاة جعلها الله شرطاً لصحة الصلاة، فإذا عدمت الطهارة لم تصح الصلاة، وإذا وجدت الطهارة لا يلزم من وجودها الصلاة. الثالث: المانع: وهو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود. مثاله: أن يقتل رجل ابنه عمداً، فإنه لا يُقتص منه؛ لأن المانع موجود وهو الأبوة التي جعلها الله مانعة من القصاص. فسبب القصاص موجود، لكن منع منه مانع وهو الأبوة.

2 - فقه الأدلة الشرعية

2 - فقه الأدلة الشرعية - التكليف: هو خطاب الله للمكلف بأمر أو نهي. فإن كان الخطاب جازماً فهو الواجب .. وإن كان غير جازم فهو المستحب .. وإن كان النهي جازماً فهو المحرم .. وإن كان غير جازم فهو المكروه. - شروط المكلف: البلوغ .. والعقل. فالصغير قاصر عن معرفة الأحكام .. والمجنون مسلوب الإرادة، فكلاهما غير مكلف. - أقسام أدلة الشرع: الأدلة الشرعية التي تثبت بها الأحكام أربعة: القرآن .. والسنة .. والإجماع .. والقياس. 1 - القرآن الكريم: كلام الله عز وجل، وقد تعبدنا الله بتلاوته، كما تعبدنا بتحكيمه في جميع الأمور على مستوى الأفراد والجماعات والدول. فيجب على كل إنسان الإيمان به، والعمل بما فيه. 2 - السنة: هي كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. والسنة هي الدليل الثاني بعد القرآن الكريم. فيجب الإيمان بمن جاء بها، واتباع ما جاء فيها، والعمل بما نُقل منها إلينا بطريق صحيح. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ

لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء:65]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر:7]. - أحوال السنة مع القرآن: للسنة النبوية مع القرآن الكريم ثلاث حالات: الأولى: أن تكون السنة مؤكدة لحكم جاء في القرآن، فيكون هذا من توارد الأدلة على أمر واحد اهتماماً به. مثاله: ما ورد في القرآن والسنة من الأمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج، والجهاد، وصلة الأرحام، وحرمة الأنفس والأموال والأعراض ونحو ذلك. الثانية: أن تكون السنة مبينة ومفصلة لما أُجمل في القرآن. مثاله: أن الله عز وجل أمر في القرآن بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم جاءت السنة بتفصيل صفة الصلاة، ومقادير الزكاة، وصفة الصيام، وصفة الحج. الثالثة: أن تكون السنة مبينة لحكم سكت عنه القرآن. مثاله: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، وتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ونحو ذلك مما لم يرد في القرآن وورد في السنة. 3 - الإجماع: هو اتفاق علماء الأمة على حكم شرعي مستند إلى القرآن والسنة. مثاله: إجماع علماء الأمة على فرضية الصلوات الخمس، وصوم رمضان ونحو ذلك.

والإجماع حجة شرعية، يجب الأخذ بها، وتحرم مخالفتها. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115]. 4 - القياس: هو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما. فيلحق حكم واقعة لا نص فيها بواقعة ثبت حكمها بنص أو إجماع إذا اشتركا في العلة. مثاله: قياس الإجارة ونحوها من العقود على البيع بالنهي عنها بعد نداء الجمعة الثاني، وذلك لاشتراك المقيس والمقيس عليه في العلة التي هي الانشغال عن خطبة وصلاة الجمعة. وكذلك لو أوصى إنسان لآخر بثلث ماله بعد وفاته، ثم قتل الموصى له الموصي من أجل الحصول على المال، فيُحرم من المال قياساً على قتل الوارث مورِّثه، وذلك للعلة الجامعة بينهما، وهي استعجال الشيء قبل أوانه، فيعاقب بحرمانه. فالقياس حجة شرعية يجب الأخذ بها ليتم إلحاق كل فرع جديد بأصله المنصوص عليه شرعاً. والقياس هو العدل، وما يعرف به العدل وهو الميزان، الذي هو الجمع بين المسائل المتماثلة بحكم واحد، والتفريق بين المسائل المختلفة بأحكام مختلفة مناسبة لكل واحدة منها. قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} [الشورى:17].

- أقسام الأحكام الشرعية: تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: 1 - ما لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، سواء اختلف الزمان، أو المكان، أو الاجتهاد كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة في الشرع، وأنصبة الورثة في الميراث ونحو ذلك. 2 - ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له نوعاً ومقداراً حسب الزمان والمكان كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها. فالشارع ينوِّع فيها بحسب المصلحة. - فقه أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله: إذا حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمر أو نهى عنه، ثم فعل خلافه، فهو لبيان الجواز، لكنه يواظب على الأفضل منه. ومثاله: حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوضوء ثلاثاً، وتوضأ مرة ومرتين. وزجر عن الشرب قائماً، وشرب قائماً. وطاف بالبيت ماشياً وراكباً. ومشى حافياً ومنتعلاً. فهذا وأمثاله كله لبيان الجواز. لكنه - صلى الله عليه وسلم - واظب على الأفضل منه وهو الوضوء ثلاثاً .. والشرب جالساً .. والطواف ماشياً، والمشي منتعلاً. والقول مقدم على الفعل؛ لأن الفعل مظنة الخصوصية، أما القول فهو قطعي بالعموم.

3 - فقه العزيمة والرخصة

3 - فقه العزيمة والرخصة - العزيمة: هي الحكم الثابت بدليل شرعي خال عن معارض. مثل وجوب الصلوات الخمس تامة في أوقاتها في الحضر. ووجوب صوم رمضان في الحضر، وجواز البيع والإجارة، وتحريم الربا والزنا والغش ونحو ذلك. - حكم العمل بالعزيمة: العمل بالعزيمة واجب في جميع الأعمال والأحكام؛ لأنها الأصل، ولا يجوز تركها إلا إذا وُجِد معارض أقوى فيُعمل به، وهو ما يسمى بالرخصة. - الرخصة: هي كل ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح. والعزيمة والرخصة كل منهما ثابت بدليل شرعي، لكن العزيمة هي الأصل، والرخصة استثناء من الأصل لأعذار تبيح ذلك. - أسباب الرخصة: الرخصة في الشرع لها سبعة أسباب: الأول: السفر: ومن رُخَصه: قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، والجمع بين الصلاتين، وجواز صلاة النافلة راكباً ولو لغير القبلة، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها. الثاني: المرض: ومن رُخَصه: جواز التيمم عند التضرر باستعمال الماء، والجمع بين الصلاتين، وصلاة

المريض حسب قدرته قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع أومأ برأسه. الثالث: النسيان: ومن رُخَصه: صحة صوم من أكل أو شرب ناسياً في النهار، وسقوط الإثم والفدية عمن فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً ونحو ذلك. الرابع: الجهل: ومن رُخَصه: جهل الكافر إذا أسلم ثم زنى، أو شرب الخمر جاهلاً بالحكم، فهذا يُدرأ عنه الحد؛ لجهله بالحكم. الخامس: الإكراه: ومن رُخَصه: العفو عمن تلفظ بكلمة الكفر مكرهاً مع اطمئنان القلب بالإيمان، وعدم وقوع الطلاق ممن أُكره عليه بغير حق. السادس: المشقة والحرج: ومن رخصها: جواز الصلاة مع وجود النجاسة اليسيرة المعفو عنها، وجواز مس المصحف للصغير والمحدث والحائض ونحو ذلك. السابع: النقص: ومن رُخَصه: عدم تكليف النساء ببعض ما يجب على الرجال كالجمعة والجماعة، وتحمّل الدية، والقتال في سبيل الله ونحو ذلك. - أقسام الرخصة: تنقسم الرخصة إلى ثلاثة أقسام: 1 - رخصة مندوبة: كالجمع بين الصلاتين إذا جدَّبه السفر، وفطر المريض

والمسافر في نهار رمضان ونحو ذلك. 2 - رخصة واجبة: كالتيمم للمريض العاجز، وصلاة المريض حسب قدرته، والأكل من الميتة للمضطر ونحو ذلك. 3 - رخصة مباحة: كإباحة الإجارة والسَّلَم سداً لحاجة الناس، ودفعاً للحرج عنهم. - حكم الرخصة: الرخصة نوعان: 1 - رخصة محمودة يحبها الله. وهي الرخصة المستقرة التي نص عليها الشرع رحمة بالعباد، وتوسعة عليهم كأكل الميتة والدم ونحوهما للمضطر، وفطر المريض والمسافر في رمضان والجمع بين الصلاتين عند الحاجة، وصلاة المريض بحسب حاله، وكفطر الحامل والمرضع خوفاً على الولد، ونكاح الأَمة خوفاً من العَنَت ونحو ذلك. 2 - رخصة مذمومة شرعاً. وهي رخص التأويلات واختلاف المذاهب التي مَنْ تتبعها تزندق كرخص الحيل في المعاملات، وإباحة المحرمات بتأويلات فاسدة، ونحو ذلك من الرخص الشاذة. فهذه تتبعها حرام، يَرْجع بالمترخص إلى غثاثة الرخص الشاذة، والتأويلات الفاسدة، وغشيان المحرمات، واقتراف الكبائر، وسخط الرب سبحانه.

- أحكام الرخص: الرخصة في الشرع نوعان: أحدهما: الرخصة المستقرة المعلومة من الشرع بنص شرعي صحيح. وهذه الرخصة أنواع: منها ما هو واجب كأكل الميتة، ولحم الخنزير، والدم، وشرب الخمر عند الضرورة. ومنها ما هو راجح المصلحة كفطر الصائم المريض، وقصر المسافر وفطره. ومنها ما مصلحته للمترخص وحده كصلاة المريض قاعداً. ومنها ما مصلحته للمترخص وغيره كفطر الحامل والمرضع في رمضان ونحو ذلك. فهذه كلها رخص شرعية يحبها الله؛ لما فيها من الرفق والتيسير على العباد، ففعلها أرجح وأفضل من تركها. الثاني: رخص التأويلات والحيل: مثل رخص أصحاب الحيل في المعاملات، وقول من أباح الغناء وآلات اللهو، وقول من جوز للصائم أكل البَرَد، وقول من جوز نكاح النساء في أدبارهن ونحو ذلك. فهذه الحيل والتأويلات كلها باطلة ومحرمة؛ لما فيها من غشيان الكبائر، والقول على الله بلا علم، ولما فيها من تحليل ما حرم الله ورسوله. قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل:116 - 117].

4 - فقه الإفتاء

4 - فقه الإفتاء - الإفتاء: هو الإخبار عن حكم الله في نازلة بالدليل لمن سأل عنه. - المفتي: هو العالم المبيِّن للأحكام الشرعية من غير إلزام بها. - المستفتي: هو السائل عن حكم شرعي. - منزلة المفتي: الإفتاء منصب عظيم، وشرف كبير لمن قام به بحقه. وأول من قام بهذا العمل العظيم، والمنصب الشريف، هو سيد الأنبياء والمرسلين، الذي كان يفتي عن الله بوحيه المبين. - مسؤلية المفتي: المفتي إناء للعلم الشرعي، وهو أمانة وكله الله بحفظها ونشرها. فالمفتي موقِّع عن رب العالمين، وقائم في الأمة مقام سيد المرسلين، ونائب عنه في تبليغ الدين، وبيان الأحكام. فجدير بمن اختاره الله وعلَّمه وأقامه في هذا المنصب أن يستعين بالله، ويُعدّ للأمر عدته، ويأخذ له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه. فينصح للأمة بكل ما يعلمه من خير، ويحذرها من كل ما يعلمه من شر، ولا يكن في صدره حرج من قول الحق، والصدع به، مع لزوم الحكمة في الأمور، والله العزيز العليم ناصره وهاديه. - حكم الإفتاء: الفتوى فيها أجر عظيم، لكن لها خطر عظيم.

وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتدافعون الفتوى ما استطاعوا، إلا عند الحاجة والضرورة. والفتوى لها خمسة أحكام: الأول: تجب الفتوى بأمور: إذا كان المفتي أهلاً للإفتاء .. والحاجة إليها قائمة .. والنازلة مما يسوغ الاجتهاد فيه .. ودخل وقت العمل .. ولا يوجد في البلد أو المكان مفت سواه، فهذا تجب عليه الفتوى. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة:159 - 160]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ الله بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (1). الثاني: تستحب الفتوى إذا كان المفتي أهلاً، وفي البلد غيره، والحاجة غير قائمة، وفي الوقت متسع. الثالث: تحرم الفتوى إذا كان المسؤول غير عالم بالحكم، أو أريد بها عَرَض من أعراض الدنيا، أو اتباع هوى، أو تزلُّف لحاكم بإبطال حق، أو تسويغ باطل. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ

_ (1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3658) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل:116 - 117].

2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف:33]. 3 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} [الأنعام:144]. الرابع: تكره الفتوى إذا كانت المسألة لم تقع، أو كانت من الأغلوطات. الخامس: تجوز الفتوى إذا كان المفتي أهلاً للفتوى، والمسألة مما يمكن وقوعها، وكانت الوقت متسعاً. - حكم الفتوى: فتوى المفتي لا تبيح المحرم شرعاً، ولا تحرم المباح شرعاً. فمن حكم له المفتي أو القاضي بحق غيره، لم يجز له أخذه وهو يعلم عدم استحقاقه له. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئاً فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (1).

_ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7169) , واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

2 - القواعد الشرعية

2 - القواعد الشرعية - فقه القواعد الشرعية: الإسلام دين كامل، بيَّن الله فيه علاقة العبد بربه بالعبادة، وبين علاقة العباد بعضهم ببعض بحسن المعاملات والأخلاق. ونظراً لكثرة المسائل وتجددها وتنوعها، واختلاف عقول البشر، فقد استنبط العلماء من الكتاب والسنة الأصول الشرعية، والقواعد الفقهية؛ ليسهل على العباد فهم الدين، ومعرفة أصوله وقواعده، وليُرجع كل فرع إلى أصله، وتُلحق كل مسألة بمثلها المنصوص، ويزول اللبس، وتضبط المسائل مع مراد الشرع. - أقسام القواعد الشرعية: القواعد الشرعية تنقسم إلى قسمين: 1 - قواعد الفقه الكبرى الجامعة لكثير من مسائل الفقه في العبادات والمعاملات. 2 - القواعد الفرعية، وهي قسمان: 1 - قواعد العبادات. 2 - قواعد المعاملات.

1 - القواعد الكبرى

1 - القواعد الكبرى 1 - القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها. فكل أقوال الإنسان وأفعاله لا تكون صحيحة ولا مقبولة ولا يؤجر عليها إلا بنية. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - القاعدة الثانية: اليقين لا يزول بالشك. فالأصل بقاء ما كان على ما كان .. وكل ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين .. وكل شيء شككنا في وجوده فالأصل عدمه .. وكل شيء شككنا في عدده فالأصل البناء على الأقل .. والأصل في الأشياء الطهارة .. والأصل في الكلام الحقيقة .. ولا يُنسب لساكت قول .. والسكوت في مقام الحاجة إلى البيان بيان. فاليقين لا يزول بالشك أبداً؛ لأن اليقين أقوى من الشك، فمن تيقن الطهارة، وشك في الحدث، فهو طاهر؛ لأن الطهارة ثابتة بيقين، فلا ترتفع بالشك الطارئ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

3 - القاعدة الثالثة: لا ضرر ولا ضرار

ومن تيقن الحدث، وشك في الطهارة، فهو محدث؛ لأن اليقين لا يزول بالشك .. وهكذا في كل أمر. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَجَدَ أحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً فَأشْكَلَ عَلَيْهِ، أخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أمْ لا، فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أوْ يَجِدَ رِيحاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا شَكَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلاثاً أمْ أرْبَعاً؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْساً، شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَاماً لأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيماً لِلشَّيْطَانِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - القاعدة الثالثة: لا ضرر ولا ضرار. فلا يجوز لأحد أن يضر غيره ابتداءً .. ولا يجوز له مقابلة الضرر بالضرر على وجه غير مشروع .. ويُمنع الضرر قبل وقوعه بالوسائل المناسبة لمنعه .. ويُرفع الضرر بعد وقوعه بالوسائل التي ترفع أثره، وتمنع تكراره. فمن اشتهر بالفساد والفجور المتعدي وجب على الإمام حبسه حتى تظهر توبته؛ دفعاً لشره عن البلاد والعباد. ويُحجر على المفلس لدفع الضرر عن الغرماء، ويُحجر على الصغير والمجنون لدفع الضرر عن أنفسهم، وأباح الله الخيار بأنواعه دفعاً للضرر عن المتبايعين. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (362). (¬2) أخرجه مسلم برقم (571).

4 - القاعدة الرابعة: المشقة تجلب التيسير

- والضرر يُدفع بقدر الإمكان: فالجهاد في سبيل الله مشروع لإزالة الباطل، ودفع الضرر عن المسلمين، فيجب على القادر لا العاجز، وإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين. وأباح الإسلام الشفعة لدفع الضرر المتوقَّع عن الشريك. - ويُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام: فيجب الحجر على من يفتي بغير علم، أو يتطبب بجهل، وعلى كل مشعوذ ودجال؛ حفاظاً على دين الناس، وصيانة لأبدانهم وعقولهم وأموالهم. - ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح: فيحرم بيع المحرمات كالدخان، والخمور، والمخدرات ونحوها؛ منعاً للمفسدة التي تُلحق الضرر بعقول الناس، وأبدانهم، وأموالهم. ولا يجوز لأحد أن يتصرف في ملكه بما يُلحق الضرر بغيره، كأن يجعل داره ورشة أو مدبغة؛ دفعاً للضرر عن جاره. ولا ينكر المنكر إذا ترتب على إنكاره باللسان منكر أعظم منه لقوله سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} [الأنعام:108]. 4 - القاعدة الرابعة: المشقة تجلب التيسير. فكل أمر يترتب على فعله حرج أو مشقة فإن الإسلام يمنعه أو يخففه، رحمة من الله بعباده. 1 - قال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي

الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78]. 2 - وقال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. 3 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا». متفق عليه (¬1). - سماحة الشريعة: جميع أوامر الله ورسوله سهلة سمحة ميسرة. فالصلوات خمس في اليوم والليلة .. والزكاة جزء يسير من مال العبد في كل سنة مرة .. والصيام شهر واحد في كل عام .. والحج لا يجب في العمر إلا مرة على المستطيع .. وبقية الواجبات عوارض بحسب أسبابها كالكفارات والنذور ونحوهما. وقد شرع الله لكثير من الواجبات أسباباً تعين عليها، وتنشِّط على فعلها، كما شرع الاجتماع في الصلوات الخمس، وأوجب الصيام على الجميع في شهر واحد، وكذلك أوجب الحج في العمر مرة. فالاجتماع يزيل مشقة العبادات، ويولِّد التنافس في أفعال الخير، وينشِّط العاملين، كما جعل الله الثواب العاجل والآجل أكبر معين على فعل الخيرات، وترك المحرمات. ومع هذه السهولة، إذا عرض للإنسان عذر يُعجزه أو يشق عليه، خفف الله عنه تخفيفاً يناسب حاله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (69) , واللفظ له، ومسلم برقم (1734).

- أقسام المشقة: المشقة تنقسم إلى قسمين: الأول: المشقة المعتادة: وهي التي لا ينفك عنها العمل غالباً .. مثل مشقة الوضوء والغسل في وقت البرد .. ومشقة الحج .. ومشقة الجهاد في سبيل الله .. ومشقة الصوم في شدة الحر ونحو ذلك. فهذه وأمثالها مشقة يسيرة لا تسبب حرجاً للإنسان. الثاني: المشقة الجالبة للتيسير: وهي الطارئة والزائدة على الجهد المعتاد، وهي جميع رخص الشرع وتخفيفاته. فهذه تقتضي التخفيف، وتجلب التيسير، لرفع الحرج عن الخلق، رحمة من الله بعباده، برفع الآصار والأغلال عنهم. وهذه المشقة أنواعها كثيرة: مثل الجمع بين الصلاتين في الحضر عند الحاجة .. والجمع والقصر في السفر .. والفطر في رمضان للمسافر والمريض .. والمسح على الخفين في الحضر والسفر .. والمسح على الجبيرة للمريض .. وصلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت .. والتيمم عند فقد الماء أو عند المشقة في استعماله .. وصلاة المريض حسب حاله وقدرته .. والتوكيل في الرمي في الحج للعاجز .. والإطعام بدل الصوم للكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه .. وهكذا. - والضرورات تبيح المحظورات: فيجوز للمضطر أن يأكل من الميتة أو يشرب الخمر إذا خشي الهلاك حفظاً

5 - القاعدة الخامسة: العادة محكمة

لنفسه. ويجوز للإنسان إذا صال عليه مجرم لأخذ ماله، أو قتله، أو انتهاك عرضه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل، ولو أدى ذلك إلى قتله، ولا ضمان عليه، ولا إثم عليه. - والضرورة تُقدّر بقَدْرها: فالطبيب يجوز له النظر إلى عورة المريض بقدر الحاجة فقط، والمضطر يجوز له الأكل من الميتة والخنزير بقدر ما يدفع عنه الموت فقط، فإن زاد فهو آثم. قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [البقرة:173]. - وكلما ضاق الأمر اتسع، وكلما اتسع ضاق. فالمريض وسع الله عليه بأن يصلي حسب حاله قاعداً، أو على جنب، أو إيماءً، فإذا شفاه الله صلاها قائماً كاملة كغيره. والمعسر إذا لم يقدر على السداد يُنظر إلى ميسرة، فإذا يسر الله عليه وجب عليه أداء الدين فوراً ... وهكذا. 5 - القاعدة الخامسة: العادة محكمة. فكل ما تعارف عليه الناس من الأقوال والأفعال، ولم يخالف نصاً شرعياً، وليس له مدلول في الشرع أو اللغة، فإن مرجعه إلى العرف والعادة، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان.

1 - قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف:199]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء:19]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه (¬1). - حكم العرف: ينقسم العرف من حيث الحكم إلى قسمين: الأول: عرف صحيح: وهو كل ما تعارف عليه الناس من الأمور التي لا تحل حراماً، ولا تحرم حلالاً كأنواع الكيل، والوزن، والمساحة. الثاني: عرف فاسد: وهو كل ما يخالف نصوص الإسلام وقواعده كتعارف أهل بلد على شرب الخمر، أو أكل الربا، أو سفور النساء، أو سماع الغناء ونحو ذلك. فهذا وأمثاله عرف فاسد محرم لمخالفته الشرع. - أقسام العرف: ينقسم العرف من حيث الصفة إلى قسمين: الأول: العرف اللفظي: وهو أن يُستعمل اللفظ فيما وُضع له في اللغة، وفي غير ما وُضع له كلفظ الدابة، والغائط. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5364) , واللفظ له، ومسلم برقم (1714).

فالدابة في اللغة: اسم لكل ما يدبّ على وجه الأرض، وفي العرف: اسم لذوات الأربع من الحيوان. والغائط في اللغة: اسم للمكان المنخفض، وفي العرف: اسم لعذرة الإنسان. الثاني: العرف العملي: وهو أن يعتاد الناس على عادات معينة في الأكل والشرب واللبس، وعلى معاملات ومقادير في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك. مثل تعارف الناس على تقديم الأجرة قبل استيفاء المنفعة في إجارة الأماكن والآلات يومياً، أو أسبوعياً، أو شهرياً، أو سنوياً، وتأخيرها في بعض البلاد، أو استلام بعض الأجرة، وتأخير الباقي إلى استيفاء المنفعة. وتعارف الناس في بعض البلاد على تقديم مهر الزواج، وفي بعضها على تأخيره، وفي بعضها على تعجيل بعضه، وتأجيل بعضه .. وهكذا. وتعامل بعض البلاد بالكيل أو الوزن، أو بنقد معين كالريال أو الدولار، أو بمقادير المساحة كالمتر والقدم ونحو ذلك. فيُرجع في هذا وغيره إلى العرف والعادة في كل بلد في كل حُكم حَكم فيه الشرع ولم يحدده كالكيل، والوزن، والنقد ونحوها. - والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً: فالزوج ينفق على زوجته بالقدر المتعارف عليه بين الناس بحسب غناه أو فقره. وإذا استأجر عاملاً لمدة يوم، أو ركب سيارة إلى مكان كذا، ولم يشارطهما، فإن مدة العمل، ومقدار الأجرة، تتحدد بحسب ما تعارف عليه الناس.

6 - القاعدة السادسة: الوسائل لها أحكام المقاصد

- والكتاب كالخطاب: فإذا كتب إنسان لآخر كتاباً ببيع أو إجارة ونحوهما صح كما لو تلفظ بذلك. وإذا كتب لزوجته بالطلاق كتاباً، فإن الطلاق يقع كالنطق به. 6 - القاعدة السادسة: الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان مأموراً بشيء كان مأموراً بما لا يتم إلا به. فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .. وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون. وإذا كان منهياً عن شيء كان منهياً عن جميع طرقه ووسائله. فالوسيلة إلى الواجب واجبة كالمشي إلى صلاة الفريضة، وأداء الحقوق ونحوهما. والوسيلة إلى المسنون مسنونة كالنافلة من الصلاة والصدقة والحج والعمرة ونحو ذلك. وكذلك الوسائل إلى الشرك كلها محرمة، فيحرم كل قول وفعل يفضي إليه. وكذلك الوسائل إلى سائر المعاصي كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر ونحوها كلها محرمة. والوسيلة إلى المكروه مكروهة .. والوسيلة إلى المباح مباحة. فالأشياء ثلاثة: مقاصد: كالصلاة مثلاً .. ووسائل إليها: كالوضوء والمشي .. ومتممات لها: كرجوعه إلى محله الذي خرج منه. فالوسائل تعطى أحكام المقاصد، وكذلك المتممات للأعمال تعطى أحكامها كالرجوع من الصلاة، والجهاد، والعمرة، والحج، وعيادة

المريض، واتباع الجنازة ونحو ذلك. فمن خرج من محله للعبادة فهو في عبادة حتى يرجع إلى مقره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)} [يس:12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجُلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، قال فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ. قال: مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم (¬2). - وكل مباح تَوسّل به إلى ترك واجب، أو فِعْل محرم فهو محرم: فلا يحل البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني .. أو إذا خيف فوت الصلاة المكتوبة أو صلاة الجماعة .. أو البيع على من يريد أن يعمل بالسلعة معصية كبيع العنب على من يتخذه خمراً، أو السلاح لأهل الفتنة ونحو ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) أخرجه مسلم برقم (663).

7 - القاعدة السابعة: الله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولا ينهى إلا عن ما فيه مفسدة

- وكل حيلة يتوسل بها إلى ترك واجب أو فعل محرم فهي حرام: كالحيل على قلب الدَّين على المدين، كأن يدينه مرة أخرى ليوفيه .. وكبيع العينة .. والتحيل على إسقاط شفعة الشفيع بالوقف أو زيادة الثمن .. وقتل الوارث مورِّثه .. وقتل الموصي له وصيَّه .. وعضل الزوج لزوجته لتعطيه المال ليطلقها. فهذه الحيل كلها حرام. - والحيل التي يُتوسل بها إلى استخراج الحقوق مباحة بل مأمور بها: فالإنسان مأمور باستخراج حقه والحق المتعلق به بالطرق الواضحة، والطرق الخفية كما تحيل يوسف - صلى الله عليه وسلم - بوضع الصاع في رحل أخيه ليبقى عنده كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)} [يوسف:76]. وكذلك الحيل التي تَسْلم بها الحقوق والنفوس والأموال كلها مباحة، بل مأمور بها كما خرق الخضر السفينة لتسلم من الملك الظالم الذي يغتصب كل سفينة صالحة تمر عليه ... وهكذا. 7 - القاعدة السابعة: الله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولا ينهى إلا عن ما فيه مفسدة. وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة، سواء تعلق بالقلوب أو الجوارح، أو بالأصول أو الفروع، أو بحقوق الله أو حقوق عباده. فكل ما أمر الله ورسوله به كله عدل ومصلحة كالإيمان، والتوحيد، والطاعات. وكل ما نهى الله ورسوله عنه كله ضرر ومفسدة على القلوب والأبدان، في

8 - القاعدة الثامنة: الوجوب يتعلق بالاستطاعة

الدنيا والآخرة كالشرك، والكفر، والمعاصي. والعدل مصالحه خالصة، والظلم مفاسده خالصة. والصدق مصالحه خالصة، والكذب مضاره خالصة .. وهكذا. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف:32 - 33]. 8 - القاعدة الثامنة: الوجوب يتعلق بالاستطاعة. فلا واجب مع العجز .. ولا محرم مع الضرورة. 1 - يسقط كل واجب عند العجز عنه. فكل من عجز عن شيء من شروط الصلاة، أو فروضها، أو واجباتها فإنه يسقط عنه، ويصلي بحسب ما يقدر عليه. ومن عجز عن الصوم لكبر، أو مرض، ولا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن أفطر لسفر، أو مرض يرجى برؤه قضاه إذا زال عذره. والعاجز عن الحج ببدنه يقيم عنه من يحج عنه، والعاجز عن الحج بماله لا يجب عليه. 1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا

9 - القاعدة التاسعة: الأصل في الأشياء الإباحة

لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن:16]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). 2 - يباح المحظور عند الاضطرار إليه. فيحل للعبد كل محرم اضطر إليه كالميتة، ولحم الخنزير ونحو ذلك؛ لمنع الهلاك عن نفسه، والضرورة تقدّر بقدرها، فإذا اندفعت وجب على المضطر الكف. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام:119]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [البقرة:173]. 9 - القاعدة التاسعة: الأصل في الأشياء الإباحة. فكل ما خلق الله الأصل فيه الحل والإباحة ما لم يرد دليل يحرمه. وكل ما صنع الإنسان من الآلات والأجهزة فالأصل فيه الحل والإباحة ما لم يرد فيه دليل يحرمه. فالأصل الإباحة في كل شيء، والتحريم مستثنى. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

10 - القاعدة العاشرة: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله لازمان في كل عمل

1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} [البقرة:29]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام:145]. 10 - القاعدة العاشرة: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله لازِمان في كل عمل. فهذان الأصلان شرطان في كل عمل يبتغي به العبد وجه الله، سواء كان ظاهراً كأعمال الجوارح، أو باطناً كأعمال القلوب. فكل عمل لا بد أن يكون خالصاً لله، مراداً به وجهه ورضوانه وثوابه، ولا بد أن يكون مأخوذاً من الكتاب والسنة. فهذا هو العمل الصحيح المقبول عند الله، وكل ما سواه مردود. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البيِّنة:5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر:7]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). - الأعمال الصالحة إذا وقعت من المرائين فهي باطلة؛ لفقدها الإخلاص. وكل عمل يفعله العبد لله لكنه غير مشروع فهو باطل؛ لفقده المتابعة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

11 - القاعدة الحادية عشرة: العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون في كل شيء

فالأول ميزان الأعمال الباطنة .. والثاني ميزان الأعمال الظاهرة. وكل معاملة من بيع، أو إجارة أو غيرهما تراضى عليها الطرفان، لكنها ممنوعة شرعاً فهي باطلة ومحرمة؛ لأن الرضى إنما يشترط بعد رضى الله ورسوله. وكل تبرع نهى الله ورسوله عنه فهو باطل ومحرم كإعطاء بعض الأولاد دون بعض، أو تفضيلهم في العطايا والوصايا والمواريث. - جميع الأحكام مأخوذة من الكتاب والسنة، وهما الأصل. والإجماع مستند إليهما، والقياس الذي هو العدل مستنبط منهما. 11 - القاعدة الحادية عشرة: العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون في كل شيء. والعدل: أن تعطي ما عليك كما تأخذ ما هو لك. والفضل: هو الإحسان ابتداءً، أو الزيادة على الواجب. فجميع العبادات والمعاملات والأخلاق العدل فيها واجب، والفضل مسنون. فالعبادات كالطهارة، والصلاة، والصيام، والحج وغيرها. وأداء العبادات له حالتان: 1 - أداء مجزئ: وهو ما يقتصر فيه العبد على ما يجب في العبادة، وهو العدل. 2 - أداء كامل: وهو الإتيان بمستحبات العبادة مع الواجبات، وهو الفضل. والمعاملات كالبيع والشراء، والأخذ والعطاء. فالعدل أن تأخذ ما هو لك، وتعطي ما عليك.

12 - القاعدة الثانية عشرة: إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى على الأدنى

والفضل أن تعفو عن حقك أو بعضه، وتعطي أكثر مما وجب عليك. والعدل والفضل مقامان للمنصفين والسابقين، ومن قصر دونهما فهو من الظالمين. وقد أمر الله بالعدل، ورغّب في الفضل، وفي الجمع بينهما الثواب الجزيل، والحظ الأوفر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فُصِّلَت:34 - 35]. 12 - القاعدة الثانية عشرة: إذا تزاحمت المصالح قُدِّم الأعلى على الأدنى. 1 - فإذا تزاحمت المصالح نقدم الواجب على المستحب، ونقدم الفرض على النفل، والراجح على المرجوح. 2 - وإذا تزاحمت المفاسد، واضطر الإنسان إلى واحد منها قدم الأخف منها. فالواجب أولى من المستحب .. وأحد الواجبين أو المستحبين أحسن مما دونه .. وما نفعه عام أحسن مما نفعه خاص: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر:17 - 18]. فيجب تقديم الواجب على المسنون في الصلاة والصدقة والصيام والحج وغيرها.

ويجب تقديم من تجب طاعته على من تستحب، وتقديم أعلى الواجبين على أدناهما، فيقدم المسلم طاعة الله ورسوله على طاعة كل أحد. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا لا يطيع الإنسان والديه في منعهما له من الحج الواجب، والجهاد المتعين. وتقدِّم المرأة طاعة زوجها على طاعة والديها. ويقدِّم المسلم السنن الراتبة على السنن المطلقة .. والعبادات والمعاملات المتعدية على العبادات والمعاملات القاصرة .. ويقدِّم نفل العلم على نفل الصلاة والصيام .. ويقدم الصدقة على القريب على الصدقة على البعيد؛ لأنها صدقة وصلة. وإذا تزاحمت المفاسد، واضطر الإنسان لها قدم الأخف منها. فمن اضطر إلى أكل المحرم ووجد شاة ميتة وصيداً وهو محرم قدَّم الصيد على الميتة .. ويقدِّم ميتة الشاة على أكل الكلب .. ومن اضطر إلى وطء إحدى زوجتيه الصائمة والحائض وطئ الصائمة؛ لأنها أخف، ولأن الفطر يجوز للضرورة كالحامل إذا خافت على الولد .. ويقدِّم ما فيه شبهة على الحرام الخالص .. وهكذا.

2 - القواعد الفرعية

2 - القواعد الفرعية 1 - قواعد العبادات 1 - الأصل في العبادات الحظر إلا ما شرعه الله ورسوله. فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله. فكل واجب أو مستحب شرعه الله ورسوله فهو عبادة نعبد الله بها، فمن أوجب شيئاً .. أو استحب شيئاً .. أو حرم شيئاً .. أو كره شيئاً .. أو أباح شيئاً .. لم يدل عليه الكتاب والسنة .. فقد ابتدع ديناً لم يأذن به الله. - والبدع في العبادات قسمان: 1 - إما أن يبتدع عبادة لم يشرع الله ولا رسوله جنسها أصلاً. 2 - وإما أن يبتدع في العبادة ما يغير به ما شرعه الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء:115]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). 2 - المكلف هو البالغ العاقل. فالعقل شرط لوجوب العبادات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

والتمييز شرط لصحة العبادات إلا الحج والعمرة .. والزكاة والكفارة. والتكليف والرشد شرط لصحة التصرف. والتكليف والرشد والملك شرط لصحة التبرع. 3 - من ترك المأمور به لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المنهي عنه جاهلاً أو ناسياً فهو معذور ولا يلزمه شيء، وعبادته تامة. فمن صلى وهو محدث، أو ترك ركناً أو شرطاً من شروط الصلاة لغير عذر، فعليه الإعادة ولو كان جاهلاً أو ناسياً، ومن نسي النجاسة في بدنه، أو ثوبه، أو جهلها فلا إعادة عليه؛ لأن الأول مِنْ ترك المأمور .. والثاني مِنْ فعل المحظور. ومن ترك نية الصيام لم يصح صومه، ومن فعل مفطراً جاهلاً، أو ناسياً فصومه صحيح. ومن ترك الطواف أو السعي في الحج والعمرة فعليه الإتيان به، ومن فعل محظوراً من محظورات الإحرام كتغطية الرأس، ولبس المخيط ونحوهما وهو جاهل، أو ناسي فلا شيء عليه. 4 - إذا خُيِّر العبد بين أمرين فأكثر قَدّم الأصلح. 1 - فإن كان التخيير لمصلحة العبد نفسه اختار ما يناسبه. ومثاله: التخيير في كفارة اليمين بين إطعام عشرة مساكين .. أو كسوتهم .. أو تحرير رقبة. والتخيير في فدية الأذى للمحرم بين صيام ثلاثة أيام .. أو إطعام ستة مساكين .. أو ذبح شاة .. وهكذا.

2 - وإن كان التخيير لمصلحة الغير فهو تخيير يلزمه فيه الاجتهاد في الأصلح. ومثاله: تخيير الإمام في أسرى الحرب بين قتلهم .. أو استرقاقهم .. أو أخذ الفدية منهم .. أو المنّ عليهم. فيلزمه في هذا الأصلح للدين والأمة. وناظر الوقف، وولي اليتيم، والوصي ونحوهم إذا تعارضت التصرفات، لزمه التصرف بأحسن ما يراه يحقق المصلحة. 5 - إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة أو شرطها فسدت، وإن عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وإنما ينقص ثوابها. فمن توضأ بماء محرم كمغصوب، أوصلى في ثوب محرم، وهو عالم ذاكر متعمد، فهذا بطلت طهارته وصلاته. وإن كان الماء مباحاً، والإناء مغصوباً، حرم ذلك الفعل، وصحت الطهارة. وإذا صلى رجل وعليه خاتم ذهب، حرم ذلك الفعل، والصلاة صحيحة، لأن التحريم في المسألتين عاد إلى أمر خارج. والصائم إذا تناول شيئاً من المفطرات عالماً ذاكراً متعمداً فسد صومه، وإن فعل شيئاً من المحرمات في حق الصائم وغيره كالغيبة، والنميمة صح صومه مع الإثم. 6 - يجب فعل المأمور به كله، واجتناب المنهي عنه كله. فإن قدر على المأمور به فَعَله، وإن قدر على بعضه وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه، ويجتنب المنهي عنه كله. 1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا

لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن:16]. 2 - وَعن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). 7 - إذا تعارض مندوبان، فيقدم المندوب المهجور على المندوب المشتهر، وذلك لسببين: فعله، وإحياؤه. ويقدم المندوب المتعدي نفعه كطلب العلم وتعليمه، على المندوب القاصر نفعه على فاعله كصلاة النفل، وتلاوة القرآن ونحو ذلك. وإذا تعارض محرمان أو مكروهان لا بد من أحدهما، كقتل النفس، وشرب الخمر، فَعَل الإنسان الأخف منهما، وقدم ما هو ضرره على نفسه، واجتنب ما يتعدى ضرره إلى غيره. 8 - كل عبادة مركبة من أجزاء لا بد فيها من أمرين: الترتيب .. والموالاة. مثل الوضوء .. والصلاة .. والحج ونحوها. 9 - إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالهما، واكتفى عنهما بفعل واحد. فمن دخل المسجد وصلى ركعتين، ونوى بهما ركعتي الوضوء، وتحية المسجد، والسنة الراتبة، وصلاة الاستخارة، حصل له أجر ذلك كله. ومن حلف عدة أيمان على شيء واحد، وحنث فيه عدة مرات ولم يكفِّر، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

أجزأه كفارة واحدة عن الجميع. 10 - والواجب بالنذر كالواجب بالشرع. فإذا نذر صلاة وأطلق فأقلها ركعتان، ويلزمه أن يصليها بشروطها وأركانها كالفرض. ومن عليه صوم نذر لم يكن له أن يصوم نفلاً قبل أداء نذره. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (¬1). 11 - الأحكام لا تتم ولا يترتب عليها مقتضاها حتى تتم شروطها، وتنتفي موانعها. فالتوحيد مثمر لكل خير في الدنيا والآخرة، ودافع لكل شر في الدنيا والآخرة. ولكن لا تحصل هذه الأمور إلا باجتماع شروطه، وانتفاء موانعه. فأما شروطه: فهي نطق اللسان بالتوحيد .. وإقرار القلب بالتوحيد .. وتصديقه ومحبته للتوحيد .. وبغضه للشرك .. وانقياد الجوارح للعمل بالتوحيد بالأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة .. فهذه شروطه. وأما موانعه ومفسداته فهي ضد هذه الشروط. وجماع الموانع: إما شرك .. وإما بدعة .. وإما معصية. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6696).

فالشرك نوعان: شرك أكبر يبطل التوحيد والأعمال بالكلية. وشرك أصغر ينقص التوحيد ولا يزيله بالكلية، وكذلك البدع والمعاصي تنقصه بحسبها ولا تزيله بالكلية. وكذلك الوضوء لا يتم إلا باجتماع شروطه وفروضه، وانتفاء موانعه ونواقضه. وكذلك الصلاة لا تتم حتى توجد أركانها وشروطها، وتنتفي موانعها ومبطلاتها. وكذا الزكاة والصيام والحج وسائر الأعمال لا تتم إلا بوجود الشروط، وانتفاء الموانع. ودخول الجنة شرطه الإيمان والأعمال الصالحة، وموانعه الردة ومبطلات الأعمال، فلا بد من حصول الشرط، وانتفاء المانع. ودخول النار سببه الكفر والمعاصي، وموانعه الإيمان والتوبة. فإذا حصل السبب، وانتفى المانع ثبت الحكم. فكل عبادة، أو معاملة، أو عقد من العقود إذا فسدت، فسبب ذلك أحدأمرين: إما لفقد أحد شروطها ولوازمها .. أو لوجود مانع يبطلها. 12 - يقوم البدل مقام المبدَل إذا تعذر الأصل. فالتيمم يقوم مقام الوضوء عند فقد الماء أو التضرر باستعماله، ويؤدَّى به ما يؤدَّى بالوضوء من فرض ونفل ونحوهما.

وكذلك الهدي والأضحية إذا فقدت تبدل بخير منها أو مثلها. وكذلك الوقف إذا جاز بيعه أبدله بما يحقق المصلحة من جنسه. قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} [النساء:43]. 13 - الفعل ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد. فالانقطاع اليسير بين مفردات الفعل الواحد لا يقطع الاتصال. فإذا غسل بعض أعضاء الوضوء، وانفصل غسل الباقي عن الأول، فإن كان الفصل قصيراً لم يضر، وإن طال الفصل أعاده من أوله .. وهكذا في كل فعل تعتبر له الموالاة. وإذا ترك شيئاً من صلاته وسلم قبل إتمامها، ثم ذكر ولم يطل الفصل، أتى بما تركه وسجد للسهو، ولو طال الفصل عرفاً أعادها كلها. وإذا ألحق بكلامه استثناءاً أو شرطاً أو وصفاً، فإن طال الفصل عرفاً لم ينفعه، وإن اتصل لفظاً أو حكماً كانقطاعه بعطاس وشبهه لم يضر .. وهكذا في كل قول يعتبر اتصال بعضه ببعض.

2 - قواعد المعاملات

2 - قواعد المعاملات 1 - الأصل في المعاملات والعادات الحل والإباحة. فلا يحرم من المعاملات والعادات إلا ما حرمه الله ورسوله. فالعادات كلها كالمآكل والمشارب، والملابس والمراكب، والمساكن والمصانع، الأصل فيها الإباحة والإطلاق. والمعاملات كلها كالبيوع، والإجارات وسائر العقود، الأصل فيها الإباحة. فمن حرم شيئاً منها لم يحرمه الله ولا رسوله فهو مبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، كمن حرم بعض أنواع اللباس، أو الأجهزة، أو المصنوعات بغير دليل شرعي يحرمه .. والمحرَّم من هذه الأشياء كل خبيث وضار. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل:116 - 117]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). 2 - الصلح جائز بين المسلمين إلا ما خالف الشرع. فالصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. وجميع أنواع الصلح الجارية بين المسلمين جائزة ما لم تُدخلهم في حرام، أو تخرجهم من واجب. فيصح الصلح مع الإقرار بالحق ومع إنكاره .. ويصح الصلح عن الحقوق الثابتة ليسقطها مَنْ هي له كخيار العيب، أو الغبن أو نحوهما .. ويصح الصلح عن دم العمد في النفس بمال ونحوه. وكذا لو صالح غيره عن المجهول من الديون والحقوق بشيء معلوم جاز، وكذا لو صالحه عن الدين المؤجل ببعضه حالاً جاز. فهذا وأمثاله من الصلح كله جائز بشرطه. قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 3 - إذا عاد التحريم إلى نفس السلعة أو شرطها فسد البيع، وإن عاد إلى أمر خارج لم يفسد، وللآخر الخيار. فإذا باع الإنسان ما لا يملك، أو بغير رضى معتبر، أو كان بيع رباً أو غرر ونحو ذلك فسد البيع؛ لأنه متعلق بذاته وشرطه. وإن تلقى الجلَب، أو باع معيباً يعلمه، أو دلّس في البيع، فالعقد صحيح/ والفعل محرم، وللآخر الخيار. 4 - ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. فمن طلق زوجته في مرض موته المخوف، ترث منه ولو خرجت من العدة.

ومن قتل مورِّثه حُرم من الميراث، سواء كان القتل عمداً، أو خطأً، إذا كان بغير حق. وإذا قتل الموصى له الموصي بطلت الوصية .. ومن تعجل شهواته المحرمة في الدنيا عوقب بالحرمان منها في الآخرة إن لم يتب .. ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إن لم يتب. 5 - البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. فكل من ادعى عيناً عند غيره، أو ديناً على غيره، أو حقاً من الحقوق، فعليه البينة. فإن لم يأت ببينة تشهد بصحة دعواه، فعلى الآخر اليمين التي تنفي ما ادعاه المدعي. 6 - وجوب التراضي بين الطرفين في جميع العقود. فيجب التراضي بين الطرفين في جميع عقود المعاوضات، والتبرعات، والفسوخ الاختيارية. فالبيوع والإجارات والمشاركات ونحوها لا بد فيها من رضى المتعاقدين. وكذلك النكاح وغيره من العقود والفسوخ لا تصح إلا برضى المتصرف فيها. فمن أُكره على عقد أو فسخٍ بغير حق فعقده وفسخه لاغ. ومن امتنع من واجب عليه وأكره فإنّ إكراهه بحق، ولا يشترط رضاه، فمن أُكره على بيع ماله وحلاله لوفاء دينه، أو شراء ما يجب عليه من نفقة، فهو إكراه بحق.

ومن وجب عليه طلاق زوجته لسبب فامتنع أجبر عليه بحق. 7 - الإتلاف مضمون على من أتلفه. فمن أتلف شيئاً ضمنه، سواء كان متعمداً، أو جاهلاً، أو ناسياً، وسواء كان صغيراً، أو كبيراً. وهذا الضمان شامل لإتلاف النفوس المحترمة، والأموال، والحقوق، فمن أتلف شيئاً من ذلك بغير حق فعليه ضمانه. والفرق بين المتعمد وغيره من جهة الإثم، وعقوبة الدنيا والآخرة في حقه، وعدمه في حق المعذور بخطأ، أو نسيان. 8 - التلف في يد الأمين غير مضمون، وفي يد الظالم مضمون. والأمين كل من كان المال بيده برضى ربه. فيدخل فيه المودع والوكيل، والأجير والمرتهن، والوصي والولي، والشريك ونحوهم، فكل هؤلاء إذا تلف المال بأيديهم بغير تعد ولا تفريط لا يضمنون، فإن تعدوا أو فرطوا ضمنوا. والتعدي: فعل ما لا يجوز من التصرفات. والتفريط: ترك ما يجب من الحفظ. ومن كان المال بيده بغير حق فإنه ضامن لما في يده، سواء تلف بتعد، أو تفريط، أو بدونهما؛ لأن يد الظالم متعدية، فيضمن مطلقاً، ويدخل في هذا الغاصب، والخائن، والسارق، والجاحد ونحوهم، فهؤلاء ضامنون مطلقاً. فأسباب الضمان ثلاثة: اليد المتعدية .. ومباشرة الإتلاف بغير حق .. وفعل سبب يحصل به التلف.

9 - تُضمن المثليات بمثلها، والمتقوَّمات بقيمتها. فالمثليات: ما كان له مثل، أو مشابه، أو مقارن كالحيوانات، والآلات. والمتقومات: ما ليس له مثل أو مشابه. فكل من أتلف مالاً لغيره: فإن كان مثلياً ضمنه بمثله .. وإن كان متقوماً ضمنه بقيمته يوم تلفه. ومن استقرض مثلياً رد بدله .. وإن كان متقوماً رد قيمته. عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إيّاهُ، إنّ خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». أخرجه مسلم (¬1). 10 - إذا تعذر المسمى رجعنا إلى القيمة. فمن باع شيئاً، أو أجّره بثمن معلوم، وتعذر معرفة الثمن المسمى في العقد، نرجع إلى قيمة المبيع الذي وقع عليه العقد في وقته، وإذا تعذر معرفة الأجرة المسماة، نرجع إلى أجرة المثل في وقته، وإذا تعذر معرفة مهر المرأة المسمى، فإنه يجب لها مهر المثل. وهكذا جميع العقود والمعاوضات، إذا تعذر معرفة المسمى رجعنا إلى القيمة. 11 - إذا تعذر معرفة من له الحق جُعل كالمعدوم. فإذا علمنا أن هذا المال ملك للغير، وتعذر معرفة صاحبه، فيُجعل ¬

(¬1) أخرحه مسلم برقم (1600).

كالمعدوم، ويُصرف المال بأنفع الأبواب لصاحبه، أو إلى أحق الناس بصرفه إليه من أقاربه. فمن كان بيده ودائع، أو رهون، أو أمانات، أو غصوب، وجُهل ربها، وأيس من معرفته: فإن شاء دفعها لولي بيت مال المسلمين ليصرفها في المصالح النافعة. وإن شاء تصدق بها عن صاحبها، ونوى أنه إذا جاء خيَّره: بين إمضاء التصرف، ويكون له الثواب، أو يضمنها له وله ثوابها. ومن مات وليس له وارث معلوم، فميراثه لبيت المال، ليصرف في المصالح العامة النافعة. 12 - الحق لصاحبه إذا عرفناه، وتستعمل القرعة عند التزاحم والاشتباه. فإذا جهلنا من هو المستحق، أو تزاحم عدد على شيء لا يمكن اجتماعهم فيه، ولا مميز لأحدهم، فهنا نُقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة استحق ذلك الحق. فإذا تشاح اثنان في أذان، أو إقامة، أو سبق إلى مباح، أو سبق إلى جلوس في مسجد، أو سوق، أو رباط ونحو ذلك، ولم يكن لأحدهما مرجِّح، أقرع بينهم، فمن خرجت له القرعة قُدِّم .. وهكذا في كل أمر. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الاَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437).

13 - من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره. والمقصود بالمباحات هنا: ما ليس له مالك، ولا هو من الاختصاصات، فيدخل في هذا: السبق إلى إحياء الأرض الموات .. والسبق إلى صيد البر والبحر .. والسبق إلى حطب، أو حشيش ونحوهما من المباحات .. والسبق على مكان في المسجد، أو السوق ونحوهما. فمن سبق إلى شيء من ذلك فهو أحق به من غيره. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ». أخرجه البخاري (¬1). 14 - من أتلف شيئاً لينتفع به ضمنه، وإن أتلفه لمضرته له فلا ضمان عليه. فإذا صالت عليه بهيمة غيره فدفعها عن نفسه فأتلفها لم يضمنها. وإن اضطُر إلى أكلها فذبحها لذلك فلا إثم عليه، لكن يضمنها؛ لأنه ذبحها لنفعه. 15 - من سقطت عنه العقوبة لموجب ضوعف عليه الضمان. فمن سرق مالاً، أو ثمراً، أو ماشية من غير حرز سقط عنه القطع، وضمن المسروق بقيمته مرتين؛ لأن جنايته موجبة لعقوبته، ووجود المانع يمنع العقوبة، فيكون مقابل ذلك زيادة الغُرم، وإذا قتل مسلم ذمياً عمداً لم يُقتص منه لعدم المكافأة في الإسلام، ولكن تضاعف عليه الدية. وإذا قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه لم يُقتص منه؛ لأنه بالقصاص يذهب جميع بصره، ولكن يضاعف عليه الغُرم، فيلزمه دية نفس كاملة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2335).

وإذا قلع صحيح العينين عين الأعور الصحيحة وجب عليه دية كاملة، وهي دية ذهاب البصر كله .. وهكذا. 16 - من له حق ظاهر على الغير فله أخذه إذا منعه، وإن كان غير ظاهر فليس له ذلك. فمن كان له حق على الغير، وكان سبب الحق ظاهراً، فله الأخذ من ماله بقدر حقه إذا امتنع، أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفياً فليس له ذلك. فإذا امتنع الزوج من النفقة الواجبة على زوجته، أو طالت غَيبته، فلها أن تأخذ من ماله بمقدار ما يكفيها وأولادها الصغار بغير علمه؛ لأن سبب الأخذ ظاهر. وإذا امتنع الإنسان من قِرى الضيف الذي نزل به فله الأخذ من ماله بمقدار حقه .. وهكذا. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ هِنْدٌ أمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرّاً؟ قال: «خُذِي أنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه (¬1). وأما من له دين أو غيره من الحقوق التي تخفى، فهذا إذا امتنع المطلوب من الوفاء، فليس لصاحب الحق الأخذ من ماله بغير إذنه؛ لأنه وإن كان له الحق، لكنه في هذه الحال ينسب إلى الخيانة. 17 - إذا أدى الإنسان ما عليه وجب له ما جعل عليه. فالموظف والأجير إذا أكمل العمل استحق الأجرة كاملة في الحال، وإن لم يُكمل العمل: فإن كان بعذر وجب له من الأجرة بقدر العمل، وإن ترك ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2211) , واللفظ له، ومسلم برقم (1714).

العمل من غير عذر لم يستحق شيئاً ... وهكذا في سائر الأعمال والأعواض. 18 - الشركاء في الأملاك والحقوق والمنافع يلزم الممتنع منهم بما يعود على الجميع بالمصلحة، فلا ضرر ولا ضرار. فإذا احتاجت الدار، أو الأرض، أو النهر، أو البئر إلى تعمير، وامتنع أحد الشركاء أجبر على التعمير معهم؛ لأنه حق تعلق به حق الغير فوجبت المعاونة، كما يجب عليهم جميعاً الإنفاق على البهائم المشتركة بينهم، ويشتركون في الزيادة، أو النقصان، أو الإنفاق بحسب أملاكهم. 19 - من لا يعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه. فمن له خيار شرط، أو عيب، أو غبن، أو تدليس ونحو ذلك فله الفسخ سواء رضي الآخر أو لم يرض، وسواء علم أو لم يعلم. ومن طلق زوجته لا يعتبر علمها كما لا يعتبر رضاها. ومن أعتق مملوكاً فلا يشترط علمه كما لا يعتبر رضاه. وللشريك أخذ نصيب شريكه بالشفعة ولو لم يرض المشتري ويعلم ... وهكذا. 20 - إذا تبين فساد العقد بطل ما بني عليه. فإذا اشترى شيئاً أو استأجره ثم تصرف فيه، وبعد تصرفه بان أن العقد الأول باطل، فتصرفه غير نافذ؛ لأنه تصرف في شيء لا يملكه شرعاً. وأما إذا تصرف فيه، ثم فسخ العقد الأول بخيار ونحوه، فالعقد الثاني صحيح؛ لأنه تصرف فيما يملكه، لكن يضمن للأول المثليّ بمثله، والمتقوَّم بقيمته ... وهكذا.

21 - العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر. فإذا تصرف في شيء يظنه ملكه، أو يظنه وكيلاً، ثم بعد التصرف تبين أنه ليس بمالك، وليس بوكيل فالتصرف غير صحيح. وإن كان الأمر بالعكس بأن تصرف ظاناً أنه غير مالك ولا وكيل، ثم تبين أنه مالك أو وكيل فالتصرف صحيح. 22 - إذا أقر العاقل المكلف على نفسه بحق تَرتَّب على إقراره مقتضاه. فإذا أقر لغيره بثمن مبيع، أو بدين قرض، أو قيمة متلف، أو مغصوب أو غير ذلك وجب عليه ما أقرّ به -ولو قال غلطت أو نسيت-؛ لأن الإقرار مقبول من العدل وغيره. 23 - يقوم الوارث مقام مورِّثه في كل شيء يتعلق بتركته. فيقضي الوارث ديون مورثه من التركة، وينفذ وصاياه إن لم يكن له وصي، ولا يطالب الوارث بأكثر مما وصل إليه من التركة؛ لأنه لم يكن شريكاً للميت، وإنما هو نائب عنه في أمواله وحقوقه. 24 - الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً. فعلة الحكم هي الأمر به، أو النهي عنه، أو إباحته. وقد ينص الشرع على الحكمة، وقد يكون للحُكم عدة علل، متى وجد واحدة منها ثبت الحكم. وقد تكون القاعدة هي العلة كقولنا: لا ضرر ولا ضرار .. والمشقة تجلب التيسير .. والعبادت والمعاملات تفسد بوجود موانعها، أو بفقد شيء من شروطها ..

والذي تجب عليه الأحكام هو البالغ العاقل .. ونحو ذلك من الأصول التي إذا وُجدت وُجد الحكم. والحِل دائر مع وصف الطَّيِّب، والتحريم مع وصف الخبيث. كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. والعصير إذا تخمر صار خمراً محرماً نجساً، فإذا زال تخمره بنفسه عاد خلاً طاهراً حلالاً. 25 - إذا اختلط المال الحلال بالحرام على وجه لا يتميز أَخرج الحرام منه واحتاط، ويطيب له الباقي. فهذا النوع خبثه لمكسبه، واشتباه الميتة بالمذكاة خبثه لذاته، والفرق بينهما ظاهر. 26 - الجهل بالحكم عذر، والجهل بما يترتب على الحكم ليس بعذر. فالجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام هذا عذر. فلو زنا وشرب الخمر أو أخذ الربا حديث عهد بالإسلام، معتقداً أن ذلك حلال، فلا إثم عليه، ولا يُحد. والجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر. فإذا كان يعلم أن الزنا حرام، ولا يعلم أن حده الجلد للبكر، والرجم للثيب فإنه يُحد؛ لانتهاك الحرمة، وهكذا في السرقة وشرب الخمر ونحو ذلك.

الباب العاشر العبادات

الباب العاشر العبادات ويشتمل على ما يلي: 1 - كتاب الطهارة. 2 - كتاب الصلاة. 3 - كتاب الجنائز. 4 - كتاب الزكاة. 5 - كتاب الصيام. 6 - كتاب الحج والعمرة.

1 - كتاب الطهارة

1 - كتاب الطهارة ويشتمل على ما يلي: 1 - باب الطهارة. 2 - باب الوضوء. 3 - باب المسح على الخفين. 4 - باب الغسل. 5 - باب التيمم. 6 - باب الحيض والنفاس.

1 - باب الطهارة

1 - باب الطهارة - الطهارة: هي النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية. - أقسام الطهارة: تنقسم الطهارة إلى قسمين: 1 - طهارة الظاهر: وتكون بالوضوء أو الغسل بالماء، وطهارة الثوب والبدن والمكان من النجاسة. 2 - طهارة الباطن: وتكون بطهارة القلب من الكفر والشرك، والكبر والعجب، والكذب والحسد، والنفاق والرياء ونحو ذلك من الصفات السيئة، وامتلاؤه بالصفات الحسنة كالإيمان والتوحيد، والصدق والإخلاص، واليقين والتوكل ونحو ذلك. - الطهارة من محاسن الإسلام، وتكون باستعمال الماء الطاهر على الصفة المشروعة في رفع الحدث، وإزالة الخبث، وهي المقصودة في هذا الكتاب. - عافية الروح والبدن: خلق الله الإنسان من بدن وروح. والبدن تتراكم عليه الأوساخ والأقذار من جهتين: من الداخل كالعرق والغائط .. ومن الخارج كالغبار والأوساخ. ولعافية البدن لا بد من الأغسال المتكررة. والروح كذلك تتأثر من جهتين: من الداخل بما في القلب من الأمراض كالحسد والكبر .. ومن الخارج بما

يقترفه الإنسان من الذنوب كالظلم والزنا. ولعافية الروح لا بد من الإكثار من التوبة والاستغفار. والله يحب من فعل هذا .. ويحب من فعل هذا .. كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. - حكمة الطهارة: إذا طهر ظاهر الإنسان بالماء .. وطهر باطنه بالتوحيد والإيمان .. وكمّل ذلك بالطيب والاستغفار .. صفت روحه .. وطابت نفسه .. واطمأن قلبه .. وصار مهيئاً لمناجاة ربه في أحسن هيئة. بدن طاهر، وقلب طاهر، ولباس طاهر، في مكان طاهر. وهذا غاية الأدب، وأبلغ في التوقير والتعظيم والإجلال لرب العالمين. ومن هنا صار الطهور شطر الإيمان، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ».أخرجه مسلم (¬1). - سنن الفطرة: 1 - السواك. السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب. ويكون التسوك بعود لين من أراك، أو عرجون، أو زيتون، أو نحوها. - صفة التسوك: يمسك الإنسان السواك بيده اليمنى أو اليسرى، ويبدأ من الجانب الأيمن للفم، ويُمِرّه على لثته وأسنانه، وأحياناً يجعل السواك على طرف لسانه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (223).

- حكم السواك: السواك مسنون كل وقت، ويتأكد السواك فيما يلي: عند الوضوء .. وعند الصلاة .. وعند دخول المنزل .. وعند قراءة القرآن .. وعند القيام من الليل .. وعند تغير رائحة الفم. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أمَّتِي، أوْ عَلَى النَّاسِ، لأمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ». متفق عليه (¬1). - يجوز استخدام الفرشاة ومعجون الأسنان في تنظيف الفم والأسنان، واستخدام عود الأراك أفضل؛ لأنه سواك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما فيه من مواد طبيعية منظفة ومطهرة، ولأنه أيسر تناولاً، وأقل كلفة، وأقرب إلى اتباع السنة. 2 - الختان: وهو قطع الجلدة التي تغطي حشفة الذكر؛ لئلا يجتمع فيها الوسخ والبول. - حكم الختان: الختان واجب في حق الرجال .. سنة في حق النساء. - حكمة الختان: الختان علامة العهد بين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ونسله الحنفاء الموحدين، فهو علامة الدخول في الملة الإبراهيمية للحنفاء. وفي الختان من الطهارة والنظافة ما هو معلوم، وفيه تعديل للشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإذا عُدمت ألحقته بالجمادات، والختان يعدلها، ولهذا نجد الأقلف من الرجال والنساء لا يشبع من الجماع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (887) , واللفظ له، ومسلم برقم (252).

3، 4 - قص الشارب، وإعفاء اللحية: الشارب: هو الشعر النابت فوق الشفة العليا. اللحية: اسم لما نبت من الشعر على الذقن والخدين معاً. - حكم حلق اللحية: يحرم على الإنسان حلق اللحية أو تقصيرها. وفي حلق اللحية عدة مخالفات منها: تغيير خلق الله بدون إذنه .. وطاعة الشيطان .. والتشبه بالنساء وهو محرم .. وموافقة المشركين والمجوس وهي محرمة .. ومعصية الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} ... [النور:63]. 2 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأحْفُوا الشَّوَارِبَ». متفق عليه (¬1). 5، 6، 7 - حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظفار: - شعر الإنسان ثلاثة أقسام: 1 - قسم نص الشرع على تحريم إزالته كشعر اللحية، ونَمْص الحاجب. 2 - قسم نص الشرع على طلب إزالته كشعر العانة والإبط، أو تقصيره كشعر الشارب. 3 - قسم سكت عنه الشرع، كشعر اليدين والساقين، والصدر والظهر، فيبقى على الإباحة، والأولى تركه إلا ما خرج عن المعتاد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5892) , واللفظ له، ومسلم برقم (259).

1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَحَلْقِ العَانَةِ، أنْ لا نَتْرُكَ أكْثَرَ مِنْ أرْبَعِينَ لَيْلَةً. أخرجه مسلم (¬2). 8 - الطيب بالمسك أو غيره. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. متفق عليه (¬3). 9 - إكرام شعر الرأس ودهنه وتسريحه. 10 - تغيير الشيب بالحناء والكتم. وأما صبغ الشعر بالسواد فله ثلاث حالات: إن كان للغش والمكر فهو محرم .. وإن كان في الحرب فهو جائز .. وإن كان للزينة فقط فهو مباح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصبغ الشعر ولم يحدد لوناً. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدالله رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5889) , واللفظ له، ومسلم برقم (259). (¬2) أخرجه مسلم برقم (258). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5923) , واللفظ له، ومسلم برقم (1190). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3462) , واللفظ له، ومسلم برقم (2103).

وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثّغَامَةِ بَيَاضاً، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «غَيّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم استعمال أواني الكفار: تباح آنية الكفار وثيابهم إن جهل حالها؛ لأن الأصل الطهارة. فإن علم الإنسان نجاستها وجب غسلها بالماء، ثم يجوز له استعمالها في الوضوء وغيره. - حكم استعمال أواني الذهب والفضة: يباح استعمال كل إناء طاهر للوضوء وغيره، ما لم يكن الإناء مغصوباً، أو كان من الذهب أو الفضة، فيحرم اتخاذه واستعماله، فإن توضأ أحد منها فوضؤه صحيح، لكنه آثم. ويحرم على الرجال والنساء الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وجميع أنواع الاستعمال، إلا الحلي للنساء، والخاتم من الفضة للرجال، وما له ضرورة كسن وأنف. عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬2). - أقسام المياه: تنقسم المياه إلى قسمين: الأول: الماء الطاهر: وهو الماء الباقي على خلقته كماء المطر، وماء البحر، وماء ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2102). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067).

النهر، وماء العيون، وما نبع بنفسه أو بآلة، عذباً أو مالحاً، حاراً أو بارداً، وهذا هو الماء الطهور الذي يجوز التطهر به. الثاني: الماء النجس: وهو الماء الذي تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة، قليلاً كان أو كثيراً. - حدّ النجاسة: النجاسة: عين مستقذرة شرعاً، سواء كانت جامدة كالغائط، أو سائلة كالبول. وحكم النجس أنه لا يجوز التطهر به. - أقسام النجاسة: النجاسة نوعان: 1 - النجاسة الذاتية: وهي أن يكون الشيء نجساً بذاته مثل بول الآدمي وغائطه .. والدم المسفوح .. ودم الحيض والنفاس .. والودي والمذي .. والكلب والخنزير .. والميتة ما عدا السمك والجراد .. ودم وبول وروث ما لا يؤكل لحمه كالحمار. وهذه الأشياء لا يمكن تطهيرها بالماء؛ لأن ذاتها نجسة. 2 - النجاسة الحكمية: وهي النجاسة الطارئة على محل طاهر مثل الثوب إذا أصابه البول .. والنعل إذا وطئ بها الغائط .. والماء إذا وقعت فيه شاة فغيرت رائحته .. ونحو ذلك. وهذه الأشياء يمكن تطهيرها؛ لأن ذاتها طاهرة، والنجاسة طارئة عليها. - درجات النجاسة: النجاسة على ثلاث درجات: الأولى: النجاسة الخفيفة: مثل بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل الطعام، إذا

أصاب الثوب ونحوه. وكيفية تطهيرها: أن يرش عليها الماء حتى يغمرها. وينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية، وهذا إذا لم يطعما، فإذا طعما وجب غسل بولهما. الثانية: النجاسة المتوسطة: مثل بول الآدمي وغائطه، ودم الحيض والنفاس، وغالب النجاسات من هذا النوع. وكيفية تطهيرها: أن يغسلها بالماء حتى تزول، وإن كان لها جرم أزاله قبل ذلك، ولا يضر بقاء اللون بعد الغسل. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». متفق عليه (¬1). الثالثة: النجاسة الغليظة: وهي نجاسة ما ولغ فيه الكلب. وكيفية تطهيرها: أن تغسل سبع مرات أولاهن بالتراب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ». متفق عليه (¬2). - كيفية تطهير النجاسات: الأشياء التي تصيبها النجاسة أربعة أنواع: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1361) , واللفظ له، ومسلم برقم (292). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (172)، ومسلم برقم (279)، واللفظ له.

1 - الأرض: فإذا وقعت النجاسة على التراب أو البلاط فإن كان للنجاسة جرم كالغائط، فإنه يزال أولاً، ثم يصب على مكانه ماء حتى يزول الأثر، أو يدفن بتراب طاهر إن عدم الماء. وإن كان بولاً فإنه يصب الماء على موضع النجاسة حتى يزول أثر النجاسة. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ أعْرَابِيّاً بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ القَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعُوهُ وَلا تُزْرِمُوهُ». قالَ: فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - الماء: فإذا أصابت النجاسة الماء، فيطهر بتنقيته من النجاسة، بحيث لا يبقى لها أثر في لونه، أو طعمه، أو ريحه، ويتم ذلك: إما بنزحه .. أو تغيّره بنفسه .. أو إضافة ماء كثير إليه .. أو تنقيته بوسائل التنقية الحديثة .. حتى يزول أثر النجاسة. 3 - الثياب والفرش: فإذا أصابت النجاسة الثياب أو الفرش، فإنها تغسل بالماء، أو بالمنظفات الطاهرة، وتفرك وتعصر وتنشّف حتى يزول أثر النجاسة، ويطهر النعل والخف المتنجس بالدلك بالأرض حتى يذهب أثر النجاسة. 4 - الأواني: فإذا أصابت النجاسة الآنية، فإنها تغسل بالماء أو بالمنظفات الطاهرة، حتى يزول أثر النجاسة. قال الله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة:6]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6025) , ومسلم برقم (284)، واللفظ له.

- ما يجب على المسلم تطهيره: يجب على المسلم أن يطهر قلبه من النفاق .. ويطهر لسانه من الكذب .. ويطهر سمعه من الخنا .. ويطهر عينه من الخيانة .. ويطهر بطنه من أكل الحرام .. ويطهر فرجه من الفواحش .. ويطهر جوارحه من المعاصي .. ويطهر أقواله من اللغو .. ويطهر أعماله من الرياء .. ويطهر أمواله من المكاسب المحرمة .. ويطهر بيته من المعاصي .. ويطهر نفسه من الشرك والظلم .. ويطهر ثيابه وبدنه من النجاسة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. - حكم المشكوك فيه: المشكوك فيه على ثلاثة أقسام: الأول: ما أصله الإباحة: كالماء يجده متغيراً، ولا يعلم هل تغير بنجاسة أم بغيرها، فهو طاهر؛ بناء على الأصل، وهو الطهارة. الثاني: ما أصله الحظر: كالذبيحة في بلد أهلها مجوس وعبدة أوثان، فهذه لا يجوز أكلها؛ لأن الأصل التحريم. الثالث: ما لا يُعرف له أصل: كرجل في ماله حلال وحرام، فهذا مشتبه، الأولى تركه. عَنِ النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: -وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ- «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله

مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - إذا شك الإنسان في نجاسة ماء أو طهارته بنى على الأصل، وهو أن الأصل في الطاهرات الطهارة. - إذا اشتبه ماء طاهر بنجس، ولم يجد غيرهما، توضأ مما غلب على ظنه طهارته. - إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو محرمة، ولم يجد غيرها، اجتهد وصلى فيما غلب على ظنه طهارته، وصلاته صحيحة إن شاء الله. - حكم الصلاة بالنجاسة: إذا صلى المسلم بالنجاسة في ثوبه أو بدنه متعمداً فصلاته باطلة. وإن صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة، ولا إثم عليه. وإذا علم المسلم بالنجاسة في أثناء الصلاة، فإن قدر على إزالتها فيجب عليه إزالتها، أو إلقاء ما نجَّسته كنعل وسروال، فإن لم يقدر وأكمل صلاته، فصلاته صحيحة؛ لأن المشقة تجلب التيسير. - حكم ما يخرج من البهائم: بول ما يؤكل لحمه من البهائم، وروثه ومنيه، ومني الآدمي، وسؤر الهرة، كل ذلك طاهر. وسباع البهائم، والجوارح من الطير، والحمار الأهلي والبغل، كلها طاهرة في الحياة، وسؤرها طاهر، والنجس منها الروث والبول والدم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2051) , ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.

- أقسام الدم: ينقسم الدم من حيث الطهارة والنجاسة إلى قسمين: 1 - الدم الطاهر، وهو أربعة أقسام: دم حيوان البحر .. الدم الخارج من بدن الإنسان غير الفرجين .. دم ما لا نفس له سائلة كالبعوض .. الدم الباقي في الحيوان بعد تذكيته. 2 - الدم النجس، وهو ثلاثة أقسام: الدم الخارج من أحد الفرجين .. الدم المسفوح .. الدم الخارج من الحيوان غير المأكول. - صفة الاستنجاء والاستجمار: 1 - الاستنجاء: هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء الطهور. 2 - الاستجمار: هو إزالة الخارج من السبيلين بحجر، أو ورق أو نحوهما. - ما يفعله عند دخول الخلاء والخروج منه: 1 - يسن عند دخول الخلاء تقديم رجله اليسرى وقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ». متفق عليه (¬1). 2 - يسن عند الخروج من الخلاء تقديم رجله اليمنى وقول: «غُفْرَانَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - ما يستنجي به الإنسان: يزال الخارج من السبيلين بكل ماء طاهر مباح. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (142) , ومسلم برقم (375). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (30)، وأخرجه الترمذي برقم (7).

ولا يجوز الاستنجاء بماء نجس أو مغصوب. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً، قالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا». فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: «الَّلهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». متفق عليه (¬1). - ما يستجمر به الإنسان: 1 - يكون الاستجمار للخارج من السبيلين بأي شيء طاهر، مباح، منظف للمحل كالأحجار، والمناديل، والورق، والقطن، والقماش ونحو ذلك. 2 - ويحرم الاستجمار بالعظم، والروث، والطعام، والشيء المحترم كورق كُتب عليه اسم الله ونحوه. عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الخِرَاءَةَ، قال، فَقَالَ: أجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ لِغَائِطٍ أوْ بَوْلٍ، أوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ، أوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ بِأقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أحْجَارٍ، أوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أوْ بِعَظْمٍ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم الاستنجاء والاستجمار: الاستنجاء والاستجمار كلاهما مشروع، والاستنجاء أفضل من الاستجمار؛ لأنه أكمل وأبلغ في النظافة. ويجوز الاكتفاء بالاستجمار بشرطين: أحدهما: أن لا يتعدى البول أو الغائط الموضع المعتاد لخروجه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (143) , واللفظ له، ومسلم برقم (2477). (¬2) أخرجه مسلم برقم (262).

الثاني: أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات فصاعداً، حتى يتم تنظيف القبل والدبر من أثر النجاسة، ويسن أن يقطعه على وتر. - حكم الاستنجاء والاستجمار باليمين: عَنْ أبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا بَالَ أحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَسْتَنْجِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءِ». متفق عليه (¬1). - حكم البول قائماً: السنة أن يبول الرجل قاعداً، ويجوز بوله قائماً إن أَمِنَ من التلوث، وأَمِنَ من الناظر إليه. عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِماً، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأ. متفق عليه (¬2). - آداب قضاء الحاجة: إذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته فلذلك أربعة أحكام: منها ما يجب .. ومنها ما يسن .. ومنها ما يحرم .. ومنها ما يكره. 1 - فيجب عليه ستر العورة عن الناس، والتنزه عن إصابة النجاسة لبدنه أو ثوبه، والاستنجاء أو الاستجمار. 2 - ويسن لمن أراد قضاء الحاجة في الصحراء الاستتار، وبعده عن الناس، وارتياده مكاناً رخواً لبوله؛ لئلا يتنجس، والبول قاعداً. ويسن له عند دخول الحمام تقديم رجله اليسرى وقول: اللهم إني أعوذ بك ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (154) , واللفظ له، ومسلم برقم (267). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (224) , واللفظ له، ومسلم برقم (273).

من الخبث والخبائث، والبول قاعداً. ويسن له عند الخروج من الحمام تقديم رجله اليمنى وقول: غفرانك. والسنة أن يكون الاستجمار بثلاثة أحجار منقية، فإلم تنق زاد، ويسن قطع الاستجمار على وتر كثلاث أو خمس. 3 - ويحرم حال قضاء الحاجة استقبال القبلة أو استدبارها، في الفضاء أو البنيان. عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا». قال أبُو أيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى. متفق عليه (¬1). ويحرم البول والغائط في المسجد .. والظل النافع .. وطرق الناس .. وظلهم .. وأماكن جلوسهم .. كالحدائق العامة .. والأسواق .. وما ينتفعون به كالموارد وبرك الماء ونحو ذلك. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أوْ فِي ظِلِّهِمْ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - ويكره البول في جُحر أو شق؛ لأنه قد يكون فيها دواب فتضره أو يضرها. ويكره رفع ثوبه قبل دونه من الأرض في الفضاء. ويكره لمن يبول أو يتغوط أن يرد السلام، فإذا قضى حاجته توضأ ثم رد. ويكره لمن يقضي الحاجة أن يمس فرجه بيمينه، واستنجاؤه واستجماره بها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (394) , واللفظ له، ومسلم برقم (264). (¬2) أخرجه مسلم برقم (269).

2 - باب الوضوء

2 - باب الوضوء - الوضوء: هو التعبد لله باستعمال ماء طهور على صفة مخصوصة في الشرع. وأصل الوضوء من الوَضاءة، وهي الحُسن والنظافة. - أقسام الحدث: ينقسم الحدث إلى قسمين: الحدث الأصغر .. والحدث الأكبر. فالحدث الأصغر يمنع من صحة الصلاة. والحدث الأكبر وهو الجنابة، والحيض والنفاس للمرأة. وحدث الجنابة يمنع من شيئين: الصلاة .. والطواف بالبيت. وحدث الحيض والنفاس يمنع من خمسة أشياء، وهي: الصلاة .. والطواف بالبيت .. والصوم .. والطلاق .. والجماع. - فضائل الوضوء: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ أمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (136) , واللفظ له، ومسلم برقم (246).

فَأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أظْفَارِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ». أخرجه مسلم (¬2). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الوضوء: 1 - يجب الوضوء للصلاة فرضاً كانت أو نفلاً. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ... [المائدة:6]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُقْبَلُ صَلاةُ مَنْ أحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ». قال رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قال: فُسَاءٌ أوْ ضُرَاطٌ. متفق عليه (¬4). 2 - يسن الوضوء للطواف بالبيت .. ومس المصحف .. وتلاوة القرآن .. وذكر الله .. وعند النوم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (245). (¬2) أخرجه مسلم برقم (251). (¬3) أخرجه مسلم برقم (250). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (135) , واللفظ له، ومسلم برقم (225).

3 - يسن الوضوء على الدوام؛ لما فيه من إجلال الله. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: «يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُوراً، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ... ». متفق عليه (¬2). - صفات الوضوء الواردة في السنة: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة .. ومرتين مرتين .. وثلاثاً ثلاثاً .. وأحياناً يخالف فيغسل وجهه ثلاثاً .. ويديه مرتين .. ورجليه مرة .. والرأس يمسح مرة واحدة في جميع الحالات. والأفضل للمسلم أن يفعل الأكمل .. وينوع .. فيأتي بهذا مرة .. وبهذا مرة .. إحياءً للسنة. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَوَضَّأ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً مَرَّةً. أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. أخرجه البخاري (¬4). 3 - وَعَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَا بِإنَاءٍ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149) , واللفظ له، ومسلم برقم (2458). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (247) , واللفظ له، ومسلم برقم (271). (¬3) أخرجه البخاري برقم (157). (¬4) أخرجه البخاري برقم (158).

فَأفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الأَنْصَارِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). - شروط الوضوء: للوضوء شروط لا يصح إلا بها، وهي: نية الوضوء ومحلها القلب .. وأن يكون الماء طهوراً مباحاً .. وأن يزال من أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالصمغ، والأصباغ ونحوها .. وطهارة السبيلين من الغائط والبول. - مكان الوضوء: يسن أن يتوضأ المسلم في بيته، ويجوز للمسلم أن يتوضأ في أي مكان فيه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (185) , ومسلم برقم (235) واللفظ له.

ماء طاهر مباح، ويجوز الوضوء في المسجد، ولا يدخل في الوضوء قضاء الحاجة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». أخرجه مسلم (¬1). ويحرم الدخول بالمصحف إلى الحمام، ولا حرج على المسلم من دخول الحمام ومعه شريط أو جوال فيه مصحف؛ لأنه بمنزلة الجوف إذا كان فيه شيء من القرآن. - مقدار ماء الوضوء: السنة في الوضوء أن لا يجاوز المسلم في غسل أعضائه أكثر من ثلاث مرات، ومن زاد فقد أساء وتعدى وظلم. ويسن أن يتوضأ بمد، ومن زاد على ذلك بلا إسراف فلا حرج. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ، أوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأ بِالمُدِّ. متفق عليه (¬2). - ماذا يفعل من قام من النوم وأراد الوضوء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (666). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (201) , واللفظ له، ومسلم برقم (325). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (162) , ومسلم برقم (278)، واللفظ له.

- فروض الوضوء ستة وهي: 1 - غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق. 2 - غسل اليدين مع المرفقين. 3 - غسل الرأس ومنه الأذنان. 4 - غسل الرجلين إلى الكعبين. 5 - الترتيب بين الأعضاء السابقة. 6 - الموالاة بين غسل الأعضاء السابقة. - سنن الوضوء: السواك ومحله عند البدء بالوضوء .. وغسل الكفين ثلاثاً قبل البدء في الوضوء .. والبدء بالمضمضة ثم الاستنشاق قبل غسل الوجه .. وغسل الأعضاء ثلاثاً إلا الرأس فيمسح مرة واحدة .. وتقديم غسل اليد اليمنى على اليسرى .. وتقديم غسل الرجل اليمنى على اليسرى .. والدعاء بعد الوضوء بما ورد .. وصلاة ركعتين بعد الوضوء. - كيفية المضمضة والاستنشاق: السنة تقديم المضمضة على الاستنشاق عند الوضوء .. وأن تكون بثلاث غرفات .. كل غرفة نصفها للفم، ونصفها للأنف. - كيفية مسح الرأس: السنة في مسح الرأس في الوضوء أن يبدأ من مقدمة الرأس إلى مؤخرته .. ثم يرجع ماسحاً بيديه من مؤخرته إلى مقدمته .. ولو عمم الرأس بالمسح جاز .. والمرأة كالرجل في ذلك .. ولا تمسح على الضفائر.

- صفة الوضوء المجزئ: أن ينوي الوضوء .. ثم يتمضمض ويستنشق .. ويغسل وجهه .. ويغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرفقين .. ويمسح رأسه مع الأذنين .. ويغسل رجليه مع الكعبين، يغسل كل عضو من أعضاء الوضوء مرة واحدة. - صفة الوضوء الكامل: 1 - أن ينوي بقلبه الوضوء. 2 - ثم يغسل كفيه بالماء ثلاث مرات. 3 - ثم يتمضمض ويستنشق بغرفة واحدة، نصف الغرفة لفمه والنصف الآخر لأنفه، يفعل ذلك ثلاث مرات. 4 - ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، يفعل ذلك ثلاث مرات. 5 - ثم يغسل يده اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى كذلك. 6 - ثم يبلل يديه بالماء، ويمسح بهما رأسه، يبدأ من مُقَدَّمه إلى أن يصل قفاه، ثم يعيدهما إلى مُقَدَّمه مرة أخرى، يفعل ذلك مرة واحدة. 7 - ثم يغسل رجله اليمنى مع الكعب ثلاث مرات، ثم الرجل اليسرى كذلك، ويسبغ الوضوء في مواضعه. 8 - ثم يدعو بما ورد في السنة من الذكر بعد الفراغ من الوضوء. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ

وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَا بِإنَاءٍ، فَأفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). - صفة الدعاء بعد الوضوء: عَنْ عُمَر بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ يَتَوَضَّأ فَيُبْلِغُ (أوْ فَيُسْبِغُ) الوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ». أخرجه مسلم (¬3). - صفة الوضوء أثناء الغسل: السنة أن يتوضأ مَنْ عليه حدث أكبر قبل الغسل. ومن مس فرجه أثناء الغسل فغسله صحيح، لكن لا يصلي بهذا الغسل إلا إذا عمم بدنه بعد هذا اللمس بالماء، حتى يندرج الوضوء تحت الغسل، أو يتوضأ بعد غسله؛ لأنه بلمسه الفرج انتقض وضوءه السابق. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168) , واللفظ له، ومسلم برقم (268). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226). (¬3) أخرجه مسلم برقم (234).

- حكم الوضوء بماء زمزم: ماء زمزم طعام طُعْم، وشفاء سُقْم، فيستحب للمسلم أن يشرب منه .. ويجوز له أن يتوضأ منه .. ويجوز نقله إلى بلده للشرب منه .. ويكره استعماله في إزالة النجاسة؛ تعظيماً له. - حكم الوضوء لكل صلاة: تجديد الوضوء لا يندب على الإطلاق .. ولا يشرع تكراره بدون سبب .. لكن يستحب الوضوء عند كل حدث .. وعند كل صلاة .. ما لم يكن محدثاً فيجب .. ويباح له بعد الفراغ من الوضوء أن يتنشف بمنديل ونحوه، وتركه أفضل. عَنْ عَمْرو بْن عَامِرٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُون؟ قال: يُجْزِئُ أحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم ترك أحد أعضاء الوضوء: من ترك غسل أحد أعضاء الوضوء أو بعضه لم يصح وضوءه. فإن علم بتركه قبل أن يجف العضو الذي قبله غَسَله وما بعده .. وإن جف العضو الذي قبله، أعاد الوضوء كاملاً من أوله. عن عبدِاللهِ بنِ عَمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ، تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ العَصْرِ، فَتَوَضَّؤُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ، وَأعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (214).

- صلى الله عليه وسلم -: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ». متفق عليه (¬1). ومن شك في ترك غسل أحد الأعضاء بعد انتهاء الوضوء لم يلتفت إلى هذا الشك. ومن صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً فلا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة. - صفة وضوء من فقد عضواً: إذا فقد الإنسان عضواً من أعضاء الوضوء توضأ كالمعتاد، وسقط عنه فرض العضو المفقود إلى غير تيمم؛ لأنه فَقَد محل الفرض، فلم يجب عليه. وإذا قُطع من المفصل، ورُكِّب له عضو صناعي كيد، أو رجل، فإنه يجب عليه غسل رأس العضو إن لم يشق عليه نزعه. فإذا قُطع من المرفق، وجب عليه غسل رأس العضد. وإذا قُطعت رجله من الكعب، وجب عليه غسل طرف الساق. - صفة وضوء من به باسور أو ناسور: البواسير: جروح من الخارج على حلقة الدبر. النواسير: جروح سيالة من داخل الدبر. فالبواسير لا تنقض الوضوء؛ لأنها من الخارج. والنواسير تنقض الوضوء، ومادتها نجسة؛ لأنها تخرج من الدبر. والنواسير لها حالتان: 1 - إن كانت النواسير سيالة مسترسلة، أو معه سلس في خروجها، فالأفضل أن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (60) , ومسلم برقم (241)، واللفظ له.

يتوضأ عند إرادة الصلاة، ويضع قطنة تمنع نزول الدم كالمستحاضة، ولا يضره خروج الدم؛ لأنه معذور. 2 - وإن كان الدم يخرج قليلاً ثم يقف، فهذا ينتظر حتى يقف الدم، ثم يتوضأ ويصلي بطهارة كاملة. - الأفضل للمستحاضة ومَنْ به حدث دائم كسلس البول ونحوه أن يتوضأ لكل صلاة في وقتها، فإن حصلت مشقة من الوضوء لكل صلاة كالبرد الشديد، أو كان الماء قليلاً، فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ثم يتوضأ ويصلي الظهر، ثم يؤذن فيصلي العصر، ويفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء. قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ} [التغابن:16]. - نواقض الوضوء: نواقض الوضوء ستة، وهي: 1 - الخارج من السبيلين كالبول والغائط، والدم والمني، والريح وغير ذلك. 2 - زوال العقل بنوم طويل، أو إغماء، أو سكر، أو جنون. 3 - مس الفرج باليد من غير حائل. 4 - كل ما أوجب غسلاً كالجنابة والحيض والنفاس. 5 - أكل لحم الجزور، وهو كل ما حمل خف البعير. 6 - الردة عن الإسلام. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أأتَوَضَّأ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ؟ قال: «إِنْ شِئْتَ، فَتَوَضَّأْ. وَإِنْ شِئْتَ، فَلا تَوَضَّأْ». قال: أتَوَضَّأ

مِنْ لُحُومِ الإبِلِ؟ قال: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإبِلِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم ما يخرج من الإنسان: ما يخرج من الإنسان نوعان: 1 - طاهر: وهو الريق والدمع، والعرق والمني، والمخاط والبصاق والقيء ونحوها. 2 - نجس: وهو الغائط والبول، والودي والمذي، والدم الخارج من السبيلين. - حكم الدم الخارج من السبيلين: الدم الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، ومنه دم الحيض والنفاس. أما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف، أو السن، أو الجرح ونحو ذلك فلا ينقض الوضوء، قليلاً كان الدم أو كثيراً، لكن يحسن غسله من باب النظافة. - حكم الماء الخارج من فرج الرجل أو المرأة: الخارج من ذكر الرجل وقُبل المرأة أربعة أنواع: 1 - البول: وهو نجس، ويجب منه الوضوء. 2 - الوَدْي: ويخرج أحياناً بعد البول، وهو نجس، ويجب منه الوضوء. 3 - المني: وهو طاهر، ويخرج من الإنسان عند الجماع أو الاحتلام، أو الاستمناء، ويجب منه الغسل إن خرج بشهوة. 4 - المذي: وهو ما يخرج من الرجل أو المرأة عند المداعبة، وهو نجس، ويجب منه الوضوء لا الغسل. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (360).

- حكم الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة: الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة لها حالتان: 1 - إن كانت الرطوبة تخرج من الرحم، فهي طاهرة لا تنقض الوضوء، وهذا هو الغالب. 2 - وإن كانت تخرج من مخرج البول، فهي نجسة، ويجب منها الوضوء، فإن كانت مستمرة فحكمها حكم مَنْ به سلس البول. - هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟: لمس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواء كان مَحْرماً أو غير مَحْرم، بحائل أو بغير حائل، بشهوة أو بغير شهوة، ما لم ينزل منياً فيغتسل، أو مذياً فيغسل ذكره ويتوضأ. ومن قبّل زوجته ولو بشهوة، لم ينتقض وضوءه، إلا أن يخرج منه شيء. - هل يتوضأ من شك في الطهارة؟: من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين وهو الطهارة. ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهو الحدث فليتطهر. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَجَدَ أحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً فَأشْكَلَ عَلَيْهِ، أخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أمْ لا، فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أوْ يَجِدَ رِيحاً». متفق عليه (¬1). - صفة طهارة المريض: يجب على المسلم أن يتوضأ بالماء .. فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (176) , ومسلم برقم (362)، واللفظ له.

تيمم بتراب طاهر .. فإن عجز عن ذلك سقطت عنه الطهارة .. وصلى على حسب حاله .. والمشلول يطهِّره ويوضِّؤه ويُيمِّمه أيّ مسلم .. فإن لم يجد سقطت عنه الطهارة .. وصلى حسب حاله .. ولا يترك أحد الصلاة ما دام قادراً، وعقله حاضراً: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} ... [البقرة:185]. - حكم النوم اليسير: النوم اليسير من قائم وجالس ومضطجع لا ينقض الوضوء. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: أقِيمَتْ صَلاةُ العِشَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَامَ القَوْمُ، (أوْ بَعْضُ القَوْمِ) ثُمَّ صَلَّوْا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالعِشَاءِ، حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاةَ. قال عَطَاءٌ: قال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَأنِّي انظر إلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: «لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أمَّتِي لأمَرْتُهُمْ أنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا». متفق عليه (¬2). - حكم أداء الصلوات الخمس بوضوء واحد: عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ اليَوْمَ شَيْئاً لَمْ تَكُنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (643)، ومسلم برقم (376)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (571) , واللفظ له، ومسلم برقم (642).

تَصْنَعُهُ، قالَ: «عَمْداً صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم وضوء الرجل مع امرأته: يجوز للمسلم أن يتوضأ مع امرأته، في مكان واحد، ومن إناء واحد. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّهُ قال: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّؤُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيعاً. أخرجه متفق عليه (¬2). - حكم الوضوء في المسجد: السنة أن يكون الوضوء والغسل خارج المسجد في المنزل أو غيره، ويجوز الوضوء في المسجد إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه. عَنْ نُعَيْمٍ المُجْمِرِ قالَ: رَقِيتُ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجِدِ فَتَوَضَّأ، فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ أمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (277). (¬2) أخرجه البخاري برقم (193). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (136) , واللفظ له، ومسلم برقم (246).

3 - باب المسح على الخفين

3 - باب المسح على الخفين - الخف: اسم لكل ما يُلبس على الرجل ويغطي الكعبين من جلد ونحوه. - الجورب: اسم لكل ما يُلبس على الرجل ويغطي الكعبين من قطن ونحوه. - حكم المسح على الخفين: يجوز للمسلم المسح على الخفين أو الجوربين عند الوضوء. عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَا أنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، إِذْ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنْ إِدَاوَةٍ كَانَتْ مَعِي، فَتَوَضَّأ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. متفق عليه (¬1). - شروط المسح على الخفين: يشترط لصحة المسح على الجوربين والخفين ما يلي: أن يكون الملبوس مباحاً .. طاهراً .. ساتراً للكعبين .. ملبوساً على طهارة .. وأن يكون المسح في الحدث الأصغر .. وفي المدة للمقيم والمسافر. عَن المُغِيرَةِ بْن شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإنِّي أدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ». فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. متفق عليه (¬2). - صفة الخف والجورب الذي يمسح عليه: المسح في الوضوء على الخفاف والجوارب السليمة أولى. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (203) , ومسلم برقم (274)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (206) , واللفظ له، ومسلم برقم (274).

ويجوز المسح على الخف ولو كان مخرقاً .. وعلى الجورب ولو كان مفتوقاً، أو يصف البشرة، فكل خف وجورب يغطي الكعبين فللإنسان أن يمسح عليه، ما تعلَّق بالقدم، وأمكن المشي به. وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلا مخرقة مشققة مرقعة. - صفة المسح على الخفين: يبلل المسلم يديه بالماء .. ثم يمسح بيده اليمنى ظاهر خف أو جورب القدم اليمنى .. من أصابعه إلى ساقه مرة واحدة .. دون أسفله وعقبه .. واليسرى بيده اليسرى كذلك .. ويقدم اليمنى على اليسرى .. ولا حرج في مسحهما معاً. - مدة المسح على الخفين: 1 - يجوز المسح على الخفين يوماً وليلة للمقيم .. وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وتبدأ مدة المسح من أول مسح بعد لبس. عَنْ عَلي بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَةَ أيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْماً وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - من مسح في السفر يوماً، ثم دخل بلده، أتم مسح مقيم يوماً وليلة .. وإن سافر مقيم، وقد مسح على خفيه يوماً، أتم مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن. - حكم لبس الجورب على الجورب: من لبس جورباً على جورب وهو على طهارة فالحكم للفوقاني، وإن مسح ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (276).

على الأسفل صح. وإن لبس الفوقاني على حدث، فلا يمسح عليه؛ لأنه لبسه على غير طهارة. ومن خلع خفيه وهو طاهر وقد مسح عليهما فليس له إعادتهما إلا إذا توضأ. - متى يجوز المسح على الخفين: يجوز المسح على الخفين والجوربين، والعمامة وخمار المرأة، في الحدث الأصغر كالبول والغائط ونحوهما .. فإن أصابته جنابة في مدة المسح فلا يمسح .. ويلزمه الغسل لكامل بدنه. - يبطل المسح على الخفين بما يلي: إذا نزع الملبوس من القدم .. وإذا لزمه غسل كالجنابة .. وإذا تمت مدة المسح. أما الطهارة فلا تنتقض بعد انتهاء مدة المسح إلا بأحد نواقض الوضوء. - حكم الطهارة بعد نزع الملبوس: من نزع خفيه أو جوربيه بعد المسح عليهما فطهارته باقية .. ولا تنتقض إلا بأحد نواقض الوضوء. فإن أحدث وأراد إدخالهما مرة أخرى توضأ، ثم لبسهما وابتدأ مدة المسح. - صفة المسح على العمامة والخمار: يجوز المسح على عمامة الرجل، وعلى خمار المرأة، عند الحاجة، بلا توقيت. ويكون المسح على أكثر العمامة والخمار.

عَنْ عَمْرِو بن أُميَّة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم المسح على الجبيرة: الجبيرة: هي ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة، كالجبس الذي يوضع على الكسر، أو القماش أو اللزقة التي يربط بها الجرح. 1 - من ربط جبيرة على أحد أعضاء الوضوء، أو على شيء من بدنه، غسلها، فإن لم يتمكن مسح عليها، فإن لم يتمكن تيمم عنها. ولا يجمع عليها بين المسح والتيمم؛ لأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف للشرع، والله لا يكلف عبداً بعبادتين سببهما واحد. 2 - يجب المسح على الجبيرة من جميع الجهات إلى حَلِّها، ولو طال الزمن، أو أصابته جنابة، أو لبسها على غير طهارة، فإن لم يقدر مسح على بعض الجبيرة. 3 - المسح على الجبيرة يجزئ عن الغسل في الحدث الأصغر والأكبر، وطهارته كاملة، والمسح على الجبيرة يغني عن التيمم، ولا ينتقض الوضوء بنزعها إلا بأحد نواقض الوضوء. 4 - يأخذ حكم المسح على الجبيرة عند الوضوء حكم غسل الأعضاء في الترتيب، فلو كان في اليد اليسرى جرح، يغسل اليمنى، ثم يمسح على اليسرى، ثم يمسح رأسه. 5 - يمسح على الجبيرة بقدر الحاجة، والحاجة تُقَدَّر بقدرها، فلو كان الكسر في ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (205).

الأصبع، واحتاج لربطه راحة اليد معه، مسح جميع راحته. - صفة المسح على الجبيرة: إذا كان الجرح في أحد أعضاء الطهارة فله مراتب: الأولى: أن يكون مكشوفاً، ويضره الغسل والمسح، فهنا يتيمم له. الثانية: أن يكون مكشوفاً، ويضره الغسل دون المسح، فهنا يجب المسح دون الغسل. الثالثة: أن يكون مشكوفاً، ولا يضره الغسل، فهنا يجب غسله. الرابعة: أن يكون مستوراً بجبس، أو لفافة، أو لزقة ونحوها، فهنا يمسح على هذا الساتر، ويغنيه عن غسل العضو، ولا يتيمم. - مقدار المسح على الجبيرة: المسح على الجبيرة يعمّها كلها من جميع الجهات؛ لأن الأصل أن البدل له حكم المبدل منه، ما لم ترد السنة بخلافه، والمسح بدل الغسل، والغسل يجب أن يعم العضو كله، فكذلك المسح. وأما المسح على الخفين فهو رخصة، وقد وردت السنة بجواز الاكتفاء بمسح بعضه.

4 - باب الغسل

4 - باب الغسل - الغسل: هو التعبد لله بغسل جميع البدن بالماء الطهور على وجه مخصوص. - حكم الغسل: الغسل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الغسل الواجب .. الغسل المسنون .. الغسل المباح. 1 - فيجب الغسل على الإنسان فيما يلي: خروج المني دفقاً بلذة من رجل أو امرأة، استمناء، أو جماعاً، أو احتلاماً .. جماع الرجل زوجته ولو لم ينزل .. إذا مات المسلم إلا من قُتل في سبيل الله .. إذا أسلم الكافر .. خروج دم الحيض أو النفاس من المرأة. 2 - ويسن الغسل للإنسان فيما يلي: الغسل يوم الجمعة .. الغسل للإحرام بالحج أو العمرة .. الغسل عند دخول مكة .. الغسل لكل جماع .. الغسل لمن غسّل الميت .. الغسل للنظافة .. الغسل في عيد الفطر والأضحى .. الغسل لمن دفن قريبه المشرك .. الغسل لمن أفاق من إغماء، أو جنون .. الغسل للوقوف بعرفة. 3 - والغسل المباح كالغسل للتبرد، والسباحة في الماء لمجرد الأنس والمرح. - مقدار ماء الغسل: السنة أن يغتسل الإنسان بالصاع إلى خمسة أمداد. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ، أوْ كَانَ يَغْتَسِلُ، بِالصَّاعِ

إلَى خَمْسَةِ أمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأ بِالمُدِّ. متفق عليه (¬1). فإن دعت الحاجة إلى الزيادة على القدر السابق كثلاثة آصع ونحوها جاز، ولا يجوز الإسراف في ماء الوضوء والغسل. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ فِي القَدَحِ، (وَهُوَ الفَرَقُ)، وَكُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَهُوَ فِي الإنَاءِ الوَاحِدِ. متفق عليه (¬2). الفَرَق ثلاثة آصع .. والصاع أربعة أمداد .. والمد نصف لتر تقريباً. - مكان الغسل: يجوز للإنسان أن يغتسل في مياه العيون والأنهار والبحار .. ويجوز له الاغتسال والوضوء في الحمامات الموجودة الآن في المنازل والمباني. ويكره له الاغتسال في المراحيض المعدة لقضاء الحاجة فقط؛ لأن أرضها طينية لينة يستقر فيها البول، ولأنها محل النجاسات، والغسل فيها يؤدي إلى الوسواس، فالأفضل والأحسن أن يغتسل ويتوضأ في غير المكان الذي يبول فيه. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). - حكم الغسل في الماء الراكد: لا يجوز للإنسان أن يبول في الماء الراكد كمياه الخزانات، والمسابح، والغدران ونحوها .. ولا يجوز له أن يغتسل من الجنابة في ماء راكد غير ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (201) , واللفظ له، ومسلم برقم (325). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (250)، ومسلم برقم (319)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (27) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (36).

جار .. ولا يجوز له البول في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه. فهذه ثلاث محرمات. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَغْتَسِلْ أحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ». فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قال: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَبُلْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ». متفق عليه (¬2). - حكم التعري أثناء الغسل: 1 - إذا اغتسل الانسان وحده في الخلوة جاز له التعري، ولكن التستر أفضل ولو كان وحده، فيغتسل وهو ساتر لعورته، فالله أحق أن يُستحيا منه من الناس. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «بَيْنَا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أيُّوبُ، ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قال: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ». أخرجه البخاري (¬3). 2 - ويجب على المسلم أن يغتسل في مكان لا يرى الناس فيه عورته، ويحرم عليه التعري أمام الناس. عَنْ يَعْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بالبَرَازِ بلاَ إِزَارٍ فَصَعَدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (283). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (239)، ومسلم برقم (282) واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري برقم (279).

يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِر». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - سنن الغسل: الوضوء قبله .. وإزالة الأذى .. وإفراغ الماء على الرأس ثلاثاً .. والتيامن. - صفة الغسل المجزئ: للغسل صفتان: صفة مجزئة .. وصفة كاملة مستحبة. فالغسل المجزئ أن ينوي بقلبه الغسل، ثم يعم بدنه كله بالغسل مرة واحدة. - صفة الغسل الكامل: أن ينوي الغسل .. ثم يغسل يديه ثلاثاً .. ثم يغسل فرجه وما لوّثه .. يُفرغ الماء بيمينه، ويغسل بشماله .. ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً .. ثم يفيض على رأسه ثلاثاً .. ويخلل بأصابعه أصول شعر رأسه .. ثم يفيض الماء على جسده مرة واحدة مبتدءاً بالأيمن .. ولا يسرف في الماء .. وإن كان المكان غير نظيف تحوّل من مكانه وغسل قدميه. - صفة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ مَيْمُونَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً، ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ أفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ، وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكاً شَدِيداً، ثُمَّ تَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ أفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أتَيْتُهُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4012) , واللفظ له، والنسائي برقم (406).

بِالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، بَدَأ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أصَابِعَهُ فِي المَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. متفق عليه (¬2). - صفة غسل من كرر الجماع: من كرر الجماع فله ثلاث حالات: الأولى: يجوز للمسلم أن يأتي أهله مرات، أو يطوف على نسائه، ثم يغتسل غسلاً واحداً بعد ذلك. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. متفق عليه (¬3). الثانية: أن يتوضأ قبل أن يعاود الجماع، وهي أفضل من الأولى. عَنْ أبِي سَعِيد الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرَادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ». أخرجه مسلم (¬4). الثالثة: أن يغتسل بعد كل جماع، وهي أفضل مما سبق. عَنْ أَبي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَافَ ذاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ تَجْعَلُهُ غُسْلاً وَاحِداً؟ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (249) , ومسلم برقم (317)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (248) , واللفظ له، ومسلم برقم (316). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (268) , ومسلم برقم (309)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (308).

قَالَ: «هَذا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ». أخرجه أبو داود (¬1). وغسل المرأة كالرجل .. ويجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة، أو عن جنابة وجمعة ونحو ذلك .. ولا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ويستحب ذلك في الغسل من الحيض والنفاس. - حكم الوضوء قبل الغسل: السنة أن يتوضأ المسلم وضوءه للصلاة قبل الغسل، فإن اغتسل ولم يتوضأ قبله، أو أتى بالوضوء قبل الغسل، فإنه لا يشرع له الوضوء بعد الغسل، ويدخل الوضوء في الغسل. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ سَألُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: إِنَّ أرْضَنَا أرْضٌ بَارِدَةٌ، فَكَيْفَ بِالغُسْلِ؟ فَقَالَ: «أمَّا أنَا، فَأفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثاً». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الوضوء بعد الغسل: إذا اغتسل المسلم، فعم جميع بدنه بالماء، وتمضمض واستنشق، ولم يتوضأ، أو أتى بالوضوء قبل الغسل، فلا يشرع له الوضوء بعد الغسل، إلا إذا أتى بناقض من نواقض الوضوء. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (219). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (272) , واللفظ له، ومسلم برقم (316). (¬3) أخرجه مسلم برقم (328).

وَصَلاَةَ الغَدَاةِ وَلاَ أَرَاهُ يُحْدِث وُضُوءاً بَعْدَ الغُسْلِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم غسل المحتلم: إذا استيقظ النائم فوجد بللاً فله ثلاث حالات: 1 - أن يتيقن أنه مني، فيجب عليه الغسل. 2 - أن يتيقن أنه ليس بمني، فحكمه حكم البول، فيغسل ما أصابه منه. 3 - أن يجهل الحال، فإن ذكر أنه احتلم فعليه الغسل، وإن لم يذكر فهو مذي حكمه حكم البول. عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ فَهَلْ عَلَى المَرْأةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إِذَا رَأتِ المَاءَ». فَقَالَتْ أمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَتَحْتَلِمُ المَرْأةُ؟ فَقَالَ: «تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا». متفق عليه (¬2). - حكم غسل الرجل مع زوجته: يجوز للرجل أن يغتسل مع زوجته في مكان واحد، ولو رأى كل منهما عورة الآخر. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ: الفَرَقُ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةَ، كَانَا يَغْتَسِلانِ مِنْ إنَاءٍ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (250) , واللفظ له، والترمذي برقم (107). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (130) , ومسلم برقم (313)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (250) , واللفظ له، ومسلم برقم (319).

وَاحِدٍ. متفق عليه (¬1). - كيف ينام الجنب؟: السنة أن يغتسل الإنسان بعد الجماع، ويجوز أن ينام الإنسان وهو جنب. ومن أراد أن ينام وهو جنب فله ثلاث حالات: الأولى: أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة قبل الأكل أو النوم، وهذه أعلاها. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأ لِلصَّلاةِ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا كَانَ جُنُباً، فَأرَادَ أنْ يَأْكُلَ أوْ يَنَامَ، تَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ. متفق عليه (¬3). الثانية: أن يتوضأ إذا أراد النوم، ويغسل يديه بدون وضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ، قَالَتْ: غَسَلَ يَدَيْهِ. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي (¬4). وفي لفظ: «وَإذا أرَادَ أنْ يَأكُل وَهُوَ جُنبٌ غَسلَ يَدَيْهِ». أخرجه أبو داود (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (253) , واللفظ له، ومسلم برقم (322). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (288) , واللفظ له، ومسلم برقم (305). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (288) , ومسلم برقم (305)، واللفظ له. (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (24874) وأخرجه أبو داود برقم (222) وأخرجه النسائي برقم (257) وهذا لفظه. (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (223).

الثالثة: أن ينام دون أن يمس ماء، وهذه أدناها. والأفضل للمسلم ألا ينام حتى يغتسل أو يتوضأ. - حكم خروج الجنب إلى السوق وغيره: يجوز للجنب أن يخرج إلى السوق، ويحلق رأسه، ويقلم أظفاره، وإن لم يتوضأ. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا جُنُبٌ، فَأخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هِرٍّ». فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ يَا أبَا هِرٍّ، إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ». متفق عليه (¬1). - صفة غسل من به جراحة: من كانت به جراحة وهو جنب، وخاف إن اغتسل أن يهلك، أو يزيد مرضه، أو يتأخر برؤه فإنه يتيمم. - حكم من اغتسل ثم خرج منه الماء: من اغتسل ثم خرج منه المني بدون تدفق ولا شهوة، فلا يعيد الغسل، لكن يجب عليه غسله، والوضوء إذا أراد الصلاة. - حكم غسل يوم الجمعة: غسل الجمعة سنة مؤكدة على كل مسلم تجب عليه صلاة الجمعة، ويجب على من به رائحة كريهة تؤذي المصلين والملائكة، ومن ترك الغسل ممن به رائحة كريهة فصلاته صحيحة، لكنه قصَّر في واجب الغسل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (285) , واللفظ له، ومسلم برقم (371).

عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفق عليه (¬1). - وقت غسل الجمعة: يبدأ وقت الغسل يوم الجمعة من طلوع فجر يوم الجمعة، ويمتد إلى قبيل أداء صلاة الجمعة، ويستحب تأخير الغسل إلى قبيل الرواح إلى صلاة الجمعة. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا أرَادَ أحَدُكُمْ أنْ يَأْتِيَ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». متفق عليه (¬2). - صفة غسل الجمعة: غسل الجمعة كغسل الجنابة .. لكن يحسن للمغتسل يوم الجمعة المبالغة في نظافة جسده، ويسن للرجل استعمال الطيب بعد الغسل. عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى». أخرجه البخاري (¬3). - غسل الحيض والنفاس: يجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أو النفاس أن تغتسل. والنفاس: هو الدم الخارج من قُبُل المرأة بعد الولادة، وهو كالحيض في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (858) , واللفظ له، ومسلم برقم (846). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (877) , ومسلم برقم (844)، واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري برقم (883).

وجوب الغسل منه بعد انقطاعه. ودم النفاس هو دم الحيض، لكنه في مدة الحمل يقلبه الله غذاءً للولد، فإذا خرج الولد خرج الدم لعدم مصرفه، وسمي نفاساً. 1 - قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي امْرَأةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أطْهُرُ، أفَأدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا، إنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ، وَإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي». متفق عليه (¬1). - حكم مَنْ تعذَّر عليه الغسل: الجنب إذا تعذر عليه الغسل لفقد الماء، أو تضرر باستعماله تيمم، فإذا وجد الماء اغتسل، ولا يعيد ما صلى بالتيمم. والمرأة إذا عَدِمت الماء وهي جنب، أو خافت من استعماله مرضاً، أو تأخر برء، غسلت موضع الدم، أو مسحته بشيء طاهر وتيممت. فإذا زال موجب التيمم اغتسلت. - صفة الغسل من الحيض والنفاس: هو كغسل الجنابة في الصفة .. إلا أنه يستحب فيه ما يلي: نقض الشعر عند الغسل .. الغسل بماء وسدر أو نحوهما .. دلك الرأس دلكاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (228) , واللفظ له، ومسلم برقم (333).

شديداً .. مسح الفرج بقطعة فيها مسك لإزالة الرائحة الكريهة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أسْمَاءَ سَألَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ المَحِيضِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكاً شَدِيداً، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا». فَقَالَتْ أسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا». فَقَالَتْ عَائِشَةُ (كَأنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ) تَتَبَّعِينَ أثَرَ الدَّمِ، وَسَألَتْهُ عَنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا المَاءَ». متفق عليه (¬1). - حكم الكلام أثناء الوضوء والغسل: يجوز الكلام أثناء الوضوء والغسل. عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقال: «مَنْ هَذِهِ». فَقُلْتُ: أنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقال: «مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئٍ». متفق عليه (¬2). - طهارة المسلم: المسلم طاهر .. والمشرك نجس .. والمؤمن لا ينجس مطلقاً .. لكن ينتقض وضوءه الشرعي إذا أحدث .. أو أصابته الجنابة .. أو أصاب الحيض أو النفاس المرأة .. فيلزمه إذا أراد الصلاة أن يتوضأ من الحدث .. ويغتسل من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (314) , ومسلم برقم (332)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3171) , واللفظ له، ومسلم برقم (336).

الجنابة للصلاة والطواف .. وتغتسل المرأة من الجنابة أو الحيض أو النفاس للصلاة والطواف .. وما سوى ذلك فالأصل في المؤمن الطهارة .. فلا يُمنع من شيء إلا بدليل. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ». قال: كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهْتُ أنْ أجَالِسَكَ وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ إنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ». قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم مس المصحف للمحدث: الأصل في المسلم الطهارة .. فيجوز له مس المصحف .. وقراءة القرآن .. وذكر الله عز وجل .. واللبث في المسجد .. سواء كان متوضئاً، أو محدثاً، أو جنباً .. وسواء كانت المرأة طاهراً أو حائضاً أو نفساء أو جنباً .. لكن الأفضل في هذه الأحوال أن يكون متطهراً من الحدث الأصغر والأكبر. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! نَاوِلِينِي الثَّوْبَ». فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَنَاوَلَتْهُ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (283) , واللفظ له، ومسلم برقم (271). (¬2) أخرجه مسلم برقم (298). (¬3) أخرجه مسلم برقم (299).

2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنَ الخَلاءِ، فَأتِيَ بِطَعَامٍ، فَذَكَرُوا لَهُ الوُضُوءَ فَقَالَ: «أرِيدُ أنْ أصَلِّيَ فَأتَوَضَّأ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (373). (¬2) أخرجه مسلم برقم (374).

5 - باب التيمم

5 - باب التيمم - التيمم: هو التعبد لله بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به. - مشروعية التيمم: التيمم من خصائص الأمة الإسلامية، وهو بدل طهارة الماء. والتيمم وإن لم يكن فيه نظافة وطهارة تُدرك بالحس، فإن فيه طهارة معنوية ناشئة عن امتثال أوامر الله عز وجل. ويشرع التيمم للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر إذا تعذر عليه استعمال الماء .. إما لفقده .. أو التضرر باستعماله .. أو العجز عن استعماله. قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة:6]. - ما يجوز التيمم به: يجوز التيمم بكل ما على الأرض من طاهر من تراب .. أو وحل .. أو طين .. أو حجر .. أو جدار .. وكل ما صعد منه غبار. - صفة التيمم: أن ينوي المسلم التيمم .. ثم يضرب الأرض مرة بباطن يديه .. ثم ينفخهما لتخفيف الغبار عنهما .. ثم يمسح بهما وجهه .. ثم كفيه .. يمسح ظهر اليد اليمنى بباطن اليسرى .. ثم يمسح ظهر اليد اليسرى بباطن اليمنى .. وأحياناً

يقدم مسح اليدين على الوجه. 1 - عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أبْزَى قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أجْنَبْتُ فَلَمْ أصِبِ المَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أمَا تَذْكُرُ أنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أنَا وَأنْتَ، فَأمَّا أنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأمَّا أنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا». فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفَّيْهِ الأرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -في صفة التيمم- -وفيه- فَقَالَ لَهُ ِالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا». فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. متفق عليه (¬2). - ماذا يرفع التيمم من الأحداث: التيمم بدل الماء فيأخذ حكمه .. فيرفع كل حدث يزول بالماء .. ويباح للمتيمم ما يباح للمتوضئ من الصلاة ونحوها. وإذا نوى المسلم بتيممه أحداثاً متنوعة كما لو بال، وتغوط، واحتلم أجزأه التيمم عن الكل، ويصلي به ما شاء من الصلوات ما لم ينتقض وضوءه. عَنْ جَابِر بْن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (338) , واللفظ له، ومسلم برقم (368). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (347) , واللفظ له، ومسلم برقم (368).

خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (¬1). - عن أي شيء يكون التيمم؟: يشرع التيمم للطهارة من الحدث الأصغر والأكبر. أما طهارة الخبث -سواء كانت على البدن أو الثوب- فليس لها تيمم، فيزيلها ويغسلها، فإن لم يستطع صلى بحسب حاله. - حكم مَنْ عَدِم الماء والتراب: من عدم الماء والتراب بكل حال .. أو لم يقدر على استعمالهما صلى على حسب حاله بلا وضوء ولا تيمم .. ولا إعادة عليه. - صفة تيمم من به جرح: 1 - إذا كان في أحد أعضاء الوضوء جرح لا يستطيع غسله ولا مسحه، فإنه يتيمم له بعد فراغه من وضوئه، لا في أثنائه. 2 - مَنْ جُرِح وخاف أن يضره الماء، مسح عليه وغسل الباقي، فإن تضرر بالمسح تيمم له وغسل الباقي، فالمسح في رتبة العضو، والتيمم بعد الفراغ من الوضوء أو الغسل. - حكم التيمم من الجنابة: عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ الخُزَاعِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى رَجُلاً مُعْتَزِلاً، لَمْ يُصَلِّ فِي القَوْمِ، فَقَالَ: «يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي القَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلا مَاءَ، قال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإنَّهُ يَكْفِيكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) , واللفظ له، ومسلم برقم (521). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (348) , واللفظ له، ومسلم برقم (682).

- حكم من معه ماء لا يكفي: من كان عليه حدث .. وفي ثوبه نجاسة .. ومعه ماء لا يكفي للجميع .. فيبدأ بإزالة النجاسة .. فإن فضل شيء توضأ بالباقي .. فإن كفاه لبعض أعضائه غسل ما يستطيع وتيمم للباقي .. وإن لم يبق شيء من الماء تيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة:6]. - ماذا يفعل المتيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَجُلاَنِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا صَعِيداً طَيِّباً فَصَلَّيَا ثمَّ وَجَدَا المَاءَ فِي الوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاَةَ وَالوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذكَرَا ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاَتُكَ» وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: «لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - مبطلات التيمم: يبطل التيمم بما يلي: 1 - إذا وجد الماء .. أو قدر على استعماله. 2 - إذا حصل أي ناقض من نواقض الوضوء السابقة. - حكم المتيمم إذا وجد الماء أثناء الصلاة: إذا وجد المتيمم الماء وهو في أثناء الصلاة بطل التيمم .. فيقطعها ثم يتوضأ ويصلي .. وإن وجد الماء بعد أن صلى فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (338) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (433).

6 - باب الحيض والنفاس

6 - باب الحيض والنفاس - الحيض: هو دم طبيعة وجبلَّة يرخيه الرحم، فيخرج من فرج المرأة في أوقات معلومة. - أصل دم الحيض: خلق الله عز وجل دم الحيض لحكمة غذاء الولد في بطن أمه، لذلك قلّ أن تحيض الحامل. فإذا ولدت قلَبه الله لبناً يدرّ من ثدييها، لذلك قلّ أن تحيض المرضع. فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي لا مصرف له، فيستقر في الرحم، ثم يخرج في كل شهر ستة أو سبعة أيام. - أنواع الدم الذي يخرج من المرأة: الدم الخارج من فرج المرأة ثلاثة أنواع: 1 - دم الحيض، وهو الأصل. 2 - دم النفاس، وسببه الولادة، وحكمه حكم الحيض. 3 - دم الاستحاضة، وهو الدم الذي يعرض للمرأة بعارض من مرض ونحوه، ويستمر معها، ولا ينقطع إلا مدة يسيرة. - مدة الحيض: لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره .. ولا لبدايته ولا لنهايته .. وغالبه ستة أو سبعة أيام .. ولا حد لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لأكثره. ولا حد للسن التي تحيض فيها المرأة .. فمتى رأت المرأة الحيض فهي

حائض وإن كانت دون تسع سنين .. أو فوق خمسين سنة. - حكم دم الحيض: دم الحيض نجس يُغسل إذا أصاب الثوب. عَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: أرَأيْتَ إحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ». متفق عليه (¬1). - النفاس: هو الدم الخارج من قُبُل المرأة عند الولادة، أو معها، أو قبلها. - مدة النفاس: غالب مدة النفاس أربعون يوماً .. فإن طهرت قبله صلت وصامت بعد أن تغتسل .. ولزوجها وطؤها .. وإن زاد إلى ستين فهو نفاس .. لكن إن استمر فهو دم فساد. - حكم الدم الخارج من الحامل: الحامل إذا خرج منها دم كثير ولم ينزل الولد، فهو دم فساد لا تترك من أجله الصلاة، لكن تتوضأ لكل صلاة. وإذا رأت دم الحيض المعتاد الذي يأتيها في وقته وشهره وحاله فهو حيض، تترك من أجله الصلاة والصوم والطواف. - حكم تناول ما يقطع الحيض: 1 - المرأة إذا كانت حائضاً فإنها لا تصلي ولا تصوم ولا تطوف بالبيت، سواء كان الحيض موافقاً للعادة، أو زائداً عنها، أو ناقصاً، فإذا طهرت اغتسلت وصلت. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (227) , واللفظ له، ومسلم برقم (291).

2 - يجوز للمرأة إن احتاجت تناول ما يقطع الحيض ما لم تتضرر به، ويكون طهراً تصوم فيه وتصلي. - علامة طهر الحائض: تعرف الحائض الطهر بما يلي: أن ترى سائلاً أبيضاً يخرج إذا توقف الحيض .. ومن لم تر هذا السائل تُدخل قطنة بيضاء في محل الحيض .. فإن خرجت ولم تتغير فهو علامة طهرها. وكلا الأمرين علامة على طهر المرأة من الحيض. - حكم الصفرة والكدرة: الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض .. وإن رأت ذلك قبل العادة أو بعدها فليس بحيض .. فتصلي وتصوم .. ولزوجها أن يجامعها .. وإن تجاوزت الصفرة والكدرة العادة الغالبة للنساء .. فتغتسل وتصلي كالطاهرات. عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا لا نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئاً. أخرجه البخاري (¬1). - حكم الدم إذا زاد أو نقص عن العادة: إذا زاد الدم على عادة المرأة فالزيادة اليسيرة حيض .. فإن استمر طويلاً كشهر فهي مستحاضة .. وإذا طهرت المرأة قبل تمام عادتها فهي طاهرة يلزمها ويحل لها ما يلزم الطاهرة ويحل لها. - حكم من ولدت بعملية جراحية: من ولدت بعملية جراحية فحكمها حكم النفساء .. إن رأت دماً جلست حتى ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (326).

تطهر .. وإن لم تر دماً فإنها تغتسل وتصلي وتصوم كسائر الطاهرات .. وإن وضعت الحمل ولم يخرج منها دم اغتسلت، وصلت، وصامت كالطاهرات، ولزوجها أن يجامعها بعد الغسل. - حكم مباشرة الحائض: يجوز للرجل مباشرة زوجته وهي حائض، ويجتنب محل الحيض. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضاً، فَأرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُبَاشِرَهَا، أمَرَهَا أنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إرْبَهُ. متفق عليه (¬1). - حكم وطء الحائض: 1 - يحرم وطء الحائض في الفرج .. ولا يجوز وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهر .. ومَنْ وطئها قبل الغسل فهو آثم. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. 2 - إذا وطئ الرجل زوجته مختاراً متعمداً عالماً أنها حائض فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار من فعله المحرم .. والمرأة مثله. - حكم النوم مع الحائض: يجوز للرجل أن يضطجع مع زوجته الحائض في لحاف واحد. عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (302) , واللفظ له، ومسلم برقم (293).

يَضْطَجِعُ مَعِي وَأنَا حَائِضٌ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم ما يخرج من رحم المرأة: إذا وضعت المرأة نطفة فهذا ليس بحيض ولا نفاس .. وإن وضعت الجنين لأربعة أشهر فهذا نفاس .. وإن وضعت علقة أو مضغة غير مخلَّقة فليس بنفاس ولو رأت الدم .. وإن وضعت مضغة مخلَّقة وتبين أنه خَلْق إنسان فهو نفاس. - حكم دخول الحائض المسجد: يجوز دخول المرأة الحائض المسجد، وتضع على فرجها ما يمنع نزول الدم؛ لئلا يتلوث المسجد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! نَاوِلِينِي الثَّوْبَ». فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَنَاوَلَتْهُ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم حج الحائض وعمرتها: الحائض تحرم بالحج، وتفعل المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فإذا طهرت اغتسلت وطافت بالبيت. وإذا أحرمت بالعمرة تبقى على إحرامها حتى تطهر ثم تغتسل، وتقضي عمرتها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: خَرَجْنَا لا نَرَى إلا الحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا أبْكِي، قال: «مَا لَكِ أنُفِسْتِ». قُلْتُ: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (295). (¬2) أخرجه مسلم برقم (299).

نَعَمْ، قال: «إنَّ هَذَا أمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ». متفق عليه (¬1). - الحائض تقضي الصوم لا الصلاة: عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَألْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أسْألُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. متفق عليه (¬2). - ما يحرم على الحائض والنفساء: يحرم على الحائض والنفساء ما يلي: الصلاة .. والصوم .. والطواف بالبيت .. والوطء في الفرج. ويحرم على زوجها أن يطلقها وهي حائض. ويجوز لها دخول المسجد، ومس المصحف، وقراءة القرآن ونحو ذلك. ولا تُمنع من أي شيء إلا بدليل، والأفضل أن يكون الإنسان على طهارة دائماً. والمرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة، أو طهرت قبل خروج وقت الصلاة، وجب عليها أن تصلي تلك الصلاة. - صفة غسل الحائض والنفساء: يجب على الحائض والنفساء إذا انقطع عنها الدم أن تغتسل بتطهير جميع ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (294) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (321)، ومسلم برقم (335)، واللفظ له.

البدن بالماء .. وهو كغسل الجنابة .. لكن يستحب لها في هذا الغسل نقض شعر رأسها .. والغسل بماء وسدر أو صابون .. ودلك الرأس دلكاً شديداً .. ومسح الفرج بقطعة فيها مسك، أو طيب؛ لإزالة الرائحة الكريهة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سَألَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِ المَحِيضِ؟ فَقَالَ: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكاً شَدِيداً، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا». فَقَالَتْ أسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا». فَقَالَتْ عَائِشَةُ (كَأنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ) تَتَبَّعِينَ أثَرَ الدَّمِ. متفق عليه (¬1). - المستحاضة: هي من استمر خروج الدم منها في غير أوانه. - الفرق بين الحيض والاستحاضة: 1 - الحيض: سيلان دم عِرْق في قعر الرحم يسمى العاذر، ولون هذا الدم أسود، ثخين، منتن، لا يتجمد إذا ظهر. 2 - أما الاستحاضة: فهي سيلان دم عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل، ولون هذا الدم أحمر، رقيق، غير منتن، يتجمد إذا خرج؛ لأنه دم عرق عادي. 3 - دم الحيض نجس يجب غسله، ودم الاستحاضة دم عادي يحسن غسله. - أحوال المستحاضة: المستحاضة لها أربع حالات وهي: 1 - أن تكون مدة الحيض معروفة لها، فتجلس تلك المدة، ثم تغتسل وتصلي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (314) , ومسلم برقم (332)، واللفظ له.

2 - أن تكون مدة الحيض غير معروفة لها، فتجلس ستة أو سبعة أيام؛ لأن ذلك غالب مدة الحيض، ثم تغتسل وتصلي. 3 - أن لا تكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض الأسود من غيره، فهذه إذا انقطع دم الحيض المميز اغتسلت وصلت. 4 - أن لا تكون لها عادة معلومة، ولا تستطيع أن تميز دم الحيض، فهذه تجلس ستة أو سبعة أيام، ثم تغتسل وتصلي، وتسمى المبتدأة. - صفة غسل المستحاضة: المستحاضة تغتسل مرة واحدة عند إدبار الحيض .. ولا يلزمها الوضوء لكل صلاة عن هذا الدم .. وتحشو فرجها عن التلوث بخرقة ونحوها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أبِي حُبَيْشٍ سَألَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: إنِّي أسْتَحَاضُ فَلا أطْهُرُ، أفَأدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَالَ: «لا، إنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي». متفق عليه (¬1). - ما يجوز للمستحاضة: يجوز للمستحاضة ما يجوز للطاهرة من الصلاة والصوم والاعتكاف والجماع ونحو ذلك مما يجب ويستحب. ودم الاستحاضة لا يجب بخروجه الوضوء، ومثله سلس البول، والخارج من السبيلين بدون إرادة لا يلزم منه الوضوء، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والوضوء لكل صلاة أفضل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (325) , واللفظ له، ومسلم برقم (333).

قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن:16]. - حكم اعتكاف المستحاضة: يجوز للمستحاضة الاعتكاف في المسجد، لكن تتلَجَّم بخرقة؛ لئلا تلوِّث المسجد. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنْ أزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2037).

2 - كتاب الصلاة

2 - كتاب الصلاة ويشتمل على ما يلي: 1 - باب الأذان والإقامة. 2 - باب الصلوات المفروضة. 1 - باب الصلوات الخمس 2 - باب صلاة الجمعة. 3 - باب قضاء الفوائت. 3 - باب صلاة التطوع.

1 - باب الأذان والإقامة

1 - باب الأذان والإقامة ويشتمل على ما يلي: 1 - حكمة مشروعية الأذان. 2 - حكم الأذان والإقامة. 3 - فضل الأذان. 4 - أحكام الأذان. 5 - شروط صحة الأذان. 6 - سنن الأذان. 7 - أقسام الصلوات بالنسبة للأذان. 8 - صفات الأذان الثابتة في السنة. 9 - حكم متابعة المؤذن. 10 - صفات الإقامة الثابتة في السنة.

1 - حكمة مشروعية الأذان

1 - باب الأذان والإقامة - الأذان: هو التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص. 1 - حكمة مشروعية الأذان للأذان حكم عظيمة أهمها: 1 - إعلان التوحيد، وتذكير الناس به ليلاً ونهاراً. 2 - إظهار الشعائر، والتعريف بأن الدار دار إسلام. 3 - الدعاء للصلاة التي هي الفلاح، وتنبيه الغافلين حتى لا يفوتهم هذا الفلاح. 4 - الإعلام بدخول وقت الصلاة ومكان أدائها. 5 - الدعاء إلى صلاة الجماعة التي فيها خير كثير. - الإقامة: هي التعبد لله بالإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص. 2 - حكم الأذان والإقامة يشرع الأذان والإقامة للصلوات الخمس وصلاة الجمعة فقط. والأذان والإقامة فرض كفاية على الرجال دون النساء حضراً وسفراً، وهما في حق المنفرد سنة. 1 - عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَى رَجُلانِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أنْتُمَا خَرَجْتُمَا، فَأذِّنَا، ثُمَّ أقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا

3 - فضل الأذان

أكْبَرُكُمَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 3 - فضل الأذان 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «المُؤَذِّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعْنَاقاً يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أبَا سَعِيد الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لَهُ: إنِّي أرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أوْ بَادِيَتِكَ، فَأذَّنْتَ بِالصَّلاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإنَّهُ لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إنْسٌ وَلا شَيْءٌ، إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». قال أبو سعيد: سمعته من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (630) , واللفظ له، ومسلم برقم (674). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1203) , واللفظ له، والنسائي برقم (666). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437). (¬4) أخرجه مسلم برقم (387). (¬5) أخرجه البخاري برقم (609).

4 - أحكام الأذان

- قوة الأذان: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ، أدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإذَا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ، حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أدْبَرَ، حَتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى». متفق عليه (¬1). 4 - أحكام الأذان - أمانة الأذان: يجب على المؤذن الاهتمام بالأذان في أول الوقت .. فلا يجوز له أن يتقدم ولا يتأخر في الأذان؛ لئلا يُفسد على المسلمين دينهم. فالإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن على ركنين من أركان الإسلام .. وهما الصلاة والصيام. فإذا أذن قبل الوقت أو بعد الوقت .. فقد عرّض صلاة المسلمين وصيامهم للخلل .. فليتق الله كل مؤذن .. وليؤد الأمانة كما أُمر. عَنْ أبِي أُمامةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِِمَامُ ضَامِنٌ، وَالمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ». أخرجه أحمد (¬2). - وقت الأذان: 1 - يجب أن يؤذن المؤذن لجميع الصلوات الخمس إذا دخل الوقت، ولا يجزئ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (608) , واللفظ له، ومسلم برقم (389). (¬2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (22238) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1767).

الأذان قبل دخول الوقت لأي صلاة. 2 - يسن أن يؤذن قبل الفجر بقدر ما يتسحر الصائم؛ ليرجع القائم، ويستيقظ النائم، ويختم من يتهجد صلاته بالوتر، فإذا طلع الفجر الصادق أذن لصلاة الصبح. 3 - الأفضل أن يكون الأذان الأول للجمعة قبل النداء الثاني بوقت يتمكن فيه الإنسان إذا سمعه من الاغتسال، والتطيب، والذهاب إلى المسجد كساعة مثلاً، ثم يكون الأذان الثاني حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة. 4 - الأذان في الحضر متعلق بالوقت، فمتى دخل الوقت وجب أن يؤذن. والأذان في السفر متعلق بأداء الصلاة، فمتى أراد الصلاة أذن وأقام وصلى في أول الوقت أو آخره. 5 - إذا أخر صلاة الظهر لشدة حر، وأخر العشاء إلى الوقت الأفضل .. فالسنة أن يؤذن عند إرادة فعل الصلاة. - مكان الأذان: يسن للمؤذن أن يؤذن على مكان عال كالمنارة، أو سطح المسجد، أو أي مكان مرتفع، أو بمكبر الصوت؛ ليسمعه الناس. ويؤذن المسافر الذي جدَّ به السير على ظهر الراحلة، سواء كانت سيارة، أو سفينة، أو طائرة. أما الإقامة فيقيم من أذن في مكانه إن سهل، أو يقيم بمكبر الصوت، ليسمع الناس الإقامة فيحضروا. - حكم تعدد الأذان: 1 - جميع الصلوات الخمس يؤذَّن لكل صلاة أذان واحد .. ويستثنى من ذلك

الفجر والجمعة .. فيؤذَّن لكل واحدة أذانين. والسنة إيقاع الأذان الأول للفجر في السَّحَر، وهو سدس الليل الأخير. وإيقاع النداء الأول للجمعة قبل النداء الثاني بوقت يتسع للغسل والمجيء للمسجد. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: «إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أمِّ مَكْتُومٍ». متفق عليه (¬1). 2 - من جمع بين صلاتين أو قضى فوائت، أذن للأولى، ثم أقام لكل فريضة. - حكم تعدد المؤذنين: السنة أن يكون لكل مسجد مؤذن واحد، ويباح اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد، ولا تستحب الزيادة على اثنين إلا عند الحاجة. ويستحب جعل مؤذنين للمساجد الكبيرة العامرة بالدروس والتي يتوافد إليها الناس لطلب العلم .. ويؤذن كل واحد في وقت. وعند تعدد الأذان كما في الفجر والجمعة .. يؤذِّن أحدهما الأول .. ويؤذِّن الآخَر الأذان الثاني، ليسهل على الناس معرفة الوقت. والسنة أن يكون الأذان الأول للفجر في مسجد واحد على مستوى البلد .. لئلا تلتبس العبادة على الناس .. فقد كان الأذان الأول في مسجده - صلى الله عليه وسلم - .. وبقية مساجد المدينة ليس فيها إلا الأذان الثاني .. فإن كان البلد كبيراً فيستحب تعدد الأذان بقدر الحاجة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (623) , واللفظ له، ومسلم برقم (1092).

5 - شروط صحة الأذان

- مؤذنو النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة: بلال بن رباح، وابن أم مكتوم في مسجده - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وسعد القَرَظ في مسجد قباء. وأبو محذورة في المسجد الحرام بمكة. وبلال كان لا يرجِّع الأذان، ويفرد الإقامة .. وأبو محذورة كان يرجِّع الأذان، ويثنِّي الإقامة. 5 - شروط صحة الأذان يشترط لصحة الأذان ما يلي: أن يكون الأذان بعد دخول الوقت .. وأن يكون باللغة العربية .. وأن يكون مرتباً متوالياً .. وأن يكون المؤذن مسلماً .. ذكراً .. أميناً .. عاقلاً .. عدلاً .. بالغاً أو مميزاً .. والإقامة كذلك. 6 - سنن الأذان 1 - يسن ترتيل الأذان .. ورفع الصوت به .. وأن يلتفت برأسه يميناً عند قوله: (حي على الصلاة) وشمالاً عند قوله: (حي على الفلاح). ويسن الالتفات في الأذان ولو مع وجود مكبر الصوت؛ لأن الأمر تعبدي. 2 - ويسن للمؤذن أن يكون صيتاً .. عالماً بالوقت .. مستقبل القبلة .. متطهراً .. قائماً .. واضعاً أصبعيه في أذنيه حال الأذان .. وأن يؤذن على مكان مرتفع .. أو بمكبر الصوت؛ ليسمعه الناس. 3 - ويسن إفراد كل جملة من جمل الأذان بنفس واحد إلا (الله أكبر) فيجمع

7 - أقسام الصلوات بالنسبة للأذان

الجملتين بنفس واحد، وأحياناً يفرد كل جملة، ويجيبه السامع كذلك. - من يقدَّم في الأذان عند المشاحة: السنة أن يكون لكل مسجد مؤذن معين .. وإذا تأخر المؤذن، أو كان الناس في سفر، وتشاح الناس في الأذان فيقدم الأفضل صوتاً .. ثم الأفضل في دينه وعقله .. ثم من يختاره أهل المسجد .. ثم قرعة .. ويجوز للمؤذن أن يوكل من يؤذن عنه عند الحاجة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفق عليه (¬1). 7 - أقسام الصلوات بالنسبة للأذان الصلوات بالنسبة لمشروعية الأذان والإقامة أربعة أقسام: 1 - صلوات لها أذان وإقامة، وهي الصلوات الخمس والجمعة. 2 - صلوات لها إقامة ولا أذان لها، وهي الصلوات المجموعة إلى ما قبلها، والصلوات المقضية. 3 - صلوات لا أذان لها ولا إقامة، وهي صلوات النفل، وصلاة الجنازة، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء ونحو ذلك. 4 - صلوات لها نداء بألفاظ مخصوصة، وهي صلاة الكسوف والخسوف، ينادى لها بلفظ: (الصلاة جامعة). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , ومسلم برقم (437).

- من يؤذن ويقيم: السنة أن يتولى الأذان والإقامة رجل واحد .. ويجوز أن يؤذن واحد، ويقيم آخر؛ لأن كل واحدة منهما عبادة مستقلة. والمؤذن أملك بالأذان .. والإمام أملك بالإقامة .. فلا يقيم المؤذن إلا بإشارة الإمام، أو رؤيته، أو قيامه، أو أمره. - حكم الأذان والإقامة بمكبر الصوت: 1 - الأذان مشروع لإعلام المسلمين بدخول وقت الصلاة ومكانها .. والإقامة مشروعة للإعلام بقيام الصلاة .. فيشرع رفع الصوت في الأذان والإقامة ليعلم الناس ذلك .. فيحضروا ويقوموا لأداء الصلاة. 2 - يجوز استعمال مكبر الصوت في الأذان والإقامة والصلاة والخطبة إذا دعت الحاجة لذلك، خاصة في الحرمين الشريفين، والمساجد الكبيرة.

8 - صفات الأذان الثابتة في السنة

8 - صفات الأذان الثابتة في السنة 1 - الصفة الأولى: أذان بلال رضي الله عنه، الذي كان يؤذن به في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو خمس عشرة جملة: 1 - اللهُ أَكْبَرُ 2 - اللهُ أَكْبَرُ 3 - اللهُ أَكْبَرُ 4 - اللهُ أَكْبَرُ 5 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله 6 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله 7 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله 8 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله 9 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَة 10 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَة 11 - حَيَّ عَلَى الفَلاَح 12 - حَيَّ عَلَى الفَلاَح 13 - اللهُ أَكْبَر 14 - اللهُ أَكْبَر 15 - لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). وهذا أفضل صفات الأذان؛ لأنه هو الذي كان يسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من بلال حضراً وسفراً. 2 - الصفة الثانية: أذان أبي محذورة رضي الله عنه، وهو تسع عشرة جملة، التكبير أربعاً في أوله مع الترجيع. عَنْ أَبي مَحْذورَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّأْذِينَ هُوَ بنَفْسِهِ فَقَالَ: «قُلِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ» مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: «ثمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، ¬

(¬1) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (499) , واللفظ له، وابن ماجه برقم (706).

أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). · صفة الترجيع: أن يقول المؤذن أولاً بصوت خافت (أشهد أن لا إله إلا الله) مرتين، ثم يرجع ثانية ويرفع بها صوته مرتين، ويفعل كذلك في (أشهد أن محمداً رسول الله). 3 - الصفة الثالثة: مثل أذان أبي محذورة رضي الله عنه السابق إلا أن التكبير في أوله مرتان فقط، فيكون سبع عشرة جملة. عَنْ أبِي مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ نَبِيَّ اللهِ عَلَّمَهُ هَذَا الأَذَانَ: «اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ». ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: «أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ» حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ (مَرَّتَيْنِ) حَيَّ عَلَى الفَلاحِ (مَرَّتَيْنِ) اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا الله». أخرجه مسلم (¬2). 4 - الصفة الرابعة: أن يكون الأذان كله مثنى مثنى، وكلمة التوحيد في آخره مفردة، فيكون ثلاث عشرة جملة. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الأَذانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَثنَى مَثنَى، وَالإقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، إِلاَّ أَنَّكَ تَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (503) , واللفظ له، والترمذي برقم (192). (¬2) أخرجه مسلم برقم (379).

9 - حكم متابعة المؤذن

متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُمِرَ بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإقَامَةَ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). · السنة أن يؤذن بهذه الصفات كلها .. بهذا مرة .. وبهذا مرة .. وهذا في مكان .. وهذا في مكان .. حفظاً للسنة .. وإحياءً لها بوجوهها المشروعة المتنوعة .. يفعل ذلك ما لم تُخش فتنة أو فرقة. · يزيد المؤذن في أذان الفجر، في جميع صفات الأذان السابقة قول: (الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم) بعد (حي على الفلاح). 9 - حكم متابعة المؤذن متابعة المؤذن سنة مؤكدة. ومن تابع مؤذناً فقال مثل ما يقول حصل له مثل أجر المؤذن، وهذا من فضل الله على كافة المسلمين أنْ أَشْركهم جميعاً في ثواب الأذان. ومن سمع مؤذناً آخر بعد الأول فتستحب متابعته؛ زيادة في الأجر. ومن كان في صلاة، أو كان يقضي حاجته فإنه لا يجيب المؤذن حتى يتم صلاته، أو يفرغ من حاجته. ومن سمع بعض الأذان فالأَوْلى أن يبدأ بإجابته من أوله حتى يدركه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (607) , ومسلم برقم (378)، واللفظ له. (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (510) , والنسائي برقم (628)، واللفظ له.

· ما يقوله من سمع الأذان: يسن لمن سمع الأذان من الرجال أو النساء أن يقول ما يلي: 1 - أن يقول مثل المؤذن إلا في الحيعلتين فيقول السامع: (لا حول ولا قوة إلا بالله). 2 - أن يصلي سراً على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد انتهاء الأذان. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - أن يقول بعد فراغ المؤذن من الشهادتين (رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً). عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «مَنْ قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَبِالإِسْلامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - أن يدعو بعد فراغ المؤذن من الأذان بما ورد. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384). (¬2) أخرجه مسلم برقم (386).

الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬1). 5 - أن يدعو لنفسه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذانِ وَالإقَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). · حكم أخذ الأجرة على الأذان: الإمامة عبادة، والأذان عبادة، فلا يجوز لأحد أن يخذ على إمامة المصلين أجراً، ولا يجوز للمؤذن أن يأخذ على أذانه أجراً. ويجوز للإمام والمؤذن أخذ الجُعْل الذي يُصرف من بيت مال المسلمين لأئمة المساجد ومؤذنيها، إذا قام بوظيفته لله عز وجل، لا من أجل الدنيا. · حكم الأذان العام: السنة أن يكون الأذان والإقامة لجماعة واحدة، بإمام واحد. فإن كان المكان ضيقاً لا يسع الناس كلهم، أو تعذر اجتماعهم في مكان واحد، فلا حرج في الأذان العام، وتقيم وتصلي كل جماعة على حدة، إذا كان المكان لا يجمع الجميع، كما في المباني الكبيرة، والأدوار الكثيرة. · حكم أذان المرأة: النساء ليس عليهن أذان ولا إقامة، وجماعة النساء لا حرج أن يؤذن لهن رجل، ويقيم لهن، وتصلي بهن واحدة منهن. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (614). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (521) , واللفظ له، والترمذي برقم (212).

· صفة الأذان في الأحوال الشديدة: يسن للمؤذن في البرد الشديد، أو الليلة المطيرة ونحو ذلك أن يقول بعد الحيعلتين .. أو بعد الأذان .. ما ثبت في السنة: (ألا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ). متفق عليه (¬1). أو يقول: (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ). متفق عليه (¬2). ومن أحب الحضور شُرع له ولو تكلف. يفعل هذا مرة .. وهذا مرة؛ إحياء للسنة المشروعة المتنوعة. · حكم الأذان في السفر: الأذان والإقامة عبادة مشروعة حضراً وسفراً، للجماعة والفرد. عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَصَاحِبٌ لِى فَلَمَّا أَرَدْنَا الإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». متفق عليه (¬3). · حكم الأذان المسجَّل: الأذان عبادة تتكرر كل يوم خمس مرات، ويحتاج إلى نية. والأذان الذي يُنقل بواسطة الإذاعة، أو يبث بواسطة المسجِّل -وإن كان فيه إعلام بدخول الوقت- إلا أنه لا يكفي ولا يجزئ عن أذان كل مؤذن في مسجده؛ لأن الأذان عبادة مستقلة تتكرر كل وقت وتحتاج إلى نية، فلا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (666) , ومسلم برقم (697). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (901)، ومسلم برقم (699). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (630) , ومسلم برقم (674)، واللفظ له.

يجوز تعطيلها، وحرمان المؤذنين من أجرها من أجل الأذان العام. · حكم من دخل المسجد والمؤذن يؤذن: من دخل المسجد والمؤذن يؤذن فيستحب له أن يتابع المؤذن، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد ركعتين. ومن دخل يوم الجمعة والمؤذن يؤذن فإنه يصلي تحية المسجد، ويتجوَّز فيهما؛ ليتمكن من سماع خطبة الجمعة. عَنْ أبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ». متفق عليه (¬1). · حكم الخروج من المسجد بعد الأذان: إذا أذن المؤذن فلا يجوز لمن في المسجد الخروج منه إلا لعذر من مرض، أو تجديد وضوء ونحو ذلك. · حكم من لم يسمع الأذان: يجب على المسلم إذا كان في البلد أداء الصلاة في المسجد، ولو لم يسمع الأذان، أمّا من كان خارج البلد فلا يلزمه الحضور للصلاة في المسجد إلا إذا سمع الأذان. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (444) , واللفظ له، ومسلم برقم (714).

10 - صفات الإقامة الثابتة في السنة

10 - صفات الإقامة الثابتة في السنة السنة أن تكون الإقامة مرتبة ومتوالية بإحدى الصفات الآتية: 1 - الصفة الأولى: إحدى عشرة جملة، وهي إقامة بلال رضي الله عنه التي كان يقيم بها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - حضراً وسفراً -وهي أفضلها-، وهي: «1 - اللهُ أَكْبَرُ 2 - اللهُ أَكْبَرُ 3 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ 4 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ 5 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ 6 - حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ 7 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ 8 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ 9 - اللهُ أَكْبَرُ 10 - اللهُ أَكْبَرُ 11 - لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 2 - الصفة الثانية: سبع عشرة جملة، وهي إقامة أبي محذورة رضي الله عنه، وهي: «1 - اللهُ أَكْبَرُ 2 - اللهُ أَكْبَرُ 3 - اللهُ أَكْبَرُ 4 - اللهُ أَكْبَرُ 5 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ 6 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ 7 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ 8 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ 9 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ 10 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ 11 - حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ 12 - حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ 13 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ 14 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ ¬

(¬1) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (499) , واللفظ له، وابن ماجه برقم (706).

15 - اللهُ أَكْبَرُ 16 - اللهُ أَكْبَرُ 17 - لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - الصفة الثالثة: عشر جمل، وهي: «1 - اللهُ أَكْبَرُ 2 - اللهُ أَكْبَرُ 3 - أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ 4 - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ 5 - حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ 6 - حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ 7 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ 8 - قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ 9 - اللهُ أَكْبَرُ 10 - لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله» أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). · السنة أن يقيم بهذه مرة .. وبهذه مرة .. وبهذه في مكان .. وبهذه في مكان؛ إحياء للسنة، وحفظاً لها بوجوهها المشروعة المتنوعة .. ما لم تخش فتنة أو فرقة. · لا يشرع لمن سمع الإقامة أن يقول مثله، أو أي دعاء آخر؛ لأنه لم يرد. · مقدار ما بين الأذان والإقامة: لم يرد مقدار الانتظار بين الأذان والإقامة .. ولكن ينبغي الانتظار بمقدار ما يتوضأ المسلم، ويأتي إلى المسجد، ويصلي تحية المسجد، أو الراتبة القبلية، بمقدار ربع ساعة تقريباً، يتمكن من الإتيان فيها مَنْ هو خارج المسجد، ويدعو ويصلي ويذكر الله ويتلو القرآن مَنْ هو داخل المسجد، ¬

(¬1) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (502) , واللفظ له، والترمذي برقم (192). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (510)، والنسائي برقم (628)، واللفظ له.

ويجوز الأذان والإقامة مباشرة بعد الأذان. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ». ثُمَّ قال فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». متفق عليه (¬1). · حكم صلاة النافلة بعد الإقامة: إذا أقيمت الصلاة فلا يجوز للمسلم الشروع في صلاة نافلة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ». أخرجه مسلم (¬2). · متى يقوم المصلون للصلاة: السنة المبادرة للقيام للصلاة عند رؤية الإمام، وسماع الإقامة، حتى يتمكن الناس من تسوية الصفوف، وسد الفرج، وإتمام الصفوف، الأَول فالأَول، قبل تكبير الإمام. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ أنْ يَقُومَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَامَهُ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (627) , واللفظ له، ومسلم برقم (837). (¬2) أخرجه مسلم برقم (710). (¬3) أخرجه مسلم برقم (605).

2 - باب الصلوات المفروضة

2 - باب الصلوات المفروضة ويشتمل على ما يلي: 1 - باب الصلوات الخمس: ويشمل: 1 - حكم الصلوات الخمس. 2 - فضائل الصلوات الخمس. 3 - أوقات الصلوات الخمس. 4 - شروط الصلاة. 5 - أركان الصلاة. 6 - واجبات الصلاة. 7 - سنن الصلاة. 8 - ما يباح في الصلاة. 9 - ما يكره في الصلاة. 10 - ما يحرم في الصلاة. 11 - صفة الصلاة. 12 - أذكار أدبار الصلوات الخمس. 13 - أقسام السجود: 1 - سجود السهو. 2 - سجود التلاوة. 3 - سجود الشكر. 14 - أحكام المصلين: 1 - أحكام الإمام. 2 - أحكام المأموم. 3 - أحكام المنفرد. 15 - صلاة الجماعة. 16 - صلاة أهل الأعذار. 1 - صلاة المريض. 2 - صلاة المسافر. 3 - صلاة الخوف. 2 - باب صلاة الجمعة. 3 - باب قضاء الفوائت.

1 - باب الصلوات الخمس

2 - باب الصلوات المفروضة 1 - باب الصلوات الخمس - الصلاة: هي التعبد لله بأقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم. - بدء فرض الصلاة: عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَرَضَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاةً، قال: فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَإنَّ أمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإنَّ أمَّتَكَ لا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَإنَّ أمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا ألْوَانٌ لا أدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإذَا تُرَابُهَا المِسْكُ». متفق عليه (¬1). - مقدار ركعات الصلاة: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (349) , واللفظ له، ومسلم برقم (163).

رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاةِ الحَضَرِ. متفق عليه (¬1). - أقسام الصلوات: الصلوات التي أمر الله ورسوله بها نوعان: الأول: الصلوات المفروضة، وهي الصلوات التي أوجب الله على العبد فعلها، وهي الصلوات الخمس والجمعة. الثاني: صلاة التطوع، وهي صلاة النفل التي وسَّع الله على العباد فيها، وجعلها من باب الزيادة في الأجر والخير، سواء كانت مطلقة كالنوافل المطلقة، أو مقيدة كصلاة العيدين، والاستسقاء ونحوهما. - فقه أداء الأوامر الشرعية: إذا أمر الله العبد بأمر وجب عليه فيه عشر مراتب: الأولى: العلم به. ... السادسة: أن يكون خالصاً صواباً. الثانية: تعظيم الأمر والآمر. السابعة: عدم فعل ما يحبطه. الثالثة: محبة الأمر والآمر. الثامنة: الثبات عليه. الرابعة: العزم على فعله. التاسعة: نشره والدعوة إليه. الخامسة: العمل به. العاشرة: الصبر على فعله. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر:1 - 3]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (350) , واللفظ له، ومسلم برقم (685).

- حكمة مشروعية الصلاة: 1 - أمر الله كل مسلم بعد إقراره بالشهادتين بأربعة أشياء: (الصلاة .. والزكاة .. والصيام .. والحج). وهذه أركان الإسلام، وفي كل منها تمرين لتنيفذ أوامر الله على نفس الإنسان، وماله، وشهوته، وطبيعته، ليقضي حياته حسب أمر الله لا حسب هواه، وحسب ما يحبه الله لا حسب شهواته. 2 - المسلم في الصلاة ينفذ أوامر الله على كل عضو من أعضائه؛ ليتدرب على تنفيذ أوامر الله خارج الصلاة، في شئون حياته كلها. في أخلاقه .. ومعاملاته .. وطعامه .. ولباسه .. وسائر أحواله. وبهذا يكون مطيعاً لربه داخل الصلاة، وخارج الصلاة. 3 - والصلاة نور، فكما أن النور يستضاء به، فكذلك الصلاة تهدي إلى الصواب، وتمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال سبحانه: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)} [العنكبوت:45]. 4 - والصلاة صلة بين العبد وربه الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، يجد فيها المسلم لذة مناجاة ربه. يكبره تارة .. ويحمده تارة .. ويسأله تارة .. ويستغفره تارة .. ويسبح بحمده تارة. وبهذا يطمئن قلبه، وينشرح صدره، وتقرّ عينه بربه.

5 - والصلاة زاجرة عن فعل المنكرات، وسبب لتكفير السيئات. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْراً بِبَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟». قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قال: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا». متفق عليه (¬1). 6 - والصلاة سبب لدخول الجنة. عَنْ رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬2). 7 - والصلاة أجلّ مقامات العابدين، وفيها أهم مطالب السائلين من رب العالمين، لما تشتمل عليه من أعظم مقامات العبودية: من إجلال الله وتعظيمه .. وحمده وتمجيده .. وتسبيحه وتقديسه .. وسؤاله واستغفاره .. والتضرع إليه .. والانكسار بين يديه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «قال اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَألَ. فَإِذَا قال العَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} قالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} قال اللهُ تَعَالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ... قال مَجَّدَنِي عَبْدِي. (وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي) فَإِذَا قال: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (528) , ومسلم برقم (667)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (489).

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} قال: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَألَ. فَإِذَا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} قال: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَألَ». أخرجه مسلم (¬1). - عدد الصلوات المفروضة: الصلوات التي فرضها الله عز وجل في اليوم والليلة على كل مسلم ومسلمة خمس صلوات، وهي: الفجر .. والظهر .. والعصر .. والمغرب .. والعشاء. - مكانة الصلاة في الإسلام: 1 - الصلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين .. فرضها الله ليلة الإسراء على رسوله وعلى أمته بدون واسطة قبل الهجرة بسنة. 2 - والصلوات الخمس واجبة على كل مسلم ومسلمة مهما كانت الأحوال. في حال الحضر والسفر .. وفي حال الصحة والمرض .. وفي حال الأمن والخوف .. ولكل حالة صلاة تناسبها في الهيئة والعدد. 3 - وقد فرضها الله خمسين صلاة في اليوم والليلة، على كل مسلم ومسلمة، وهذا يدل على أهميتها، وعلى محبة الله لها، وشدة عنايته بالمسلمين بإكرامهم بها، ثم خففت فجعلها الله خمساً في العمل، وخمسين في الأجر، فضلاً منه ورحمة. 4 - ولأهمية الصلاة ومكانتها عند الله، فهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (395).

عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيساً صَالِحاً. قَالَ: فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيساً صَالِحاً فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ. أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). - فقه الصلاة: 1 - الصلاة عبادة لها جسد وروح. فجسدها: القيام، والركوع، والسجود، والقراءة. وروحها: تعظيم الله .. وخشيته .. وحمده .. وسؤاله .. واستغفاره .. والثناء عليه .. والصلاة والسلام على رسوله .. والسلام على عباد الله الصالحين. 2 - والصلاة لها ظاهر يتعلق بالبدن كالقيام والجلوس، والركوع والسجود، وسائر الأقوال والأعمال. ولها باطن يتعلق بالقلب، ويكون بتعظيم الله .. وتكبيره .. والخشوع له .. ومحبته .. وطاعته .. وحمده .. والثناء عليه .. والذل والانكسار بين يديه. فإذا استقام الباطن بالتوحيد والإيمان، استقام الظاهر بكمال الطاعة والعمل، وإذا جاءت حقيقة الاستقامة داخل الصلاة، جاءت حقيقة الاستقامة خارج الصلاة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (413)، وهذا لفظه, والنسائي برقم (465).

- لذة العبادة: لا سعادة ولا طمأنينة ولا لذة للقلب إلا بالإيمان بالله وحده لا شريك له، وعبادة الله وحده لا شريك له، ومحبته وطاعته، والذل له، والتوكل عليه وحده لا شريك له. وكل ملذوذ في الدنيا فإنما له لذة واحدة ثم تزول، إلا العبادة لله عز وجل، فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها .. وإذا تذكرت أنك أديتها .. وإذا أُعطيت ثوابها. - حكمة تكرار الصلوات الخمس: الصلاة غذاء للقلب .. كما أن الطعام غذاء للجسد. فالجسد بحاجة إلى الغذاء مما تُخرج الأرض. والقلب بحاجة إلى الغذاء بالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله. فالجسد يزكو على الطعام .. والقلب يزكو على الإيمان بالله .. وإذا قوي الجسد أثمر الأعمال البدنية .. وإذا قوي الإيمان أثمر الأعمال الإيمانية. ولما كان كل منهما يهضم غذاءه، فيحتاج إلى غذاء جديد، تفضَّل الكريم الرحيم فجعل الصلوات خمساً، مقسمة على أجزاء اليوم والليلة، ليأخذ القلب والروح وجبة الغذاء بعد اضطرابه في شئون الحياة وفتنها، التي هضمت غذاءه، كالجسم الذي يستهلك الغذاء بالطاقة التي يبذلها سواء بسواء. فسبحان العليم الخبير: {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)} [الفرقان:6].

- كمال الأدب مع الله: لا يستقيم لأحد الأدب مع الله إلا بستة أشياء: معرفة الله بأسمائه وصفاته .. ومعرفته بنعمه وآلائه .. ومعرفته بدينه وشرعه .. ومعرفته بما يحب وما يكره .. ومعرفته بما يستحق من التعظيم والحمد .. ونفسٍ لينة متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً وحالاً. - أوقات عرض الأعمال على الله عز وجل: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2565). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (555) , ومسلم برقم (632)، واللفظ له.

1 - حكم الصلوات الخمس

1 - حكم الصلوات الخمس تجب الصلوات الخمس في اليوم والليلة على كل مسلم مكلف، حضراً وسفراً، ذكراً كان أو أنثى، إلا حائضاً ونفساء حتى تطهرا. والصغير يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين، ويُضرب عليها إذا تركها إذا بلغ عشر سنين. والصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء:103]. 2 - وقال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة:238]. 3 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

أَوْلاَدَكُمْ بالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - علامات البلوغ: المسلم المكلف: هو البالغ العاقل. وعلامات البلوغ ست: 1 - منها ما هو مشترك بين الرجل والمرأة: وهو بلوغ خمس عشرة سنة، ونبات شعر العانة، وإنزال المني. 2 - ومنها ما هو خاص بالرجال فقط: وهو نبات شعر اللحية والشارب. 3 - ومنها ما هو خاص بالنساء فقط: وهو الحيض والحمل. - ما يُطلب من الصغار قبل البلوغ: يطلب من الصغار قبل البلوغ ما يلي: الصلاة، والصوم، ويفرق بينهم في المضاجع، فيؤمرون بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، ويُضربون عليها وهم أبناء عشر، ويدرَّبون على الطاعات ليعتادوها ويحبوها ويألفوها منذ الصغر، ويفرَّق بين الذكور والإناث عند النوم. - حكم من ترك الصلاة أو جحد وجوبها: من جحد وجوب الصلاة كفر .. ومن تركها متعمداً كفر .. ومن تركها بالكلية تهاوناً وكسلاً: إن كان جاهلاً يُعلَّم .. فإن أصر على تركها كفر. فمن كان عالماً بوجوبها وتركها من غير عذر فأمره إلى الحاكم .. فإن تاب وإلا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6756) , وأبو داود برقم (495)، واللفظ له.

قتل كافراً .. والجمعة كغيرها .. وليس شيء من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11]. 2 - وَعَنْ جَابِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (¬2). - الآثار المترتبة على جاحد الصلاة أو تاركها: 1 - في الحياة: لا يحل له الزواج بمسلمة .. وتسقط ولايته .. ويسقط حقه في الحضانة .. ولا يرث من مسلم .. ولا يرثه مسلم .. ويحرم ما ذكاه من حيوان .. ولا يحل له دخول مكة؛ لأنه كافر مرتد. 2 - إذا مات لا يُغسل .. ولا يكفن .. ولا يُصلى عليه .. ولا يدعى له .. ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم .. ولا يورث .. ويخلد في النار؛ لأنه كافر. 3 - من ترك الصلاة تركاً مطلقاً بالكلية، بحيث لا يصلي بالكلية، فهو كافر مرتد عن دين الإسلام. ومن يصلي أحياناً، ويتركها أحياناً، فليس بكافر .. لكنه فاسق ومرتكب إثماً عظيماً .. وجان على نفسه جناية كبيرة .. وعاص لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (82). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3017).

2 - فضائل الصلوات الخمس

2 - فضائل الصلوات الخمس 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلَى اللهِ؟ قال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً، وَذَلِكَ أنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». متفق عليه (¬4). 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْراً بِبَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟». قَالُوا: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (527) , واللفظ له، ومسلم برقم (85). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (647) , واللفظ له، ومسلم برقم (272). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) , واللفظ له، ومسلم برقم (650). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) , ومسلم برقم (669)، واللفظ له.

لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قال: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (528) , ومسلم برقم (667)، واللفظ له.

3 - أوقات الصلوات الخمس

3 - أوقات الصلوات الخمس - مواقيت العبادات: العبادات شرعها الله أربعة أقسام: الأول: عبادات لها ميقات زماني كالصلوات الخمسوعرفة والمزدلفة .. والطواف بالبيت .. والسعي بين الصفا والمروة. الثالث: عبادات لها ميقات زماني ومكاني كالحج له ميقات مكاني -كما سبق-وله ميقات زماني .. وهي أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. الرابع: عبادات ليس لها ميقات مكاني ولا زماني كالنوافل المطلقة، والأذكار المطلقة .. وصوم رمضان .. وحج بيت الله الحرام ونحو ذلك. الثاني: عبادات لها ميقات مكاني كمواقيت الإحرام بالحج .. ومناسك الحج في منى، وصوم التطوع المطلق، والصدقات، وتلاوة القرآن ونحو ذلك. - أوقات الصلوات المفروضة خمسة، وهي: 1 - وقت الظهر: ويبدأ من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله .. وتقديم الظهر أفضل .. إلا في شدة حر فيسن تأخيرها والإبراد بها، وهي أربع ركعات. 2 - وقت العصر: ويبدأ من صيرورة ظل كل شيء مثله إلى اصفرار الشمس، والضرورة من الإصفرار إلى غروب الشمس لأهل الأعذار، ويسن تعجيلها، وهي أربع ركعات. 3 - وقت المغرب: ويبدأ من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ويسن

تعجيلها، وهي ثلاث ركعات. 4 - وقت العشاء: ويبدأ من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، والضرورة من نصف الليل إلى ما قبل طلوع الفجر الثاني لأهل الأعذار، وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن تيسر، وهي أربع ركعات. 5 - وقت الفجر: ويبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى الإسفار، والضرورة من الإسفار إلى ما قبل طلوع الشمس لأهل الأعذار، وتعجيلها أفضل، وهي ركعتان. 1 - قال الله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الروم:17، 18]. 2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رَجُلا سَألَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ لَهُ: «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ». (يَعْنِي اليَوْمَيْنِ) فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بِلالاً فَأذَّنَ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ العَصْرَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أمَرَهُ فَأقَامَ الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، فَلَمَّا أنْ كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أمَرَهُ فَأبْرَدَ بِالظُّهْرِ، فَأبْرَدَ بِهَا، فَأنْعَمَ أنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، أخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى العِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الفَجْرَ فَأسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قال: «أيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟». فَقَالَ الرَّجُلُ: أنَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأيْتُمْ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (613).

- أول الوقت: فضيلة أول الوقت: أن يتهيأ الإنسان لفعل الصلاة بعد دخول الوقت، وينتظرها في المسجد حتى تقام. وليس المراد أن يوقع الصلاة بعد دخول الوقت مباشرة؛ لأن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يترك وقتاً بين الأذان والإقامة. - وقت صلاة الظهر في شدة الحر: إذا اشتد الحر فالسنة أن تؤخر صلاة الظهر إلى قرب العصر. عَنْ أبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأرَادَ المُؤَذِّنُ أنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أبْرِدْ». ثُمَّ أرَادَ أنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أبْرِدْ». حَتَّى رَأيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأبْرِدُوا بِالصَّلاةِ». متفق عليه (¬1). - أوقات الصلاة إذا خفيت الأوقات: من كان يقيم في بلاد لا تغيب الشمس عنها في الصيف إلا قليلاً .. ولا تطلع فيها الشمس في الشتاء إلا قليلاً .. أو في بلاد يستمر نهارها ستة أشهر .. وليلها ستة أشهر ونحو ذلك من البلاد التي تخفى فيها أوقات الصلوات الخمس: فهؤلاء عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة .. ويقدِّرون أوقاتها على أقرب بلد إليهم تتميز فيه أوقات الصلوات المفروضة بعضها عن بعض .. ويصلون ويصومون حسب أوقات ذلك البلد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (539) , واللفظ له، ومسلم برقم (616).

4 - شروط الصلاة

4 - شروط الصلاة - شروط الصلاة: الشروط التي لا تصح الصلاة إلا بها سبعة، وهي: 1 - الوضوء، بأن يكون المسلم طاهراً من الحدث الأصغر والأكبر. 2 - طهارة البدن، والثوب، ومكان الصلاة من النجاسات. 3 - دخول وقت الصلاة. 4 - اتخاذ الزينة بثياب ساترة للعورة والمنكبين. 5 - استقبال القبلة. 6 - النية، بأن ينوي بقلبه الصلاة لله قبل تكبيرة الإحرام، ولا يتلفظ بها بلسانه. 7 - الموافقة، بأن يصلي كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهيئة والعدد. - حكم النية: كل عمل يُبتغى به وجه الله لا بد له من نية، فالأعمال لا تقبل إلا بنية. والنية قسمان: 1 - نية العمل، بأن ينوي بقلبه الوضوء، أو الصلاة، أو الصوم ونحو ذلك. 2 - نية المعمول له، بأن ينوي بعمله وجه الله عز وجل، والتقرب إليه. عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

- حكم تغيير النية أثناء الصلاة: 1 - كل عمل لا بد له من نية، ويجوز للمصلي أن يغير نيته وهو في الصلاة من مأموم أو منفرد إلى إمام، أو من مأموم إلى منفرد، أو من نية فرض إلى نية نفل لا العكس. 2 - لا يجوز للمصلي تغيير النية من معين لمعين كتغيير نية العصر إلى الظهر، ولا يجوز أيضاً من مطلق لمعين كمن يصلي نافلة ثم ينوي بها الفجر، وتجوز من معين لمطلق كمن يصلي فريضة منفرداً، ثم يحولها إلى نافلة لحضور جماعة مثلاً. 3 - إذا قطع المصلي النية أثناء الصلاة انقطعت صلاته، ووجب عليه الابتداء من أولها. - صفة الصلاة المقبولة: كل عمل لا يكون مقبولاً عند الله إلا بأمرين: أن يكون خالصاً لله تعالى، وأن يكون مطابقاً لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن فُقد أحد الشرطين أو كلاهما فهو عمل مردود غير مقبول. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 2 - وَقَال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أصَلِّي». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَقَال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (631). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718).

- حكم استقبال القبلة: يتجه المصلي ببدنه إلى معظَّم بأمر الله وهو الكعبة، ويتجه بقلبه إلى الله، وأحكام استقبال القبلة كما يلي: 1 - يجب على من يصلي داخل المسجد الحرام أن يتوجه إلى ذات الكعبة. 2 - يجب على من يصلي بعيداً عن الكعبة في مكة أو خارجها أن يتوجه إلى جهتها. 3 - يجب على المسافر إذا أراد أن يصلي الفريضة أن يستقبل القبلة، وإن أراد أن يصلي نوافل على مركوبه من سيارة ونحوها صلى إلى القبلة إن تيسر، وإلا صلى إلى جهته التي يقصدها، سواء كانت إلى القبلة أو غيرها. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]. 2 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. متفق عليه (¬1). - حكم من صلى لغير القبلة: المصلي له أربع حالات: 1 - إن صلى في الحضر لغير القبلة جاهلاً أو ناسياً فهذا يعيد الصلاة. 2 - إن صلى في السفر لغير القبلة، وأمكنه السؤال فلم يسأل فهذا يعيد الصلاة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1000) , واللفظ له، ومسلم برقم (700).

3 - إن صلى بعد أن سأل ولم يهتد، أو لم يجد من يسأله فهذا لا يعيد الصلاة. 4 - إن صلى لغير القبلة متأولاً جازماً بصحة جهته في السفر أو الحضر فهذا لا يعيد مطلقاً. - كيف يصلي من لم يعرف القبلة: يجب على المسلم أن يصلي إلى جهة القبلة، فإن خفيت عليه، ولم يجد من يسأله عنها، اجتهد وصلى إلى ما غلب على ظنه أنه قبلة، ولا إعادة عليه لو تبين أنه صلى لغير القبلة. - صفة اللباس في الصلاة: يلبس المسلم من الملابس ما شاء كالثياب والإزار والرداء والسراويل ونحوها. وتلبس المرأة ما شاءت من الثياب الساترة. ولا يحرم من اللباس إلا ما كان محرماً لعينه كالحرير للرجال، أو فيه صور ذوات الأرواح فيحرم على الذكور والإناث، أو كان محرماً لوصفه كصلاة الرجل في ثوب المرأة، أو ثوب فيه إسبال، أو فيه تشبه بالكفار، أو كان محرماً لكسبه كالثوب المغصوب أو المسروق ونحو ذلك، أو كان نجساً كالمتلوث بالغائط أو البول حتى يطهر. - حسن التجمل في الصلاة: الله جميل يحب الجمال .. وأشرف أحوال الإنسان أن يقف بين يدي ربه للعبادة .. فينبغي له أن يتجمل لهذا الموقف العظيم بأحسن ما يملك. فيجمِّل ظاهره بأحسن اللباس كما قال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ

كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]. ويجمِّل باطنه بأحسن الصفات، وهي التقوى كما قال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. - حد عورة الرجل والمرأة: يجب على الرجل والمرأة ستر العورة في الصلاة وخارجها. وعورة الرجل من السرة إلى الركبة .. والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها وقدميها ... فإن كانت بحضرة رجال أجانب وجب عليها ستر جميع بدنها. - صفة صلاة العراة: المصلي إذا لم يجد اللباس، أو لم يقدر عليه يصلي حسب حاله. فالعراة يصلون قياماً إن كانوا في ظلمة، ولا يبصرهم أحد، ويتقدمهم إمامهم .. فإن كان حولهم أحد، أو في النهار، أو في نور، صلوا قعوداً، وإمامهم وسطهم .. وإن كانوا رجالاً ونساءاً صلى كل نوع على حدة. - حكم الصلاة في ثوب محرم: من صلى في ثوب محرم كالمغصوب أو المسروق، أو صلى رجل في ثوب حرير، أو صلى في ثوب امرأة ونحو ذلك، فالصلاة صحيحة، لكنه آثم. - أفضل أوقات الصلوات الخمس: 1 - يجب على المسلم أن يصلي كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتها، ولا تصح منه قبل الوقت، ويحرم عليه تأخيرها عن وقتها إلا لعذر.

2 - السنة أن يصلي كل صلاة في أول وقتها؛ لأنه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي واظب عليه، ويجوز تأخيرها إلى آخر الوقت. 3 - والسنة في صلاة العشاء أن يصليها في ثلث الليل إن لم يشق على الناس، فإن كان فيه مشقة صلاها في أول وقتها. 4 - والسنة في صلاة الفجر أن يصليها في أول وقتها بغلس، وينصرف منها بغلس، وأحياناً ينصرف حين يسفر. 5 - والسنة في صلاة الظهر أن يصليها في أول وقتها، وفي شدة الحر يؤخرها إلى قرب صلاة العصر. - مكان الصلاة: 1 - الأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها إلا الحمام، والحش، والمكان النجس، ومأوى الإبل، والمقبرة، إلا صلاة الجنازة فتصح في المقبرة لمن لم يصل عليها. 2 - السنة أن يصلي المسلم على الأرض، أو الفُرُش، أو الحصير، أو الخُمْرة وهي حصير أو نسيج بمقدار الوجه، وكل ذلك صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصلاة على الأرض هي الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، والمداومة على أحدهما فقط خلاف الهدي. 3 - تشرع الصلاة في المسجد في أي مكان، وأفضله ما كان أخشع لقلبه، وأفضله في صلاة الجماعة الصف الأول عن يمين الإمام. 4 - يسن للرجل أن يصلي النوافل في بيته، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، وما تشرع له الجماعة كالتراويح ونحوها فيصليها جماعة في المسجد، والأَوْلى أن يصلي في المسجد الذي يليه ولا يتتبع المساجد.

5 - يسن للمرأة أن تصلي الفرائض والنوافل في بيتها، ولا تُمنع من الذهاب للمسجد إن أرادت الصلاة فيه، حسب المأذون به شرعاً. - حكم الصلاة بغير طهارة: لا تصح الصلاة إلا بالطهارة التامة من الحدث الأصغر والأكبر. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُقْبَلُ صَلاةُ مَنْ أحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأ». قال رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قال: فُسَاءٌ أوْ ضُرَاطٌ. متفق عليه (¬1). - حكم من اشتبه عليه الوقت: من اشتبه عليه وقت الصلاة أو الصيام كالأسير، والنائي عن الأمصار، فلا يخلو من ثلاث حالات: 1 - أن يوافق الوقت، فصومه صحيح، وصلاته صحيحة. 2 - أن يوافق ما بعد الوقت، فصومه صحيح، وصلاته صحيحة؛ لأن ما بعد الوقت وقت للقضاء. 3 - أن يوافق ما قبل الوقت، فصومه غير صحيح، وصلاته غير صحيحة؛ لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها، وتنقلب نفلاً، ويعيد فرضه من صوم أو صلاة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (135) , واللفظ له، ومسلم برقم (225).

5 - أركان الصلاة

5 - أركان الصلاة - أركان الصلاة: أركان الصلاة التي لا تصح صلاة الفريضة إلا بها أربعة عشر ركناً، وهي: 1 - القيام مع القدرة. 2 - تكبيرة الإحرام. 3 - قراءة الفاتحة في كل ركعة إلا فيما يجهر فيه الإمام. 4 - الركوع. 5 - الاعتدال من الركوع. 6 - السجود على الأعضاء السبعة. 7 - الجلوس بين السجدتين. 8 - السجود الثاني. 9 - الجلوس للتشهد الأخير. 10 - التشهد الأخير. 11 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. 12 - الطمأنينة في الصلاة. 13 - الترتيب بين الأركان. 14 - التسليم. - أفضل أركان الصلاة: القيام في الصلاة أفضل بذكره وهو قراءة القرآن، والركوع والسجود أفضل الهيئات والأفعال .. فهيئة الركوع والسجود أفضل من هيئة القيام .. وذكر القيام أفضل من ذكر الركوع والسجود. وكثرة الركوع والسجود وطول القيام سواء. فالقيام فيه أفضل الأذكار وهو القرآن. والركوع والسجود فيه أفضل الأعمال، وهو كمال الخضوع للرب. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل هذا تارة .. ويفعل ذاك تارة.

إنْ أطال القيام أطال معه الركوع والسجود .. وإن اقتصد في القيام اقتصد في الركوع والسجود. فينبغي للمسلم أن يفعل هذا وهذا؛ إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ. متفق عليه (¬3). - وجوب تحسين الصلاة وإتمامها: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ يَوْماً، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «يَا فُلانُ! ألا تُحْسِنُ صَلاتَكَ؟ ألا يَنْظُرُ المُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لأبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أقِيمُوا الرُّكُوعَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (756). (¬2) أخرجه مسلم برقم (482). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (801) , ومسلم برقم (471)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (423).

وَالسُّجُودَ، فَوَاللهِ إنِّي لأرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قال مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي- إذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ». متفق عليه (¬1). - حكم من ترك أحد أركان الصلاة: 1 - إذا ترك المصلي ركناً من أركان الصلاة عمداً بطلت صلاته .. وإن ترك تكبيرة الإحرام جهلاً أو سهواً لم تنعقد صلاته أصلاً. 2 - الجاهل إذا ترك ركناً أو شرطاً إن كان في الوقت أعاد الصلاة، وإن خرج الوقت فلا إعادة عليه. 3 - ما تركه المصلي من أركان الصلاة جاهلاً أو ناسياً وهو في الصلاة، فإنه يعود إليه ويأتي به وبما بعده، ما لم يصل إلى مكانه من الركعة الثانية، فإن وصل قامت الركعة الثانية مقام التي تركه منها، وبطلت الركعة السابقة، كمن نسي الركوع ثم سجد، فيجب عليه أن يعود متى ذكر، إلا إذا وصل إلى الركوع من الثانية، فتقوم الركعة الثانية مكان التي ترك، ويلزمه سجود السهو بعد السلام. - حكم قراءة الفاتحة في الصلاة: 1 - قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة. وتجب قراءة الفاتحة على المصلي سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، وسواء كانت فرضاً أو نفلاً، وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ولا يستثنى من ذلك إلا المأموم فيما يجهر فيه الإمام من الركعات والصلوات، والمسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً ولم يتمكن من قراءة الفاتحة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (742) , واللفظ له، ومسلم برقم (425).

2 - قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد ركن من كل ركعة، وتبطل الركعة بتركها، أما المأموم فيقرؤها سراً في كل ركعة إلا فيما يجهر فيه الإمام من الركعات والصلوات فينصت لقراءة الإمام إذا قرأ. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف:204]. 2 - وَعَنْ الزّهرِيّ عَنْ ابْنِ أكيْمَة عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةٍ جَهَرَ فِيهَا بالقِرَاءَةِ فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفاً؟» فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ القُرْآنَ». قَالَ الزّهريّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - من لا يعرف الفاتحة كحديث عهد بالإسلام يقرأ في صلاته ما تيسر من القرآن، فإن كان لا يعرف شيئاً من القرآن قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ القُرْآنِ شَيْئاً فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ فَقَالَ: «قُلْ سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي؟ قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي» فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَهُ مِنَ الخَيْرِ». رواه أبو داود والنسائي (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (826) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (312). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (832) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (924).

6 - واجبات الصلاة

6 - واجبات الصلاة - واجبات الصلاة ثمانية، وهي: 1 - جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام فهي ركن. 2 - تعظيم الرب حال الركوع بما ورد. 3 - قول: (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد. 4 - قول: (ربنا ولك الحمد) للإمام والمأموم والمنفرد. 5 - الدعاء حال السجود بما ورد. 6 - الدعاء بين السجدتين بما ورد. 7 - الجلوس للتشهد الأول. 8 - قراءة التشهد الأول. - حكم من ترك واجباً من واجبات الصلاة: إذا ترك المصلي واجباً من هذه الواجبات عمداً بطلت صلاته. وإن تركه ناسياً وذكره بعد مفارقة محله، وقبل أن يصل إلى الركن الذي يليه، رجع فأتى به، ثم يكمل صلاته، ثم يسجد للسهو، ثم يسلم. وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط ولا يرجع إليه، لكن يسجد للسهو، ثم يسلم. - الفرق بين الركن والواجب: 1 - الركن إذا تركه المصلي سهواً فإنه لا يسقط، بل يأتي به وبما بعده، ثم يسجد

للسهو بعد السلام. 2 - الواجب إذا تركه المصلي سهواً فإنه لا يأتي به، وإنما يأتي بسجود السهو قبل السلام بدلاً عنه. - حكم من قام ناسياً للتشهد الأول: إذا قام الإمام أو المنفرد من الركعتين ناسياً للتشهد الأول، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، لكن عليه أن يسجد سجدتي السهو قبل السلام. وإذا قام ناسياً للتشهد الأخير رجع فوراً؛ لأنها ركعة زائدة، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام. - أقل ما يجزئ في الصلاة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ». ثَلاثاً، فَقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، فَمَا أحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قال: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (793) , واللفظ له، ومسلم برقم (397).

7 - سنن الصلاة

7 - سنن الصلاة - كل ما عدا الأركان والواجبات فهو سنة يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، وهي سنن أقوال وأفعال: فسنن الأقوال: كدعاء الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، وقول آمين، وقراءة سورة بعد الفاتحة. وسنن الأفعال: كرفع اليدين عند التكبير، وعند الركوع، وبعد الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول، ووضع اليمين على الشمال حال القيام، والافتراش، والتورك ونحو ذلك. - آداب دخول المسجد والخروج منه: 1 - يسن للمسلم أن يخرج إلى المسجد بسكينة ووقار، ولا يشبك بين أصابعه؛ لأنه في صلاة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلَّوْا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا، فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ». متفق عليه (¬1). 2 - ويسن للمسلم إذا أتى المسجد أن يقدم رجله اليمنى في الدخول قائلاً: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (908) , ومسلم برقم (602)، واللفظ له.

1 - «اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - «أَعُوذ باللهِالعَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (¬2). 3 - وإذا خرج قدّم رجله اليسرى قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل المشي إلى الصلاة في المسجد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». أخرجه مسلم (¬4). - ماذا يفعل المسلم إذا دخل المسجد: إذا دخل المسلم المسجد سلم على من فيه، ثم صلى ركعتين تحية المسجد، ويستحب له التبكير إلى المسجد، والاشتغال بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والنوافل، حتى تقام الصلاة، ويجتهد أن يكون في الصف الأول، عن يمين الإمام. - حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة: يسن للمصلي بعد تكبيرة الإحرام أن يدعو بدعاء الاستفتاح. وأدعية الاستفتاح ثلاثة أنواع: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (713). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466). (¬3) أخرجه مسلم برقم (713). (¬4) أخرجه مسلم برقم (666).

1 - الأول: ما كان ثناءً من العبد على ربه، وهو أعلاها كـ «سبحانك اللهم وبحمدك ... ». 2 - الثاني: ما كان خبراً من العبد عن عبادة الله كـ «وجهت وجهي ... ». 3 - الثالث: ما كان دعاء من العبد كـ «اللهم باعد .. ». والسنة أن يدعو بهذا النوع مرة، وبهذا مرة؛ إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة المتنوعة. - ما يقرأ المسلم في الصلاة: 1 - السنة أن يقرأ المصلي بعد الفاتحة سورة كاملة في كل ركعة من الأوليين في كل صلاة، وأن يقرأ السور على ترتيب المصحف. 2 - يجوز للمصلي أن يقسم السورة الواحدة على الركعتين، وأن يقرأ عدة سور في ركعة واحدة، وأن يكرر السورة الواحدة في ركعتين، وأن يقدم سورة على سورة .. لكن لا يكثر من ذلك، بل يفعله أحياناً. 3 - يجوز أن يقرأ المصلي في الفرض والنفل أوائل السور .. وأواسطها .. وأواخرها. - حكم الخشوع في الصلاة: الخشوع في الصلاة سنة مؤكدة، وقد أثنى الله عز وجل على الخاشعين في صلاتهم كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون:1،2]. ويحصل الخشوع في الصلاة بما يلي: 1 - حضور القلب.

2 - الفهم والإدراك لما يقرأ أو يسمع. 3 - التعظيم، ويتولد من معرفة أسماء الله وصفاته، ومعرفة جلاله وعظمته. 4 - التذلل لله، وينشأ من معرفة عظمة الله، ومعرفة حقارة النفس، ويتولد من هاتين المعرفتين الانكسار لله، والخشوع له. 5 - الهيبة، وهي أسمى من التعظيم، وتتولد من معرفة العبد بقدرة الله وعظمته، وتقصير العبد في حقه سبحانه. 6 - الرجاء، وهو أن يتوكل على الله وحده، ويرجو بصلاته ثواب الله. 7 - الحياء، ويتولد من أمرين: معرفته بعظمة الله ومعصيته له .. ومعرفته بنعم الله وتقصيره في شكرها. - أنواع البكاء: البكاء عشرة أنواع، هي: بكاء الرحمة والرقة، وبكاء الخوف والخشية، وبكاء المحبة والشوق، وبكاء الفرح والسرور، وبكاء الخور والضعف، وبكاء الجزع من ورود مؤلم، وبكاء الحزن ويكون على ما مضى، وبكاء الخوف ويكون على مَخُوف في المستقبل، وبكاء النفاق، وبكاء المستأجر، وبكاء الموافقة. - صفة البكاء المشروع: بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بشهيق ورفع صوت، بل كانت تدمع عيناه، ويُسمع لصدره أزيز كأزيز المِرْجَل من البكاء. وكان بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - تارة من خشية الله، وتارة خوفاً على أمته، وتارة شفقة عليها، وتارة رحمة للميت، وتارة عند سماع آيات الوعد والوعيد، وتارة عند ذكر الله

وآلائه ونعمه، وتارة عند سماع أخبار الأنبياء وأممهم ونحو ذلك. فصلوات الله وسلامه على أنبياء الله ورسله: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)} [الأنبياء:49]. - حكم التأمين داخل الصلاة وخارجها: يسن التأمين في موضعين: الأول: داخل الصلاة: بأن يقول الإمام والمأموم والمنفرد آمين بعد قراءة الفاتحة، يجهر بذلك الإمام والمأموم، ويؤمن المأموم مع الإمام لا قبله ولا بعده، ويسر المنفرد بالتأمين. ويشرع التأمين في دعاء القنوت في وتر، أو نازلة ونحوهما. الثاني: خارج الصلاة: ويكون بعد قراءة الفاتحة من قارئ ومستمع، وعلى الدعاء مطلقاً أو مقيداً كدعاء الخطيب في الجمعة، أو الاستسقاء ونحو ذلك. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). - مواضع رفع اليدين في الصلاة: ترفع اليدين مع التكبير في أربعة مواضع: 1 - عَنْ عَبْدَاللهِ بن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ، حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإذَا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». فَعَلَ مِثْلَهُ، وَقال: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ». وَلا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ. متفق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780) , واللفظ له، ومسلم برقم (410).

عليه (¬1). 2 - وَعَنْ نَافِعٍ أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ، كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬2). - حكم جلسة الاستراحة: جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة، وهي جلسة خفيفة، وليس فيها ذكر. وموضعها: قبل القيام من الركعة الأولى للثانية، ومن الثالثة للرابعة. والمرأة في ذلك كالرجل، والتكبير يكون حينما ينهض للركعة. عَنْ مَالِك بن الحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَإذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاتِهِ، لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِداً. أخرجه البخاري (¬3). - السنن العارضة في الصلاة: يسن في الصلاة حمد الله عند العطاس، وإذا تجددت له نعمة وهو في الصلاة رفع يديه وحمد الله، والبكاء من خشية الله. - من يُقدّم عند دخول المسجد: إذا كانوا جماعة وأرادوا الدخول إلى المسجد، أو المنزل، أو المجلس، فالسنة أن يقدَّم الأكبر فالأكبر، فيقال: كبِّر كبِّر، وقول بعض الناس: باليمين لا أصل له. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (738) , واللفظ له، ومسلم برقم (390). (¬2) أخرجه البخاري برقم (739). (¬3) أخرجه البخاري برقم (823).

- حكم السلام على من يصلي: يسن لمن مر بمن يصلي أن يسلم عليه، ويرد المصلي السلام عليه بالإشارة بأصبعه، أو يده، أو رأسه، لا بالكلام. عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَرْتُ برَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إِلَيَّ إِشَارَةً. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم الاستغفار بعد الفريضة: الاستغفار بعد كل صلاة مفروضة مشروع؛ لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن كثيراً من المصلين يقصر ويفرط في أداء الصلاة: إما بالمشروعات الظاهرة كالقراءة والأذكار، والركوع، والسجود ونحوها، وإما بالمشروعات الباطنة كالخشوع وحضور القلب، والإخلاص ونحوها، والاستغفار اعتذار يمحو أثر الخلل والتقصير والذنب: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء:110]. - حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة: 1 - الإسرار بالذكر والدعاء هو الأفضل مطلقاً إلا فيما ورد فيه مشروعية الجهر كأذكار أدبار الصلوات الخمس، والتلبية، أو لمصلحة كأن يُسمع جاهلاً ونحو ذلك فالأفضل الجهر. 2 - ويسن الذكر والدعاء على طهارة، ويجوز الذكر والدعاء بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء، وذلك كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (925) , والترمذي برقم (367)، واللفظ له.

على كل أحيانه. - حكم الدعاء بعد الصلاة: 1 - يسن للمصلي الجهر بالأذكار الواردة بعد السلام، وأما الدعاء بعد الفريضة أو النافلة فغير مشروع، ومن أراد أن يدعو الله فليدع الله في الفريضة والنافلة قبل السلام، وإن دعا بعد الصلاة أحياناً لعارض فلا بأس. 2 - كل ما ورد مقيداً (بدبر الصلاة) إن كان دعاءً فهو قبل السلام، وإن كان ذكراً فهو بعد السلام. - فضل القعود للذكر بعد صلاة الفجر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يجلسون يذكرون الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حَسَناً .. ثم يقومون ولا يصلون. وهذا لا ينفي أن الصلاة بعد ارتفاع الشمس مشهودة مشروعة. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى الفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَناً. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلاَة الغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً» أخرجه أبو داود (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (670). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3667).

- حكم الصلاة بالنعال: 1 - السنة إذا صلى المسلم على الأرض أن يصلي بنعليه أو خفيه إذا كانتا طاهرتين، ويصلي أحياناً حافياً. 2 - لم يُحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بنعليه على فراش، لذلك لا يشرع للمسلم أن يصلي بنعليه على الفراش، ولا على البلاط الذي ينظف؛ لما في ذلك من الأذى والقذر، وجلب الأوساخ التي بالنعال إلى المسجد. 3 - إذا نزع المسلم نعليه أو خفيه فلا يضعهما عن يمينه، وإنما يضعهما بين رجليه، أو عن يساره إن لم يكن فيه أحد. 4 - السنة عند لبس النعل أو الخف أن يبدأ باليمنى، وعند الخلع أن يبدأ باليسرى.

8 - ما يباح في الصلاة

8 - ما يباح في الصلاة - يباح للمصلي أثناء الصلاة ما يلي: التقدم والتأخر والمشي عند الحاجة .. الصعود على المنبر والنزول عند الحاجة .. حمل الصغير عند الحاجة .. قتل الأسودين وهما الحية والعقرب .. البصق في غير مسجد عن يساره عند الحاجة .. البصاق في ثوبه أو منديله عند الحاجة .. الالتفات والإشارة المفهمة عند الحاجة .. غمز رجل النائم عند ضيق المكان ونحوه .. الفتح على الإمام إذا أخطأ في القراءة .. السجود على ثياب المصلي أو عمامته لعذر كشدة حر ونحوه .. كف العمامة والمشلح ولف الإزار عند الحاجة. - حكم الاستئذان على المصلي: إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح، وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق. - حكم الصلاة بالدراهم في الجيب: دراهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم هي عملة فارس والروم، وفيها صور منحوتة، وما كان الصحابة يتورعون من الصلاة بها، فالتورع من عدم الصلاة بها غير مشروع، وكذا من إدخالها البيت، فتبقى على الأصل وهو عدم التورع عنها؛ لشدة الحرج والحاجة.

9 - ما يكره في الصلاة

9 - ما يكره في الصلاة - ما يكره في الصلاة: يكره للمصلي أثناء الصلاة ما يلي: التفات المصلي إلا لحاجة كخوف ونحوه. العبث بالثوب أو البدن أو التراب من غير حاجة .. تغطية وجهه .. اللثام على فمه وأنفه. ويكره نقر الصلاة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب. ويكره التخصر، وهو أن يضع يده على خاصرته، والسدل، وهو إرسال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه، وافتراش ذراعيه في السجود، وتشبيك الأصابع، وكف الشعر والثوب من غير حاجة. ويكره فعل ما ينافي الخشوع في الصلاة كالعبث باللحية، وفرقعة الأصابع، والعبث بالساعة، أو الغترة، أو العمامة ونحو ذلك. ويكره دخوله في الصلاة بما يشغله عن الخشوع كاحتباس البول، أو الغائط، أو الريح، أو حال الجوع، أو العطش، أو بحضرة طعام يشتهيه وهو قادر على تناوله، أو عنده أو أمامه أو معه ما يلهيه عن الخشوع في الصلاة. - حكم صلاة محتبس البول أو الغائط أو الريح: الأفضل للحاقن والحاقب ومحتبس الريح أن يحدث ثم يتوضأ، ليصلي مطمئناً، فإن عدم الماء أحدث وتيمم وصلى، وذلك أخشع له، فإن صلى

بحاله فصلاته صحيحة مع الكراهة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الصلاة بحضرة الطعام: 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أحَدِكُمْ، وَأقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤوا بِالعَشَاءِ، وَلا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا كَانَ أحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلا يَعْجَلْ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإنْ أقِيمَتِ الصَّلاةُ». متفق عليه (¬3). - حكم الصلاة في ثوب يشغل المصلي: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ أعْلامٍ، فَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قال: «اذْهَبُوا بِهَذِهِ الخَمِيصَةِ إِلَى أبِي جَهْمِ ابْنِ حُذَيْفَةَ، وَائْتُونِي بِأنْبِجَانِيِّهِ، فَإِنَّهَا ألْهَتْنِي آنِفاً فِي صَلاتِي». متفق عليه (¬4). - حكم الالتفات في الصلاة: الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (560). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (673) , واللفظ له، ومسلم برقم (559). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (674) , واللفظ له، ومسلم برقم (559). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (373) , ومسلم برقم (556)، واللفظ له.

والالتفات نوعان: التفات حسي بالبدن .. والتفات معنوي بالقلب. ولمعالجة المعنوي: يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. ولمعالجة الحسي: يتوجه مباشرة بكليته إلى القبلة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الالتِفَاتِ فِي الصَّلاةِ؟ فَقال: «هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ العَبْدِ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (751).

10 - ما يحرم في الصلاة

10 - ما يحرم في الصلاة - ما يحرم في الصلاة: يحرم في أثناء الصلاة ما يلي: الأكل والشرب عمداً .. الكلام والضحك عمداً .. كشف العورة عمداً .. الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة .. زيادة ركعة أو سجدة أو ركن أو واجب عمداً .. سلام المأموم عمداً قبل إمامه .. قراءة القرآن في الركوع والسجود ونحو ذلك. - مبطلات الصلاة: تبطل الصلاة بما يلي: 1 - إذا ترك ركناً أو شرطاً عمداً أو سهواً. 2 - إذا ترك واجباً عمداً. 3 - الكلام والضحك عمداً. 4 - الأكل والشرب عمداً. 5 - الحركة الكثيرة لغير ضرورة. 6 - زيادة شيء في الصلاة كركعة أو سجدة عمداً. 7 - قطع نية الصلاة. 8 - حصول ما يبطل الطهارة. 9 - الانحراف عن القبلة.

10 - تعمد كشف العورة. 11 - مرور المرأة أو الحمار أو الكلب الأسود بين يدي المصلي. - حكم تأخير الصلاة عن وقتها: يحرم على الإنسان تأخير الصلاة عن وقتها إلا لناوي الجمع، أو في شدة خوف، أو في شدة مرض ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [الماعون:4،5]. 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلاةِ العَصْرِ، مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً». ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ العِشَاءَيْنِ، بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. متفق عليه (¬1). - حكم التفل تجاه القبلة: لا يجوز للإنسان التفل تجاه القبلة في الصلاة وخارجها. ومن تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه، والبزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى بُصَاقاً فِي جِدَارِ القِبْلَةِ، فَحَكَّهُ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «إذَا كَانَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2931) , ومسلم برقم (627)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (406) , واللفظ له، ومسلم برقم (547).

11 - صفة الصلاة

11 - صفة الصلاة - فرض الله سبحانه على كل مسلم ومسلمة خمس صلوات في اليوم والليلة، وهي: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. - ماذا يفعل من أراد الصلاة: يتوضأ من أراد الصلاة، ثم يقف مستقبلاً القبلة، ويصلي إلى سترة، ويجعل بينه وبين السترة قدر ثلاثة أذرع، وبين موضع سجوده والسترة قدر ممر شاة، ولا يدع شيئاً يمر بينه ويبن السترة، ومن مر بين المصلي وسترته فهو آثم. عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه». متفق عليه (¬1). - صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من التكبير إلى التسليم: ينوي من أراد الصلاة بقلبه فعل الصلاة، ويقف مستقبلاً القبلة، ثم يكبر تكبيرة الإحرام قائلاً (الله أكبر). ويرفع يديه تارة مع التكبير، وتارة بعد التكبير، وتارة قبله، ويرفعهما ممدودتي الأصابع، بطونهما إلى القبلة .. يرفعهما إلى حذو منكبيه، وأحياناً يحاذي بهما فروع أذنيه. يفعل هذا مرة .. وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ويجعلهما على ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510) , واللفظ له، ومسلم برقم (507).

صدره، وأحياناً يقبض باليمنى على اليسرى ويجعلهما على صدره، وأحياناً يضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى بلا قبض، وينظر بخشوع إلى موضع سجوده. وكلٌّ سنة .. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة. قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم (¬1). - ثم يستفتح صلاته بما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها: 1 - أن يقول: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ». متفق عليه (¬2). 2 - أو يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 3 - أو يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (228). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (744) , واللفظ له، ومسلم برقم (598). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (775) , والترمذي برقم (243). (¬4) أخرجه مسلم برقم (770).

4 - أو يقول: «اللهُ أكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً». أخرجه مسلم (¬1). 5 - أو يقول: «الحَمْدُ للهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). 6 - أو يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». متفق عليه (¬3). 7 - أو يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أنْتَ المَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أنْتَ، أنْتَ رَبِّي وَأنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعاً، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ، وَاهْدِنِي لأحْسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهْدِي لأحْسَنِهَا إِلا أنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (601). (¬2) أخرجه مسلم برقم (600). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1120) , واللفظ له، ومسلم برقم (769).

أسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إِلَيْكَ». أخرجه مسلم (¬1). يقول هذا مرة .. وهذا مرة .. إحياءً للسنة .. وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. - ثم يقول سراً: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). أو يقول: «أَعُوذ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - ثم يقول سراً: «بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». متفق عليه (¬3). - ثم يقرأ الفاتحة: ويقطعها آية آية .. فيقف على رأس كل آية، ولا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. وتجب قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد في جميع الصلوات والركعات السرية والجهرية .. ويجب على المأموم قراءة الفاتحة سراً في جميع الصلوات والركعات إلا فيما يجهر فيه الإمام من الصلوات والركعات فينصت لقراءة الإمام، وقراءة الإمام له قراءة. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (771). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (775) , والترمذي برقم (242)، انظر إرواء الغليل رقم (342). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (743) , ومسلم برقم (399). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (756) , واللفظ له، ومسلم برقم (394).

- فإذا انتهى من قراءة الفاتحة: قال الإمام والمأموم والمنفرد (آمين). يمد بها صوته .. ويجهر بها الإمام والمأموم معاً في الصلوات الجهرية. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وَقال ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «آمِينَ». متفق عليه (¬1). - ثم يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن: فيقرأ سورة، أو بعض ما تيسر من القرآن .. في كل من الركعتين الأوليين .. يطيل أحياناً، ويقصر أحياناً لعارض سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء صبي. يقرأ سورة كاملة في أغلب أحواله، وتارة يقسمها في ركعتين، وتارة يعيدها كلها في الركعة الثانية، وأحياناً يجمع في الركعة الواحدة سورتين أو أكثر. يرتل القرآن ترتيلاً، ويحسن صوته به، ويقف على رأس كل آية. يجهر الإمام بالقراءة في صلاة الفجر، وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء. ويسر بالقراءة في صلاة الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والأخريين من العشاء .. إماماً أو مأموماً أو منفرداً. - ومن السنة أن يقرأ في الصلوات الخمس ما يلي: 1 - صلاة الفجر: يقرأ فيها بعد الفاتحة في الركعة الأولى بطوال المفصل كالذاريات، والطور ونحوهما من السور. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780) , واللفظ له، ومسلم برقم (410).

وأحياناً يقرأ بأوساط المفصل كالنازعات والفجر ونحوهما، وأحياناً يقرأ بأطول من ذلك .. يطوِّل في الركعة الأولى، ويقصر في الثانية. وأحياناً يقرأ بقصار المفصل كالضحى والزلزلة ونحوهما. ويسن أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، في الركعة الأولى سورة السجدة، وفي الركعة الثانية سورة الإنسان. 2 - صلاة الظهر: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة سورة في كل ركعة .. يطوِّل في الأولى ما لا يطول في الثانية، أحياناً يطيل القراءة، وأحياناً يقرأ من قصار السور، ويسمعهم الآية أحياناً، يقرأ في كل ركعة منهما قدر ثلاثين آية، ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب. 3 - صلاة العصر: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة سورة في كل ركعة .. يطوِّل في الأولى ما لا يطول في الثانية، ويُسمعهم الآية أحياناً. يقرأ في كل ركعة منهما قدر خمس عشرة آية. ويقتصر في الركعتين الأخيرتين من العصر على فاتحة الكتاب. 4 - صلاة المغرب: يقرأ فيها أحياناً بعد الفاتحة بقصار المفصل، وأحياناً بأوساط المفصل، وأحياناً بطوال المفصل، وأحياناً يقرأ في الركعتين بـ (الأعراف)، وتارة في الركعتين بـ (الأنفال). ويقتصر في الثالثة على الفاتحة. 5 - صلاة العشاء: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة من وسط المفصل، ويقتصر في الأخيرتين على الفاتحة. والمفصل: من (ق إلى آخر القرآن)، وهو أربعة أجزاء وشيء.

وطوال المفصل: من (ق إلى عم)، وأوساط المفصل من (عم إلى الضحى)، وقصار المفصل: من (الضحى إلى الناس). - ثم إذا فرغ من القراءة: سكت سكتة لطيفة، ثم يرفع يديه حذو منكبيه، أو حذو أذنيه، ويقول: (الله أكبر) ويركع واضعاً كفيه على ركبتيه .. كأنه قابض عليهما، ويفرج بين أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ويبسط ظهره، ويجعل رأسه حيال ظهره، ويطمئن في ركوعه، ويعظم فيه ربه، ويجعل ركوعه وقيامه بعد الركوع وسجوده وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء. - ثم يقول في ركوعه ما ورد من الأذكار والأدعية، ومنها: 1 - «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أو يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي». متفق عليه (¬2). 3 - أو يقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرُّوحِ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - أو يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي». أخرجه مسلم (¬4). 5 - أو يقول: «سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬5). يقوله في ركوعه وسجوده. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (794) , ومسلم برقم (484). (¬3) أخرجه مسلم برقم (487). (¬4) أخرجه مسلم برقم (771). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (873) , والنسائي برقم (1049).

يقول هذا مرة .. وهذا مرة .. إحياءً للسنة .. وعملاً بها بوجوهها المشروعة. - ثم يرفع رأسه من الركوع حتى يعتدل قائماً. ويقيم صلبه حتى يعود كل فقار مكانه .. ويرفع يديه إلى حذو منكبيه .. أو حذو أذنيه كما سبق .. ثم يضع اليمنى على اليسرى على صدره كما سبق. ويقول إن كان إماماً أو منفرداً: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». متفق عليه (¬1). - فإذا اعتدل قائماً قال: إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً: 1 - «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ». متفق عليه (¬2). 2 - أو يقول: «رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ». أخرجه البخاري (¬3). 3 - أو يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ». متفق عليه (¬4). 4 - أو يقول: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ». أخرجه البخاري (¬5). يقول هذا مرة .. وهذا مرة .. إحياءً للسنة .. وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. وتارة يزيد على ذلك: «حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ». أخرجه البخاري (¬6). وتارة يزيد: «مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». أخرجه مسلم (¬7). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (732) , ومسلم برقم (411). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (732)، ومسلم برقم (411). (¬3) أخرجه البخاري برقم (789). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (796) , ومسلم برقم (409). (¬5) أخرجه البخاري برقم (795). (¬6) أخرجه البخاري برقم (799). (¬7) أخرجه مسلم برقم (478).

وتارة يزيد: «مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أحَقُّ مَا قال العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». أخرجه مسلم (¬1). يزيد هذا مرة، وهذا مرة؛ عملاً بالسنة، وإحياءً لها بوجوهها المشروعة. والسنة إطالة هذا القيام، والاطمئنان فيه. - ثم يكبر ويهوي للسجود قائلاً (الله أكبر): ويسجد على سبعة أعضاء: الكفان .. والركبتان .. والقدمان .. والجبهة والأنف. ويضع ركبتيه على الأرض .. ثم يديه .. ثم جبهته وأنفه. ويعتمد على كفيه .. ويبسطهما .. ويضم أصابعهما .. ويوجههما نحو القبلة .. ويجعلهما حذو منكبيه .. وأحياناً حذو أذنيه. ويمكِّن أنفه وجبهته من الأرض .. ويجافي عضديه عن جنبيه .. وبطنه عن فخذيه .. ويرفع مرفقيه وذراعيه عن الأرض. ويمكِّن ركبتيه وأطراف قدميه من الأرض .. ويجعل رؤوس أصابع رجليه نحو القبلة .. وينصب رجليه ويفرج بين قدميه .. وكذا بين فخذيه، ويرص عقبيه. ويطمئن في سجوده .. ويكثر من الدعاء .. ولا يقرأ القرآن في الركوع ولا في السجود. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (477).

- ثم يقول في سجوده ما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها: 1 - «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أو يقول: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي». متفق عليه (¬2). 3 - أو يقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ وَالرُّوحِ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - أو يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ». أخرجه مسلم (¬4). 5 - أو يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقِينَ». أخرجه مسلم (¬5). 6 - أو يقول: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لا إِلَهَ إِلا أنْتَ». أخرجه مسلم (¬6). 7 - أو يقول: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَعَظِّمْ لِي نُوراً». أخرجه مسلم (¬7). 8 - أو يقول: «اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». أخرجه مسلم (¬8). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (794) , ومسلم برقم (484). (¬3) أخرجه مسلم برقم (487). (¬4) أخرجه مسلم برقم (483). (¬5) أخرجه مسلم برقم (771). (¬6) أخرجه مسلم برقم (485). (¬7) أخرجه مسلم برقم (763). (¬8) أخرجه مسلم برقم (486).

يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة، ويطيل سجوده، ويطمئن فيه، ويكثر من الدعاء بما ورد. - ثم يرفع رأسه من السجود قائلاً: (الله أكبر). ثم يجلس مفترشاً رجله اليسرى .. ناصباً رجله اليمنى، وأصابعها إلى القبلة، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، أو على الركبة، واليسرى كذلك، ويبسط أصابع يديه على ركبتيه. ويسن أحياناً أن يقعي في هذا الجلوس، فينتصب على عقبيه، وصدور قدميه. ويطمئن في هذا الجلوس حتى يستوي قاعداً، ويرجع كل عظم إلى موضعه، ويطيل هذا الجلوس حتى يكون قريباً من سجدته. - ثم يقول في هذه الجلسة ما يلي: «رَب اغْفِرْ لِي رَب اغْفِرْ لِي». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). يكرره مدة جلوسه. - ثم يكبر ويسجد السجدة الثانية قائلاً: (الله أكبر). ويصنع في هذه السجدة مثل ما صنع في الأولى كما سبق. - ثم يرفع حتى يستوي قاعداً على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. وهذا الجلوس يسمى جلسة الاستراحة، ولا ذكر فيها ولا دعاء، ثم ينهض مكبراً معتمداً بيديه على الأرض إلى الركعة الثانية. ويصنع في هذه الركعة مثل ما صنع في الأولى، إلا أنه يجعلها أقصر من ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (874) , وأخرجه النسائي برقم (1145).

الأولى ولا يستفتح. - ثم يجلس للتشهد الأول. ومكانه بعد الفراغ من الركعة الثانية من صلاة المغرب والعشاء والظهر والعصر. يجلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى .. كما يجلس بين السجدتين، ويفعل بيديه وأصابعه كما سبق في الجلسة بين السجدتين .. لكن هنا يقبض أصابع كفه اليمنى كلها، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة، ويرفعها، ويحركها يدعو بها، أو يرفعها بلا تحريك، ويرمي ببصره إليها حتى يسلم. وإذا أشار بأصبعه وضع إبهامه على أصبعه الوسطى، وتارة يحلق بهما حلقة، أما اليد اليسرى فيبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى كما سبق. - ثم يتشهد سراً بما ورد من الصيغ، ومنها: 1 - تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي علمه إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: «التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». متفق عليه (¬1). 2 - أو تشهد ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: «التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (831) , ومسلم برقم (402).

إِلا اللهُ وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ». أخرجه مسلم (¬1). يتشهد بهذا مرة، وبهذا مرة؛ حفظاً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. - ثم يصلي أحياناً سراً على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ورد، ويتخير من الدعاء أعجبه إليه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إِذا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَلْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَلْيَدْعُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد والنسائي (¬2). - ثم إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، فإنه ينهض إلى الركعة الثالثة قائلاً: (الله أكبر). يقوم معتمداً على يديه على الأرض، ويرفع يديه مع هذا التكبير إلى حذو منكبيه، أو إلى حذو أذنيه، ويضع يده اليمنى على اليسرى على صدره كما سبق. ثم يقرأ الفاتحة، ثم يركع ويسجد كما سبق، ثم يجلس بعد إتمام الركعة الثالثة من المغرب للتشهد الأخير متوركاً. - وإن كانت الصلاة رباعية: فإذا أراد القيام إلى الركعة الرابعة قال: (الله أكبر). ثم يستوي قاعداً لجلسة الاستراحة على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يقوم معتمداً على الأرض بيديه حتى يستوي قائماً، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (403). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4160) , وأخرجه النسائي برقم (1163).

ويقرأ في كلٍ من الركعة الثالثة من المغرب، والأخيرتين من الظهر والعصر والعشاء بفاتحة الكتاب. - ثم يجلس للتشهد الأخير، وذلك بعد الثالثة من المغرب، والرابعة من الظهر والعصر والعشاء متوركاً بإحدى الصفات التالية: الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى، ويفرش الرجل اليسرى، ويخرجها من تحت فخذه اليمنى وساقه، ويقعد مقعدته على الأرض. أخرجه البخاري (¬1). الثانية: أن يُفضي بوركه اليسرى إلى الأرض، ويخرج قدميه من ناحية واحدة. أخرجه أبو داود (¬2). الثالثة: أن يفرش اليمنى، ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى. أخرجه مسلم (¬3). يفعل هذا مرة، ويفعل هذا مرة؛ إحياءً للسنة، وحفظاً لها بوجوهها المتنوعة. - ثم يقرأ التشهد فيقول: «التحيات ... » كما سبق سراً. - ثم يصلي سراً على النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ورد من الصيغ، ومنها: 1 - «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬4). 2 - أو يقول: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (828). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (731). (¬3) أخرجه مسلم برقم (579). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) , واللفظ له، ومسلم برقم (406).

آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬1). يقول هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وحفظاً لها بوجوهها المشروعة. ثم يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (¬2). - ثم يتخير مما ورد من الأدعية في الصلاة أعجبه إليه فيدعو به سراً، ومنه: 1 - «اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ». أخرجه البخاري (¬3). 2 - «اللَّهُمَّ بعِلْمِكَ الغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْب وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَب، وَأَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيماً لاَ يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَى بَعْدَ القَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزِينَةِ الإيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ». أخرجه النسائي (¬4). 3 - «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6360) , ومسلم برقم (407)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (588). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2822). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1305). (¬5) صحيح/ أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (771) , وأبو داود برقم (1522).

4 - «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذنُوبي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 5 - «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّك أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». متفق عليه (¬2). يقول هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. - ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلا أنْتَ». أخرجه مسلم (¬3). - ثم يسلم جهراً عن يمينه قائلاً: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله» حتى يُرى بياض خده الأيمن .. وعن يساره «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله» حتى يُرى بياض خده الأيسر. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬4). وأحياناً إذا قال عن يمينه: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله» اقتصر على قوله عن يساره: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ» أخرجه النسائي (¬5). - وإن كانت الصلاة ثنائية فرضاً كانت أو نفلاً جلس للتشهد بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة: «جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى». ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (985) , واللفظ له، والنسائي برقم (1301). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834) , واللفظ له، ومسلم برقم (2704). (¬3) أخرجه مسلم برقم (771). (¬4) أخرجه مسلم برقم (582)، وأبو داود برقم (996)، وابن ماجه برقم (914). (¬5) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1321).

أخرجه البخاري (¬1). - ثم يفعل كما سبق يقرأ التشهد، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يتعوذ، ثم يدعو، ثم يسلم. والسنة أن يقارب بين الأركان في الطول والقِصَر. عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُجُودُهُ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، مَا خَلا القِيَامَ وَالقُعُودَ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ. متفق عليه (¬2). - وصفة الصلاة يستوي فيها الرجال والنساء. فتفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أصَلِّي». أخرجه البخاري (¬3). - صفة انصراف الإمام إلى المأمومين: ينصرف الإمام إلى المأمومين عن يمينه، وتارة عن شماله، وكل ذلك سنة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا سَلَّمَ، لَمْ يَقْعُدْ، إِلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ هُلْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ عَلَى جَانِبَيْهِ جَمِيعاً عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (828). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (792) , واللفظ له، ومسلم برقم (471). (¬3) أخرجه البخاري برقم (631). (¬4) أخرجه مسلم برقم (592). (¬5) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1041) , والترمذي برقم (301)، وهذا لفظه.

12 - أذكار أدبار الصلوات الخمس

12 - أذكار أدبار الصلوات الخمس - إذا سلم المصلي من صلاة الفريضة يسن له أن يقول ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأذكار بعد الصلاة، يجهر بها كل مصل بمفرده، وهي: - «أسْتَغْفِرُ اللهَ، أسْتَغْفِرُ اللهَ، أسْتَغْفِرُ اللهَ». أخرجه مسلم (¬1). - ثم يقول: «اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ». أخرجه مسلم (¬2). - «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». متفق عليه (¬3). - «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ». أخرجه مسلم (¬4). - ثم يقول ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ المِائَةِ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (591). (¬2) أخرجه مسلم برقم (592). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (844) , ومسلم برقم (593). (¬4) أخرجه مسلم برقم (594).

الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». أخرجه مسلم (¬1). - أو يقول: «سُبْحانَ اللهِ (25) مَرَّة، وَالحَمْدُ للهِ (25) مَرَّة، وَاللهُ أَكْبَرُ (25) مَرَّة، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ (25) مَرَّة». أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). - أو يقول ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ (أوْ فَاعِلُهُنَّ) دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً». أخرجه مسلم (¬3). - أو يقول ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ يُسَبحُ أَحَدُكُمْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْراً وَيَحْمَدُ عَشْراً وَيُكَبرُ عَشْراً فَهِيَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ فِي اللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي المِيزَانِ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬4). - والسنة أن يعقد التسبيح بأصابع يديه أو أناملهما. عَن يُسَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُنَّ بالتَّسْبيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ وَلاَ تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). - قراءة المعوذتين دبر كل صلاة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. أخرجه أبو داود والترمذي (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (597). (¬2) حسن صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3413) , والنسائي برقم (1351). (¬3) أخرجه مسلم برقم (596). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (481) , والنسائي برقم (1348)، وهذا لفظه. (¬5) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1501) , والترمذي برقم (3583)، وهذا لفظه. (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1523) , والترمذي برقم (2903).

- قراءة آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة:255]. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ». أخرجه النسائي في «الكبرى» والطبراني (¬1). - فضل القعود للذكر بعد الصبح والعصر: 1 - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نَعَمْ، كَثِيراً، كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى الفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَناً. أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً». أخرجه أبو داود (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي في الكبرى برقم (9928)، وأخرجه الطبراني في الكبير (8/ 114). (¬2) أخرجه مسلم برقم (670). (¬3) أخرجه مسلم برقم (670). (¬4) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3667) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2916).

13 - أقسام السجود

13 - أقسام السجود - جوابر الصلاة: للصلاة ثلاثة جوابر: 1 - الذكر والاستغفار بعد السلام. 2 - السنن الراتبة والنوافل. 3 - سجود السهو. - أقسام السجود المشروع: ينقسم السجود المشروع إلى أربعة أقسام: 1 - سجود السهو. 2 - سجود التلاوة. 3 - سجود الشكر. 4 - السجود في الصلاة كما سبق. 1 - سجود السهو - سجود السهو: هو سجدتان عند حدوث السهو في الفريضة أو النافلة، يؤتى بهما من جلوس، يسلم بعدهما ولا يتشهد، وتسن إطالتهما. - أسباب سجود السهو: أسباب سجود السهو في الصلاة ثلاثة: الزيادة .. أو النقص .. أو الشك.

- حكمة مشروعية سجود السهو: خلق الله الإنسان عرضة للغفلة والنسيان، والصلاة أعظم مقامات العبد بين يدي ربه، والشيطان حريص على إفساد هذه الصلاة التي يناجي فيها العبد ربه إما بزيادة، أو نقص، أو شك، أو وسوسة. وقد شرع الله عز وجل سجود السهو إرغاماً للشيطان، وجبراً للنقصان، وإرضاء للرحمن. - ما يقول في سجود السهو: يقال في سجود السهو ما يقال في سجود الصلاة من الذكر والدعاء. - حالات سجود السهو: السهو في الصلاة وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مقتضى الطبيعة البشرية، ويقع من كل إنسان في الفريضة والنافلة. وسجود السهود في الصلاة له أربع حالات: 1 - الأولى: إذا زاد المصلي فعلاً من جنس الصلاة سهواً كقيام، أو ركوع، أو سجود، كأن يركع مرتين، أو يقوم في محل القعود، أو يصلي الرباعية خمس ركعات ونحو ذلك. فيجب عليه هنا أن يسجد سجود السهو للزيادة بعد السلام، سواء ذكر ذلك قبل السلام أو بعده. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمْساً، فَقَالُوا: أزِيدَ فِي الصَّلاةِ؟ قال: «وَمَا ذَاكَ». قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْساً، فَثَنَى

رِجْلَيْهِ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. متفق عليه (¬1). 2 - الثانية: إذا نقص المصلي ركناً من أركان الصلاة. فإن ذكره قبل أن يصل إلى محله من الركعة التي بعده وجب عليه الرجوع ليأتي به وبما بعده، وإن ذكره بعد أن وصل إلى محله فإنه لا يرجع، وتبطل الركعة هذه، وإن ذكره بعد السلام أتى به وبما بعده فقط ويسجد للسهو بعد السلام، وإن سلم عن نقص كمن صلى ثلاثاً أو اثنتين من الرباعية ثم سلم، ثم نُبِّه، فإنه يقوم بدون تكبير بنية الصلاة، ثم يأتي بالركعة الناقصة، ثم يتشهد ويسلم، ثم يسجد للسهو. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. متفق عليه (¬2). 3 - الثالثة: إذا نقص المصلي واجباً من واجبات الصلاة. مثل أن ينسى التشهد الأول فيقوم، فحينئذٍ يسقط عنه التشهد، ويجب عليه سجود السهو قبل السلام. عَنْ عَبْدِاللهِ بن بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (404) , واللفظ له، ومسلم برقم (572). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (715) , واللفظ له، ومسلم برقم (573). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (829) , واللفظ له، ومسلم برقم (570).

4 - الرابعة: إذا شك المصلي في عدد الركعات. هل صلى ثلاثاً ... أم صلى أربعاً .. فيأخذ بالأقل، ويتم ما نقص، ويسجد للسهو قبل السلام. فإن غلب على ظنه الإتمام عمل به، وسجد للسهو بعد السلام. عَنْ عَلْقَمَةَ قالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لا أدْرِي - زَادَ أوْ نَقَصَ -، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ؟ قال: «وَمَا ذَاكَ». قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قال: «إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإذَا شَكَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ». متفق عليه (¬1). - مواضع سجود السهو بعد السلام ثلاثة: 1 - إذا خرج من الصلاة قبل إتمامها، وإذا زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم، وإذا شك في صلاته أتم ثم سلم ثم سجد للسهو. 2 - إذا سلم سهواً قبل تمام الصلاة وذكر قريباً أتمها وسلم، ثم سجد للسهو، وإن نسي سجود السهو ثم سلم وفعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره سجد للسهو ثم سلم. 3 - إن لزمه سجودان قبل السلام وبعد السلام سجد لهما قبل السلام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (401) , واللفظ له، ومسلم برقم (572).

2 - سجود التلاوة

- متى يسجد المسبوق للسهو: المأموم يسجد للسهو تبعاً لإمامه. فإن كان المأموم مسبوقاً، وسجد الإمام بعد السلام، فلا يسلم معه؛ لأنه لو سلم لبطلت صلاته، ولكن إن كان سهو الإمام فيما أدرك معه من الصلاة وجب عليه أن يسجد بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا سجود عليه للسهو. 2 - سجود التلاوة - سجود التلاوة سجدة واحدة في الصلاة وخارجها. - حكم سجود التلاوة: 1 - سجود التلاوة سنة في الصلاة وخارجها، ويسن للقارئ والمستمع، فإن كان في الصلاة كبر إذا سجد وإذا رفع، وإن كان خارج الصلاة سجد بلا قيام ولا تكبير، ولا تشهد ولا تسليم. 2 - يسن سجود التلاوة على طهارة، ويجوز للمحدث والحائض والنفساء السجود للتلاوة لمن مرّ بآية سجدة، أو استمع إليها. 3 - إذا سجد الإمام في الصلاة للتلاوة لزم المأموم متابعته، سواء كان السجود في صلاة جهرية أو سرية، ويقول في سجود التلاوة ما يقال في سجود الصلاة من الدعاء. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعاً لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1075) , ومسلم برقم (575)، واللفظ له.

- فضل سجود التلاوة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا قَرَأ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ، (وَفِي رِوَايَةِ أبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي)، أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ». أخرجه مسلم (¬1). - عدد السجدات في القرآن: في القرآن خمس عشرة سجدة، وهي: في سورة الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج سجدتان، والفرقان، والنمل، والسجدة، وص، وفصلت، والنجم، والانشقاق، والعلق. - آيات السجود في القرآن نوعان: 1 - إما خبر من الله عن سجود مخلوقاته العظيمة له عموماً وخصوصاً، فيسن للتالي والمستمع أن يتشبه بهم. 2 - وإما آيات تأمر الإنسان بالسجود لله سبحانه، فيبادر لطاعة أمر ربه عز وجل. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (81).

3 - سجود الشكر

3 - سجود الشكر سجود الشكر سجدة واحدة بلا تكبير ولا تسليم. ومحل سجود الشكر خارج الصلاة، ويسجد حسب حاله قائماً، أو قاعداً، طاهراً أو محدثاً، والطهارة أفضل. - متى يشرع سجود الشكر: 1 - يسن سجود الشكر عند تجدد النعم كمن بُشِّر بهداية أحد، أو إسلامه، أو بنصر المسلمين، أو بُشِّر بمولود ونحو ذلك. 2 - ويسن سجود الشكر عند اندفاع النقم كمن نجا من غرق، أو حرق، أو قتل، أو مهلكة، أو لصوص ونحو ذلك. عَنْ أَبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بهِ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2774) , وابن ماجه برقم (1394)، واللفظ له.

14 - أحكام المصلين

14 - أحكام المصلين - أحكام الإمام .. أحكام المأموم .. أحكام المنفرد. - صفة وضع اليدين حال القيام في الصلاة: أحوال وضع اليدين حال القيام في الصلاة ثلاث: 1 - أن يقبض بيده اليمنى يده اليسرى من عند الكوع. 2 - أن يضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى بلا قبض. 3 - أن يضع كف اليد اليمنى على كف اليسرى والرسغ والساعد بلا قبض. يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وكلٌّ سنة. - مواضع السكوت في الصلاة: المصلي له سكتتان في الصلاة: الأولى: بعد تكبيرة الإحرام من أجل دعاء الاستفتاح. الثانية: بعد الفراغ من القراءة كلها قبل الركوع بقدر ما يتراد إليه نفسه. - أين يصلي المسلم؟: يجب أن يصلي المسلم الصلوات الخمس في المسجد، ويسن أن يصلي النوافل في البيت، ما عدا ما تشرع له الجماعة كالتراويح، والكسوف ونحوهما فيصليها جماعة في المسجد. وتجوز الصلاة في أي مكان طاهر من الأرض إلا المقبرة والحمام. وتجوز الصلاة في البِيَع والكنائس إن لم يكن فيها صور ذي روح.

عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (¬1). - ما يفعله من يريد أن يصلي: السنة أن يتوضأ المسلم إذا أراد الصلاة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب، وعليه أن يجتنب الروائح التي تؤذي المصلين كالثوم، والبصل النيّئ ونحوهما كالدخان. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ البَصَلَ وَالثُّومَ وَالكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ». متفق عليه (¬2). - حكم تحية المسجد: يجب على من دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس. عَنْ أبِي قَتَادَةَ السّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ». متفق عليه (¬3). - حكم اتخاذ السترة: يسن للإمام والمنفرد أن يصلي إلى سترة قائمة كجدار، أو عامود، أو صخرة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) , واللفظ له، ومسلم برقم (521). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (854) , ومسلم برقم (564)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (444) , واللفظ له، ومسلم برقم (714).

أو عصىً، أو حربة ونحو ذلك، رجلاً كان أو امرأة، في الحضر والسفر، وفي الفريضة والنافلة، أما المأموم فالإمام سترة له، وسترة الإمام سترة لمن خلفه. والسنة أن يجعل المصلي بينه وبين السترة قدر ممر شاة، ويدنو من السترة؛ لئلا يمر الشيطان بينه وبينها. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ، أمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. متفق عليه (¬1). - ما يُمنع من المرور بين يدي المصلي: يَمنع المصلي المار بينه وبين السترة، سواء كان إنساناً، أو حيواناً، صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة. - حكم المرور بين يدي المصلي: 1 - يحرم المرور بين المصلي وسترته، وعلى المصلي رد المار في مكة وغيرها، فإن غلبه فالإثم على المارّ، وصلاته لا تنقص إن شاء الله. 1 - عن أَبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه». قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأرَادَ أحَدٌ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (494) , واللفظ له، ومسلم برقم (501). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510) , واللفظ له، ومسلم برقم (507).

فَلْيَدْفَعْهُ، فَإنْ أبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». متفق عليه (¬1). 2 - صلاة الإمام والمنفرد تبطل بمرور المرأة، والحمار، والكلب الأسود إن لم يكن سترة. فإن مر أحد هؤلاء أمام المأموم فلا تبطل صلاة الإمام ولا المأموم. عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ الحِمَارُ وَالمَرْأةُ وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ». أخرجه مسلم (¬2). - حالات المرور بين يدي المصلي أربع: الأولى: إذا صلى الإنسان لغير سترة، أو صلى لسترة ولم يدفع المار، فهنا يأثم المار والمصلي. الثانية: إذا مر المار بين يدي المصلي فدفعه المصلي، ولكنه أبى ومر، فهنا يأثم المار فقط. الثالثة: إذا مر أعمى فتساهل معه، وجعله يمر، فهنا يأثم المصلي دون المار. الرابعة: أن يصلي الإنسان ولا يعلم بمن مر بين يديه، ولا يعلم المار أنه مر، فهنا لا يأثم المصلي ولا المار. - فضل الصلاة في المسجد الحرام: مضاعفة الأجر في المسجد الحرام خاص بالصلوات فقط، الفرائض ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (509) , واللفظ له، ومسلم برقم (505). (¬2) أخرجه مسلم برقم (510).

والنوافل، والجنازة، وكل ما يسمى صلاة، والمضاعفة شاملة لكل صلاة في الحرم، ومسجد الكعبة أفضل؛ لفضل البقعة والجماعة، ولا تشمل المضاعفة الصدقة، ولا الزكاة، ولا الصيام، ولا غيرها. عَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). - فضل الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وأما بقية مساجد المدينة فكغيرها من المساجد كل صلاة بعشر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (¬2). - حكم الجهر بالقراءة في الصلاة: الصلوات بالنسبة للجهر والإسرار بالقراءة ثلاثة أنواع: 1 - صلوات تشرع فيها القراءة جهراً كلها كصلاة الفجر، والجمعة، والعيد، والتراويح، والاستسقاء، والكسوف. 2 - صلوات تشرع فيها القراءة سراً كلها كصلاة الظهر، والعصر، والنوافل. 3 - صلوات تشرع فيها القراءة سراً وجهراً: على النصف كصلاة العشاء، أو الثلث سراً والباقي جهراً كالمغرب. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وابن ماجه برقم (1406)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394).

- حكم وصل الصلاة بالصلاة: وصل الصلاة بالصلاة له ثلاث حالات: 1 - وصل الفريضة بالفريضة، والفاصل السلام والإقامة، فهذا مشروع فقط عند الجمع بينهما في الحضر أو السفر. 2 - وصل الفريضة بالنافلة بعد السلام بلا فاصل من ذكر أو خروج أو انتقال، فهذا منهي عنه. 3 - وصل النافلة بالنافلة، والفاصل السلام، فهذا مشروع كصلاة التراويح، والتهجد، والنوافل المطلقة. - حكم صلاة المسبل: الإسبال: هو إطالة اللباس أسفل من الكعبين. ويكون الإسبال في الثوب، والإزار، والسروال، والعباءة ونحو ذلك. وصلاة المسبل صحيحة مع الإثم. والإسبال له ثلاث حالات: إن كان خيلاء فلا ينظر الله إليه .. أن لا يكون خيلاء فهذا في النار .. أن يتعاهد إزاره، وإذا نزل بغير قصد فلا إثم عليه. 1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ مِرَاراً قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلْفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (106).

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». فَقال أبُو بَكْرٍ: إِنَّ أحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إِلا أنْ أتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ؟ فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاءَ». متفق عليه (¬2). - حكم تكليم من يصلي: المصلي يناجي ربه، فلا يجوز تكليمه إلا لحاجة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الكَعْبَةِ. متفق عليه (¬3). - حكم من غلب عليه الوسواس: يجب على المصلي أن يُحضر فكره وعقله في صلاته، ومن غلب عليه الوسواس في صلاته فلا إعادة عليه، وتبرأ ذمته بها، لكن لا أجر له إلا بقدر حضور قلبه، ولهذا شُرعت السنن الرواتب جبراً لما يحصل من النقص في الفرائض. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5787). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3665) , واللفظ له، ومسلم برقم (2085). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (403) , واللفظ له، ومسلم برقم (526).

- حكم السجود على حائل: السجود على حائل له ثلاث صفات: 1 - أن يسجد المصلي على منفصل كالفراش والخمرة، فهذا مباح. 2 - أن يسجد على متصل كالرداء والغترة، فهذا مكروه إلا عند الحاجة فيجوز. 3 - أن يسجد على أحد أعضائه كالكفين فلا يصح سجوده. - حكم الاستلقاء في المسجد: عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ عَمِّهِ، أنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَلْقِياً فِي المَسْجِدِ، وَاضِعاً إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. متفق عليه (¬1). - حكم النوم في المسجد: النوم في المسجد أحياناً للمحتاج كالغريب والفقير الذي لا سكن له جائز، وأما اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً فهو منهي عنه، إلا لمعتكف ومستريح ونحوهما. عَنْ عَبْداللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ كَانَ يَنَامُ، وَهُوَ شَابٌّ أعْزَبُ لا أهْلَ لَهُ، فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). - حكم اتخاذ القبور مساجد: يحرم اتخاذ القبور مساجد، ولا تصح الصلاة إليها ولا عندها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (475) , واللفظ له، ومسلم برقم (2100). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (440) , واللفظ له، ومسلم برقم (2479).

فَلَوْلا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬1). - حكم حجز مكان في المسجد: السنة أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد والصف الأول، فإذا قَدَّم المفروش من سجادة ونحوها وتأخر هو فقد خالف الشريعة من جهتين: من جهة تأخره، وهو مأمور بالتقدم، ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد، ومنعه غيره من السابقين أن يصلوا فيه، ومن فرش في المسجد وتأخر من غير عذر، فلمن سبق إليه أن يرفع ذلك ويصلي في مكانه، ولا إثم عليه. - حكم من خرج من المسجد لضرورة ثم عاد: مَنْ خرج من المسجد لضرورة من وضوء، وقضاء حاجة ونحوهما فله أن يضع في مكانه عصاً أو سجادة ونحوهما حتى يرجع، وإذا رجع فهو أحق بمكانه، وله أن يقيم من قعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقّ بِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم الخروج من المسجد بعد الأذان: عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُوداً فِي المَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ المَسْجِدِ يَمْشِي، فَأتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , واللفظ له، ومسلم برقم (529)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2179). (¬3) أخرجه مسلم برقم (655).

- حكم إنشاد الضالة في المسجد: لا يجوز إنشاد الضوال في المساجد؛ لأن المساجد لم تبن لهذا. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». أخرجه مسلم (¬1). - حكم إقامة الإنسان من مكانه والجلوس فيه: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُقِيمُ الرّجُلُ الرّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلََكِنْ تَفَسّحُوا وَتَوَسّعُوا». أخرجه مسلم (¬2). - كيف ينصرف من أحدث في الصلاة: إذا أحدث المصلي أثناء الصلاة، أو تذكر أنه على حدث، انصرف بقلبه وبدنه، ولا حاجة أن يسلم عن يمينه وعن شماله. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثمَّ لِيَنْصَرِفْ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). - حكم السَّمر بعد صلاة العشاء: السمر بعد صلاة العشاء مكروه، ويستثنى من ذلك: من كان في صلاة، أو سفر .. تعلم وتعليم الفقه والخير .. ومن كان مع الضيف والأهل .. ومن كان في حوائج المسلمين ومصالح الدين. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (568). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2177). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1114) واللفظ له, وابن ماجه برقم (1222).

عَنْ أبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا. متفق عليه (¬1). - حكم من خرج فوجد الناس قد صلوا: من حبسه عذر، وخرج إلى المسجد يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فله مثل أجر من صلاها وحضرها. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئاً». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). - حكم الحدث في المسجد: يباح الحدث في المسجد ما لم يؤذ أحداً، والحدث إخراج الريح من الدبر. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أحَدِكُمْ، مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ». متفق عليه (¬3). - حكم رفع البصر إلى السماء في الصلاة: عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَالُ أقْوَامٍ، يَرْفَعُونَ أبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلاتِهِمْ». فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قال: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أوْ لَتُخْطَفَنَّ أبْصَارُهُمْ». أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (568) , واللفظ له، ومسلم برقم (461). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (564) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (855). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (445) , واللفظ له، ومسلم برقم (272) (649) كتاب المساجد. (¬4) أخرجه البخاري برقم (750).

- عدم قراءة القرآن في الركوع والسجود: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ، أوْ تُرَى لَهُ، ألا وَإِنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأ القُرْآنَ رَاكِعاً أوْ سَاجِداً، فَأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم جهر المصلين بالقراءة: المصلون بالنسبة للجهر في القراءة في الصلاة ثلاثة: 1 - الإمام: السنة أن يجهر في مواضع الجهر، ويسر في مواضع الإسرار. 2 - المأموم: لا يجهر بشيء في صلاته. 3 - المنفرد: يسر في السرية، وهو مخير في الجهرية بين الجهر والإسرار. والأفضل أن يفعل الأصلح لقلبه، بشرط أن لا يؤذي أحداً إذا جهر. ولا بأس للإمام أن يجهر في الصلاة السرية أحياناً بالآية ونحوها. ولا بأس للمأموم أن يجهر أحياناً بشيء من الذكر كدعاء الاستفتاح، وعند رفع الرأس من الركوع ونحو ذلك. ويستحب للمصلي أن يستعيذ سراً لكل قراءة في كل ركعة. - حكم من طرأ عليه أحد الأخبثين في الصلاة: إذا طرأ على المصلي أحد الأخبثين من بول أو غائط فله حالتان: 1 - أن يكون شديداً يشغله عن الخشوع في الصلاة، فيجب قطع الصلاة؛ لأن لب ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (479).

الصلاة الخشوع، وهو متعذر في هذه الحال، ولو أتمها فصلاته غير صحيحة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أن يكون يسيراً لا يشغله عن الخشوع، فهذا يتم صلاته. - وإليك أحكام الإمام .. والمأموم .. والمنفرد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (560).

1 - أحكام الإمام

1 - أحكام الإمام - فضل الإمامة: الإمامة فضلها عظيم، ولأهميتها تولاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، وخلفاؤه الراشدون ... -رضي الله عنهم- من بعده. والإمام عليه مسؤلية كبرى، وهو ضامن، وله أجر كبير إن أحسن، وله من الأجر مثل أجر من صلى معه. - الأحق بالإمامة: 1 - إذا أراد الجماعة اختيار إمام المسجد، أو كانت جماعة ليس لهم إمام راتب، أو حضرت الصلاة وتخلّف الإمام فالأحق بالإمامة: 1 - الأقرأ: وهو الأكثر حفظاً للقرآن، العالم فقه صلاته. 2 - ثم الأعلم بالسنة. 3 - ثم أقدمهم هجرة. 4 - ثم الأكبر سناً. 5 - ثم قرعة. 2 - إذا كان للمسجد إمام راتب فهو مقدَّم على غيره، ولو كان هناك من هو أفضل منه، وكذا مَنْ له الأمر، وصاحب البيت يُقدَّمون على غيرهم. عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ

سِلْماً، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - كل من صحت صلاته صحت إمامته -ولو كان عاجزاً عن القيام- إلا المرأة فلا تؤم الرجال، لكن تؤم مثلها من النساء. 4 - تصح إمامة الصبي المميز في الفرض والنفل، وإن وُجد أولى منه وجب تقديمه. - كيفية تسوية الصفوف: يجب على الإمام أن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف. والسنة أن يقبل الإمام على المأمومين بوجهه ويقول: 1 - «أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا». أخرجه البخاري (¬2). 2 - أو يقول: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلاةِ». متفق عليه (¬3). 3 - أو يقول: «اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ». أخرجه مسلم (¬4). 4 - أو يقول: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذوا بَيْنَ المَنَاكِب وَسُدُّوا الخَلَلَ وَلِينُوا بأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلاَ تَذرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬5). 5 - أو يقول: «اسْتَوُوا، اسْتَوُوا، اسْتَوُوا». أخرجه النسائي (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (673). (¬2) أخرجه البخاري برقم (719). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (723) , واللفظ له، ومسلم برقم (433). (¬4) أخرجه مسلم برقم (432). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (666) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (819). (¬6) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (813).

يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. - صفة إمامة المصلين: 1 - إذا أمّ الإمام رجلين فأكثر جعلهم خلفه، فإن كان واحداً جعله عن يمينه. 2 - إذا أمّ الإمام صبيين أو أكثر، وقد بلغا سبعاً، جعلهما خلفه، فإن كان واحداً جعله عن يمينه. 3 - إذا أمّ امرأة أو أكثر من محارمه جعلهن خلفه. 4 - إذا اجتمع رجال وصبيان ونساء فالسنة عند الصلاة أن يصلوا جماعة، ويكون الرجال والصبيان خلف الإمام، والنساء خلفهم. وإن سبق الصبيان إلى مكان فهم أحق به من غيرهم. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ أنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا، خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأمِّي أمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخَذَ بِيَدِي، أوْ بِعَضُدِي، حَتَّى أقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقال بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي. متفق عليه (¬2). - حكم إمامة الرجل للنساء: إمامة الرجل للنساء لها أربع حالات: 1 - أن تكون النساء خلف الرجال، فهذا هو السنة. 2 - أن تكون مع النساء أحد محارمه، أو يكون معه رجل آخر، فهذا جائز. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (727) , واللفظ له، ومسلم برقم (658). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (728) , واللفظ له، ومسلم برقم (763).

3 - أن يؤم امرأة أجنبية عنه، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه خلوة. 4 - أن يؤم نساءً أجانب عنه، ولا رجل معه، ولا أحد محارمه، فهذا مكروه؛ لما فيه من مخالطة الوسواس. - مقدار صلاة الإمام: السنة للإمام إذا صلى بالناس أن يخفف، وإذا صلى وحده طوَّل ما شاء. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإنَّ فِيهِم الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». متفق عليه (¬1). - حكم تخفيف الصلاة: السنة للإمام إذا صلى بالناس التخفيف مع الإتمام؛ لأنه قد يكون في المأمومين الضعيف والصغير، والسقيم والكبير، وذو الحاجة ونحوهم. والتخفيف المشروع نوعان: أحدهما: تخفيف لازم حسب السنة. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أخَفَّ صَلاةً، وَلا أتَمَّ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). الثاني: تخفيف عارض عند حدوث طارئ. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأدْخُلُ الصَّلاةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ». ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (703) , واللفظ له، ومسلم برقم (467). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (708) , ومسلم برقم (469)، واللفظ له.

متفق عليه (¬1). - صفة التخفيف المسنون: التخفيف المسنون في الصلاة هو الذي يصحبه إتمام الصلاة بأداء أركانها وواجباتها وسننها كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه، وأمر به، لا إلى شهوة المأمومين. فلا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، ولا يجوز الإسراع في الصلاة، ولا نقرها كنقر الغراب، ولا هذّ القرآن كهذِّ الشعر. - صفة إطالة الصلاة وتخفيفها: يسن للإمام والمنفرد إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا خففها خفف بقية الأركان. عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ. متفق عليه (¬2). - مواضع جهر الإمام في الصلاة: يجهر الإمام في الصلاة بما يلي: التكبير، والقراءة في الجهرية، والتأمين، والتسميع، والتسليم، ويجتنب التمطيط في ذلك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (709) , ومسلم برقم (470)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (801) , ومسلم برقم (471)، واللفظ له.

- حكم قنوت الإمام في الصلاة: يسن للإمام عند النوازل أن يقنت في الصلوات الخمس في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع، إذا قال سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، يرفع يديه، ويجهر بالدعاء، ويؤمِّن مَنْ خلفه، ثم يكبر ويسجد. - صفة دعاء القنوت: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت في الصلوات الخمس كلها، أو بعضها. فيشرع للإمام عند النوازل والمصائب العامة والخاصة أن يدعو للمؤمنين، ويخص من أصابه البلاء، وأن يدعو على الكفار والظالمين، ويخص من اشتد أذاه للمسلمين. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِيّ يُوسُفَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيباً قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنُّوا لِقَاءَ العَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1006) , واللفظ له، ومسلم برقم (675). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2966) , ومسلم برقم (1742).

3 - وَعَنْ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةٍ: «اللَّهُمَّ العَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم صلاة الإمام جالساً: إذا صلى الإمام قاعداً لعذر صلى من خلفه قعوداً. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا قال سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإذَا صَلَّى جَالِساً، فَصَلُّوا جُلُوساً أجْمَعُونَ». متفق عليه (¬2). - كيفية انصراف الإمام إلى المأمومين: السنة أن ينصرف الإمام إلى المأمومين بعد السلام، فإن صلى معه نساء لبث قليلاً لينصرفن. وينصرف إلى المأمومين تارة عن يمينه .. وتارة عن شماله .. وكل ذلك سنة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلالِ وَالإكْرَامِ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ هُلْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَبيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (679). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (722) , واللفظ له، ومسلم برقم (414). (¬3) أخرجه مسلم برقم (592).

عَلَى جَانِبَيْهِ جَمِيعاً عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم صلاة الإمام بالنجاسة: إذا صلى الإمام بالجماعة بنجاسة يجهلها وانقضت الصلاة، فصلاتهم جميعاً صحيحة، وإن علم بالنجاسة أثناء الصلاة: فإن أمكن إبعادها أو إزالتها فعل ذلك وأتم صلاته، وإن كان لا يمكنه انصرف واستخلف من يتم بالمأموين صلاتهم. - حكم الصلاة إذا صلى الإمام على غير طهارة: إذا صلى الإمام بالناس فلا يخلو من أربعة أمور: 1 - أن يدخل في الصلاة على طهارة، فصلاته ومن خلفه صحيحة. 2 - أن لا يعلم الإمام أنه محدث إلا بعد نهاية الصلاة، فصلاة الإمام باطلة، وصلاة المأمومين صحيحة. 3 - أن يعلم بالحدث أثناء الصلاة، فيقطع الصلاة، ويستخلف من يكمل بالمأمومين صلاتهم، فإن تقدم أحد المأمومين، أو قدموه فأكمل الصلاة بهم، أو أكملوا صلاتهم فرادى، فصلاتهم صحيحة إن شاء الله. 4 - أن يصلي بهم على طهارة، ويحدث في أثناء الصلاة، فصلاة الإمام باطلة فيقطعها، ويستخلف من يتم بالمأمومين صلاتهم. - حكم الصلاة خلف الفاسق: الفاسق: من خرج عن طاعة الله تعالى بفعل كبيرة من كبائر الذنوب، ويجب تقديم الأحق بالإمامة الأَولى فالأَوْلى، فإن لم يوجد إلا فاسق: ¬

(¬1) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1041) , والترمذي برقم (301)، وهذا لفظه.

فالفاسق لا يخلو من حالين: 1 - أن يكون فسقه من جهة الاعتقاد كأن ينكر اليوم الآخر، فهذا كافر لا يصلى خلفه، وإن كان فسقه لا يؤدي إلى الكفر فالصلاة خلفه صحيحة مع الكراهة. 2 - أن يكون فسقه من جهة الأعمال كمرتكب الكبائر كمن يشرب الخمر، أو يفعل الفواحش، أو يحلق لحيته، أو يشرب الدخان ونحو ذلك. فهذا تصح الصلاة خلفه مع الكراهة؛ لأن مَنْ صحت صلاته لنفسه صحت لغيره. - حكم إمامة المرأة: يحرم على المرأة أن تصلي بالرجال، فإن فعلت فصلاة الجميع باطلة. والسنة أن تصلي المرأة في بيتها، ولها أن تصلي في المسجد. وإذا اجتمع النساء في مكان فيسن لهن أن يصلين جماعة، وتقف إمامتهن وسطهن، وأفضل صفوفهن هنا كالرجال الأول ثم الذي يليه. - حكم إمامة الغلام قبل أن يحتلم: عَنْ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ الجَرْمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ عَلَيْنَا الرُّكْبَانُ فَنَتَعَلَّمُ مِنْهُمُ القُرْآنَ، فَأَتَى أَبي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثرُكُمْ قُرْآناً» فَجَاءَ أَبي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثرُكُمْ قُرْآناً»، فَنَظَرُوا فَكُنْتُ أَكْثرَهُمْ قُرْآناً فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ ثمَانِ سِنِينَ. أخرجه البخاري والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري برقم (402) , والنسائي برقم (789)، وهذا لفظه.

2 - أحكام المأموم

2 - أحكام المأموم - حكم متابعة الإمام: يجب على المأموم متابعة الإمام في صلاته كلها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا قال سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإذَا صَلَّى جَالِساً، فَصَلُّوا جُلُوساً أجْمَعُونَ، وَأقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاةِ، فَإنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاةِ». متفق عليه (¬1). - حكم مسابقة الإمام: يحرم على المأموم مسابقة الإمام في الصلاة .. ومن سابقه عالماً ذاكراً بطلت صلاته، ومن سابق الإمام في تكبيرة الإحرام فصلاته باطلة. وإن سابقه إلى ركن من الأركان متعمداً فصلاته باطلة. وإن سابقه ناسياً أو جاهلاً فصلاته صحيحة، لكن عليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام ويلحقه؛ لأنه فعله في غير محله، فإن لم يرجع فلا يعتد بتلك الركعة. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلا بِالسُّجُودِ، وَلا بِالقِيَامِ وَلا بِالانْصِرَافِ، فَإِنِّي أرَاكُمْ أمَامِي وَمِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (722) , واللفظ له، ومسلم برقم (414).

خَلْفِي». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟». متفق عليه (¬2). - حالات المأموم مع الإمام: للمأموم مع الإمام أربع حالات: 1 - المتابعة: وهي أن تحصل أفعال المأموم عقب أفعال الإمام، وهي الأمر المطلوب من المأموم، وبها يحصل الاقتداء الشرعي. 2 - الموافقة: وهي أن تتوافق حركة المأموم والإمام في الانتقال من ركن إلى ركن كالتكبير أو الركوع ونحوهما، وهذا الفعل لا يجوز. 3 - المخالفة: وهي أن يتخلف المأموم عن الإمام حتى يدخل الإمام في ركن آخر، وهذه لا تجوز؛ لما فيها من ترك الاقتداء. 4 - المسابقة: وهي أن يسبق المأموم الإمام في التكبير، أو الركوع، أو السجود والسلام أو غيرها، وهذا الفعل لا يجوز، ومن فعله جاهلاً أو ناسياً فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل بطلت صلاته. - متى يؤمِّن المأموم؟: يؤمن المأموم مع الإمام لا قبله ولا بعده؛ وذلك لأن التأمين من الإمام والمأموم إنما هو لقراءة الفاتحة، لا لأجل تأمين الإمام، ويجهر به الإمام والمأموم في الصلوات الجهرية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (426). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (691) , ومسلم برقم (427).

- فضل التأمين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). - متى يسجد مَنْ خلف الإمام: عَن البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». لَمْ يَحْنِ أحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِداً، ثُمَّ نَقَعُ سُجُوداً بَعْدَهُ. متفق عليه (¬2). - فضل وصل الصف: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللهُ وََمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). - حكم تسوية الصفوف: يجب على المأمومين الذين يقفون بين يدي الله عز وجل أن يتموا صفوفهم الأول فالأول، وأن يسووا صفوفهم في الصلاة، وأن يحاذوا بين المناكب والأكعب، وأن يسدوا الخلل، ومن سد فرجة في الصف بنى الله له بيتاً في الجنة، ورفعه بها درجة. 1 - عَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780) , واللفظ له، ومسلم برقم (410). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (690) , واللفظ له، ومسلم برقم (474). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (666) , والنسائي برقم (819)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (717) , واللفظ له، ومسلم برقم (436).

2 - وعَنْ أنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإنِّي أرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». وَكَانَ أحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. متفق عليه (¬1). - فضل الصف الأول: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا». أخرجه مسلم (¬3). - فضل يمين الصف: عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْبَبْنَا أنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. أخرجه مسلم (¬4). - من يلي الإمام في الصف: عَنْ أبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أولُو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (725) , واللفظ له، ومسلم برقم (434). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615) , واللفظ له، ومسلم برقم (437). (¬3) أخرجه مسلم برقم (440). (¬4) أخرجه مسلم برقم (709).

الأحْلامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». أخرجه مسلم (¬1). - متى يقوم الناس للصلاة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ، قَبْلَ أنْ يَقُومَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَامَهُ. أخرجه مسلم (¬2). - موقف المأموم في الصلاة: إذا صلى الإمام بغيره فلذلك صور: 1 - إذا كان المأموم رجلاً واحداً فالسنة أن يقف عن يمين الإمام محاذياً له. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. متفق عليه (¬3). 2 - إذا كانت الجماعة اثنين فأكثر فالسنة أن يقف الإمام أمامهم متوسطاً الصف. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: صَلَّيْتُ أنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا، خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأمِّي أمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. متفق عليه (¬4). 3 - إذا صلى الرجل خلف الصف فإن صلاته لا تصح إلا في حال العجز عن المصافة. 4 - إذا صلت المرأة مع الرجل وقفت خلفه، وإذا صلت مع الرجال خلف الإمام تقف خلف صف الرجال. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (432). (¬2) أخرجه مسلم برقم (605). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (726) , واللفظ له، ومسلم برقم (763). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (727) , واللفظ له، ومسلم برقم (658).

5 - إذا صلى الإمام بالرجال والنساء فالسنة أن يكون الرجال خلف الإمام، والنساء خلف الرجال، وتكون صفوفهن كصفوف الرجال، وخير صفوفهن آخرها وأبعدها عن الرجال، فإن كان بينهن وبين الرجال حاجز فخير صفوفهن أولها كالرجال. 6 - إذا صلت النساء جماعة وحدهن فالسنة أن تقف إمامتهن وسطهن, ولا تتقدم عليهن، وخير صفوفهن هنا أولها، وشرها آخرها كالرجال، ويشرع فيها ما يشرع في صفوف الرجال من تسوية الصفوف، وسد الفرج، وإكمال الصف الأول فالأول. 7 - يصح أن يقف المأمومون عند الضرورة خلف الإمام، ويمين الإمام، ويسار الإمام وعن جانبيه، وقدامه. - حكم الصلاة خلف الصف: 1 - صلاة الرجل الواحد خلف الصف لا تصح إلا لضرورة، كأن لم يجد مكاناً في الصف فيصلي خلف الصف، ولا يجذب أحداً ممن في الصف. 2 - صلاة المرأة الواحدة خلف الصف صحيحة إذا كانت خلف الإمام، أو خلف الرجال، وإن كانت مع جماعة نساء فقط فلا تصح صلاتها خلف الصف إلا لضرورة كالرجل. - تقديم أهل العلم والفضل إذا تأخر الإمام: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إلَى أبِي بَكْرٍ، فَقال: أتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأقِيمَ؟ قال: نَعَمْ، فَصَلَّى أبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ

أبُو بَكْرٍ لا يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا أكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَتَ، فَرَأى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أنِ امْكُثْ مَكَانَكَ. فَرَفَعَ أبُو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا أمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ. متفق عليه (¬1). - متى ينفرد المأموم عن الإمام: للمأموم أن ينفرد عن الإمام فيما يلي: إذا أطال الإمام إطالة خارجة عن السنة، أو إذا أسرع الإمام في صلاته، انفصل عن الإمام وأتم صلاته. وإذا طرأ على المأموم عذر من احتباس بول، أو غائط، أو ريح ونحو ذلك، فيقطع صلاته، ثم يتوضأ ويستأنف صلاته. - ماذا يفعل المصلون إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة: إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة، فلا يتابعه من خلفه، بل يُسبِّحون وينتظرونه جلوساً حتى يسلم بهم، ومن قام عالماً بطلت صلاته. - ماذا يفعل المأموم إذا سها الإمام: إذا سها الإمام في صلاته فأوقع شيئاً في غير محله سبَّح الرجال، وصفَّق النساء. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (684) , واللفظ له، ومسلم برقم (421). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1203) , واللفظ له، ومسلم برقم (422).

- مَنْ يردّ على الإمام إذا أخطأ في القراءة: يرد على الإمام إذا أخطأ أو نسي في القراءة في الصلاة الحافظ، ولا ينبغي التشويش على الإمام بكثرة الأصوات. - أحوال اقتداء المأموم بالإمام: 1 - يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره، أو لم ير مَنْ وراءه إذا سمع التكبير، ويصح اقتداء من هو خارج المسجد إذا اتصلت الصفوف، وإن لم تتصل الصفوف فلا بد أن يرى بعض المأمومين، أو يسمع صوت الإمام، ولا يمنع الفاصل من طريق ونحوه إذا أمكن الاقتداء. 2 - يصح اقتداء من يؤدي صلاة الفريضة بمن يؤدي صلاة نفل، كمن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ. متفق عليه (¬1). 3 - يصح اقتداء من يصلي النافلة بمن يصلي الفريضة، كمن يصلي مع من فاتته الفريضة ليحصل له أجر الجماعة. - حكم اختلاف النية بين الإمام والمأموم: يجوز اختلاف النية بين الإمام والمأموم في الصلاة، ولا يجوز الاختلاف في الأفعال. فيصح ائتمام مفترض بمتنفل، ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (700) , ومسلم برقم (465)، واللفظ له.

يصلي العشاء، أو المغرب بمن يصلي التراويح، فإذا سلم الإمام من الركعتين أكمل الصلاة، ويجوز أن يصلي العصر خلف من يصلي المغرب، فإذا سلم الإمام قام وجاء بركعة، ثم تشهد وسلم. ويجوز أن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، فإذا قام الإمام إلى الرابعة جلس وانتظر الإمام ليسلم معه، وإن شاء تشهد وسلم. فاختلاف النية بين صلاة الإمام وصلاة المأموم لا يضر. أما إذا اختلفت الأفعال فهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - أن تتفق الصلاتان في الأفعال كالظهر والعصر، فهنا لا يضر اختلاف النية، ولا يضر اختلاف الاسم. 2 - أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً يسيراً كمن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، فهذا لا يضر. 3 - أن تختلف الأفعال اختلافاً كثيراً كمن يصلي الفجر خلف من يصلي الكسوف، فهذا لا يصح. - متى يدخل المسبوق في الصلاة: 1 - السنة أن يدخل المسبوق في الصلاة مع الإمام على أي حال كان عليها من القيام، أو الركوع، أو السجود أو غير ذلك. 2 - إذا دخل المسبوق والإمام راكع، كبّر واحدة للإحرام، وواحدة للركوع، فإن لم يمكنه كبر واحدة للإحرام والركوع، أمّا إن دخل وهو ساجد فيكبر تكبيرة الإحرام، ثم يستفتح، ثم يكبر ويسجد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ فَلا

تَأْتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أدْرَكْتُمْ فَصَلَّوْا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأتِمُّوا، فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ». متفق عليه (¬1). - أول صلاة المسبوق: إذا فات المصلي أول الصلاة فما أدركه مع الإمام هو أول صلاته، وبعد السلام يتم ما فاته من الصلاة. - صفة قضاء المأموم ما فاته من الصلاة: 1 - من أدرك مع الإمام ركعة من الظهر، أو العصر، أو العشاء، وجب عليه بعد سلام الإمام قضاء الثلاث ركعات، وما أدركه مع الإمام هو أول صلاته، فيأتي بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة، ثم يجلس للتشهد الأول، ثم يأتي بركعتين يقرأ فيهما الفاتحة فقط، ثم يجلس للتشهد الأخير، ثم يسلم. ومن أدرك معه ركعتين قام بعد السلام وجاء بركعتين يقرأ فيهما الفاتحة فقط، وإن أدرك معه ثلاث ركعات قام بعد السلام وجاء بواحدة. 2 - من أدرك مع الإمام ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام وجاء بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة، ثم يجلس للتشهد الأول، ثم يقوم ويأتي بركعة يقرأ فيها الفاتحة، ثم يجلس للتشهد الأخير، ثم يسلم. وإن أدرك معه ركعتين قام بعد سلام الإمام وجاء بركعة يقرأ فيها الفاتحة فقط، ثم يجلس للتشهد الأخير، ثم يسلم. 3 - من أدرك مع الإمام ركعة من الفجر أو الجمعة قام بعد سلام الإمام وجاء ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (636) , ومسلم برقم (602)، واللفظ له.

بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة، ثم يجلس للتشهد، ثم يسلم، وإن أدرك معه في الجمعة أقل من ركعة دخل معه وأتمها ظهراً أربعاً. 4 - إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة كما لو جاء وهو في التشهد الأخير، فهنا يدخل معه، ويتم صلاته إذا سلم الإمام كما سبق. - ما يشرع للمأموم فعله: 1 - إذا سها الإمام في الصلاة وسبح الناس ولم يعرف، فيكلمه أحد المأمومين بكلام يفهمه. 2 - يشرع للمأموم أن يأتي بالسنن التي يتركها الإمام. 3 - المأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام في الجهرية يقرأ الفاتحة وغيرها ولا يسكت. 4 - إذا كان الإمام لا يتم الصلاة، أو يُرمى ببدعة، أو يعلن بفجور، فلا بأس بتخطِّيه إلى غيره إن لم يقبل النصيحة، والصلاة في مسجد آخر. 5 - إذا حضر اثنان في المسجد، وليس في الصف إلا فرجة تسع لواحد، فالواجب إكمال الصف، ولو صلى أحدهما وحده خلف الصف. - حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله: من يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو أهل القبور، فلا تجوز الصلاة خلفه؛ لأنه كافر، وصلاته باطلة. {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون:117].

3 - أحكام المنفرد

3 - أحكام المنفرد - حكم صلاة المنفرد: الواجب على المسلم أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة في المسجد جماعة. فإن كان وحده، أو معذوراً بمرض أو سفر، ولم يجد من يصلي معه، فيصلي الصلوات منفرداً. 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ أفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (¬2). - أين يصلي المنفرد: السنة أن يذهب الرجل إلى المسجد إن كان موجوداً وقدر، فيؤذن ويقيم ويصلي، وذلك ليحصل له أجر الذهاب إلى المسجد. فإن لم يقدر، أو لم يوجد مسجد، صلى حيث كان: في المنزل، أو السوق، أو الصحراء أو غير ذلك. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1203) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (666). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) , ومسلم برقم (650)، واللفظ له.

1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفق عليه (¬2). - حكم تغيير المنفرد نيته إلى إمام: إذا صلى المسلم منفرداً ثم جاء وصف معه أحد، فيجوز له تحويل نيته من منفرد إلى إمام. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأخَذَ بِرَأْسِي، فَأقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. متفق عليه (¬3). - حكم تغيير المنفرد نيته من فرض إلى نفل: إذا كان المسلم يصلي الفريضة منفرداً، ثم قامت جماعة تصلي، فالأفضل أن يقلب نيته من فرض إلى نفل، ويتمها خفيفة، ويدخل مع تلك الجماعة؛ لتحصل له فضيلة الجماعة. - حكم جهر المنفرد بالقراءة في الجهرية: إذا صلى المنفرد وحده صلاة المغرب أو العشاء أو الفجر فَعَل الأصلح لقلبه، وهو مخير: إن شاء جهر بالقراءة ما لم يؤذ أحداً كنائم ومريض، أو ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (666). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) , واللفظ له، ومسلم برقم (669). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (699) , واللفظ له، ومسلم برقم (763).

تكون المرأة بحضرة أجانب، وإن شاء لم يجهر، وكذا من فاته أول الصلاة الجهرية، والأَوْلى عدم الجهر؛ لأن الجهر لإمام الجماعة الذي يسمعه من خلفه.

15 - صلاة الجماعة

15 - صلاة الجماعة - أعظم اجتماعات المسلمين: شرع الله عز وجل للمسلمين الاجتماع في أوقات معلومات: منها ما يكون في اليوم والليلة خمس مرات كالصلوات الخمس. ومنها ما يكون في الأسبوع مرة كالاجتماع لصلاة الجمعة. ومنها ما يكون في السنة مرتين كالعيدين في كل بلد. ومنها ما يكون في السنة مرة لعموم المسلمين كالحج. ومنها ما يكون عند تغير الأحوال كصلاة الاستسقاء والكسوف. - حكمة مشروعية صلاة الجماعة: صلاة الجماعة مظهر عظيم من مظاهر الإسلام. يشبه صفوف الملائكة في عبادتها، ومواكب الجيوش في قيادتها. وصلاة الجماعة مظهر من مظاهر خضوع الخلق للرب، وهي سبب لتعارف المسلمين وتراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، ومظهر من مظاهر وحدتهم، وبها تظهر عزتهم، وقوتهم، وكمال انقيادهم لربهم. - آداب المشي إلى الصلاة: الصلاة من أعظم مقامات العبد بين يدي ربه، وصلاة الجماعة أعظم مقامات العباد بين يدي ربهم، وصلاة الجماعة لها آداب عند المشي إليها، وآداب عند أدائها، وآداب بعد الفراغ منها.

فأما آداب المشي إلى الصلاة: فهي أن يتطهر لها في بيته مع إحسان الوضوء وإسباغه، والدعاء بما ورد عند الخروج من المنزل، والخروج إليها مبكراً لإدراك فضيلة انتظار الصلاة، والصف الأول، وتكبيرة الإحرام، والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار، وتقديم رجله اليمنى عند دخول المسجد، والدعاء بما ورد من الدعاء عند دخول المسجد. وإذا دخل المسجد يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ويشتغل بالذكر والدعاء والنوافل وتلاوة القرآن حتى تقام الصلاة، ولا يشبك بين أصابعه في الطريق والمسجد؛ لأنه في صلاة، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يؤذي أحداً بقول أو فعل، ويجتنب الروائح الكريهة، وإذا أراد الخروج من المسجد قدم رجله اليسرى ودعا بما ورد، والمرأة إذا أرادت الصلاة في المسجد تفعل كذلك، وتجتنب الطيب، والزينة، والسفور. وأما آداب وسنن الصلاة فكما سبق في صفة الصلاة. وأما الآداب بعد الفراغ من الصلاة: فأن يجلس في مكانه بعد السلام، ويستغفر الله، ويأتي بالأذكار الواردة بعد السلام كما سبق. - حكم خروج النساء إلى المساجد: الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن، ويجوز للمرأة أن تخرج للصلاة في المسجد مع الجماعة ليلاً أو نهاراً على الوجه المأذون به شرعاً، وعلى زوجها أن يأذن لها ولا يمنعها.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ». متفق عليه (¬1). - حكم صلاة الجماعة: تجب صلاة الجماعة على كل مسلم مكلف قادر من الرجال، للصلوات الخمس، حضراً وسفراً، في حال الأمن أو الخوف. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ صَلاةٌ أثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً، لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ المُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ، فَأحَرِّقَ عَلَى مَنْ لا يَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ بَعْدُ». متفق عليه (¬2). - أقل الجماعة: أقل الجماعة اثنان، وإذا صلى الرجل بزوجته فهم جماعة، لكن تكون المرأة خلفه. وكلما كثرت الجماعة كان أزكى لصلاته، وأحب إلى الله عز وجل. - فضل صلاة الجماعة في المسجد: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (865) , واللفظ له، ومسلم برقم (442). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (657) , واللفظ له، ومسلم برقم (651). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) , واللفظ له، ومسلم برقم (650).

إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً، وَذَلِكَ أنَّهُ: إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ». متفق عليه (¬3). - مكان صلاة الجماعة: 1 - أفضل أماكن صلاة الجماعة: المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ثم بقية المساجد. 2 - الأفضل للمسلم أن يصلي الفرائض في مسجد الحي الذي يليه، ثم يليه الأكثر جماعة، ثم يليه الأبعد. 3 - الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فإن صلت جماعة في بيتها فهو أفضل وأزكى لصلاتها، ولا تُمنع من الصلاة جماعة في المسجد. 4 - يصلي المسافر والمريض جماعة حيثما تيسر له. 5 - صلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر، وصلاة الفرائض في المساجد ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (666). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (647) , واللفظ له، ومسلم برقم (272). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662) , واللفظ له، ومسلم برقم (442).

جماعة واجبة في الحضر لا السفر. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، قال وَالبِقَاعُ خَالِيَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ، تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». فَقَالُوا: مَا كَانَ يَسُرُّنَا أنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا. أخرجه مسلم (¬1). - حكم حضور الصبيان إلى المساجد: يشرع إحضار الصبيان إلى المساجد؛ لتتعلق قلوبهم بحب المساجد، وينشؤا على حب هذه العبادة العظيمة، مع حفظهم من العبث في المسجد وتلويثه، أو إشغال المصلين عن الخشوع في الصلاة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَفْشُوَ الإسْلامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قال عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ لأهْلِ المَسْجِدِ: «مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ غَيْرَكُمْ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ، بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ، فَإذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإذَا قَامَ حَمَلَهَا. متفق عليه (¬3). - مواطن الفضيلة في الصف: الصف الأول أفضل من الصف الثاني، ويمين الصف أفضل من يساره، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، والله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول، وكلما كثرت الجماعة كان أفضل. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (665). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (566) , واللفظ له، ومسلم برقم (638). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (516) , واللفظ له، ومسلم برقم (543).

عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ المُقَدَّمِ ثلاَثاً وَلِلثانِي مَرَّةً. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). - الأحق بالصف الأول: الأحق بالصف الأول والقرب من الإمام هم أولو الأحلام والنهى، أهل العلم والتقى، وهم قدوة الناس، فليبادروا إلى ذلك. عَنْ أبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أولُو الأحْلامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». أخرجه مسلم (¬2). - صفة صف الرجال والنساء خلف الإمام: 1 - السنة أن يلي الإمام الرجال في الصف الأول الكبار والصغار .. وتصلي النساء جميعاً خلف الرجال .. ويشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال من إكمال الصف الأول فالأول، وسد الفرج، وتسوية الصفوف. 2 - إذا صلت النساء مع الرجال جماعة في المسجد، فإن كان بينهم حاجز، أو صلين جماعة وحدهن، فخير صفوفهن أولها، وشرها آخرها. وإن صلين مع الرجال وحدهن، ولم يكن بينهم حاجز، فخير صفوفهن آخرها، وشرها أولها. 3 - لا يجوز أن تصف النساء أمام الرجال، أو يصف الرجال خلف النساء، إلا لضرورة من زحام ونحوه كما يحصل في المسجد الحرام أحياناً. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (817) , وابن ماجه برقم (996)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (432).

4 - يجب على المرأة أن تصلي خلف الرجال، وإن وقفت في صف الرجال للضرورة من زحام ونحوه وصلت لم تبطل صلاتها ولا صلاة من خلفها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). - حكم مصافة الصبي: الصبي إذا كان يحسن الوضوء والصلاة فلا حرج في مصافته في الصلاة، وإن كان لا يحسنهما فهذا يُنحّى عن الصف إلى مكان في المسجد لئلا يؤذي المصلين، ويقطع الصفوف. - فضل الجماعة الأولى: الجماعة الأولى من حيث الأصل أفضل وأعظم وأزكى أجراً عند الله؛ لأنها قد حصلت في أول الوقت، وهي في الغالب أكثر عدداً من الثانية. فإذا جاء الإنسان وإمام الجماعة في التشهد الأخير فليدخل معهم؛ ليدرك فضيلة الجماعة الأولى، ولا ينتظر الجماعة الثانية؛ لأنها أقل أجراً من الأولى. - فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة: عَنْ عُثْمَان بن عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ». أخرجه مسلم (¬1). - ما تُدْرَك به صلاة الجماعة: تدرك صلاة الجماعة بإدراك ركعة من الصلاة مع الإمام. فإن أدرك المأموم أقل من ركعة، كما لو جاء وهم في التشهد الأخير، فلا يعتبر مدركاً للجماعة، ولكن يدخل مع الجماعة، وله أجر ما أدرك. - ما تُدْرَك به الركعة: تدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام ما لم يرفع يديه عن ركبتيه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أدْرَكَ الصَّلاةَ». متفق عليه (¬2). - حكم من صلى وحده ثم وجد جماعة: عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ العَامِرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ قَالَ: فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْحَرَفَ إِذَا هُوَ برَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ: عَلَيَّ بهِمَا، فَجِيءَ بهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلاَ إِذا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (656). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (579) , ومسلم برقم (607)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (575) , وأخرجه الترمذي برقم (219) وهذا لفظه.

- ماذا يفعل من فاتته صلاة الجماعة: من ذهب إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا، وكان تأخره لعذر، فإنه يكتب له أجر من صلاها وحضرها، فيبقى في المسجد، وينتظر من يصلي معه جماعة، أو يذهب إلى مسجد آخر ليدرك فيه الجماعة، أو يرجع إلى بيته فيصلي بهم جماعة، فإن لم يتيسر له ذلك صلاها منفرداً. عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبْصَرَ رَجُلاً يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: «أَلاَ رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - فضل انتظار صلاة الجماعة: 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أعْظَمُ النَّاسِ أجْراً فِي الصَّلاةِ أبْعَدُهُمْ فَأبْعَدُهُمْ مَمْشىً، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإمَامِ، أعْظَمُ أجْراً مِنِ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ المَلائِكَةُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ». قُلْتُ: مَا يُحْدِثُ؟ قال: يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ. متفق عليه (¬3). - صفة قضاء الصلاة لمن نام عنها في السفر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (574) , واللفظ له، والترمذي برقم (220). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (651) , واللفظ له، ومسلم برقم (662). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (445) , ومسلم برقم (649)، واللفظ له.

طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ». قال فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم الشروع في نافلة بعد إقامة الصلاة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم صلاة النوافل المطلقة جماعة: الأصل في النوافل المطلقة أن يصليها المسلم منفرداً، ويجوز أن تصلى النوافل جماعة أحياناً في الليل أو النهار، في البيت أو المسجد أو غيرهما، ولا يُدَاوَم على ذلك، ولا يُتَّخذ عادة. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قال: «قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ». قال أنَسٌ: فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصَفَفْتُ وَاليَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. متفق عليه (¬3). - حكم الصلاة في مسجد فيه قبر: يحرم بناء المساجد على القبور، ويجب أن يُهدم المسجد الذي بني على قبر، ويُنقل جثمان الميت إذا دفن في المسجد، وأيهما طرأ على الآخر مُنع ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (680). (¬2) أخرجه مسلم برقم (710). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (380) , واللفظ له، ومسلم برقم (658).

منه، وكان الحكم للسابق. ولا تصح الصلاة إلى القبور، ولا في المساجد المبنية على القبور، وبناء المساجد على القبور أو اتخاذها مساجد سبب للعنة الله. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬1). - صفة الانصراف من المسجد: يسن للإمام إذا صلى معه الرجال، وصلت معه النساء من دون حائل، أن ينتظر قليلاً بعد السلام، حتى تنصرف النساء. ويسن للرجال المكث في المسجد قليلاً حتى تنصرف النساء، ويدخلن بيوتهن، ثم ينصرفون. عَن أم سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيراً. أخرجه البخاري (¬2). - حكم التخلف عن صلاة الجماعة: من تخلف عن صلاة الجماعة في المسجد فله حالتان: الأولى: أن يتخلف بعذر من مرض أو حبس ونحوهما، فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة. عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (850).

سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬1). الثانية: أن يتخلف عن صلاة الجماعة بغير عذر، فهذا صلاته صحيحة، لكنه يخسر أجراً عظيماً، ويأثم إثماً كبيراً. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ». متفق عليه (¬2). - أعذار ترك الجمعة والجماعة: الصلوات الخمس والجمعة واجبة على كل مسلم مع جماعة المسلمين، وعند وجود العذر الشرعي، أو حصول المشقة المعتبرة، فإنه يجوز التخلف عن الجمعة والجماعة، والصلاة حسب الاستطاعة؛ لأن المشقة تجلب التيسير. ومن أهم تلك الأعذار: المرض الشديد .. مدافعة البول أو الغائط .. التأذي بالمطر، أو الوحل، أو الثلج، أو البرد .. الرياح والعواصف الشديدة .. من خاف الضرر على نفسه، أو ماله، أو أهله، أو رفيقه .. الخوف من فوات الرفقة في السفر .. الخوف من فوات موعد الحافلة، أو القطار، أو الطائرة، أو السفينة .. من كان بحضرة طعام محتاج إليه قُدِّم إليه .. من يعمل في مصالح المسلمين الضرورية ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2996). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (657)، ومسلم برقم (651)، واللفظ له.

كالأطباء، والحراس، ورجال الأمن، والمطافئ إذا تطلب العمل مناوبتهم يصلّون في أماكن عملهم، ولهم أن يصلوا بدل الجمعة ظهراً عند الحاجة. 1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن:16]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1337).

16 - صلاة أهل الأعذار

16 - صلاة أهل الأعذار صلاة المريض .. صلاة المسافر .. صلاة الخوف 1 - صلاة المريض - أهل الأعذار: أهل الأعذار هم المرضى، والمسافرون، والخائفون ونحوهم ممن لا يستطيع أداء الصلاة على صفتها التي يؤديها غير المعذور. ومن رحمة الله أن يسر لهم، وخفف عنهم، ورفع عنهم الحرج، ولم يحرمهم كسب الأجر، فأمرهم أن يصلوا حسب استطاعتهم، ولم ينقص أجورهم. - صفة طهارة المريض: يجب على المريض أن يتطهر ويتوضأ للصلاة، فإن لم يستطع غسل ما يقدر عليه من الأعضاء، وتيمم للباقي، فإن لم يستطع تيمم، فإن لم يستطع سقطت الطهارة، وصلى حسب حاله. - حكم صلاة المريض: يجب على المريض أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المسجد، فإن لم يستطع صلاها في مكانه جماعة. فإن لم يستطع صلاها في مكانه منفرداً. فإن شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسب الأرفق به، ولا يقصر الصلاة،

ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام العقل موجوداً. قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة:238]. - صفة صلاة المريض: 1 - تلزم المريض الصلاة المفروضة قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً متربعاً، أو على هيئة جلوس التشهد، يحني ظهره راكعاً وساجداً، فإن لم يستطع أومأ برأسه، فإن لم يستطع الجلوس فعلى جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن شق عليه فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يستطع صلى مستلقياً على ظهره، ورجلاه إلى القبلة إن تيسر، ويومئ برأسه راكعاً وساجداً إلى الأرض، ويخفض السجود أكثر من الركوع، فإن لم يستطع صلى حسب حاله، ولا تسقط الصلاة عن المريض أبداً ما دام عقله معه، وهذا من رحمة الله أن أذن له بمناجاته وسؤاله في أشد أحواله. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - المريض كغيره يلزمه استقبال القبلة وما يلزم في الصلاة، فإن لم يستطع صلى على حسب حاله إلى أي جهة تسهل عليه. قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن:16]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1117).

- ما يجوز للمريض فعله: 1 - إذا صلى المريض قاعداً ثم قدر على القيام، أو صلى جالساً ثم قدر على السجود، أو صلى على جنب ثم قدر على القعود، فإنه في جميع هذه الأحوال ينتقل إلى ما قدر عليه؛ لأنه الواجب في حقه. 2 - إن قدر المريض على قيام وقعود، دون ركوع وسجود أومأ برأسه للركوع قائماً، وأومأ برأسه للسجود قاعداً. 3 - من لم يستطع السجود على الأرض، يركع ويسجد وهو جالس، ويجعل ركوعه أخفض من جلوسه، وسجوده أخفض من ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه، ولا يرفع إلى جبهته شيئاً كالوسادة ونحوها. 4 - يجوز للمريض أن يصلي مستلقياً مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب ثقة. 5 - المريض الذي ستجرى له عملية جراحية تحتاج إلى تخدير يجوز له أن يجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير حسب الأرفق بحاله. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ جَالِساً، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِساً، فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاَثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ، فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ. متفق عليه (¬1). - حكم صلاة المغمى عليه: إذا كان المريض يغمى عليه أياماً ثم يفيق، فإنه يصلي حال إفاقته حسب استطاعته، وليس عليه قضاء الصلوات التي مرت حال إغمائه؛ لأنه غير ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1148) , واللفظ له، ومسلم برقم (731).

مكلف حال إغمائه. - ما يكتب للمريض والمسافر من العمل: يكتب الله عز وجل للمريض والمسافر من الأعمال مثل ما كان يعمل المريض حال الصحة، والمسافر حال الإقامة، وإن قَبض المريض غَفر له، وإن عافاه قعد ولا ذنب له. عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬1). - أحوال صلاة المريض: عَنْ عِمْرَان بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مَبْسُوراً، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِداً، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِداً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2996). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1115).

2 - صلاة المسافر

2 - صلاة المسافر - السفر: هو مفارقة محل الإقامة. - أقسام السفر: السفر أنواع كثيرة، ولكل سفر مقصد. وأسفار الخلق يجمعها ثلاثة أنواع: سفر الطاعة .. سفر المعصية .. السفر المباح. 1 - سفر الطاعة: وهو كل سفر يحبه الله ورسوله كالهجرة في سبيل الله، والسفر من أجل الدعوة إلى الله، والسفر من أجل تعلم وتعليم أحكام الدين، والسفر من أجل الجهاد في سبيل الله، والسفر من أجل الحج والعمرة، والسفر من أجل الصلاة في المساجد الثلاثة، والسفر من أجل صلة الرحم وزيارة الإخوان ونحو ذلك. فهذه أعلى أنواع السفر في الإسلام. 2 - سفر المعصية: وهو كل سفر من أجل شهوات النفس المحرمة، تُرتكب فيه الكبائر والفواحش، وتُضاع فيه الأوقات في نيل الشهوات المحرمة، وإهمال فرائض الله الواجبة، فهذا السفر محرم. 3 - السفر المباح: كالسفر من أجل التجارة، والسفر من أجل إجمام النفس في حدود المباح، والسفر من أجل العلاج، فهذا جائز. - أحكام السفر: 1 - أحكام السفر خمسة، وهي:

القصر والجمع في الصلاة، والصوم والفطر في الصيام، والمسح على الخفين في الوضوء. 2 - كل ما يسمى سفراً في العرف تعلقت به أحكام السفر، سواء كان سفر طاعة، أو معصية، أو سفراً مباحاً. عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أمِنَ النَّاسُ! فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - متى تبدأ أحكام السفر: يبدأ المسافر في أحكام السفر من القصر والجمع والفطر والمسح إذا فارق عامر قريته، ولا حد للمسافة في السفر، وإنما يرجع ذلك إلى العرف، فما عده الناس سفراً تعلقت به أحكام السفر، فمتى سافر الإنسان ولم ينو الإقامة المطلقة أو الاستيطان فهو مسافر تنطبق عليه أحكام السفر حتى يعود إلى بلده. 2 - القصر في السفر هو السنة، ويقصر المسافر في كل ما يسمى سفراً، وإن أتم فصلاته صحيحة، لكنه ترك الأفضل. 1 - عَنْ أنَسِ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعاً، وَصَلَّى العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، قال: وَأحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أصْبَحَ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (686). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1547) , واللفظ له، ومسلم برقم (690).

2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعَ. متفق عليه (¬1). - وقت الأذان في السفر: الأذان والإقامة فرض كفاية، إذا قام بهما من يكفي سقط الإثم عن الباقين. والأذان في الحضر متعلق بأول الوقت، فلا يؤذن حتى يدخل الوقت. والأذان في السفر متعلق بالصلاة، فلا يجب بدخول الوقت، وإنما عند إرادة الصلاة. - صفة الأذان والإقامة عند الجمع: من أراد أن يجمع في الحضر أو السفر بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، يؤذن ثم يقيم ويصلي الأولى، ثم يقيم ويصلي الثانية، يؤديها المصلون جماعة كلهم، فإن كان هناك برد أو مطر أو ريح صلوا في رحالهم. - حكم القصر في السفر: 1 - السنة قصر الصلاة في السفر، حال الأمن أو الخوف، وفِعْل كل صلاة في وقتها في السفر هو الأفضل إن لم يكن هناك سبب يوجب الجمع كمواصلة السير ونحوه. 2 - العبرة في القصر اعتبار المكان لا الزمان، فإذا نسي المسافر صلاة حضر ثم ذكرها في سفر قصرها، وإن ذكر صلاة سفر في حضر أتمها. 3 - إذا دخل وقت الصلاة ثم سافر فله أن يقصر ويجمع، وإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر ثم دخل بلده فإنه يتم ولا يقصر ولا يجمع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1081)، ومسلم برقم (693)، واللفظ له.

4 - إذا حُبس المسافر ولم ينو الإقامة، أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة مطلقة ولو طالت قصر أبداً. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} [النساء:101]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاةِ الحَضَرِ. متفق عليه (¬1). - الصلوات التي تُقصر وتُجمع: الصلوات التي تقصر في السفر هي: الظهر والعصر والعشاء. أما المغرب والفجر فلا يدخلهما القصر. والصلوات التي تجمع في السفر والحضر هي: الظهر والعصر معاً، والمغرب والعشاء معاً، والجمعة مع العصر. أما الفجر فتصلى سفراً وحضراً وحدها بلا جمع. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعاً، وَصَلَّى العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬2). - حكم الجمع في السفر: 1 - يسن الجمع في الحضر والسفر إذا وجد سببه؛ لأنه من رخص الله، والله يحب أن تؤتى رخصه، وفيه اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - من محاسن الإسلام القصر والجمع في السفر؛ لأنه غالباً توجد فيه المشقة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (350) , ومسلم برقم (685)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1547) , ومسلم برقم (690)، واللفظ له.

والإسلام دين رحمة وتيسير. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. متفق عليه (¬1). - حكم الجماعة في السفر: يجب على المسافرين أن يصلوا جماعة إن تيسر، فإن لم يتيسر صلوا فرادى حسب الاستطاعة. فيصلي المسلم في الطائرة، أو السفينة، أو القطار، أو الحافلة قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً، وأومأ برأسه بالركوع والسجود، ويصلي الفريضة مستقبل القبلة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». متفق عليه (¬2). - صفة القصر والجمع في السفر: 1 - المسافر إذا جدّ به السير فالسنة له القصر والجمع، وإذا نزل المسافر في بلد أو مكان فيجمع على حسب الحاجة كما جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك، ولا يجمع عند عدمها كما اقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على القصر دون الجمع في منى. 2 - السنة للمسافر عند الجمع أن يصلي الأولى، ثم يقيم مباشرة للأخرى، ويجوز الفصل بينهما لعارض من وضوء ونحوه. 3 - يسن للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في وقت ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1107) , واللفظ له، ومسلم برقم (705). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) , واللفظ له، ومسلم برقم (650).

إحداهما مرتباً، أو في الوقت الذي بينهما. فإن كان نازلاً فعل الأرفق به. وإن جدَّ به السير فالسنة إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل أن يجمع بين المغرب والعشاء تقديماً، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب إلى العشاء، وجمع بينهما تأخيراً. وإن زالت الشمس قبل أن يركب فالسنة أن يجمع بين الظهر والعصر تقديماً، وإن ركب قبل أن تزول الشمس أخّر الظهر إلى العصر، وجمع بينهما تأخيراً. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. متفق عليه (¬2). - حكم من سفره مستمر طول العام: من سفره مستمر طول الزمن كقائد الطائرة، أو السفينة، أو القطار، أو الحافلة فهذا يجوز له أن يأخذ برخص السفر من القصر، والجمع، والفطر، والمسح. - صفة الصلاة في الطائرة: إذا ركب الإنسان الطائرة أو غيرها، ودخل وقت الصلاة، ولم يجد مكاناً ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1107). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1112) , واللفظ له، ومسلم برقم (704).

للصلاة جماعة، فإنه يصلي في مكانه قائماً مستقبلاً القبلة، ويومئ بالركوع قائماً حسب قدرته، ثم يجلس على الكرسي، ثم يومئ بالسجود حسب قدرته. وحبذا لو جعل أهل الطائرة مصلىً محدوداً؛ ليتمكن الناس من الصلاة بيسر، خاصة في الرحلات الدولية الطويلة. - حكم المسافر إذا وصل مكة: من سافر إلى مكة أو غيرها، وسمع الأذان، فالأفضل له أن يصلي مع الإمام؛ ليحصل له ثواب فضل صلاة الجماعة في المسجد، وله أن يصلي جماعة في منزله. فإن لم يدرك الصلاة مع الإمام فالسنة له قصر الرباعية إلى ركعتين. ومن سافر ومر بقرية وسمع الأذان أو الإقامة ولم يكن صلى، فالأَوْلى له أن ينزل ويصلي مع الجماعة، وله أن يواصل سيره إن شاء. - حكم القصر والجمع في مشاعر الحج: يسن لمن كان في الحج بعرفة أن يصلي بها الظهر والعصر قصراً، ويجمع بينهما جمع تقديم؛ ليتفرغ للوقوف والدعاء. وفي مزدلفة يقصر ويجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وفي منى أن يصلي فيها الصلوات الخمس في أوقاتها قصراً بلا جمع. - صفة صلاة المسافر خلف المقيم: 1 - يجوز للمسافر أن يصلي خلف المقيم، سواء اختلفت النية، أو اختلفت هيئة الصلاة. وللمسافر مع المقيم أربع حالات:

الأولى: أن يدرك المسافر مع المقيم الصلاة كاملة فيلزمه الإتمام. الثانية: أن يدرك مع الإمام دون الركعة فيصلي الرباعية قصراً ركعتين. الثالثة: أن يدرك من صلاة الإمام ركعة من الرباعية فيأتي بأخرى ثم يسلم، وإن أدرك ركعتين سلم معه. الرابعة: إذا أدرك معه ثلاثاً، أو ابتدأ معه الصلاة أتم. 2 - إذا اختلفت هيئة الصلاة، كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء، فإنه حينئذ يجلس بعد الثالثة، وينتظر الإمام ليسلم معه، وله أن يسلم قبله. 3 - إذا صلى المسافر صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب فإنه يصلي معه ركعتين ويجلس، وينتظر الإمام ليسلم معه، وله أن يسلم قبله. 4 - إذا صلى المسافر خلف مقيم يصلي المغرب أو الفجر، فإنه يتابعه ويصلي مثله. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَضَرِ أرْبَعاً، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬1). - صفة صلاة المقيم خلف المسافر: 1 - إذا صلى مقيم خلف مسافر فالسنة أن يقصر المسافر ويتم المقيم صلاته بعد سلام الإمام. 2 - إذا صلى المسافر بالمقيمين في بلدهم يصلي بهم الرباعية ركعتين، ويقول لهم قبل تكبيرة الإحرام: أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (687).

3 - إذا صلى المقيم خلف مسافر يصلي المغرب أو الفجر، فإنه يتابعه في جميع صلاته، ويصلي مثله. 4 - إذا صلى الإمام في السفر ركعتين في الرباعية، ثم قام للثالثة، فعلى المأمومين التسبيح ليقعد. - حكم صلاة النوافل في السفر: السنة ترك السنن الرواتب في السفر ما عدا التهجد، والوتر، وسنة الفجر. أما النوافل المطلقة فهي مشروعة في الحضر والسفر، وكذا ذوات الأسباب كسنة الوضوء، وتحية المسجد، وصلاة الضحى، وركعتي الطواف، ونحو ذلك كصلاة الاستسقاء والكسوف إذا وجد سببها. عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. متفق عليه (¬1). - حكم الصلاة على ظهر الراحلة: 1 - إذا كان المسافر لا يستطيع النزول إلى الأرض لأداء صلاة الفريضة كركاب الطائرات والسفن والقطارات، فلا يخلو الأمر من حالين: 1 - أن يستطيع استقبال القبلة والركوع والسجود، فهذا تلزمه الصلاة بكيفيتها المعتادة. 2 - أن يستطيع استقبال القبلة، لكن لا يستطيع الركوع أو السجود، فهذا يلزمه استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام، ثم يكمل صلاته حسب ما يتوجه به ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1176) , واللفظ له، ومسلم برقم (336).

مركوبه، ويومئ برأسه في الركوع والسجود، سواء كان على دابة، أو سيارة، أو طائرة. 2 - يسن للمسافر التنفل على ظهر الراحلة، ويسن أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام إن تيسر، وإلا صلى حيثما توجهت به الراحلة. 1 - عَنْ جَابِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإذَا أرَادَ الفَرِيضَةَ، نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. متفق عليه (¬2). - حكم القصر والجمع قبيل الوصول إلى بلده: يسن للمسافر أن يقصر ويجمع ولو كان قريباً من بلده؛ لأنه لا يزال مسافراً حتى يدخل بلده. - حكم الجمع في الحضر: 1 - يسن الجمع في الحضر بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء فيما يلي: في المطر الشديد، والبرد الشديد، والرياح الشديدة، والوحل. 2 - ويسن الجمع كذلك لمريض يلحقه بتركه مشقة، وللمستحاضة، ومن به سلس البول، ولمن خاف على نفسه أو أهله أو ماله ونحو ذلك. 3 - ويشرع الجمع كذلك من أجل مصالح المسلمين العامة، ولو لم يحصل برد ولا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (400) , واللفظ له، ومسلم برقم (540). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1000) , واللفظ له، ومسلم برقم (700).

مطر ولا خوف ولا سفر. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً بِالمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، بِالمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم من له منزلان في بلدين: من كان له منزلان أحدهما في مكة، والآخر في الرياض مثلاً، ويسكن في هذا حيناً، وفي هذا حيناً، فيتم في كلا المكانين؛ لأنه مستوطن. وعليه القصر في السفر بينهما، أما الجمع فيسن في الحضر والسفر إذا وجد سببه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (705). (¬2) أخرجه مسلم برقم (705).

3 - صلاة الخوف

3 - صلاة الخوف - حكمة مشروعية صلاة الخوف: الصلاة صلة بين العبد وربه، وعلاقة العبد بربه لا تنقطع أبداً ما دام حياً عاقلاً، ولأهمية الصلاة ومنفعتها فإنها لا تسقط عن العبد بحال، فإذا كان المسلمون في ساحة الجهاد في سبيل الله، وخافوا من عدوهم أن يأخذهم على غرّة، جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف كما ثبت في السنة. - حكم صلاة الخوف: صلاة الخوف مشروعة بصورها المختلفة عند حصول الخوف. 1 - قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} [البقرة:238، 239]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَضَرِ أرْبَعاً، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬1). - هيئة الصلاة في الحضر والسفر: الصلوات الخمس فرض عين على كل مسلم ومسلمة حضراً وسفراً، وتختلف هيئتها ومقادير ركعاتها ومكان أدائها حسب حال الإنسان في الحضر، أو السفر، أو الصحة، أو المرض، أو الأمن، أو الخوف كما يلي: 1 - إذا كان المسلم مقيماً في بلده، فهذا يصلي صلاة كاملة الأركان والعدد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (687).

2 - إذا كان في سفر لا خوف معه قَصَر عدد الركعات فقط. 3 - إذا كان خوف لا سفر معه قَصَر الأركان وحدها دون العدد. 4 - إذا اجتمع الخوف والسفر قَصَر أركان الصلاة وعددها. قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} [النساء:101]. - صفات صلاة الخوف: صلاة الخوف أنواع، وقد صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوقات مختلفة، وصفات متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، وهي في صورها المختلفة متفقة المعنى. 1 - إذا كان العدو في جهة القبلة فيصلون كما يلي: يكبر الإمام، ويصف المسلمون خلفه صفين، ويركع ويرفع بهم جميعاً، ثم يسجد مع الإمام الصف الذي يلي الإمام، فإذا قاموا سجد الصف الثاني ثم قاموا. ثم يتأخر الصف الأول، ويتقدم الصف الثاني، ثم يصلي بهم الركعة الثانية كالأولى، ثم يسلم بهم جميعاً. عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأصْحَابِهِ فِي الخَوْفِ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِماً حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4131) , ومسلم برقم (841)، واللفظ له.

2 - إذا كان العدو في غير جهة القبلة فيصلون بإحدى الصفات التالية: الصفة الأولى: يكبر الإمام، وتصف معه طائفة، وتقف الطائفة الأخرى تجاه العدو، فيصلي بالتي معه ركعة، ثم يثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم، ثم ينصرفون ويقفون تجاه العدو. ثم تأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم الإمام الركعة الباقية ثم يجلس، ويتمون لأنفسهم وهو جالس، ثم يسلم بهم. وعليهم حمل سلاح خفيف أثناء صلاتهم، مع الحذر من عدوهم. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)} [النساء:102]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الأخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أصْحَابِهِمْ، مُقْبِلِينَ عَلَى العَدُوِّ، وَجَاءَ أولَئِكَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَضَى هَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلاءِ رَكْعَةً. متفق عليه (¬1). الصفة الثانية: أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين أول الصلاة، وبالأخرى آخر الصلاة، فيصلي بالأولى ركعتين ثم يثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم ويسلمون ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (942) , ومسلم برقم (839)، واللفظ له.

وينصرفون، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين، ثم يسلم بهم، فتكون له أربعاً ولكل طائفة ركعتان. الصفة الثالثة: أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى صلاة كاملة ركعتين ثم يسلم بهم، ثم يصلي بالأخرى كذلك ثم يسلم. وإذا كانت صلاة المغرب فلا يدخلها القصر، وللإمام أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة أو العكس. الصفة الرابعة: أن تصلي كل طائفة ركعة واحدة فقط مع الإمام ثم تسلم الأولى وتنصرف، وتأتي الثانية فيصلي بهم الإمام الركعة الباقية ثم يسلم بهم، فيصلي الإمام ركعتين، وتصلي كل طائفة ركعة من غير قضاء. وكل هذه الصفات ثابتة في السنة، فتُفعل هذه مرة، وهذه مرة؛ إحياءً للسنة. 3 - إذا اشتد الخوف وتواصل الطعن والضرب والرمي، فهنا إذا دخل وقت الصلاة يصلون رجالاً وركباناً ركعة واحدة، يومئون فرادى بالركوع والسجود، للقبلة وغيرها، فإن لم يتمكنوا أخروا الصلاة حتى يقضي الله بينهم وبين عدوهم ثم صلوا جماعة. قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} [البقرة:238 - 239].

2 - باب صلاة الجمعة

2 - باب صلاة الجمعة - حكمة مشروعية صلاة الجمعة: الإسلام يدعو إلى الاجتماع في النيات، والأقوال، والأعمال، والأخلاق، والقلوب، والأبدان؛ لما في ذلك من القوة والمهابة، وتحقيق أواصر الألفة والمحبة بين المسلمين. وقد شرع الله لتحقيق ذلك اجتماعات متعددة: اجتماعات حي: في الصلوات الخمس كل يوم وليلة. اجتماعات بلد: في الجمعة والعيدين. اجتماعات أقطار: في الحج والعمرة بمكة. فهذه اجتماعات المسلمين صغرى .. ومتوسطة .. وكبرى. - فضل يوم الجمعة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (854). (¬2) أخرجه مسلم برقم (233).

- حكم صلاة الجمعة: 1 - صلاة الجمعة ركعتان، وتجب على كل مسلم، ذكر، بالغ، عاقل، مقيم ببناء يشمله اسم واحد. 2 - صلاة الجمعة تكفي عن صلاة الظهر، فلا يجوز لمن صلاها أن يصلي بعدها ظهراً. 3 - لا تجب صلاة الجمعة على أربعة: المرأة، والمريض، والمسافر، والصبي، ومن في حكمهم، ومن حضرها منهم أجزأته. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} [الجمعة:9]. 2 - وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَوَاحُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - شروط إقامة الجمعة: يشترط أداء صلاة الجمعة في وقتها، وأن يحضرها جماعة لا يقلون عن ثلاثة من الرجال، وأن يتقدمها خطبتان، وأن تكون في الحضر. - حكم إقامة الجمعة في البلد: إقامة الجمعة في البلد لا يشترط لها إذن الإمام. أما تعدد صلاة الجمعة في أكثر من مكان في البلد فلا يجوز إلا لحاجة وضرورة بإذن الإمام، وتقام في المدن والقرى لا في البادية والسفر. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (342) , والنسائي برقم (137)، وهذا لفظه.

- وقت صلاة الجمعة: وقت صلاة الجمعة الأفضل بعد زوال الشمس إلى آخر وقت الظهر، وتجوز قبل الزوال. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعَةَ، فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئاً نَسْتَظِلُّ بِهِ. متفق عليه (¬2). - وقت الأذان لصلاة الجمعة: لصلاة الجمعة أذانان: الأول قبل الزوال، والثاني إذا دخل الإمام قبيل الخطبة، والأَوْلى أن يكون بين النداء الأول للجمعة والنداء الثاني فاصل زمني يتمكن فيه المسلم -خاصة البعيد والنائم والغافل- من الاستعداد للصلاة، والأخذ بآدابها وسننها، والسعي إليها كساعة مثلاً. - ما يسن يوم الجمعة من الأفعال: يسن للمسلم الذي تلزمه الجمعة ما يلي: الاغتسال، والطيب، ولبس أحسن الثياب، والتبكير للجمعة، والمشي إلى المسجد، والصلاة في الصف الأول، والاشتغال بالنوافل. 1 - عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (904). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4168) , ومسلم برقم (860)، واللفظ له.

بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الامَامُ، إلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَوْس بْن أَوْسٍ الثقَفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنَ الإمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - وقت غسل الجمعة: يبدأ وقت الغسل يوم الجمعة من طلوع فجر يوم الجمعة، ويمتد إلى قبيل أداء صلاة الجمعة، ويستحب تأخير الغسل إلى قبيل الرواح إلى صلاة الجمعة. - حكم الغسل يوم الجمعة: غسل الجمعة سنة مؤكدة، ويجب الغسل على من به رائحة كريهة تتأذى منها ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (883). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (881) , واللفظ له، ومسلم برقم (850). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (345) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (496).

الملائكة والناس. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفق عليه (¬1). - فضل صلاة الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». أخرجه مسلم (¬2). - وقت السعي للجمعة: 1 - وقت السعي المستحب إلى الجمعة يبدأ من طلوع الشمس يوم الجمعة. أما وقت السعي الواجب إلى الجمعة فهو عند النداء الثاني إذا دخل الإمام للخطبة. 2 - يعرف المسلم الساعات الخمس التي جاءت في فضل السعي المبكر يوم الجمعة بأن يقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام إلى خمسة أقسام، وبذلك يعرف مقدار كل ساعة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} [الجمعة:9]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ باب مِنْ أبْوَابِ المَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، فَإِذَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (858) , واللفظ له، ومسلم برقم (846). (¬2) أخرجه مسلم برقم (857).

جَلَسَ الإمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاؤا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي البَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي البَيْضَةَ». متفق عليه (¬1). - ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة: قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها .. الإكثار من الدعاء والذكر رجاء موافقة ساعة الإجابة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقال: «فِيهِ سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْألُ اللهَ تَعَالَى شَيْئاً، إلا أعْطَاهُ إيَّاهُ». وَأشَارَ بِيَدِهِ يُقَللهَا. متفق عليه (¬2). - ما يسن أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة: يسن أن يقرأ الإمام في الركعة الأولى من صلاة الفجر يوم الجمعة سورة السجدة وفي الركعة الثانية سورة الإنسان. وله أحياناً أن يقرأ بغيرهما بمقدارهما، أو أقصر منهما، من طوال المفصل، وأوساطه، وقصاره، وأحياناً بأطول من ذلك. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ كَانَ يَقْرَأ فِي الفَجْرِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ، وَهَلْ أتَى. متفق عليه (¬3). - مكانة يوم الجمعة: 1 - يوم الجمعة في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (929) , ومسلم برقم (850)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (935) , واللفظ له، ومسلم برقم (852). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (891) , ومسلم برقم (880)، واللفظ له.

القدر في رمضان. فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر. 2 - يوم الجمعة يوم عظيم عند الله، فهو اليوم الذي تفزع فيه الدواب منه إلا الإنس والجن، وفيه تقوم الساعة. 3 - يوم الجمعة سيد أيام الأسبوع، فيه صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، وأعظم مجامع المسلمين، وفيه خطبة الجمعة التي فيها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية. 4 - لشرف هذا اليوم العظيم فقد خصه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبادات تميز بها عن غيره: منها قراءة سورة السجدة والإنسان في فجره، والتأكيد على الغسل فيه، ولبس أحسن الثياب، والتطيب، والتبكير للمسجد يوم الجمعة، والاشتغال بالنوافل والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام، والإنصات للخطبة، وقراءة سورة الكهف في يومه أو ليلته، وقراءة سبح والغاشية في صلاة الجمعة، أو الجمعة والمنافقون، أو الجمعة والغاشية، وللماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، وفيه ساعة الإجابة التي لا يسأل المسلم فيها ربه شيئاً إلا أعطاه إياه، وهو يوم عيد يكره إفراده بالصوم. - وقت مجيء الإمام للخطبة: السنة أن يبكر المأموم للجمعة والعيدين والاستسقاء. أما الإمام فيأتي في الجمعة والاستسقاء عند الخطبة، وفي العيدين يأتي عند وقت الصلاة. - حكم من دخل والمؤذن يؤذن: من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر، والمؤذن يؤذن، صلى

ركعتين خفيفتين، ثم ينصت لسماع خطبة الجمعة. - بم تكون الخطبة: السنة أن تكون خطبة الجمعة باللغة العربية لمن يحسنها، وإن ترجمت للحاضرين بلغتهم لكونهم لا يفهمون العربية فهو أولى، فإن لم يمكن خطب بلغتهم؛ لأن المقصود فهمها، والعمل بموجبها. أما الصلاة فلا تصح فرضاً أو نفلاً إلا بالعربية. - موضوع الخطبة: خُطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخُطب أصحابه رضي الله عنهم كلها تشتمل على بيان التوحيد والإيمان، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان، وذكر أحوال اليوم الآخر، والجنة والنار. كما تشتمل على ذكر آلاء الله التي تحببه إلى خلقه، وذكر أيامه التي تخوفهم بأسه وبطشه. كما تشتمل على ذم الاغترار بالدنيا، والترغيب في الآخرة، وذكر الموت، والحث على طاعة الله ورسوله، والتحذير من الشرك والمعاصي. فيذكر الخطيب من عظمة الله وعظمة أسمائه وصفاته، وعظمة خزائنه، وجميل أفعاله، وجلاله وكبريائه، وعظيم آلائه ونعمه ما يحببه إلى خلقه، ويعظمه في قلوبهم، ويأمر بطاعته وذكره وشكره والثناء عليه ما يحببهم إليه. فينصرفون وقد أحبوه وأحبهم، وامتلأت قلوبهم بالإيمان واليقين والخشية لربهم، وتحركت جوارحهم لطاعته وعبادته، ولهجت ألسنتهم بذكره وشكره وحمده، وكثرة الاستغفار والتوبة.

- مقدار وقت الخطبة والصلاة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيل خطبته أحياناً، ويقصرها أحياناً، بحسب حاجة الناس، وتغير الأحوال. وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة، وصلاته أطول من خطبته. ويسن للإمام أن يقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، على ما ورد في السنة. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَتْ صَلاتُهُ قَصْداً، وَخُطْبَتُهُ قَصْداً. أخرجه مسلم (¬1). - صفة الجلوس لسماع الخطبة: يسن للمصلي أن يحضر للجمعة مبكراً، وأن يدنو من الإمام. ويسن للمصلين أن يستقبلوا الإمام بوجوههم أثناء الخطبة؛ وذلك أحضر للقلب، وأبلغ في السماع، وأوعى للكلام، وأبعد عن النوم، وأبلغ في الوعظ، وأشجع للخطيب، وهو الذي يقتضيه الأدب. وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - يعظهم ويعلمهم جلسوا حوله، واستقبلوه بوجوههم. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. متفق عليه (¬2). - صفة الخطيب: السنة أن يلبس الإمام أحسن ثيابه، وأن يخطب على منبر له ثلاث درجات، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (866). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (921) , واللفظ له، ومسلم برقم (1052).

فإذا دخل للخطبة صعد المنبر مباشرة، ثم واجه المصلين وسلم عليهم. ثم يجلس حتى يؤذن المؤذن، ثم يخطب الخطبة الأولى قائماً، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية قائماً كذلك. ويسن أن يخطب خطبة قصيرة حفظاً، فإن لم يقدر خطب بورقة، وله أن يقطع الخطبة لعارض من أمر، أو تنبيه، أو توجيه، ثم يواصل. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إذْ قَامَ رَجُلٌ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ أنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. متفق عليه (¬2). - وجوب الإنصات أثناء الخطبة: يجب على المصلين جميعاً الإنصات لسماع الخطبة، والكلام أثناء الخطبة يفسد الأجر، ويُلحق الإثم، فلا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا للإمام، ومَنْ يكلمه الإمام لمصلحة. ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها لمصلحة، ويحرم تخطي رقاب الناس يوم الجمعة والإمام يخطب. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (867). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (932) , واللفظ له، ومسلم برقم (897).

الجُمُعَةِ أنْصِتْ، وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ». متفق عليه (¬1). - فضل سماع خطبة الجمعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا». أخرجه مسلم (¬2). - حكم من دخل والإمام يخطب: من دخل والإمام يخطب فالسنة أن يصلي ركعتين ويتجوّز فيهما، ثم ينصت لسماع الخطبة، ومن نعس وهو في المسجد فالسنة أن يتحول من مجلسه ذلك إلى غيره. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: «يَا سُلَيْكُ! قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». ثُمَّ قال: «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمْ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». متفق عليه (¬3). - صفة خطبة الجمعة: 1 - يسن للإمام أن يستفتح خطبته أحياناً بخطبة الحاجة، وأحياناً بغيرها، وخطبة الحاجة هي: «إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدهُ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (934) , واللفظ له، ومسلم برقم (851). (¬2) أخرجه مسلم برقم (857). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (161) , ومسلم برقم (875)، واللفظ له.

وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَرِيكَ له، وأشْهَدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. «أما بعد» .. وأحياناً لا يذكر هذه الآيات. وأحياناً يقول بعد قوله أما بعد: «فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1). 2 - السنة أن يتولى الخطبة والصلاة إمام واحد. ويجوز أن يخطب رجل، ويصلي الجمعة بالناس آخر لعذر. 3 - يسن للخطيب أن يقرأ من القرآن في خطبته، وأن يخطب أحياناً بسورة (ق)، وأن يستسقي في خطبته عند الحاجة، وأن تكون خطبته أقصر من صلاته. 1 - عَنْ عَمَّار بنِ ياسِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْراً». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2118) , والنسائي برقم (1578)، وابن ماجه برقم (1892)، وأصله في مسلم برقم (868). (¬2) أخرجه مسلم برقم (869).

وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاحِداً، سَنَتَيْنِ أوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ، وَمَا أخَذْتُ (ق وَالقُرْآنِ المَجِيدِ) إِلا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم التسمية في بدء الخطبة: الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا كتب كتاباً بسمل ولم يحمدل، وإذا خطب حمد الله بدون بسملة. - حكم الدعاء أثناء الخطبة: 1 - يسن للإمام أن يدعو في خطبته لما فيه صالح الإسلام والمسلمين، مما ورد في القرآن والسنة. 2 - لا يشرع لا للإمام ولا للمأمومين رفع اليدين أثناء الدعاء في الخطبة إلا إذا استسقى الإمام فيرفع يديه ويرفع الناس. 3 - يشير الإمام أثناء الدعاء بأصبعه السبابة ولا يرفع يديه. أما التأمين على الدعاء فمشروع للمصلين مع خفض الصوت به. - صفة صلاة الجمعة: صلاة الجمعة ركعتان يصليهما الإمام بعد خطبة الجمعة. ويسن للإمام أن يقرأ جهراً في الأولى بعد الفاتحة بسورة (الجمعة). ويقرأ جهراً في الثانية بعد الفاتحة بسورة (المنافقون). أو يقرأ في الأولى بـ (الجمعة)، وفي الثانية بـ (الغاشية). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (873).

أو يقرأ في الأولى بـ (الأعلى)، وفي الثانية بـ (الغاشية). يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة بوجوهها المشروعة. وله أن يقرأ فيهما بما تيسر من القرآن، فإذا صلى الركعتين سلم. 1 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ فِي العِيدَيْنِ وَفِي الجُمُعَةِ، بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، وَهَلْ أتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ. قال: وَإِذَا اجْتَمَعَ العِيدُ وَالجُمُعَةُ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأ بِهِمَا أيْضاً فِي الصَّلاتَيْنِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأ فِي صَلاةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ وَالمُنَافِقِينَ. أخرجه مسلم (¬2). - صفة سنة الجمعة: يسن للمسلم أن يصلي بعد الجمعة في بيته ركعتين، ويصلي في بعض الأحيان أربعاً بسلامين. أما إذا صلى في المسجد فيسن له أن يصلي أربعاً بسلامين. ولا سنة للجمعة قبلها، بل يصلي ما شاء حتى يأتي الإمام. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَلَّى أحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أرْبَعاً». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ، انْصَرَفَ فَسَجَدَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (878). (¬2) أخرجه مسلم برقم (879). (¬3) أخرجه مسلم برقم (881).

سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ ذَلِكَ. متفق عليه (¬1). - المسبوق متى يدرك الجمعة: من أدرك مع الإمام الخطبة والصلاة فهو أفضل وأعظم أجراً، ومن أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة جاء بركعة أخرى وأتمها جمعة، وإن أدرك أقل من ركعة فينويها ظهراً، ويصلي أربع ركعات. - حكم ترك الجمعة: من فاتته صلاة الجمعة قضاها ظهراً أربع ركعات، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وإن كان غير معذور فهو آثم إثماً كبيراً. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ ابْن عُمَرَ وَأبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى أعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقْوَامٌ، عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَبي الجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ ثلاَث جُمَعٍ تَهَاوُناً بهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937) , ومسلم برقم (882)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (652). (¬3) أخرجه مسلم برقم (865). (¬4) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1052) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (500).

- حكم السفر يوم الجمعة: يجوز للإنسان أن يسافر لحاجته كل وقت، وأفضل أوقات السفر المختار يوم الخميس، ويجوز السفر يوم الجمعة صباحاً أو مساءً، ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد النداء الثاني إلا لضرورة، كخوف فوت رفقة، أو حضور وقت الرحلة في طائرة، أو سيارة، أو سفينة ونحو ذلك. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} [الجمعة:9]. - هل تجب الجمعة على المسافر: 1 - صلاة الجمعة لا تجب على المسافر، والمسافر لا يشرع له تقصُّد صلاة الجمعة ما لم يستوطن، وإن صلاها صحت منه. 2 - إذا مر المسافر ببلد تقام فيه الجمعة، وسمع النداء، وأراد أن يستريح في هذا البلد لزمته صلاة الجمعة، وإن خطب وصلى بهم الجمعة صحت صلاة الجميع. ولا جمعة على المريض الذي لا يستطيع شهودها، ولا على السجين؛ لأنه معذور، فإن أُذن له بشهودها لزمته. - الحكم إذا وافق العيد يوم الجمعة: إذا وافق العيد يوم الجمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، ويصلون ظهراً، إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه، وكذا من لم يصل العيد، وإن صلاها من صلى العيد أجزأته عن صلاة الظهر. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي

يَوْمِكُمْ هَذا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - وقت ساعة الإجابة: أخفى الله عز وجل ليلة القدر في الليالي العشر الأواخر من رمضان، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة؛ ليجتهد العبد في تحريها، وينافس في الأعمال الصالحة ليغنم وافر الأجر، وهي ساعة خفيفة. وترجى ساعة الإجابة في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة بعد العصر، وما بين أن يجلس الإمام إلى نهاية الصلاة. ويسن فيها الإكثار من الذكر والدعاء، وسؤال الله من خيري الدنيا والآخرة، فالدعاء في هذا الوقت حريّ بالإجابة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقال: «فِيهِ سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْألُ اللهَ تَعَالَى شَيْئاً، إلا أعْطَاهُ إيَّاهُ». وَأشَارَ بِيَدِهِ يُقَللهَا. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَوْمُ الجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لاَ يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئاً إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ فَالتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1073) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1311). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (935) , واللفظ له، ومسلم برقم (852). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1048)، وأخرجه النسائي برقم (1389) وهذا لفظه.

3 - باب قضاء الفوائت

3 - باب قضاء الفوائت - الأداء: فعل العبادة في وقتها المقدر شرعاً. - القضاء: فعل العبادة خارج وقتها المقدر شرعاً. - الترتيب: وضع كل شيء في مرتبته، بأن تُفعل العبادة حسب مرتبتها في وقتها. - الصلاة الفائتة: هي التي خرج وقتها قبل أدائها. - أقسام الصلوات التي تقضى: ينقسم قضاء الصلوات إلى ثلاثة أقسام: 1 - قضاء الصلوات المفروضة. 2 - قضاء صلاة التطوع. 3 - قضاء الركعات -كما سبق في أحكام المأموم-. - صفة قضاء الفوائت: الصلاة إذا فات وقتها قبل فعلها فهي على أقسام: 1 - قسم يقضى بحاله في كل وقت من حين زوال العذر كالصلوات الخمس. 2 - قسم لا يقضى بنفسه، وهو الجمعة إذا فاتت أو فات وقتها، فيصلي ظهراً بدلاً عنها. 3 - قسم يقضى بنفسه في وقته، وهي صلاة العيد. فإذا فات وقت صلاة العيد، قضى الناس صلاة العيد من الغد في وقتها من

طلوع الشمس إلى ما قبل الزوال. وأما النوافل فهي قسمان: 1 - ما كان له سبب عارض إذا فات سببه لم يقض لفوات سببه كالكسوف، والاستسقاء ونحوهما. 2 - ما كان يدور بدوران الوقت كالسنن الرواتب، والوتر، وقيام الليل ونحو ذلك، فهذا يستحب قضاؤه إذا فات لعذر. والقضاء يحكي الأداء إلا الجمعة إذا فاتته صلاها ظهراً، وإلا الوتر إذا فاته قضاه في النهار شفعاً. - أحكام قضاء فوائت الفرائض: 1 - يجب فوراً قضاء فوائت الفرائض مرتبة بمجرد زوال العذر، ويسقط الترتيب بالنسيان، أو الجهل، أو خوف خروج وقت الحاضرة، أو خوف فوات الجمعة. 2 - من شرع في صلاة فرض ثم ذكر أنه لم يصل الصلاة التي قبلها، فهذا يتم ما دخل فيه، ثم يقضي الفائتة. فمن فاتته صلاة العصر مثلاً ونسيها، ثم دخل المسجد فوجد المغرب قد أقيمت، ودخل معهم، ثم ذكر أنه لم يصل العصر، فهذا يكمل صلاة المغرب، ثم يصلي العصر. 3 - السنة إذا كثرت فوائت الفرائض أن يقضيها بدون السنن الراتبة، كما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلوات في يوم الخندق بلا الرواتب. وإذا قلّت الفوائت فالسنة أن يقضي معها السنة الراتبة.

1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كِدْتُ أصَلِّي العَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا». فَقُمْنَا إلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأ لِلصَّلاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ». قال فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ. أخرجه مسلم (¬2). - صفة قضاء الفوائت المفروضة: 1 - من نام عن صلاة أو نسيها صلاها إذا ذكرها في أي وقت. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فكَفَّارَتُهَا أنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا». متفق عليه (¬3). 2 - من زال عقله بنوم أو سكر لزمه قضاء الفوائت، وكذا لو زال عقله بفعل مباح كالبنج والدواء فعليه القضاء. 3 - من زال عقله بغير اختياره كالإغماء فلا قضاء عليه لما فات. 4 - من نام عن صلاة العصر مثلاً، ولم يفق إلا والناس في صلاة المغرب فيدخل معهم بنية العصر، فإذا سلم الإمام قام وأتى بالركعة الرابعة ثم سلم، ثم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (596) , واللفظ له، ومسلم برقم (631). (¬2) أخرجه مسلم برقم (680). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (597) , ومسلم برقم (684)، واللفظ له.

يصلي بعدها المغرب. 5 - المرتد إذا تاب لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة والصيام وغيرهما في حال ردته؛ لأنه كفر ثم أسلم، والإسلام يجب ما قبله. عَنْ عَمْرو بن العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ: «أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا؟ وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟». أخرجه مسلم (¬1). 6 - إذا أفاق مجنون، أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، بعد دخول الوقت، لزمهم أن يصلوا صلاة ذلك الوقت. 7 - المريض إذا كان يغمى عليه قليلاً ثم يفيق فإنه يصلي حال إفاقته، وإن كان يغمى عليه طويلاً كأيام أو شهور فإنه يصلي حال إفاقته، وليس عليه قضاء الصلوات التي مرت حال إغمائه. - صفة قضاء الحائض والنفساء للصلاة: 1 - الحائض والنفساء لا يصح منها الصوم ولا الصلاة ولا الطواف، فإذا طهرت فعليها أن تقضي الصوم لا الصلاة. 2 - الحائض إذا انقطع دمها في الوقت، ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت، فيلزمها أن تغتسل وتصلي ولو خرج الوقت؛ لأن الوقت في حقها من حين طهرت من الدم. عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَألْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (121).

أسْألُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. متفق عليه (¬1). - كيف يقضي الجنب الصلاة: الإنسان إذا أصابته الجنابة عليه أن يغتسل ويصلي الصلاة في وقتها مع الجماعة. والجنب إذا غلبه النوم ثم استيقظ لصلاة الفجر قبل طلوع الشمس، فإن اغتسل طلعت الشمس، فعليه أن يغتسل ويصلي ولو طلعت الشمس؛ لأن الوقت في حق النائم من حين يستيقظ. - صفة قضاء من نام عن الصلاة في السفر: من كانوا في سفر ثم ناموا في الصحراء، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فالسنة أن يتحولوا من مكانهم، ثم يتوضؤون، ثم يؤذن أحدهم، ثم يصلون ركعتي الفجر، ثم يقيم، ثم يصلي بهم إمامهم الفجر. - صفة الترتيب بين الفوائت: 1 - يجب الترتيب بين فوائت الفرائض أنفسها، وبين الفوائت والصلاة الوقتية، وبين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما. 2 - وجوب الترتيب يسقط بما يلي: الجهل، والنسيان، وضيق وقت الحاضرة، وخشية فوات صلاة الجمعة. - حكم من ذكر فائتة وهو يصلي: 1 - إذا ذكر الإمام فائتة في أثناء حاضرة أتم الحاضرة، ثم قضى الفائتة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (321) , ومسلم برقم (335)، واللفظ له.

2 - إذا قطع الإمام صلاته الحاضرة بعد ذكره الفائتة أثناء الصلاة فقد ترك الأَوْلى، لكن عليه أن يستخلف من يتم بالمأمومين صلاتهم. 3 - إذا قلب الإمام نيته إلى نافلة بعد ذكره الفائتة فصلاة المأمومين خلفه صحيحة، لصحة ائتمام المفترض بالمتنفل. 4 - إذا ذكر المأموم صلاة فائتة وهو يصلي الحاضرة أتم الحاضرة مع الإمام، ثم يصلي بعدها الفائتة. 5 - المنفرد إذا ذكر فائتة أثناء صلاة حاضرة أتم الحاضرة، ثم يصلي بعدها الفائتة. - صفة قضاء الصلوات المنسية: 1 - إذا نسي المسلم صلاة معينة فأكثر وعلم يومها فإنه يجب عليه أن يعيد جميع صلوات ذلك اليوم مرتبة بأعيانها، حتى يتحقق من قضاء تلك الفائتة. 2 - إذا علم عين الصلاة الفائتة كالظهر مثلاً، ونسي يومها، فيقضيها وينوي بصلاته تلك الفائتة. 3 - إذا علم أعيان الفوائت كصلوات الظهر والعصر والمغرب مثلاً، ونسي أيامها، قضاها مرتبة حسب ترتيب أيامها، إلا أن يشق عليه ذلك، فيصلي الظهر ثم العصر ثم المغرب لليوم الأول .. وهكذا. - حكم الترتيب بين الفوائت: الصلوات بالنسبة للترتيب في الوقت والفعل أربعة أقسام هي: 1 - الصلوات الخمس: وهذه يجب أداؤها في أوقاتها مرتبة. 2 - الصلوات المجموعة: فإذا جمع في الحضر أو السفر بين الظهر والعصر، أو

بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، فالترتيب واجب بالفعل وإن اتحد الوقت. 3 - فوائت الفرائض: وهذه يجب قضاؤها مرتبة؛ لأن القضاء مثل الأداء، فإذا فات الوقت تعيّن الفعل. 4 - يجب الترتيب بين الفوائت والصلاة الوقتية إذا اتسع الوقت لفعلهما، فإذا لم يتسع قدم الوقتية على غيرها؛ لأن الفائتة قد فات وقتها، فلا يجوز تفويت وقت الأخرى بحجة الترتيب بينهما. 5 - حد الكثرة المسقط للترتيب يكون بحسب اتساع الوقت وضيقه لا بحسب عدد معين من الصلوات، فإن اتسع الوقت لم يسقط الترتيب، وإن ضاق سقط. - صفة الأذان للفوائت: 1 - يسن الأذان للفائتة، ثم يقيم ويصلي، وإذا كانت الفوائت أكثر من واحدة فيكتفي بأذان واحد للجميع، ويقيم لكل واحدة من الفوائت. 2 - تصح الصلاة بدون أذان ولا إقامة، سواء كانت فائتة أو غير فائتة، وسواء كان منفرداً أو في جماعة. 3 - الأذان ليس بواجب للصلاة الفائتة، وإن صلى وحده أداء أو قضاءً وأذن وأقام فقد أحسن، وإن اكتفى بالإقامة أجزأه. - الذين يجب عليهم قضاء الفوائت: النائم، والناسي، والسكران، والمخدَّر، وما تركه المرتد حال إسلامه قبل ردته.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة:217]. - الذين لا يجب عليهم قضاء الفوائت: الكافر، والمجنون، والحائض، والنفساء، وتارك الصلاة عمداً من غير عذر، وما تركه المرتد حال ردته، ومن أغمي عليه بغير اختياره. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال:38]. 2 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا أسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إسْلامُهُ، يُكَفِّرُ اللهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ القِصَاصُ: الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إلا أنْ يَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهَا». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ عَنِ المَجْنُونِ المَغْلُوب عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 4 - وَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَألْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أسْألُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (41). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4401) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (1423).

متفق عليه (¬1). - ما يجب قضاؤه من الصلوات: 1 - من لزمه قضاء صلاة فريضة لا يلزمه قضاء ما بعدها مما يجمع إليها، فلو فاتته الظهر مثلاً، ثم أغمي عليه طويلاً، فيقضي الظهر دون العصر؛ لأنه دخل وقتها وخرج وهو من غير أهلها. 2 - من زال عذره في وقت صلاة يُجمع ما قبلها إليها فلا يلزمه قضاء ما قبلها؛ لأنه دخل وقتها وخرج وهو من غير أهلها، كمن أفاق من جنون أو إغماء وقت العشاء، فيقضي العشاء وحدها دون المغرب. - وقت قضاء الفوائت: من فاتته إحدى الصلوات الخمس، أو السنن الرواتب، أو الوتر فالسنة أن يقضيها إذا ذكرها، إن تركها لعذر، ومن تركها لغير عذر فلا يقضيها. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى» متفق عليه (¬2). - صفة قضاء صلاة السفر في الحضر والعكس: 1 - صفة قضاء صلاة السفر في الحضر: إذا فاتت صلاة السفر، أو لم تُذكر، أو لم يزل السبب المانع منها إلا في الحضر فإنها تقضى في الحضر أربع ركعات إذا كانت مما يقصر؛ لأن الأصل ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (321)، ومسلم برقم (335)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (597) , ومسلم برقم (684)، واللفظ له.

في الصلاة الاتمام وليس القصر، فإذا زال السبب عمل بالأصل، ولأن العبرة في قضاء الصلاة وأدائها اعتبار المكان لا الزمان. 2 - صفة قضاء صلاة الحضر في السفر: إذا فاتت المسلم صلاة من الصلوات في الحضر لعذر ثم ذكرها في السفر فإنها تقضى ركعتين؛ لأن العبرة في قضاء الصلاة اعتبار المكان لا الزمان. 2 - قضاء صلاة التطوع: 1 - قضاء السنن الرواتب. - صفة قضاء السنن الرواتب: يسن قضاء السنن الرواتب إذا فاتت لعذر، سواء فاتت مع فرائضها، أو لم تفت معها. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فكَفَّارَتُهَا أنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَها: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِالقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ». قال فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأ، ثُمَّ سَجَدَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (684). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1233) , واللفظ له، ومسلم برقم (834).

سَجْدَتَيْنِ،، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - صفة قضاء قيام الليل والوتر: يسن لمن فاتته صلاة الليل من تهجد ووتر أن يقضيهما إن تركهما لعذر. 1 - عَنْ عُمَر بن. الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذا ذكَرَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (680). (¬2) أخرجه مسلم برقم (747). (¬3) أخرجه مسلم برقم (746). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1431) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (465).

3 - باب صلاة التطوع

3 - باب صلاة التطوع ويشتمل على ما يلي: 1 - السنن الراتبة. 2 - صلاة التهجد. 3 - صلاة الوتر. 4 - صلاة التراويح. 5 - صلاة العيدين. 6 - صلاة الكسوف. 7 - صلاة الاستسقاء. 8 - صلاة الضحى. 9 - صلاة ركعتي الوضوء. 10 - صلاة تحية المسجد. 11 - صلاة القدوم من السفر. 12 - صلاة التوبة. 13 - صلاة الاستخارة. 14 - صلاة التطوع المطلق.

صلاة التطوع · التطوع: هو فعل الطاعة مطلقاً سواء كانت واجبة أو مسنونة. · يطلق التطوع في الشرع على كل طاعة غير واجبة من صلاة، وصدقة، وصوم، وحج ونحو ذلك. · صلاة التطوع: هي جميع الصلوات المشروعة غير الواجبة. ويطلق عليها لفظ: السنة، والمستحب، والرغيبة، والفضيلة. · حكمة مشروعية التطوع: الله تبارك وتعالى يحب المؤمنين، ويحب لهم الدرجات العلى في الجنة، ومن رحمة الله بعباده أن شرع لكل فرض تطوعاً من جنسه؛ ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التطوع، ويكسب به زيادة الأجر، وتعلو به درجته عند ربه، ويكمل به ما نقص من الفرائض. فشرع سبحانه الصلاة وجعل منها الواجب والتطوع، وشرع الزكاة وجعل منها الواجب والتطوع، وشرع الصيام وجعل منه الواجب والتطوع، وشرع الحج وجعل منه الواجب والتطوع، وهكذا في جميع الأعمال الصالحة. وكلما أكثر العبد من التطوع والنوافل أحبه الله، وازداد منه قرباً، وأجاب دعاءه. · قيمة التطوع: أوامر الله عز وجل نوعان: فرائض .. ونوافل.

فالفرائض رأس المال، وهي أصل التجارة، وبها يحصل دخول الجنة، والنجاة من النار. والنوافل هي الربح، وبها تكثر الحسنات، وتُغفر السيئات، ويفوز العبد بأعلى الدرجات في الجنة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما. · أفضل التطوع: التطوع أنواع كثيرة جداً، وآكده الجهاد، والعلم، والصلاة، والذكر، والاستغفار. وأفضل التطوع يختلف باختلاف الفاعل، وباختلاف الزمن، وباختلاف النوع. فالشجاع الأفضل في حقه الجهاد؛ لأنه أليق به، والذكي الحافظ قوي الحجة الأفضل له العلم؛ لأنه الأليق به، والغني ذو الثروة الأفضل له الإنفاق في وجوه البر والإحسان، والقوي النشيط الأفضل له الصلاة والذكر، وصاحب الشهوات الأفضل له الصيام وهكذا في باقي الأعمال الصالحة ينظر المسلم الأصلح لقلبه فيلزمه. وإذا كنا في زمن تفشى فيه الجهل والبدع، وكثر من يفتي بلا علم، فالعلم أفضل من الجهاد، وإن كنا في زمن كثر فيه العلماء، واحتاجت الثغور إلى مرابطين يدافعون عن الإسلام والمسلمين، فالأفضل الجهاد. فإن لم يكن مرجح لهذا ولا لهذا فالأفضل العلم تعلمه وتعليمه؛ ليرفع الجهل عن نفسه وغيره، فالعلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته، ومبنى الشرع كله على العلم: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [التوبة:122].

· فضل التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬2). · أقسام صلاة التطوع: صلاة التطوع أنواع كثيرة: 1 - منها ما تشرع له الجماعة كصلاة التراويح والعيدين، والكسوف والاستسقاء. 2 - ومنها ما لا تشرع له الجماعة كصلاة الاستخارة. 3 - ومنها ما هو تابع للفرائض كالسنن الرواتب. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502). (¬2) أخرجه مسلم برقم (488).

4 - ومنها ما ليس بتابع للفرائض كصلاة الضحى. 5 - ومنها ما هو مؤقت كصلاة التهجد والتراويح. 6 - ومنها ما هو تطوع مطلق لا يتقيد بسبب ولا بوقت، ولا بفرض، ولا بعدد كالنوافل المطلقة. 7 - ومنها ما هو مقيد بسبب كركعتي الوضوء، وتحية المسجد. 8 - ومنها ما هو مؤكد كصلاة العيدين، والكسوف، والاستسقاء، والوتر. 9 - ومنها ما ليس بمؤكد كالنوافل قبل العصر والمغرب ونحوهما. وهذا من فضل الله الكريم على عباده .. حيث شرع لهم ما يتقربون به إليه، ونوَّع لهم الطاعات والقربات ليرفع لهم بها الدرجات، ويكفر عنهم بها السيئات، ويضاعف لهم الحسنات. فلله الحمد على ما خلق وأمر، وله الشكر على ما سن وشرع، وله الحمد على ما قضى وقدر، وله الشكر على جزيل العطاء. {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية:36، 37]. · فضائل صلاة التطوع: 1 - صلاة التطوع تجلب محبة الله للعبد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا،

وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - صلاة التطوع ترفع الدرجات وتحط الخطايا: عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ أحَبِّ الأعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَقَالَ: سَألْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - كثرة النوافل من أعظم أسباب دخول الجنة. عَنْ رَبِيعَة بن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - صلاة التطوع تكمِّل الفرائض، وتجبر نقصها. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بهِ العَبْدُ المُسْلِمُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاَةُ المَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلاَّ قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتِ الفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثمَّ يُفْعَلُ بسَائِرِ الأَعْمَالِ المَفْرُوضَةِ مِثلُ ذلِكَ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502). (¬2) أخرجه مسلم برقم (488). (¬3) أخرجه مسلم برقم (489). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (864) , وابن ماجه برقم (1425)، وهذا لفظه.

5 - كثرة التطوع ومحبته علامة شكر العبد لربه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً». فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِساً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. متفق عليه (¬1). 6 - صلاة التطوع أفضل أعمال نوافل البدن بعد الجهاد والعلم. عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَقِيمُوا تُفْلِحُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ». أخرجه أحمد (¬2). 7 - صلاة التطوع في البيت سبب لحصول البركة. 1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً، قالَ: حَسِبْتُ أنَّهُ قال مِنْ حَصِيرٍ، فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقال: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلا المَكْتُوبَةَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قَضَى أحَدُكُمُ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيباً مِنْ صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْراً». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4837) , واللفظ له، ومسلم برقم (731). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22414) , انظر إرواء الغليل (412). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731) , واللفظ له، ومسلم برقم (781). (¬4) أخرجه مسلم برقم (778).

· أحب التطوع إلى الله: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي امْرَأةٌ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقُلْتُ: امْرَأةٌ، لا تَنَامُ، تُصَلِّي. قال: «عَلَيْكُمْ مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الحَبْلُ». قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. متفق عليه (¬4). · فضل النية والعمل الصالح: من اعتاد فعل شيء من الطاعات، وحال بينه وبين فعلها العذر، كتب الله له أجرها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1151) , ومسلم برقم (785)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1150) , واللفظ له، ومسلم برقم (784). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (39) , واللفظ له، ومسلم برقم (2816). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1970) , واللفظ له، ومسلم برقم (782).

فمن كان يصوم الإثنين، ووافق صيام أيام البيض، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ووافق يوم الإثنين، فإنه ينويهما معاً، وله أجر اليومين، أحدهما بنيته، والآخر بعمله. وهكذا تحية المسجد تجزئ عن السنة الراتبة وركعتي الوضوء. 1 - عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬2). · صفة أداء صلاة التطوع: 1 - يجوز للمسلم أن يصلي النوافل قائماً وقاعداً، والقيام أفضل عند القدرة، ومن صلى قاعداً وهو قادر على القيام فله نصف أجر القائم ومن صلى قاعداً وهو عاجز عن القيام فله مثل أجر القائم. 2 - يجوز أداء بعض التطوع من قيام، وبعضه من قعود. 3 - صلاة الفريضة القيام فيها ركن، من تركه مع القدرة عليه فصلاته باطلة. 4 - السنة لمن صلى قاعداً أن يتربع في حال مكان القيام. 1 - عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِداً فَلَهُ نِصْفُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2996).

أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مُتَرَبعاً. أخرجه النسائي وابن خزيمة (¬3). · حكم صلاة التطوع جماعة: السنة أن يصلي المسلم صلاة التطوع والتهجد والنوافل في بيته منفرداً إلا ما شُرع له الجماعة. وصلاة التطوع في جماعة قسمان: الأول: ما تسن له الجماعة الراتبة كصلاة العيدين، والكسوف، والتراويح، والاستسقاء، فهذا يفعل جماعة دائماً. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل، وصلاة الضحى، والنوافل المطلقة، فهذا يصليه منفرداً في البيت؛ لأن ذلك هو السنة وأبعد عن الرياء، وأصون عن المحبطات، وأقرب إلى الإخلاص، وعلامة الصدق والمحبة، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان. وإن صلى هذا التطوع جماعة أحياناً جاز إذا لم يُتخذ راتبة، وكذا إذا كان لمصلحة، مثل ألا يحسن أن يصلي وحده، أو لا ينشط وحده، فالجماعة ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1116). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1117). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1661) , وهذا لفظه، وابن خزيمة برقم (1238).

أفضل إذا لم يُتخذ هذا راتبة، والمداومة على فعل هذا جماعة بدعة، وفعلها في البيت أفضل إلا لمصلحة راجحة. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قال: «قُومُوا فَلأصَلِّ لَكُمْ». قال أنَسٌ: فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصَفَفْتُ وَاليَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً، قال: حَسِبْتُ أنَّهُ قال مِنْ حَصِيرٍ، فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقال: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلا المَكْتُوبَةَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِماً حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬3). · حكم التطوع على الراحلة في السفر: 1 - يستحب للمسافر التطوع على ظهر الراحلة سواء كانت طائرة، أو سيارة، أو قطار، أو سفينة، أو حيوان أو غير ذلك من وسائل النقل، وليس له فعل ذلك ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (380) , واللفظ له، ومسلم برقم (658). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731) , واللفظ له، ومسلم برقم (781). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1135) , واللفظ له، ومسلم برقم (773).

في الحضر. 2 - يستحب استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام في التطوع في السفر، وإلا صلى حيثما توجهت به راحلته. 3 - أما الفريضة فلا بد للمسافر أن يستقبل القبلة في جميع صلاته راكباً أو نازلاً، مقيماً أو مسافراً. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} [البقرة:115]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإذَا أرَادَ الفَرِيضَةَ، نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. متفق عليه (¬2). · الصلوات التي يجوز فعلها في أوقات النهي: 1 - قضاء الفرائض الفائتة بسبب نوم، أو نسيان أو غيرهما. 2 - صلوات ذوات الأسباب كصلاة الكسوف والجنازة، وتحية المسجد، وركعتي الطواف ونحو ذلك. 3 - قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقضاء سنة الظهر بعد صلاة العصر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1000) , واللفظ له، ومسلم برقم (700). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (400) , واللفظ له، ومسلم برقم (540).

· حكمة النهي عن صلاة التطوع في أوقات النهي: 1 - عَنْ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ... قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأجْهَلُهُ، أخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاةِ؟ قال: «صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (¬2). · معرفة ذوات الأسباب: ضابط ذوات الأسباب: هو كل صلاة متعلقة بسبب: فإن كانت تفوت إذا أُخرت عن سببها فإنها تشرع في أوقات النهي كالكسوف، وتحية المسجد ونحوهما، وإن كانت لا تفوت فإنها لا تشرع في أوقات النهي كصلاة الاستسقاء. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (832). (¬2) أخرجه مسلم برقم (831).

1 - السنن الراتبة

1 - السنن الراتبة - السنن الرواتب: هي التي تصلى قبل الفريضة أو بعدها. - أقسام صلاة النافلة: صلاة النافلة قسمان: نوافل مطلقة، ونوافل مقيدة. فالنوافل المطلقة: هي التي يصليها العبد متى شاء في الليل أو النهار في غير أوقات النهي. والنوافل المقيدة أقسام، ومنها السنن الرواتب مع الفرائض، منها ما يُفعل قبل الصلاة، ومنها ما يُفعل بعد الصلاة. والسنن الرواتب قسمان: رواتب مؤكدة .. ورواتب غير مؤكدة. - حكمة مشروعية السنن الرواتب: السنن الرواتب من فضل الله على عباده؛ لما فيها من الفوائد العظيمة، من زيادة الحسنات، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات، وجبر نقص الفرائض. لذا ينبغي للمسلم العناية بها، والمحافظة عليها. وبعض هذه الرواتب تكون قبل الفريضة؛ لتهيئة نفس المصلي للعبادة قبل الدخول في الفريضة لبعد العهد في الصلاة كما في الظهر والفجر. وبعضها بعد الفريضة؛ لإشباع رغبة المصلي في التزود من العبادة بعد لذة المناجاة التي وجدها في الفريضة كما في الظهر والمغرب والعشاء.

عَنْ رَبِيعَة بن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬1). - عدد السنن الرواتب: مجموع السنن الرواتب مع الفرائض اثنتا عشرة ركعة، وهي: أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح. - أقسام السنن: السنن مع الفرائض قسمان: 1 - السنن الرواتب المؤكدة وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. وأحياناً يصليها عشر ركعات كما سبق إلا أنه يصلي قبل الظهر ركعتين، فإذا نشط المسلم صلى اثنتي عشرة ركعة، وإذا كان هناك شاغل صلى عشر ركعات. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وكلها رواتب، والكمال والتمام في الأكثر. 1 - عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (489).

- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ، أَوْ إِلا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ حَبيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ، أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِب وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ. متفق عليه (¬3). 2 - السنن غير المؤكدة: أربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان قبل العشاء. فهذه سنن مطلقة لا راتبة، يفعلها غالباً، ويتركها أحياناً. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ -ثَلاثاً- لِمَنْ شَاءَ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلاَئِكَةِ المُقَرَّبينَ وَمَنْ تَبعَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (728). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (415) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1141). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1180) , واللفظ له، ومسلم برقم (729). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (624) , واللفظ له، ومسلم برقم (838).

وَالمُؤْمِنِينَ. أخرجه الترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدُاللهِ المُزَنِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ» قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. أخرجه البخاري (¬2). - هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنن مع الفرائض: السنن المؤكدة وغير المؤكدة مع الفرائض عشرون ركعة، وهي كما يلي: 1 - صلاة الظهر: يصلي قبلها أربعاً، وبعدها ركعتين، وهذا هو الأفضل. وأحياناً يصلي قبلها ركعتين، وبعدها ركعتين. 1 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أرْبَعاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ. متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي: قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (429). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1183). (¬3) أخرجه مسلم برقم (730). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1182) , واللفظ له، ومسلم برقم (730).

رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬1). - فضل الصلاة بعد الزوال: انتصاف النهار مقابل لانتصاف الليل، وأبواب السماء تفتح بعد زوال الشمس، ويحصل النزول الإلهي بعد انتصاف الليل، فهما وقت قرب ورحمة. فينبغي للعبد أن يستفيد منهما، ويصعد له فيهما عمل صالح. فهذا تُفتح فيه أبواب السماء، وهذا ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا. 1 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعاً بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬3). 2 - صلاة العصر: ليس للعصر سنة راتبة لا قبلها ولا بعدها. 1 - من السنة أن يصلي المسلم قبل العصر أربع ركعات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937) , واللفظ له، ومسلم برقم (729). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (478) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1157). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758).

1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ -ثَلاثاً- لِمَنْ شَاءَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلاَئِكَةِ المُقَرَّبينَ وَمَنْ تَبعَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُؤْمِنِينَ. أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). 2 - ويجوز التنفل بعد العصر مطلقاً ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَكْعَتَانِ، لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُهُمَا سِراً وَلا عَلانِيَةً، رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العَصْر. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ العَصْرِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ العَصْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلاهُمَا بَعْدَ العَصْرِ، ثُمَّ أثْبَتَهُمَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً أثْبَتَهَا. متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ». متفق عليه (¬5). 3 - صلاة المغرب: سنة المغرب الراتبة ركعتان بعدها، يقرأ فيهما ما شاء من القرآن، ولا راتبة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (624) , واللفظ له، ومسلم برقم (838). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (429) وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (874). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (592) , واللفظ له، ومسلم برقم (835). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (590) , ومسلم برقم (835)، واللفظ له. (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3272) , واللفظ له، ومسلم برقم (829).

للمغرب قبلها. ويسن للمسلم أن يصلي قبل المغرب ركعتين إن شاء. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ -ثَلاثاً- لِمَنْ شَاءَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ المُؤَذِّنُ إذَا أذَّنَ، قَامَ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ شَيْءٌ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ المُزَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ» قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ». كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. أخرجه البخاري (¬3). 4 - صلاة العشاء: سنة العشاء الراتبة المؤكدة ركعتان بعدها، ولا راتبة للعشاء قبلها. ويسن للمسلم أن يصلي قبل العشاء الآخرة ركعتين فصاعداً. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ -ثَلاثاً- لِمَنْ شَاءَ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (624) , واللفظ له، ومسلم برقم (838). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (625) , واللفظ له، ومسلم برقم (837). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1183). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (624) , واللفظ له، ومسلم برقم (838).

قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ. متفق عليه (¬1). 5 - صلاة الفجر: سنة الفجر الراتبة المؤكدة ركعتان خفيفتان قبلها. عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ مِنَ الأَذَانِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَبَدَا الصُّبْحُ، رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أنْ تُقَامَ الصَّلاةُ. متفق عليه (¬2). - حكمة سنة الفجر: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي (الكافرون والإخلاص)، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل. فسورة الإخلاص جامعة لتوحيد العلم والمعرفة. وسورة الكافرون جامعة لتوحيد القصد والعمل. ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح بهما عمل النهار، ويختم بهما عمل الليل في الوتر. - آكد السنن الرواتب: سنة الفجر آكد السنن الرواتب وأفضلها، وتصلى في الحضر والسفر. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1165) , واللفظ له، ومسلم برقم (729). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (618) , ومسلم برقم (723)، واللفظ له.

أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُداً عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». أخرجه مسلم (¬2). - ماذا يقرأ في ركعتي الفجر: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ: فِي الأولَى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآيَةَ. الَّتِي فِي البَقَرَةِ، وَفِي الآخِرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}، وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}. أخرجه مسلم (¬5). يقرأ بهذا مرة، وبهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة المتنوعة. - قضاء سنة الفجر: من فاتته راتبة الفجر صلاها بعد صلاة الفجر، أو بعدما تطلع الشمس بربع ساعة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1169) , واللفظ له، ومسلم برقم (724). (¬2) أخرجه مسلم برقم (725). (¬3) أخرجه مسلم برقم (726). (¬4) أخرجه مسلم برقم (727). (¬5) أخرجه مسلم برقم (727).

تقريباً. - السنة الراتبة للجمعة: 1 - راتبة الجمعة بعدها أقلها ركعتان، وأكثرها أربع ركعات. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا صَلَّى أحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أرْبَعاً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬2). 2 - ليس للجمعة راتبة قبلية، فيصلي المسلم صلاة مطلقة بدون تقدير، ويشتغل بالتطوع المطلق، والذكر، وتلاوة القرآن حتى يدخل الإمام. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». أخرجه مسلم (¬3). - أفضل أماكن صلاة التطوع: هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل التطوع والسنن في البيت إلا لعارض .. كما أن هديه كان فعل الفرائض في المسجد إلا لعارض من مرض، أو سفر أو غيرهما مما يمنعه من المسجد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (881). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937) , واللفظ له، ومسلم برقم (882). (¬3) أخرجه مسلم برقم (857).

1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ: حَسِبْتُ أنَّهُ قال مِنْ حَصِيرٍ، فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقال: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلا المَكْتُوبَةَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ وَالجُمُعَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أرْبَعاً، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، فِيهِنَّ الوِتْرُ، وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلاً طَوِيلاً قَائِماً، وَلَيْلاً طَوِيلاً قَاعِداً، وَكَانَ إِذَا قَرَأ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأ قَاعِداً، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬3). - حكمة أداء النوافل في البيوت: 1 - أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وما شرع له الجماعة؛ لأن ذلك أخفى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731) , واللفظ له، ومسلم برقم (781). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937) , ومسلم برقم (729)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1182) , ومسلم برقم (730)، واللفظ له.

للعمل، وأقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان، وتكثر أماكن ذكر الله، وليقتدي أهل البيت به. فإخفاء العمل نجاة، وإخفاء العلم هلكة، والمأمور بستره من أعمال البر النوافل دون المكتوبات. 2 - وإنما لم تستحب صلاة النافلة في المسجد لئلا يرى جاهل عالماً يصليها فيه فيراها فريضة، أو خشية أن يخلي منزله من الصلاة فيه، أو حذراً على نفسه من رياء أو عارض من خطرات الشيطان، فإذا سلم من ذلك فإن الصلاة في المسجد حسنة. 3 - والأصل في الرواتب والنوافل أن يصليها في البيت لما سبق، وليقع الفصل بين الفرض والنوافل بما ليس من جنسها، ليكون فصلاً معتداً به يُدْرَك ببادي الرأي، يفصل بين الفرض والنفل. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزيدَ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ صَلَّى الجُمُعَةَ مَعَ مُعَاوِيَةُ فِي المَقْصُورَةِ، قالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ الإمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: لا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الجُمُعَةَ فَلا تَصِلْهَا بِصَلاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَنَا بِذَلِكَ، أنْ لا تُوصَلَ صَلاةٌ بِصَلاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أوْ نَخْرُجَ. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (432) , واللفظ له، ومسلم برقم (777). (¬2) أخرجه مسلم برقم (883).

- آكد صلوات التطوع: صلاة التطوع والنوافل على أربع درجات: 1 - سنة الفجر والوتر، فهاتان آكد صلاة التطوع، أمر بهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورغب فيهما، ولم يتركهما حضراً وسفراً. وكان حرصه - صلى الله عليه وسلم - على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في السفر راتبة غيرهما. 2 - السنن الرواتب التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها في الحضر مع المكتوبات، وصلاة التهجد في الليل. 3 - السنن ذوات الأسباب كتحية المسجد، وركعتي الوضوء، وصلاة الضحى، وركعتي الطواف ونحوها. 4 - النوافل المطلقة التي يسن للمسلم الإكثار منها، ركعتين ركعتين، ليلاً أو نهاراً، في كل وقت عدا أوقات النهي. - أوقات النهي عن الصلاة: 1 - أوقات النهي عن صلاة النفل خمسة: 1 - عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (586) , ومسلم برقم (827)، واللفظ له.

حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَمْرُو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأجْهَلُهُ، أخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاةِ؟ قال: «صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - تجوز صلاة النفل بعد العصر إذا كانت الشمس بيضاء نقية مرتفعة. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 3 - وتجوز الصلاة في المسجد الحرام في كل وقت. عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَداً طَافَ بهَذا البَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬4). 4 - يجوز قضاء الفوائت من الفرائض والسنن الرواتب في تلك الأوقات ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (831). (¬2) أخرجه مسلم برقم (832). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1274) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (573). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (868) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (585).

الخمسة، وكذا ما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الوضوء، وركعتي الطواف، وصلاة الكسوف ونحو ذلك. ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وسنة الظهر بعد العصر كما سبق. - حكم السنن الرواتب في الحضر والسفر: السنة فعل السنن الرواتب مع الفرائض في الحضر. أما في السفر فالسنة ترك السنن الرواتب إلا سنة الفجر والوتر. وأما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطلقاً مثل: صلاة التهجد بالليل .. صلاة الضحى .. جميع النوافل المطلقة .. الصلوات ذوات الأسباب كسنة الوضوء، وركعتي الطواف، وصلاة الكسوف، وتحية المسجد ونحو ذلك. - حكم ترك السنن الرواتب: صلاة التطوع والنوافل والسنن الرواتب من فضل الله على عباده، حيث شرع لهم ما يزيد في أجورهم، ويرفع درجاتهم، ويمحو سيئاتهم، وهي تكمل الفرائض، وتجبر نقصها، فالفرائض تكمل بالنوافل، فمن لم يستكثر منها يوشك أن لا تسلم له فريضة من غير جابر. والعبد مهما أحسن أداء الفرائض فلا يمكنه اتقانها من جميع الوجوه، فلا بد له من التطوعات لجبر نقص الفرائض. ولا يحسن بالعبد أن يترك التطوعات اعتماداً منه على أداء الفرائض، وترك المحرمات، ولَئِنْ أفلح بفعل الواجب فَلَأَن يفلح بالواجب والتطوع أولى وأكمل، ويحرز من الخير والأجر ما لا يحصره حاصر.

ومن تهاون بالآداب تهاون بالنوافل، ومن تهاون بالنوافل تهاون بالسنن، ومن تهاون بالسنن تهاون بالفرائض، وذلك هو الخسران المبين، ولا يصر على تركها إلا مَنْ قلّ دينه. 1 - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انظروا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَتُكْمِلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ؟ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ». أخرجه أحمد (¬1). 2 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، فَقال: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ، فَقال: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ، فَقال: فَأخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإسْلامِ، قال: وَالَّذِي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شَيْئاً، وَلا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئاً. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أوْ: دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». متفق عليه (¬2). - حكم التحول للنافلة من موضع الفريضة: يسن للمصلي التحول للنافلة من موضع الفريضة، أو يصلي في مكان الفريضة، والأفضل أن يتحول إلى بيته؛ لأن النافلة في البيت أفضل. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ فِي الصَّلاَةِ» يَعْنِي فِي السُّبْحَةِ. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16614). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1891) , واللفظ له، ومسلم برقم (11).

أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - حكم فعل التطوع إذا أقيمت المكتوبة: 1 - إذا سمع المسلم الإقامة فلا يحل له أن يدخل في صلاة تطوع، سواء كانت راتبة كسنة الفجر والظهر ونحوهما، وسواء كانت في المسجد أو خارجه، وسواء خاف فوات الركعة الأولى أو لم يخف؛ وذلك ليتمكن من الدخول في الفريضة من أولها، ولعدم الاختلاف على الإمام في صلاته. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ، لا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قال لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قال لِي: «يُوشِكُ أنْ يُصَلِّيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ أرْبَعاً». متفق عليه (¬3). 2 - إذا أقيمت الصلاة وهو في النافلة، أتمها خفيفة؛ ليدرك تكبيرة الإحرام. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} [محمد:33]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1006) وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1427). (¬2) أخرجه مسلم برقم (710). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (663) , ومسلم برقم (711)، واللفظ له.

2 - صلاة التهجد

2 - صلاة التهجد - صلاة التهجد: هي صلاة التطوع بالليل. - المتهجد: هو القائم إلى صلاة التطوع من النوم ليلاً. - وقت صلاة التهجد: يبدأ قيام الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني من كل ليلة، والتهجد لا يكون إلا بعد النوم، والناشئة لا تكون إلا بعد رقدة. قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء:79]. - حكمة مشروعية قيام الليل: 1 - كلما زاد إيمان العبد زادت رغبته في مناجاة ربه، والوقوف بين يديه، والتلذذ بعبادته. ولتحقيق هذا شرع الله الصلوات الخمس، وجعلها من الفرائض التي تجب على كل مسلم ومسلمة، وشرع صلاة التطوع، وجعلها من الشعائر والسنن الباطنة التي يختص بها من يشاء من عباده ممن يصلح لمناجاته. 2 - صلاة الليل برهان صدق العبد، ودليل محبته لربه، يتلذذ بها، ويتذوق حلاوتها، فهو يعظم ربه حيناً، ويحمده حيناً، ويسأله حيناً، ويستغفره حيناً. 3 - وعبادة الليل أشد نشاطاً، وأصفى ذهناً، وأتم إخلاصاً، وأكثر بركة، وأبلغ في الثواب من عبادة النهار: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزَّمل:6]. 4 - وقد أثبت الطب أن السهر المعتدل يساعد على الشفاء من كثير من الأمراض؛

لأن المخ يفرز مادة تسكن الآلام في وقت السهر أكثر من غيره، فكيف إذا كان السهر في طاعة الله عز وجل صلاة وتهجداً، وانكساراً وتضرعاً، وذكراً واستغفاراً، وتلاوة لكتاب الله. وهؤلاء أصفياء الله، وخلاصة الخلق، وأعرفهم بالله وما يجب له: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. - حكم قيام الليل: قيام الليل من النوافل المطلقة، وهو سنة مؤكدة في كل ليلة. وقيام الليل نافلة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فطاعاته كلها نافلة، وهو لغيره من أمته كفارة للذنوب، ورفعة للدرجات، وهو أفضل الصلوات بعد الفريضة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزَّمل:1 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} ... [الإسراء:79]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)} [الإنسان:25 - 26]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1163).

- فضائل قيام الليل: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة:15 - 17]. 2 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً». فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِساً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟». قُلْنَا: نَعَمْ. قال: «فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4837) , واللفظ له، ومسلم برقم (731). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7529) , واللفظ له، ومسلم برقم (815). (¬3) أخرجه مسلم برقم (802).

6 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَثبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بوَجْهِ كَذابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلاَمٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - أفضل أوقات قيام الليل: وقت صلاة التطوع بالليل يبدأ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني. وصلاة الليل مشروعة في كل وقت: في أول الليل، وفي وسطه، وفي آخره، حسب ما يتيسر للمسلم. وقيام الليل على ثلاث درجات: 1 - أن يقوم الثلث الأول من الليل. 2 - أن يقوم الثلث الأوسط. 3 - أن يقوم الثلث الأخير. والثلث الأخير من الليل هو أفضل أوقات قيام الليل؛ لأنه وقت النزول الإلهي إلى السماء الدنيا. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} [الطور:49]. 2 - وعَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ لاَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2485) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1334).

تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّياً إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِماً إِلاَّ رَأَيْتَهُ. أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً». متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ، قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. متفق عليه (¬4). 6 - وَعَنْ عَمْرُو بن عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). - كيفية معرفة وقت التهجد الأفضل: 1 - لمعرفة بداية ثلث الليل الآخر يقسم من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1141). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1132) , واللفظ له، ومسلم برقم (741). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1277) , والترمذي برقم (3579)، وهذا لفظه.

الثاني من الساعات على ثلاثة، والناتج هو الثلث. 2 - ولمعرفة بداية نصف الليل يقسم مجموع ساعات الليل على اثنين. 3 - ولمعرفة سدس الليل يقسم مجموع ساعات الليل على ستة. فلو كان الليل (12) ساعة، يقسم على (6)، والناتج هو السدس ساعتان، فيكون الليل ستة أجزاء. وأفضل القيام في السدس الرابع والخامس، وهو وقت نزول الرب عز وجل، وهو بداية ثلث الليل الآخر. - الصلوات التي ينبغي أن يحافظ عليها المسلم في اليوم والليلة: ينبغي للمسلم أن يحافظ في اليوم والليلة على أربعين ركعة. الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة، والسنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، وصلاة الليل إحدى عشرة ركعة. فتلك أربعون ركعة كان يحافظ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة في الحضر. وكلما زاد العبد من النوافل المطلقة أحبه الله وأعظم أجره. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502).

2 - عَنْ مَعْدَان بن أَبِى طَلْحَةَ اليَعْمَرِىّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِى اللهُ بِهِ الجَنَّةَ. أَوْ قَالَ: قُلْتُ بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ. فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬1). - الأسباب المعينة على قيام الليل: 1 - معرفة فضائل قيام الليل، ومنزلة أهله عند الله، وما لهم من السعادة في الدنيا والآخرة، وأن قيام الليل من أسباب دخول الجنة، ورفع الدرجات، ومحو السيئات كما تقدم. 2 - الخوف من الله، والطمع في رحمة الله كما قال سبحانه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 3 - معرفة قصر الأمل، وتذكر الموت، فذلك يُذهب الكسل، ويدفع إلى العمل، ويُزهِّد في الدنيا، ويُرغِّب في الآخرة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (488). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6416).

4 - معرفة كيد الشيطان وتثبيطه عن قيام الليل، ومعرفة عقوبة وحرمان من ترك قيام الليل. 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أصْبَحَ، قال: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أوْ قال: فِي أُذُنِهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَاللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». متفق عليه (¬3). 5 - معرفة قيمة الوقت، واستغلال أوقات الصحة والفراغ بالعمل الصالح. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ». أخرجه البخاري (¬4). 6 - الاجتهاد في حال الصحة والفراغ والإقامة في الأعمال الصالحة، ومعرفة أنه يُكتب له الأجر إذا مرض، أو شُغِل، أو سافر. عَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3270) , واللفظ له، ومسلم برقم (774). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1142) , واللفظ له، ومسلم برقم (776). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1152) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬4) أخرجه البخاري برقم (6412).

سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬1). 7 - أن ينام مبكراً ليأخذ قوة ونشاطاً يستعين به على قيام الليل وصلاة الفجر. عَنْ أبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا. متفق عليه (¬2). 8 - الأخذ بالأسباب التي تعين على قيام الليل. فلا يكثر الأكل، ولا يترك القيلولة بالنهار، ولا يُتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة منه، ويجتنب الذنوب والمعاصي، ويعرض عن فضول الدنيا. 9 - حب الله تعالى وقوة الإيمان به، وأن يكون سليم القلب للمسلمين، ويطهر قلبه وجوارحه وأعماله من البدع، وأن يعلم أن الله يراه ويسمعه، ويقضي حاجته. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْألُ اللهَ خَيْراً مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ». أخرجه مسلم (¬3). 10 - الحرص على آداب النوم، بأن ينام على طهارة، ويدعو بما ثبت من أذكار النوم. - كيفية صلاة الليل: صلاة الليل وردت على وجوه متنوعة: 1 - أن يصليها المسلم مثنى مثنى إلا ركعة الوتر. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2996). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (568) , واللفظ له، ومسلم برقم (647). (¬3) أخرجه مسلم برقم (757).

1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. متفق عليه (¬2). 3 - وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ (وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ) إِلَى الفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. متفق عليه (¬3). 2 - أن يصلي أربع ركعات بسلام واحد، ثم أربعاً بسلام واحد، ثم ثلاثاً. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، كَيْفَ كَانَتْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (473) , واللفظ له، ومسلم برقم (749). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4572) , واللفظ له، ومسلم برقم (763). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (994) , ومسلم برقم (736)، واللفظ له.

صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي». متفق عليه (¬1). والأفضل أن يصلي التهجد ركعتين ركعتين؛ لأنه الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وأحياناً يسلم من كل أربع ركعات؛ إحياءً للسنة بوجوهها المشروعة المتنوعة. - عدد ركعات قيام الليل: 1 - صلاة الليل ليس لها عدد مخصوص مقدر من الركعات لا تجوز الزيادة عليه، بل يصلي العبد ما شاء من التطوع. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى». متفق عليه (¬2). 2 - والأفضل للمسلم أن يقتصر في صلاة الليل على ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إحدى عشرة ركعة مع الوتر، أو ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، والإحدى عشرة ركعة الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة المتنوعة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1147) , واللفظ له، ومسلم برقم (738). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (990) , واللفظ له، ومسلم برقم (749).

فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلا فِي آخِرِهَا. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ َرَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: لأرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬4). - آداب قيام الليل: 1 - أن ينوي المسلم عند نومه قيام الليل، فإن غلبته عيناه ولم يقم كتب الله له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1147) , واللفظ له، ومسلم برقم (738). (¬2) أخرجه مسلم برقم (737). (¬3) أخرجه مسلم برقم (767). (¬4) أخرجه مسلم برقم (765).

وينوي بنومه التقوي على طاعة الله؛ ليحصل له الأجر في جميع أحواله، في النوم واليقظة. 1 - عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلاَةٌ بلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلاَتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 2 - أن ينام على طهارة على شقه الأيمن، ويدعو بما ورد من الأذكار عند النوم. عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: الَّلهُمَّ أسْلَمْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وَألْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إلا إلَيْكَ، الَّلهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ. فَإنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». متفق عليه (¬3). 3 - إذا استيقظ وقام للتهجد مسح النوم عن وجهه، وذكر الله، واستاك وتوضأ، وافتتح تهجده بركعتين خفيفتين. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَيْقَظَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1314) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1784). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (247) , واللفظ له، ومسلم برقم (2710).

فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}. فَقَرَأ هَؤُلاءِ الآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأطَالَ فِيهِمَا القِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - يستحب أن يكون تهجده في بيته؛ لأنه أفضل وأخفى وأقرب إلى الإخلاص، يصلي مثنى مثنى، ويسلم من كل ركعتين، وأحياناً يسلم من كل أربع ركعات. 1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلُّوا أيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلا المَكْتُوبَةَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى». متفق عليه (¬4). 5 - يستحب للمسلم أن يكون له ركعات معلومة يداوم عليها. فإذا نشط طوَّلها، وإذا لم ينشط خففها، وإذا فاتته قضاها شفعاً. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (763). (¬2) أخرجه مسلم برقم (768). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731) , واللفظ له، ومسلم برقم (781). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (473) , ومسلم برقم (749)، واللفظ له. (¬5) أخرجه مسلم برقم (746).

2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الأعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». متفق عليه (¬2). 6 - يستحب أن يستفتح صلاته بالليل بما ورد، ومنه: 1 - عَنْ ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ: بِأيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ: «اللهمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (747). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6462) , ومسلم برقم (783)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1120) , واللفظ له، ومسلم برقم (769).

السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». أخرجه مسلم (¬1). 7 - السنة إذا قام لصلاة الليل، ثم غلبه النعاس أن ينام حتى يذهب عنه النوم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ، حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإنَّ أحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ». متفق عليه (¬2). 8 - يستحب للمسلم إذا قام للتهجد أن يوقظ أهله لصلاة الليل، لا سيما عند آيةٍ تحدُث، ويصلي بهم أحياناً. 1 - قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه:132]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا، وَأنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يُوتِرَ أيْقَظَنِي فَأوْتَرْتُ. متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬4). 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (770). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (212) , واللفظ له، ومسلم برقم (786). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (997) , ومسلم برقم (512)، واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (115).

مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 9 - يسن أن يقرأ المسلم في تهجده ما تيسر من القرآن جزءاً أو أكثر، أو أقل، مع التدبر لما يقرأ. والمتهجد بالليل مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها. لكن إنْ كان الجهر بالقراءة أنشط له، أو كان بحضرته من يستمع لقراءته، أو ينتفع بها فالجهر أفضل. وإن كان قريباً منه من يتهجد، أو يتضرر برفع صوته من نائم، ومريض ونحوهما فَيُسِرّ؛ لئلا يشوِّش على غيره. وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فليفعل ما فيه الأصلح لقلبه، والأنشط له، والأيسر عليه. 1 - عَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأمْرِ سَوْءٍ، قال قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قال: هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأدَعَهُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَألَ، وَإِذَا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1308) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1610). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1135) , ومسلم برقم (773)، واللفظ له.

مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ». فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْواً مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً، قَرِيباً مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى». فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيباً مِنْ قِيَامِهِ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبي قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: رُبَّمَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ، أَكَانَ يُسِرُّ بالقِرَاءَةِ أَمْ يَجْهَرُ؟ قَالَتْ: كُلَّ ذلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رُبَّمَا أَسَرَّ وَرُبَّمَا جَهَرَ وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا، آيَةً كُنْتُ أسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». متفق عليه (¬3). 10 - والسنة أن يصلي التهجد وحده منفرداً، وهو الأفضل والأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -. ويجوز التطوع جماعة أحياناً في الليل أو النهار، من غير أن يُتخذ سنة راتبة. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَعَثَنِي العَبَّاسُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَبِتُّ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَقَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَتَنَاوَلَنِي مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِهِ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ إِلا أنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي، فَقَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ». (فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ) فَصَلَّى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1437) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (2924). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2655) , ومسلم برقم (788). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (117) , ومسلم برقم (763)، واللفظ له.

بِنَا، فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ: أيْنَ جَعَلَ أنَساً مِنْهُ؟ قال: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ دَعَا لَنَا، أهْلَ البَيْتِ، بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أخرجه مسلم (¬1). 11 - وصلاة الليل قائماً أفضل من صلاتها قاعداً بلا عذر، فإن كان القعود لعذر فأجره كأجر القائم. 1 - عَنْ عِمْرَان بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مَبْسُوراً، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِداً، فَقَالَ: «إِنْ صَلَّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِداً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬3). 12 - الأفضل في صلاة الليل طول القيام مع كثرة الركوع والسجود. والأفضل للمسلم أن يصلي ما يستطيع حتى لا يمل، فإن ارتاحت نفسه للتطويل أطال، وإن ارتاحت نفسه للتخفيف خفف، يفعل ما فيه الأخشع له، والأصلح لقلبه، وما يجد فيه لذة العبادة، وكلما أكثر من السجود كان أفضل. 1 - قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزُّمَر:9]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (660). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1115). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2996).

القُنُوتِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ رَبِيعَة بن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬2). 13 - والسنة لمن قام يصلي بالليل أن يختم تهجده بالوتر. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً». متفق عليه (¬3). 14 - أن يتفرغ وقت السحر للاستغفار. قال الله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} [الذاريات:17 - 18]. - صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل: 1 - كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في التهجد معتدلة. إنْ أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإن خفف القيام خفف الركوع والسجود، وهذا أفضل ما يكون. 2 - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحمل كثيراً في العبادة، ويتلذذ بها، ويفرح بمناجاة ربه، ولا يمل من عبادة ربه، ويطيل الصلاة حتى تفطرت قدماه، وكانت الصلاة فرضها ونفلها قرة عينه، وبها يرتاح. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (756). (¬2) أخرجه مسلم برقم (489). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (998) , واللفظ له، ومسلم برقم (751).

1 - عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ المُنَادِي لِلصَّلاَةِ. أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أَنَسٍ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 4 - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبي الجَعْدِ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ قَالَ مِسْعَرٌ -أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ-: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَا بلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بهَا». أخرجه أحمد وأبو داود (¬4). 3 - أما أمته - صلى الله عليه وسلم - فالأفضل في حقهم القصد، وعدم التطويل الذي يشق عليهم، حتى لا يملوا، أو يسأموا، أو يفتروا عن العبادة، حيث قال لهم ما يلي: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْراً أكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1130) , ومسلم برقم (2819)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (1123). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (12293) , والنسائي برقم (3940)، وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23088) , وأبو داود برقم (4985)، وهذا لفظه.

عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أنْ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وَأنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إِلَى اللهِ أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَنْ يُنَجِّيَ أحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1970) , واللفظ له، ومسلم برقم (782). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (39) , واللفظ له، ومسلم برقم (2816). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6464) , واللفظ له، ومسلم برقم (2818). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6463) , واللفظ له، ومسلم برقم (2816).

3 - صلاة الوتر

3 - صلاة الوتر - الوتر: هو الذي لا شفع له. والوتر هو الركعة المنفصلة عما قبلها، ويطلق على الثلاث والخمس ونحوهما إذا جُمعن بسلام واحد. - حكمة مشروعية الوتر: الله عز وجل وتر يحب الوتر، فكما أن صلاة المغرب وتر ختم بها صلوات النهار، فكذلك صلاة الوتر جعلها الله خاتمة لصلوات الليل. وسنة الفجر والوتر كلاهما مؤكد، فسنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة. - حكم صلاة الوتر: صلاة الوتر سنة مؤكدة في الحضر والسفر. 1 - عَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بثلاَثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، فَقال: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1422) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1712).

«الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). - فضل الوتر: 1 - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي بَصْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ العِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الفَجْرِ». أخرجه أحمد (¬3). - وقت صلاة الوتر: وقت صلاة الوتر وقت طويل واسع .. ويمتد من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني .. سواء صلى المسلم العشاء في وقتها، أو مجموعة مع المغرب جمع تقديم. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ (وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ) إِلَى الفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أوْتَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1891) , واللفظ له، ومسلم برقم (11). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2736) , واللفظ له، ومسلم برقم (2677). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23851). (¬4) أخرجه مسلم برقم (736). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (996) , ومسلم برقم (745)، واللفظ له.

3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ». متفق عليه (¬1). - أفضل أوقات الوتر: 1 - الوتر آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل؛ لأنه وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا، ولأن صلاة آخر الليل مشهودة. 1 - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَافَ أَنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - والوتر أول الليل قبل النوم أفضل لمن ظن أنه لا يستيقظ آخر الليل لعذر من مرض، أو سفر، أو تعب ونحو ذلك. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَافَ أنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أفْضَلُ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ: «صِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (473) , واللفظ له، ومسلم برقم (749). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758). (¬3) أخرجه مسلم برقم (755). (¬4) أخرجه مسلم برقم (755).

مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأنْ أوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ». متفق عليه (¬1). 3 - وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «مَتَى تُوتِرُ؟» قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ العَتَمَةِ قَالَ: «فَأَنْتَ يَا عُمَرُ؟» قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ قَالَ: «أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَخَذْتَ بِالثِّقَةِ وَأَمَّا أَنْتَ يَا عُمَرُ فَأَخَذْتَ بِالقُوَّةِ» أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). - أقل الوتر وأكثره: أقل الوتر ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين، أو سلام واحد في آخرها. - صفات الوتر الثابتة في السنة: صلاة الوتر جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفات متعددة، وركعات مختلفة. وصلاة الوتر تختلف في الهيئة والعدد بحسب اختلاف الأحوال والأشخاص كما يلي: الأولى: أن يصليها ثلاث عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يَعْنِي بِاللَّيْلِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: لأرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1981) , واللفظ له، ومسلم برقم (721). (¬2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (14323) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1202) وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1138) , واللفظ له، ومسلم برقم (764).

صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أوْتَرَ، فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬1). الثانية: ثلاث عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر من ذلك بخمس سرداً. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلا فِي آخِرِهَا. أخرجه مسلم (¬2). الثالثة: إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ (وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ) إِلَى الفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. متفق عليه (¬3). الرابعة: إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً ثم يسلم، ثم يصلي أربعاً ثم يسلم، ثم يوتر بثلاث ركعات. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثاً. متفق عليه (¬4). الخامسة: تسع ركعات سرداً، يجلس في الثامنة للذكر والدعاء ولا يسلم، ثم يقوم ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (765). (¬2) أخرجه مسلم برقم (737). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (994) , ومسلم برقم (736)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1147) , واللفظ له، ومسلم برقم (738).

للتاسعة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّها سُئِلتْ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيماً يُسْمِعُنَا. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأخَذَهُ اللَّحْمُ، أوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأوَّلِ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنيَّ. أخرجه مسلم (¬1). السادسة: سبع ركعات لا يجلس إلا في آخرهن، وأحياناً يجلس في السادسة للذكر والدعاء ولا يسلم، ثم يأتي بالسابعة ويسلم. 1 - عَنْ سَعْدَ بْنَ هِشَام رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: ... يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأخَذَهُ اللَّحْمُ، أوْتَرَ بِسَبْعٍ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بخَمْسٍ وَبسَبْعٍ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهَا بسَلاَمٍ وَلاَ بكَلاَمٍ. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬3). السابعة: خمس ركعات لا يجلس إلا في آخرهن. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (746). (¬2) أخرجه مسلم برقم (746). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1714) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1192).

عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلا فِي آخِرِهَا. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بثلاَثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). الثامنة: ثلاث ركعات، يسلم من ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وهذا هو الأفضل لمن صلى ثلاثاً، وهي أدنى الكمال. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْصِلُ بَيْنَ الوَتْرِ وَالشَّفْعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَيُسْمِعُنَاهَا. أخرجه أحمد وابن حبان (¬3). التاسعة: ثلاث ركعات سرداً، ولا يجلس إلا في آخرهن. 1 - عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَفِي الرَّكْعَةِ الثانِيَةِ بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثالِثةِ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَلاَ يُسَلِّمُ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ، وَيَقُولُ -يَعْنِي بَعْدَ التَّسْلِيمِ-: «سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ». أخرجه النسائي (¬4). 2 - وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بثلاَثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (737). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1422) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1712). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5461) , وهذا لفظه، وابن حبان برقم (2435). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1701). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1422) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1712).

العاشرة: ركعة واحدة. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بسَبْعٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بثلاَثٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بوَاحِدَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه (¬2). هذه صفات الوتر المشروعة. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة، ويداوم على الأفضل منها. - أفضل صلاة الوتر: أفضل صلاة الوتر أن يصلي المسلم إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الهدي الراتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أصح الروايات وأقواها وأكثرها. وأحياناً يصلي ثلاث عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات. - ما يقرأ المسلم في صلاة الوتر: السنة لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسورة (الأعلى)، وفي الثانية بسورة (الكافرون)، وفي الثالثة بسورة (الإخلاص)، وله أحياناً أن يقرأ بغيرها مما تيسر من القرآن. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (752). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1710) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1190).

بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَفِي الرَّكْعَةِ الثانِيَةِ بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثالِثةِ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَلاَ يُسَلِّمُ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). - حكم القنوت في الوتر: القنوت: هو الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام، قبل الركوع أو بعده. والقنوت في صلاة الوتر مَنْ شاء فعله، ومن شاء تركه. والقنوت في الوتر لم يثبت فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله ولا من فعله، لكن له أن يقنت أحياناً لفعل بعض الصحابة رضي الله عنهم، وليكن الترك أكثر من الفعل. - محل القنوت في الصلاة: 1 - القنوت قبل الركوع هو إطالة القيام في الصلاة للقراءة، وهو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - القنوت عند النوازل يكون بعد الركوع، وأحياناً قبل الركوع، وقد قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً، يقنت في الفرائض، يدعو على قوم، ويدعو لقوم. 1 - عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1701) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1171). (¬2) أخرجه مسلم برقم (756). (¬3) حسن/ أخرجه النسائي برقم (1699) , وابن ماجه برقم (1182)، وهذا لفظه، انظر الإرواء رقم (426).

2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، يَدْعُو عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ مُحَمَّدِ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيراً. متفق عليه (¬2). 3 - دعاء القنوت في الوتر يجوز قبل الركوع، ويجوز بعد الركوع، والقنوت بعد الركوع أفضل وأقيس. - ما يقال من الدعاء في قنوت الوتر: 1 - السنة أن يرفع الداعي يديه بعد الرفع من الركوع، وأحياناً قبله ثم يبدأ بحمد الله والثناء عليه وتمجيده، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يختار من الأدعية المشروعة في الكتاب والسنة. 1 - عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 2 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِلَ هَذا». ثمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بتَمْجِيدِ رَبهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يَدْعُو بَعْدُ بمَا شَاءَ». ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (677). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1001) , واللفظ له، ومسلم برقم (677). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1488) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (3556).

أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - السنة أن يدعو بأي دعاء مشروع، ليس فيه تكلف ولا سجع، ولا تلحين ولا اعتداء، ويدعو بما شاء مما ورد، ومنه: «اللهمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - ويستفتح أحياناً قنوته بما ثبت عن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو: «اللهمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّى وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالكَافِرِينَ مُلْحَقٌ، اللهمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِى عَلَيْكَ الخَيْرَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْضَعُ لَكَ، وَنَخْلَعُ مَنْ يَكْفُرُكَ». أخرجه البيهقي (¬3). 4 - وله أن يزيد من الأدعية مما ثبت ولا يطيل، ومنها: «اللهمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». أخرجه مسلم (¬4). «اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْل، ِ وَالهَرَمِ وَعَذَابِ القَبْرِ، اللهمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1481) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (3477). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1425) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (464). (¬3) صحيح/ أخرجه البيهقي برقم (3144) , انظر الإرواء رقم (428). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2720).

وَمَوْلاَهَا اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا». أخرجه مسلم (¬1). 5 - ثم يقول في آخر وتره: «اللهمَّ إِنِّي أَعُوذ برِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذ بكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 6 - ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر قنوت الوتر، ولا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، لا في القنوت ولا في غيره، لا داخل الصلاة ولا خارجها. - حكم الجماعة للوتر: الوتر لا تشرع له الجماعة إلا إذا كان بعد التراويح في رمضان، وإذا دعا الإمام في قنوت الوتر فالسنة أن يؤمِّن مَنْ وراءه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً مُتَتَابعاً فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِب وَالعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ إِذا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. أخرجه أبو داود (¬3). - ما يقوله بعد السلام من صلاة الوتر: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ بثلاَثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَفِي الرَّكْعَةِ الثانِيَةِ بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2722). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1427) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (3566). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1443).

الْكَافِرُونَ}، وَفِي الثالِثةِ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: «سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ثلاَث مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكم الصلاة بعد الوتر: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ قالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإقَامَةِ، مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم تكرار الوتر: السنة أن يكون الوتر خاتمة صلاة الليل، والوتر حق على كل مسلم في كل ليلة، ولا يجوز تكراره في الليلة الواحدة. ومن أوتر أول الليل ثم قام في آخره فإنه لا يوتر مرة ثانية، بل يصلي شفعاً مثنى مثنى ولا ينقض وتره، بل يكتفي بوتره السابق. عَنْ طَلْق بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - أفضل ما تُختم به صلاة الليل: صلاة الليل الأفضل أن تختم بالوتر، سواء صلى في أول الليل، أو وسطه، أو آخره. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1430) , والنسائي برقم (1699)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (738). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1439) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (470).

ويستحب جعل الوتر آخر الليل، سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل. فكما أن صلاة المغرب وتر، ويختم بها صلاة النهار، فكذلك الوتر حق يختم به صلاة الليل كل ليلة. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً». متفق عليه (¬1). - حكم إيقاظ الأهل للوتر: يستحب للمسلم إذا قام لصلاة الليل أن يوقظ أهله للوتر. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ، مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. متفق عليه (¬2). - صفة قضاء الوتر: 1 - يسن لمن فاته الوتر لنوم، أو نسيان، أو مرض، أو عذر أن يقضيه في النهار شفعاً حسب عادته، فإن كان يصلي إحدى عشرة صلى اثنتي عشرة ركعة، وإن كان يصلي سبع ركعات قضاها في النهار ثمان ركعات وهكذا. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَامَ عَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (998) , واللفظ له، ومسلم برقم (751). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (997) , واللفظ له، ومسلم برقم (512). (¬3) أخرجه مسلم برقم (746).

حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأهُ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - من نام عن صلاة الوتر أو نسيها صلاها إذا استيقظ أو ذَكَر، ويقضيها بين أذان الفجر والإقامة على صفتها، ويقضيها نهاراً شفعاً لا وتراً. - حكم الوتر في السفر: صلاة الوتر سنة مؤكدة في الحضر والسفر. والمسافر إن كان نازلاً فيصلي الوتر كالمقيم، وإن كان سائراً راكباً على ظهر سيارة أو قطار، أو طائرة، أو سفينة أو غيرها من وسائل المواصلات فالسنة أن يصلي الوتر على راحلته مستقبلاً القبلة إن تيسر، فإن لم يتمكن استقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام إن تيسر. فإن لم يستطع صلى حيثما توجهت به راحلته قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً يومئ برأسه، أما الفريضة فلا بد أن يستقبل القبلة في جميع صلاته. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. متفق عليه (¬2). - حكم القنوت في الفرائض: 1 - القنوت عند النوازل سنة في جميع الصلوات الخمس وهو في صلاة المغرب والفجر آكد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (747). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1000) , واللفظ له، ومسلم برقم (700).

1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً مُتَتَابعاً فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِب وَالعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ، إِذا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. أخرجه أبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالفَجْر. أخرجه البخاري (¬2). 2 - دعاء القنوت في النوازل يشرع في الفرائض عند وجود سببه، وليس بسنة دائمة في الصلاة، فالقنوت في الفجر في غير النوازل بدعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك القنوت عند زوال سببه. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْراً، يَدْعُو عَلَى أحْيَاءٍ مِنْ أحْيَاءِ العَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ. أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ َرَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لأَِبي: يَا أَبَةِ إِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ هَا هُنَا بالكُوفَةِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَث. أخرجه الترمذي والنسائي (¬4). 3 - يجوز أن يقنت في الفرائض قبل الركوع، والأفضل أن يكون القنوت بعد الركوع، وأن يرفع يديه، ويجهر الإمام بالدعاء، ويؤمِّن من خلفه، ويدعو مباشرة بما ورد بعد قوله (ربنا ولك الحمد) بعد الركوع. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1443) , انظر الإرواء رقم (424). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1004). (¬3) أخرجه مسلم برقم (677). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (402) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1080).

- صفة دعاء القنوت في الفرائض: السنة لمن قنت في الفرائض أن يدعو في كل وقت ونازلة بما يناسب الوقت والنازلة من الدعاء للمسلمين المستضعفين، أو الدعاء على الكفار الظالمين، أو بهما معاً، أو بما يناسب النازلة، ويسمي مَنْ يدعو له أو عليه. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ، إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ: «اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، اللهمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ: «اللهمَّ العَنْ فُلاَناً وَفُلاَناً». لأَحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآيَةَ. متفق عليه (¬1). 2 - وعَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاةٍ: «اللهمَّ العَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ خُفَاف بن إِيمَاءٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، اللهمَّ! العَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَالعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ». ثُمَّ وَقَعَ سَاجِداً، قال خُفَافٌ: فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الكَفَرَةِ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4560) , واللفظ له، ومسلم برقم (975). (¬2) أخرجه مسلم برقم (679). (¬3) أخرجه مسلم برقم (679).

4 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ أبِي أوْفَى رضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأحْزَابِ عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقال: «اللهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اللهمَّ اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللهمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ، إذْ قال قَائِلٌ مِنْهُمْ: ألا تَنْظُرُونَ إلَى هَذَا المُرَائِي، أيُّكُمْ يَقُومُ إلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ، فَيَعْمِدُ إلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا، فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ، حَتَّى إذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِداً، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام، وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِداً، حَتَّى ألْقَتْهُ عَنْهُ، وَأقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، قال: «اللهمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللهمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللهمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ». ثُمَّ سَمَّى: «اللهمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الوَلِيدِ». قال عَبْدُاللهِ: فَوَاللهِ، لَقَدْ رَأيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إلَى القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَأُتْبِعَ أصْحَابُ القَلِيبِ لَعْنَةً». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2933) , واللفظ له، ومسلم برقم (1742). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (520) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794).

4 - صلاة التراويح

4 - صلاة التراويح - صلاة التراويح: هي قيام رمضان أول الليل. وسميت بذلك: لأن الناس كانوا يجلسون للاستراحة بين كل أربع ركعات؛ لأنهم كانوا يطيلون القراءة. - حكمة مشروعية صلاة التراويح: خص الله عز وجل شهر رمضان بالصيام والقيام؛ لما فيهما من عافية الروح والبدن، فإذا خف البدن من الطعام نشط القلب للعبادة، ورغب في محبوبات الرب عن محبوبات النفس. وفي التراويح إشباع لهذه الرغبة، وملء القلب بالإيمان، والتلذذ بسماع القرآن، وتمرين للجوارح على دوام الطاعة. - فضل صلاة التراويح: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2009) , واللفظ له، ومسلم برقم (759).

مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). - حكم صلاة التراويح: صلاة التراويح في رمضان سنة مؤكدة للرجال والنساء. وقد سنها رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ». وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأحْيَا لَيْلَهُ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ. متفق عليه (¬4). - وقت صلاة التراويح: صلاة التراويح تسن في شهر رمضان فقط. ووقت صلاة التراويح يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني من كل ليلة من ليالي شهر رمضان. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2014) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (37) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1129) , واللفظ له، ومسلم برقم (761). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2024) , واللفظ له، ومسلم برقم (1174).

وصلاة التراويح في آخر الليل أفضل؛ لأنه وقت نزول الرب عز وجل إلى السماء الدنيا، وصلاة آخر الليل مشهودة، ولأنه أنشط للبدن، وأطيب للقلب، وأدعى للتعقل والتدبر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزَّمل:6]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أيُّكُمْ خَافَ أنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ، وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أفْضَلُ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم الجماعة في التراويح: 1 - السنة أن يصلي المسلم صلاة التراويح جماعة في المسجد، ويجوز أن يصليها المسلم منفرداً أو جماعة في بيته، ولكنها جماعة في المسجد أفضل. 1 - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ». وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145) , واللفظ له، ومسلم برقم (758). (¬2) أخرجه مسلم برقم (755). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1129) , واللفظ له، ومسلم برقم (761).

2 - وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍالقَارِيِّ أنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقال عُمَرُ: إِنِّي أرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قال عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنِ الَّتِي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَهُ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى التراويح ليالي عديدة، ثم تركها خشية أن يظن أحد أنها فريضة، وخشية أن تُفرض على الأمة فيعجزوا عنها. 3 - عمر رضي الله عنه لم يبتدع شيئاً في صلاة التراويح، وإنما أحيا سنة الاجتماع لها، وحافَظَ على عدد المسنون فيها، وهو إحدى عشرة ركعة. - صفة صلاة التراويح: 1 - السنة أن يصلي الإمام بالمسلمين صلاة التراويح في رمضان إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الأفضل. يصلي كل ركعتين بسلام، وهذا هو الأفضل، وأحياناً كل أربع بسلام؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. 1 - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2010).

يُصَلِّي ثَلاَثاً. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ (وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ) إِلَى الفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - أحياناً يصلي ثلاث عشرة ركعة. يصلي كل ركعتين بسلام، وهذا هو الأفضل، وأحياناً كل أربع بسلام، وأحياناً يصلي ثمانياً ويسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة المتنوعة. 1 - عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: لأرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلتَيْنِ، طَوِيلتَيْنِ، طَوِيلتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أوْتَرَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1147) , واللفظ له، ومسلم برقم (738). (¬2) أخرجه مسلم برقم (736). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1138) , ومسلم برقم (764)، واللفظ له.

فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬1). 3 - الأفضل للمسلم أن يقتصر في قيام الليل والوتر والتراويح على ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ، كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ، عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أرْبَعاً فَلا تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعاً فَلا تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي». متفق عليه (¬2). 4 - وله أن يصلي ويوتر بأقل من ذلك كما سبق: 1 - تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة للذكر والدعاء، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم. 2 - سبع ركعات لا يجلس إلا في آخرهن، وأحياناً يجلس في السادسة للذكر والدعاء ولا يسلم، ثم يأتي بالسابعة ويسلم. 3 - خمس ركعات لا يجلس إلا في آخرهن. 4 - ثلاث ركعات، يسلم من ركعتين، ثم يوتر بواحدة، أو يصلي الثلاث سرداً، ويتشهد في آخرهن ويسلم. 5 - ركعة واحدة، وكلما زاد فهو أفضل إلى أن يصل إلى أفضل المشروع، وهو إحدى عشرة ركعة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (765). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1147) , ومسلم برقم (738)، واللفظ له.

- من يؤم المصلين في التراويح: يؤم المصلين في صلاة التراويح في رمضان أحسنهم قراءة، وأجودهم حفظاً للقرآن، وهذا هو الأفضل. ويجوز للإمام إذا لم يكن حافظاً أن يقرأ من المصحف. ويقرأ الإمام بالناس في رمضان بما لا يشق عليهم، والأحسن أن يقرأ بهم القرآن كله في رمضان إن تيسر. وقراءة القرآن في صلاة التراويح سنة؛ ليسمع الناس كلام الله، ويستفيدوا من مواعظه وأحكامه. وينبغي للإمام أن يحسِّن صوته بالقرآن من غير تكلف؛ لما يحصل به من حسن الفهم والتدبر، وذوق حلاوة الإيمان والقرآن، والتأثر من كلام الله؛ فينشط القلب، وتنقاد الجوارح لحسن العبادة. 1 - قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص:29]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي مُوسَى: «لَوْ رَأيْتَنِي وَأنَا أسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ البَارِحَةَ! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5048) , ومسلم برقم (793)، واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري برقم (7527).

- مقدار القيام في التراويح: 1 - السنة أن يصلي الإمام صلاة التراويح بأفضل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، في أول رمضان وآخره. لكن يختص آخره وهو العشر الأواخر بإطالة القيام والركوع والسجود؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحيي فيها الليل. 2 - وليس من السنة تخفيف صلاة التراويح وفعلها بسرعة تمنع المصلين من فعل ما يسن، بل ربما تمنعهم من فعل ما يجب. وليس من السنة كذلك إطالة التراويح إطالة تشق عليهم، وربما تنفرهم من العبادة. بل الواجب التزام هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأداء الصلاة على الوجه المشروع، فلا يخفف بما يخل بواجب أو مسنون، ولا يطيل بما يشق على المأمومين وينفرهم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ المُنَادِي لِلصَّلاَةِ. متفق عليه (¬1). - حكم الوتر والقنوت في التراويح: الوتر سنة مؤكدة في الحضر والسفر. وإذا أوتر المسلم مع الإمام في التراويح ثم قام للتهجد فيصلي شفعاً بلا وتر؛ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1123) , واللفظ له، ومسلم برقم (736).

لأنه لا يجوز للمسلم أن يوتر في الليلة الواحدة إلا مرة واحدة. - حكم الدعاء عند ختم القرآن: الدعاء عند ختم القرآن له حالتان: الأولى: الدعاء عند ختم القرآن خارج الصلاة لمن شاء. الثانية: الدعاء عند ختم القرآن داخل الصلاة كالتراويح والتهجد، فهذا بدعة؛ لأنه لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وقد كانوا يختمون القرآن في رمضان وغيره أكثر من مرة. وليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه الله، أو سَنَّه رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصح جعله في الوتر، ولا أصل له. وكل ما وُجِد سببه، وقام مقتضاه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولم يقع منهم فِعْله، مع عدم المانع من الفعل فإنه بدعة كالأذان للعيد والاستسقاء، ودعاء الختمة في الصلاة ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور:63]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). - متى يُكتب للمأموم قيام ليلة: 1 - الأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام في التراويح حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو أقل أو أكثر؛ وذلك حتى يكتب ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

له أجر قيام ليلة. 2 - إذا صلى التراويح بالناس إمامان فيُكتب أجر قيام ليلة لمن أكمل الصلاة معهما معاً؛ لأن الثاني نائب عن الأول في إكمال الصلاة. عَنْ أَبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُصَلِّ بنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ فَقَامَ بنَا حَتَّى ذهَبَ ثلُث اللَّيْلِ ثمَّ لَمْ يَقُمْ بنَا فِي السَّادِسَةِ وَقَامَ بنَا فِي الخَامِسَةِ حَتَّى ذهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ. فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»، ثمَّ لَمْ يُصَلِّ بنَا حَتَّى بَقِيَ ثلاَث مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَّى بنَا فِي الثالِثةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ فَقَامَ بنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الفَلاَحَ. قُلْتُ لَهُ: وَمَا الفَلاَحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1375) , والترمذي برقم (806)، وهذا لفظه.

5 - صلاة العيدين

5 - صلاة العيدين - العيد: هو كل ما يعود ويتكرر من الأيام التي جعلها الشرع عيداً. - عدد الأعياد في الإسلام: الأعياد في الإسلام ثلاثة: 1 - عيد الفطر: يوم (1) شوال من كل عام. 2 - عيد الأضحى: يوم (10) من ذي الحجة من كل عام. 3 - عيد الأسبوع: وهو يوم الجمعة من كل أسبوع، وقد سبق الحديث عنه. وكل ما سوى ذلك من الأعياد فهو محدث لا أصل له. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذانِ اليَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الفِطْرِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ». أخرجه أحمد وابن خزيمة (¬2). - حكمة مشروعية صلاة العيدين: يوم عيد الفطر والأضحى يعقبان أداء ركنين عظيمين من أركان الإسلام، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1134) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1556). (¬2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (8025) , وهذا لفظه، وابن خزيمة برقم (2161).

وهما الصيام والحج. فصلاة عيد الفطر بعد إتمام صيام شهر رمضان، وصلاة عيد الأضحى بعد فريضة الحج واختتام عشر ذي الحجة، يؤديهما المسلمون بعد أداء تلك العبادتين العظيمتين شكراً لله تبارك وتعالى. وفي هذين اليومين يظهر المسلمون الفرح والسرور، ويتمتعون بالمباحات والطيبات، ويتبادلون التهاني والزيارات، ويشكرون الله تعالى على نعمه الغزار، وصحة الأجسام، وأداء الشعائر العظام من الصيام والقيام والحج، بصدقة الفطر، وذبح الهدي والأضاحي، والتكبير والصلاة. فهما يوم عبادة وشكر، ويوم فرح وسرور، وتبسُّط في المباحات، وبهذا اجتمع فيهما خير الدنيا والآخرة. - حكم صلاة العيدين: صلاة العيدين سنة مؤكدة على كل مسلم ومسلمة. 1 - قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر:2]. 2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، فَقال: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (324) , ومسلم برقم (890)، واللفظ له.

«الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). - وقت صلاة العيدين: 1 - وقت صلاة العيدين يبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، أي بعد ربع ساعة من طلوع الشمس تقريباً. 2 - إذا لم يعلم الناس بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد في وقتها، ثم ذبحوا الأضاحي، أمّا في عيد الفطر فيفطرون إذا علموا، ويصلون في وقتها من الغد. 3 - السنة تقديم صلاة عيد الأضحى في أول الوقت؛ ليتسع وقت ذبح الأضاحي، والمبادرة إلى ذبح الأضاحي التي هي من شعائر الإسلام كما قال سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر:2]. 4 - السنة تأخير صلاة عيد الفطر؛ ليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر، لأن أفضل وقت تُخرج فيه صباح يوم العيد قبل الصلاة. 5 - يجوز التطوع قبل صلاة العيد وبعدها، ما لم يكن وقت نهي فلا يشرع إلا تحية المسجد. - مكان صلاة العيدين: السنة أن تصلى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد، ولا تصلى صلاة العيد في المساجد إلا لعذر من مطر، أو برد ونحوهما، إلا في مكة فتصلى في المسجد الحرام، ولا سنة لها لا قبلها ولا بعدها. 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1891) , واللفظ له، ومسلم برقم (11).

الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ: فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثاً قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا. متفق عليه (¬2). - ما يسن فعله يوم العيد: 1 - يسن أن يغتسل الذاهب لصلاة العيد، ويلبس أحسن ثيابه؛ إظهاراً للفرح والسرور بهذا اليوم. 2 - يسن للنساء أن يخرجن لصلاة العيد، ولا يتبرجن بزينة ولا يتطيبن، والحُيَّض من النساء يشهدن الخطبة، ويعتزلن المصلى. 3 - يسن أن يخرج لمصلى العيد الرجال والنساء والأطفال. 4 - يسن أن يخرج المصلي لصلاة العيد ماشياً، ويبكر المأموم، أما الإمام فيتأخر إلى وقت الصلاة، والسنة أن يذهب من طريق، ويعود من طريق آخر؛ إظهاراً لهذه الشعيرة، واتباعاً للسنة. 5 - يسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر تمرات وتراً، وأن يمسك عن الأكل في عيد الأضحى حتى يأكل من أضحيته إن ضحى. 6 - يسن أن يخرج إلى المصلى وهو يكبر، فإذا وصل المصلى صلى تحية المسجد ثم اشتغل بعبادة الوقت وهي التكبير إلى أن يدخل الإمام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (956) , واللفظ له، ومسلم برقم (889). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (989) , واللفظ له، ومسلم برقم (884).

7 - يسن للمسلم بعد صلاة العيد أن يجلس لاستماع خطبة العيد. 8 - يسن للمسلم أن يُخرج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، وأن يذبح أضحيته في عيد الأضحى بعد الفراغ من الصلاة وسماع الخطبة. - حكمة مخالفة الطريق في العيدين: يسن لمن خرج لصلاة عيد الفطر والأضحى مخالفة الطريق، بأن يذهب إلى المصلى من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ ليُظهر شعائر الإسلام في كل الفجاج والطرق، وليشهد له الطريقان، وليسلِّم على أهل الطريقين، ويواسي من فيهما، وينال خيره وإحسانه أهل الطريقين. عَنْ جَابِرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ، خَالَفَ الطَّرِيقَ. أخرجه البخاري (¬1). - صفة صلاة العيدين: صلاة العيد ركعتان. 1 - فإذا حان وقت صلاة العيد دخل الإمام وصلى بالناس ركعتين بلا أذان ولا إقامة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ يَوْمَ العِيدِ، فَبَدَأ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - السنة أن يكبر في الركعة الأولى سبعاً مع تكبيرة الإحرام، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ثم يستفتح ويقرأ، ويكبر في الثانية خمساً بدون تكبيرة القيام، يرفع ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (986). (¬2) أخرجه مسلم برقم (885).

يديه مع كل تكبيرة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكَبرُ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى فِي الأُولَى سَبْعَ تَكْبيرَاتٍ، وَفِي الثانِيَةِ خَمْساً. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 3 - لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أو دعاء بين التكبيرات الزوائد. 4 - ثم يسن أن يقرأ جهراً بعد الفاتحة بـ (الأعلى) في الركعة الأولى، وفي الثانية بعد الفاتحة بـ (الغاشية). أو يقرأ في الأولى بـ (ق)، وفي الثانية بـ (اقتربت الساعة). يقرأ مرة بهذا، ومرة بهذا؛ إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. 1 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ فِي العِيدَيْنِ وَفِي الجُمُعَةِ، بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، وَهَلْ أتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَبْدِاللهِ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ سَألَ أبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَا كَانَ يَقْرَأ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأضْحَى وَالفِطْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأ فِيهِمَا بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}. أخرجه مسلم (¬3). - حكم التكبيرات الزوائد: 1 - التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين سنة، فإذا نسي الإمام إحدى التكبيرات الزوائد أو كلها، وشَرع في القراءة سقطت؛ لأنها سنة فات محلها. 2 - يرفع المصلي يديه مع تكبيرة الإحرام كما ورد في صلاة الفرض والنفل، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1149) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1280). (¬2) أخرجه مسلم برقم (878). (¬3) أخرجه مسلم برقم (891).

وكذلك يرفع يديه مع التكبيرات الزوائد في الركعتين في العيدين. - وقت خطبة العيد: الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، والخطبة يوم العيد بعد الصلاة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ. متفق عليه (¬1). - صفة خطبة العيد: 1 - إذا سلم الإمام من صلاة العيد استقبل الناس وخطبهم قائماً خطبة واحدة يفتتحها بالحمد، وشكر الله على ما يسّره من النعم والطاعات، وإكمال عدة الصيام في الفطر، ويرغبهم في عيد الأضحى في الأضحية، ويبين لهم أحكامها. 2 - يسن للإمام وعظ النساء في خطبته، وتذكيرهن بما يجب عليهن، ويرغِّب الجميع في الطاعات والصدقات. 3 - خطبة العيد سنة، واستماعها سنة، فإذا سلم الإمام فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يجلس ويسمع الخطبة -وهو الأفضل- فليجلس. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (957) , واللفظ له، ومسلم برقم (888). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (978) , واللفظ له، ومسلم برقم (885).

فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ: فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثاً قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. متفق عليه (¬1). - حكم التكبير يوم العيد: يسن التكبير في العيدين جهراً لعموم المسلمين من الرجال والنساء والأطفال، ويسن الجهر بالتكبير في جميع الأحوال، وفي البيوت والأسواق والطرق والمساجد وغيرها، يكبر كل إنسان بمفرده، أما التكبير الجماعي فهو بدعة، والنساء لا تجهر بالتكبير بحضرة الأجانب. - أوقات التكبير في العيدين: المسلم يذكر الله في جميع الأوقات على كل أحيانه. وأوقات التكبير في العيدين كما يلي: 1 - يبدأ وقت التكبير في عيد الفطر من أول ليلة العيد حتى يصلي صلاة العيد. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. 2 - يبدأ وقت التكبير في عيد الأضحى من دخول عشر ذي الحجة إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (956) , واللفظ له، ومسلم برقم (889).

قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} [البقرة:203]. - حكمة التكبير: 1 - المقصود من ذكر الله وتكبيره وحمده هو إحياء عظمة الله وكبريائه في القلوب .. لتتوجه إليه وحده في جميع الأحوال .. وتقبل النفوس على طاعته .. وتحبه وتتوكل عليه وحده لا شريك له .. لأنه الكبير الذي لا أكبر منه .. والرازق الذي كل النعم منه .. والملك الذي كل ما سواه عبد له .. والخالق الذي خلق كل شيء: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام:102]. 2 - إذا عرف القلب ذلك أقبل على طاعة الله، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه .. ولهج لسان العبد بذكر الله وحمده وشكره .. وتحركت جوارحه لعبادة الله بالمحبة والتعظيم والانكسار. عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.

- صفة التكبير في العيدين: يسن للمسلم أن يكبر ربه في تلك الأوقات الشريفة بما شاء. 1 - إما أن يكبر شفعاً فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد). 2 - أو يكبر وتراً فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد). 3 - أو يكبر وتراً في الأولى، وشفعاً في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد). 4 - أو يكبر شفعاً في الأولى، ووتراً في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد). يفعل هذا مرة، وهذا مرة، والأمر في ذلك واسع. - الحكم إذا وافق العيد يوم الجمعة: 1 - إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد: فمن صلى العيد سقط عنه حضور الجمعة، وصلى بدلها ظهراً، والأَوْلى أن يصلي العيد والجمعة معاً؛ طلباً للفضيلة. 2 - ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يصل العيد من المسلمين. - حكم قضاء صلاة العيد: 1 - من أدرك الإمام قبل سلامه من صلاة العيد قضاها على صفتها بعد سلام الإمام، ومن فاتته كلها قضاها على صفتها جماعة.

2 - إذا لم يعلم المسلمون بعيد الفطر إلا بعد الزوال أفطروا ثم صلوا العيد من الغد في وقتها جماعة، وفي عيد الأضحى إن لم يعلموا به إلا بعد الزوال صلوا من الغد في وقتها جماعة، ثم يذبحون الأضاحي بعد الصلاة. عَنْ أَبي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَكْباً جَاؤُوا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الهِلاَلَ بالأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكمة الأكل قبل صلاة عيد الفطر: يسن للمسلم أن يأكل تمرات وتراً قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر؛ مبادرة إلى فطر هذا اليوم الذي أوجب الله فطره، وتمييزاً لهذا اليوم بالأكل عن الأيام التي قبله، وإكمالاً لفضيلة الفطر على تمر. فإن ما قبله فيه فطر من كل يوم على تمر، وفي يوم العيد فطر من جميع الصيام على تمر، فإن لم يجد أكل ما تيسر. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمرَاتٍ. أخرجه البخاري (¬2). - حكم التهنئة بالعيد: تبادل التهاني يوم العيد من مكارم الأخلاق التي تجلب المودة والمحبة كأن يقول لأخيه المسلم (تقبل الله منا ومنك) ونحو ذلك. فهذا ليس مأموراً به، ولا منهياً عنه، مَنْ فعله فله قدوة، ومَنْ تركه فله قدوة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1157) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1557). (¬2) أخرجه البخاري برقم (953).

- ما يباح من اللعب في العيد: يباح في العيد كل لعب لا معصية فيه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ أبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أيَّامِ مِنى، تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسَجّىً بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ عَنْهُ، وَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أبَا بَكْرٍ! فَإِنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ». وَقَالَتْ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأنَا أنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ، وَأنَا جَارِيَةٌ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الجَارِيَةِ العَرِبَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعْتُ رَأْسِي، عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أنَا الَّتِي أنْصَرِفُ، عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا الحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَأهْوَى إِلَى الحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُمْ، يَا عُمَرُ!». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَأقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «دَعْهُمَا». فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِمَّا قال: «تَشْتَهِينَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (987) , ومسلم برقم (892)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (892). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2901) , ومسلم برقم (893)، واللفظ له.

تَنْظُرِينَ؟». فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أرْفِدَةَ». حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قال: «حَسْبُكِ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قال: «فَاذْهَبِي». متفق عليه (¬1). - حكم الأعياد المحدثة: ليس في الإسلام عيد إلا يوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم الجمعة. وكل ما سوى ذلك محدث لا أصل له. 1 - فلا يجوز لأحد تعظيم زمان ولا مكان لم يأت تعظيمه في الشرع كالاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بذكرى الإسراء والمعراج، أو بذكرى يوم بدر، أو غزوة فتح مكة، أو الهجرة النبوية، أو غير ذلك مما زينه الشيطان للناس، وكل ذلك من البدع المحدثة في الدين، واعتقاد ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات. 2 - لا يجوز لأحد كذلك أن يتجاوز الحد المشروع في العيد، وذلك بتحويل العيد إلى منكرات تنافي تعاليم الإسلام وآدابه من لهو محرم، وغناء ورقص، وسكر، واختلاط، وركوب للمحرمات، وإضاعة للصلوات والأوقات، وإسراف وتبذير. 1 - قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور:63]. 2 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (949 و950)، ومسلم برقم (892)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718)، واللفظ له.

6 - صلاة الكسوف

6 - صلاة الكسوف - الكسوف: هو انحجاب ضوء أحد النيرين الشمس والقمر أو بعضه، والخسوف مرادف له، ويطلق أحدهما على الآخر إذا افترقا، وإن اجتمعا: فالكسوف: انحجاب ضوء الشمس أو بعضه نهاراً. والخسوف: ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً. - حكمة حدوث الكسوف: بكسوف الشمس والقمر يخوّف الله عباده، ويوقظهم من الغفلة؛ ليعلم العباد أن وراء هذا الكون العظيم خالقاً مدبراً قديراً بيده كل شيء، وأنه ليس بغافل عن ملكه وخلقه، وأنه قادر على أن يعاقبهم بآية من آياته الكونية العظام، بأن يسلبهم نور الشمس والقمر فيظلون في أرضهم يعمهون. وفي حصول الكسوف من الحكم: ظهور قدرة تصرف الرب في مخلوقاته العظيمة، والإعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له ليحذر من له ذنب، وإعلام الناس ببعض ما سيجري يوم القيامة، وتنبيه القلوب الغافلة وإيقاظها لتعود إلى الله، وتخويف العباد من إقامتهم على معاصي الله، وأن يتبين بتغيرهما تغير ما بعدهما وما سواهما. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} [الإسراء:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فُصِّلَت:37].

- أسباب الكسوف والخسوف: الله جل جلاله يفعل في ملكه ما يشاء، وقد جعل الله لكل شيء سبباً. 1 - فسبب كسوف الشمس هو توسط القمر بين الشمس والأرض. 2 - وسبب خسوف القمر هو توسط الأرض بين الشمس والقمر. وقد أجرى الله العادة أن كسوف الشمس لا يحصل إلا في الإسرار آخر الشهر إذا اقترن النيِّران. ولا يحصل خسوف القمر إلا في الإبدار في الليالي البيض في نصف الشهر إذا تقابل النيِّران. فإذا اتفق مرور القمر بين الشمس والأرض حصل كسوف كلي للشمس، فإن لم تكن مقابلة القمر للشمس كاملة صار كسوف الشمس جزئياً، ولا يمكن أن يحجب القمر الشمس عن جميع الأرض؛ لأنه أصغر منها، فلا يكون كسوف الشمس كلياً في جميع أقطار الدنيا أبداً، إنما يكون في موضع معين، مساحته بقدر مساحة القمر. - معرفة وقت الكسوف: 1 - الكسوف والخسوف لهما أوقات مقدرة تُعلم بالحساب، كما لطلوع الهلال وقت مقدر يُعلم بالحساب. فالشمس لا تكسف إلا في نهاية الشهر وقت اختفاء القمر واستسراره، والقمر لا يخسف إلا في وقت الإبدار في منتصف الشهر في الليالي البيض. 2 - لا يُكَذُّب المخبر بالكسوف والخسوف ولا يُصَدَّق، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب مع ذلك فلا يكادون يخطئون، لكننا لا نصلي حتى نرى ذلك.

عَنْ أبي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية صلاة الكسوف: الشمس والقمر آيتان من آيات الله الكبرى، ومن نعمه العظام التي تتوقف عليها حياة الكائنات. وكسوف الشمس والقمر فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن الكون كله في قبضة إله قدير يفعل في ملكه ما يشاء. وذلك ينشأ عنه خوف العباد، وتوقع نزول عذاب، فتضطرب القلوب، وتستوحش مما في الغيب. فأمرنا الله عز وجل عند ذلك بما يزيل هذا الخوف والوحشة بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق وغير ذلك مما يدفعه ويرفعه من القُرَب والأعمال الصالحة. عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أتَى المَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي بِأطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قال: «إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لا تَكُونُ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1041) , واللفظ له، ومسلم برقم (911). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1059) , ومسلم برقم (912)، واللفظ له.

- حكم صلاة الكسوف: صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة على كل مسلم ومسلمة في الحضر والسفر. 1 - عَنِ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ َرَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ مُنَادِياً: «الصَّلاةُ جَامِعَةٌ». فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأرْبَعَ سَجَدَاتٍ. أخرجه مسلم (¬2). - وقت صلاة الكسوف: 1 - الكسوف الذي وقع للشمس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع مرة واحدة في أول النهار، على مقدار رمح أو رمحين من طلوع الشمس. وذلك في الساعة الثامنة صباحاً في الصيف، في يوم الإثنين، في آخر شهر شوال، من السنة العاشرة للهجرة، ووافق ذلك موت ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم، فخرج - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد مسرعاً فزعاً يجر رداءه فصلى بالناس صلاة الكسوف. 2 - وقت صلاة الكسوف والخسوف يبدأ من ظهور الكسوف أو الخسوف إلى زواله. وتصلى صلاة الكسوف والخسوف متى حدث الكسوف في أي وقت من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1060) , ومسلم برقم (915)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (901).

ليل أو نهار حتى ينجلي. وينتهي وقت صلاة كسوف الشمس بانجلاء الكسوف، أو غروبها كاسفة. وينتهي وقت صلاة خسوف القمر بانجلاء الخسوف، أو غياب القمر وهو خاسف، أو طلوع الشمس. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة صلاة الكسوف: 1 - صلاة الكسوف والخسوف ليس لها أذان ولا إقامة، لكن ينادى لها ليلاً أو نهاراً بلفظ (الصلاة جامعة) مرة أو أكثر. 2 - صلاة الكسوف السنة أن تصلَّى في المسجد جماعة، ويجوز أن تصلَّى فرادى؛ لأنها نافلة، ولكنها جماعة أفضل. 3 - صلاة الكسوف ركعتان يجهر فيهما الإمام بالقراءة، وفي كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان. 4 - يكبر الإمام، ثم يستفتح، ثم يتعوذ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهراً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع قائلاً: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد). ثم يقرأ جهراً الفاتحة وسورة أقصر من الأولى، ثم يركع أقل من الركوع ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1040).

الأول، ثم يرفع من الركوع قائلاً: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد). ثم يسجد سجدتين طويلتين الأولى أطول من الثانية، بينهما جلوس، الأول أطول من الثاني. ثم يقوم ويأتي بركعة ثانية على هيئة الأولى لكنها أخف، ثم يتشهد ويسلم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا». ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلبَكَيْتُمْ كَثِيراً». متفق عليه (¬1). - ما يسن أن يفعل عند الكسوف: 1 - يسن للإمام أن يخطب بعد صلاة الكسوف خطبة واحدة، يعظ فيها الناس، ويذكرهم بالله، وبأمر هذا الحدث العظيم لترق قلوبهم. ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقة والعتق وسائر القُرَب. 2 - يسن للمسلمين الإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقات حتى ينجلي الكسوف. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1044) , واللفظ له، ومسلم برقم (901).

1 - عَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فَأشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأطَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - القِيَامَ جِدّاً، حَتَّى تَجَلانِي الغَشْيُ، فَأخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أصُبُّ عَلَى رَأْسِي أوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ المَاءِ، قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: «أمَّا بَعْدُ، مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أكُنْ رَأيْتُهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أوحِيَ إِلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ قَرِيباً أوْ مِثْلَ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَزِعاً، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: «هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (86) , ومسلم برقم (905)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1059) , واللفظ له، ومسلم برقم (912). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1041) , ومسلم برقم (911)، واللفظ له.

- حكم المسبوق في صلاة الكسوف: 1 - المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى فقد أدرك الركعة. 2 - إن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة بركوعين وسجودين. 3 - إن أدرك الإمام في الركوع الثاني من إحدى الركعتين فقد فاتته الركعة فيقضيها كما سبق. - حكم قضاء صلاة الكسوف: صلاة الكسوف من ذوات الأسباب، فإذا انجلى الكسوف من فاتته فإنه لا يقضيها لزوال سببها وهو الكسوف. - ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الكسوف فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فصلى بالناس في المسجد، ورأى في صلاته ما لم يره من قبل. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «رَأيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ، حَتَّى لَقَدْ رَأيْتُنِي أرِيدُ أنْ آخُذَ قِطْفاً مِنَ الجَنَّةِ حِينَ رَأيْتُمُونِي جَعَلْتُ أقَدِّمُ، (وَقَالَ المُرَادِيُّ: أتَقَدَّمُ) وَلَقَدْ رَأيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخَّرْتُ، وَرَأيْتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا الشَّمْسُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (901).

وَالقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَإِذَا رَأيْتُمْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ، مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخَّرْتُ مَخَافَةَ أنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا صَاحِبَ المِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قال: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً، ثُمَّ جِيءَ بِالجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي، وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأنَا أرِيدُ أنْ أتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِي أنْ لا أفْعَلَ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلا قَدْ رَأيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيباً مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ -لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ، أَوِ المُوقِنُ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ: لَهُ نَمْ صَالِحاً، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِناً، وَأَمَّا المُنَافِقُ، أَوِ المُرْتَابُ -لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (904). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1053) , واللفظ له، ومسلم برقم (905).

وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئاً فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُوداً، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَراً كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ». قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (¬1). فعلى العبد أن يستحضر في قلبه هذه الأمور العظيمة، وهيبة الوقوف بين يدي الله، فإن ذلك يثمر الخوف من الله عز وجل. - حكم صلاة الآيات: تسن صلاة الكسوف عند خسوف الشمس أو القمر ركعتان كما سبق. 1 - تشرع صلاة الآيات عند حدوث الآيات التي يخوف الله بها عباده كالزلازل المدمرة .. والصواعق المحرقة .. والبراكين المخيفة .. والرياح الشديدة .. والطوفان العارم .. والكوارث المهلكة .. وغيرها من الآيات التي يخوف الله بها عباده لعلهم يرجعون إليه. 2 - صفتها كصلاة الكسوف. 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فَزِعاً يَخْشَى أنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أتَى المَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي بِأطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قال: «إِنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1052) , واللفظ له، ومسلم برقم (907).

يُرْسِلُ اللهُ، لا تَكُونُ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَاتَتْ فُلاَنَةُ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَّ سَاجِداً، فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا» وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذهَاب أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1059) , ومسلم برقم (912)، واللفظ له. (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1197).

7 - صلاة الاستسقاء

7 - صلاة الاستسقاء - الاستسقاء: هو الدعاء بطلب السقيا من الله عند الجدب على صفة مخصوصة. - متى يشرع الاستسقاء: يشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض، وانقطع المطر، أو غارت مياه العيون والآبار، أو جفت الأنهار، أو نقص ماؤها، أو تغير بملوحة، وقحط الناس من قلة الماء ونحو ذلك. - أنواع الاستسقاء: الدعاء بطلب السقيا من الله عز وجل له ثلاث كيفيات: الأولى: صلاة الاستسقاء جماعة مع الخطبة والدعاء، وهذه أكملها وأفضلها. الثانية: الدعاء بطلب الغيث في خطبة الجمعة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثالثة: الدعاء بطلب السقيا من الله في أي وقت من غير صلاة ولا خطبة. - حكمة مشروعية الاستسقاء: نعمة الماء فيض من أكبر نعم الله على عباده، وهي تستلزم دوام شكر العباد لربهم، وتأخر نزول المطر إنما هو ابتلاء من الله لعباده؛ ليرجعوا من الذنوب والمعاصي إلى الطاعات والتوبة والاستغفار. وفي حبس الماء عن الخلق تذكير لهم بحاجتهم الماسة على الدوام لربهم في خلقهم وبقائهم، وفي حفظهم وإمدادهم. ومن رحمة الله أن شرع لهم من الصلاة والدعاء ما يستجلبون به الغيث ممن

يملكه، ويملك التصرف فيه، بإقرارهم بكمال غناه، وشدة حاجتهم إليه. - حكم صلاة الاستسقاء: صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة على الرجال والنساء عند الحاجة للماء، ويسن الاستسقاء جماعة، ويصح منفرداً، ويسن بصلاة، ويصح بدون صلاة، ويسن في الصحراء، ويصح في المسجد، ويسن في خطبة الجمعة، ويصح في غيرها. وصلاة الاستسقاء جماعة في الصحراء أفضل وأبلغ في الخشوع، وأقرب إلى التواضع. عَنْ عَبْداللهِ بن زَيْدٍ المَازِنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. متفق عليه (¬1). - حكم الاجتماع على العبادات والطاعات: الاجتماع على العبادات والطاعات نوعان: أحدهما: سنة راتبة، إما واجب كالصلوات الخمس والجمعة، أو مسنون كالعيدين، والتراويح، والكسوف، والاستسقاء، فهذا سنة راتبة ينبغي المحافظة والمداومة عليه. الثاني: ما ليس بسنة راتبة، كالاجتماع لصلاة تطوع كقيام الليل، أو تطوع بالنهار، فهذا يجوز فعله أحياناً، ولا يُتخذ عادة راتبة. - وقت صلاة الاستسقاء: صلاة الاستسقاء تصلى في كل وقت إلا في أوقات النهي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1027) , واللفظ له، ومسلم برقم (894).

والأفضل أن تصلى بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، وذلك بعد طلوع الشمس بربع ساعة تقريباً إلى الزوال. - مكان صلاة الاستسقاء: السنة أن تصلى صلاة الاستسقاء في الصحراء خارج عمران البلد كالعيد، إلا لعذر من مطر، أو ريح، أو برد، أو خوف ونحو ذلك، فتصلى في المساجد. - متى يخرج الناس إلى المصلى: يسن الاستسقاء جماعة، أو منفرداً، أو في خطبة الجمعة بدون إذن الإمام، أما الخروج إلى المصلى للاستسقاء فلا يجوز إلا بإذن الإمام الأعظم، فيختار لهم يوماً يحصل به اجتماعهم بلا مشقة، وتراعى فيه مصالح الناس. والأَوْلى تنويع الأيام التي يخرجون فيها لصلاة الاستسقاء فمرة يوم الإثنين، ومرة يوم السبت؛ لئلا يظن الناس أن للاستسقاء يوماً بعينه، وتُتخذ العادة عبادة، فتكون حينئذ بدعة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُحُوطَ المَطَرِ، فَأَمَرَ بمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْماً يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ. أخرجه أبو داود (¬1). - صفة الخروج لصلاة الاستسقاء: يسن أن يخرج المسلمون لصلاة الاستسقاء رجالاً ونساءً وأطفالاً متبذِّلين، متواضعين، متضرعين، متذللين، بخضوع وخشوع، مع إظهار الافتقار التام لله عز وجل حالاً ومقالاً. ولهذا لا يشرع لصلاة الاستسقاء التجمل والزينة. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1173).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعاً مُتَضَرِّعاً حَتَّى أَتَى المُصَلَّى فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبيرِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي العِيدِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - وقت خطبة الاستسقاء: السنة أن يخطب الإمام قبل صلاة الاستسقاء لما يلي: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بن زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدٍ الأنْصَاري رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَبَّرَ - صلى الله عليه وسلم - وَحَمِدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ثمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ» ثمَّ قَالَ: ? «الحَمْدُ للهِ رَب العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللهمَّ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْث وَاجْعَلْ مَا ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1165) , والترمذي برقم (558)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1025) , واللفظ له، ومسلم برقم (894). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1012) , واللفظ له، ومسلم برقم (894).

أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغاً إِلَى حِينٍ» ثمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبطَيْهِ ثمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثمَّ أَمْطَرَتْ بإِذنِ اللهِ فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذهُ، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». أخرجه أبو داود (¬1). - صفة خطبة الاستسقاء: السنة أن تشتمل خطبة الاستسقاء على ذكر الله عز وجل، وعلى حمده وشكره، وعلى الدعاء بطلب السقيا منه، وعلى الاستغفار والتوبة. ويخطب الإمام خطبة واحدة قبل الصلاة قائماً، فيحمد الله تبارك وتعالى ويكبره ويستغفره، ثم يدعو بما ثبت في السنة، ومنه: «الحَمْدُ للهِ رَب العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللهمَّ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْث وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغاً إِلَى حِينٍ». أخرجه أبو داود (¬2). «اللهمَّ أَغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثْنَا». متفق عليه (¬3). «اللهمَّ اسْقِنَا، اللهمَّ اسْقِنَا، اللهمَّ اسْقِنَا». أخرجه البخاري (¬4). «اللهمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً نَافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ». أخرجه أبو داود (¬5). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1173) , انظر الإرواء رقم (668). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1173) , انظر الإرواء رقم (668). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1014) , ومسلم برقم (897). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1013). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1169).

«اللهمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ». أخرجه مالك وأبو داود (¬1). - صفة رفع اليدين عند الاستسقاء: السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جداً حتى كأن ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء أن يرفع يديه حذو منكبيه أو نحوهما ويجعل بطن كفيه إلى السماء. والسنة أن يرفع الإمام والمأمومون أيديهم في دعاء الاستسقاء. 1 - عَنْ أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ، إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ. قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْقَى، فَأشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. أخرجه مسلم (¬4). - حكم قلب الرداء في الاستسقاء: 1 - يسن للإمام بعد الفراغ من الخطبة أن يحول رداءه، فيجعل اليمين على ¬

(¬1) حسن/ أخرجه مالك برقم (449) , وأبو داود برقم (1176)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1029) , واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1031) , واللفظ له، ومسلم برقم (895). (¬4) أخرجه مسلم برقم (896).

الشمال، ثم يدعو مستقبلاً القبلة، ثم ينزل ويصلي بالناس صلاة الاستسقاء. 2 - أما المأمومين فلا يشرع لهم قلب أرديتهم؛ لأنه لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يقلبون أرديتهم في تلك الحال. 3 - وإذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة، أو في الصلاة، أو في غيرها، فإنه لا يقلب رداءه إلا في صلاة الاستسقاء. 1 - عَنْ عَبْدالله بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَلاَكَ المَالِ، وَجَهْدَ العِيَالِ، فَدَعَا اللهَ يَسْتَسْقِي. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَلاَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. متفق عليه (¬2). - صفة صلاة الاستسقاء: السنة أن تكون صلاة الاستسقاء بعد الخطبة والدعاء. فيصلي الإمام بالمسلمين صلاة الاستسقاء ركعتين بلا أذان ولا إقامة كالعيد .. يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام .. ثم يقرأ الفاتحة وسورة من القرآن جهراً .. ثم يركع ويسجد .. ثم يقوم فيكبر في الركعة الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام .. ثم يقرأ الفاتحة وسورة من القرآن جهراً .. فإذا صلى الركعتين تشهد ثم سلم. عَنْ عَبْداللهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1025) , واللفظ له، ومسلم برقم (894). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1018) , واللفظ له، ومسلم برقم (897).

القِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ. متفق عليه (¬1). - ما يقوله إذا نزل المطر: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّباً نَافِعاً». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأى المَطَرَ يَقُولُ: «رَحْمَةٌ». أخرجه مسلم (¬3). يقول هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة. - ما يقوله بعد نزول المطر: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ». متفق عليه (¬4). - ما يفعله بعد نزول المطر: من السنة إذا نزل المطر أن يحسر الإنسان ثوبه ليصيب بعض بدنه المطر. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَطَرٌ، قال: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَهُ، حَتَّى أصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قال: «لأنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى». أخرجه مسلم (¬5). - حكم الاستسقاء في خطبة الجمعة: يسن للإمام أن يستسقي في خطبة الجمعة إذا تأخر نزول المطر، كما يسن له ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1024) , واللفظ له، ومسلم برقم (894). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1032). (¬3) أخرجه مسلم برقم (899). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1038) ومسلم برقم (71). (¬5) أخرجه مسلم برقم (898).

طلب الاستصحاء إذا كثر المطر، وخيف الضرر، وتعطلت المصالح. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ باب كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً، ثُمَّ قال: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِثْنَا، قال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قال: «اللهمَّ أغِثْنَا. اللهمَّ أغِثْنَا. اللهمَّ أغِثْنَا». قال أنَسٌ: وَلا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ، قال: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أمْطَرَتْ، قال: فَلا وَاللهِ! مَا رَأيْنَا الشَّمْسَ سَبْتاً، قال: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِماً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قال: «اللهمَّ حَوْلَنَا وَلا عَلَيْنَا، اللهمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». فَانْقَلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. متفق عليه (¬1). - حكم تكرار الاستسقاء: 1 - إذا سقى الله المسلمين بعد الاستسقاء حمدوا الله وشكروه، وإن لم يُسقوا أعادوا الاستسقاء ثانياً وثالثاً؛ لبقاء علته، والحاجة الداعية إليه، ويكثرون من الاستغفار والتوبة والصدقة. 2 - وإذا تأهبوا للخروج للاستسقاء ثم سُقوا قبل خروجهم لم يخرجوا، وشكروا الله على نعمته، وسألوه المزيد من فضله. 3 - وإذا خرجوا فسُقُوا قبل أن يُصلوا، صلوا شكراً لله تبارك وتعالى وحمدوه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1014) ومسلم برقم (897)، واللفظ له.

8 - صلاة الضحى

8 - صلاة الضحى - صلاة الضحى: هي التي يصليها المسلم تطوعاً في الضحى. - فضل صلاة الضحى: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ: «صِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأنْ أوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «فِي الإنْسَانِ ثلاَث مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلاً فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهُ بصَدَقَةٍ» قَالُوا: وَمَنْ يُطِيقُ ذلِكَ يَا نَبيَّ اللهِ؟ قَالَ: «النُّخَاعَةُ فِي المَسْجِدِ تَدْفِنُهَا وَالشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَرَكْعَتَا الضُّحَى تُجْزِئُكَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). 4 - وَعَنْ زَيْد بن أرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقَالَ: «صَلاةُ الأوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الفِصَالُ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1981) , واللفظ له، ومسلم برقم (721). (¬2) أخرجه مسلم برقم (720). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22998) , وأبو داود برقم (5242)، وهذا لفظه. (¬4) أخرجه مسلم برقم (748).

- حكم صلاة الضحى: صلاة الضحى سنة مؤكدة، صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأوصى بها، ورغَّب فيها، ولم يداوم عليها خشية أن تُفرض. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أوْصَانِي حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثٍ، لَنْ أدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَبِأنْ لا أنَامَ حَتَّى أُوتِرَ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى أرْبَعاً، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ. أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ العَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. متفق عليه (¬4). - وقت صلاة الضحى: وقت صلاة الضحى يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ربع ساعة من طلوعها إلى قبيل الزوال. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1178) , واللفظ له، ومسلم برقم (721). (¬2) أخرجه مسلم برقم (722). (¬3) أخرجه مسلم برقم (719). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1128) , ومسلم برقم (718).

1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأجْهَلُهُ، أخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاةِ؟ قال: «صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ العَصْرَ، ثُمَّ أقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ». أخرجه مسلم (¬2). - أفضل أوقات صلاة الضحى: أفضل أوقات صلاة الضحى إذا مضى ربع النهار، وارتفعت الشمس، واشتدت حرارتها. فمن صلاها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح أصاب السنة، ومن أخرها إلى اشتداد الحر فهو أفضل. عَنْ زَيْد بن أرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ رَأى قَوْماً يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أمَا لَقَدْ عَلِمُوا أنَّ الصَّلاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (831). (¬2) أخرجه مسلم برقم (832).

«صَلاةُ الأوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ». أخرجه مسلم (¬1). - صفة صلاة الضحى: صلاة الضحى أقلها ركعتان، ولا حد لأكثرها، يصلي كل ركعتين بسلام، وأحياناً يسردهن بسلام واحد. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثٍ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أرْقُدَ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أوْصَانِي حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثٍ، لَنْ أدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَبِأنْ لا أنَامَ حَتَّى أُوتِرَ. أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى أرْبَعاً، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ. أخرجه مسلم (¬4). 4 - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (748). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1178) , ومسلم برقم (721)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (722). (¬4) أخرجه مسلم برقم (719). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1176) , واللفظ له، ومسلم برقم (336).

9 - صلاة ركعتي الوضوء

9 - صلاة ركعتي الوضوء - ركعتي الوضوء سنة مؤكدة في أي وقت من ليل أو نهار، حتى في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: «يَا بِلاَلُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُوراً، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. متفق عليه (¬1). - فضل ركعتي الوضوء: 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ تَوضَأ وُضُوءاً كَامِلاً ثُمَّ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِماً يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَأدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149) , واللفظ له، ومسلم برقم (2458). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159) , واللفظ له، ومسلم برقم (226). (¬3) أخرجه مسلم برقم (234).

- فضل المداومة على الصلاة بعد الوضوء: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِبِلاَلٍ، عِنْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ «يَا بِلاَلُ! حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الإِسْلاَمِ مَنْفَعَةً، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ». قَالَ بِلاَلٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً فِي الإِسْلاَمِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لاَ أَتَطَهَّرُ طُهُوراً تَامّاً فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ، إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ، مَا كَتَبَ اللهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149) , ومسلم برقم (2458)، واللفظ له.

10 - صلاة تحية المسجد

10 - صلاة تحية المسجد - حكم تحية المسجد: صلاة تحية المسجد ركعتان، وهي واجبة على من دخل المسجد في أي وقت من ليل أو نهار. 1 - عَنْ أبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». متفق عليه (¬2). - حكم تحية المسجد وقت خطبة الجمعة: السنة لمن دخل المسجد والإمام يخطب خطبة الجمعة أن يصلي ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ: «يَا سُلَيْكُ! قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». ثُمَّ قال: «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمْ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». متفق عليه (¬3). - يجوز للمسلم إذا دخل المسجد أن يصلي ركعتين وينوي بهما السنة الراتبة، وركعتي الوضوء، وتحية المسجد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (444) , واللفظ له، ومسلم برقم (714). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1163) , واللفظ له، ومسلم برقم (714). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (930)، ومسلم برقم (875).

11 - صلاة القدوم من السفر

11 - صلاة القدوم من السفر - حكم صلاة القدوم من السفر: يسن للمسلم عند القدوم من السفر أن يذهب إلى المسجد ويصلي فيه ركعتين. ويسن للرجل الكبير في المرتبة، ومن يقصده الناس، أن يقعد أول قدومه في مكان بارز إما المسجد أو غيره. 1 - عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَاراً، فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأ بِالمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ، فَأبْطَأ بِي جَمَلِي وَأعْيَا، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالغَدَاةِ، فَجِئْتُ المَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى باب المَسْجِدِ، قال: «الآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قال: «فَدَعْ جَمَلَكَ، وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». قال فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3088) , ومسلم برقم (716)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2097) , ومسلم برقم (715)، واللفظ له.

12 - صلاة التوبة

12 - صلاة التوبة - حكم صلاة التوبة: صلاة التوبة ركعتان، وهي سنة. وتصلى في كل وقت؛ لأن التوبة من الذنب واجبة على الفور. عَنْ أَبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذنِبُ ذنْباً فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَسْتَغْفِرُ اللهَ إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ». ثمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1521) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (406).

13 - صلاة الاستخارة

13 - صلاة الاستخارة - الاستخارة: هي طلب الخِيَرة من الله تعالى في أمر من الأمور المشروعة أو المباحة. - الفرق بين الاستخارة والاستشارة: 1 - الاستخارة: أن يستخير العبد ربه فيما يفعل من الأمور المباحة، أو المسنونة، أو الواجبة إذا التبس عليه وجه الخير والصلاح فيها. 2 - الاستشارة: أن يستشير العبد غيره ممن يثق بدينه، وعلمه، ونصحه فيما سبق من الأمور. وكلاهما مسنون، فما ندم من استخار الخالق، واستشار المخلوق، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشاور أصحابه كما أمره ربه. قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران:159]. - أحوال الاستخارة: الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - المشروعات من الواجبات والمستحبات. فهذه لا يستخار فيها، لكن يستخير في أنواع الواجب والمستحب عند التزاحم؛ لأنها مطلوبة الفعل. 2 - المنهيات من المحرمات والمكروهات، فهذه كلها لا يستخار فيها، بل

يحذرها مطلقاً؛ لأنها مطلوبة الترك. 3 - المباحات كشراء الأرض، أو السيارة، أو المنزل، أو السفر ونحو ذلك. فهذه يستخير الإنسان فيها إذا تردد في الأمر، أما إذا ظهرت له المصلحة فإنه يُقْدِم عليها ولا يستخير. - حكم صلاة الاستخارة: صلاة الاستخارة سنة في الأمور المباحة، ولمن تعارضت عنده أمور مسنونة أو واجبة، فيستخير ربه فيما يفعل. - صفة صلاة الاستخارة: 1 - صلاة الاستخارة ركعتان من غير الفريضة. ودعاء الاستخارة يكون قبل السلام أو بعده، والدعاء قبل السلام أفضل. 2 - يجوز للمسلم أن يكرر هذه الصلاة أكثر من مرة، في أوقات مختلفة، إذا لم ينشرح صدره لما استخار فيه. 3 - يفعل العبد بعد صلاة الاستخارة ما ينشرح له صدره، بعد أن يتبرأ من حوله وقوته، ومن اختياره لنفسه، ويسلِّم أمره لربه، ولو كان خلاف ما يهوى ويحب. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة:216]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: «إِذَا هَمَّ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهمَّ

إِنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وَأنْتَ عَلامُ الغُيُوبِ، اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قال: فِي عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قال: فِي عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6382).

14 - صلاة التطوع المطلق

14 - صلاة التطوع المطلق - صلاة التطوع المطلق: هي كل صلاة لم تقيد بزمن ولا سبب. - أقسام صلاة التطوع: صلاة التطوع قسمان: تطوع مطلق، وتطوع مقيد. فالتطوع المقيد أفضل في الوقت الذي قُيِّد به، أو في الحال التي قُيِّد بها. فصلاة تحية المسجد، وركعتي الوضوء، وكل صلاة من ذوات الأسباب أفضل من التطوع بالليل، ولو كانت بالنهار. أما التطوع المطلق ففي الليل أفضل منه في النهار. فالصلاة مثلاً بين المغرب والعشاء أفضل من الصلاة بين الظهر والعصر؛ لأنها صلاة ليل. والتطوع المطلق يسن الإكثار منه كل وقت إلا أوقات النهي. - حكم صلاة التطوع المطلق: تسن صلاة التطوع المطلق كل وقت عدا أوقات النهي، وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، والثلث الأخير من الليل أفضل؛ لأنه وقت نزول الرب عز وجل إلى السماء الدنيا. فيصلي المسلم من الصلوات المطلقة ما شاء، ركعتين ركعتين، في غير أوقات النهي، وله أن يصلي نهاراً أربعاً بسلام واحد.

1 - قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)} [السجدة:16]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ». متفق عليه (¬3). - فضل التطوع المطلق: 1 - عَنْ رَبِيعَة بن كَعْبٍ الأسْلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَقَالَ لِي: «سَلْ». فَقُلْتُ: أسْألُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قال: «أوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قال: «فَأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ مَعْدَان بن أبِي طَلْحَةَ اليَعْمَرِيّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الجَنَّةَ، أوْ قال قُلْتُ: بِأحَبِّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1163). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1163). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (473) , واللفظ له، ومسلم برقم (749). (¬4) أخرجه مسلم برقم (489).

الأعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَألْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَألْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (488).

3 - كتاب الجنائز

3 - كتاب الجنائز ويشتمل على ما يلي: 1 - المرض وأحكامه. 2 - الموت وأحكامه. 3 - صفة غسل الميت. 4 - صفة تكفين الميت. 5 - حمل الجنازة واتباعها. 6 - صفة الصلاة على الميت. 7 - دفن الميت. 8 - التعزية. 9 - زيارة القبور.

1 - المرض وأحكامه

1 - المرض وأحكامه - المرض: هو حصول علة في البدن. - أحوال الإنسان: خلق الله الإنسان وابتلاه بأحوال مختلفة: من الصحة والمرض، والقوة والضعف، والغنى والفقر، والأمن والخوف، والفرح والحزن، والإيمان والكفر، والحياة والموت وهكذا. وجعل سبحانه لكل حالة أحكاماً تخصها في الدنيا، ثم يستقر الإنسان بعد الموت والبعث حسب عمله في الجنة أو النار. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء:35]. - ما يجب على المريض: يجب على المريض حال مرضه ما يلي: 1 - أن يصبر على أقدار الله، وأن يحسن ظنه بربه، وإن جمع بين الرضا والصبر فهو أفضل. 1 - عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْراً لَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2999).

قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - عدم تمني الموت مهما اشتد المرض. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً». أخرجه مسلم (¬3). 3 - أداء الحقوق الواجبة عليه، سواء كانت لله كالزكاة، أو للخلق كالديون والمظالم، فإن لم يتمكن أوصى بذلك من يؤديه عنه. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2877). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351)، ومسلم برقم (2680). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2682). (¬4) أخرجه البخاري برقم (2449).

مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - كتابة الوصية بما يريده بعد موته. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة:180]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إِلا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أفَأتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قال: «لا». قُلْتُ: أفَأتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قال: «لا». قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قال: «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلا أجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬3). - يحرم الإضرار في الوصية، كأن يَحْرِم بعض الورثة من الميراث، أو يفضِّل بعضهم على بعض، وكل وصية جائرة فهي باطلة. 1 - قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2581). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738) , واللفظ له، ومسلم برقم (1627). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4409) , واللفظ له، ومسلم برقم (1628).

الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء:7]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). 5 - أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي أَرْجُو اللهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذنُوبي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْدٍ فِي مِثلِ هَذا المَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - فضل المرض والمصائب: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة:120 - 121]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718). (¬2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (983)، وابن ماجه برقم (4261). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5642) , واللفظ له، ومسلم برقم (2573).

3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً إِلا حَاتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الصبر على المرض والمصائب: 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10]. 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قال: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ». يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ. أخرجه البخاري (¬3). 4 - وَعَنْ عَطَاء بن أبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: ألا أُرِيكَ امْرَأةً مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قال: هَذِهِ المَرْأةُ السَّوْدَاءُ، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالت: إِنِّي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5647) , واللفظ له، ومسلم برقم (2571). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5645). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5653).

أصْرَعُ، وَإِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أنْ يُعَافِيَكِ». فَقالت: أصْبِرُ فَقالت: إِنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متفق عليه (¬1). - حكم شكوى المريض حاله: المسلم يشكو حاله إلى ربه، ويجوز للمريض والمصاب أن يشكو للقريب والصديق والطبيب ما يجده من الألم والمرض، ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط، وإظهار الجزع، وذلك لا ينافي الصبر؛ لأن لكل داء دواء، وقد أمرنا الله بالتداوي، ولا يُعلم ذلك إلا بكشف الحال. 1 - قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83، 84]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} [يوسف:86]. 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً؟ قال: «أجَلْ، إِنِّي أوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذىً، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5652) , واللفظ له، ومسلم برقم (2576). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5648) , واللفظ له، ومسلم برقم (2571).

- أحوال الناس عند المصائب: الإنسان إذا أصابته مصيبة له أربعة أحوال: 1 - التسخط، وهو محرم. 2 - الصبر، وهو واجب. 3 - الرضا، وهو مستحب. 4 - الشكر، وهو أعلاها وأكملها. - حكم التداوي من المرض: يسن للإنسان إذا أصابه المرض أن يتداوى؛ لأن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وليزول ما به من علة، فينشط لعبادة ربه، وتعليم شرعه، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، وإصلاح أموره، ونفع غيره، فإن غلب على ظنه الهلاك بتركه فهو واجب، وإن تساوى الأمران فتركه أولى؛ لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: سَمِعَتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5678). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5681).

السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ مِنَ السَّامِ». قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قال: المَوْتُ. أخرجه البخاري (¬1). 4 - وَعَنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئُوهَا بِالمَاءِ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزّ وَجَلّ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل عيادة المريض: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ»: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا». أخرجه مسلم (¬5). - حكم عيادة المغمى عليه: يسن للمسلم عيادة المريض ولو كان مغمى عليه؛ لما في ذلك من جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد، والمسح على جسده، والنفث عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5687). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5723) , واللفظ له، ومسلم برقم (2209). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2204). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2569). (¬5) أخرجه مسلم برقم (2568).

عَنْ جَابِر بن عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيّ، فَتَوَضّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ صَبّ عَلَيّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيّ شَيْئاً، حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ. متفق عليه (¬1). - حكم البكاء على المريض والميت: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى». قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ، إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5664) , ومسلم برقم (1616)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1304) , ومسلم برقم (924).

- حكم وصية المريض: إذا مرض الإنسان ولم يكتب وصيته فيجب عليه أن يوصي. والوصية المشروعة نوعان: وصية فرض، ووصية سنة. فالوصية المفروضة هي الواجبة عليه إما لحق الله كالزكاة، والكفارات التي لم تؤدى، وإما لحق الناس كالديون، والودائع الواجبة عليه للناس. فيجب عليه أن يوصي من يقوم بأداء ذلك عنه. وأما الوصية المسنونة فقسمان: أحدهما: في المال، فإن كان في ماله كثرة، وفي الورثة قلة، فالسنة أن يوصي بالثلث فأقل لغير الورثة كما سبق. وإن كان في المال قلة، وفي الورثة كثرة، فالسنة أن لا يوصي بشيء من الثلث. الثاني: في التقوى، بأن يوصي أهله ويرغبهم بلزوم الدين، وطاعة الله ورسوله، والاستقامة على الأعمال الصالحة حتى الموت. قال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة:132]. - ما يُكتب للمريض من العمل: عَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2996).

2 - الموت وأحكامه

2 - الموت وأحكامه - الموت: فراق الحياة بخروج الروح من الجسد. - حقيقة الإنسان: الإنسان خلقه الله مركباً من بدن وروح، والروح جسم نوراني علوي خفيف متحرك، ينفذ في الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في العود، فيبقى الجسم حياً ما دامت فيه الروح. فإذا خرجت الروح من البدن مات الإنسان، وفسد الجسم، وتعطل عن الحركة والعمل. والروح هي مناط التكليف، وما الجسم إلا لباس لها ومركب، وهي من علم الله، تُرى آثارها، ولا أحد يعلم بمكانها، ولا يرى أحد جسمها إلا عند الموت إذا خرجت. 1 - قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء:85]. 2 - وَعَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». أخرجه مسلم (¬1). - أجل الموت: الإنسان مهما طال أجله فلا بد أن يموت، ثم ينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ثم يستقر حسب عمله في الجنة أو النار. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (920).

1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} [الجمعة:8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:11]. 3 - وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران:185]. - ذكر الموت: يجب على المسلم أن يتذكر الموت دائماً، لا على أن فيه فراق الأهل والأحباب ولذات الدنيا فحسب، فهذه نظرة قاصرة. بل يتذكر الموت على أن فيه فراق الأعمال الصالحة، والحرث للآخرة. وبهذا يُقبل على ربه، ويزيد في الأعمال الصالحة، ويسارع إليها. أما النظرة الأولى فتزيده حسرة وألماً. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْثرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذاتِ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). - صفة الاستعداد للموت: يجب على المسلم أن يستعد للموت دائماً. والاستعداد للموت يكون بما يلي: إخلاص العمل لله، والتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2307) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (1824).

والتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، وأداء الحقوق، وفعل الطاعات، واجتناب المحرمات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكثرة ذكر الموت. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف:110]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون: 10 - 11]. - سكرات الموت: السكرة: هي ما يحول بين المرء وعقله، وشدة الموت على المؤمن لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته، أما الكافر فهي زيادة في عذابه. فالأموات قسمان: إما مستريح، وإما مستراح منه، وكلٌّ منهما يجوز أن يُشدَّد عليه عند الموت وأن يُخفَّف، فالمومن المتقي يزداد به ثواباً، وإلا يكفر عنه من ذنوبه به، ثم يستريح من أذى الدنيا. والفاجر يستريح منه العباد والبلاد، لما يأتي به من المعاصي التي يحصل بسببها الجدب وهلاك الحرث والنسل. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)} [الأنفال:50 - 51].

2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أوْ: عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى». حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقال: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قال: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». متفق عليه (¬2). - حكم تمني الموت: لا يجوز للمسلم تمني الموت لما يلي: 1 - أن تمني الموت لمرض، أو خوف، أو محنة، أو فاقة ونحو ذلك يدل على الجزع والسخط من أقدار الله المؤلمة التي وعدنا الله على الصبر عليها بالأجر الجزيل. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} [الزُّمَر:10]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6510) , واللفظ له، ومسلم برقم (2443). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6512) , واللفظ له، ومسلم برقم (950). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351)، ومسلم برقم (2680)، واللفظ له.

2 - أن تمني الموت فيه انقطاع الأعمال الصالحة، وفي الحياة استمرار الإيمان، والأعمال الصالحة، وزيادة الأجور. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أحَداً عَمَلُهُ الجَنَّةَ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لا، وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ أنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعْتِبَ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْراً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - إذا كان مصراً على تمني الموت يفوض الأمر إلى الله الحكيم العليم بمصالح عباده، وبيده مقاليد الأمور. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء:125]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5673). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2682). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6351) , واللفظ له، ومسلم برقم (2680).

- علامات حسن الخاتمة: الله عز وجل هو الذي يعلم وحده بما في قلوب العباد، فيختم لمن آمن به وأطاعه بالعمل الذي يحبه الله ويرضاه، وبه يرفع درجاته، ويكفر عنه سيئاته، ويزيد في أجره. ومن علامات حسن الخاتمة: 1 - نطق المسلم بالشهادة عند الموت. 2 - الاستشهاد أو الموت في سبيل الله. 3 - الموت مرابطاً في سبيل الله. 4 - الموت دفاعاً عن دينه، أو نفسه، أو ماله، أو أهله ممن بغى عليه. 5 - الموت بذات الجَنْب، أو بداء السَّل. 6 - الموت بالطاعون، أو بداء البطن، أو الغرق، أو الحرق، أو الهدم. 7 - موت المؤمن بعرق الجبين من شدة سكرات الموت. 8 - موت المرأة في نفاسها بسبب الولادة. 9 - الموت على عمل صالح كأن يموت وهو يصلي، أو يذكر الله ونحو ذلك. وكل ذلك ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة. - فضل الموت على التوحيد: 1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي، أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي، أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1237) , واللفظ له، ومسلم برقم (94).

2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا المُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ». أخرجه مسلم (¬1). - علامات الموت: يُعرف موت الإنسان بما يلي: برودته، وانقطاع نفسه، وشخوص بصره، واسترخاء رجليه وكفيه، وانخساف صدغيه، وميل أنفه. ولا نحكم بموته إلا بما يلي: 1 - إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً. 2 - إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً. ولا يجوز رفع أجهزة الإنعاش عنه إلا إ ذا حصل اليقين بموته تماماً. - ما يقوله المحتضر عند الموت: 1 - عَنْ عَبَّاد بن عَبْدِاللهِ بن الزُّبَيْر أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَخْبَرَتْهُ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَألْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية. قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (93). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4440) , واللفظ له، ومسلم برقم (2444).

حِينَئِذٍ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ». فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أفَاقَ فَأشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قال: «اللهمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى». قُلْتُ: إِذاً لا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ، قالتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلُهُ: «اللهمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى». متفق عليه (¬2). - ما يفعله من كان عند المحتضر: يسن لمن كان عند من حضرته الوفاة ما يلي: 1 - أن يلقنه الشهادة. 1 - عَنْ أَبي هُريَرْةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قاَلَ: قاَلَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقِّنوُا موَتاَكمْ: لاَ إلَهَ إلا الُله». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - أن يدعو له، ولا يقول في حضوره إلا خيراً. عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». فَضَجَّ نَاسٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4435)، ومسلم برقم (2444)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6509) , واللفظ له، ومسلم برقم (2444). (¬3) أخرجه مسلم برقم (917). (¬4) أخرجه مسلم برقم (26).

مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللهمَّ! اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - عَرْض الإسلام عليه إن كان كافراً. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّهِ، عِنْدَ المَوْتِ: «قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، أشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ» فَأبَى، فَأنْزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآيَةَ. أخرجه مسلم (¬3). - حكم نعي الميت: النعي هو الإعلام بوفاة الميت. والنعي نوعان: 1 - نعي مشروع، وهو إعلام الناس بوفاة فلان ليشهدوا جنازته ويصلوا عليه. 2 - نعي محرم، وهو الإعلام بوفاة الميت على وجه النوح والسخط، أو على وجه التفاخر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (920). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1356). (¬3) أخرجه مسلم برقم (25).

- ما يُفعل بالمسلم إذا مات: إذا مات المسلم شُرع في حقه ما يلي: 1 - إغماض عينيه والدعاء له. عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ». فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أهْلِهِ، فَقَالَ: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ». ثُمَّ قَالَ: «اللهمَّ! اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ. وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - تغطيته بثوب يستر جميع بدنه، إلا إن كان محرماً فلا يغطى رأسه ووجهه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سُجِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬3). 3 - تعجيل تجهيزه والصلاة عليه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (920). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5814) , ومسلم برقم (942). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).

تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (¬1). 4 - دفنه في البلد الذي مات فيه، وعدم نقله إلى غيره، فإن كان شهيداً دفن في مصرعه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: لَمَّا قُبضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: «مَا قَبَضَ اللهُ نَبيّاً إِلاَّ فِي المَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ. أخرجه الترمذي (¬2). 2 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ جَاءَتْ عَمَّتِي بأَبي لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابرِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رُدُّوا القَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 5 - المبادرة لقضاء دينه من ماله، فإن لم يف بذلك فمن قضاه عنه من قريب أو صديق فهو مأجور. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬4). 2 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقال: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ». قالوا: لا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أتِيَ بِجَنَازَةٍ أخْرَى، فَقال: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ». قالوا: نَعَمْ، قال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». قال أبُو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1018). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3165) , والترمذي برقم (1717)، وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9679) , والترمذي برقم (1079)، وهذا لفظه.

قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه البخاري (¬1). 6 - إعلام الناس ليشهدوا جنازته. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي». قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا، وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ، أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (¬3). 7 - حث الناس على الاستغفار له. عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (¬4). 8 - احتساب الأجر. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلا الجَنَّةُ». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2295). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1245) , واللفظ له، ومسلم برقم (951). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1247) , واللفظ له، ومسلم برقم (954). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221). (¬5) أخرجه البخاري برقم (6424).

- ما يشرع لمن أصابته مصيبة: يشرع لمن أصابته مصيبة ما يلي: 1 - الصبر، وإن جمع بين الصبر والرضا فهو أفضل. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي». متفق عليه (¬1). 2 - الاسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجُرْنِى فِى مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». أخرجه مسلم (¬2). - فضل الصبر على المصائب: الصبر: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن المحرم كلطم الخد، وشق الثوب ونحوهما. 1 - قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ، بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1252) , واللفظ له، ومسلم برقم (926). (¬2) أخرجه مسلم برقم (918).

البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ، إِلاَّ تَحِلَّةَ القَسَمِ». متفق عليه (¬2). - ما يجوز فعله لأهل الميت وغيرهم: يجوز لأهل الميت وغيرهم ما يلي: كشف وجه الميت، وتقبيله، والبكاء عليه إلى ثلاثة أيام. 1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي، جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أَبي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسَجّىً بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ، لاَ يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. أخرجه البخاري (¬4). 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1248). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1251) , واللفظ له، ومسلم برقم (2632). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1244) , واللفظ له، ومسلم برقم (2471). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1241).

فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أَمْهَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - آلَ جَعْفَرٍ ثلاَثةً أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ» ثمَّ قَالَ: «ادْعُوا إِلَيَّ بَنِي أَخِي» فَجِيءَ بنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: «ادْعُوا إِلَيَّ الحَلاَّقَ فَأَمَرَ بحَلْقِ رُؤُوسِنَا». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 5 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام: وَا كَرْبَ أبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أبَتَاهُ، أجَابَ رَبّاً دَعَاهُ، يَا أبَتَاه مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أبَتَاه إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام: يَا أنَسُ، أطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ. أخرجه البخاري (¬3). - ما يحرم على أقارب الميت فعله: يحرم على أهل الميت وأقاربه وغيرهم ما يلي: 1 - النياحة، وهي رفع الصوت بالبكاء على الميت. 1 - عَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4192) , والنسائي برقم (5227)، وهذا لفظه. (¬3) أخرجه البخاري برقم (4462).

وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ البَيْعَةِ أَنْ لاَ نَنُوحَ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬3). 2، 3 - لطم الخدود، وشق الجيوب. عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ». متفق عليه (¬4). 4 - حلق الشعر. عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ. متفق عليه (¬5). 5 - نشر الشعر. عنْ أُسِيد عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ المُبَايِعَاتِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لاَ نَخْمُشَ وَجْهاً وَلاَ نَدْعُوَ وَيْلاً وَلاَ نَشُقَّ جَيْباً وَأَنْ لاَ نَنْشُرَ شَعَراً. أخرجه أبو داود (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (934). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1306) , واللفظ له، ومسلم برقم (936). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292) , ومسلم برقم (927)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1294) , واللفظ له، ومسلم برقم (103). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1296) , واللفظ له، ومسلم برقم (104). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3131).

6 - النعي، وهو الإعلام بموت الإنسان على وجه التفاخر والتعظيم له. عَنْ حُذيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِذا مِتُّ فَلاَ تُؤْذِنُوا بي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْياً فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). 7 - ويحرم الندب، وهو تعداد محاسن الميت مع البكاء، وإعداد الولائم من أجل المباهاة والمفاخرة، وإسراج القبور بالمصابيح، والبناء عليها، والكتابة عليها، والتبرك بالقبور والطواف بها، ودعاء الأموات عندها، ودفن الميت في المسجد، أو بناء المساجد على القبور، أو الصلاة إلى القبور. - حكم ثناء الناس على الميت: الثناء على الميت من ذوي الخير والصلاح والعلم موجب له الجنة بفضل الله. 1 - عَنْ أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّة». فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ، قَالَ: «وَثَلاَثَةٌ». فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ: «وَاثْنَانِ». ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الوَاحِدِ. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (986) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1476). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1367) , واللفظ له، ومسلم برقم (949). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1368).

- ما يسن لأقارب الميت: يسن لأقارب الميت أو غيرهم صنع طعام لأهل الميت. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اصْنَعُوا لأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم الإحداد على الميت: يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها، ويحرم عليها ما فوق ذلك، أما إذا كان الميت زوجها فيجب أن تحد عليه مدة العدة أربعة أشهر وعشرا. عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تُحِدُّ امْرَأةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا عَلَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلا تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيباً، إِلا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أوْ أظْفَارٍ». متفق عليه (¬2). - حكم تشريح جثة الميت: 1 - يجوز تشريح جثة المسلم إذا كان للتأكد من دعوى جنائية، أو التحقق من أمراض وبائية؛ لما في ذلك من المصالح التي تعود على الأمن والعدل، ووقاية الأمة من الأمراض الخطيرة المعدية. 2 - إن كان التشريح لغرض التعلم والتعليم فالمسلم له كرامته حياً وميتاً، فيكتفى بتشريح جثث غير المسلمين، إلا عند الضرورة بشروطها الشرعية. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3132) , والترمذي برقم (998)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (313) , ومسلم برقم (938)، واللفظ له.

- ما يجب للميت: يجب للميت على من حضره من أهله أو غيرهم أربعة أمور: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه. - هدي الإسلام في الجنائز: هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنائز أكمل هدي لما يلي: 1 - اشتماله على الإحسان إلى الميت بتعاهده أولاً في مرضه، وتذكيره الآخرة، وأمره بالوصية، وتذكيره بالتوبة، وأمره بالنطق بالشهادة عند الموت. 2 - الإحسان إلى أهل الميت بتعزيتهم، والوقوف معهم، والصلاة على ميتهم، وحمله ودفنه، والدعاء له، وصنع الطعام لهم، والرخصة لهم في البكاء الذي لا ندب معه ولا نياحة. 3 - إقامة عبودية الرب على أحسن الأحوال وأكملها، وإقامة عبودية الحي لله وحده فيما يعامل به الميت، وبذلك يحصل الأجر للحي والميت. 4 - تجهيز الميت وتشييعه إلى ربه على أحسن الأحوال وأفضلها بغسله، وتطييبه، وتكفينه بالثياب البيض، وستره، وحمله فوق الأعناق، ووقوف المسلمين وميتهم بين يدي الله للصلاة عليه، واستغفارهم له، وسؤال الله له الرحمة، ثم المشي بين يديه إلى أن يودعوه في حفرته، ثم الدعاء له، ثم تعزية أهله ومواساتهم، ثم تعاهده بالزيارة له في قبره والسلام عليه، كما يتعاهد الحي صاحبه في دار الدنيا. فما أعظم الإسلام، وما أحسن شرائعه للأحياء والأموات.

3 - صفة غسل الميت

3 - صفة غسل الميت - حكم غسل الميت: غسل الميت، وتكفينه، وحمله، والصلاة عليه، ودفنه، كل ذلك فرض كفاية، إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وفي كل ذلك أجر عظيم. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (¬1). - من يُغسِّل الميت: 1 - السنة أن يغسل الميت أعرف المسلمين بسنة الغسل، الرجل يغسل الرجال، والمرأة تغسل النساء. ولمن غسل الميت أجر عظيم إذا قصد بذلك وجه الله، وستر على الميت، ولم يحدِّث بما رآه منه من مكروه. 2 - عند المشاحة الأولى بغسل الرجل وصيَّه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته، والأَوْلى بغسل المرأة وصيتها، ثم أمها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب وهكذا. 3 - يجوز لكلٍّ من الزوجين أن يغسل أحدهما الآخر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) , واللفظ له، ومسلم برقم (945).

4 - يجوز للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين ذكراً كان أو أنثى. 5 - إذا مات رجل بين نسوة، أو ماتت امرأة بين رجال، أو تعذر غسله فإنه يكفن بلا غسل ولا وضوء ولا تيمم، ثم يصلى عليه. - صفة غسل الميت: إذا أراد المسلم غسل الميت فالسنة أن يفعل ما يلي: 1 - أن يجرد الميت من ثيابه، ويضع على عورته سترة. 2 - أن يلتزم الرفق في أعمال الغسل كلها. 3 - أن يحضر مع الغاسل من يعينه على الغسل فقط. 4 - إذا وضعه على سرير الغسل، رفع رأسه إلى قرب جلوسه، ثم عصر بطنه برفق ليخرج إن كان في بطنه شيء. 5 - ثم يلف على يده خرقة من قفاز ونحوه، ثم يصب عليه الماء وينجِّيه. 6 - ثم ينوي غسله، ويوضئه كوضوء الصلاة، ولا يُدخل الماء في فيه ولا أنفه. 7 - ثم يغسله بالماء والسدر أو الصابون، يبدأ برأسه ولحيته، ثم يغسل شقه الأيمن من صفحة العنق اليمنى إلى قدمه اليمنى. 8 - ثم يصنع بالجانب الأيسر مثل ما صنع بالأيمن بعد أن يقلبه. 9 - ثم يغسله مرة ثانية وثالثة مثل الغسل الأول، فإن لم يُنق زاد حتى يُنقي وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة مع الماء كافوراً أو طيباً إلا أن يكون الميت مُحْرماً فلا يُمس طيباً. 10 - يمشط الرأس، ويضفر رأس الميتة ثلاث ضفائر، ويُجعل من ورائها، ثم ينشَّف بعدا لغسل بما تيسر من قماش ونحوه.

وإن خرج من الميت شيء بعد الغسل غسل المحل وحشاه بقطن ونحوه؛ لئلا يتلوث، ويجوز غسل الميت مرة واحدة تعم جميع بدنه، لكن الأفضل ما سبق. 1 - عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْراً، ثَلاَثاً أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً، أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي». فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا. متفق عليه (¬2). - حكم غسل الشهيد: الشهيد الذي لا يغسَّل هو من قُتل في سبيل الله، أو مات بسبب قتال الكفار في المعركة، وما سواه من الشهداء يغسل كغيره. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (167) , واللفظ له، ومسلم برقم (939). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1263) , واللفظ له، ومسلم برقم (939). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1343).

- حكم غسل المحرم: من أحرم بحج أو عمرة ثم مات وهو محرم فإنه يغسَّل، ويكفن في ثوبيه، ولا يُمس طيباً، ولا يغطى رأسه، ولا يكمل عنه نسكه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قَالَ: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬1). - حكم غسل من أحرقته النار ونحوه: 1 - إذا اجتمع مسلمون وكفار وماتوا بحرق ونحوه، ولم يمكن تمييزهم فإنهم يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم، ويدفنون بنية المسلمين منهم. 2 - من تعذر غسله لفقد الماء، أو خيف من غسله أن يتهرى لحرق ونحوه فإنه يكفن ولا يُيمم، فإن أمكن غسل المحترق ونحوه وجب غسله. - حكم غسل السقط: السقط إذا نزل من بطن أمه له ثلاث حالات: الأولى: أن ينزل من بطن أمه حياً ثم يموت، فهذا تكون أمه به نفساء، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن. الثانية: أن ينزل من بطن أمه ميتاً قد تبيَّن فيه خلق إنسان، فتكون أمه نفساء، ويغسل ويصلى عليه كما سبق. الثالثة: أن يسقط من بطن أمه ولم يتبين فيه خلق إنسان، فهذه نطفة توارى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).

بالتراب، والمرأة التي سقط منها إن رأت الدم فهو حيض، فإن استمر فهو استحاضة وليس بنفاس، ومتى طهرت اغتسلت وصلت. - حكم غسل الكافر: ليس للمسلم أن يغسل قريبه الكافر، ولا يكفنه، ولا يصلي عليه، بل عليه أن يواريه بالتراب في حفرة من الأرض. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثمَّ لاَ تُحْدِثنَّ شَيْئاً حَتَّى تَأْتِيَنِي». فَذهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي. أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكم غسل بعض الميت: 1 - المسلم يغسل ويصلى عليه، فإن لم يوجد إلا بعضه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وينوي بالصلاة عليه الصلاة على جميع جسده وروحه. 2 - العضو المقطوع من المسلم الحي بأي سبب لا يجوز إحراقه، ولا يغسل، ولا يصلى عليه، بل يلف في خرقة ويدفن في المقبرة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3214) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2006).

4 - صفة تكفين الميت

4 - صفة تكفين الميت - حكم تكفين الميت: يجب تكفين الميت من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته من الأصول والفروع. وتكفين الميت فرض كفاية، إذا قام به من علم به سقط الإثم عن الباقين. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬1). - صفة كفن الرجال والنساء: 1 - السنة أن يكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَسُوا مِنْ ثِيَابكُمُ البَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264) , واللفظ له، ومسلم برقم (941). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3878) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (2810).

2 - ويسن أن يكون الكفن طويلاً يستر جميع بدن الميت بلا إسراف. عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْماً، فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلاً، فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَفَّنَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - أن يكون أحد الأثواب ثوب حِبَرة وهو المخطط. عَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذا تُوُفِّيَ أَحَدُكُمْ فَوَجَدَ شَيْئاً فَلْيُكَفَّنْ فِي ثوْبٍ حِبَرَةٍ». أخرجه أبو داود (¬2). 4 - تبخير الكفن ثلاثاً إلا كفن المحرم. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَجْمَرْتُمُ المَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلاَثاً». أخرجه أحمد (¬3). 5 - يجوز أن يكفن الميت في ثوب واحد، أو قميص واحد، ويجوز أن يكفن في قميص وثوب، ويكون القميص مما يلي الجسد. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ. أخرجه متفق عليه (¬4). 6 - المرأة كالرجل في صفة الكفن والتكفين. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (943). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3150). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14540). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1270) , واللفظ له، ومسلم برقم (2773).

- صفة تكفين الميت: السنة أن يكفن الرجل أو المرأة كما يلي: 1 - يسن أن يكفن الميت في ثلاث لفائف بيض جديدة، تجمّر بالبخور ثلاثاً، ثم تُبسط بعضها فوق بعض، ويُجعل الحنوط -وهو أخلاط من الطيب- فيما بين اللفائف. 2 - ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقياً على ظهره، ويُجعل من الحنوط في قطن بين أليتيه، ثم يشد فوقه خرقة على هيئة سروال صغير يستر عورته، ويطيّب ذلك مع سائر بدنه. 3 - ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الجانب الأيسر فوقها، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك. 4 - ثم يجعل الفاضل عند رأسه، أو عند رأسه ورجليه إن زاد. 5 - ثم يعقد الجنازة عرضاً بأحزمة؛ لئلا تنتشر اللفائف، ثم تُحل في القبر، والمرأة كالرجل في ذلك. 6 - ويكفن الصبي في ثوب واحد، ويجوز في ثلاثة أثواب. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. متفق عليه (¬1). - حكم تكفين الميت بما يستر بعضه: يجوز تكفين الميت بثوب واحد يستر جميع بدنه، والأفضل بثلاثة أثواب، فإن لم يجد إلا ما يواري بعض جسده غطى الرأس مع ما استطاع من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264) , واللفظ له، ومسلم برقم (941).

الجسد، وغطى الباقي بما استطاع من نبات الأرض كالإذخر ونحوه. عَنْ خَبَاب رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلاَّ بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ. متفق عليه (¬1). - حكم تجهيز الكفن قبل الموت: يجوز للمسلم تجهيز كفنه قبل موته. عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللهِ، مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. أخرجه البخاري (¬2). - صفة تكفين الشهيد: السنة أن يكفن الشهيد في ثيابه التي قُتل فيها، ويُدفن وهي عليه، ويسن تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه إن تيسر. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ ثعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِقَتْلَى أُحُدٍ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1276) , واللفظ له، ومسلم برقم (940). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1277).

«زَمِّلُوهُمْ بدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللهِ إِلاَّ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ المِسْكِ». أخرجه أحمد والنسائي (¬1). - صفة تكفين المحرم: المحرم إذا مات يكفن في ثوبيه الذي مات فيهما، ولا يُمس طيباً، ولا يُغطى رأسه ولا وجهه إن كان رجلاً، فإن كان امرأة كشف وجهها إلا إن كانت بحضرة رجال أجانب فيغطيه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ رَجُلاً خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ، فَمَاتَ، فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23659) , والنسائي برقم (2002) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1265) , ومسلم برقم (1206) , واللفظ له.

5 - حمل الجنازة واتباعها

5 - حمل الجنازة واتباعها - حكم حمل الجنازة واتباعها: حمل الجنازة واتباعها فرض كفاية على الرجال، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وهو حق من حقوق الميت على إخوانه المسلمين. 1 - عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ. وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». متفق عليه (¬2). - فضل اتباع الجنائز: يسن للرجال دون النساء اتباع الجنائز، واتباعها له حالتان: 1 - اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها. 2 - اتباعها من عند أهلها حتى يُفرغ من دفنها، وهذا أفضل وأكثر أجراً. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1239) , واللفظ له، ومسلم برقم (2066). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1240) , واللفظ له، ومسلم برقم (2162).

القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمُ اليَوْمَ صَائِماً؟». قالَ أبُو بَكْرٍ: أنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ اليَوْمَ جَنَازَةً؟» قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، قال: «فَمَنْ أطْعَمَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مِسْكِيناً؟». قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، قال: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مَرِيضاً». قال أبُو بَكْرٍ: أنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلا دَخَلَ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم اتباع النساء للجنائز: يسن للنساء الصلاة على الجنائز، ويحرم عليهن اتباعها إلى المقابر. عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفق عليه (¬3). - حكم اتباع الجنازة بما يخالف الشرع: 1 - السنة أن يحمل الرجال الجنازة إلى المقبرة سكوتاً، خاشعين لربهم، متفكرين في هول الموت والحساب بعده. 2 - لا يجوز أن تتبع الجنازة بما يخالف الشرع من الأقوال والأفعال كرفع الصوت بالبكاء، ورفع الصوت بالذكر، أو القراءة، وإيقاد النار، واتخاذ المجامر والبخور، وحمل الزهور ونحو ذلك. وكل ذلك وأمثاله من البدع التي حسَّنها الشيطان لأتباعه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1325) , واللفظ له، ومسلم برقم (945). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1028). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1278) , واللفظ له، ومسلم برقم (938).

هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). 3 - يجوز تغطية نعش المرأة بأضلاع يُجعل فوقها قماش يستر بدن المرأة عن الرجال أثناء الحمل والصلاة. - من يحمل الجنازة: السنة أن يحمل الرجال الجنازة على أعناقهم مع جميع جوانب السرير. أما النساء فلا يشرع لهن حمل الجنازة؛ لضعفهن، وعدم صبرهن، ولما يُتوقع منهن من الصراخ عند حمله ووضعه، ولما في ذلك من الفتنة لهن وبهن. عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم الإسراع بالجنازة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (¬3). - صفة المشي مع الجنازة: 1 - يسن للرجل أن يمشي أمام الجنازة وخلفها، وعن يمينها ويسارها، وخلفها أفضل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1314). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944).

1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ يَمْشُونَ أَمَامَ الجِنَازَةِ. أخرجه ابن ماجه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبداللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَمْشُونَ أَمَامَ الجِنَازَةِ. أخرجه أحمد (¬2). 2 - والراكب يسير خلف الجنازة، وأفضل منه الماشي، أما الركوب بعد الانصراف من المقبرة فجائز. 1 - عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الجَنَازَةِ وَالمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيباً مِنْهَا وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 2 - وَعَنْ ثوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ المَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لأرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذهَبُوا رَكِبْتُ». أخرجه أبو داود (¬4). 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِفَرَسٍ مُعْرَوْرىً، فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جَنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ، وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ. أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (1483). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6042). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3180) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (1031). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3177). (¬5) أخرجه مسلم برقم (965).

- حكم القيام للجنازة: يستحب القيام للجنازة إذا مرت به، ومن جلس فلا حرج عليه. 1 - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّتْ جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقُمْنَا مَعَهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا يَهُودِيَّةٌ. فَقَالَ «إِنَّ المَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فَقُومُوا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَقُمْنَا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا. يَعْنِي فِي الجَنَازَةِ. أخرجه مسلم (¬3). - حكم حمل الميت على السيارة: 1 - حمل الميت على سيارة مخصصة للجنائز غير مشروع لما يلي: 1 - أن ذلك من عادات الكفار. 2 - أن ذلك معارض للسنة العملية في حمل الجنازة. 3 - أن ذلك يفوِّت الغاية من حملها، وهو تذكر الآخرة. 4 - أن ذلك يفوِّت على الناس الراغبين في حصول الأجر بحملها. 5 - أن في ذلك تحصل المباهاة والشكليات ونحوهما مما نهى الله عنه. 6 - أن حمل الجنازة على الأعناق، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم أبلغ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1310)، واللفظ له، ومسلم برقم (959). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1311)، ومسلم برقم (960) واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (962).

في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورة المذكورة، والتي هي بدعة في عبادة، ويجوز حملها على سيارة عند الحاجة لذلك. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). 2 - يجوز حمل الجنازة على سيارة للضرورة كبعد المسجد، أو المقبرة، لكن تُوْقَف السيارة قبل المقبرة، ليحمل الناس الجنازة مسافة تتحقق بها السنة، ويتعظ بها الناس. - صفة اتباع الجنائز: اتباع الجنائز له ثلاث درجات: الأولى: أن يصلي عليها ثم ينصرف. الثانية: أن يصلي عليها ويتبعها إلى القبر حتى تدفن. الثالثة: أن يصلي عليها، ثم يتبعها حتى تدفن، ثم يقف على القبر ويدعو للميت بالمغفرة والتثبيت -وهذه أعلاها-. ويسن للمسلم اتباع جنازة كل مسلم خاصة من له عليه فضل من قريب حميم، أو ذي رحم، أو صديق ونحوهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

6 - صفة الصلاة على الميت

6 - صفة الصلاة على الميت - صلاة الجنازة: هي التعبد لله بالصلاة على الميت على صفة مخصوصة في الشرع. - حكم صلاة الجنازة: صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وتسقط بمكلَّف. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الُمَتَوفَّى، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْألُ: «هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً». فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإلَّا قالَ لِلْمُسْلِمِينَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفّىَ مِنَ المُؤمِنِيَن فَتَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكمة مشروعية صلاة الجنازة: الموت انقطاع من الخلق إلى الحق، وقد شرعت صلاة الجنازة على الميت طلباً للمغفرة، واستنزالاً للرحمة على تلك الجثة التي أصبحت في حالة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2298) , واللفظ له، ومسلم برقم (1619). (¬2) أخرجه مسلم برقم (948).

عجز كلي عن العمل. فواجب الأخوّة الإيمانية يدفع المسلم أن يودع ذلك الراحل بالتوجه إلى الله، والتوسل إليه بأن يكرمه في قبره بمغفرته ورحمته، ويكفر عنه أوزاره، ويعتق رقبته من النار، ويقبل شفاعة المسلمين فيه. وشَرع تغسيله وحمله ودفنه إظهاراً لكرامة بني آدم، وفضلهم، وتمييزهم عن الحيوانات. وفي شهود الجنازة واتباعها أداء حق الميت بالصلاة عليه، والدعاء له، وأداء حق أهله، وجبر خاطرهم عند مصيبتهم في ميتهم، وتحصيل الأجر العظيم للمشيِّع، وحصول العظة والاعتبار بمشاهدة الجنائز والمقابر، وتذكر الآخرة. - فضل الصلاة على الجنازة واتباعها: السنة اتباع الجنازة إيماناً واحتساباً حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها، واتباع الجنائز إلى المقابر مشروع للرجال دون النساء. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فَإنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47) , واللفظ له، ومسلم برقم (945). (¬2) أخرجه مسلم برقم (947).

3 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلاً، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - مكان الصلاة على الجنائز: 1 - السنة أن يصلي المسلمون على الجنائز في مكان معد للصلاة على الجنائز، وهذا هو الأفضل، وهو الغالب من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيباً مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. متفق عليه (¬3). 2 - تجوز الصلاة على الجنائز في المسجد أحياناً. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنَّهَا أمَرَتْ أنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ فِي المَسْجِدِ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ البَيْضَاءِ إِلا فِي المَسْجِدِ. أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (948). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1245) , واللفظ له، ومسلم برقم (951). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329) , واللفظ له، ومسلم برقم (1699). (¬4) أخرجه مسلم برقم (973).

- من يصلَّى عليه صلاة الجنازة: 1 - السنة أن يصلي المسلمون على كل مسلم ميت، رجلاً أو امرأة أو طفلاً، برَّاً كان أو فاجراً، حاضراً كان أو غائباً، لم يصلَّ عليه. 2 - المسلم الذي أقيم عليه حد الرجم أو القصاص، أو من مات بغرق، أو حرق، أو هدم أو تصادم يغسل ويصلى عليه صلاة الجنازة. 3 - قاتل نفسه، والغال من الغنيمة، للإمام أو نائبه أن لا يصلي عليهما؛ عقوبة لهما، وزجراً لغيرهما، لكن يصلي عليهما المسلمون. - الأوقات التي لا يصلى فيها على الجنائز: عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم تعجيل الجنازة: السنة الإسراع بتجهيز الجنازة، والصلاة عليها، وتشييعها إلى المقبرة، ودفنها، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (831). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315) , واللفظ له، ومسلم برقم (944).

- موقف الإمام من الجنازة: السنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، وحذاء وسط المرأة. فإن صلى والميت بينه وبين القبلة فالصلاة صحيحة، لكنه ترك الأفضل. 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ صلَّى عَلَى جَنَازَةِ رَجُلٍ فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ ثمَّ جَاؤوا بجَنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ فَقَالَ لَهُ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذا رَأَيْتَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الجَنَازَةِ مُقَامَكَ مِنْهَا وَمِنَ الرَّجُلِ مُقَامَكَ مِنْهُ، قَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: احْفَظُوا. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. متفق عليه (¬2). - كيفية صف الجنائز أمام الإمام: 1 - إذا اجتمع أكثر من ميت من الرجال والنساء، وأراد الإمام أن يصلي عليهم جميعاً، فالسنة أن يلي الرجال الإمام في صف، والنساء يلين القبلة في صف، فيكون الرجال بين النساء والإمام. 2 - إن شاء الإمام صلى على كل جنازة على حدة. 3 - إذا اجتمع رجل ميت وامرأة يقف الإمام عند رأس الرجل، ويجعل وسط المرأة عند رأس الرجل من جهة القبلة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3194) , والترمذي برقم (1034) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1332) , واللفظ له، ومسلم برقم (964).

- صفة وضع الميت أمام الإمام: يوضع الميت أمام الإمام، تارة رأسه جهة اليمين، وتارة رأسه جهة اليسار، وكلاهما سائغ. - حكم الجماعة في صلاة الجنازة: 1 - صلاة الجنازة فرض كفاية، وتسقط بصلاة مكلَّف، وتسن لها الجماعة، وكلما كثروا كان أفضل. 2 - تجب تسوية الصفوف في الصلاة على الجنازة كما تسوى في كل صلاة جماعة. 3 - السنة أن يصف الناس وراء الإمام ثلاثة صفوف وإن قلوا، وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع. 1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ». قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم صلاة النساء على الجنازة: المرأة كالرجل إذا حضرت الجنازة في المصلى أو المسجد فإنها تصلي عليها مع المسلمين، ولها من الأجر مثل ما للرجل في الصلاة والتعزية غير ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1320) , واللفظ له، ومسلم برقم (952). (¬2) أخرجه مسلم برقم (947).

أنها لا تشيِّع الجنازة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لمّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أبِي وَقَّاصٍ، قَالَتِ: ادْخُلُوا بِهِ المَسْجِدَ حَتَّى أصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي المَسْجِدِ، سُهَيْلٍ وَأخِيهِ. أخرجه مسلم (¬1). - أحوال الصلاة على الميت: للصلاة على الميت ست حالات: 1 - الصلاة على الميت في مصلى الجنائز. 2 - الصلاة عليه في المسجد. 3 - الصلاة عليه قبل الدفن في المقبرة. 4 - الصلاة عليه بعد الدفن في المقبرة. 5 - الصلاة عليه في القبر بعد مدة. 6 - الصلاة على الغائب. - صفة الصلاة على الميت: 1 - يتوضأ من أراد الصلاة على الميت، ويستقبل القبلة، ويجعل الإمام الجنازة بينه وبين القبلة. 2 - السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل الميت، وعند وسط المرأة، ويكبر على الميت أربعاً، وأحياناً خمساً، أو ستاً، أو سبعاً، أو تسعاً، خاصة إذا كان من أهل العلم والفضل، ومن لهم قدم صدق في الإسلام. يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (973).

3 - يكبر الإمام ومن خلفه من المصلين التكبيرة الأولى رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى على صدره. ثم يتعوذ ويسمي، ويقرأ الفاتحة سراً، وأحياناً يقرأ معها سورة. 4 - ثم يكبر التكبيرة الثانية ثم يقول سراً: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». متفق عليه (¬1). 5 - ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو سراً بإخلاص بما ورد، ومنه: «اللهمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبيرِنَا وَذكَرِنَا وَأُنْثانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبنَا اللهمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإسْلاَمِ اللهمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). «اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيْراً مِنْ أهْلِهِ وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ (أوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)». أخرجه مسلم (¬3). «اللهمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذاب ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370) , واللفظ له، ومسلم برقم (406). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3201) , وابن ماجه برقم (1498) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (963).

النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَقِّ، فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). «اللهمَّ عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، احْتَاجَ إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْهُ». أخرجه الحاكم والطبراني (¬2). 6 - يدعو بما شاء من هذه الأدعية. يدعو بهذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة. 7 - ثم يكبر الرابعة، ويقف قليلاً يدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن سلم ثانية عن يساره أحياناً فلا بأس. - حكم رفع اليدين في صلاة الجنازة: رفع اليدين في التكبيرة الأولى على الجنازة سنة، وأما في باقي التكبيرات فيفعل تارة، ويترك تارة، ويكون الترك أكثر. - كيف يقضي المسبوق صلاة الجنازة: 1 - من فاته بعض التكبيرات في الصلاة على الميت فما أدركه معه هو أول صلاته، فيقرأ الفاتحة أولاً، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بعد ذلك، ثم يكبر ويسلم. 2 - من نسي وسلم من الثالثة مثلاً، فإنه يأتي بالتكبيرة الرابعة ثم يسلم، ولا سجود للسهود في صلاة الجنازة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3202)، وابن ماجه برقم (1499) , وهذا لفظه. (¬2) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1328) , وهذا لفظه، والطبراني في «الكبير» (22/ 249).

- حكم من فاتته صلاة الجنازة: 1 - من فاتته صلاة الجنازة في المصلى أو المسجد فالأفضل أن يصلي عليها قبل الدفن حيثما أدركها في المقبرة أو خارجها. 2 - إذا مات الميت وأنت أهل للصلاة، ومخاطب بالصلاة عليه، ولم تصل عليه، فلك أن تصلي على قبره. 3 - من دُفن قبل أن يصلى عليه، أو صلى عليه بعض الناس دون بعض، أو كان الإنسان غائباً أو معذوراً فحضر بعد الدفن، والميت عزيز عليه، فهؤلاء يصلون على هذا الميت في قبره ولو بعد مدة. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلاً، فَقَالَ: «مَتَى دُفِنَ هَذَا». قَالُوا: البَارِحَةَ. قَالَ: «أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي». قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ أَسْوَدَ، رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ذَلِكَ الإِنْسَانُ». قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي». فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ. قَالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ، قَالَ: «فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ». فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (¬2). - حكم السفر للصلاة على الميت: يجوز السفر من أجل الصلاة على الميت احتساباً وطلباً للأجر؛ لأن ذلك من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1321) , واللفظ له، ومسلم برقم (954). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1337) , واللفظ له، ومسلم برقم (956).

اتباعه، وهو حق من حقوق المسلم على أخيه. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». متفق عليه (¬1). - حكم حضور جنازة من لا يستحق التشييع: السنة أن يتبع المسلم جنازة من لا يستحق التشييع بنفسه؛ إحساناً إلى أهله المسلمين، وتأليفاً لقلوبهم، وجبراً لخاطرهم، أو مكافأة له على إحسانه، كما شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جنازة عبد الله بن أبي المنافق. عَن جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاساً قَمِيصاً. متفق عليه (¬2). - حكم الصلاة على بعض الميت: 1 - إذا مات مسلم، ولم يوجد منه إلا بعضه أو جزء منه، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وإن صلي على الميت ثم وُجِد جزء منه فإنه لا يصلى عليه، ولكن يغسل ويدفن في المقبرة. 2 - إذا قُطع عضو من الإنسان الحي فإنه لا يصلى عليه. - حكم الصلاة على الغائب: 1 - من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه صلاة الجنازة، ودُفن ولم يصل عليه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1240) , واللفظ له، ومسلم برقم (2162). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1350) , واللفظ له، ومسلم برقم (2733).

فالسنة أن يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب بإمام وجماعة، ومثله الغريق والمحترق. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. متفق عليه (¬1). 2 - كل ما سوى ذلك فلا تشرع الصلاة عليه، فقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم متفرقون في البلدان، ولم يثبت عن أحد منهم أنه صلى عليه صلاة الغائب. وتوفي أصحابه - صلى الله عليه وسلم - في البلدان، ولم يصل عليهم هو صلاة الغائب. وتوفي الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون، ولم يُذكر عن أحد من الصحابة الغُيَّب الصلاة عليهم صلاة الغائب. 3 - كل ما تركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم من العبادات مع وجود المقتضي للفعل، وزوال المانع، فإنه واجب الترك، وفعله بدعة. 4 - صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي؛ لأنه إمام مسلم لم يصل عليه، ومجازاة له على ما فعله بالصحابة رضي الله عنهم حين حماهم واستقبلهم ونصرهم. - حكم الصلاة على الشهيد: 1 - الشهداء الذين قتلوا أو ماتوا في المعركة في سبيل الله الإمام مخيّر فيهم، إن شاء صلى عليهم، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، ويدفنون في مصارعهم. وما سواهم من الشهداء كالغريق، والحريق ونحوهم، فهؤلاء شهداء في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1333) , واللفظ له، ومسلم برقم (951).

ثواب الآخرة، لكن يغسلون، ويكفنون، ويصلى عليهم كغيرهم. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَآمَنَ بهِ وَاتَّبَعَهُ ثمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ أَصْحَابهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْياً فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذهُ فَجَاءَ بهِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا هَذا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ» قَالَ: مَا عَلَى هَذا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ» فَلَبثوا قَلِيلاً ثمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ العَدُوِّ فَأُتِيَ بهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْث أَشَارَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهُوَ هُوَ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ» ثمَّ كَفَّنَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جُبَّةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ، «اللهمَّ هَذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيداً أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذلِكَ». أخرجه النسائي (¬2). 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالمُوَدِّعِ للأحْيَاءِ وَالأمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقال: «إِنِّي بَيْنَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1343). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1953).

أيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لأنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أخْشَى عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أنْ تَنَافَسُوهَا». قال: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). 2 - من جُرح في المعركة ثم عاش حياة مستقرة، ثم مات، فإنه يغسل ويصلى عليه، وإن كان يعتبر شهيداً، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد بن معاذ رضي الله عنه بعد موته من جرحه في الأحزاب. - حكم الصلاة على الطفل: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الجَنَّةِ! لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلاً خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبَائِهِمْ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم الصلاة على السقط: السقط له ثلاث حالات: 1 - إذا سقط الحمل من بطن أمه حياً ثم مات فإنه يغسل ويصلى عليه. 2 - إن سقط ميتاً وقد تم له أربعة أشهر، ونفخت فيه الروح، فهذا يغسل ويصلى عليه. عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4042) , واللفظ له، ومسلم برقم (2296). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2662).

الجَنَازَةِ وَالمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيباً مِنْهَا، وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - إذا سقط الحمل قبل أربعة أشهر، فهذا لم تنفخ فيه الروح، فليس بميت، فلا يصلى عليه، وإنما يلف في خرقة ويدفن. - مصير الأطفال يوم القيامة: من مات من الأطفال ولم يبلغ الحنث فهو في الجنة. 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ، بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَن البَرَاء رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَم، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعاً فِي الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬3). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ». متفق عليه (¬4). - حكم الصلاة على المجهول: 1 - إذا مات إنسان، ولم يُعلم أنه مسلم أو كافر، فإن كان في دار الإسلام غُسِّل ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3180) , واللفظ له، والترمذي برقم (1031). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1381). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1382). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1385) , واللفظ له، ومسلم برقم (2658).

وصُلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه. 2 - إذا اختلط مسلمون بكفار، ومات الجميع ولم يميَّزوا، فيصلَّى عليهم جميعاً بنية المسلمين منهم. - حكم الصلاة على أهل البدع والكبائر: السنة أن يصلي المسلمون على كل مسلم، ولو كان من أهل الكبائر، أو من أهل البدع ما لم يكفر ببدعته. وإن ترك أئمة الدين وأهل العلم والفضل صلاة الجنازة على أحدهم زجراً لأمثالهم فهو حسن. عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم الصلاة على الكفار والمنافقين: 1 - الكافر إذا مات لا يغسل ولا يكفن، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الاستغفار له، ولا الترحم عليه، ولا دفنه في مقابر المسلمين؛ لأنه مات على الكفر الموجب للخلود في النار. قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة:113]. 2 - يشرع لأقارب الميت الكافر وأهله أن يواروه بالتراب إذا لم يوجد من يواريه. 3 - يصلي المسلمون على كل ميت منهم، ومن علم بنفاق أحد فلا يصلي عليه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (978).

قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة:84]. - حكم الصلاة على القبور: يجب على المسلم إذا أراد الصلاة فريضة أو تطوعاً أن يتوجه إلى القبلة، ويحرم على المسلم أن يصلي إلى القبر، أو بين القبور. عَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬1). - ما يقوله الميت إذا حُمل للمقبرة: عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ». أخرجه البخاري (¬2). - ما يُعرض على الإنسان إذا مات: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (972). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1314). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1379) , واللفظ له، ومسلم برقم (2866).

7 - دفن الميت

7 - دفن الميت - ما يفعله من يتبع الجنازة: يستحب لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع على الأرض. ولو تقدم الجنازة فله أن يجلس قبل أن تنتهي إليه. أما حال الدفن، وبعد الدفن، فالسنة القيام للدعاء للميت والتعزية، وله أن يجلس إن شاء حتى يُدفن الميت. عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (¬1). - حكم حفر القبر: حفر القبر من فروض الكفايات، وأولى الناس بذلك أقاربه، ويجوز لغيرهم فعل ذلك بأجرة أو بغير أجرة. - حكم دفن الميت: دفن الميت فرض كفاية، فتجب مواراة الآدمي مسلماً كان أو كافراً، لكن المسلم يُدفن حسب السنة، والكافر يوارى بالتراب في حفرة. 1 - عَنْ أبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ. متفق ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221).

عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثمَّ لاَ تُحْدِثنَّ شَيْئاً حَتَّى تَأْتِيَنِي» فَذهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي. أخرجه أبو داود (¬2). - مكان دفن الأموات: 1 - السنة أن يدفن الميت المسلم في مقابر المسلمين في كل بلد، ويستثنى من ذلك الأنبياء فيدفنون حيث قبضوا، والشهداء يدفنون في مصارعهم. عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا حَمَلْنَا القَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا القَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ فَرَدَدْنَاهُمْ. أخرجه أبو داود (¬3). 2 - لا يجوز أن يُدفن مسلم مع كافر، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، ويدفن الكافر في مقابر المشركين. 3 - يجب على أهل البلد أن يختاروا مكاناً في ناحية بلدهم ليدفنوا فيه موتاهم، وإن لم يمكن الحصول عليه إلا بثمن فيشترى، ويستحب شراؤه ووقفه على موتى المسلمين. - مكان دفن الشهداء: الشهداء ثلاثة أقسام: 1 - شهيد الدنيا والآخرة: وهو المقتول في المعركة في سبيل الله مخلصاً، فهذا له ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3976) , واللفظ له، ومسلم برقم (2875). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3214). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3165).

أحكام الشهيد في الدنيا وفي ثواب الآخرة، ويدفن في مصرعه. 2 - شهيد الدنيا فقط: وهو المقتول في المعركة مرائياً ونحوه، فهذا له حكم الشهيد في الدنيا، وليس له ثواب الشهداء في الآخرة. 3 - شهيد الآخرة: وهو من أثبت له الشارع حكم الشهادة، ولم تجر عليه أحكامها في الدنيا كالغريق والمبطون ونحوهما، فهذا حكمه حكم بقية الموتى. - أوقات دفن الأموات: 1 - السنة أن يدفن الأموات نهاراً -وهو الأفضل-؛ لأن الناس في النهار أنشط، وأكثر حضوراً للصلاة، والحضور والتشييع والدفن في النهار أسهل وأيسر. 2 - يجوز الدفن ليلاً إذا كان لا يفوت بالدفن شيء من حقوق الميت والصلاة عليه، أو عند الضرورة كخوف تغيره بسبب الحر، أو كثرة الأموات، أو عند خوف ونحو ذلك، ويجوز استعمال المصباح للإضاءة عند الدفن. عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْماً، فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، وَقُبِرَ لَيْلاً، فَزَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلا أنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَفَّنَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات: الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات إلا عند الضرورة ثلاثة: عند طلوع الشمس، وعند استوائها، وعند غروبها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (943).

عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. أخرجه مسلم (¬1). - صفة القبر: 1 - السنة توسيع القبر، وتحسينه، وتعميقه، ويكون العمق بحيث يواري الميت، ويحجب رائحته، ويمنع السباع منه كمقدار نصف قامة الإنسان. عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: الحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثنَيْنِ وَالثلاَثةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ». قَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «قَدِّمُوا أَكْثرَهُمْ قُرْآناً». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 2 - يسن أن يحفر في أسفل القبر من جهة القبلة اللحد، وهو الشق بقدر الميت، ويجوز حفر الضريح في وسط القبر من أسفل بقدر الميت، يوضع فيه الميت، ثم يُسقف باللبن، واللحد أفضل؛ لأنه الذي اختاره الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ سَعْدَ بْنَ أبِي وَقَّاصٍ قال فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ: الحَدُوا لِي لَحْداً، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْباً، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬3). 3 - يجوز دفن الميت في اللحد والشق، واللحد أفضل على وجه العموم، فإن كانت ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (831). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3215) , والنسائي برقم (2010) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه مسلم برقم (966).

الأرض رخوة تنهار فالشق أفضل، وإن كانت صلبة لا تنهار فاللحد أفضل. - الأحق بإنزال الميت في القبر: 1 - يتولى إنزال الميت في قبره ودفنه الرجال دون النساء، وأولياء الميت أحق بإنزاله من غيرهم. 2 - الأحق بإنزال الرجل الميت في قبره أولياؤه وأهله وذوو رحمه، ويُدخل المرأة قبرها محارمها أبوها، أو ابنها، أو أخوها، أو زوجها، أو غيرهم من المحارم. قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75]. 3 - يُقدَّم الرجل الغريب على المحرم والزوج في الدفن إذا كان المحرم والزوج قد جامع أهله تلك الليلة. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: «فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا». فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا. أخرجه البخاري (¬1). - عدد من ينزل في القبر: ينزل في القبر لدفن الميت بحسب الحاجة والمصلحة، وليس لذلك حد من شفع أو وتر. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1342).

- صفة دفن الميت: 1 - السنة إدخال الميت من جهة رجلي القبر، ويُسلُّ من عند رأسه، وهذا هو الأفضل. عَنْ أَبي إِسْحَاقَ قَالَ: أَوْصَى الحَارِث أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُاللهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثمَّ أَدْخَلَهُ القَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ القَبْرِ وَقَالَ: هَذا مِنَ السُّنَّةِ. أخرجه أبو داود (¬1). ويجوز إدخال الميت إلى قبره من أي جهة من جهة القبلة معترضاً، أو من جهة رأس القبر. 2 - ثم يوضع الميت في قبره في اللحد على جنبه الأيمن، ووجه إلى القبلة، ورأسه إلى يمين القبر، ورجلاه إلى يسار القبر، ويسن أن يقول عند وضعه في القبر: «بسْمِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 3 - ثم يُنصب اللبن عليه نصباً، ثم يُشرَّك بينها بالطين، ثم يُدفن بالتراب، ويُرفع القبر عن الأرض، والسنة أن يُرفع قدر شبر مسنماً؛ ليتميز القبر، ويصان ولا يهان. عَنْ أَبي بَكْرِ ابْن عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّماً. أخرجه البخاري (¬3). 4 - والسنة أن يُعْلِم القبر بحجر ونحوه؛ ليعرفه أهله، ويدفن إليه من مات من أهله. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3211). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4812) , وأبو داود برقم (3213). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1390).

عَنِ المُطَّلِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ فَأَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ المُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبرُنِي ذلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي. أخرجه أبو داود (¬1). 5 - ثم يقف على القبر، ويستغفر للميت، ويسأل الله له التثبيت، ويطلب من الحاضرين فعل ذلك. عَنْ عُثمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ بالتَّثبيتِ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ». أخرجه أبو داود (¬2). - صفة دفن الميت في البحر: دفن الميت له ثلاث حالات: في المقبرة، أو البر، أو البحر. 1 - فأما في البحر فإن الميت يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ثم يلقى في الماء، وذلك إذا خيف عليه من التعفن. وإن كان الجو بارداً، أو السفينة قريبة من الساحل، أو وجد مكان لحفظه في ثلاجة ونحوها، فالأولى أن يبقى ثم يدفن بعد الوصول في المقبرة. 2 - وإن مات الإنسان في البر، ولم يمكن حفر القبر له، فإنه يغسل ويكفن ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3206). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3221).

ويصلى عليه، ثم يوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن، ثم يجمع عليه التراب والرمل والحجارة حتى يوارى جسمه عن السباع والطير. 3 - وإن مات المسلم في بلدٍ دُفِن في مقابر المسلمين كما سبق. - صفات الدفن: للدفن صفتان: 1 - صفة مجزئة، وهي أن يوارى الميت بالتراب. 2 - صفة كاملة، وهي أن يُحفر له قبر، ويعمَّق، ويوسَّع، ويُلحد له كما تقدم. - حكم دفن الأموات في قبر واحد: 1 - السنة أن يدفن في القبر ميت واحد من المسلمين. 2 - يجوز دفن اثنين فأكثر في قبر واحد عند الضرورة، كأن يكثر القتلى أو الأموات، ويقلّ من يدفنهم، ونحو ذلك من الأعذار. 3 - إذا دُفن في القبر أكثر من واحد فيقدم إلى القبلة الأكثر حفظاً للقرآن، والأفضل، والأسن. 4 - لا يجوز دفن المسلم مع الكافر، ولا تدفن المرأة مع الرجل في قبر واحد إلا عند الضرورة، ويجعل بينهما حاجز من تراب، ويقدم الرجل عليها إلى القبلة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1343).

5 - يجوز دفن الميت في قبر ميت آخر إذا صار رميماً، وتعذر مكان آخر. - حكم حفر القبر قبل الموت: لا يشرع للمسلم أن يحفر قبره قبل الموت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولا أصحابه رضي الله عنهم، والعبد لا يدري متى وأين يموت، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -. ويجوز حفر القبور العامة من دون تعيين مَنْ يُدفن فيها. - حكم الموعظة أثناء الدفن: يسن لكبير القوم وعالمهم أن يذكِّر الحاضرين أثناء دفن الميت أحياناً بما يناسب الحال، بذكر الموت وما بعده من الأهوال، من غير نياحة على الميت أو ذكرٍ لمآثره. 1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ: شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1362) , واللفظ له، ومسلم برقم (2647).

وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأَمَّا الكَافِرُ، أَوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ». متفق عليه (¬1). - حكم نبش القبور: يحرم نبش قبر الميت المسلم لغير سبب شرعي؛ لأن قبره وقفٌ عليه ما دام فيه. ويجب نبش القبر في الأحوال الآتية: 1 - إذا لم يغسل الميت، أو لم يكفن، أو دفن لغير القبلة، وهذا إذا لم يتغير، أما إذا تغير فلا ينبش. 2 - إذا دُفن المسلم في مقابر الكفار ما لم يتغير. 3 - إذا دُفن الكافر في مقابر المسلمين حتى ولو بعد التغير؛ لأن الكافر لا حرمة له. 4 - إذا دُفن الميت في مسجد ونحوه كمدرسة ورباط، سواء كان قبل التغير أو بعده. 5 - إذا سقط في القبر أثناء الدفن مال أو متاع ولم يتمكن من إخراجه إلا بالنبش، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338) , واللفظ له، ومسلم برقم (2870).

فله نبش القبر لأخذ ماله. - حكم الجلوس على القبر: لا يجوز الجلوس على القبر، ومن جلس عليه فهو آثم. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬2). - حكم إخراج الميت من القبر لعلة: 1 - إذا دُفن الميت في قبره فلا يجوز إخراجه منه إلا لغرض صحيح، كأن يكون قد دُفن قبل غسله وتكفينه، أو دفن إلى غير القبلة، أو غمر قبره الماء، أو دُفن في مقابر الكفار ونحو ذلك من الأسباب. 2 - المقابر دار الأموات ومنازلهم، ومحل زيارتهم، وهم قد سبقوا إليها، فلا يحل نبشهم من قبورهم إلا لسبب شرعي فيه مصلحة الحي والميت. 1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَاللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاساً قَمِيصاً. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (971). (¬2) أخرجه مسلم برقم (972). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1350) , واللفظ له، ومسلم برقم (2773).

2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم من دُفن ولم يغسل ولم يصل عليه: 1 - من دفن من المسلمين ولم يغسل ولم يصل عليه فإنه يُخرج ثم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن، ما لم يتغير فيصلى عليه في قبره ولا يُخرج. 2 - إذا لم يوجد من الميت المسلم إلا بعضه فإنه يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن، والعضو المقطوع من المسلم الحي لا يجوز إحراقه ولا يغسل ولا يصلى عليه، لكن يلف في خرقة ويدفن في المقبرة. - حكم البناء على القبر: يحرم البناء على القبر، وتجصيصه، وصبغه، وتبليطه، ونثر الورود عليه، وإيقاد السرج عليه، والكتابة عليه، وتحرم الصلاة عنده، واتخاذه مسجداً، والطواف به، والصلاة إليه واتخاذه عيداً، وذلك كله شرك، أو من وسائل الشرك. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ أمَّ حَبِيبَةَ وَأمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأيْنَهَا بِالحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إنَّ أولَئِكَ، إذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1352). (¬2) أخرجه مسلم برقم (970).

فَأولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). - حكم دفن الميت في المسجد: 1 - السنة دفن المسلم في المقبرة، ويحرم دفن الميت في المسجد، وإذا دُفن المسلم في المسجد فإنه ينبش ويدفن في المقبرة. 2 - يحرم على المسلم أن يصلي في مسجد فيه قبر، فإن صلى فالصلاة صحيحة مع الإثم، ويجب على المسلم أن لا يصلي في مسجد فيه قبر؛ حماية لمقام التوحيد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم بناء المسجد على القبر: لا يجوز بناء مسجد على قبر، ولا يجوز دفن ميت في مسجد، وإذا حصل ذلك: فإن كان المسجد بُني قبل الدفن سُوِّي القبر، أو نبش إن كان جديداً، ودفن في المقبرة، وإن بُني المسجد على القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر. وكل مسجد بني على قبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (427) , واللفظ له، ومسلم برقم (528). (¬2) أخرجه مسلم برقم (530). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له.

- ما يقال للميت في القبر: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا قُبرَ المَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا المُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولاَنِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذا، ثمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي سَبْعِينَ ثمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبرُهُمْ فَيَقُولاَنِ نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقاً قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثلَهُ لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذلِكَ فَيُقَالُ لِلأَرْضِ التَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاَعُهُ فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذباً حَتَّى يَبْعَثهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ». أخرجه الترمذي (¬1). - حكم الدفن في التابوت: التابوت: صندوق من خشب أو حجر ونحوهما يوضع فيه الميت. وللدفن في التابوت حالتان: الأولى: أن يكون لحاجة أو مصلحة، كما لو تهرى الميت لغرق أو حريق ونحوهما، وتعذر جمعة في غير التابوت، فهذا جائز. الثانية: أن يكون لغير حاجة، فهذا لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بالنصارى، وإضاعة المال، وترك السنة. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1071) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1391).

- ما يُفعل بالمسلم إذا مات في بلاد الكفر: من مات في بلاد الكفر دفن في مقابر المسلمين. فإن لم توجد نُقل إلى بلاد المسلمين إن أمكن، فإن لم يمكن دُفن في فلاة من الأرض، ويُخفى قبره؛ لئلا يتعرض له الكفار بأذى. - مكان الدفن عند اشتباه الموتى: إذا اختلط موتى المسلمين بالكفار، ولم يمكن التمييز بينهم، فإنهم يدفنون في مقابر منفردة، سواء كثر المسلمون أو قلوا. فإن لم يمكن دفنوا جميعاً مع المسلمين، احتراماً لمن فيهم من المسلمين. - حكم نقل الميت من بلد إلى آخر: نقل الميت من بلد إلى آخر له ثلاث حالات: 1 - إذا أدى النقل إلى تغير الميت أو انتهاك حرمته، فهذا يحرم. 2 - إذا كان لنقله ضرورة كمن مات في دار حرب، أو في مكان يُخاف عليه من نبشه، أو حرقه أو المثلة به، فهذا يجب. 3 - إذا كان لنقله غرض صحيح، ولم يكن فيه انتهاك لحرمته، أو تعرضه للتغير، أو مشقة على من يتولى نقله، فهذا يجوز. - صفة دفن الكافرة الحامل من مسلم: إذا ماتت كتابية تحت مسلم وهي حامل، ومات جنينها في جوفها، فإنها تدفن منفردة عن مقابر المسلمين ومقابر الكفار، ويكون ظهرها إلى جهة القبلة على جنبها الأيسر؛ ليكون وجه الجنين إلى القبلة.

8 - التعزية

8 - التعزية - التعزية: هي ترغيب أهل الميت بالصبر احتساباً للأجر، والدعاء للميت والمصاب. - حكم التعزية: 1 - يسن للمسلم تعزية أهل الميت بما يسليهم، ويكف من حزنهم بذكر الآيات والأحاديث التي تحملهم على الصبر والرضا بما قدر الله، واحتساب الأجر. 2 - تجوز تعزية الكفار من غير دعاء لميتهم إن كانوا ممن لا يظهر العداء للإسلام والمسلمين، ويدعو لهم بالهداية، ويرغبهم في الإسلام. - مكان التعزية: 1 - تسن تعزية أهل الميت وأقاربه في أي مكان: في المصلى، والمسجد، والمقبرة، والبيت، والسوق. 2 - يجوز أن يجتمع أهل الميت في بيت أو مكان فيقصدهم من أراد التعزية، ثم يعزيهم وينصرف. - وقت التعزية: تسن تعزية أهل الميت قبل الدفن أو بعده. والتعزية ليس لها حد ولا أيام محدودة، فمتى علم بالميت، ورأى الفائدة في التعزية أتى بها.

- صفة التعزية: الأولى أن يعزي المسلم أهل الميت بالدعاء الوارد شرعاً، وله أن يعزيهم بما شاء من الألفاظ التي تسليهم، وتكف من حزنهم، ومن الأدعية الواردة في التعزية: 1 - «إنَّ للهِ مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأجَلٍ مُسَمّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». متفق عليه (¬1). 2 - «اللهمَّ اغْفِرْ لأبِي فُلانَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم البكاء على الميت: 1 - يجوز البكاء على الميت إن لم يكن معه ندب أو نياحة، ودمع العين من الرحمة التي يجعلها الله في قلوب عباده الرحماء. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1284) , واللفظ له، ومسلم برقم (923). (¬2) أخرجه مسلم برقم (920).

إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - يحرم شق الثوب، ولطم الخد، ورفع الصوت بالندب والنَّوح. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: «أقَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ اللهِ! فَبَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمَّا رَأى القَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ بَكَوْا. فَقَالَ: «ألا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا (وَأشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أوْ يَرْحَمُ». متفق عليه (¬2). 3 - يسن أن لا يزيد البكاء على الميت أكثر من ثلاثة أيام. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثلاَثاً أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ» ثمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي» فَجِيءَ بنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: «ادْعُوا لِيَ الحَلاَّقَ» فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُؤوسَنَا. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 4 - الميت يتألم ويتكدر في قبره إذا نيح عليه، وترك أهله الدعاء له، ولكنه لا يعاقب بفعلهم إلا إذا أوصاهم بالنياحة عليه. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام:164]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , واللفظ له، ومسلم برقم (2315). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1304)، ومسلم برقم (924) , واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4192) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (5227).

2 - وَعَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - حكم إطعام أهل الميت: يسن لأقارب الميت وجيرانه وأصدقائه أن يصنعوا لأهل الميت طعاماً، ويبعثون به إليهم؛ لأنه أتاهم ما يشغلهم. ويكره لأهل الميت صنع طعام للناس واجتماعهم عليه، وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز كقدوم ضيف من خارج البلد. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اصْنَعُوا لآِلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ أَوْ أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). - حكم تعزية النساء لأهل الميت: 1 - لا يجوز لنساء أهل الميت تخصيص لباس معين للتعزية كالأسود مثلاً؛ لما في ذلك من إظهار الحزن، والتسخط على قضاء الله وقدره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292) , واللفظ له، ومسلم برقم (927). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5417) , واللفظ له، ومسلم برقم (2216). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3132) , وابن ماجه برقم (1610) , وهذا لفظه.

2 - يسن للرجال تعزية الرجال من أهل الميت، ويسن للنساء تعزية نساء أهل الميت. 3 - تجوز تعزية الرجل للنساء وعكسه ما لم تكن خلوة، أو تخشى فتنة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ». متفق عليه (¬1). - حكم تعزية أهل القاتل: يسن للمسلم تعزية أهل القاتل إذا اقتُص منه؛ لأنه لا ذنب لهم، والمسلم يعزَّى في مصيبته، وكونه جانٍ لا يقتضي إسقاط حق أهله. والقاتل مسلم، إذا أقيم عليه الحد طُهِّر من ذنبه، واتباعه، والصلاة عليه، ودفنه، حق من حقوقه على المسلمين. - ما ينتفع به المسلم بعد موته: ينتفع المسلم بعد موته بما يلي: 1 - دعاء المسلمين له. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر:10]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5417) , واللفظ له، ومسلم برقم (2216).

2 - وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ، بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - ما يخلفه الميت من الأعمال الصالحة والصدقات الجارية. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - ما يفعله أولاده من الأعمال الصالحة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبكُمْ وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبكُمْ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 4 - قضاء الدين عنه، وقضاء الصوم عنه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (¬4). 5 - أعمال البر التي كان سبباً في وجودها في حياته. عَنِ جَرِير بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2733). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1631). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3528) , والترمذي برقم (1358) , وهذا لفظه. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , واللفظ له، ومسلم برقم (1147).

مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». أخرجه مسلم (¬1). 6 - الحج عنه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: إِنَّ أمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أمِّكِ دَيْنٌ أكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أحَقُّ بِالوَفَاءِ». أخرجه البخاري (¬2). - ما يتبع الإنسان بعد موته: عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ». متفق عليه (¬3). - سؤال الميت في القبر: كل إنسان يُسأل بعد موته، سواء قُبر أو لم يقبر، ثم يجازى بالخير خيراً، وبالشر شراً، ويقع النعيم والعذاب على النفس والبدن، والروح تبقى بعد مفارقة البدن منعّمة أو معذبة، وتتصل بالبدن أحياناً، فإذا كان يوم القيامة أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقام الناس من قبورهم للحساب والجزاء. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1017). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1852). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6514) , واللفظ له، ومسلم برقم (296).

وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الجَنَّةِ». قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، وَأَمَّا الكَافِرُ، أَوِ المُنَافِقُ: فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي القَبْرِ: يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. متفق عليه (¬2). - حكم فعل القُرَب عن الميت: فعل القرب من مسلم لمسلم حي أو ميت لا يجوز إلا في حدود ما ورد في الشرع فعله مثل: الدعاء له، والاستغفار له، والحج والعمرة عنه، والصوم الواجب عنه، والصدقة عنه. وأما قراءة القرآن عنه، أو استئجار قوم يقرؤون القرآن، ويهدون ثوابه للميت فهي بدعة محدثة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1338) , واللفظ له، ومسلم برقم (2870). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4699) , واللفظ له، ومسلم برقم (2831).

9 - زيارة القبور

9 - زيارة القبور - حكمة مشروعية زيارة القبور: الدنيا دار الأحياء، والمقابر دار الأموات، ومن فضل الله عز وجل أن جعل صلة المسلم بأخيه مستمرة في الحياة وبعد الموت. والمقصود من زيارة القبور أمران: الأول: انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى برؤية الجنائز والقبور، وأن يتذكر أن مآله ومآلهم إما إلى الجنة أو النار، وهذا من أعظم مقاصد الزيارة. عَن بُرَيْدَةَ الأسلمي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ، عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا». أخرجه مسلم (¬1). الثاني: نفع الميت، والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء له، والاستغفار له، وهذا خاص بالميت المسلم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَداً، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لاحِقُونَ، اللهمَّ! اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم زيارة القبور: 1 - يسن للرجال دون النساء زيارة القبور للاتعاظ بها، وتذكر الآخرة، والدعاء ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (977). (¬2) أخرجه مسلم برقم (974).

للميت المسلم بما ورد. 2 - يشرع للمسلم أن يفاوت بين الزيارة، فلا يتخذ القبور أعياداً، ولا يتخذ لنفسه يوماً معيناً لا يزور القبور إلا فيه. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم زيارة النساء للقبور: 1 - زيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب. فلا يجوز للنساء زيارة القبور؛ لأنه غالباً يجري منهن ما ينافي الصبر الواجب، ولديهن من الرقة والضعف وعدم التحمل ما يجدد لهن الحزن، والبكاء، وذكر المصائب، ولِمَا يخشى أن تجر زيارتهن للقبور إلى أن يأتين من الأقوال والأفعال ما يخرجن به إلى فعل المحرم من ندب، ونياحة، وصياح، ولطم للخدود، وشق للجيوب، لقلة صبرهن، وقوة جزعهن، ورقة قلوبهن. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّارَاتِ القُبُورِ. أخرجه ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8804) , وأبو داود برقم (2042). (¬2) أخرجه مسلم برقم (976).

الترمذي وابن ماجه (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. متفق عليه (¬2). 2 - يسن للنساء إذا مررن بالقبور من دون قصد الزيارة أن يسلمن على الأموات ولا يدخلن؛ لأنهن ممنوعات من الدخول لا المرور. عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها لمَّا خَرجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِندَهَا لَيْلاً لِزِيَارةِ أهْلِ البَقِيعِ ... قَالَتْ: كَيْفَ أقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «قُولِي: السَّلامُ عَلَى أهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ». أخرجه مسلم (¬3). - أنواع زيارة القبور: زيارة القبور على ثلاث مراتب: الأولى: زيارة شرعية مسنونة، وهي زيارة قبور المسلمين من أقارب وغيرهم للسلام عليهم، والدعاء لهم، وتذكر الموت والآخرة. الثانية: زيارة قبور المشركين لتذكر الآخرة، وسؤال الله العافية، والثبات على الدين، فهذه جائزة؛ لما فيها من التذكير بنعمة الإسلام. الثالثة: زيارة محرمة، وهي نوعان: 1 - زيارة شركية، وتكون بسؤال الموتى قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وشفاء المرضى، ودعاء الأموات، والطواف حول القبور، والصلاة إلى ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1056) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1576). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1278) , ومسلم برقم (938). (¬3) أخرجه مسلم برقم (974).

القبور، فهذا كله شرك أكبر محبط للأعمال. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر:65]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬1). 2 - زيارة بدعية، وتكون بزيارة المقابر بقصد دعاء الله عند قبر الميت، والصلاة لله عنده، والاستشفاع به، والتوسل به إلى الله. فهذه بدعة منكرة، ووسيلة إلى الشرك. - وقت زيارة الأموات: تسن زيارة القبور في كل وقت، وتخصيص يوم العيد أو الجمعة أو السبت أو غيرها للزيارة كل ذلك لا أصل له. 1 - عَنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ». أخرجه أبو داود (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (977). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2042).

- صفة زيارة الميت: 1 - السنة إذا دخل المسلم إلى المقبرة سلم على أهلها بما ورد قائلاً: 1 - «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَداً مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أو يقول: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاحِقُونَ، أسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - أو يقول: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُونَ». أخرجه مسلم (¬3). يفعل هذا مرة، وهذا مرة؛ إحياءً للسنة. 2 - إذا أراد الزائر الدعاء للميت فالأفضل له أن يستقبل القبلة. 3 - السنة لزائر القبور أن يكون حال الزيارة قائماً، فيسلم ويدعو وهو قائم. عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها قالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا رَيْثَمَا ظَنَّ أنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْداً، وَانْتَعَلَ رُوَيْداً، وَفَتَحَ البَابَ فَخَرَجَ. ثُمَّ أجَافَهُ رُوَيْداً، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي. ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ البَقِيعَ فَقَامَ. فَأطَالَ القِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ. أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (974). (¬2) أخرجه مسلم برقم (975). (¬3) أخرجه مسلم برقم (249). (¬4) أخرجه مسلم برقم (974).

- حكم زيارة قبور الكفار: تجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة، وسؤال الله العافية، ولا يدعو له، ولا يستغفر له، بل يبشره بالنار، ويستغفر، ويبكي حتى لا يصيبه ما أصابه، ولا يُمنع الكافر من زيارة قبر قريبه المسلم. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَصْحَابِ الحِجْرِ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ القَوْمِ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بن أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَكَانَ وَكَانَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَكَأنَّ الأَعْرَابِيَّ وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: «حَيْثُ مَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ»، قَالَ: فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِيُّ بَعْدُ، فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَباً، مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ. أخرجه الطبراني في الكبير (¬3). - حكم المشي بين القبور بالنعال: يسن للمسلم المشي حافياً بين القبور؛ لما فيه من التواضع، واحترام أموات ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (976). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4702) , واللفظ له، ومسلم برقم (2980). (¬3) صحيح/ أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 145) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (18).

المسلمين. ويكره المشي بالنعال بين القبور، ما لم يكن هناك عذر يمنعه من خلع نعليه كشدة حرارة الأرض، أو وجود شوك يؤذيه، أما المشي في ساحة المقبرة بالنعال فجائز. عَنْ بَشِير ابن الخَصَاصِيَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ شَرّاً كَثِيراً»، ثمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْراً كَثِيراً» فَحَانَتْ مِنْهُ التِفَاتَةٌ، فَرَأَى رَجُلاً يَمْشِي بَيْنَ القُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - ما يحرم فعله عند القبور: 1 - الذبح والنحر عند القبر، فإن كان الذبح لله فهو بدعة منكرة، والذبيحة حلال، وإن كان الذبح للميت فهو شرك أكبر، وأكل المذبوح حرام وفسق؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام:121]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ عَقْرَ فِي الإسْلاَمِ» قَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ القَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً. أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - البناء على القبور، وصبغها، والكتابة عليها، والجلوس عليها، والصلاة ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3230) , وأخرجه النسائي برقم (2048)، وهذا لفظه. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13032) , وأبو داود برقم (3222) , وهذا لفظه.

عندها، والصلاة إليها، وإيقاد السرج والمصابيح عليها. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَنْ تُوطَأَ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 3 - لا يجوز تشجير المقابر؛ لما فيه من التشبه بالنصارى، ولأنه ذريعة إلى الغلو والتبرك. 4 - دعاء الميت، والاستغاثة به، وسؤاله قضاء الحاجات ونحو ذلك، كل ذلك من الشرك الذي حرمه الله ونهى عنه. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} [الأحقاف:5]. 5 - اتخاذ القبور عيداً، يسافر إليها، وتُقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها، والذبح لأهلها، ونحو ذلك. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْث كُنْتُمْ». ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (970). (¬2) أخرجه مسلم برقم (972). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3225) , والترمذي برقم (1052) , وهذا لفظه.

أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - حكم قراءة القرآن عند القبور: المقابر ليست موضعاً للقراءة، وإنما هي للسلام على الأموات، والدعاء لهم، والاتعاظ بالموت والأموات، وتذكر الآخرة. وقد علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نقول ونفعل عند زيارة القبور، وكل ما سوى ذلك فهو بدعة مردودة على من أحدثها، ويحمل وزرها وأوزار من اتبعه عليها. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬2). - حكم سب الأموات: 1 - لا يجوز سب أموات المسلمين؛ لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، ولأن سب الأموات يؤذي أهلهم الأحياء، وسب الأموات يجري مجرى الغيبة وهو محرم. 2 - الأموات الكفار والمبتدعة والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم، والتنفير من أعمالهم ونحو ذلك مما فيه مصلحة شرعية؛ لئلا يُقتدى بهم. وينبغي إذا سُبّ هؤلاء أن لا يُسبّ الميت في حضرة أقاربه؛ لئلا يتأذوا، ولئلا يعرض نفسه للسب أيضاً. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8804) , وأبو داود برقم (2042) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1393).

2 - وَعَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَتْ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: «وَجَبَتْ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ». متفق عليه (¬1). - حكم الاستغاثة بالأموات: 1 - الميت لا يُطلب منه شيء؛ لأنه ميت لا يقدر على شيء. فلا يجوز لأحد أن يستغيث بالأموات والغائبين كأن يقول: يا سيدي فلان أغثني، أو اشفني، أو انصرني ونحو ذلك، وهذا كله من الشرك الأكبر. 2 - المستغيثون بالأموات عند القبور وغيرها هم من جنس عباد الأوثان، فالشيطان يضلهم ويغويهم، ويتصور لهم بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم. وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان والأصنام. 3 - الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر والفسوق والعصيان، وتَظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويأتون بالأموال والطعام، ويحدِّثون بأمور غائبة، ولهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1367) واللفظ له، ومسلم برقم (949).

- حكم تسوير المقابر: يجوز تسوير المقبرة بجدار قصير ونحوه؛ لأن في ذلك صيانة وحماية لها، وليعتبر المارة عند مشاهدتها، ويدعون لأهلها، ولتحمى من عبث العابثين, وأفعال المبتدعين. - حكم اتخاذ الحرس للمقابر: الغالب أن المقابر لا تحتاج إلى حراس، لكن لو وجدت حاجة إلى الحراسة كالخوف من نبش القبور، ومن لا يعلم سبب موته ونحو ذلك، فيجوز وضع حرس عليها لحمايتها، ومعرفة من يدفن فيها. - حكم الانتفاع بما في المقبرة: يجوز قطع حشيش المقبرة للانتفاع به، أما رعي البهائم بين القبور فلا يجوز؛ لما فيه من امتهان أصحاب القبور.

4 - كتاب الزكاة

4 - كتاب الزكاة ويشتمل على ما يلي: 1 - الزكاة المفروضة، وتشتمل على ما يلي: 1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة وتشمل: 1 - زكاة الذهب والفضة. 2 - زكاة الأوراق النقدية. 3 - زكاة عروض التجارة. 4 - زكاة بهيمة الأنعام. 5 - زكاة الحبوب والثمار. 6 - زكاة الركاز. 7 - زكاة المعادن. 2 - إخراج الزكاة. 3 - آداب إخراج الزكاة. 4 - أهل الزكاة. 2 - زكاة الفطر. 3 - صدقة التطوع.

أنواع الزكاة - الزكاة التي شرعها الله ثلاثة أنواع: 1 - الزكاة الواجبة في الأموال، وتجب في سبعة أموال: 1 - الذهب والفضة. 2 - الأوراق المالية. 3 - عروض التجارة. 4 - بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم). 5 - الخارج من الأرض من حبوب وثمار. 6 - الركاز. 7 - المعادن. 2 - الزكاة الواجبة في الذمة، وهي زكاة الفطر التي تجب على كل مسلم في نهاية شهر رمضان. 3 - صدقة التطوع، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره؛ طلباً لزيادة الأجر.

1 - الزكاة المفروضة

1 - الزكاة المفروضة - حكمة مشروعية العبادات: شرع الله سبحانه لعباده عبادات متنوعة في أوقات مختلفة. منها ما يتعلق بالبدن كالصلاة، ومنها ما يتعلق ببذل المحبوب إلى النفس كالزكاة والصدقة، ومنها ما يتعلق بالبدن وبذل المال كالحج والجهاد، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن محبوباتها كالصيام. ونوَّع الله العبادات ليختبر العباد، وليعلم من يقدِّم طاعة ربه على هوى نفسه، ولئلا تمل النفوس، وتكل الأبدان، وليقوم كل واحد بما يسهل عليه، وتنشط له نفسه من واجب أو مسنون. وجعل سبحانه هذه العبادات أسباباً ينال بها العباد مرضاة ربهم، ويكسبون بها عظيم الأجر والثواب، وتطمئن بها قلوبهم، وتزكوا نفوسهم، وتنشرح صدورهم، وتطيب حياتهم، وتصلح أحوالهم. - الزكاة: هي التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعاً، في مال معين، لطائفة أو جهة مخصوصة. والزكاة نماء وزيادة وبركة، سميت بذلك؛ لأنها تزيد إيمان من أخرجها، وتزيد المال المخرج منه وتنمِّيه، وتطهر النفوس والأموال مما يضرها، وتطهر قلب من أخذها من الحقد والحسد. وسميت الزكاة صدقة؛ لأنها دليل على صحة إيمان مؤديها وصِدْقه؛ لأن المال محبوب إلى النفس، ولا يخرجه إلا صادق الإيمان.

قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103]. - حكمة مشروعية الزكاة: شرع الله عز وجل الزكاة عبودية للرب، وطهرة للنفس، وطهرة للمال، وإحساناً إلى الخلق، وزيادة في الأجر، وشكراً للرب. 1 - فالزكاة بذل محبوب النفس -وهو المال- من أجل محبوب الرب -وهو طاعته وعبادته- التي يحصل بها رضاه. 2 - في الزكاة تطهير للنفس من رذيلة الشح والبخل؛ ليعلو الإنسان على المال، ويكون سيداً له لا عبداً له، ومن هنا جاءت الزكاة لتزكي المعطي والآخذ وتطهرهما معاً. 3 - الزكاة تطهر المال من الأوساخ، وتقيه من الآفات، وتثمره وتنميه وتزيده زيادة حسية ومعنوية. 4 - الزكاة تسد حاجة الفقراء والمساكين، وترفع آفة الذل والفقر، وتقطع دابر الجرائم الخلقية والمالية كالسرقات، والنهب، والسطو. 5 - الزكاة جسر قوي يربط بين الأغنياء والفقراء، فتصفو النفوس، وتزول الأحقاد والبغضاء، ويرتفع الذل والفقر، وينعم الجميع بالأمن والمحبة والرحمة. 6 - الزكاة تزيد في حسنات مؤديها، وتكفر خطاياه، فهي تزيد المال كمية وبركة، وتزيد إيمان من أخرجها، وتزيد أعماله وحسناته، وتزيد أخلاقه حسناً وكمالاً وجمالاً، فيتعود السماحة، ويرتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق.

فهي بذل وعطاء، وكرم وسخاء، وذلك محبوب للرب، وللنفس، وللخلق. 7 - الزكاة سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، والأمن في الدنيا ويوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. - حكم الزكاة: الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة. والزكاة فرض عين على كل من توفرت فيه شروط وجوبها. ولا تصح الزكاة من كافر ولا تقبل؛ لأنها عبادة، فلا تقبل إلا من مسلم. ولا تجب على مملوك؛ لأنه وماله ملك لسيده. ولا تجب في الأموال العامة كالأوقاف، وما ليس له مالك معين. 1 - قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)} [البقرة:110]. 2 - وقال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى

خمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬3). - قوة الزكاة: كل شيء له قوة، وقوة الزكاة الزيادة والنماء والبركة. فكل شيء زاد عدداً، أو نما حجماً، أو تبارك سعة فقد زكا. والزكاة وإن كانت في ظاهرها نقص كمية المال، لكن آثارها المحسوسة زيادة المال بركة وكثرة وكمية. فقد يفتح الله للعبد من أبواب الرزق ما لا يخطر بباله إذا قام بما أوجب الله من إخراج الزكاة والصدقات. وفي الزكاة زيادة أخرى، وهي زيادة الإيمان في قلب صاحبها. وهي كذلك تزيد في خلق الإنسان، فالزكاة بذل وعطاء، والبذل والعطاء ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1463) , ومسلم برقم (982) , واللفظ له.

والكرم من الأخلاق التي تزيد قيمة المؤمن عند الله وعند الناس. والإنفاق سواء كان واجباً أو تطوعاً يزيد في انشراح الصدر، وطمأنينة القلب. والزكاة سبب لرفعة الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ودخول الجنات. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، أوْ أعْظَمَ». متفق عليه (¬1). - صفة المال الذي ينفع صاحبه: المال لا ينفع صاحبه إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط: 1 - أن يكون حلالاً طيباً في نفسه وكسبه. 2 - أن لا يشغل صاحبه عن طاعة الله ورسوله. 3 - أن يؤدي حق الله فيه من زكاة وصدقات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له.

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». متفق عليه (¬1). - المالك الحقيقي للمال: الله جل جلاله خالق هذا الكون ومالكه، ويتصرف في ملكه كما يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. ونظام المال في الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله وحده هو المالك الأصيل للمال، وله سبحانه وحده الحق في تنظيم قضية تملك الأموال، وإيجاب الحقوق في المال، وتحديدها وتقديرها، وبيان مصارفها، وطرق اكتسابها، وطرق إنفاقها. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران:26]. 2 - وقال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد:7]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91) , ومسلم برقم (1015) , واللفظ له.

- الحقوق المتعلقة بالمال: الحقوق المتعلقة بالمال ثلاثة: الأول: حق الله تعالى، ويقتضي هذا الحق التعبد لله باكتساب المال الحلال من طرق حلال، واستعماله في وجه حلال، وبذله في مرضاة الله عز وجل. الثاني: حق الفرد، وذلك بالانتفاع بهذا المال فيما هو مباح شرعاً، والاستعانة به على طاعة الله وعبادته. الثالث: حق الأمة، وذلك بأداء الزكاة الواجبة فيه، والإحسان إلى الفقراء والمساكين منه، وتأليف قلوب الشاردين عن الإسلام به. - وقت فرض الزكاة: فرض الله سبحانه الزكاة في أول الإسلام بمكة قبل الهجرة، وكان فرضها مطلقاً، ولم يحدد فيه المال الذي تجب فيه، ولا قدر ما ينفق فيه، ولا وقته، وإنما ترك الله ذلك لشعور المسلمين وسجيتهم في الكرم والإعطاء والإحسان كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج:24 - 25]. وفي السنة الثانية من الهجرة لما امتلأت القلوب بالإيمان، وجاء التنافس في الأعمال الصالحة فرض الله عز وجل مقادير الزكاة، وبيّن الأموال التي تجب فيها، وأوقات إخراجها، وأحكامها التفصيلية النهائية. وفي السنة التاسعة من الهجرة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - السعاة والجباة لجبايتها وتوزيعها. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ

قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60]. - فضائل الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} [البقرة:277]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم:39]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَصَدَّقَ أحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ، إِلا أخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فَصِيلَهُ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له.

فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). 6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعْرَابيا أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ، إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ. قال: «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا أزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». متفق عليه (¬2). - مقادير الزكاة: جعل الله عز وجل قدر الزكاة على حسب التعب في المال الذي تُخرج منه: 1 - الركاز: وهو ما وجده الإنسان مدفوناً بلا تعب، ويجب فيه الخمس = 20%. 2 - ما فيه التعب من طرف واحد، وهو ما سقي بلا مؤنة، ويجب فيه نصف الخمس، أي العشر = 10%. 3 - ما فيه التعب من طرفين (البذر والسقي) وهو ما سقي بمؤنة، ويجب فيه ربع الخمس، أي نصف العشر = 5%. 4 - ما يكثر فيه التعب والتقليب طول العام كالنقود، وعروض التجارة، يجب فيه ثمن الخمس، أي ربع العشر = 2.5%. - شروط وجوب الزكاة: تجب الزكاة في الأموال بأمرين: وجود الشروط، وانتفاء الموانع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1397) , واللفظ له، ومسلم برقم (14).

والشروط قسمان: شروط فيمن تجب في ماله الزكاة، وشروط في المال نفسه. 1 - الشروط الواجبة في صاحب المال: يشترط في صاحب المال الذي تجب فيه الزكاة شرطان: الأول: الإسلام، فلا زكاة على الكافر حتى يسلم؛ لأن الزكاة عبادة مطهرة، والكافر لا طهرة له ما دام على كفره، فلا تقبل منه، ولكنه سيحاسب عليها يوم القيامة، وعلى تركه الإسلام وشرائعه. قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة:54]. الثاني: الحرية، فلا تجب الزكاة على العبد؛ لأنه وما عنده مال مملوك لسيده. 2 - الشروط الواجبة في المال الذي تجب فيه الزكاة: يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة ما يلي: 1 - أن يكون المال من الأصناف التي تجب فيها الزكاة. 2 - أن يبلغ النصاب المقدر شرعاً. 3 - أن يحول الحول على المال إلا المعشرات. 4 - أن يكون المال مملوكاً لصاحبه ملكاً تاماً مستقراً، فلا زكاة في مال لا مالك له. ... فإذا نقص من هذه الشروط شرط لم تجب الزكاة. - الذين تجب عليهم الزكاة: تجب الزكاة في مال الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والعاقل والمجنون،

إذا كان المال مستقراً، وبلغ نصاباً، وحال عليه الحول، وكان المالك مسلماً حراً. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103]. - الذين لا تصح منهم الزكاة: 1 - الكافر لا تصح منه الزكاة، ولا تقبل منه؛ لأنها عبادة، لكنه سيحاسب على تركه الإسلام وشرائعه. 2 - العبد لا تجب عليه الزكاة ولا تصح؛ لأنه وما في يده ملك لسيده. - ما لا يشترط له الحول من الأموال: 1 - الركاز، تجب الزكاة في قليله وكثيره، ولا يشترط له نصاب ولا حول. 2 - الخارج من الأرض كالحبوب والثمار، يزكى عند وجوده، كما قال سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... [الأنعام:141]. 3 - ربح التجارة، حوله تابع لحول أصله. 4 - نتاج السائمة من بهيمة الأنعام، حوله تابع لحول أصله. - حكم المال المستفاد أثناء الحول: المال المستفاد في أثناء الحول ثلاثة أنواع: 1 - المال المستفاد من ربح المال الذي عنده كربح التجارة، ونتاج السائمة، فهذا يضم إلى أصله، ويعتبر حوله حول أصله. 2 - المال المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، فمن ماله إبلاً، واستفاد ذهباً أو عقاراً بإرث أو بيع ونحو ذلك، فهذا المال المستفاد يعتبر له حول من يوم

استفادته إن كان نصاباً. 3 - المال المستفاد من جنس المال الذي عنده، لكن ليس من نماء المال الأول، كأن يكون عنده خمسون من الإبل، ومضى عليها بعض الحول، ثم يشتري خمسين أخرى، فهذا يضم المال المستفاد إلى النصاب، ولكن يجعل له حولاً يبدأ من تملكه له. - حكم زكاة الوقف: الوقف هو ما يوقفه الإنسان على غيره من مال ابتغاء وجه الله. والأوقاف قسمان: 1 - الأوقاف العامة: وهي كل ما وقف على جهات خيرية عامة كالمساجد، والمدارس، والرباط، والمزارع ونحوها، فهذه ليس فيها زكاة. وكل ما أعد للإنفاق في وجوه البر العامة فهو كالوقف لا زكاة فيه. 2 - الأوقاف الخاصة: وهي كل وقف على شخص أو أشخاص معينين كالوقف على أولاده وأقاربه، فهذه تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. - حكم زكاة الدين: الديون نوعان: 1 - دين يرجى أداؤه، بأن يكون للإنسان دين على موسر مقر بالدين، فهذا الدين يخرج صاحبه زكاته في كل حول إذا بلغ نصاباً، وهذا هو الأفضل والأسلم، وإن شاء أخر زكاته حتى يقضيه، ثم يزكيه لما مضى من السنين. 2 - دين لا يرجى أداؤه، بأن يكون على معسر، أو على جاحد، ولا بينة، فهذا إذا

قبضه زكّاه مرة واحدة لسنة واحدة عن كل ما مضى من السنين؛ لأن قبضه إياه يشبه تحصيل ما خرج من الأرض، يزكى عند الحصول عليه. - حكم زكاة الأمانة: من له أمانة عند غيره فيجب عليه إخراج الزكاة عنها؛ لأنها في حكم المال الموجود، ولا يحل لمن عنده أمانة أن يتصرف فيها إلا بإذن صاحبها. فإن أنفقها الذي هي عنده، وكان فقيراً، فلا يجب على الإنسان أن يخرج زكاتها، لكن إذا قبضها صاحبها أخرج زكاتها لسنة واحدة عن كل ما مضى؛ لأنه أنظر المعسر، والإنظار كالصدقة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. - حكم زكاة المال المغصوب: المال المغصوب، والمسروق، والضائع ونحو ذلك كل ذلك يزكيه صاحبه إذا رجع إليه وقبضه، ويبتدئ له حولاً جديداً تبدأ الزكاة منه؛ لأنه قبل ذلك لا يملك التصرف فيه. - حكم زكاة المال المرهون: إذا كان المال المرهون من الأموال الزكوية كالحلي وعروض التجارة ففيه الزكاة على صاحبه ربع العشر. - حكم زكاة من عليه دين: 1 - الزكاة واجبة على كل من عنده مال زكوي، سواء كان عليه دين أم ليس عليه دين، والدَّين لا يمنع إخراج الزكاة نهائياً؛ لأن الدَّين واجب في الذمة، والزكاة واجبة في المال، ولا علاقة للدين بالمال الذي وجبت زكاته، فعليه

أن يخرج الزكاة، وإذا احتاج المدين إلى ما يسدد دينه يعطى من الزكاة. 2 - الزكاة واجبة مطلقاً، ولو كان المزكي عليه دين يُنقِص النصاب، إلا ديناً وجب قبل حلول الزكاة، فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده من المال. - الأموال التي لا تجب فيها الزكاة: أموال الدولة العامة، والأوقاف العامة، وما أعد للإنفاق في وجوه البر، وما ليس له مالك معين، وكل ما أعد للقنية والاستعمال كالأثاث، والثياب، والدار، والدابة، والسيارة ونحو ذلك. - الأموال التي تجب فيها الزكاة: 1 - الأثمان، وهما الذهب والفضة. 2 - الأوراق المالية. 3 - عروض التجارة. 4 - بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم). 5 - الخارج من الأرض من الزروع والثمار. 6 - الركاز. 7 - المعادن. - حد الغنى: الغنى درجات وأنواع، يفسَّر في كل باب بما يناسبه: 1 - الغني في باب الزكاة من عنده نصاب الزكاة. 2 - الغني في باب أهل الزكاة من عنده كفاية سنة.

3 - الغني في باب النفقات من عنده ما ينفقه على من تجب عليه مؤنته. 4 - الغني في باب زكاة الفطر من عنده ما يزيد على قوت يومه. - فضل الزكاة: الزكاة والنفقة الواجبة أفضل من صدقة التطوع؛ لأن أداء الفرائض أحب إلى الله من النوافل، ولأن الزكاة مزكية للنفوس، ومطهرة من الذنوب. 1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - قيمة المال: 1 - المال قوام حياة الأفراد والجماعات، فيجب أن يوزع توزيعاً عادلاً يكفل لكل فرد كفايته، حتى لا يبقى فرد مضيَّع لا قوام له، ولهذا أمرنا الله بحفظه، وصرفه في مكانه اللائق به كما قال سبحانه: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء:5]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502).

2 - حث الإسلام على أفضل وسيلة لجمع المال وهي الكسب، وعلى أفضل وسيلة لتوزيعه بالعدل بإخراج الزكاة والصدقات التي ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجلب المودة والمحبة. 3 - الزكاة حق من حقوق الفقراء في أموال الأغنياء، فليست منَّة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله الغني ليؤديه إلى أهله، وينال بذلك الأجر المضاعف.

1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة

1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة 1 - زكاة الذهب والفضة - حكم زكاة الذهب والفضة: تجب الزكاة في الذهب الفضة سواء كانت نقوداً، أو سبائك، أو حلياً، أو تِبْراً، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35]. 2 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَماً وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - مقدار نصاب الذهب: 1 - يجب في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً فأكثر ربع العشر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1405) , واللفظ له، ومسلم برقم (979). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1574) , والترمذي برقم (620) , وهذا لفظه.

2 - أقل نصاب الذهب خمس أواق = (20) ديناراً بالعدد. والدينار = (20) مثقالاً بالوزن، والمثقال = (4.25) جراماً من الذهب. فيكون أقل نصاب الذهب هو: 20×4.25=85 جراماً. - كيفية إخراج زكاة الذهب: 1 - إذا بلغ الذهب النصاب وهو (85) جراماً فأكثر وجبت فيه الزكاة ربع العشر =2.5%. 2 - إذا أراد الإنسان إخراج الزكاة، ومعرفة مقدار الواجب يفعل ما يلي: 1 - يقسم مجموع جرامات الذهب على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة. فلو كان يملك (600) جرام من الذهب مثلاً: 600 ÷ 40 = 15 جراماً هو مقدار الزكاة الواجبة في هذا المال. 2 - أو يقسم الجرامات على (10)، ثم على (4) والحاصل هو مقدار الزكاة الواجبة: 600 ÷ 10 = 60 جرام، ثم 60 ÷ 4 = 15 جراماً هو الواجب عليه .. وهكذا. 3 - وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الذهب بالريال مثلاً. ضرب سعر الجرام بالريال بمجموع الجرامات، ثم قسم الناتج على أربعين. فإذا كان سعر الجرام الآن (50) ريالاً مثلاً نفعل ما يلي: 600 × 50 = 30.000 ريال، ثم يقسم على أربعين: 30.000 ÷ 40 = 750 ريالاً، هي مقدار الزكاة الواجبة، وهي قيمة (15) جرام بالريال .. وهكذا.

- مقدار نصاب الفضة: 1 - يجب في الفضة إذا بلغت بالعدد (200) درهم فأكثر، أو بالوزن (5) أواق فأكثر، ربع العشر = 2.5%. 2 - أقل نصاب الفضة بالوزن خمس أواق، وهي تساوي (595) جراماً من الفضة. والأوقية بالعدد = (40) درهماً فيكون نصاب الفضة بالعدد: 5×40=200 درهم أقل نصاب الفضة. - كيفية إخراج زكاة الفضة: 1 - إذا بلغت الفضة النصاب وهو (595) جراماً فأكثر بالوزن، أو مائتي درهم بالعدد فأكثر وجبت فيها الزكاة ربع العشر، فتقسم الجرامات أو الدراهم على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة ربع العشر كما سبق. 2 - إذا كان الإنسان يملك (1600) جرام من الفضة مثلاً، ويريد إخراج زكاته يفعل هكذا: 1600 ÷ 40 = 40 جرام هو مقدار الزكاة الواجبة بالجرام. 3 - وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الفضة بالريال مثلاً، فإنه يضرب سعر جرام الفضة بالريال بمجموع الجرامات، ثم يقسم الناتج على أربعين كما سبق. فإذا كان سعر جرام الفضة الآن (3) ريالات نفعل ما يلي: 1600 × 3 = 4800 ريال، ثم يقسم المبلغ على أربعين ليخرج مقدار الزكاة الواجبة هكذا: 4800 ÷ 40 = 120 ريالاً .. وهكذا.

- حكم ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب: 1 - الذهب مال مستقل، والفضة مال مستقل، فلا يُضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، كما لا يُضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب؛ لأن الجنس لا يُضم إلى غيره. 2 - إذا كان الذهب والفضة عروض تجارة كما يفعله الصيارفة فيضم بعضها إلى بعض مع سائر الأموال الأخرى، وتخرج زكاتها ربع العشر. - أحوال صناعة الذهب والفضة: تصنيع الذهب والفضة له ثلاث حالات: 1 - إن كان القصد من التصنيع التجارة ففيه زكاة عروض التجارة ربع العشر؛ لأنه صار سلعة تجارية، فيقوَّم بنقد بلده، ثم يزكى. 2 - وإن كان القصد من التصنيع اتخاذه تحفاً كالأواني من أباريق، وصحون، وملاعق، وسكاكين ونحو ذلك، فهذا الاتخاذ محرم، لكن تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً ربع العشر. 3 - وإن كان القصد من التصنيع الاستعمال المباح أو الإعارة كالحلي ففيه الزكاة ربع العشر، إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول. - حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال: 1 - الحلي من الذهب والفضة تجب فيه الزكاة مطلقاً، سواء كان ملبوساً، أو مدخراً، أو معداً للتجارة، إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول. 2 - يباح للنساء لبس ما جرت عادتهن بلبسه من غير إسراف ذهباً كان أو فضة، وعليهن إخراج زكاته كل عام. 3 - من جهل الحكم يلزمه إخراج الزكاة من حين علم، وما مضى من الأعوام قبل

العلم فليس فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم بها. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعاً أقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا مَالُكَ، أنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيةَ. متفق عليه (¬2). - حكم زكاة ما سوى الذهب والفضة: لا تجب الزكاة في الحلي ما سوى الذهب والفضة كاللؤلؤ، والألماس، والياقوت ونحوها إذا كانت للبس والاستعمال. فإن كانت عروضاً معدة للتجارة ففيها الزكاة ربع العشر إذا بلغت نصاب الذهب أو الفضة، وحال عليها الحول. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (987). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1403) , واللفظ له، ومسلم برقم (987).

2 - زكاة الأوراق النقدية

2 - زكاة الأوراق النقدية - بداية الأوراق النقدية: كان تعامل الناس قديماً بالذهب والفضة يشترون بها السلع، ويقدِّرون بها ثمن الأشياء. وفي هذا العصر قلَّ تعامل الناس بهما في تقدير قيمة الأشياء، وبيع السلع وشرائها، حيث استبدلوا بهما العملات الورقية في دفع قيمة السلع والأشياء، وأصدرت كل دولة عملة ورقية خاصة بها، لها قيمة مالية، وحلّت محل الذهب والفضة في التعامل والبيع والشراء. - أنواع العملات النقدية: الأوراق النقدية تسمى بالأوراق المالية، وتسمى بالعملات الورقية، وقد أصدرت كل دولة عملة خاصة بها، تختلف قيمتها وقوتها وفئاتها من بلد لآخر، يتعامل بها الناس فيما بينهم في الداخل والخارج، ويصرف ويستبدل بعضها ببعض، حسب اتفاق بين دول العالم، جعلها مقبولة في التعامل والصرف في أي بلد. ومن هذه الأوراق المالية المتداولة حالياً: الريال، والدرهم، والدينار، والدولار، والجنيه، والليرة، والروبية، واليّن، والفرنك وغيرها. وقد تم إصدارها بفئات مختلفة حسب الحاجة والطلب؛ تيسيراً على الناس في التعامل والحمل، والعد، والتسليم، والصرف.

ومن هذه الفئات المتداولة: فئة (1) (5) (10) (20) (50) (100) (200) (1000) (5000) (10000) (50000) (100000) (500000) وغيرها. - قيمة الأوراق النقدية: الأوراق النقدية نقد قائم بذاته؛ لأن الثمنيّة غير مقصورة على الذهب والفضة، والدرهم والدينار لا يُعرف له حد طبيعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والعرف. فإذا اصطلح الناس على جَعْل شيء ثمناً أخذ حكم الأثمان. وقد اصطلح الناس في هذا العصر على اعتبار الأوراق النقدية عملة ذات قيمة مالية، سارية المفعول بين الأشخاص والدول. - حكم زكاة الأوراق النقدية: 1 - الأوراق النقدية نقد قائم بذاته كالذهب والفضة في وجوب الزكاة، وجريان الربا، والصرف. 2 - تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغت نصاب أحد النقدين الذهب والفضة، وحال عليها الحول. 3 - الزكاة في الأوراق النقدية واجبة مطلقاً كالذهب والفضة، سواء قُصد بها التجارة أم لم يقصد، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، وكانت مملوكة له؛ لأنها مال اصطلح الناس على تملكه، والتعامل به. 1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103].

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (¬1). - مقدار نصاب الأوراق النقدية: نصاب الأوراق النقدية الذي تجب فيه الزكاة هو نصاب الذهب والفضة، فتقوّم بنصاب أحد النقدين. فإذا كان نصاب الذهب (85) جراماً، وقيمة الجرام وقت إخراج الزكاة (40) ريالاً سعودياً مثلاً: فنضرب نصاب الذهب بقيمة الجرام، والناتج هو أقل نصاب الأوراق النقدية هكذا. 85×40=3400 ريال، وزكاتها الواجبة ربع العشر (85) ريالاً = 2.5% إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. - كيفية إخراج زكاة الأوراق النقدية: إخراج زكاة الأوراق النقدية كالذهب والفضة، وعروض التجارة، يجب فيها العشر، وإخراجها له عدة طرق: 1 - إذا كان المال المملوك مثلاً (40.000) ريال، يقسم على أربعين فيخرج ربع العشر (2.5%)، وهو مقدار الزكاة الواجبة هكذا: 40.000÷40=1000 ريال. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

2 - أو يقسم المال على (10)، والناتج يقسم على (4) والناتج هو ربع العشر مقدار الزكاة الواجبة هكذا. 40.000 ÷ 10 = 4000 ريال، ثم نقسم: 4000 ÷ 4 = 1000 ريال. 3 - أو يضرب مجموع المال السابق في (2.5)، ثم يقسم على (100) والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة ربع العشر هكذا: 40.000× 2.5 =100.000 ريال، ثم يقسم على 100: 100.000 ÷ 100 = 1000 ريال ... وهكذا. - كيفية زكاة الرواتب: الموظف أو العامل الذي يتقاضى راتباً شهرياً أو أسبوعياً، ويوفِّر منه، الأَوْلى والأحسن أن يزكي عن جميع ما يملكه من النقود الموجودة حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها. فيكون قد أخرج زكاة ما حال عليه الحول، وعجل زكاة ما لم يحل الحول عليه، وتعجيل الزكاة قبل تمام الحول جائز، بل مستحب، لا سيما إذا دعت الحاجة أو المصلحة إليه. وهذا أعظم لأجره، وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته، وإيثار مصلحة الفقراء. وإن لم تطب نفسه بذلك، حسب بداية كل مبلغ يوفره، ثم أخرج زكاته بعد مضي الحول عليه من تاريخ تملكه إياه، وبلوغه النصاب. - كيفية إخراج زكاة الصداق: صداق المرأة - وهو مهر زواجها - مال كسائر الأموال. 1 - إن قبضته، وبلغ النصاب، وحال عليه الحول، أخرجت زكاته ربع العشر.

2 - إن كان صداق المرأة مؤجلاً فلا يخلو كالدين من أمرين: إن كان زوجها موسراً وفيّاً وجب عليها إخراج زكاة المهر المؤجل، وإن كان زوجها معسراً وجب عليها إخراج زكاته إذا قبضته لسنة واحدة. 3 - إذا قبضت المرأة صداقها، ثم طلقها زوجها قبل الدخول، وقد بلغ المهر النصاب، وحال عليه الحول، فلها نصف المهر، وتخرج زكاة نصف المهر، ويخرج الزوج زكاة النصف الثاني. - كيفية إخراج زكاة الآجار: من أجر داراً أو أرضاً أو محلاً فإن المؤجِّر يملك الأجرة من حين العقد، وتجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول من حين بدء العقد. وزكاة العين المؤجرة ربع العشر من كامل الأجرة = 2.5%. فلو أجر أرضاً بـ (120) ألف ريال، تقسم الأجرة على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة: 120.000÷40=3000 ريال.

3 - زكاة عروض التجارة

3 - زكاة عروض التجارة - عروض التجارة: هي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح. - أنواع عروض التجارة: عروض التجارة هي كل ما أعد للبيع والشراء بقصد الربح من الأموال، والأراضي، والأطعمة، والحيوانات، والآلات، والسيارات، والمعادن، والملابس، والمباني وغيرها من الأشياء كالأسهم. وهي أعم أموال الزكاة وأوسعها، وأكثر تجارة الناس في هذه العروض. - حكم زكاة عروض التجارة: تجب الزكاة في جميع الأموال والأشياء إذا كانت للتجارة، وبلغت النصاب، وحال عليها الحول، فالأصل في الأموال وجوب الزكاة إلا ما استثناه الدليل. والتاجر إنما يريد الحصول على الأموال بواسطة البيع والشراء في السلع، فهي أموال تُقلّب، والهدف الحصول على الربح. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} ... [المعارج:24 - 25]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى

اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (¬1). - شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة: يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة ما يلي: أن يقصد بها التجارة، وأن تبلغ نصاب أحد النقدين الذهب والفضة، وأن يحول عليها الحول. - مقدار زكاة عروض التجارة: زكاة عروض التجارة هي ربع العشر، أي 2.5%. يخرجها من كامل القيمة، أو من العروض نفسها. - أحوال استعمال الأموال: الأموال والأشياء التي يملكها الإنسان لها ثلاث حالات: 1 - البيوت والعقارات والسيارات والآلات ونحوها إذا كانت معدة للسكنى أو الاستعمال لا للتجارة، فلا زكاة فيها. 2 - إن كانت هذه الأشياء معدة للآجار فالزكاة على الأجرة ربع العشر من حين العقد إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول قبل أن ينفقها. 3 - إن كانت معدة للتجارة وجبت الزكاة في قيمتها ربع العشر إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

وآلات المزارع والمصانع والمتاجر لا زكاة في قيمتها، وتجب الزكاة في أجرتها ربع العشر إذا بلغت نصاباً، وحال عليه الحول. - كيفية إخراج زكاة عروض التجارة: 1 - إذا جاء موعد إخراج الزكاة ضم التاجر ماله بعضه إلى بعض: رأس المال، والأرباح، وقيمة البضائع، والديون المرجوة الأداء. 2 - يقوِّم البضائع التي يملكها، ويقدِّر قيمتها بحسب سعر السوق، ويجتهد في التقدير؛ لأنها عبادة، والإنسان مؤتمن على عبادته. 3 - يجمع قيمة البضائع والأشياء مع النقود، والديون التي له على الناس، ثم يؤدي ما عليه من ديون حالّة. 4 - يُخرج من المال الباقي الزكاة، ومقدارها ربع العشر. 5 - الأحسن أن يخرج زكاة عروض التجارة بالأوراق النقدية؛ لأن النصاب معتبر بالقيمة فيُخرَج منها كالعين من سائر الأموال الحب من الحب، والذهب من الذهب. وإن شاء أخرج من العروض أو القيمة بحسب مصلحة الآخذ للزكاة، وحصول المنفعة الراجحة. - حكم زكاة الأسهم: الأسهم لها حالتان: 1 - إذا اشترى الإنسان الأسهم بقصد الاستمرار في التملك والاستثمار، وأَخْذ عائدها السنوي، فيخرج الزكاة ربع العشر على الأرباح دون رأس المال، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول من حين الشراء.

2 - إن كان قصده المتاجرة في الأسهم بيعاً وشراءً فهي كعروض التجارة، تجب فيها الزكاة مع الأرباح ربع العشر إذا بلغت نصاب أحد النقدين، وحال عليها الحول من حين بدء الاستثمار والتداول، والمعتبر عند إخراج الزكاة قيمة الأسهم السوقية وقت وجوبها. - كيفية إخراج زكاة الأسهم: إذا ملك الإنسان (100) سهم في إحدى الشركات، وقيمة السهم عند الشراء (50) ريالاً، وعند وجوب الزكاة صارت قيمة السهم (500) ريال مثلاً، فيخرج الزكاة ربع العشر حسب قيمة السهم السوقية؛ لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه. 1 - فإن كانت الأسهم للتجارة والتداول بالبيع والشراء، فيخرج الزكاة ربع العشر حسب قيمة الأسهم وقت وجوب الزكاة إذا حال عليها الحول .. هكذا: 100 × 500 = 50.000 ريال قيمة الأسهم السوقية. الزكاة: 50.000 ÷ 40 = 1250 ريال، زكاة الأسهم 2.5 %. 2 - إن كانت الأسهم للاستثمار والتنمية لا للبيع، فالزكاة على الربح فقط ربع العشر كزكاة الأجرة .. هكذا: قيمة الأسهم عند الشراء = 100 × 50 = 5000 ريال. قيمة الأسهم السوقية = 100 × 500 = 50.000 ريال. ربح الأسهم: 50.000 - 5000 = 45000 ريال. زكاة الأرباح: 45000 ÷ 40 = 1125 ريال ربع العشر.

- أنواع زكاة الأسهم في الشركات: 1 - الشركات الزراعية: 1 - إن كان استثمارها في الحبوب والثمار ونحوها مما يكال ويدخر ففيها زكاة الحبوب والثمار بشروطها. 2 - إن كان في بهيمة الأنعام ففيها زكاة بهيمة الأنعام بشروطها. 3 - إن كان لها مال سائل، أو عروض تجارة، ففيه زكاة النقود ربع العشر بشروطها. 2 - الشركات الصناعية: مثل شركات الأدوية، والكهرباء، والإسمنت، والحديد ونحوها، فهذه تجب الزكاة في صافي أرباحها ربع العشر، إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول، كالعقارات المعدة للكراء، تجب الزكاة في أجرتها لا في عينها. 3 - الشركات التجارية: مثل شركات الاستيراد والتصدير، وشركات المضاربة، وشركات التحويلات، ونحوها من شركات البيع والشراء مما يجوز التعامل به شرعاً. فهذه تجب فيها زكاة عروض التجارة، تؤخذ من جميع رأس المال والأرباح، ومقدارها ربع العشر، إذا بلغت العروض النصاب، وحال عليها الحول. - كيفية زكاة الأموال المحرمة: الأموال المحرمة قسمان: 1 - إن كان المال حراماً بأصله كالخمر، والخنزير ونحوهما، فهذا لا يجوز

تملكه، وليس مالاً زكوياً، فيجب إتلافه، والتخلص منه. 2 - إن كان المال حراماً بوصفه لا بذاته، لكنه مأخوذ بغير حق ولا عقد كالمغصوب، والمسروق، أو مقبوض بعقد فاسد كالربا، والقمار ونحوهما: فهذه الأموال وأمثالها لها حالتان: 1 - إن عَرف أهلها ردها عليهم، وهم يخرجون زكاتها بعد قبضها لعام واحد. 2 - وإن جَهِل أهلها تصدق بها عنهم، فإن ظهروا وأجازوا فالأجر له ولهم، وإن لم يجيزوا ضمنها لهم، وإن أبقاها في يده فهو آثم، وعليه زكاتها. - حكم زكاة المساهمات العقارية والتجارية: المساهمات التجارية، والمساهمات في العقار، كلها تجب فيها الزكاة كل سنة إذا بلغت النصاب؛ لأنها عروض تجارة، فتقدّر قيمتها كل سنة حين وجوب الزكاة، سواء كانت تساوي قيمة الشراء، أو تزيد، أو تنقص، ثم يخرج الزكاة ربع العشر من مجموع المال. - حكم زكاة الأرض: إذا كان عند الإنسان أرض ولم تباع، أو كان ينتظر ارتفاع قيمتها، فلا تزكى إلا عن سنة واحدة إذا تم البيع، ربع العشر من كل المال.

4 - زكاة بهيمة الأنعام

4 - زكاة بهيمة الأنعام - بهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم. - الحيوانات التي تجب فيها الزكاة: الحيوانات قسمان: الأول: ما تجب فيه زكاة بهيمة الأنعام، وهي السائمة من الإبل، والبقر، والغنم. الثاني: ما لا تجب فيه الزكاة مطلقاً، وهو باقي الحيوانات كالخيل، والبغال، والحمير، والطيور وغيرها. فإن كانت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة ربع العشر، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. - أنواع بهيمة الأنعام: بهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم. فتجب الزكاة في الإبل سواء كانت عِراباً، أو بخاتي -وهي التي لها سنامان-، وتجب الزكاة في البقر سواء كانت البقرة المعتادة، أو الجواميس، وتجب الزكاة في الغنم سواء كانت من الضأن، أو الماعز. - حكم زكاة بهيمة الأنعام: بهمية الأنعام من الإبل والبقر والغنم لها أربع حالات: 1 - أن تكون سائمة ترعى في كلإ مباح أكثر العام، ومعدة للدر والنسل، فهذه تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. 2 - أن تكون للدر والنسل، لكن يشتري لها صاحبها العلف، أو يحصده أو

يجمعه لها، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم. 3 - أن تكون معدة للتجارة، فهذه فيها زكاة عروض التجارة إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، سواء كانت سائمة، أو معلوفة، أو مركوبة. 4 - أن تكون عاملة كالإبل التي يؤجرها صاحبها للنقل، والبقر التي تؤجر للسقي والحرث، فهذه لا زكاة فيها، لكن تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول. - شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام: يشترط لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام ما يلي: 1 - بلوغ النصاب. 2 - أن يحول الحول على النصاب. 3 - أن تكون سائمة ترعى أكثر الحول في الكلأ المباح. - حكم زكاة الإبل: تجب الزكاة في الإبل إذا كانت سائمة، وبلغت النصاب، وحال عليها الحول، وأقل نصاب الإبل خمس، فإذا بلغت خمساً فأكثر وجبت فيها الزكاة، ولا زكاة فيما دونها. 1 - عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1447) , واللفظ له، ومسلم برقم (979).

2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: «فِي أرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ فَمَا دُونَهَا، مِنَ الغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتّاً وَأرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعْنِي- سِتّاً وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أرْبَعٌ مِنَ الإبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلا أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أعرابيّاً سَألَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الهِجْرَةِ، فَقال: «وَيْحَكَ، إِنَّ شَأنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا». قال: نَعَمْ، قال: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1454). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1452) , واللفظ له، ومسلم برقم (1865).

- أنصبة الإبل ومقدار زكاتها الواجبة: من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة 1 4 ... ليس فيها زكاة 5 9 ... شاة واحدة 10 14 ... شاتان 15 19 ... ثلاث شياه 20 24 ... أربع شياه 25 35 ... بنت مخاض، وهي أنثى الإبل التي أتمت سنة 36 45 ... بنت لبون، وهي أنثى الإبل التي أتمت سنتين 46 60 ... حقة، وهي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين 61 75 ... جذعة، وهي أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين 76 90 ... بنتا لبون 91 120 ... حقتان ويستقرالنصاب في الإبل إذا زادت على مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين فالواجب في كل (40) بنت لبون، وفي كل (50) حقة، وما دون العشر عفو، فإذا كملت عشراً انتقلت الفريضة ما بين الحقاق وبنات اللبون. ففي (121) ثلاث بنات لبون. وفي (130) حقة وبنتا لبون. وفي (140) حقتان وبنت لبون. وفي (150) ثلاث حقاق. وفي (160) أربع بنات لبون.

وفي (170) ثلاث بنات لبون وحقة. وفي (180) بنتا لبون وحقتان. وفي (190) ثلاث حقاق وبنت لبون. وفي (200) أربع حقاق، أو خمس بنات لبون. وهكذا كلما زادت عشراً تغيرت الفريضة. - حكم من وجبت عليه سن ولم تكن عنده: من وجبت عليه سن معينة من الإبل ولم تكن عنده تلك السن فهو مخير: إما أن يخرج السن الذي تحته، ويعطي الساعي الذي يجمع الزكاة فوقها شاتين أو قيمتهما. وأما أن يخرج السن الذي فوقه، ويأخذ من الساعي شاتين أو قيمتهما. فمن وجبت عليه في الزكاة بنت مخاض ولم تكن عنده، أخرج بدلها بنت لبون، وأخذ من الساعي شاتين أو قيمتهما. ومن وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده، أخرج بدلها حقة، وجعل معها شاتين أو قيمتهما .. وهكذا. وإن أخرج الواجب وزيادة فقد أدى الواجب، وله أجر الإحسان على الزيادة. - حكم زكاة البقر: تجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة، وما قبل ذلك لا زكاة فيه. 1 - عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى اليَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنَ البَقَرِ مِنْ كُلِّ ثلاَثِينَ تَبيعاً أَوْ تَبيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. أخرجه أبو داود

والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي ثلاَثِينَ مِنَ البَقَرِ تَبيعٌ أَوْ تَبيعَةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - أنصبة البقر ومقدار زكاتها الواجبة: من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة 1 29 ... ليس فيه زكاة 30 39 ... تبيع أو تبيعة، وهو ما له سنة 40 59 ... مسنة، وهي ما تم له سنتان 60 69 ... تبيعان أو تبيعتان ثم كل في (30) تبيع أو تبيعة من البقر. وفي كل (40) مسنة، وما دون العشر عفو فإذا كملت عشراً انتقلت الفريضة ما بين التبيعة والمسنة. ففي (50) مسنة. وفي (60) تبيعان. وفي (70) تبيع ومسنة. وفي (80) مسنتان. وفي (90) ثلاثة أتبعة. وفي (100) تبيعان ومسنة. وفي (110) مسنتان وتبيع. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1576) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (623). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (622) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1804).

وفي (120) أربع تبيعات، أو ثلاث مسنات .. وهكذا. - حكم زكاة الغنم: تجب الزكاة في الغنم إذا بلغت أربعين شاة فأكثر، وحال عليها الحول، سواء كانت من الضأن، أو المعز، أو الذكور، أو الإناث، أو الصغار، أو الكبار، ويضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى البَحْرَيْنِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ: « ... وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ: فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا». أخرجه البخاري (¬1). - أنصبة الغنم ومقدار زكاتها الواجبة: من ... إلى ... مقدار الزكاة الواجبة 1 39 ... ليس فيه زكاة 40 120 ... شاة واحدة ... 121 200 ... شاتان 201 399 ... ثلاث شياه ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1454).

فإذا زادت على ذلك ففي كل مائة شاة. ففي (399) ثلاث شياه. وفي (400) أربع شياه. وفي (499) أربع شياه. وفي (500) خمس شياه .. وهكذا. - حكم إخراج الذكر في زكاة بهيمة الأنعام: لا يجوز إخراج الذكر في الزكاة إلا في ثلاث مسائل: 1 - أن يكون النصاب كله ذكوراً. 2 - في زكاة البقر خاصة يجوز إخراج التبيع أو التبيعة. 3 - ابن اللبون والحِقّ والجذع يجزئ عن بنت مخاض عند عدمها. عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم خِلطة الأموال: 1 - الخِلطة: هي الشركة التي تجعل الأموال كالمال الواحد. وتجب الزكاة في مال الشركة كما تجب في مال الرجل الواحد بما يلي: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1448).

1 - أن يكون كل من الشريكين مسلم حر. 2 - أن يبلغ المال المختلط النصاب. 3 - أن يحول الحول على المال. 4 - أن لا يتميز مال أحدهما عن الآخر. 2 - لا يجوز للمسلم أن يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ». أخرجه البخاري (¬1). - أثر الخلطة في الزكاة: الشركة تجعل المالين كالمال الواحد .. والشركة جائزة .. لكن إن كانت من أجل التهرب من الصدقة فهي غير جائزة، وفاعلها آثم، وذلك من الحيل المحرمة. فالشركة قد تفيد الشريكين تخفيفاً، كأن يكون لكل منهما أربعون شاة، فإذا ضم مالهما صار ثمانين، زكاته شاة واحدة، ولو كانا منفردين لوجب على كل واحد شاة. وقد يكون في الشركة تثقيلاً على الشريكين، كأن يكونا شريكين في (30) بقرة، فيجب عليهما تبيع أو تبيعة، ولو كانا منفردين لم يجب عليهما شيء، وهكذا في سائر الأموال. فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشريكين عن جمع مالهما تهرباً من الصدقة، وعن ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1450).

تفريقه تهرباً من الصدقة. - صفة ما يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام: 1 - يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام الوسط، الذي لا ظلم فيه على الغني، ولا هضم فيه لحق الفقير، ويتحقق ذلك بأمرين: الأول: على الساعي، فلا يأخذ خيار أموال الناس، فلا يأخذ الحامل، ولا الفحل، ولا التي ترضع ولدها، ولا السمينة المعدة للأكل، ونحو ذلك من كرائم الأموال، إلا أن تطيب نفس صاحبها بذلك. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى: أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». متفق عليه (¬1). الثاني: على المالك، فلا يعطي المالك شرار المال كالمريضة، والمعيبة، والهرمة، والكسيرة، والهزيلة ونحوها. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1496) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

2 - يؤخذ في زكاة بهيمة الأنعام من الغنم الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثنية من المعز، وهي ما لها سنة. ويؤخذ من البقر تبيع أو تبيعة، وهو ما له سنة. ويؤخذ من الإبل ما له سنة إلى أربع سنوات فأكثر حسب الواجب. 3 - زكاة بهيمة الأنعام وغيرها واجبة في عين المال، باقية في ذمة صاحبها حتى يؤديها لأهلها، فإذا تلف المال بغير تعد منه ولا تفريط سقطت عنه. - أين تؤخذ زكاة بهيمة الأنعام: تؤخذ زكاة بهيمة الأنعام في مكانها، ولا تجلب إلى المصدق. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ تُؤْخَذ صَدَقَاتُهُمْ إِلاَّ فِي دُورِهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (7012) وأخرجه أبو داود برقم (1591) وهذا لفظه.

5 - زكاة الحبوب والثمار

5 - زكاة الحبوب والثمار - أنواع الخارج من الأرض: يخرج الله عز وجل من الأرض لعباده ما لا يحصيه إلا هو من النباتات، والأحجار، والمعادن، والبترول، والغاز وغيرها. وقد سخر الله ذلك لعباده، ويسر لهم الانتفاع به، وأمرهم بالصدقة منه، ورغبهم في بذله في سبيل الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. - حكم زكاة الحبوب والثمار: 1 - تجب الزكاة في كل حب يكال ويدخر مما يزرعه الآدمي، إذا بلغ النصاب، سواء كان قوتاً أو لم يكن، كالقمح والبر، والشعير والذرة، والأرز والدخن، والفول والحمص، والعدس والفستق وغيرها من الحبوب. 2 - تجب الزكاة في كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب ونحوهما إذا بلغ النصاب. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ

وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)} [الأنعام:141]. 3 - وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدَري رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). - ما لا تجب فيه الزكاة: لا تجب الزكاة فيما يلي: 1 - الفواكه كالتفاح والبرتقال، والموز والمشمش، والمنجا والبطيخ، والرمان، والتوت وغيرها من الفواكه. 2 - الخضروات كالقرع، والبطاطس، والباذنجان، والفلفل، والبصل، والكراث، والطماطم وغيرها من الخضار. 3 - القطن، والعلف، والعشب، والزهور ونحوها. 4 - العسل، والصمغ ونحوهما. 5 - ما يخرج من البحر من الأسماك، والنبات، والأحجار ونحوها. 6 - إذا كان كل ما سبق للتجارة، وبلغت نصاب عروض التجارة، وحال عليها الحول، فهي عروض تجارة، فيها ربع العشر من كامل القيمة، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها أصلاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1405) , واللفظ له، ومسلم برقم (979).

- شروط وجوب زكاة الحبوب والثمار: يشترط في وجوب زكاة الحبوب والثمار ما يلي: 1 - أن تكون الحبوب والثمار مما يكال ويدخر. 2 - أن يبلغ المال النصاب، وهو خمسة أوسق = (612) كيلوجرام. 3 - أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة. - مقدار نصاب الحبوب والثمار: 1 - تجب الزكاة في الحبوب والثمار إذا بلغت خمسة أوسق. 2 - الوسق = 60 صاعاً، والصاع النبوي = 2.40 كيلوجرام. 3 - نصاب الزكاة بالأوسق: خمسة أوسق. نصاب الزكاة بالأصواع: 5 × 60 = 300 صاع. نصاب الزكاة بالكيلوجرام: 300 × 2.40 = 612 كيلوجرام. 4 - الصاع النبوي = 2.40 كيلوجرام، فالإناء الذي يتسع لهذا يعادل الصاع النبوي، وهو ما يعادل أربعة أمداد متوسطة من البر. - مقدار الزكاة الواجبة في الحبوب والثمار: يختلف مقدار الزكاة الواجبة في الحبوب والثمار باختلاف طرق السقي كما يلي: 1 - العشر: ويجب في كل ما يسقى بلا مؤنة ولا كلفة إذا بلغ النصاب، كالذي يسقيه المطر، أو يشرب من مياه العيون والأنهار بلا كلفة، ويعادل 10% من المحصول. 2 - نصف العشر: ويجب في كل ما يسقى بمؤنة كمياه الآبار التي تُخرج بالآلات

والمكائن، أو بماء يشتريه للسقي، ويعادل 5% من المحصول. 3 - ثلاثة أرباع العشر: ويجب في كل ما يسقى بماء الآبار تارة، وتسقيه الأمطار تارة، إذا بلغ نصاباً، ويعادل 7.5%. وإن جهل المقدار الغالب أخرج العشر احتياطاً؛ لأن الأصل وجوب العشر. 1 - عَنْ ابْنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أوْ كَانَ عَثَرِيّاً العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالغَيْمُ العُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ العُشْرِ». أخرجه مسلم (¬2). - وقت وجوب الزكاة: وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمرة. وصلاح الثمر أن يحمر أو يصفر، وصلاح العنب أن يكون ليناً حلواً. فإذا باعها صاحبها قبل بدو الصلاح فالزكاة على المشتري؛ لأن صاحبها أخرجها من ملكه قبل وجوب الزكاة. وإن باعها بعد بدو الصلاح فالزكاة على صاحبها لا على المشتري؛ لأن الزكاة وجبت وهي ملكه. - وقت إخراج الزكاة: 1 - يجب إخراج الزكاة من الحبوب بعد التصفية، ومن الثمار بعد الجفاف؛ لأنه وقت الكمال، وحالة الادخار. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1483). (¬2) أخرجه مسلم برقم (981).

2 - لا يشترط الحول في زكاة الحبوب والثمار؛ لأن الخارج نماء في ذاته، فوجبت فيه الزكاة يوم حصاده، كما قال سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... [الأنعام:141]. - حكم ضم الأجناس إلى بعضها لتكميل النصاب: 1 - الأصل أن يخرج زكاة كل جنس منه، ويجوز أن يضم أنواع الجنس الواحد بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، فيضم أنواع الحنطة إلى بعضها، وأنواع الثمر إلى بعضه. 2 - لا تضم الأجناس بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، فلا يضم البر إلى الشعير، ولا التمر إلى الزبيب، ولا الحمص إلى الفول ونحو ذلك. 3 - يجوز ضم محاصيل الجنس الواحد بعضه إلى بعض لتكميل النصاب إذا كان بعضه يبكر، وبعضه يتأخر، ما دام في عام واحد. - وقت خرص النخيل والأعناب: ينبغي للحاكم إذا بدا صلاح الحبوب والثمار أن يرسل السعاة لخرص ثمار النخيل والعنب، ليعرف مقدارها، ومقدار الزكاة الواجبة فيها على أصحابها، ويعرِّفهم بذلك. - حكم زكاة النخيل: 1 - تجب الزكاة في ثمر النخيل إذا بلغت النصاب خمسة أوسق (612) كيلوجرام. العشر فيما سقي بلا مؤنة .. ونصف العشر فيما سقي بمؤنة. 2 - ليس في الفسائل ولا في أمهاتها زكاة، ولكن إذا بيعت بالدراهم، وبلغت

النصاب، وحال عليها الحول، ففيها زكاة عروض التجارة ربع العشر. 3 - ليس في النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها زكاة، لكن الزكاة تجب في ثمرتها إذا بلغت النصاب. 4 - يخرج زكاة كل نوع منه إذا بلغ النصاب: السكري من السكري، والبرحي من البرحي، والخلاص من الخلاص وهكذا، وذلك أبرأ للذمة، وأنفع للفقراء. - صفة الزكاة التي يخرجها المالك: 1 - يخرج زكاة الحبوب والثمار من الوسط، لا الجيد ولا الرديء، إلا إن طابت نفسه بالجيد فيخرج أجود ما عنده، وهو أعظم أجراً. 2 - يخرج زكاة كل جنس ونوع منه، البر من البر، والثمر من الثمر، وإذا باعه وأخرج القيمة جاز، وينظر مصلحة الفقراء في إخراج العين أو القيمة. 3 - الزكاة معتبرة بالكمية والكيفية، فنقص الوصف فيها كنقص المقدار منها، كل ذلك لا يجوز. - كيفية إخراج زكاة الحبوب والثمار: 1 - يجمع المزارِع ما تحصَّل من الحبوب والثمار، ثم يقضي ما عليه من دين حالّ، ويخرج ما أنفقه على الزرع والنخل من تكاليف البذر، والسماد، والحصاد، والجذاذ ونحو ذلك. 2 - يخرج الزكاة من الحب أو الثمر الباقي إذا بلغ النصاب وقدره خمسة أوسق = 612 كيلوجرام. 3 - إذا حصل المزارع (12000) كيلو من التمر من مزرعته، وعليه دين، ونفقات

بما يعادل قيمة (4000) كيلو، فتجب عيله زكاة (8000) كيلو من التمر فقط. وكيفية إخراجها: 1 - إن كان السقي بلا كلفة ففيها العشر = 10% فتقسم على عشرة هكذا: 8000÷10=800 كيلو، هي مقدار الزكاة الواجبة. 2 - إن كان السقي بكلفة ففيها نصف العشر = 5% فتقسم على عشرين هكذا: 8000÷20=400 كيلو، هي مقدار الزكاة الواجبة .. وهكذا. - حكم زكاة البساتين المؤجرة: 1 - تجب الزكاة العشر أو ربع العشر على مستأجر الأرض أو البساتين في جميع ما يخرج منها، من حب وثمر يكال ويدخر إذا بلغ الخارج منها النصاب؛ لأن الزكاة حق الزرع، فوجبت على المستأجر دون المالك. 2 - يخرج المستأجر الزكاة بعد أن يحسم آجار المزرعة السنوية، ثم يخرج الزكاة حسب ما سبق، العشر أو نصف العشر. 3 - مالك الأرض أو البستان يخرج زكاة أجرة الأرض أو البستان إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول من تاريخ عقد الإجارة، ومقدارها ربع العشر من الأجرة. - حكم زكاة الزرع أو الثمر إذا تلف: الزرع أو الثمر له حالتان: 1 - إن تلف الزرع أو الثمر قبل الوجوب فهذا لا زكاة عليه، سواء تلف بتعد، أو تفريط أو غير ذلك.

2 - أن يتلف بعد الوجوب: فإن كان بتعد منه ضمن الزكاة، وإن تلف بلا تعد ولا تفريط لم يضمن. والتعدي: فعل ما لا يجوز كأن يشعل النار فيه. والتفريط: ترك ما يجب كأن يتركه ويهمله حتى جاء المطر فأفسده. - حكم زكاة ما يخرج من البحر: 1 - كل ما يخرج من البحر كاللؤلؤ، والمرجان، والأسماك، وغيرها كل ذلك لا زكاة فيه، سواء قذفه البحر، أو استخرجه الإنسان. 2 - إن كان ما يُستخرج من البحر للتجارة فهو عروض تجارة، إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول، فيُخرج من قيمته ربع العشر.

6 - زكاة الركاز

6 - زكاة الركاز - الركاز: ما وُجِد من دفن الجاهلية. - حكم زكاة الركاز: 1 - الركاز الذي تجب فيه الزكاة هو ما وجد من دفن الجاهلية بعلامة تدل عليه. 2 - من وجد ركازاً ليس عليه علامة الكفر، ولا أنه من الجاهلية، فهذا لقطة يعرِّفه من وجده سنة، فإن وجد صاحبه سلمه له، وإن لم يجده فهو لمن وجده. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. - مقدار زكاة الركاز: 1 - يجب في الركاز إذا وجده الإنسان الخمس، وأربعة أخماسه لواجده من مسلم وكافر. 2 - يجب الخمس في قليله وكثيره، ولا يشترط له حول، ولا نصاب، فمتى وجده أخرج زكاته. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ». متفق عليه (¬1). - مصرف الركاز: يصرف خمس الركاز إلى إمام المسلمين، والإمام يصرفه في مصالح ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1499) , واللفظ له، ومسلم برقم (1710).

المسلمين كالفيء المطلق، سواء كان واجده مسلماً أو كافراً، والأربعة أخماس لواجده. - ماذا يفعل من وجد كنزاً: من وجد كنزاً فلا يخلو من إحدى خمس حالات: 1 - أن يجده في أرض موات، فهذا يخرج خُمسه، وله أربعة أخماسه. 2 - أن يجده في طريق مسلوك، أو قرية مسكونة، فهذا يعرِّفه سنة، فإن جاء صاحبه دفعه له، وإن لم يأت أحد فهو له. 3 - أن يجده في ملكه المنتقل إليه من غيره، فهذا له، فإن ادعاه المالك الأول ببينة فهو له. 4 - أن يجده في ملك غيره، فهو لصاحب الملك؛ لأن الأرض وما فيها ملكه. 5 - أن يجده في دار الحرب، فإن وجده بنفسه فهو ركاز يخرج خُمسه، وله أربعة أخماسه، وإن عثر عليه بمعونة جمع من المسلمين فهو غنيمة، حكمه حكمها.

7 - زكاة المعادن

7 - زكاة المعادن - المعادن: هي كل ما يخرج من الأرض من غير جنسها مما له قيمة. - أنواع المعادن: المعادن التي خلقها الله في الأرض كثيرة وتنحصر في ثلاثة أنواع: 1 - المعادن الجامدة التي تذوب بالنار كالذهب والفضة، والحديد والنحاس، والرصاص والألمنيوم ونحوها. 2 - المعادن الجامدة التي لا تذوب بالنار كالياقوت، واللؤلؤ، والكحل، والملح، والجص، والنُّوَرَة ونحوها. 3 - المعادن السائلة كالبترول والقار والغاز ونحوها. - حكم زكاة المعادن: المعادن على اختلاف أنواعها إذا بلغت نصاب أحد النقدين فتجب فيها الزكاة. إن استخرجها الشخص بنفسه أو مع غيره أخرج زكاتها، وإن كانت ملكاً للدولة فلا زكاة فيها؛ لأنها تعتبر من الأموال العامة التي لا مالك لها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267].

2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ». متفق عليه (¬1). - مقدار زكاة المعادن: 1 - إذا كان ما يُستخرج من الأرض من المعادن ذهباً أو فضة فزكاته -كما تقدم- ربع العشر. 2 - إن كان ما يُستخرج من المعادن غير الذهب والفضة كالحديد والنحاس ونحوها من بقية المعادن، فإذا بلغت قيمته نصاب الذهب أو الفضة (85) جرام من الذهب، أو (595) جرام من الفضة، فزكاته كذلك ربع العشر. 3 - ينظر مصلحة الفقراء فيما يخرجه إما ربع عشر قيمته، أو ربع عشر عينه. - وقت إخراج زكاة المعادن: يجب إخراج زكاة المعادن ربع العشر من حين الحصول عليها، إذا بلغت النصاب؛ لأنها مال مستفاد من الأرض، فلم يُعتبر لها حول كالحبوب والثمار. فمتى حازها الإنسان وملكها أخرج زكاتها مباشرة، فإن كانت أقل من النصاب فلا زكاة فيها، ولا يُضم جنس إلى غيره في تكميل النصاب. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1499) , واللفظ له، ومسلم برقم (1710).

2 - إخراج الزكاة

2 - إخراج الزكاة - أنواع أموال الزكاة: الأموال التي تجب فيها الزكاة نوعان: الأول: ما هو نام في نفسه كالحبوب والثمار، أو غير نام كالمعادن. فهذه تجب الزكاة فيها عند الجني والحصاد إذا بلغت النصاب. الثاني: ما يرصد للنماء والتجارة كالذهب والفضة، والأوراق النقدية، والمواشي، وعروض التجارة ونحوها. فهذه لا زكاة في نصابها حتى يحول عليها الحول. - أقل نصاب الأموال: 1 - أقل نصاب الذهب: (85) جراماً من الذهب. 2 - أقل نصاب الفضة: (595) جراماً من الفضة. 3 - أقل نصاب الأوراق النقدية: مثل نصاب الذهب والفضة. 4 - أقل نصاب عروض التجارة: مثل نصاب الذهب والفضة. 5 - أقل نصاب بهيمة الأنعام: (5) من الإبل، (30) من البقر، (40) من الغنم. 6 - أقل نصاب الحبوب والثمار: (5) أوسق = (612) كيلوجرام. 7 - أقل نصاب المعادن: مثل نصاب الذهب والفضة. 8 - نصاب الركاز: الخمس في قليله وكثيره.

- وقت إخراج الزكاة: 1 - يجب إخراج الزكاة على الفور إذا حل وقت وجوبها إلا لمصلحة أو ضرورة. 2 - يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها إذا ملك النصاب. 3 - يجوز إخراج الزكاة قبل سنة أو سنتين، وصرفها للفقراء على شكل رواتب شهرية إذا اقتضت المصلحة ذلك. 4 - من ملك أموالاً متفاوتة في الزمن كالرواتب، وآجار العقارات، والإرث ونحوها، أخرج زكاة كل مال بعد تمام حوله. وإن طابت نفسه، وآثر جانب الفقراء وغيرهم، جعل لإخراج زكاته شهراً واحداً من شهور السنة كرمضان، وهذا أسهل عليه، وأعظم لأجره. 5 - إذا اجتمع عند المسلم نقود تبلغ النصاب فيجب عليه إخراج زكاتها بعد تمام الحول، سواء أعدها للنفقة، أو الزواج، أو شراء عقار، أو لقضاء دين أو غير ذلك. - مكان إخراج الزكاة: الأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده. ويجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر لمصلحة، أو قرابة، أو شدة حاجة؛ لأن الأصل في الزكاة أنها تؤخذ من الأغنياء، وترد إلى الفقراء في البلد. - حكم إخراج الزكاة: 1 - يجب على المسلم إخراج الزكاة فوراً عند وجوبها؛ لأنها عبادة تتعلق بها حقوق الخلق، فيحرم تأخيرها عن وقت الوجوب، فإن لم يتمكن من إخراجها في وقتها لأمر يتعلق به، أو بالمال، أو بمن تصرف إليه، جاز له

التأخير حتى يتمكن من أدائها. 2 - إذا مات من عليه الزكاة ولم يخرجها أخرجها الوارث من التركة قبل الوصية وقسمة التركة. - حكم دفع الزكاة للحاكم: 1 - إذا طلب ولي الأمر الزكاة من الأغنياء وجب دفعها إليه، وتبرأ الذمة بذلك، ولهم أجرها، والإثم على من بدلها. 2 - يجوز للحاكم إذا كان عادلاً أميناً على مصالح المسلمين أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويصرفها في مصارفها الشرعية. 3 - يجب على الإمام بعث السعاة لقبض زكاة الأموال الظاهرة كالزروع والثمار، وسائمة بهيمة الأنعام ونحوها؛ لأن من الناس من يجهل وجوب الزكاة، ومنهم من يتكاسل، ومنهم من ينسى. 1 - قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة:103]. 2 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقال: «ادْعُهُمْ إِلَى: شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

- حكم ضمان الزكاة: 1 - الزكاة بعد وجوبها أمانة في يد المزكي يجب عليه إخراجها، فإذا تلفت: فإن تعدى، أو فرط ضمن، وإن لم يتعد، ولم يفرط لم يضمن. 2 - الزرع إذا هلك بآفة سماوية قبل حصاده، والثمرة إذا تلفت قبل الجذاذ، والمال إذا تلف قبل تمام الحول، فالزكاة تسقط فيما تلف. 3 - إن تلف المال بعد وجوب الزكاة فيه بآفة سماوية كالنار أو الرياح ونحوهما: فإن كان تمكَّن من إخراجها ولم يخرجها فعليه إخراجها، وإن لم يتمكن من إخراجها سقطت. - حكم تعجيل الزكاة قبل وجوبها: يجوز تعجيل الزكاة وإخراجها قبل الحول، وقبل عام أو عامين، خاصة في وقت حاجة الفقراء والمساكين، وأوقات الشدة والمجاعة، والكوارث ونحو ذلك مما تتحقق به مصالح المسلمين، وما يرفع الشدة والبأساء عن الفقراء. - كيفية توزيع الزكاة: يجوز أن يعطى الجماعة من الزكاة ما يكفي الواحد وعكسه، ويجوز أن يعطي صنفاً دون صنف، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والحاجات. والأفضل ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، وما يسد حاجة الفقراء والمساكين. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60]. - حكم المال غير المقدور عليه: المال غير المقدور عليه لا زكاة فيه حتى يقبضه. فمن له مال لم يتمكن من قبضه بسبب غير عائد إليه كنصيبه من عقار، أو إرث، فلا زكاة فيه حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه عما مضى لسنة واحدة. - صفة زكاة المال: الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان، فإذا كان المال متساوياً كالنقود أخرج الواجب منه، وإن كان المال مختلفاً كالحب، والثمر، وبهيمة الأنعام أخرج الزكاة من أوسط المال، لا من أحسنه، ولا من رديئه. فلا يخرج أحسن المال، ولا أجود ثماره، إلا إذا طابت نفسه بذلك، كما لا يجوز إخراج الرديء عن الجيد، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. - حكم إخراج الزكاة عن الغير: السنة أن يخرج الإنسان زكاة ماله بنفسه، فلا يجوز لأحد أن يخرج زكاة غيره عنه إلا بتوكيل منه؛ لأن الزكاة من العبادات الكبيرة، وكل عبادة لا يجوز فعلها إلا بنية، وهي لم تحصل من صاحبها، فلا يجزئ إخراجها عنه. عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا

يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر: 1 - زكاة المال تتعلق بالمال فيخرجها في بلده، وزكاة الفطر تتعلق بالبدن فيخرجها المسلم حيثما وجد. 2 - الأَوْلى أن تؤدى زكاة المال في البلد الذي فيه المال؛ لأنه محل أطماع الفقراء، وهو أيسر للدفع، وهم أقرب إليه من البعيد، والأقارب أولى من الأباعد. 3 - يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر لمصلحة شرعية راجحة كأن يكون في البلد الآخر أقارب فقراء لمن عليه الزكاة، أو يكون أهل البلد الآخر أشد حاجة، أو يكونوا أنفع للمسلمين، أو مجاهدون في سبيل الله، أو حلّت بهم نكبة، أو مجاعة، أو لم يكن في بلده فقراء ونحو ذلك. 4 - مقصود الزكاة تطهير النفوس من الشح والبخل، وسد حاجة الفقراء والمساكين، وحفظ الدين وإشاعته في العالم كله. والله سبحانه حصر المستحقين دون أماكنهم فقال سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} ... [التوبة:60]. - حكم تأخير الزكاة: 1 - الزكاة ركن من أركان الإسلام، وعبادة من العبادات العظام، وهي قرينة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

الصلاة في القرآن، فالصلاة أداء حق الخالق، والزكاة أداء حق المخلوق، فمن أخرهما عند وجوبهما فقد ظلم نفسه، وعصى ربه، وتعرض لسخطه. 2 - الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل، لكن متى وجبت الزكاة، وتم الحول، وجب على الإنسان أن يخرجها ولا يؤخرها؛ لأن الأصل في الواجبات القيام بها فوراً، وإذا طرأت على المسلمين حاجة، أو فاقة، أو حلت بهم نكبة، فالأفضل تقديم زكاة ماله؛ لحسن موقعها، وبالغ نفعها، وعظيم ثوابها. - حكم منع الزكاة: 1 - من منع الزكاة جاحداً لوجوبها وهو عارف بالحكم كفر، وأُخذت منه، وقُتل إن لم يتب؛ لأنه مرتد. وإن منعها بخلاً وتهاوناً لم يكفر، لكنه ارتكب إثماً عظيماً، فتؤخذ منه، وتصرف لأهلها. 2 - الزكاة عبادة لله عز وجل، وحق لأهل الزكاة، وإذا منع المسلم زكاته عن غيره كان منتهكاً لحقين: حق الله تعالى، وحق أهل الزكاة. فإذا تاب سقط حق الله؛ لأن الله تواب يحب توبة العبد، ويقبل توبته كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} [الشورى:25]. أما حق أهل الزكاة فلا بد أن يؤديه لهم؛ لأنه حقهم، وحبسه عنهم ظلم لهم،

والظلم من أعظم المحرمات. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ». متفق عليه (¬1). - عقوبة مانع الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} [التوبة:34 - 35]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعاً أقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا مَالُكَ، أنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيةَ. أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلا أحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أوْ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ -أوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ، أوْ بَقَرٌ، أوْ غَنَمٌ، لا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2400) , واللفظ له، ومسلم برقم (1564). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1403). (¬3) أخرجه مسلم برقم (987).

يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلا أتِيَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ». متفق عليه (¬1). هذه عقوبة مانع الزكاة في الآخرة. أما عقوبة مانع الزكاة في الدنيا فنوعان: 1 - عقوبة قدرية كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. 2 - عقوبة شرعية، ولها حالتان: إن كان مانع الزكاة في قبضة الحاكم أخذها منه قهراً، وسلمها لأهلها، وإن كان مانع الزكاة خارجاً عن قبضة الحاكم فعلى الحاكم أن يقاتله. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ. قال عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللهِ! لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلا أنْ رَأيْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1460) , واللفظ له، ومسلم برقم (987). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , ومسلم برقم (20) , واللفظ له.

3 - آداب إخراج الزكاة

3 - آداب إخراج الزكاة - الزكاة عبادة من العبادات، سواء كانت واجبة، أو مستحبة. وللزكاة والصدقة آداب وشروط لا تصح ولا تقبل ولا تكمل إلا بها، وهي كما يلي: 1 - أن تكون الصدقة خالصة لله عز وجل، لا يشوبها رياء ولا سمعة. عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (¬1). 2 - أن تكون الصدقة من الكسب الحلال الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة:267]. 3 - أن تكون الصدقة من جيد ماله وأحبه إليه. قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} [آل عمران:92]. 4 - أن لا يستكثر ما تصدق به، وأن يستصغر عطيته ليسلم من العجب. قال الله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدَّثر:6]. 5 - أن يشكر الله على نعمة المال والإنفاق، ويجتنب الزهو والإعجاب. قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)} [الأنفال:26]. 6 - أن يسر بالصدقة ولا يجهر بها إلا لمصلحة شرعية، ليسلم من الرياء. قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة:271]. 7 - أن يسارع بالصدقة قبل حصول الموانع. قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} [المنافقون:10]. 8 - أن يدفع الصدقة للأحوج، والقريب المحتاج أولى من غيره. 1 - قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75]. 2 - عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). 9 - أن يحذر مما يبطل الصدقة كالمن والأذى. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... [البقرة:264] ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (658) , والنسائي برقم (2582) , وهذا لفظه.

10 - أن يعطي الصدقة مبتسماً بوجه بشوش ونفس طيبة، ويرضي السعاة. عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: إِنَّ نَاساً مِنَ المُصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا، قال فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ». أخرجه مسلم (¬1). 11 - أن يكثر من الإنفاق في وجوه البر والخير، وذلك سبب لزيادة ماله. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (¬2). 12 - تنويع الصدقة حسب المصلحة وحاجة الفقراء. قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245]. 13 - الإكثار من الصدقة في أوقات الحاجة والأوقات الفاضلة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (989). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010).

4 - أهل الزكاة

4 - أهل الزكاة - أهل الزكاة: الله عز وجل حكيم عليم، قد يعيِّن المستحق، وقدر ما يستحقه كالفرائض وأهلها. وقد يعيِّن ما يُستحق دون من يستحقه كالكفارات، مثل كفارة الظهار، واليمين ونحوهما. وقد يعيِّن المستحق دون قدر ما يستحقه كأهل الزكاة الذين لا يجوز صرفها إلا لهم، وهم ثمانية كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60]. - أقسام أهل الزكاة: أهل الزكاة من حيث تملُّك المال قسمان: الأول: من يأخذ الزكاة بسبب يستقر الأخذ به وهو الفقر، والمسكنة، والعمل، والتأليف. فمن أخذ من الزكاة بأحد هذه الأسباب شيئاً مَلَكه، وصرفه فيما يشاء كسائر أمواله. الثاني: من يأخذ الزكاة بسبب لا يستقر به الملك وهو الكتابة، والغرم، والغزو، وابن السبيل.

فمن أخذها من هؤلاء صرفها في الجهة التي استحق الأخذ بها، وأعاد ما زاد عنها. - جهات صرف الزكاة: فرض الله عز وجل الزكاة لتحقيق أمرين عظيمين: الأول: سد حاجة المسلمين. الثاني: معونة الإسلام، وتقويته، وحفظه. فلا تعطى الزكاة للكفار؛ لما في ذلك من تقويتهم، وإعانتهم على الباطل إلا المؤلفة ... قلوبهم. ولا تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله تعالى؛ لأن الله فرضها معونة على طاعته، فلا تعطى لتارك الصلاة، ومقترف الكبائر والمحرمات، حتى يتوب إلى ربه. أما من أظهر بدعة، أو فجوراً، فإنه يستحق العقوبة، فلا يجوز أن يعطى من الزكاة ما يستعين به على إظهار بدعته وفجوره. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. - من تعطى الزكاة: الزكاة إنما تدفع إلى أحد شخصين: إما محتاج إليها كالفقراء، والمساكين، وفي الرقاب، والغارم لقضاء دينه، وابن السبيل. وإما لمن يحتاج إليه المسلمون كالعامل في جبايتها، والغازي في سبيل الله،

والمؤلفة قلوبهم، والغارم لإصلاح ذات البين. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60]. - أصناف أهل الزكاة: أهل الزكاة الذين يجب أن تصرف الزكاة لهم ثمانية فقط، وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل. 1 - الفقراء: وهم الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون بعض الكفاية، والفقير الذي يستحق الزكاة: هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة. ويختلف ذلك بحسب الزمان والمكان، حسب غلاء المعيشة ورخصها. 2 - المساكين: وهم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها. ولفظ الفقراء إذا أُفرد دخل فيه المساكين، وكذا عكسه، فيطلق كل منهما على الآخر، وإذا اجتمعا في كلام واحد تميز كل منهما بمعنى. 3 - العاملون عليها: وهم جباتها، وحفّاظها، والقاسمون لها، فإن كان لهم رَزْق راتب من الإمام فلا يعطون من الزكاة. 4 - المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في قومهم. والمؤلفة قلوبهم قسمان: مسلمون، وكفار. فالمسلمون أربعة أقسام: 1 - سادة مطاعون في قومهم أسلموا لكن إيمانهم ضعيف، فيعطون من الزكاة

ترغيباً لهم، ليثبت الإيمان في قلوبهم. 2 - قوم لهم شرف ورئاسة أسلموا، فيعطون لترغيب نظرائهم من الكفار ليُسلموا مثلهم. 3 - قوم لهم قوة ورئاسة يراد بتأليفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحموا من يليهم من المسلمين. 4 - قوم لهم شرف ومكانة وسلطة يراد بإعطائهم من الزكاة أن يَجْبوا الزكاة ممن لا يعطيها. والمؤلفة قلوبهم من الكفار قسمان: 1 - كافر يرجى إسلامه، فيعطى من الزكاة لتميل نفسه إلى الإسلام. 2 - كافر يخشى شره، فيعطى لكف شره وشر غيره عن المسلمين. 5 - في الرقاب: وهم الأرقاء، والمكاتبون، فيعطون من الزكاة ليخلصوا من الرق. وفك الرقاب على ثلاثة أقسام: 1 - المكاتَب المسلم الذي اشترى نفسه من سيده، فيعطى من الزكاة ما يعينه على فك رقبته من الرق. 2 - إعتاق الرقيق المسلم، فيعطى من الزكاة ليعتق من الرق. 3 - فداء الأسير المسلم من أيدي المشركين، فيعطى الكفار الذين أسروه من الزكاة ليفكوا أسره. 6 - الغارمون: الغارم هو من عليه دين. والغارمون الذين يستحقون الزكاة ثلاثة أقسام: 1 - غارم لمصلحة نفسه، فهذا يعطى من الزكاة إن كان مسلماً، وعليه دين حالّ لا

يستطيع سداده. 2 - غارم لمصلحة غيره، كمن عليه دين بسبب الضمان. فإذا كان الضامن والمضمون عنه معسرين فيعطى من الزكاة لسداد هذا الدين. 3 - الغارم لإصلاح ذات البين، كمن يصلح بين قبيلتين مختلفتين بماله، فهذا يعطى من الزكاة، سواء كان غنياً أو فقيراً؛ تشجيعاً له على مكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، ولئلا تقل الرغبة في الإحسان والمواساة. 7 - في سبيل الله: وهم الغزاة المجاهدون في سبيل الله. وسبيل الله الذي تُدفع فيه الزكاة أربعة أضرب: 1 - الغزاة في سبيل الله، وهؤلاء يعطون من الزكاة إذا لم يكن لهم راتب من الإمام، أولهم راتب لا يكفيهم، فيعطون ما يتجهزون به للغزو، وما يعينهم على الجهاد في سبيل الله. 2 - عدة القتال وما يحتاجه المجاهدون من آلات وسلاح، فيصرف من الزكاة لشراء ما يحتاجه المجاهدون من سيارات، وأسلحة تعينهم على قتال عدوهم من الكفار. 3 - الدعاة إلى الله، والمبلغون لدينه، والمعلمون لكتابه وشرعه، والمتفرغون لطلب العلم، فيعطون من الزكاة إذا كانوا فقراء، وليس لهم مرتب من الإمام، أو لهم رَزْق لا يكفيهم. ويصرف من الزكاة لكل ما يعين على الدعوة، ونشر العلم، من طبع المصاحف، وكتب العلم النافعة ونحو ذلك. 4 - الحجاج الفقراء، فيعطى المسلم من الزكاة إذا كان فقيراً ليحج؛ لأن الحج في

سيبل الله. عنْ أُمِّ مَعْقَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ أَبُو مَعْقَلٍ حَاجّاً مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا قَدِمَ قَالَتْ أُمُّ مَعْقَلٍ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةً فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ حَتَّى دَخَلاَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَإِنَّ لأَبي مَعْقَلٍ بَكْراً، قَالَ أَبُو مَعْقَلٍ: صَدَقَتْ، جَعَلْتُهُ فِي سَبيلِ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبيلِ اللهِ» فَأَعْطَاهَا البَكْرَ. أخرجه أبو داود (¬1). 8 - ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع به سفره، وليس معه ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يكفيه للوصول إلى بلده ولو كان غنياً. وابن السبيل ضربان: 1 - من انقطع به السفر، وليس معه ما يوصله إلى بلده. 2 - من كان في بلده، ويريد أن ينشئ سفراً لطاعة، أو مصلحة، ولا مال له. فهذا يعطى من الزكاة ما يحتاجه، كمن يريد السفر للحج، والعلاج ونحو ذلك. - من يقدم في الزكاة: يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة، ويجوز دفعها إلى شخص واحد من أهل الزكاة في حدود حاجته، وإن كانت الزكاة كثيرة فيستحب تفريقها على تلك الأصناف، ويبدأ بمن حاجته أهم وأشد وأقرب، ولا يجوز صرف الزكاة لغير الأصناف الثمانية. - الذين يجوز أخذهم من الزكاة: 1 - يجوز أن تصرف الزكاة لمسلم يريد الزواج وهو فقير يريد إعفاف نفسه، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1988).

ويجوز سداد دين الميت من الزكاة إن كان ورثته فقراء. 2 - ويجوز لمن له دين على فقير أن يعطي الفقير من زكاته إن لم يكن عن تواطؤ بينهما، بأن يعطيه ليسدد له، ولا يجوز إسقاط الدين واعتباره من الزكاة. 3 - إذا تفرغ قادر على الكسب لطلب العلم أو تعليمه فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، ونفعه متعد. 4 - يسن دفع الزكاة إلى فقراء المسلمين من أهل بلده، ويسن أن يعطي زكاته لأقاربه الفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات ونحوهم. - حكم الإخبار بالزكاة: 1 - من يُخرج الزكاة إذا كان يعلم أن فلاناً من أهل الزكاة، وأنه يقبل الزكاة، فهذا يعطيه ولا يخبره أنها زكاة؛ لعلمه بحاله، ولما في ذلك من الغضاضة عليه. 2 - إن كان صاحب المال لا يدري عنه، أو كان لا يقبل الزكاة، فهنا يخبره أنها زكاة؛ ليتأكد من محل صدقته الواجب. - ما يقوله من أخذ الزكاة: يسن لمن أخذ الزكاة أن يدعو لمن أعطاه بما يناسب الحال والمال مما ورد. فيقول: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ». متفق عليه (¬1). أو يقول: «اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلانٍ». متفق عليه (¬2). أو يقول: «اللهمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إِبلِهِ». أخرجه النسائي (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4166)، ومسلم برقم (1078). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1497)، ومسلم برقم (1078). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2458).

يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياءً للسنة. - حكم دفع الزكاة للكفار: لا يجوز دفع الزكاة للكفار والمشركين إلا المؤلفة قلوبهم. ويجوز أن يعطى الكفار من صدقة التطوع. 1 - قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} [الإنسان:8]. 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (¬1). - حكم دفع الزكاة لبني هاشم: 1 - بنو هاشم لا يحل لهم الأخذ من الزكاة المفروضة، ولا الكفارات؛ لأن الزكاة تطهير لأموال الناس من الأوساخ، وتطهير لنفوسهم من الذنوب، فهي غسالة الأوساخ والذنوب، فلا تليق بمنصب سيد الأنبياء والرسل وآله ومواليهم. وقد كرم الله مقام النبوة وآله أن يكونوا محلاً للغسالة، وشرفهم عنها. 2 - بنو هاشم هم النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله الذين هم: (آل أبي طالب) و (آل العباس) و (آل الحارث) و (آل أبي لهب) وكلهم أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا تمْرَةً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620)، ومسلم برقم (1003) , واللفظ له.

مِنْ تمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ». لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قال: «أمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدالمُطَّلِبِ بن رَبِيعَةَ وَالفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم دفع الزكاة للوالدين: 1 - يجب على الأولاد أن ينفقوا على آبائهم وأمهاتهم إذا احتاجوا. 2 - يجوز دفع الزكاة للوالدين وإن علوا إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن نفقتهم، ما لم يدفع بذلك واجباً عليه من النفقة فتحرم عليهم. 3 - إذا تحمل أحد الوالدين ديناً أو دية فيجوز أن يدفع له ابنه الزكاة، ويقضي عنه بها دينه، وهو أحق به. قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء:23 - 24]. - حكم دفع الزكاة للأولاد: 1 - يجب على الآباء النفقة على أولادهم إذا احتاجوا. 2 - يجوز دفع الزكاة للأولاد إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن النفقة عليهم، ما لم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1491) , واللفظ له، ومسلم برقم (1069). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1072).

يدفع بذلك واجباً عليه من النفقة فتحرم عليهم. 3 - إذا تحمل أحد الأولاد ديناً أو دية فيجوز لوالده أن يقضي عنه دينه من الزكاة، وهو أحق به. 4 - إذا كان الوالد أو الولد غنياً، وكان من الغزاة، أو من العاملين في جباية الزكاة، أو كان غارماً، فإنه يجوز للولد دفع الزكاة لوالده وعكسه. والسبب: أن استحقاق الزكاة مقيد بوصف الفقر، والمسكنة، والعمالة، والتأليف، والغرم وهكذا، وكل من انطبق عليه هذا الوصف فهو من أهل الزكاة. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة:60]. - حكم دفع الزكاة للأغنياء: 1 - الغني هو من يجد كفاف عيشه وعيش من يعولهم طول العام، إما من مال موجود، أو من تجارة، أو من صنعة ونحو ذلك. 2 - لا يجوز أن تُدفع الزكاة إلى غني إلا لخمسة: إذا كان من العاملين عليها، أو من المؤلفة قلوبهم، أو من المجاهدين في سبيل الله، أو من الغارمين لإصلاح ذات البين، أو ابن سبيل منقطع. 3 - يجوز للغني أن يأكل من الزكاة إذا أهدى إليه الفقير منها، أو اشتراها الغني بماله. 1 - عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحِلُّ

الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبيلِ اللهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا المِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلاَهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا البَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). - حكم دفع الزكاة للزوج: 1 - يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى زوجها إذا كان من أهل الزكاة؛ لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها، فيجوز لها دفع الزكاة له كالأجنبي؛ بل هو أحق. 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ زَيْنَبَ امْرَأةُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّكَ أمَرْتَ اليَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأرَدْتُ أنْ أتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أنَّهُ وَوَلَدَهُ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ بِلالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِاللهِ قَالتْ لهُ: سَلِ النَّبِيّ َ - صلى الله عليه وسلم -: أيَجْزِي عَنِّي أنْ أنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي، فَقالَ: «نَعَمْ لَهَا أجْرَانِ، أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11538) , وأبو داود برقم (1636) , وهذا لفظه. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1633) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2598). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1462) , واللفظ له، ومسلم برقم (80). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1466) , واللفظ له، ومسلم برقم (1000).

- حكم دفع الزكاة للزوجة: 1 - زكاة الرجل لا يجوز أن تدفع إلى زوجته؛ لأن نفقتها واجبة عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة. 2 - إذا كانت الزوجة عليها دين لا تستطيع سداده فيجوز لزوجها أن يعطيها من الزكاة من سهم الغارمين ما تسدد به ما عليها من الدين، وهي أحق من الأجنبي؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)} [الأنفال:75]. - حكم صرف الزكاة في القُرَب: فرض الله عز وجل الزكاة في ثمانية أصناف فقط، فلا يجوز صرفها فيما سواها كبناء المساجد، والمدارس، والسدود، والربط، وإصلاح الطرق ونحو ذلك من أعمال البر والخير؛ لأن الله عز وجل عين مصارف الزكاة، وهذه ليست منها. - حكم الخطأ في الزكاة: إذا أعطى المسلم الزكاة الواجبة أو صدقة التطوع لأحد يظنه أهلاً فبان أنه غير أهل للزكاة كأن يعطيها لغني يظنه فقيراً بعد الاجتهاد والتحري فإنها تجزئه، وتُقبل عند الله، وتنفع من أخذها؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، واجتهد في التحري، والمجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قال رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ

عَلَى سَارِقٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأتِيَ: فَقِيلَ لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأمَّا الزَّانِيَةُ: فَلَعَلَّهَا أنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أعْطَاهُ اللهُ». متفق عليه (¬1). - حكم تنمية أموال الزكاة: 1 - ما وجب من الزكاة يصرف فوراً لأهل الزكاة، ولا يجوز تأخيره عند الغني من أجل تنيمته والتجارة فيه لصالح فرد أو جميعة ونحوهما؛ لأنه حق لأهل الزكاة، فلا يجوز حبسه عنهم. 2 - إذا ملك الفقير الزكاة فله أن ينفقها على نفسه، أو يهديها، أو يبيعها، أو ينميها كما يفعل بسائر أمواله. 3 - إذا استلمت جمعية البر أو أي صندوق خيري أموال الزكاة فلا يجوز حبسها عن أهلها لتنميتها، بل تؤدى لأهلها فوراً. 4 - إذا جُمعت الصدقات من غير الزكاة لمصالح المسلمين فلا مانع من تنميتها، والتجارة فيها، وصرفها فيما بعد في أبواب البر على شكل رواتب، أو قروض، أو إعانات، أو بناء مساجد، أو طباعة كتب نافعة ونحو ذلك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1421) , واللفظ له، ومسلم برقم (1022).

2 - زكاة الفطر

2 - زكاة الفطر - زكاة الفطر: هي الصدقة التي تجب بالفطر من رمضان. - وقت فرضها: فرضت زكاة الفطر في السنة التي فُرض فيها صيام شهر رمضان، وهي السنة الثانية من الهجرة. - حكمة مشروعية زكاة الفطر: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائمين مما أصاب صيامهم من النقص والخلل، وشكراً لله على إكمال عدة الصيام، وإشاعة السرور والفرح بين الأغنياء والفقراء في يوم العيد، بإطعام الجائعين، ومواساة المحتاجين. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - حكم زكاة الفطر: تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حراً أو عبداً، إذا ملك صاعاً من طعام، فاضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقته. ويستحب إخراجها عن الجنين في بطن أمه. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى:14 - 15]. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1609) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1827).

2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (¬1). - أنواع زكاة الفطر: 1 - السنة إخراج زكاة الفطر من كل طعام يقتاته الناس كالبر، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط، أو الأرز، أو الذرة، أو الدخن، أو غيرها من كل حب وثمر يقتات، ولا يجوز إخراج القيمة بدل الطعام إلا عند الحاجة. 2 - إذا كان قوت أهل البلد من غير الحبوب والثمار كاللبن، واللحم، والسمك، ونحوها فيُخرجون زكاة الفطر من قوتهم الحلال كائناً ما كان؛ لأن المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم. 3 - أفضل أنواع هذه الأطعمة أنفعها للمتصدَّق عليه، وأحبها إليه؛ لأنه الذي يحصل به الإغناء المطلوب للمساكين في ذلك اليوم. 1 - عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أوْ صَاعاً مِنْ أقِطٍ، أوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ، وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1503) , واللفظ له، ومسلم برقم (984). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1506) , واللفظ له، ومسلم برقم (985). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1510) , واللفظ له، ومسلم برقم (985).

- مقدار زكاة الفطر: الواجب في زكاة الفطر صاع من أي صنف من الطعام عن كل إنسان. الصاع = 4 أمداد، ويعادل بالوزن (2.40) كيلو جرام. 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ، وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ، صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (¬2). - وقت وجوب زكاة الفطر: تجب زكاة الفطر على كل مسلم بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأنه وقت الفطر من جميع رمضان. فمن مات بعد غروب الشمس وجبت عليه زكاة الفطر، ومن وُلِد أو أسلم بعد غروب الشمس فلا تجب عليه؛ لعدم وجود سبب الوجوب في حقه. ويُخرج الأب زكاة الفطر عن أهله وأولاده، وإن أخرجها كل واحد عن نفسه جاز. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1510) , واللفظ له، ومسلم برقم (985). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1503) , واللفظ له، ومسلم برقم (984).

- مصرف زكاة الفطر: زكاة الفطر تصرف للفقراء والمساكين؛ لأنها طعمة لهم، وهي أشبه بالكفارة، فلا تعطى إلا لمن يستحق الكفارة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - وقت إخراج زكاة الفطر: 1 - يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر من غروب الشمس ليلة عيد الفطر، إلى ما قبل صلاة العيد. 2 - الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد إلا لعذر. 3 - زكاة الفطر عبادة من العبادات، من أداها في وقتها فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد صلاة العيد وأخرها من غير عذر، فهي عبادة قد فات محلها، وهو آثم بتأخيرها، فتكون صدقة من الصدقات، وإن كان معذوراً قضاها، ولا إثم عليه. عَنِ ابْنِ عُمَررَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1609) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1827). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1509) , واللفظ له، ومسلم برقم (986).

4 - يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين. - حكم إخراج زكاة الفطر بعد خروج وقتها: 1 - زكاة الفطر عبادة من العبادات، ولها وقت يجب أداؤها فيه، ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لعذر. 2 - زكاة الفطر لا تسقط بعد خروج وقتها؛ لأنها حق واجب للفقراء في ذمته، فلا يسقط عنه إلا بالأداء. أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يسقط إلا بالتوبة والاستغفار. - مكان إخراج زكاة الفطر: زكاة المال تُخرج في بلد المال، وزكاة الفطر تُخرج حيثما كان الإنسان، ولا يُعدل عن ذلك إلا لحاجة ومصلحة.

3 - صدقة التطوع

3 - صدقة التطوع - صدقة التطوع: هي التعبد لله بإنفاق مال، أو عمل غير واجب فيما يحبه الله. - حكمة مشروعية الصدقة: 1 - دعا الإسلام إلى البذل وحض عليه؛ رحمة بالضعفاء، ومواساة للفقراء، إلى جانب ما فيه من كسب الأجر ومضاعفته، وتطهير النفوس من آفة البخل والشح، والتخلق بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من البذل، والإحسان، والعطاء ونحو ذلك مما يجلب المحبة والمودة. 2 - الصلوات منها الواجب، والتطوع، والصدقات منها الواجب، والتطوع، والتطوع تكمَّل به الفرائض يوم القيامة، وباب مفتوح لكسب الأجر وزيادة الحسنات. - حكم صدقة التطوع: 1 - صدقة التطوع مستحبة في كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل حال. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - صدقة التطوع تتأكد في زمان وأحوال: فالزمان: كرمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، وهي أفضل. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ

رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلِكَ بشَيْءٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (¬3). وأوقات الحاجة أفضل. دائمة كفصل الشتاء، أو طارئة كأن تحدث كارثة، أو مجاعة، أو مصيبة، أو جدب ونحو ذلك. قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} [البلد:11 - 17]. - فضائل صدقة التطوع: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (757) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1727). (¬3) أخرجه البخاري برقم (969).

2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} [الحديد:7]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَقْبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (¬2). - أنواع الصدقات: الصدقة أنواع كثيرة، فكل معروف وإحسان صدقة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2989) , واللفظ له، ومسلم برقم (1009).

2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالأجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ، قال: «أوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ، عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: «أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أجْراً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيَأْمُرُ بِالخَيْرِ، أوْ قال: بِالمَعْرُوفِ». قال: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قال: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». أخرجه البخاري (¬3). 5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1006). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6022) , واللفظ له، ومسلم برقم (1008). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6021). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , واللفظ له، ومسلم برقم (1353).

- أفضل الصدقة: ثواب الصدقة يتعلق بالمتصدِّق، والمتصدَّق عليه، وبالمال المتصدق به. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْراً؟ قَالَ: «أنْ تَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جُهْدُ المُقِلِّ وَابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دِينَارٌ أنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أنْفَقْتَهُ عَلَى أهْلِكَ، أعْظَمُهَا أجْراً الَّذِي أنْفَقْتَهُ عَلَى أهْلِكَ». أخرجه مسلم (¬4). 5 - وَعَن أُمِّ كُلْثُومٍ بنتِ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَت: قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ» أخرجه الحاكم (¬5). - أحوال الإنفاق من المال: الإنفاق من المال على ثلاث درجات: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1426). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419) , واللفظ له، ومسلم برقم (1032). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8702) , وأبو داود برقم (1677). (¬4) أخرجه مسلم برقم (995). (¬5) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (1515) , انظر الإرواء (892).

1 - الزكاة المفروضة، وهي أعظم الحقوق. 2 - إذا نزل بالناس نازلة من مجاعة أو كارثة وجب صرف المال إليها. 3 - الصدقات والهدايا، وهي حقوق مستحبة، وهي من مكارم الأخلاق من مواساة قرابة .. وإعطاء سائل .. وصلة أرحام .. وإعارة محتاج ونحو ذلك من مكارم الأخلاق. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177]. 2 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل المبادرة بالصدقة: 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:10 - 11]. 2 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ يَأتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1728).

الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأمَّا اليَوْمَ فَلا حَاجَةَ لِي بِهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعاً، دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ القَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ تِبْراً عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ، أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الصدقة الجارية: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الصدقة بكل المال: يجوز للمسلم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان قوياً مكتسباً، صابراً غير مدين، ليس عنده من يجب الإنفاق عليه، قوي الإيمان واليقين، والأفضل أن يترك لنفسه ما يعفه عن السؤال والإشراف. عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، قَالَ: فَجِئْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1411) , واللفظ له، ومسلم برقم (1011). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1221). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1631).

بنِصْفِ مَالِي، فَقَالََ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قُلْتُ مِثلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالََ يَا أَبَا بَكْرٍ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَسْبقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - فضل الإكثار من الصدقة: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللهمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ اللهمَّ: أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بابٍ: أيْ فُلُ هَلُمَّ». قال أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَاكَ الَّذِي لا تَوَى عَلَيْهِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬3). - قوة الصدقة: 1 - عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ فَأعْرَضَ وَأشَاحَ، ثُمَّ قال: «اتَّقُوا النَّارَ». ثُمَّ أعْرَضَ وَأشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ كَأنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قال: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». متفق ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1678) , والترمذي برقم (3675) , وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442) , واللفظ له، ومسلم برقم (1010). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2841) , واللفظ له، ومسلم برقم (1027).

عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَصَدَّقُ أحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلا أخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ، أوْ أعْظَمَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل اليد العليا: اليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة، والمنفقة أعلى من الآخذة، وأعلى من السائلة. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ». متفق عليه (¬4). - فضل الترغيب في الصدقة: 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6540) , ومسلم برقم (1016) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410) , ومسلم برقم (1014) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2588). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1427) , واللفظ له، ومسلم برقم (1034). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , واللفظ له، ومسلم برقم (2627).

2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (¬1). - أفضل أحوال الصدقة: 1 - الصدقة في رمضان وعشر ذي الحجة أفضل من غيرهما؛ لشرف الزمان، والصدقة في الجهاد وحالات الشدة والحاجة أفضل من غيرهما؛ لأهمية الحال. 2 - إذا تعارض شرف الزمان، وشرف المكان، وشرف الحال، فإنه يقدم شرف الحال؛ لأن الصدقة عبادة شرعت لدفع الحاجة، وإذا كان الفضل يتعلق بذات العبادة كانت مراعاته أولى من الفضل الذي يتعلق بزمانها أو مكانها، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} [البلد:11 - 17]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1893).

- مقدار صدقة التطوع: 1 - تسن صدقة التطوع بما زاد عن حاجة الإنسان وحاجة من يمونه ممن تجب عليه نفقته. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} [البقرة:219]. 2 - إذا تصدق المسلم بما يُنقص مؤنة من يعول فهو آثم؛ لأنه نَفَع الأجنبي، وحَرَم وأضاع من تلزمه مؤنته. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - إذا علم المسلم من نفسه قوة الصبر والتوكل فلا حرج عليه أن يتصدق بكل ما يملك إذا لم يتضرر هو أو من يعول، ومن تصدق بما يملك وخرج يتكفف الناس فقد ظلم نفسه. - أولى الناس بالصدقة: أولى الناس بالصدقة أهل المتصدق، وأولاده، وأقاربه، وجيرانه، وذو الحاجة الماسة. ولا يجوز للمسلم أن يتصدق على البعيد وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته ونفقة عياله. عَنْ جَابِر بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لِرَجُلٍ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (996).

قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. أخرجه مسلم (¬1). - فضل الصدقة على الأقارب: 1 - عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا أعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ، كَانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأَنْصار بِالمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قال أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الايَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قَامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وَإِنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أرَاكَ اللهُ. قال: فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ». فَقال أبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. متفق عليه (¬3). - فضل الصدقة على الحيوان: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (997). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2592) , ومسلم برقم (999) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1461) , واللفظ له، ومسلم برقم (998).

عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». متفق عليه (¬2). - فضل الصدقة بالزرع: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إِلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». أخرجه مسلم (¬4). - فضل الصدقة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2363) , واللفظ له، ومسلم برقم (2244). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3467) , ومسلم برقم (2245) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , واللفظ له، ومسلم برقم (1553). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1552).

[البقرة:261]. 2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل الصدقة عن الميت: 1 - عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ تُوُفِّيَتْ أمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ وَأنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ». قال: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ رَجُلاً أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أفَلَهَا أجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ». متفق عليه (¬3). - فضل الإيثار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: نَوّمِي الصّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَقَرّبِي لِلضّيْفِ مَا عِنْدَكِ، قَالَ فَنَزَلَتْ هََذِهِ الاَيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1892). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2756). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1388)، ومسلم برقم (1004) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3798) , ومسلم برقم (2054) , واللفظ له.

- فضل الصدقة وإن وقعت في غير محلها: من تصدق بصدقة فوقعت في غير محلها وهو لا يعلم فقد ثبت أجره. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقال: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأتِيَ: فَقِيلَ لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأمَّا الزَّانِيَةُ: فَلَعَلَّهَا أنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أعْطَاهُ اللهُ». متفق عليه (¬1). - فضل الصدقة من الحلال الطيب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)} [البقرة:267 - 268]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ». متفق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1421) , واللفظ له، ومسلم برقم (1022).

عليه (¬1). - حكم الصدقة من الحرام: الله تبارك وتعالى غني عن العالمين، فلا يرضى لعباده ولا من عباده إلا كل طيب وحلال، ولا يتقبل الأعمال إلا من المتقين، ولا يقبل الصدقات إذا كانت من حرام وخبيث. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} [المائدة:27]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم إظهار الصدقة: إخفاء صدقة التطوع أفضل من إظهارها، ولا يشرع الجهر بالصدقة إلا لمصلحة من الاقتداء به، أو رفع التهمة عنه ونحوهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7430) , واللفظ له، ومسلم برقم (1014). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91) , واللفظ له، ومسلم برقم (1015) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (224).

1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)} [البقرة:271]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬1). - ما يبطل الصدقة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)} [البقرة:264]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَاراً قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

«المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم صدقات المشرك قبل إسلامه: إذا أسلم المشرك فله أجر صدقته قبل الإسلام. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ أشْيَاءَ كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أجْرٍ؟ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (¬2). - حكم الأكل من الصدقة: إذا وصلت الصدقة إلى مستحقها مَلَكها، إن شاء باعها، وإن شاء صرفها على نفسه، أو أكرم بها غيره. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِلَحْمٍ، تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصاريَّةِ بِشَاةٍ، فَأرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا مِنْهَا، فَقال: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عِنْدَكُمْ شَيْءٌ». فَقُلْتُ: لا، إِلا مَا أرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ، فَقال: «هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا». متفق عليه (¬4). - حكم شراء الصدقة: لا يجوز لأحد تَصَدَّق بصدقة على إنسان أن يشتريها منه؛ لأنه أخرجها من ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (106). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436) , واللفظ له، ومسلم برقم (123). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1495) , واللفظ له، ومسلم برقم (1074). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1446) , واللفظ له، ومسلم برقم (1076).

ملكه لله، فلا يحل له الرجوع فيما أعطاه لله ولو كانت بقيمة، أما غيره فيجوز له شراؤها. عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: «لا تَشْتَرِه، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». متفق عليه (¬1). - حكم الصدقة على الكافر: تسن الصدقة على المسلم، وتشرع الصدقة على الكافر؛ تأليفاً لقلبه، وسداً لجوعته، وتفريجاً لكربته، ويثاب على ذلك المسلم المتصدق. 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة:8]. 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (¬2). - حكم الصدقة على بني هاشم: النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحل له الزكاة الواجبة، ولا صدقة التطوع، وبنو هاشم ومواليهم لا تحل لهم الزكاة الواجبة، ولا تحل لهم صدقة التطوع؛ لشرف النبوة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1490) , واللفظ له، ومسلم برقم (1620). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , ومسلم برقم (1003) , واللفظ له.

ولأنها أوساخ لا تليق بذلك المقام. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تمْرَةً مِنْ تمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أمَا عَلِمْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟». متفق عليه (¬1). - حكم الهدية لبني هاشم: بنو هاشم جميعاً ومواليهم تجوز الهدية لهم لا الصدقة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتِيَ بِطَعَامٍ سَألَ عَنْهُ: «أهَدِيَّةٌ أمْ صَدَقَةٌ». فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ، قال لأَصْحَابِهِ: «كُلُوا» وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأكَلَ مَعَهُمْ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قال: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ». متفق عليه (¬3). - حكم صدقة المرأة من بيت زوجها: 1 - يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بإذنه غير مُفسدة، فلزوجها الأجر، ولها من الأجر مثله. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أجْرُهَا بِمَا أنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أجْرَ بَعْضٍ شَيْئاً». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1485) , ومسلم برقم (1069) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2576) , واللفظ له، ومسلم برقم (1077). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2577) , واللفظ له، ومسلم برقم (1074). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2065) , واللفظ له، ومسلم برقم (1024).

2 - إذا أنفقت من بيته عن غير أمره، وهي تعلم أنه يرضى، غير مُفسدة، فلها نصف الأجر، ولزوجها نصف الأجر. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا، عَنْ غَيْرِ أمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أجْرِهِ». متفق عليه (¬1). 3 - لا يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إذا علمت أنه لا يرضى، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. - حكم إعطاء من سأل بالله: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اسْتَعَاذ باللهِ فَأَعِيذوهُ وَمَنْ سَأَلَ باللهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِؤهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِؤنَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). - حكم إعطاء السائل: يسن إعطاء السائل ولو صغرت العطية. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة:7 - 8]. 2 - وَعَنْ أُمِّ بُجَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، إِنَّ المِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئاً أُعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ لَمْ تَجِدِي لَهُ شَيْئاً تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلاَّ ظِلْفاً مُحْرَقاً فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2066) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1672) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (2567). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1667) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (665).

- حكم السؤال من غير حاجة: 1 - يحرم على الإنسان سؤال الناس الزكاة، أو الصدقة وعنده ما يكفيه، ومن سأل الناس تكثراً فإنما يجمع جمراً يوقد عليه في نار جهنم. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَألَ النَّاسَ أمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً، فَإِنَّمَا يَسْألُ جَمْراً، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِر». أخرجه مسلم (¬1). 2 - من أبيح له شيء من الزكاة أو الصدقة أبيح له سؤاله وطلبه؛ لأنه يطلب حقه الذي أبيح له، والأولى التعفف والسكوت، وعدم السؤال. 1 - عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لأنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ، أعْطَوْهُ أوْ مَنَعُوهُ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ». متفق عليه (¬3). - مفاسد السؤال من غير حاجة: 1 - سؤال غير الله عند الحاجة ظلم في حق الله؛ لأن الله أمر بسؤاله وحده، لأنه قاضي الحاجات وحده، وظلم في حق السائل؛ لأنه أذل نفسه لغير الله، وظلم في حق المسؤل؛ لأنه قد يعطي وهو كاره. 2 - سؤال غير الله من غير حاجة فيه ذل للسائل، وتعطيل للقوى والمواهب، وجحد لنعمة الله بالتشبه بالفقراء، وخداع للناس، وكذب عليهم، وأكل ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1041). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1471). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1477) , واللفظ له، ومسلم برقم (593).

لأموال الناس بالباطل، وكل ذلك محرم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْألُ النَّاسَ، حَتَّى يَأتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». متفق عليه (¬1). - حكم أخذ ما جاء من غير سؤال: من أعطاه الله شيئاً من غير سؤال ولا إشراف نفس فليأخذه فإنما هو رزق ساقه الله إليه، فإن شاء تموّله، وإن شاء تصدق به. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأقُولُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أعْطَانِي مَرَّةً مَالاً، فَقُلْتُ: أعْطِهِ أفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذْهُ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». متفق عليه (¬2). - فضل التعفف عن السؤال: 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1474) , واللفظ له، ومسلم برقم (1040). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1473)، ومسلم برقم (1045) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053).

لَأنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألَهُ، أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ». متفق عليه (¬1). - حكم سؤال السلطان: 1 - يستحب للمسلم أن يعف نفسه عن السؤال، فإن احتاج سأل السلطان؛ لأنه أمين المسلمين على بيت مالهم، وكل مسلم له حق في بيت المال. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَاناً أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 2 - يستحب للمسلم أن لا يكثر من سؤال السلطان، لا سيما أهل العلم والفضل؛ لأنه إسقاط لوقارهم، وجلال العلم فيهم، وانهماك في جمع المال. 1 - عَنْ حَكِيم بن حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي ثُمَّ، قال: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى». قال: حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لا أرْزَأ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً، حَتَّى أفَارِقَ الدُّنْيَا. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470) , واللفظ له، ومسلم برقم (1042). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1639) , والترمذي برقم (681) , وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1472) , واللفظ له، ومسلم برقم (1035).

فَقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬1). - حكم إعطاء من سأل بفحش وغلظة: 1 - عَنْ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسْماً، فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَغَيْرُ هَؤُلاءِ كَانَ أحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ، قال: «إِنَّهُمْ خَيَّرُونِي أنْ يَسْألُونِي بِالفُحْشِ أوْ يُبَخِّلُونِي، فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قال: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. متفق عليه (¬3). - من تحل له المسألة: 1 - عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُندُب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لاَ يَجِدُ مِنْهُ بُدّاً». أخرجه أحمد وأبو داود (¬4). 2 - وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الهِلالِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأتَيْتُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1056). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3149) , واللفظ له، ومسلم برقم (1057). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (20529) , وأبو داود برقم (1639) , وهذا لفظه.

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسْألُهُ فِيهَا، فَقَالَ: «أقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». قال: ثُمَّ قال: «يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ المَسْألَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ). وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ) فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسْألَةِ، يَا قَبِيصَةُ سُحْتاً يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً». أخرجه مسلم (¬1). - فضل شكر المعروف: السنة لمن صُنع إليه معروف أن يكافئه، فإن لم يجد دعا له. عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالََ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثنَاءِ». أخرجه الترمذي (¬2). - مراتب المواساة بالمال: المواساة بالمال لها ثلاث درجات: الأولى: أن تُؤْثر الفقير على نفسك، وهذه مرتبة الصديقين، وهي أعلاها. الثانية: أن تُنْزله منزلة نفسك، وترضى بمشاركته لك في مالك. الثالثة: أن تُنْزله منزلة عبدك، فتعطيه ابتداء، ولا تُحوجه للسؤال، وهذه أدناها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1044). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035).

5 - كتاب الصيام

5 - كتاب الصيام ويشتمل على ما يلي: 1 - فقه الصيام. 2 - حكم الصيام. 3 - فضائل الصيام. 4 - أقسام الصيام. 5 - أحكام الصيام. 6 - سنن الصيام. 7 - ما يجب على الصائم. 8 - ما يحرم على الصائم. 9 - ما يكره للصائم. 10 - ما يجوز للصائم. 11 - أقسام المفطرات. 12 - قضاء الصيام. 13 - صيام التطوع. 14 - الاعتكاف.

1 - فقه الصيام

1 - فقه الصيام - الصوم: هو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية الصوم. - حكمة تنويع العبادات: نوَّع الله عز وجل العبادات لحكم عظيمة: 1 - لئلا تمل النفوس، ويصيبها السأم والملل من العمل الواحد، فإذا انتقلت من عبادة إلى أخرى نشطت للعمل. 2 - نوّع الله العبادات ليختبر العبد هل يتبع هواه ويفعل ما يوافق طبعه، أم يفعل ما أمره به ربه، فجعل من الدين ما ينقسم إلى كف عن المحبوبات كالصيام، فإنه امتناع عن المحبوبات من الطعام، والشراب، والجماع ابتغاء وجه الله عز وجل. ومن الدين ما هو بذل للمحبوبات كالزكاة، والصدقة، وذلك بذل للمحبوب -وهو المال- ابتغاء وجه الله عز وجل. وربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة ولا يبذل درهماً واحداً، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصوم يوماً واحداً. فجاءت الشريعة بالتنويع ليعرف من يطيع هواه، ومن يطيع مولاه. 3 - العبادات أقسام: بعضها بدني محض كالصلاة، وبعضها مالي محض كالزكاة، وبعضها مركب منهما كالجهاد والحج، ولكلٍّ حكمة، وفي كلٍّ منافع؛ ليتبين المؤمن

من المنافق، والكريم من البخيل، والشجاع من الجبان. - حكمة مشروعية الصيام: شرع الله عز وجل الصيام لحكم عظيمة لا تحيط بها العقول، ومنها: 1 - أن الصوم عبادة عظيمة جعله الله وسيلة لتقوى الله عز وجل، والتقوى من أعظم مقامات الدين بعد الإيمان، وبها ينال المؤمن السعادة في الدنيا والآخرة. 2 - الصوم مدرسة خلقية كبرى، يتدرب فيها المؤمن على مكارم الأخلاق، وضبط النفس، وكبح جماحها، ومقاومة الأهواء، ومحاربة نزغات الشيطان، والكرم والبذل ابتغاء وجه الله تعالى. 3 - الصوم تزكية للنفس، وتطهير لها من الأخلاق الرذيلة، والأخلاط الرديئة، وفيه راحة للجهاز الهضمي، يستريح فيه من الامتلاء والتفريغ، فيستعيد نشاطه وقوته. 4 - الصوم من أعظم الطاعات التي يثاب عليها المؤمن ثواباً لا حدود له؛ لأنه لله، ولأنه قائم على الصبر الذي أجره بغير حساب، ففيه الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر عن الشهوات، والصبر على أقدار الله. 5 - الصوم يُعلِّم المؤمن الأمانة، وحسن مراقبة الله في السر والعلن، ويعوِّد النفس على الانضباط في الأكل والشرب وسائر الأحكام، وهو سر بين العبد وربه. 6 - الصوم يقوي الإرادة، ويشد العزيمة لفعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويساعد على صفاء الذهن للذكر والفكر.

7 - الصوم يُشعر المسلمين كافة بطعم الأخوة والوِحدة في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأنهم جميعاً يصومون رمضان في وقت واحد، ويصومون ويفطرون في كل بلد في وقت واحد. 8 - الصوم يبعث في الإنسان عاطفة الرحمة والشفقة والأخوة، فيدفعه إحساسه بالجوع إلى صلة الآخرين، ومواساة الفقراء والمعوزين، ويتذكر بحرمانه من الأكل والشرب في وقت محدود إباحته له طول العام، فيُكثر من الشكر لربه. 9 - الصوم يجدد حياة الإنسان، ويريح المعدة وجهاز الهضم من العمل المستمر، ويخلِّص الجسم من الفضلات المترسبة، والأطعمة والعفونات غير المهضومة، ويضيق مجاري الشيطان الذي يؤز النفوس للمعاصي. 10 - الصوم جهاد للنفس، وتخليص لها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها، وكسر حدة الشهوة، وعبودية النفس والهوى. 11 - إجابة الدعاء، وحصول النصر، مرتبط بتطهير النفوس وصفائها، وخلوصها وسموها، وتعلقها بالخالق دون غيره. وفي رمضان تتوجه القلوب المخبتة، والأنفس الصائمة، والألسن الذاكرة، لرب الأرض والسماء، فيستجيب دعاءها، ويقضي حاجاتها، وينصرها على عدوها. 12 - في الصوم سكون النفس الأمّارة بالسوء، وكسر سورتها عن حمل الجوارح على المعاصي، فالنفس إذا جاعت سكنت جميع الأعضاء من العين واللسان والأذن والبطن والفرج عن المعاصي، وإذا شبعت تحركت للمعاصي. 13 - الصوم عبادة عظيمة جليلة، جمعت خصال الخير كلها بالتقوى، وتقطع

دابر خصال الشر كلها، وبها يحصل كمال الإيمان والتقوى، ولهذا كتب الله الصيام علينا وعلى الأمم السابقة قبلنا. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (¬1). - صلاح القلب: خلق الله الإنسان مركباً من الجسد والقلب، ولا صلاح للجسد مطلقاً إلا بصلاح القلب، وصلاح القلب واستقامته بإقباله بالكلية على ربه، وأنسه به. ولما كان فضول الطعام والشراب، وفضول الكلام والمنام، وفضول مخالطة الأنام، مما يقطعه عن ربه، ويعيقه عن السير إليه، ويزيده شعثاً ويشتته في كل واد، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يُذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات والشبهات التي تعيقه عن سيره إلى الله تعالى. وشرع سبحانه لعباده الاعتكاف الذي مقصوده عكوف القلب على الله، وجمعيته عليه، والخلوة به، والأنس به، والانقطاع عن غيره. وشرع لهم حبس اللسان عن اللغو وكل ما لا ينفع في الآخرة، وشرع لهم قيام الليل، وتلاوة القرآن، والإحسان إلى الناس، وفي ذلك كله صلاح ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400) , واللفظ له.

القلب بالإيمان، وصلاح الجسد بالأعمال الصالحة، وصلاح الفرد والأمة، وظهور الحق، وزوال الباطل. عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - قوة العبادات: الله تبارك وتعالى له الخلق والأمر، وقد جعل في مخلوقاته قوة من قوته، وجعل في أوامره قوة، فجعل في السماء قوة، وفي الأرض قوة، وفي الشمس قوة، وفي الجبال قوة .. وهكذا. وجعل سبحانه في أوامره قوة، فجعل في الإيمان قوة، وجعل في العبادات قوة، وجعل في الطاعات قوة. وقوة الأوامر الشرعية أعظم من قوة المخلوقات، فقوة الإيمان, وقوة الأعمال الصالحة، وقوة الأخلاق الحسنة، وقوة الوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج تجمع للعبد خيري الدنيا والآخرة بحذافيره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فُصِّلَت:30 - 32]. - قوة رمضان: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (¬1). - قوة الصيام: 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (¬3). - قوة صوم رمضان: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , ومسلم برقم (1079) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).

2 - حكم الصيام

2 - حكم الصيام - أنواع الصوم: الصيام الذي شرعه الله عز وجل قسمان: 1 - صيام واجب، وهو ثلاثة أنواع: 1 - ما يجب للزمان نفسه، وهو صوم شهر رمضان. 2 - ما يجب لعلة وسبب، وهو صوم الكفارات. 3 - ما يجب لإيجاب الإنسان ذلك على نفسه، وهو صوم النذر. 2 - صيام مستحب، وهو صيام التطوع، وهو نوعان: 1 - صيام التطوع المطلق كصيام يوم وإفطار يوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحوهما. 2 - صيام التطوع المقيد كصيام الإثنين من كل أسبوع، وصيام أيام البيض من كل شهر، وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء من كل عام ونحو ذلك. - حكم صوم رمضان: يجب صوم رمضان على كل مسلم، بالغ، عاقل، مقيم، قادر على الصوم ذكراً كان أو أنثى، خالٍ من الموانع كالحيض والنفاس، وهذا خاص بالنساء. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184].

2 - وقال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ، فَقال: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ، فَقال: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلا أنْ تَطَّوَّعَ شَيْئاً». فَقال: أخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ، فَقال: فَأخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإسْلامِ، قال: وَالَّذِي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شَيْئاً، وَلا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئاً. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أوْ: دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ». متفق عليه (¬2). - منزلة الصيام في الإسلام: 1 - صيام رمضان ركن من أركان الإسلام العظام، فرضه الله عز وجل في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وقد صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة رمضانات في تسع سنين، ثم توفي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1891) , واللفظ له، ومسلم برقم (11).

2 - الصيام من أعظم العبادات التي تورث التقوى، ولهذا أضافه الله إليه تشريفاً وتعظيماً له، وهو سر بين العبد وربه. 3 - شهر رمضان أفضل الشهور، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، وليلة القدر أفضل ليالي العام. - أركان الصيام: للصيام ركنان: الأول: النية، بأن ينوي المسلم الصيام قبل الفجر. عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). الثاني: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس. قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

- شروط صحة الصيام: شروط صحة الصيام ثلاثة: 1 - الإسلام؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح من كافر. 2 - النية؛ لأن الصيام عبادة، فلا يصح إلا بنية. 3 - الطهارة من الحيض والنفاس -وهذا خاص بالنساء-. - وقت الصيام: 1 - وقت الصيام يبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من أي يوم. 2 - البلاد التي لا تطلع عليها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس إلا لحظات، أو لا تغيب عنها الشمس صيفاً، أو لا تطلع فيها الشمس شتاءً، أو البلاد التي يستمر نهارها ستة أشهر، وليلها كذلك، أو أكثر أو أقل ونحو ذلك: فهذه البلاد يُقدَّر وقت الصلاة والصيام فيها بأقرب بلد إليهم يتميز فيه الليل من النهار، فيحددون أوقات الصلوات الخمس، وأول الشهر، ونهايته، وبدء الإمساك في رمضان، ووقت الإفطار، حسب توقيت ذلك البلد في الصيف والشتاء. - مراحل فرض الصيام: الصيام فيه نوع مشقة على النفوس، فأُخذت به على التدريج شيئاً فشيئاً لتعتاده وتألفه على ثلاث مراحل: الأولى: فرض صيام عاشوراء، وهو العاشر من محرم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ،

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ، صَامَهُ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قال: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ». متفق عليه (¬1). الثانية: ثم نُسخ إيجاب صيام عاشوراء، وفُرض صيام رمضان على التخيير بين الصيام والفدية كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184]. الثالثة: ثم فُرض صوم رمضان على كل مسلم بدون تخيير كما قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. - أقسام المسلمين في رمضان: المسلمون في رمضان على ثلاثة أقسام: قسم يجب عليه الصيام، وقسم يجب عليه الفطر، وقسم يجوز له الفطر والصوم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2002) , ومسلم برقم (1125) , واللفظ له.

1 - الذين يجب عليهم الصيام: وهم: كل مسلم، بالغ، عاقل، صحيح غير مريض، مقيم غير مسافر، والمرأة الطاهرة من الحيض والنفاس. 2 - الذين يجب عليهم الفطر وعليهم القضاء: 1 - الحائض والنفساء. عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَألْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أسْألُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - من خشي الهلاك بصومه فيجب عليه الفطر لإنقاذ نفسه أو غيره. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 3 - الذين يجوز لهم الفطر والصوم هم: الأول: المريض: وللمريض ثلاث حالات: 1 - أن يكون مرضه يسيراً لا يتأثر بالصوم كالزكام والصداع اليسير، فهذا لا يجوز له أن يفطر. 2 - أن يزيد مرضه بالصوم، أو يتأخر برؤه، ويشق عليه الصوم لكن لا يضره، فهذا يستحب له الفطر، ويكره له الصوم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (335).

قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. 3 - أن يشق عليه الصوم، ويتسبب في ضرر قد يفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لما فيه من تعريض نفسه للهلاك، وهو محرم. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. الثاني: المسافر: والمسافر له ثلاث حالات: 1 - أن يشق عليه الصوم، أو يعوقه عن فعل الخير، فهذا الفطر في حقه أولى من الصيام. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا». فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قال: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1946) , واللفظ له، ومسلم برقم (1115).

بِالأجْرِ». متفق عليه (¬1). 2 - أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة قد تفضي به إلى الهلاك، فهذا يجب عليه الفطر؛ حفظاً للنفس من الهلاك. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: «أولَئِكَ العُصَاةُ، أولَئِكَ العُصَاةُ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - أن لا يشق عليه الصوم، ولا يعوقه عن فعل الخير، فهذا الصوم في حقه أولى من الفطر. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184]. 2 - وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرو الأسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللهِ، فَمَنْ أخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أحَبَّ أنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2890)، ومسلم برقم (1119) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1114). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1943) , ومسلم برقم (1121) , واللفظ له.

3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّهَا قَالَتْ: سَألَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرو الأسْلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ». متفق عليه (¬1). الثالث: الحامل والمرضع: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو على الجنين، أو الرضيع، فيجوز لهما الفطر، وتطعمان عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهما. الرابع: المريض الذي لا يرجى برؤه، والشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة: فهؤلاء يفطرون، ويطعمون عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهم. قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184]. - حكم الحائض أو النفساء إذا طهرت: 1 - إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر فيجب عليها الصوم كغيرها، ويصح صومها وإن أخرت الغسل لما بعد الفجر. 2 - إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار فلا يلزمها الإمساك بقية اليوم، فلها أن تأكل وتشرب، ولزوجها أن يجامعها إذا قدم من سفر وهو مفطر. 3 - يجوز للحائض أن تأكل ما يقطع الحيض من أجل رمضان أو الحج إذا لم يضرّ بها، وتأخذ -إذا انقطع الدم- حكم الطاهرات في الصيام، والصلاة، والطواف، والجماع، وفي كل ما يجوز للطاهرات. 4 - المستحاضة، وهي التي لا ينقطع عنها الدم، لها حكم الطاهرات في كل شيء ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1943) , ومسلم برقم (1121) , واللفظ له.

فتصوم، وتصلي كغيرها. - وقت الفطر للمسافر: 1 - إذا بدأ المسلم السفر قبل الفجر، فيجوز له الفطر؛ لأنه قد دخل في السفر. 2 - أن يبدأ السفر بعد الفجر، فيباح له الفطر ذلك اليوم إذا فارق البلد، ولا يفطر قبل السفر؛ لأنه لا يجوز له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد. عَنِ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلا عَلَى مَنْ أفْطَرَ، قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِي السَّفَرِ وَأفْطَرَ. متفق عليه (¬1). 3 - أن ينوي الصوم وهو مسافر، ثم يبدو له أن يفطر، فيجوز له الفطر؛ لأنه من رخص السفر. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. متفق عليه (¬2). - حكم تقدم رمضان بالصيام: 1 - لا يجوز لأحد تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين من أجل الاحتياط لرمضان لما يلي: تمييز فرائض العبادات عن نوافلها، وليستعد المسلم لصوم رمضان بنشاط ورغبة، ولأن صيام رمضان معلق برؤية الهلال، فمن تقدَّمه تنطَّعَ في الدين، وتجاوز الحدود التي فرضها الله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1948)، ومسلم برقم (1113) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1947) , واللفظ له، ومسلم برقم (1118).

2 - يجوز للمسلم إذا كان عليه صوم واجب كقضاء رمضان، أو صوم نذر، أو له عادة صيام كصيام الإثنين أن يصوم قبل رمضان؛ لأن صومه ليس من أجل رمضان. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفق عليه (¬1). - حكم من ترك صيام رمضان: من ترك صيام رمضان جاحداً لوجوبه كفر. ومن ترك صيام رمضان تهاوناً وكسلاً فليس بكافر، لكنه آثم إثماً عظيماً، فتجب عليه التوبة، وقضاء ما ترك من الصيام الواجب. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1914) , واللفظ له، ومسلم برقم (1082). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16).

3 - فضائل الصيام

3 - فضائل الصيام - فقه فضائل الأعمال: من رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل لكل عمل صالح فضائل؛ لكي ترغب النفوس فيه، وتكثر منه. وإذا عرف المسلم فضيلة العمل من صلاة، أو زكاة، أو صيام، أو حج أو غيرها، سهل عليه فعله، وزادت محبته في قلبه، ونشطت جوارحه لأدائه، وشمر لكسب الأجر الموعود عليه، وتلذذ بفعله والإكثار منه، وحفظ به أوقاته، ونافس فيه غيره. قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل:97]. - فضائل رمضان: 1 - قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3277) , ومسلم برقم (1079) , واللفظ له.

3 - وَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لامْرَأةٍ مِنَ الأنْصَارِ (سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا): «مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟» قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قالَ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). - فضائل صيام رمضان: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه». متفق عليه (¬3). 3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1782) , ومسلم برقم (1256) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2009) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (38) , واللفظ له، ومسلم برقم (760). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له.

- فضائل الصوم: 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، هُوَ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبْوَابٍ، فِيهَا باب يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلا الصَّائِمُونَ». متفق عليه (¬2). - فضل الصوم في سبيل الله: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153).

4 - أقسام الصيام

4 - أقسام الصيام - أقسام الصيام: الصيام الذي شرعه الله عز وجل قسمان: صيام فرض، وصيام تطوع. وصيام الفرض ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صوم رمضان، وصوم الكفارات، وصوم النذر. وصيام التطوع ينقسم إلى قسمين: 1 - صيام التطوع المطلق كصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحوها. 2 - وصيام التطوع المقيد كصوم يوم الإثنين، وصوم عرفة، وصوم عاشوراء، وصوم أيام البيض ونحو ذلك. - أقسام الصيام من حيث الحكم: الصيام على أربعة أوجه: 1 - الصوم الواجب، وهو ثلاثة أنواع: صوم شهر رمضان، والصوم الواجب بالنذر، والصوم الواجب في كفارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة قتل الخطأ، وفي كفارة الظهار، وفي كفارة اليمين. 2 - الصوم المستحب، وهو صوم التطوع، وهو أنواع منها: صوم يوم الإثنين، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشوراء ونحو ذلك.

3 - الصوم المكروه، وهو أنواع منها: صيام أيام التشريق .. صوم المريض .. صوم المسافر الذي يشق عليه السفر .. صوم الدهر ونحو ذلك. 4 - الصوم المحرم، وهو أنواع منها: صوم الحائض، وصوم النفساء، وصوم يوم عيد الفطر، وصوم يوم عيد الأضحى، وصوم يوم الشك، والوصال ليوم أو يومين ونحو ذلك. - أنواع الصيام في الكفارات: 1 - كفارة الجماع في نهار رمضان هي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قالَ: «وَمَا أهْلَكَكَ؟». قال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِي فِي رَمَضَانَ، قال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قال: لا، قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قال: لا، قال: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟». قال: لا، قال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تمرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قال: أفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قال: «اذْهَبْ فَأطْعِمْهُ أهْلَكَ». متفق عليه (¬1). 2 - كفارة قتل الخطأ، بأن يقتل مؤمناً خطأً، فيجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111) , واللفظ له.

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء:92]. 3 - كفارة الظهار، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي يريد تحريمها، فيجب عليه قبل أن يمس زوجته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة:3، 4]. 4 - كفارة اليمين، بأن يحلف المسلم على شيء فيحنث فيه، فيجب عليه على التخيير: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم. فإن لم يجد شيئاً من ذلك فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام. قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة:89].

5 - كفارة جزاء الصيد، بأن يقتل المحرم بالحج أو العمرة صيداً برياً، فيجب عليه أن يقوِّمه بدراهم، ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95]. - الأشياء التي لا ينقطع بها تتابع الصيام: من وجب عليه صيام شهرين متتابعين فإنه لا يقطع التتابع ما يلي: العيدان، والسفر المبيح للفطر، والمرض المبيح للفطر، والحيض، والنفاس.

5 - أحكام الصيام

5 - أحكام الصيام - ثبوت دخول رمضان: يجب صيام رمضان إذا ثبت دخول الشهر. ويثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين: 1 - رؤية هلال رمضان. فإذا شهد بدخول رمضان مسلم، عدل، قوي البصر، رجلاً كان أو امرأة فقد ثبت دخوله، ووجب صومه. 2 - إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً. فإذا لم ير الناس الهلال مع صحو السماء ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين، وكذا لو حال دون رؤيته غيم أو قتر فإنه لا يصام. 1 - قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ». متفق عليه (¬1). - أحكام رؤية الهلال: 1 - الطريق إلى معرفة دخول الشهر هو رؤية الهلال بالبصر لا بالحساب الفلكي. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أمَّةٌ أمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا». يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاثِينَ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1909) , واللفظ له، ومسلم برقم (1081).

متفق عليه (¬1). 2 - إذا رأى هلال رمضان جمع من المسلمين العدول وجب صومه، ويجوز الاكتفاء بخبر الواحد إن كان ثقة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بصِيَامِهِ. أخرجه أبو داود (¬2). 3 - إذا رأى هلال شوال اثنان من المسلمين العدول وجب الإفطار، ولا يقبل في خروج رمضان أقل من شاهدين. عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْد قَالَ: أَلاَ إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَاءَلْتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ حَدَّثونِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَانْسُكُوا لَهَا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثلاَثِينَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا». أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 4 - إذا صام الناس بشهادة واحدٍ ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، لم يفطروا حتى يروا الهلال. 5 - إذا صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ثم رأوا هلال شوال فيجب عليهم أن يفطروا، ويصوموا يوماً بعد العيد قضاء؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقالَ: «لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلالَ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1913) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2342). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18895) , والنسائي برقم (2116) , وهذا لفظه.

فَاقْدُرُوا لَهُ». متفق عليه (¬1). 6 - إذا رئي الهلال نهاراً فهو لليلة المقبلة، فإن غاب قبل الشمس فهو لليلة الماضية. - حكم من رأى الهلال ورُدّ قوله: من رأى من المسلمين الهلال وحده، ورُدَّ قوله فإنه يصوم سراً إذا رأى هلال رمضان، ويفطر سراً إذا رأى هلال شوال؛ لئلا يخالف الجماعة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا رَأيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأيْتُمُوهُ فَأفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». متفق عليه (¬2). - حكم صوم يوم الشك: 1 - يوم الشك: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ونحوهما مما يمنع الرؤية. 2 - إذا تبين أن يوم الشك من رمضان، فمن صامه بنية أنه من رمضان فصومه صحيح، ومن صامه احتياطاً لرمضان مع صحو السماء فهو آثم، وصومه غير صحيح. عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 3 - من أفطر يوم الشك ثم تبين في أثناء النهار أنه من رمضان وقد أكل وشرب فيجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يلزمه القضاء؛ لأن النية تتبع العلم، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1906) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1900) , واللفظ له، ومسلم برقم (1080). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2334) , والترمذي برقم (686) , وهذا لفظه.

والعلم لم يحصل إلا أثناء النهار، والله لم يكلف أحداً أن ينوي ما لم يعلم. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ: «أنْ أذِّنْ فِي النَّاسِ: أنَّ مَنْ كَانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». متفق عليه (¬1). - حكم إعلان رؤية الهلال: صيام رمضان من العبادات العامة العظمى، فيجب على إمام المسلمين إذا ثبتت لديه رؤية الهلال شرعاً أن يعلن للمسلمين دخول شهر رمضان وخروجه، بأوسع وسيلة مباحة، وأسرعها بلاغاً؛ ليتمكن المسلمون من فعل ما يجب، وما يسن، في وقت مبكر. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ: «أنْ أذِّنْ فِي النَّاسِ: أنَّ مَنْ كَانَ أكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ». متفق عليه (¬2). - اختلاف المطالع: 1 - التوقيت اليومي يختلف من بلد إلى بلد، فإذا طلع الفجر في المشرق فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا في نفس الوقت؛ لأن الليل قد يكون بدأ عندهم. ولو غابت الشمس في المشرق فلا يجوز لأهل المغرب الفطر؛ لأنه عندهم قد يكون بدأ النهار، وهذا أمر معقول ومحسوس ومعلوم. 2 - كما يختلف المسلمون في الإمساك والإفطار اليومي في كل بلد، فكذلك لا بد أن يختلفوا في الإمساك والإفطار الشهري؛ لأنه لكل بلد رؤيتهم، ولا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2007) , واللفظ له، ومسلم برقم (1135). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2007) , واللفظ له، ومسلم برقم (1135).

يلزم غيرهم الصوم معهم. عَنْ كُرَيْبٍ أنَّهُ كَانَ فِيَ رَمَضَانِ بِالشَّامِ ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ فَسَألَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأيْتُمُ الهِلالَ؟ فَقُلْتُ: رَأيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أنْتَ رَأيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ، أوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أوَ لا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لا، هَكَذَا أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬1). 3 - إذا رؤي الهلال في بلد فإنه يجب الصوم على أهل البلاد التي لا تختلف مطالعها، وإذا اختلفت المطالع لم يجب. - من يلزمه الصوم بالرؤية: إذا رأى الهلال أهل بلد لزمهم الصوم، وحيث أن مطالع الهلال مختلفة، فلكل إقليم، أو قطر، أو بلد حكم يخصه في بدء الصيام ونهايته حسب رؤيتهم، وفي الإمساك والإفطار اليومي. - حكم صوم جميع المسلمين برؤية واحدة: 1 - يجوز أن يصوم المسلمون جميعاً في أقطار الأرض برؤية واحدة، ويفطرون برؤية واحدة، خاصة في هذا الزمان الذي يمكن فيه إبلاغ الخبر للعالم كله في أقل من دقيقة واحدة. وهذا أمر حسن يدل على وحدة المسلمين، واجتماع كلمتهم، وإلى أن يتحقق ذلك إن شاء الله تعالى، فعلى كل مسلم في أنحاء الأرض أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم أهل البلد على أنفسهم فيصوم بعضهم معها، وبعضهم ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1087).

مع غيرها؛ حسماً لمادة الفرقة التي نهى الله عنها. 2 - ليلة القدر واحدة لا تتعدد -ولو اختلفت المطالع-، فإذا كانت ليلة القدر في ليلة سبع وعشرين في بلد، فهي ليلة القدر في العالم كله، ولو لم تكن ليلة سبع وعشرين. - حكم من لم يعلم بدخول رمضان: 1 - من لم يعلم بدخول رمضان فحكمه في وجوب الصوم من وقت علمه، فيمسك إن كان في النهار، ولا قضاء عليه. 2 - من نام ليلة الثلاثين من شعبان وقال إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فصام، ثم تبين أنه أول يوم من رمضان، فصومه صحيح؛ لأن تردده في ثبوت الشهر، لا في نية الصيام. - حكم نية الصيام: 1 - الصيام مركب من ركنين: النية، والإمساك عن المفطرات. فلو أمسك عن الطعام بلا نية الصيام فلا صيام له، وإذا نوى الإفطار أفطر ولو لم يأكل؛ لأنه سقط الركن الأول، الذي هو أساس الأعمال، وأعظم مقومات العبادة، وهو النية. 2 - يجب على المسلم ليحصل على الأجر أن يصوم رمضان إيماناً واحتساباً، لا رياء ولا سمعة، ولا تقليداً للناس، ولا متابعة لأهل بلده، بل يصوم لأن الله أمره، ويحتسب الأجر عند الله. 3 - يجب على المسلم تعيين نية الصيام من الليل قبل طلوع الفجر للصوم الواجب كصوم رمضان؛ لأن الصوم عبادة لها بداية ونهاية، فلا بد أن تسبقه

النية. 4 - السنة في صيام التطوع أن ينويه قبل الفجر، ويصح صوم التطوع بنية من النهار إن لم يفعل ما يفطِّر بعد طلوع الفجر. عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟». فَقُلْنَا: لا، قال: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ». ثُمَّ أتَانَا يَوْماً آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «أرِينِيهِ، فَلَقَدْ أصْبَحْتُ صَائِماً». فَأكَلَ. أخرجه مسلم (¬1). 5 - من نوى الصوم ثم تسحر وغلبه النوم، ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، فصومه صحيح ولا قضاء عليه. - حكم صوم رمضان بنية من النهار: 1 - يجب صوم رمضان بنية من الليل، ويصح صومه بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل، كما لو قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، فإنه يمسك بقية يومه ولا يلزمه القضاء وإن كان قد أكل؛ لأن الأحكام الشرعية لا تلزم إلا بعد العلم بها، والتمكن من العمل بها. 2 - من وجب عليه الصوم نهاراً كالمجنون يفيق، والصبي يبلغ، والكافر يسلم، هؤلاء تُجزيهم النية من النهار حين الوجوب، ولو بعد أن أكلوا وشربوا، ولا قضاء عليهم. - حكم صوم المجنون: المجنون ليس من المكلفين، فلا تجب عليه عبادة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1154).

وإذا جُن المسلم جميع النهار في رمضان من قبل الفجر أو بعد الفجر إلى غروب الشمس، فلا يصح صومه، ولا يلزمه القضاء؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة. - حكم صوم المغمى عليه: 1 - من نوى الصوم، ثم صام فأغمي عليه جميع النهار أو بعضه فصومه صحيح إن شاء الله. 2 - من فقد شعوره بإغماء، أو مرض، أو جنون، ثم أفاق، فلا يلزمه قضاء الصوم والصلاة؛ لارتفاع التكليف عنه. 3 - من فقد شعوره بفعله واختياره بسكر ونحوه ثم أفاق فعليه التوبة والاستغفار، ويلزمه قضاء ما تركه من صوم وصلاة. - حكم صوم النائم: إذا تسحر المسلم ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس: فإن كان معذوراً فصومه صحيح، ولا قضاء عليه. وإن كان غير معذور فصومه صحيح، لكنه آثم بالنوم عن الصلوات المفروضة .. وتعطيل وقت الطاعة والعمل .. والإسراف في النوم. فعليه التوبة والاستغفار، وقضاء ما فاته من الصلوات. - حكم صوم الصبي: العبادات لا تجب إلا على البالغ العاقل، لكن ينبغي لولي أمر الصغير أن يأمره بالصيام، ويرغبه فيه، ليعتاد عليه من الصغر ما دام مستطيعاً له. 1 - عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالتْ: أرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأنْصار: «مَنْ أصْبَحَ مُفْطِراً فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أصْبَحَ صَائِماً

فَليَصُمْ». قالتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَار. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - حكم صوم رمضان بنية واحدة: 1 - صوم رمضان عبادة واحدة مستقلة مركبة من أجزاء وهي الأيام، كالصلاة عبادة مستقلة مركبة من أركان وهي القيام والركوع والسجود وغيرها، فيجوز صوم رمضان بنية واحدة في أول الشهر، وكذا كل صيام متتابع كصوم كفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الظهار وقتل الخطأ ونحوها، ما لم يقطعه بسفر أو مرض، أو يصيب المرأة حيض أو نفاس، فيلزم حينئذ استئناف النية. 2 - يجب تعيين نية الصوم من واجب أو تطوع، فينوي ما يصوم له من أداء رمضان أو قضائه أو نذر أو كفارة أو تطوع. عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1960) , واللفظ له، ومسلم برقم (1136). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4403) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (1423). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

- حكم من صام في بلد ثم سافر: إذا صام المسلم في بلد ثم سافر إلى بلد آخر فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي انتقل إليه، فيفطر معهم إذا أفطروا. وإن أفطر معهم لأقل من تسعة وعشرين يوماً قضى يوماً بعد العيد، ولو صام معهم أكثر من ثلاثين يوماً فلا يفطر إلا معهم. - حكم من صام أو أفطر خطأً: 1 - إذا أذن المؤذن قبل الوقت، ثم أفطر بعض المسلمين بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم، وهكذا لو تأخر المؤذن فلم يؤذن إلا بعد وقت طويل من طلوع الفجر، فأمسكوا بأذانه، فعليهم قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل حد حدوداً، وجعل لكل عبادة بداية ونهاية، وأوجب على المسلم أن يصوم يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وحق الله يجب ضمانه. وهذا الخطأ يُسقط الإثم، ولكنه لا يُسقط الحق، فالحق ثابت، ودَيْن الله أحق أن يُقضى. 2 - إذا صام المسلمون وحال دون الشمس غيم أو قتر فأفطروا ثم طلعت الشمس، أمسكوا إلى الغروب، وصومهم صحيح، ولا قضاء عليهم. عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَتْ: أفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم الصيام في السفر: لكل مسلم في الصلاة والصيام حكم المكان الذي هو فيه، فالصائم يمسك ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1959).

ويفطر في المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض، أو كان على سفينة في البحر، أو كان على طائرة في الجو. والمسافر في رمضان له ثلاث حالات: 1 - إن كان الصيام والفطر بالنسبة له سواء فالصيام أولى. 2 - وإن كان يشق عليه الصيام في السفر فالفطر أولى. 3 - وإن كان يشق عليه الصيام في السفر مشقة شديدة فالفطر في حقه واجب، ويقضي فيما بعد. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. متفق عليه (¬1). - حكم صيام الكبير والعاجز: 1 - العاجز عن الصيام لا يخلو من أمرين: 1 - أن يكون عجزه غير مستمر، فهذا يفطر ويقضي. 2 - أن يكون المرض مستمراً، وعجزه مستمراً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه، والكبير الذي لا يقدر على الصيام، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً. 2 - من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، مقيماً كان أو مسافراً، أطعم عن كل يوم مسكيناً، ويكفيه ذلك عن الصيام. 3 - من أصابه الخرف والتخليط فلا صيام عليه ولا كفارة؛ لأنه مرفوع عنه القلم. قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:184]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1947) , ومسلم برقم (1118).

- صفة الإطعام: إذا لم يستطع المسلم الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عن كل يوم مسكيناً، وله في الإطعام طريقان: الأول: أن يصنع طعاماً حسب طعام أوسط الناس في بلده، ويطعمه ثلاثين فقيراً عن كامل شهر رمضان. الثاني: أن يعطي الفقراء ستة أصواع من أرز أو بر أو نحوهما من طعام بلده، ويقسمها على الثلاثين، ومعها اللحم الذي يكفيها أو غيره، حسب عادة بلده، ويخرجها عن كامل شهر رمضان. - وقت الإطعام: من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فهو بالخيار: إن شاء أطعم عن كل يوم من رمضان بيومه .. وإن شاء قدَّم الإطعام عن الشهر كله في أول رمضان .. وإن شاء أخره كله إلى آخر يوم. فالحمد للهِ على حسن التسهيل والتيسير: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185].

6 - سنن الصيام

6 - سنن الصيام - سنن الصيام: للصيام سنن وآداب ينبغي للمسلم فعلها والحرص عليها، ليكمل صيامه، ويزيد أجره، ويحصل له كمال التقوى. وأهم سنن الصيام في رمضان ما يلي: أكل السحور .. وتأخير السحور .. وتعجيل الفطر .. والفطر على الرطب أو التمر .. والدعاء عند الفطر .. والجود بأنواع الخير .. والإكثار من الصدقة والإطعام .. وقراءة القرآن ومدارسته .. والمحافظة على صلاة التراويح في رمضان .. وقيام الليل .. وإحياء الليل في العشر الأواخر من رمضان بأنواع العبادة .. وتحري ليلة القدر .. وقيام ليلتها .. والاعتكاف. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة:183]. - فضل أكل السحور: 1 - عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ، أكْلَةُ السَّحَرِ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1923) , واللفظ له، ومسلم برقم (1095). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1096).

- أفضل السحور: يسن للمسلم إذا أراد الصيام أن يتسحر بما تيسر من طعام حلال من تمر ونحوه. 1 - قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ المُؤْمِنِ التَّمْرُ». أخرجه أبو داود (¬1). - وقت السحور: يسن تأخير السحور إلى ما قبل أذان الفجر الثاني بمقدار خمسين آية = خمس دقائق تقريباً. 1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ ابنِ عُمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أمِّ مَكْتُومٍ». ثُمَّ قال: وَكَانَ رَجُلاً أعْمَى، لا يُنَادِي حَتَّى يُقال لَهُ: أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ. متفق عليه (¬3). - بركة السحور: في السحور بركات حسية ومعنوية وشرعية منها: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2345). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1921) , واللفظ له، ومسلم برقم (1097). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (617) , واللفظ له، ومسلم برقم (1092).

1 - امتثال أمر الله ورسوله، وهذه أعظم البركات. 2 - أن الأكل جعله الله سبباً يقوي الصائم على طاعة الله وعبادته. 3 - أن السحور يعطي الصائم قوة لا يمل معها من العبادة. 4 - أن السحور يكون سبباً للقيام من النوم في وقت السحر، الذي هو وقت الدعاء والاستغفار، ووقت نزول الرب عز وجل إلى السماء الدنيا. 5 - أن السحور يكون سبباً لصلاة الفجر مع الجماعة في وقتها الفاضل. 6 - في أكل السحور مخالفة أهل الكتاب وهي مطلوبة شرعاً. 7 - أن المسلم إذا قام للسحور يحصل منه للمسلمين خير ينتفع به غيره من طعام، أو مال، أو علم، أو قضاء حاجة. عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: «هَلُمَّ إِلَى الغَدَاءِ المُبَارَكِ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - حكم من سمع النداء والإناء في يده: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ». أخرجه أبو داود (¬2). - وقت فطر الصائم: 1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17143)، وأخرجه أبو داود برقم (2344) وهذا لفظه. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2350). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1954) , واللفظ له، ومسلم برقم (1100).

2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أمْسَيْتَ؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَنَزَلَ فَجَدَحَ، ثُمَّ قال: «إِذَا رَأيْتُمُ اللَّيْلَ أقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». وَأشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ. متفق عليه (¬1). - فضل تعجيل الفطر: 1 - يستحب للصائم تعجيل الفطر إذا سمع الأذان، أو تحقق غروب الشمس، وتعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، ورأس الخير هو اتباع السنة، الذي هو أساس خيري الدنيا والآخرة. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ». متفق عليه (¬2). 2 - تعجيل الفطر شعار أهل الإسلام، وتأخير الفطر شعار أهل الكتاب. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِراً مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ، لأَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). - حكم تعجيل المغرب والإفطار: يسن للصائم أن يفطر إذا سمع الأذان، ثم يصلي المغرب في وقتها. عَنْ أبِي عَطِيَّةَ قَالَ: دَخَلْتُ أنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا مَسْرُوقٌ: رَجُلانِ مِنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كِلاهُمَا لا يَأْلُو عَنِ الخَيْرِ، أحَدُهُمَا يُعَجِّلُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1956) , واللفظ له، ومسلم برقم (1101). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1098). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2353)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1698).

المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ، فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ المَغْرِبَ وَالإفْطَارَ؟ قال: عَبْدُاللهِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ. أخرجه مسلم (¬1). - ما يفطر به الصائم: السنة أن يفطر الصائم على الرطب أو التمر، فإن لم يتيسر أفطر على الماء، فإن لم يتيسر أفطر على ما تيسر من طعام أو شراب حلال، فإن لم يجد ما يفطر عليه نوى بقلبه الفطر. 1 - عَنْ أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 2 - وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قالَ لِبَعْضِ القَوْمِ: «يَا فُلانُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أمْسَيْتَ؟ قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَوْ أمْسَيْتَ؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قال: «إِذَا رَأيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق عليه (¬3). - حكمة الفطر على التمر أو الماء: 1 - إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع الجسم ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1099). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2356) , وهذا لفظه، والترمذي برقم (696). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1955) , واللفظ له، ومسلم برقم (1101).

به، والصائم يفقد كمية من السكر المخزون في جسمه أثناء الصيام، وأكل الرطب أو التمر يعيد إليه بإذن الله ما فقده من السكر والنشاط. وهبوط نسبة السكر عند الإنسان عن حدها المعتاد يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل وروغان البصر، والفطر على التمر يعيد إليه بسرعة ما فقده من السكر. 2 - وأما الماء فالكبد يحصل لها بالصوم نوع يُبس، فإذا رُطِّبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. - ما يقوله الصائم عند الإفطار: 1 - يسن للصائم عند الإفطار أن يسمي، وإذا نسي ثم ذكر قال: بسم الله أوله وآخره. عَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه (¬1). 2 - إذا أفطر وشرب الماء قَالَ: «ذهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ وَثبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ». أخرجه أبو داود (¬2). 3 - أن يحمد الله عند الانتهاء. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5376) , واللفظ له، ومسلم برقم (2022). (¬2) حسن، أخرجه أبو داود برقم (2357).

أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». أخرجه مسلم (¬1). - ما يقوله الصائم إذا شُتم: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا أصْبَحَ أحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ». متفق عليه (¬2). - فضل الجود بالخير في رمضان: يسن للمسلم الإكثار من الصدقة والإطعام، وقراءة القرآن ومدارسته، والجود بأنواع الخير، ويتأكد ذلك في رمضان؛ لما فيه من شرف الزمان. عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - القُرْآنَ: فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ أجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬3). - ما يقوله الصائم إذا أفطر عند أحد: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2734). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1894)، ومسلم برقم (1151). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1902) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3854) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1747).

- فضل إطعام الصائمين: الإطعام مستحب في كل وقت، ويتأكد في رمضان؛ لما فيه من تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). - فضل صلاة التراويح: تسن صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء الآخرة (إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، مع الوتر). هذا هو السنة، ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬2). - فضل الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر: يسن للمسلم أن يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ويحيي الليل بأنواع العبادة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ العَشْرُ، أحْيَا اللَّيْلَ وَأيْقَظَ أهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (807) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (1746). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (37) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2024) , ومسلم برقم (1174) , واللفظ له.

الأوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. أخرجه مسلم (¬1). - فضل العمرة في رمضان: تسن العمرة في رمضان، وهي فيه تعدل حجة. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لامْرَأةٍ مِنَ الأنْصَارِ: «مَا مَنَعَكِ أنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟». قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ، فَحَجَّ أبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحاً نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قال: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً». متفق عليه (¬2). - فضل الاعتكاف في رمضان: يسن للصائم الاعتكاف في رمضان، لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه أقرب إلى صيانة النفس عن المنهيات، وإتيانها بالمأمورات، ورجاء أن يصادف ليلة القدر. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (¬3). - فضل ليلة القدر: يسن للمسلم إحياء ليلة القدر بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن وبذل المعروف، وهي ليلة عظيمة القدر، حيث يفرق فيها كل أمر حكيم. وليلة القدر خير من ألف شهر، وذلك يساوي ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، وهي في العشر الأواخر، وترجى ليلة سبع وعشرين من رمضان. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1175). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1782) , ومسلم برقم (1256) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدْر:1 - 5]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي اللهمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - حكم العمرة ليلة القدر: تسن العمرة في كل وقت، وهي في رمضان آكد؛ لأنها فيه تعدل حجة. أما تخصيص ليلة القدر بعمرة فبدعة؛ لأنه تخصيص لعبادة في زمن لم يخصصه الشرع، وإنما خص الشرع ليلة القدر بالقيام فيها، وإحياء ليلها بالعبادة والصلاة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3513) , وهذا لفظه، وابن ماجه برقم (3850). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1901) , واللفظ له، ومسلم برقم (759).

7 - ما يجب على الصائم

7 - ما يجب على الصائم - يجب على الصائم ما يلي: 1 - يجب على الصائم الفطر إذا أذن المغرب، والإمساك عن المفطرات إذا تبين له طلوع الفجر الثاني. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187]. 2 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ أبِي أوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قالَ: «يَا فُلانُ! انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأتَاهُ بِهِ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قال بِيَدِهِ: «إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ». متفق عليه (¬1). 2 - يجب على المسلم اجتناب الكذب والغيبة والسب في كل وقت، وفي رمضان آكد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1941) , ومسلم برقم (1101) , واللفظ له.

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - عدم الرفث والصخب، وعدم الرد على من جهل عليه. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفق عليه (¬2). 4 - يجب على الصائم حفظ الجوارح عن المعاصي والآثام في كل وقت، وفي رمضان آكد. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء:36]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6057). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1904) , واللفظ له، ومسلم برقم (1151).

8 - ما يحرم على الصائم

8 - ما يحرم على الصائم - يحرم على الصائم ما يلي: 1 - الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات في النهار. قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]. 2 - الوصال يوماً أو يومين فأكثر من غير أكل وشرب بينهما. 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُوَاصِلُوا، فَأيُّكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ». قالوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ». مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قال: «إِنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ». متفق عليه (¬2). 3 - تحرم الغيبة والنميمة ونحوهما في كل وقت، وهي في رمضان أشد حرمة؛ لحرمة الزمان. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1963). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1966) , واللفظ له، ومسلم برقم (1103).

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 4 - تقبيل الزوجة ومباشرتها نهاراً إذا خشي نزول المني. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. متفق عليه (¬2). 5 - استعمال الإبر المغذية، وغسيل الكلى في نهار رمضان. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6057). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) , واللفظ له، ومسلم برقم (1106).

9 - ما يكره للصائم

9 - ما يكره للصائم - يكره للصائم ما يلي: 1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق في النهار. 2 - ذوق الطعام في النهار بلا حاجة. 3 - الحجامة إن خشي الضعف. 4 - الفصد إن خشي الضعف. 5 - مضغ العلك في النهار. 6 - تقبيل ومباشرة الزوجة في النهار بشهوة. 7 - فضول الكلام والنظر والنوم. 8 - جمع الريق وبلعه. 9 - بلع النخامة سواء كانت من الرأس، أو الحلق، للصائم وغيره؛ لأنها مستقذرة طبعاً.

10 - ما يجوز للصائم

10 - ما يجوز للصائم - يجوز للصائم ما يلي: 1 - تقبيل الزوجة ومباشرتها، إن أمن نزول المني، ولو تحركت شهوته. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أمْلَكُكُمْ لإرْبِهِ. متفق عليه (¬1). - من قبّل زوجته أو باشرها وهو صائم فأمذى أو أمذت فلا شيء عليهما. ومن علم أنه يمني بالتقبيل أو المباشرة، وهي مس بشرة الزوجة فيما دون الفرج لم يجز له ذلك. فإن فعل وأمنى أو أمنت هي فقد أفطر الذي أنزل منهما، وبطل صومه، وأثم بفعله، وعليه القضاء دون الكفارة. فإن جامعها نهاراً وهو صائم فهو آثم، وعليه القضاء والكفارة. 2 - أن يصبح يوم الصيام جنباً، فمن أجنب ليلاً، ثم أصبح صائماً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه، ولا إثم عليه. ومن احتلم وهو صائم فصومه صحيح، ولا قضاء عليه. عَنْ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. متفق عليه (¬2). 3 - الأكل والشرب في نهار رمضان ناسياً لا يفسد الصوم، ولا يوجب القضاء، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1927) , ومسلم برقم (1106) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1925) , واللفظ له، ومسلم برقم (1109).

وكذلك الجماع ناسياً. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأكَلَ أوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». متفق عليه (¬1). 4 - الاغتسال وصب الماء على الرأس للتبرد من الحر والعطش. عَنْ أبِي بَكْر بْن عَبدِالرَّحمنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الفَتْحِ بالفِطْرِ وَقَالَ: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَصَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ الَّذِي حَدَّثنِي: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ المَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ العَطَشِ أَوْ مِنَ الحَرِّ. أخرجه أبو داود (¬2). 5 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة. عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِماً». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 6 - الحجامة إن كانت لا تضعفه، والتبرع بالدم إن كان لا يضعفه، والفصد إن كان لا يضعفه، ونحو ذلك. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1933) , ومسلم برقم (1155) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2365). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2366) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (788). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1938) , واللفظ له، ومسلم برقم (1202).

- أحوال أخذ الدم: الحجامة والفصد والتبرع بالدم لا يفطر الصائم. ويجوز ذلك في حق الصائم الذي لا يضعف به .. ويكره في حق من يضعف به .. ويحرم في حق من بلغ به الضعف إلى أن تكون سبباً في إفطاره. عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سُئِلَ: أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِم؟ قَالَ: لا، إِلا مِنْ أجْلِ الضَّعْفِ. وَزَادَ شَبابةُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬1). 7 - خروج القيء، فمن غلبه القيء، أو استقاء لحاجة، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة. 8 - كل ما لا يسمى أكلاً ولا شرباً، ولا يقصد به الأكل والشرب كالكحل والقطرة والحقنة والأدهان والطيب والبخور والحنا ومعجون الأسنان ونحو ذلك. 9 - كل ما لا يمكن التحرز منه كالطعام بين الأسنان، والدم اليسير من اللثة والأسنان، إذا اختلط بالريق وغلبه. وغبار الطريق والطحين والدخان، ونحو ذلك مما لا يمكن التحرز منه إذا بلعه الصائم، والرعاف والنزيف، وخروج المذي والودي ونحو ذلك. 10 - بلع النخامة والبلغم لا يفطر الصائم، لكن ذلك مستقذر، فينبغي للإنسان لفظه لقذارته وضرره. 11 - ذوق الطعام للحاجة ما لم يصل إلى الجوف فيفطر به. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1940).

12 - وصال الصيام إلى السحر، والأَوْلى تركه. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُوَاصِلُوا، فَأيُّكُمْ أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ». قالوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ». أخرجه البخاري (¬1). - ما يباح فعله أثناء الصوم: الأشياء التي لا يفطر بها الصائم، ويجوز للصائم فعلها أثناء النهار ما يلي: قطرة العين والأنف والأذن .. وبخاخ الربو .. وبخاخ الأنف .. والكحل .. والتحاميل .. والحقن الشرجية .. وتحليل الدم .. والدهانات .. والمراهم. وإبر الأنسولين .. والإبر العلاجية غير المغذية .. والأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج الأزمات القلبية .. والتخدير إن أفاق جزءاً من النهار .. ومنظار الكشف على المعدة ونحو ذلك مما هو ليس بأكل ولا شرب. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري برقم (1967).

11 - أقسام المفطرات

11 - أقسام المفطرات - فقه المفطرات: المفطرات هي كل ما يزيد الجسم قوة أو ضعفاً، وهي نوعان: 1 - الطعام والشراب الذي يمد الجسم بالتغذية، فيتولد الدم الكثير الذي يجري في العروق، ويزيد قوة الشهوة، ويسهل للشيطان أن يجري في هذا الدم، فيغوي بني آدم، ويزين لهم المعاصي. 2 - خروج الأشياء المنهكة للجسم، والتي تزيد الجسم ضعفاً إلى ضعف، فيضعف المسلم بسببها عن الطاعة والعبادة، كالجماع والحيض والنفاس ونحو ذلك. فمنع الشرع منه رحمة بالعبد وشفقة عليه؛ لئلا يزيد ضعفه إلى ضعف آخر فيقصِّر في أداء ما أمره الله به. فهذان الأمران هما أساس المفطرات، وعليهما مدار كل مفطر. - الأشياء التي يفسد بها الصوم: يفسد الصوم بما يلي: 1 - الأكل والشرب في نهار رمضان. 2 - الجماع في نهار رمضان. 3 - إنزال المني يقظة بتقبيل، أو مباشرة، أو استمناء ونحو ذلك. 4 - استعمال الإبر المغذية للبدن في نهار رمضان. وهذه المفطرات يفطر بها الصائم إذا فعلها عالماً، متعمداً، ذاكراً لصومه.

5 - خروج دم الحيض والنفاس. 6 - الردة عن الإسلام. - شروط المفطرات: شروط المفطرات ثلاثة: العلم .. والذكر .. والعمد. والصائم له حالتان: الأولى: أن يفعل شيئاً من مفسدات الصيام السابقة ناسياً، أو جاهلاً، أو بغير قصد، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه. 1 - قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأكَلَ أوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ». متفق عليه (¬1). الثانية: أن يفعل شيئاً من مفسدات الصيام مختاراً، عالماً، ذاكراً، من غير رخصة شرعية، فهذا قد فسد صومه، وهو آثم بفعله، وعليه أن يتوب إلى الله من ذنبه، ولا يصح منه الأيام التي أفطرها، وإن كان الفطر بالجماع فعليه إثم الفطر والجماع. قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5]. - منافذ المفطرات: ما يفسد الصيام له ستة منافذ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1933) , ومسلم برقم (1155) , واللفظ له.

1 - قسم من الفم: وهو الأكل والشرب عمداً. 2 - قسم من الأنف: وهو المبالغة في الاستنشاق حتى دخل الماء في جوفه. 3 - قسم من الفرج: وهو ثلاثة أقسام: الجماع .. ونزول المني في غير احتلام بمباشرة أو تقبيل ونحو ذلك .. وخروج دم الحيض والنفاس. 4 - قسم من الدماغ: وهو نوعان: الجنون .. والإغماء .. فمن جن أو أغمي عليه فسد صومه، ولا قضاء عليه؛ لارتفاع التكليف عنه. 5 - قسم من سائر البدن: وهو الإبر المغذية للبدن. 6 - قسم من العروق: كحقن الدم في الجسم، وغسيل الكلى، ويكون بإخراج الدم من الجسم، ثم إعادته نقياً مع إضافة بعض المواد إليه. وهذه الأقسام كلها مفسدة للصوم. - حكم استخدام الصائم الإبر: الإبر نوعان: 1 - الإبر المغذية التي تستخدم في إطعام المرضى، فهذه تفطِّر من استعملها؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب. 2 - الإبر غير المغذية التي تستخدم للدواء للتغذية مثل إبر الأنسولين ونحوها، فهذه لا تفطر الصائم؛ لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما. - حكم استخدام بخاخ الربو: من كان عنده ضيق في التنفس فيجوز له استخدام البخار، أو بخاخ الربو، من

أجل توسيع الشعب الهوائية وترطيبها، ولا يفطر بذلك الصائم. - حكم حقن الدم في الصائم: إذا احتاج الصائم إلى دم، كأن يحصل معه نزيف، أو ينقص دمه، فحُقن به دم، فإنه يفطر بذلك؛ لأن الدم خلاصة الغذاء، والغذاء من المفطرات، فيفطر ويقضي فيما بعد. - الذين يجوز لهم الفطر في رمضان: الذين يجوز لهم الفطر في رمضان سبعة: أربعة من أهل القضاء .. وثلاثة من أهل الكفارة. فأهل القضاء أربعة، وهم: المسافر إذا أفطر .. والمريض إذا أفطر .. والحامل إذا خافت على نفسها أو ولدها فأفطرت .. والمرضع إذا خافت على الرضيع فأفطرت. فهؤلاء إذا أفطروا فعليهم القضاء بلا كفارة. وأهل الكفارة ثلاثة، وهم: المريض الذي لا يرجى برؤه .. وصاحب العطش الذي لا يصبر عن الماء .. والكبير من الرجال والنساء الذي لا يستطيع الصوم. فهؤلاء جميعاً يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهم. - حكم الجماع في نهار رمضان: 1 - إذا أنزل الصائم في نهار رمضان باستمناء ومباشرة زوجته بدون جماع، فهو آثم، وعليه القضاء دون الكفارة. 2 - من سافر في نهار رمضان، وصام في سفره، ثم جامع زوجته، فعليه القضاء

دون الكفارة، ولا إثم عليه. 3 - من جامع في نهار رمضان وهو مقيم فعليه القضاء والكفارة والإثم إن كان متعمداً، عالماً، ذاكراً. فإن كان مكرهاً، أو جاهلاً، أو ناسياً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، والمرأة كالرجل في الحالتين. - كفارة الفطر بالجماع في نهار رمضان: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «وَمَا أهْلَكَكَ؟». قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِي فِي رَمَضَانَ، قال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قالَ: لا، قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟». قال: لا، قالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟». قال: لا، قال: ثُمَّ جَلَسَ، فَأتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمر، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قال: أفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قال: «اذْهَبْ فَأطْعِمْهُ أهْلَكَ». متفق عليه (¬1). - متى تسقط الكفارة بالجماع: تسقط الكفارة فيما يلي: 1 - إذا جامع زوجته في السفر. 2 - إذا جامع زوجته في قضاء رمضان. 3 - إذا جامع زوجته في رمضان دون الفرج فأنزل. 4 - إذا كان معذوراً بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فلا قضاء عليه ولا كفارة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111) , واللفظ له.

5 - إذا واقع زوجته في صوم نفل أو نذر. لا تجب الكفارة مطلقاً بغير الجماع في نهار رمضان ممن يلزمه الصوم. - حكم من احتال للجماع في نهار رمضان: من احتال لجماع أهله في رمضان فأفطر بالطعام أو الشراب، ثم جامع أهله لتسقط عنه الكفارة فهذا قد خرق حرمة رمضان بالفطر .. وفَعَل الجماع المحرم في نهار رمضان .. واحتال لمقارفة المحرم .. وأفسد صوم غيره بالجماع فعلى الحاكم أن يستتيبه .. وعليه التوبة إلى الله من ذنبه العظيم .. وعليه القضاء .. وعليه الكفارة المغلظة. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ؛ أنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟». قال: لا، قال: «وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟». قال: لا، قال: «فَأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا». متفق عليه (¬1). - حكم الكفارة إذا كرر الجماع: 1 - تجب الكفارة على من جامع في نهار رمضان متعمداً على الترتيب: عتق رقبة مؤمنة .. فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين .. فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. 2 - من جامع في نهار رمضان ثم كفر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة أخرى. 3 - من جامع مراراً في يوم واحد، فعليه كفارة واحدة، لكن إثمه أعظم. 4 - من جامع في نهار رمضان ولم يكفر، ثم جامع في يوم آخر، فعليه كفارة لكل يوم؛ لأن كل يوم عبادة مفردة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1936) , ومسلم برقم (1111)، واللفظ له.

- أقسام الناس في الصيام والقضاء: الناس في رمضان أربعة أصناف: 1 - من يلزمه صوم رمضان أداءً، وهو كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام مقيم. 2 - من يفطر ويقضي وهم سبعة: المريض الذي يرجى زوال مرضه .. المسافر .. الحائض والنفساء .. الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو الجنين أو الرضيع .. المفطر لإنقاذ من وقع في هلكة. 3 - من لا يجب عليه الصيام أداءً ولا قضاءً، وإنما تجب عليه الكفارة بدل الصيام وهم ثلاثة: الشيخ الكبير .. والعجوز الكبيرة .. والمريض الذي لا يرجى برؤه. 4 - من لا يجب عليه الصيام أداء ولا قضاءً، ولا يصح منه، وهم أربعة: 1 - الكافر: فالصوم عبادة لا تصح من كافر. 2 - الصغير دون البلوغ: والمميز يصح منه، ولا يجب عليه أداءً ولا قضاءً. 3 - المجنون: لأنه مرفوع عنه القلم. 4 - الخرف في عقله: لأنه مرفوع عنه القلم، فلا يجب عليه، ولا يطعم عنه.

12 - قضاء الصيام

12 - قضاء الصيام - الذين يجب عليهم الصيام والقضاء والإطعام. 1 - الله عز وجل أوجب صيام رمضان أداءً في حق غير ذوي الأعذار. 2 - وأوجبه قضاءً في حق ذوي الأعذار التي تزول كالسفر والمرض والحيض والنفاس. 3 - وأوجب الإطعام في حق من لا يستطيع الصيام أداء ولا قضاء كالكبير، والمريض الذي لا يرجى برؤه. - حكم قضاء رمضان: 1 - يجب على من أفطر في نهار رمضان بعذر أن يقضي جميع الأيام التي أفطرها؛ لأنها دين لله يجب أداؤه إلا إن كان عاجزاً عن الصيام فيطعم عن كل يوم مسكيناً. 2 - ويسن قضاء رمضان فوراً متتابعاً، وإذا ضاق الوقت وجب التتابع، وإن أخر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان آخر بغير عذر فهو آثم، وعليه القضاء. 3 - قضاء رمضان لا يجب على الفور، وإنما يجب على التراخي وجوباً موسعاً، لكن تستحب المبادرة بالقضاء. 1 - قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} [المؤمنون:61]. 2 - وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوْ

بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). - حكم قضاء من أفطر رمضان متعمداً: من أفطر رمضان أو بعضه عالماً متعمداً ذاكراً من غير عذر، لم يجزه صيام الدهر كله، فلا يشرع له القضاء، ولا يصح منه، وهو آثم إثماً عظيماً؛ لأنه انتهك حرمة الشهر، وحرمة الأمر، متعمداً من غير عذر، فعليه التوبة والاستغفار من ذنبه. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء:110]. - حكم صوم التطوع قبل القضاء: 1 - من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يبدأ بالقضاء قبل التطوع؛ لأن الفرض مقدم على النفل، وأداء الفرائض أحب إلى الله. 2 - من كان عليه صيام من رمضان فالسنة أن يقضيه، ثم يصوم الستة أيام من شوال؛ ليحصل على فضيلة ثواب صوم الدهر، باتباع رمضان بست من شوال. عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - السنة أن يبادر المسلم إلى قضاء ما فاته من رمضان، لكن لو صام تطوعاً قبل أن يقضي ذلك جاز له، خاصة إذا كان الصوم مما له فضيلة تفوت كيوم عرفة، والعاشر من محرم ونحوهما؛ لأن وقت القضاء موسّع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1950) , ومسلم برقم (1146) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1164).

- حكم قضاء الصيام عن الميت: من مات وعليه صيام من رمضان فله ثلاث حالات: 1 - أن يتصل عذره بموته فلا يتمكن من القضاء حتى يموت وهو غير قادر على القضاء، فهذا ليس عليه ولا على ورثته صيام ولا إطعام. 2 - أن يزول عذره، ويتمكن من القضاء، لكنه لم يقض حتى مات، فهذا يصوم عنه وليه؛ لأنه دَيْن يجب قضاؤه. 3 - أن يموت وعليه صوم نذر، فهذا يصوم عنه وليه؛ لأنه دَيْن في ذمته يجب قضاؤه. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأقْضِيهِ عَنْهَا؟ قال: «نَعَمْ» قال: «فَدَيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (¬2). - حكم الصيام والإطعام في القضاء: من مات وعليه صيام واجب كقضاء رمضان، أو صوم نذر، فالسنة أن يقضيه عنه وليه، والولي هو الوارث، وإن قضاه عنه غيره أجزأ عنه. وإن صام عنه رجال أو نساء بعدد الأيام التي عليه جاز ذلك. وإن جمع وليه المساكين بعدد الأيام التي عليه وأطعمهم أجزأ ذلك عنه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1953) , واللفظ له، ومسلم برقم (1148). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , واللفظ له، ومسلم برقم (1147).

- صفة قضاء صيام رمضان: من كان عليه قضاء من رمضان فله أن يقضيه متتابعاً أو مفرقاً حسب الأرفق به، فإن استويا فالتتابع في القضاء أولى؛ لأن القضاء يحكي الأداء، والمسارعة في القضاء أولى للقادر. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. - حكم من نوى الإفطار: من نوى الإفطار أفطر؛ لأن الصيام مركب من ركنين: النية، والإمساك عن المفطرات، فإذا نوى الإفطار جازماً سقط الركن الأول، وهو أساس الأعمال، وعليه قضاء يوم مكانه. - حكم من أكل فبان خلاف ظنه: من أكل أو شرب أو جامع معتقداً أنه في ليل فبان نهاراً، أو أكل أو شرب أو جامع ظاناً غروب الشمس فتبين أنها لم تغرب، فصومه في الحالتين صحيح، ولا قضاء عليه؛ لأنه الأصل، وقد اجتهد وفَعَل ما يجوز له شرعاً، فظهر أنه مخطئ، لكن يجب عليه الإمساك فوراً. قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5].

- حكم قضاء الست من شوال: 1 - صيام الأيام الستة من شوال لا تقضى إذا فات وقتها من غير عذر. 2 - من كان معذوراً بمرض لا يمكن معه الصوم، أو استغرقت المرأة صيام شوال قضاءً، فلهذين صيام الست من شوال في ذي القعدة قضاءً كالرواتب الفائتة لعذر.

13 - صيام التطوع

13 - صيام التطوع - أنواع الصيام: الصيام نوعان: 1 - الصيام الواجب: وهو ثلاثة أنواع هي: صيام رمضان .. وصيام الكفارات .. وصيام النذر. 2 - صيام التطوع: وهو كل صيام مشروع ليس بواجب، وهو نوعان: 1 - تطوع مطلق كصيام يوم وإفطار يوم. 2 - وتطوع مقيد كصيام يوم عرفة وعاشوراء ونحوهما. وصيام التطوع بعضه آكد من بعض. - حكمة مشروعية صيام التطوع: صوم التطوع فيه ثواب عظيم، وزيادة في الأجر، وجبر لما يحصل في الصيام الواجب من نقص أو خلل. وثمرة الصيام حصول التقوى، وفي صيام التطوع حفظ جوارح المسلم من الآثام على مدار العام، والتقرب إلى الله بما يحب. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا

تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام التطوع: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: مَا صَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لا وَاللهِ لا يَصُومُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً، وَكَانَ لا تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّياً إِلا رَأيْتَهُ، وَلا نَائِماً إِلا رَأيْتَهُ. أخرجه البخاري (¬3). 3 - وَعَنَْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْراً أكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا». وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا. متفق عليه (¬4). - أنواع صيام التطوع: صوم التطوع المشروع أربعة أنواع: 1 - ما يتكرر بتكرر الأيام كصوم يوم وفطر يوم. 2 - ما يتكرر بتكرر الأسابيع، وهو صوم يوم الإثنين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1971) , واللفظ له، ومسلم برقم (1157). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1972). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1970) , ومسلم برقم (782).

3 - ما يتكرر بتكرر الشهور، وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر. 4 - ما يتكرر بتكرر السنين، وهو ما يلي: صيام يوم عرفة .. والعاشر من محرم .. وست من شوال .. وتسع ذي الحجة .. وصوم أكثر شهر الله المحرم .. وصوم أكثر شعبان. - أقسام صيام التطوع: ينقسم صيام التطوع إلى ثمانية أقسام: الأول: صوم يوم وإفطار يوم: وهو أفضل صيام التطوع، وهو صوم داود - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَأحَبَّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ (عَلَيْهِ السَّلام). كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً». متفق عليه (¬1). الثاني: صيام شهر الله المحرم: وهو أفضل الصيام بعد رمضان، وآكده العاشر ثم التاسع، وصوم العاشر يكفر ذنوب السنة الماضية، ويسن أن يصوم التاسع ثم العاشر مخالفة لليهود. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، فَرَأى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقال: «مَا هَذَا». قالوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131) , ومسلم برقم (1159) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1163).

اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قال: «فَأنَا أحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ». فَصَامَهُ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ». قال: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬2). الثالث: صيام ست من شوال: والأفضل أن تكون متتابعة بعد العيد، ويجوز تفريقها. عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». أخرجه مسلم (¬3). الرابع: صيام ثلاثة أيام من كل شهر: وهي كصيام الدهر. ويسن أن تكون أيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، أو يصوم أيام الإثنين، أو يصوم ما شاء من الشهر. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أَبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذرٍّ إِذا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثلاَثةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثلاَث عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ». أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2004) , واللفظ له، ومسلم برقم (1130). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1134). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1164). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1178) , واللفظ له، ومسلم برقم (721).

الترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ مُعَاذَةُ أنَّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ. أخرجه مسلم (¬2). الخامس: صيام يوم الإثنين من كل أسبوع. عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الإثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ». أخرجه مسلم (¬3). السادس: صيام تسعة أيام من أول شهر ذي الحجة، وأفضلها التاسع، وهو يوم عرفة، ويسن صيامه لغير حاج، وصيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، ويستحب للمسافر صوم يوم عرفة وعاشوراء؛ لأنه يفوت وقتهما. 1 - عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً. قال: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَالَ: «لا صَامَ وَلا أفْطَرَ (أوْ مَا صَامَ وَمَا أفْطَرَ»). قال: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قال: «وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قال: «لَيْتَ أنَّ اللهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قال: «ذَاكَ صَوْمُ أخِي دَاوُدَعَلَيْهِ السَّلام». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإثْنَيْنِ، قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ». قال: فَقَالَ «صَوْمُ ثَلاثَةٍ مِنْ كُلِّ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (761). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1160). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1162).

شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ». قال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (¬2). السابع: الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت مصلحة. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (¬3). الثامن: صيام أكثر شعبان: ويسن أن لا يخلي شهراً من صيام. عَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأيْتُهُ أكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. متفق عليه (¬4). هذه أهم الأيام التي يسن صومها، ويسن للمسلم المحافظة عليها زيادة في الأجر، وسداً لنقص الصوم الواجب. - أفضل صيام التطوع: 1 - عَنْ عَبْداللهِ بن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أقُولُ: وَاللهِ لأصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1162). (¬2) أخرجه البخاري برقم (969). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1969) , واللفظ له، ومسلم برقم (1156).

وَأمِّي، قال: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْمَيْنِ». قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، وَهُوَ أفْضَلُ الصِّيَامِ». فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَاللهِ، ألَمْ أخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً وَأحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ». متفق عليه (¬3). - الذين لا يجوز لهم صوم التطوع إلا بإذن: يسن صوم التطوع للرجال والنساء على حد سواء. والذين لا يجوز لهم صوم التطوع إلا بإذن هم: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1976) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1975) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3420) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159).

الزوجة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها .. والأَمَة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن سيدها .. والعبد لا يصوم تطوعاً إلا بإذن سيده .. والأجير لا يصوم تطوعاً إلا بإذن من استأجره إن كان الصوم يضر بعمله. أما صوم رمضان، وقضاء رمضان إذا ضاق وقته فيصام بلا إذن أحد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَصُومُ المَرْأةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ». متفق عليه (¬1). - ما يفعله الصائم إذا دعي لطعام: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أمِّ سُلَيْمٍ، فَأتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قال: «أعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ». متفق عليه (¬3). - حكم قطع صوم التطوع: 1 - الواجب نية الصيام المفروض قبل الفجر؛ لأن النية ركن في كل عبادة من أولها. 2 - يصح صوم النفل بنية من النهار إن لم يكن قد أتى بمفطر بعد الفجر وقبل النية، ويثاب على الصوم من وقت النية؛ لأن ما قبله لا نية فيه، فلا يقع عبادة. 3 - يسن للصائم تطوعاً إكمال صومه، ولا ينبغي قطعه بلا عذر؛ لما فيه من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5192) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1150). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1982) , واللفظ له، ومسلم برقم (2481).

تفويت الأجر، ولا يجب قضاؤه. 4 - ينبغي للصائم تطوعاً مراعاة المصلحة في إمضاء صومه أو فطره، فإن حقق فطره مصلحة له أو لغيره كإدخال السرور على قلب من دعاه إلى وليمة نهاراً، أوحصل له عذر، فهذا يسن له الفطر، وإن لم تكن مصلحة فالأولى كسب الأجر بالصوم. عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ! هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟». قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قال: «فَإِنِّي صَائِمٌ». قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ (أوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ (أوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئاً، قال: «مَا هُوَ». قُلْتُ: حَيْسٌ، قال: «هَاتِيهِ». فَجِئْتُ بِهِ فَأكَلَ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم صيام يوم السبت والأحد: يستحب صيام يوم السبت والأحد؛ لأنهما عيدان للمشركين، وبصيامهما تحصل المخالفة لهم، ويكره إفراد السبت أو الأحد بالصيام؛ لأن فيه تعظيم عيد الكفار، ويجوز صوم الجمعة أو السبت أو الأحد إذا قرنه بغيره. - ما يكره صومه من الأيام والشهور: 1 - يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا إذا كان يوافق عادة له في صيامه فلا يكره؛ لأن يوم الجمعة يوم عيد فلا يصام مفرداً. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1154).

أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلا يَوْماً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقالَ: «أصُمْتِ أمْسِ؟». قالتْ: لا، قال: «تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَداً؟». قالتْ: لا، قال: «فَأفْطِرِي». أخرجه البخاري (¬2). 2 - يكره إفراد رجب بالصوم؛ لأن أهل الجاهلية يعظمونه، وفي صومه إحياء لذلك. - الأيام المنهي عن صيامها: 1 - صوم يوم عيد الفطر والأضحى. 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي عُبَيْدٍ قالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ، نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. متفق عليه (¬4). 2 - صيام أيام التشريق إلا لحاج لم يجد الهدي، وهي الأيام الثلاثة التي تلي العيد. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1985) , واللفظ له، ومسلم برقم (1144). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1986). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1991) , ومسلم برقم (827) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1990) , ومسلم برقم (1137) , واللفظ له.

2 - وَعَنْ نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - صوم يوم الجمعة منفرداً: أما إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو وافق صياماً معتاداً له، فلا حرج في إفراده بالصيام؛ لأنه لم يتعمده بعينه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلا يَوْماً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ». متفق عليه (¬2). 4 - صوم يوم الشك على نية الاحتياط لصوم رمضان. ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَمَّار رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُ فِيهِ النّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). 5 - صيام الدهر: لما فيه من المشقة والضعف والحرج. عَنْ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: نَعَمْ، قال: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ، وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ صَوْمُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1141). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1985) , واللفظ له، ومسلم برقم (1144). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1914) , واللفظ له، ومسلم برقم (1082). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2334) , والترمذي برقم (686).

الدَّهْرِ كُلِّهِ». قُلْتُ: فَإِنِّي أُطيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى». متفق عليه (¬1). 6 - صوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها، فإن كان غائباً فلها أن تصوم بلا إذنه. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَصُمِ المَرْأةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أجْرِهِ لَهُ». متفق عليه (¬2). - فضل صيام الواجب والمسنون: 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ، هُوَ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ سَهْلٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَاباً يُقال لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقال أيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أحَدٌ». متفق عليه (¬4). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1979) , ومسلم برقم (1159) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5192) , ومسلم برقم (1026) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7492) , ومسلم برقم (1151) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1896) , واللفظ له، ومسلم برقم (1152). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400) , واللفظ له.

14 - الاعتكاف

14 - الاعتكاف - الاعتكاف: هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى. - حكمة مشروعية الاعتكاف: القلوب مع كثرة الاختلاط تتعلق بما سوى الله، وتتأثر به، وتنشغل به. ومن رحمة العزيز الرحيم أن شرع لعباده ما يقطعهم عن ذلك، ويصلهم بربهم، ويذكِّرهم بالله، وذلك بحبس النفس على طاعة الله، والأنس به، والتلذذ بعبادته، وإخلاء القلب عن كل ما يشغل عن ذكر الله عز وجل، لتعتاد النفوس ذكر خالقها، وتتلذذ بالخلوة به، وتنشط لطاعته وعبادته، فشرع لهم الاعتكاف تحقيقاً لهذه المقاصد. - حقيقة الاعتكاف: الاعتكاف هو عكوف القلب على الله، وقطع المعتكف علائقه بما سواه، والخلوة بربه، والتلذذ بمناجاته، وجمعية نفسه وخواطره وأفكاره عليه. وسر الاعتكاف ولبه الاتصال الدائم بالخالق، وقطع العلائق عن الخلائق، بالتفكر في أسماء الله وصفاته، وذكر نعمه وآلائه، وذكر خلقه وشرعه، وذكر اليوم الآخر، ولزوم العبادات الخاصة من الذكر، والدعاء، والاستغفار، والصلاة، وقراءة القرآن ونحو ذلك مما يُصلح القلب من القربات والطاعات وحسن الأخلاق. - حكم الاعتكاف: الاعتكاف قربة إلى الله عز وجل.

ويصح الاعتكاف في كل وقت من العام ليلة، أو يوماً، أو أياماً، أو غيرها. ويسن الاعتكاف في رمضان، وهو في العشر الأواخر من رمضان آكد؛ لما يرجى فيها من موافقة ليلة القدر. ويصح الاعتكاف بلا صوم، وهو مع الصوم أفضل، ويجب بالنذر. والاعتكاف من الطاعات المستحبة والأعمال الجليلة، ولهذا شرعه الله لنا ولمن قبلنا من الأمم من الرجال والنساء. 1 - قال الله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً. أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬3). - شروط صحة الاعتكاف: يشترط لصحة الاعتكاف ثلاثة شروط: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2044). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2020) , واللفظ له، ومسلم برقم (1169).

الإسلام .. ونية الاعتكاف .. وأن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة. - أفضل أماكن الاعتكاف: 1 - الاعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى أفضل من غيرها من المساجد، فإن عيَّن الأعلى كالمسجد الحرام لم يجز فيما دونه، وإن عيَّن الأدنى جاز الاعتكاف فيه وفي الأعلى. 2 - أفضل المساجد المسجد الحرام، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، ثم المسجد النبوي، والصلاة فيه بألف صلاة، ثم المسجد الأقصى، والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة. 3 - يسن الاعتكاف في أي مسجد من مساجد المسلمين تقام فيه الجماعة. قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]. - أفضل أوقات الاعتكاف: أفضل أوقات الاعتكاف للرجال والنساء العشر الأواخر من رمضان. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (¬1). - أقل مدة الاعتكاف: يصح الاعتكاف في أي وقت، وفي أي مدة: ليلة، أو يوماً، أو أياماً، أو شهراً ونحو ذلك، وأفضل الاعتكاف في رمضان، وأفضله في العشر الأواخر منه. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْماً. أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْفِ نَذْرَكَ». فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. متفق عليه (¬2). - وقت بداية الاعتكاف ونهايته: 1 - إذا أراد المسلم أن يعتكف يوماً دخل المعتكف بعد صلاة الفجر، وخرج بعد غروب الشمس، وإذا أراد أن يعتكف ليلة دخل المعتكف قبل غروب الشمس، وخرج بعد طلوع الشمس من الغد. وإذا أراد أن يعتكف يوماً وليلة دخل معتكفه قبل غروب الشمس، وخرج بعد غروب الشمس من الغد. 2 - إذا أراد المسلم اعتكاف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان. عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أضْرِبُ لَهُ خِبَاءً، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. متفق عليه (¬3). - أقسام الاعتكاف: الاعتكاف ينقسم إلى قسمين: 1 - الاعتكاف المسنون: وهو ما تطوع به المسلم تقرباً إلى الله عز وجل، وطلباً لثوابه، واقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2044). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2042) , واللفظ له، ومسلم برقم (1656). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2033) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173).

وهو مشروع كل وقت، وهو في رمضان أفضل، وآكده في العشر الأواخر من رمضان. 2 - الاعتكاف الواجب: وهو ما أوجبه المسلم على نفسه: إما بالنذر المطلق كأن يقول: للهِ علي أن أعتكف يوماً، فيجب عليه الوفاء به. وإما بالنذر المقيد كأن يقول: للهِ علي إن شفاني الله أن أعتكف أسبوعاً مثلاً، فيجب عليه الوفاء به. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْفِ نَذْرَكَ». فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. متفق عليه (¬2). - حكم نذر الاعتكاف: 1 - من نذر الصلاة أو الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة لزمه الوفاء بنذره كما سبق، وإن عين الأفضل كالمسجد الحرام لم يجز فيما دونه، وإن عين ما دونه جاز فيه وفي الأفضل منه. عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذرْتُ للهِ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا»، ثمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «صَلِّ هَاهُنَا»، ثمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6696). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2042) , واللفظ له، ومسلم برقم (1656).

«شَأْنُكَ إِذنْ». أخرجه أبو داود (¬1). 2 - من نذر الصلاة أو الاعتكاف في بلد أو مسجد غير المساجد الثلاثة فلا يلزمه، فيجوز له الاعتكاف والصلاة في أي مسجد وبلد؛ لأن البقاع كلها سواء، ولا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة فقط. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (¬2). - ما يجوز للمعتكف فعله: يباح للمعتكف فعل ما يلي: 1 - تنظيف بدنه من الشعث والوسخ، وترجيل الشعر، وحلق الرأس، وتقليم الأظفار، والاغتسال، ولبس أحسن الثياب، والبخور والطيب. 2 - الخروج من المسجد لحاجة الإنسان التي لا بد منها كقضاء الحاجة، والوضوء، والغسل ونحو ذلك. 3 - الخروج للأكل والشرب إذا لم يتيسر وصوله إليه في المسجد. 4 - الأكل والشرب والنوم في المسجد في مكان أو خباء، مع المحافظة على نظافة المسجد وصيانته عن الأقذار. 5 - حضور حلق الذكر والعلم أحياناً في المسجد الذي يعتكف فيه. 6 - زيارة مريض له حق عليه، وشهود جنازة من له حق عليه، كأحد الوالدين أو ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3305). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397).

قريب ونحوهما. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ. متفق عليه (¬1). - ما يسن للمعتكف فعله: يسن للمعتكف فعل ما يلي: 1 - الإكثار من ذكر الله .. والتفكر في آلاء الله ونعمه .. والإعراض عن كل ما يشغله عن ربه .. واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل. 2 - يسن له الاشتغال والاجتهاد بأنواع العبادة كتلاوة القرآن، والدعاء، وكثرة الاستغفار، وصلاة النوافل، والتهجد، والوتر، والإحسان بالقول والفعل، وحفظ الوقت فيما ينفعه. 3 - الاجتهاد ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وآكدها ليالي الوتر، وأرجاها ليلة سبع وعشرين. - حكم اعتكاف النساء في المسجد: يسن الاعتكاف في المسجد للنساء كما يسن للرجال، ما لم تخش منه فتنة أو حرج، فتُمنع منه النساء درءاً للمفسدة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2029) , ومسلم برقم (297) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2026) , واللفظ له، ومسلم برقم (1172).

رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. قال: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أنْ تَعْتَكِفَ فَأذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا فَضَرَبَتْ قُبَّةً أخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الغَدَاةِ أبْصَرَ أرْبَعَ قِباب، فَقال: «مَا هَذَا». فَأخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقال: «مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلا أرَاهَا». فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. متفق عليه (¬1). - شروط اعتكاف المرأة: يشترط لصحة اعتكاف المرأة ثلاثة شروط: 1 - أن يأذن لها وليها في الاعتكاف. 2 - أن لا يكون في اعتكافها فتنة لها أو لغيرها. 3 - أن تستتر عن الرجال في خباء خاص بالنساء؛ لئلا تَفتن أو تُفتن. - حكم اعتكاف المرأة المستحاضة: يسن للمرأة المسلمة الاعتكاف في المسجد، سواء كانت طاهراً، أو مستحاضة، أو حائضاً، لكن ينبغي للمستحاضة والحائض أن تتحفظ لئلا تلوث المسجد، وليس للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها؛ لأنه ليس بمسجد حقيقة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنْ أزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2041) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2037).

2 - وَعَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قال: «لِتُلْبِسْهَا أخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه (¬1). - حكم زيارة المرأة زوجها في معتكفه: يجوز للمرأة أن تزور زوجها في معتكفه، وله أن يخلو بها، ويقلبها إلى بيتها، ولأهله وأصحابه أن يزوروه. عَنْ عَلِيّ بن الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أخْبَرَتْهُ: أنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ، فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ باب المَسْجِدِ عِنْدَ باب أمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصار، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال لَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». فَقالا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئاً». متفق عليه (¬2). - حكم قطع الاعتكاف: 1 - يسن للمسلم إذا نوى الاعتكاف وشرع فيه أن يتمه، ويجوز له قطع الاعتكاف لعذر أو مصلحة قبل تمام المدة، ولا حرج عليه. 2 - الاعتكاف سنة، ومن قطعه لعذر فيستحب له قضاؤه ولا يجب، ولا حرج ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (974) , ومسلم برقم (890) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2035) , واللفظ له، ومسلم برقم (2175).

عليه. عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهَا قالتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أضْرِبُ لَهُ خِبَاءً، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى الأخْبِيَةَ، فَقال: «مَا هَذَا». فَأُخْبِرَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ». فَتَرَكَ الاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ. متفق عليه (¬1). - ما يبطل به الاعتكاف: يبطل الاعتكاف بما يلي: 1 - الخروج من المسجد لغير حاجة. 2 - الجماع، فمن جامع زوجته وهو معتكف بطل اعتكافه، وله مباشرتها ولمسها من غير شهوة، والاحتلام لا يفسد الاعتكاف. 3 - السكر. 4 - الردة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة:187]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلُ البَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإنْسَانِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2033) , واللفظ له، ومسلم برقم (1173). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2029)، ومسلم برقم (297) , واللفظ له.

6 - كتاب الحج والعمرة

6 - كتاب الحج والعمرة ويشتمل على ما يلي: 1 - شعائر الحج والعمرة. 2 - حكم الحج والعمرة. 3 - شروط الحج والعمرة. 4 - أركان الحج والعمرة. 5 - واجبات الحج والعمرة. 6 - سنن الحج والعمرة. 7 - مواقيت الحج والعمرة. 8 - باب الإحرام. 9 - باب الفدية. 10 - باب الهدي. 11 - صفة العمرة. 12 - صفة الحج. 13 - صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 14 - أحكام الحج والعمرة. 15 - زيارة المسجد النبوي.

1 - شعائر الحج والعمرة

1 - شعائر الحج والعمرة · مكانة البيت الحرام: جعل الله عز وجل البيت الحرام مباركاً .. وهدىً للعالمين .. وأمناً للعباد .. وقياماً للناس .. وقبلة لصلاتهم .. ومكاناً لنسكهم. وعظَّم سبحانه بيته الحرام: فجعل المسجد الحرام فناءً له .. وجعل مكة فناءً للمسجد الحرام .. وجعل الحرم فناءً لمكة .. وجعل المواقيت فناءً للحرم .. وجعل جزيرة العرب فناءً للمواقيت. وجعل للقدوم إليه نية خاصة .. وشعاراً خاصاً .. وأعمالاً خاصة .. كل ذلك تعظيماً وتشريفاً وتكريماً لبيته الحرام. · فضل البيت الحرام: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:96 - 97]. 2 - وقال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} [المائدة:97]. 3 - وقال الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ

أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} [البقرة:144]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125]. 5 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} [الحج:26]. · فضل المسجد الحرام: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)} [البقرة:126]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)} [البلد:1 - 2]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1406) , وهذا لفظه.

· حرمة المسجد الحرام: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج:25]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة:2]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». وَقَالَ يَوْمَ الفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ إِلا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا». فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلا الإذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ: «إِلا الإذْخِرَ». متفق عليه (¬1). · خصائص الحرم: اختص الله عز وجل حرم مكة بما يلي: أن فيه أول بيت وضع للناس .. وأن من دخله كان آمناً .. وأن فيه مناسك الحج وشعائره .. وأن الصلاة تضاعف فيه .. وإثم السيئات يعظم فيه .. وأنه يحرم على المشرك دخوله .. ويحرم البدء بالقتال فيه .. ويحرم قتل أو تنفير صيده .. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1834) , ومسلم برقم (1353) , واللفظ له.

ويحرم قطع شجره وحشيشه إلا الإذخر .. ويحرم التقاط لقطته إلا لمنشد. قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:96 - 97]. · حدود حرم مكة: من الغرب: الشميسي وهو الحديبية، ويبعد عن الكعبة (22) كيلومتر تقريباً على طريق جدة. ومن الشرق: من جهة الطائف ضفة وادي عرنة الغربية، ويبعد (15) كيلومتر تقريباً. ومن جهة الجعرانة شرائع المجاهدين، ويبعد (16) كيلومتر تقريباً. ومن الشمال: التنعيم، ويبعد (7) كيلومتر تقريباً. ومن الجنوب: أضاة لين على طريق اليمن، وتبعد (12) كيلومتر تقريباً. · حدود منى: من الغرب: جمرة العقبة. من الشرق: وادي محسر. من الشمال: جبل عظيم مرتفع. من الجنوب: جبل عظيم مرتفع. · حدود المزدلفة: من الغرب: وادي محسر. من الشرق: مفيض المأزمين الغربي.

من الشمال: جبل ثبير. من الجنوب: جبل المريخيات. · حدود عرفات: من الغرب: وادي عرنة. من الشرق: الجبال المحيطة المطلة على ميدان عرفات. من الشمال: ملتقى وادي وصيق بوادي عرنة. من الجنوب: ما بعد مسجد نمرة جنوباً بنحو كيلو ونصف تقريباً.

2 - حكم الحج والعمرة

2 - حكم الحج والعمرة 1 - الحج - الحج: هو التعبد للهِ بقصد مكة في زمن معين لأداء مناسك الحج. - حكم الحج: الحج ركن من أركان الإسلام. فيجب على كل مسلم، حر، بالغ، عاقل، قادر، في عمره مرة على الفور. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1337).

- وقت فرض الحج: فرض الله عز وجل الحج في أواخر السنة التاسعة من الهجرة. وحج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة واحدة هي حجة الوداع. - فضائل الحج: 1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقال: «لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وَأجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ». فَقالتْ عَائِشَةُ: فَلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1519) , واللفظ له، ومسلم برقم (83). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) , واللفظ له، ومسلم برقم (1350). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , ومسلم برقم (1349).

البخاري (¬1). - حكمة مشروعية الحج: للحج حكم ومحاسن وأسرار كثيرة أهمها: 1 - الحج مظهر عملي للأخوة والوحدة الإسلامية. حيث تذوب في الحج فوارق الأجناس والألوان واللغات والأوطان والطبقات، وتبرز حقيقة العبودية، والأخوة الإيمانية. فالجميع بلباس واحد .. يتجهون لقبلة واحدة .. ويعبدون إلهاً واحداً. 2 - الحج مدرسة الإيمان والأعمال الصالحة. يتعود فيها المسلم على الصبر والرحمة والتواضع، ويتذكر فيها اليوم الآخر وأهواله، ويستشعر فيه لذة العبودية لله، ويعرف عظمة ربه، وافتقار الخلائق كلها إليه. 3 - في الحج إظهار العبودية, وشكر النعمة. ففي الإحرام يُظهر الحاج التذلل للمعبود بالشعث، ويتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ورحمته إياه، وفي عرفة يقف بمنزلة عبد عصى مولاه، فوقف بين يديه متضرعاً إليه، معظماً له، حامداً له، مستغفراً لزلاته، مستقيلاً لعثراته. وفي الطواف بمنزلة عبد معتكف بباب مولاه، لائذ بجنابه، حتى يقضي حاجته. وفي الحج شكر لنعمة العافية والغنى، وباستعمالهما في طاعة المنعم. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1861).

4 - في الحج تذكير بأحوال الأنبياء والمرسلين. في عبادتهم، ودعوتهم، وأخلاقهم، وجهادهم، وصبرهم، ورحمتهم. وفيه توطين النفوس على ترك المحبوب لما هو أحب منه بفراق الأهل والأولاد والأموال طاعة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. 5 - الحج ميزان وبرهان يعرف به المسلمون أحوال بعضهم ما هم عليه من علم، أو جهل، أو غنى أو فقر، أو استقامة أو انحراف. 6 - الحج موسم عظيم لكسب الأجور، وغسل الذنوب، وتكفير السيئات، ونزول الرحمات، وإغاثة اللهفات. يقف فيه العبد مع جموع الحجاج بين يدي ربه، معظماً لربه، مقراً بتوحيده، معترفاً بذنبه، مظهراً عجزه عن القيام بحق ربه، فيتوب الله عليه ويغفر له، فيرجع من الحج نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه. 7 - الحج مجمع عظيم يرى فيه المسلم إخوانه المسلمين من ذرية أبيه آدم، فيفرح ويستبشر بهم، ويفشي بينهم السلام، ويطعم الطعام، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويوصيهم بتقوى الله عز وجل. 8 - الحج مجمع كبير للبر والمنافع والإحسان. يدعو فيه الدعاة .. ويعلم فيه العلماء .. ويفتي فيه المفتون .. ويعظ فيه الواعظون .. ويتعارف فيه المؤمنون. وينفق فيه الكرماء .. ويتصدق فيه الأغنياء .. ويطعم فيه الأسخياء .. فيؤدي الحجاج نسكهم على بصيرة، ويعودون إلى بلادهم بالهدى والعلم، والسنن النبوية، والأخلاق الإسلامية.

2 - العمرة

9 - الحج مجمع أهل الإيمان والأعمال الصالحة. تقوم فيه العبادة والدعوة والتعليم .. والتواصي بالحق .. وتحيا فيه السنن .. وتموت البدع .. ويتعلم فيه الجاهل .. ويتوب العاصي .. ويتذكر الغافل .. ويكرم فيه ضيوف الرحمن. 2 - العمرة - العمرة: هي التعبد لله بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. - حكم العمرة: العمرة واجبة في العمر مرة. وتسن في كل وقت من العام، وفي أشهر الحج أفضل، والعمرة في رمضان تعدل حجة. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الحَجُّ وَالعُمْرَةُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). - فضل العمرة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (25322) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2901) , وهذا لفظه.

كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (¬1). - فضل المتابعة بين الحج والعمرة: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ». أخرجه النسائي (¬2). - فضل العمرة في رمضان: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَجَّتِهِ، قال لأُمِّ سِنَانٍ الأنْصاريَّةِ: «مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ». قالتْ: أبُو فُلانٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أرْضاً لَنَا. قال: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أوْ حَجَّةً مَعِي». متفق عليه (¬3). - كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟: اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلها في أشهر الحج في ذي القعدة: عمرة الحديبية سنة ست .. وعمرة القضاء سنة سبع .. وعمرة الجعرانة سنة ثمان .. وعمرته مع حجته سنة عشر من الهجرة. وكلها أحرم بها قادماً إلى مكة. عَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ أنَساً رَضِيَ اللهُ عَنْه: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أرْبَعاً: عُمْرَةُ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ المُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , واللفظ له، ومسلم برقم (1349). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2630) , انظر السلسلة الصحيحة برقم (1200). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1863) , واللفظ له، ومسلم برقم (1256).

-أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قال: وَاحِدَةً. متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية العمرة: شرع الله عز وجل العمرة عبادة لله وتشريفاً للبيت الحرام، وتعظيماً للبقاع الطاهرة، وتكريماً للأماكن المقدسة، لتكون أسهل النسكين على زوار مكة، فيدخلونها بحسن الأدب محرمين ملبين، معظمين لله ولبيته الحرام. ولما كانت مكة محط الرحال، ومجمع المسلمين من كل مكان، شرع الله لهم العمرة في جميع السنة، ليتم التعارف، وتتحقق المصالح طوال العام، رحمة من الله بعباده. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1778) , واللفظ له، ومسلم برقم (1252).

3 - شروط الحج والعمرة

3 - شروط الحج والعمرة - شروط وجوب الحج والعمرة: يشترط لوجوب الحج والعمرة ما يلي: الإسلام .. والعقل .. والبلوغ .. والحرية .. والاستطاعة. والاستطاعة: هي وجود الزاد والراحلة، ووجود المحرم بالنسبة للمرأة. فالإسلام والعقل شرطان للصحة .. والبلوغ والعتق شرطان للإجزاء .. والاستطاعة شرط للوجوب، فمن لا يستطيع لا يجب عليه الحج، وإن حج مع المشقة فحجه صحيح، وإن حجت المرأة بلا محرم فحجها صحيح لكنها آثمة. فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون. ولو حج الصبي والعبد صح حجهما، لكن إذا بلغ الصبي، وعتق العبد، وجب عليهما الحج مرة أخرى، وإن ماتا أجزأ عنهما. - شروط الاستطاعة: 1 - سلامة البدن من الأمراض التي تعوقه عن أعمال الحج والعمرة، ومن لا يستطيع بنفسه لزمه أن ينيب عنه غيره. 2 - ملك ما يكفيه في حجه وعمرته حتى يعود. 3 - أمن الطريق، بأن يأمن على نفسه وماله وقت الحج. 4 - وجود المحرم بالنسبة للمرأة. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ

غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقال: «اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (¬1). - من هو القادر على الحج؟: القادر على الحج من كان صحيح البدن، قادرا ًعلى السفر، ووجد زاداً وراحلة يتمكن بهما من أداء الحج ويرجع. وذلك بعد قضاء الواجبات كالديون الحالّة، والنفقات اللازمة لأهله .. فهذا هو القادر على الحج. - درجات القدرة: من كان قادراً على الحج بماله وبدنه لزمه الحج بنفسه. ومن كان قادراً على الحج بماله، عاجزاً ببدنه، وجب عليه أن ينيب من يحج عنه. ومن كان قادراً ببدنه، عاجزاً بماله لم يجب عليه الحج. ومن كان عاجزاً عن الحج بماله وبدنه سقط عنه الحج. والحج في سبيل الله، فمن كان ليس لديه مال، يجوز له أن يأخذ من الزكاة مالاً يحج به. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).

اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97]. - حكم حج من عليه دين: من كان عليه دين حالّ فعليه أن يؤديه لأهله ثم يحج ويعتمر. وإن كانت نفقة الحج تغطي ديونه قضى الدين ولا يحج. وإن كانت نفقة الحج لا تغطي شيئاً بالنسبة للديون فله أن يحج؛ لأن الحج مجلبة للرزق، وهو حق الله فيؤديه. ومن كان عليه دين مؤجل فله أن يحج ما لم يحل القسط، ولا يلزم أن يتحلل من أصحاب الدين إذا كان قادراً على السداد. عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ». أخرجه النسائي (¬1). - صفة الحج المبرور: الحج المبرور: هو ما كان خالصاً لله .. موافقاً للسنة .. ولم يخالطه إثم .. والنفقة فيه من حلال .. واشتغل فيه صاحبه بالطاعات والأعمال الصالحة .. كالعبادة والدعوة .. وإطعام الطعام .. وإفشاء السلام .. والأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر .. واجتناب الرفث والفسوق والجدال .. والتحلي بمكارم الأخلاق. وعلامته: أن تظهر ثمرته على صاحبه، بأن تكون حاله بعده أحسن منها قبله. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2630) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1200).

- حكم أخذ المال على العمل الصالح: المستحب للمسلم الفقير أن يأخذ المال ليحج، لا أن يحج ليأخذ المال، فإن الارتزاق بأعمال البر ليس من أعمال الصالحين. وفرق بين أن يكون الدين مقصود المسلم، والدنيا وسيلة، وبين أن تكون الدنيا مقصوده، والدين وسيلة، فالأول مشروع، والثاني مذموم. وهكذا في جميع الأرزاق المأخوذة على العمل الصالح كالإمامة، والأذان، والتعليم، والجهاد وغير ذلك. عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ، وَإِنّمَا لاِمْرِىءٍ مَا نَوَىَ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ الله وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). - حكم الحج من مال حرام: إذا حج المسلم بمال حرام، أو على دابة أو سيارة مغصوبة، فهو آثم ومستحق للعقوبة، لكن حجه صحيح ومجزئ؛ لأن أفعال الحج مخصوصة، والتحريم لمعنى خارج عنها، كما لو صلى في ثوب مغصوب، أو صلى في مكان مغصوب، فالصلاة صحيحة، لكنه آثم. - حكم الحج عن الغير: أحوال الحج عن الغير: 1 - من أراد حج الفريضة عن غيره فلا بد أن يكون قد حج عن نفسه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , ومسلم برقم (1907) , واللفظ له.

2 - يشرع الحج عن الغير نفلاً ولو كان مستطيعاً؛ لأن النيابة إذا جازت في الفرض ففي النفل أولى. 3 - يجوز للمرأة أن تحج وتعتمر عن الرجل فرضاً ونفلاً، كما يجوز للرجل أن يحج ويعتمر عن المرأة فرضاً ونفلاً. 4 - من حج عن غيره أو اعتمر أحرم من أي ميقات، ولا يلزمه إنشاء السفر من بلد من يحج عنه، ولا يلزم من أنابه الإمساك عن محظورات الإحرام وقت النسك. 5 - لا يجوز الحج والعمرة عن الحي إلا بإذنه فرضاً كان أو تطوعاً؛ لأنها عبادة تدخلها النيابة، ويسقط الحج عن الميت بحج أحد عنه ولو بدون إذن وليه؛ لأنه دَيْن، فإذا قضاه أحد سقط عنه. 6 - يجب الحج عن الميت إذا كان قد استطاع في حياته ولم يحج إذا كان له تركه، وإلا فلا يجب على الوارث، ويشرع للوارث وغيره الحج عنه، سواء أوصى به أم لا. 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1149).

- صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً كَبِيراً، لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ». وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. متفق عليه (¬1). - فضل حج النساء: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقال: «لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وَأجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ». فَقالتْ عَائِشَةُ: فَلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬2). - حكم سفر المرأة بلا محرم: لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو العمرة أو غيرهما إلا ومعها محرم، سواء كانت شابة أم عجوزاً، وسواء كان معها نساء أم لا، وسواء كان السفر طويلاً أم قصيراً؛ صيانة لعرضها، وخوفاً عليها من الفتنة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقال: «اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (¬3). - حكم استئذان المرأة زوجها في الحج: 1 - يسن للمرأة أن تستأذن زوجها في حج الفريضة، فإن أذن وإلا حجت بدون ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1855) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1861). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).

إذنه؛ لأن حج الفريضة مقدم على حق الزوج، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 2 - إن كان عليها حج نذر فالأولى أن تستأذن زوجها، وله منعها منه، فلا تخرج إلا بإذنه. 3 - إن أرادت حج تطوع فيجب عليها أن تستأذن زوجها، ولا يجوز لها الخروج للحج وغيره إلا بإذنه. - حكم حج المرأة وعمرتها بلا محرم: 1 - يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرم لها من زوج، أو من يحرم عليه نكاحها أبداً كأب، أو أخ، أو ابن ونحوهم. 2 - إذا أبى المَحْرم أن يحج معها فإنه لا يجب عليها الحج، فإن حجت بلا محرم فهي آثمة، وحجها صحيح. 3 - إذا لم يكن للمرأة محرم ولا ولي، وحجت مع رفقة مأمونة، والطريق آمن، فحجها صحيح، وهي آثمة، فمثلها لا يجب عليها الحج، فهي غير قادرة. 4 - من عليها عدة وفاة أو طلاق ونحوهما فلا تحج حتى تخرج من العدة. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران:97]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهمُا، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأتِي حَاجَّةً، قال: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ

امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬1). - حكم حج الصغير وعمرته: 1 - إذا أحرم الصبي بالحج أو العمرة صح نفلاً. فإن كان مميزاً فعل كما يفعل البالغ من الرجال والنساء. وإن كان صغيراً عقد الإحرام عنه وليه، ويطوف ويسعى به، ويرمي عنه الجمرات، والأفضل أن يؤدي الصغير بنفسه ما قدر عليه من مناسك الحج أو العمرة. 2 - إذا حج الصغير أو المملوك، ثم بلغ الصغير، وعتق المملوك، فعلى كل واحد منهما حجة أخرى، فإن ماتا قبل البلوغ والعتق أجزأ عنهما الحج الأول. 3 - يصح حج الصبي، ومن حج به فهو مأجور له مثل أجره. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَقِيَ رَكْباً بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنِ القَوْمُ؟». قَالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أنْتَ؟ قال: «رَسُولُ اللهِ». فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأةٌ صَبِيّاً فَقَالَتْ: ألِهَذَا حَجٌّ؟ قال: «نَعَمْ، وَلَكِ أجْرٌ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم دخول المشرك المسجد الحرام: لا يجوز للمشرك دخول المسجد الحرام. ويجوز دخوله بقية مساجد المسلمين لمصلحة شرعية كرجاء إسلامه ونحوه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1336).

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة:28]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. متفق عليه (¬1). - حكم تملُّك أرض المشاعر: 1 - منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد، فلا يجوز لأحد أن يبني فيها بيتاً ويؤجره، أو يأخذ أرضاً ويؤجرها، فإن فعل فالناس معذورون ببذل الأجرة، والإثم على من أخذها. 2 - على إمام المسلمين أن يمنع استغلال أراضي المشاعر، وأن ينظم نزول الحجاج في المشاعر بما يراه مناسباً يحقق المصلحة، والسلامة، والأمن، والراحة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بمِنىً وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ المُهَاجِرُونَ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ وَالأَنْصَارُ هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ ثمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) , واللفظ له، ومسلم برقم (1764). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1951) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2996).

3 - المسجد الحرام وجميع مشاعر الحج لا يجوز أن يختص بها أحد دون أحد، بل هي مشتركة بين عموم المسلمين، إذ هي محل نسكهم ومتعبدهم، وهي حرم الرب الذي جعله للناس سواء، ووقَفَه على العالمين فهم فيه سواء، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج:25].

4 - أركان الحج والعمرة

4 - أركان الحج والعمرة - أركان الحج: أركان الحج أربعة: نية الإحرام بالحج .. والوقوف بعرفة .. وطواف الإفاضة .. والسعي. 1 - نية الإحرام بالحج: عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنّمَا الأَعْمَالُ بِالنّيّةِ، وَإِنّمَا لاِمْرِىءٍ مَا نَوَىَ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَىَ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَىَ مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - الوقوف بعرفة: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , ومسلم برقم (1907) , واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا لفظه.

3 - طواف الإفاضة: قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29]. 4 - السعي بين الصفا والمروة: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} [البقرة:158]. - حكم حج من ترك شيئاً من هذه الأركان: من ترك نية الإحرام بالحج لم ينعقد نسكه أصلاً، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، ومن ترك طواف الإفاضة أو السعي بين الصفا والمروة لم يتم حجه حتى يطوف ويسعى. - أركان العمرة: أركان العمرة ثلاثة: نية الإحرام .. والطواف بالبيت .. والسعي بين الصفا والمروة. - حكم من ترك شيئاً من هذه الأركان: من ترك نية الإحرام بالعمرة لم ينعقد نسكه أصلاً. ومن ترك الطواف أو السعي لم تتم عمرته حتى يطوف ويسعى. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].

5 - واجبات الحج والعمرة

5 - واجبات الحج والعمرة - واجبات الحج: واجبات الحج سبعة وهي: الإحرام من الميقات المعتبر له .. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق لغير أهل السقاية والخدمة ونحوهم .. والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، ومعظم الليل للضعفاء ونحوهم .. ورمي جميع الجمار .. والحلق أو التقصير .. وطواف الوداع لغير أهل مكة عند الخروج منها غير حائض ونفساء. 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)} [الفتح:27]. 2 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ. متفق عليه (¬1). - حكم من ترك شيئاً من واجبات الحج: من ترك واجباً من واجبات الحج متعمداً، عالماً بالحكم، فهو آثم، وحجه صحيح، لكنه ناقص، ولا دم عليه، وعليه التوبة والاستغفار، وإن ترك الواجب جاهلاً أو ناسياً فحجه صحيح، ولا إثم عليه، ولا دم عليه، لكنه ترك الأفضل والأكمل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , ومسلم برقم (1328) , واللفظ له.

- واجبات العمرة: واجبات العمرة اثنان: الإحرام من الميقات المعتبر له .. والحلق أو التقصير. - حكم من ترك شيئاً من واجبات العمرة: من ترك واجباً من واجبات العمرة متعمداً، عالماً بالحكم، فهو آثم، وعمرته صحيحة، لكنها ناقصة، ولا دم عليه. ومن ترك الواجب جاهلاً أو ناسياً فعمرته صحيحة، ولا إثم عليه، ولا دم عليه، لكن فاته الأفضل والأكمل. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196].

6 - سنن الحج والعمرة

6 - سنن الحج والعمرة - سنن الحج: سنن الحج هي كل ما عدا الأركان والواجبات كسنن الإحرام من غُسل، وطيب، وتلبية وغيرها، وسنن الطواف كالاضطباع، والرَّمل، وتقبيل الحجر الأسود وغيرها. وسنن الحج القولية والفعلية كالمبيت بمنى ليلة عرفة .. وطواف القدوم .. والتلبية والتهليل والتكبير .. والدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية .. والإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار في عرفات والمزدلفة ونحو ذلك مما سيأتي في موضعه. - حكم من ترك شيئاً من سنن الحج: من ترك سنة من سنن الحج فلا إثم عليه، ولا دم عليه، لكنه ترك الأفضل والأكمل. فإن الحج المبرور هو ما أكمل فيه الحاج الأركان والواجبات والسنن، ولم يخالطه إثم. 1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 2 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ

لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه (¬1). - سنن العمرة: سنن العمرة هي كل ما عدا الأركان والواجبات وهي: 1 - سنن أقوال كالتلبية، والدعاء، والذكر. 2 - وسنن أفعال كالغسل، والطيب، والرمل، والاضطباع في الطواف، وتقبيل الحجر الأسود، ومسح الركن اليماني، والدعاء على الصفا والمروة وغيرها مما سيأتي في موضعه. - حكم من ترك شيئاً من سنن العمرة: من ترك سنة من سنن العمرة فلا إثم عليه ولا دم، لكنه ترك الأفضل والأكمل. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1773) , ومسلم برقم (1349).

7 - مواقيت الحج والعمرة

7 - مواقيت الحج والعمرة - المواقيت: جمع ميقات، وهو مكان العبادة وزمنها. - أقسام المواقيت: المواقيت قسمان: مواقيت زمانية .. ومواقيت مكانية. 1 - المواقيت الزمانية: هي أشهر الحج الثلاثة: شوال .. وذو القعدة .. وذو الحجة. فلا يصح الحج في غير هذه الأشهر الثلاثة. 1 - فبداية وقت الإحرام بالحج في شوال .. ونهايته قبل طلوع فجر ليلة النحر، فمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج أو بعدها لم يصح، ومن أحرم بالحج بعد طلوع الفجر من ليلة النحر فقد فاته الحج. 2 - جميع أعمال الحج تنتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة إلا الطواف والسعي للمعذور. فمن أخر الطواف أو السعي إلى نهاية ذي الحجة لعذر فحجه صحيح. 1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 2 - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ

رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَالله مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - ميقات العمرة الزماني: جميع السنة. وأفضلها في أشهر الحج، ثم في رمضان، ثم باقي السنة. 2 - المواقيت المكانية: وهي الأماكن التي يُحرم منها من أراد الحج أو العمرة، وهي خمسة: الأول: ذو الحليفة: وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها. وهو أبعد المواقيت عن مكة، يقع جنوب المدينة، بينه وبين مكة (420) كيلومتر تقريباً، وبينه وبين المسجد النبوي (13) كيلومتر تقريباً، وتستحب الصلاة في هذا الوادي المبارك. الثاني: الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب ومن حاذاها أو مر بها، وهي قرية قرب رابغ التي جعلت الآن ميقاتاً، وتبعد عن مكة (186) كيلومتر تقريباً. ويُحرم الناس الآن من رابغ الواقعة غرباً عنها. الثالث: قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد والطائف ومن حاذاه أو مر به. وهو المشهور الآن بالسيل الكبير، بينه وبين مكة (75) كيلومتر تقريباً، ووادي مَحْرم هو أعلى قرن المنازل. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا لفظه.

الرابع: يلملم: وهو ميقات أهل اليمن ومن حاذاه أو مر به. وهو واد يبعد عن مكة (120) كيلومتر تقريباً، ويسمى الآن السعدية. الخامس: ذات عرق: وهي ميقات أهل العراق ومن حاذاها أو مر بها. وتسمى الضريبة، بينها وبين مكة (100) كيلومتر تقريباً. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ العِرَاقِ ذَاتَ عِرْق. أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). - حكمة مشروعية المواقيت: لما كان بيت الله معظماً مشرفاً .. جعل الله له حصناً وهو مكة .. وحمىً وهو الحرم .. وللحرم حرم وهي المواقيت التي لا يجوز لمريد الحج أو العمرة تجاوزها إليه إلا بإحرام؛ تعظيماً لله تعالى .. ولبيته الحرام. - ميقات مَنْ هو دون المواقيت: 1 - من كان منزله دون المواقيت من جهة مكة فإنه يُحرم بالحج والعمرة من مكانه، مثل أهل الشرائع وبحرة وجدة ونحوهم. 2 - من جاوز الميقات وهو لا يريد الحج أو العمرة، ثم أنشا نية الحج أو العمرة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1526) , واللفظ له، ومسلم برقم (1181). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود (1739) وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2653).

فإنه يحرم من حيث أنشأ النية إلا العمرة المفردة، إن نواها من الحرم خرج ليحرم من الحل، وإن نواها من الحل أحرم من حيث أنشأ النية. - ميقات من لم يمر بالمواقيت: من جاء من طريق لا يمر على المواقيت براً أو بحراً أو جواً، فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه، ولا يجوز له تجاوز الميقات بلا إحرام إذا كان مريداً للحج أو العمرة. - ميقات أهل مكة: 1 - من أراد من أهل مكة أو غيرهم ممن جاء إلى مكة أن يحرم بالعمرة وحدها، أو متمتعاً بها إلى الحج، فإنه يخرج للإحرام بذلك إلى الحل من أي جهة، وأفضله الجعرانة، والتنعيم، والحديبية. 2 - من نوى الحج في مكة من أهلها أو من غيرهم، مفرداً أو قارناً، فإنه يحرم به منها. 3 - من أراد الحج من مكة فالسنة أن يحرم منها، وإن أحرم من الحل أجزأ. 4 - من أراد العمرة من أهل مكة أحرم من أدنى الحل، فإن أحرم بالعمرة من الحرم عالماً متعمداً فهو آثم، فعليه التوبة والاستغفار، وعمرته صحيحة، ولا دم عليه. وإن أحرم بالعمرة من الحرم جاهلاً فعمرته صحيحة ولا إثم عليه ولا دم. - صفة الإحرام في الطائرة: 1 - من ركب الطائرة من أي بلد كان، وقد أراد الحج أو العمرة أو هما معاً، فإنه يحرم في الطائرة إذا حاذى الميقات الذي يمر به جواً، فيلبس ملابس

الإحرام، ثم ينوي الإحرام. 2 - إذا لم يكن مع المسافر ملابس الإحرام أو لم يجدها، فإنه يحرم بالسراويل أو القميص، ويكشف رأسه، فإذا نزل اشترى ملابس الإحرام ولبسها. 3 - لا يجوز للحاج أو المعتمر أن يؤخر الإحرام حتى ينزل في مطار جدة ويحرم منه؛ لأن جدة دون الميقات، فإن فعل لزمه الرجوع إلى أقرب هذه المواقيت ليحرم منه. فإن لم يرجع وأحرم في المطار أو دون الميقات متعمداً عالماً بالحكم فهو آثم، ونسكه صحيح. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَاتٍ، فَقالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ». متفق عليه (¬1). - حكم الإحرام قبل الميقات: السنة التي يجب اتباعها أن يحرم من أراد الحج أو العمرة من الميقات الذي وقّته النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّنه، ويكره الإحرام قبل الميقات، لكنه ينعقد. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأ، حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1843) , ومسلم برقم (1178). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1524) , ومسلم برقم (1181) , واللفظ له.

- حكم مجاوزة الميقات بلا إحرام: الذين يمرون بالميقات لهم حالتان: الأولى: من يريد الحج أو العمرة، فهذا لا يجوز له مجاوزة الميقات بلا إحرام، ومن جاوزه ناسياً أو جاهلاً رجع إليه وأحرم منه، ولا إثم عليه. ومن جاوزه متعمداً عالماً ذاكراً بغير إحرام فهو آثم، ويجب عليه أن يعود إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يعد، وأحرم دون الميقات، فهو آثم، ونسكه صحيح، ولا دم عليه. الثانية: من لا يريد الحج أو العمرة، فهذا يجوز له مجاوزة الميقات بلا إحرام. - حكم من مر بميقاتين: يجب على من يمر بميقاتين ألا يتجاوز أولهما إلا محرماً، إن كان يريد الحج أو العمرة، فإذا مر الشامي أو المصري أو المغربي ونحوهم بميقات أهل المدينة قبل الوصول إلى ميقاته الأصلي الجحفة، فلا يجوز له أن يؤخر إحرامه إلى ميقاته، بل يحرم من أول ميقات يمر به وهو ذو الحليفة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أنْشَأ، حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. متفق عليه (¬1). - حكم إتمام الحج والعمرة: إذا أحرم البالغ بالحج أو العمرة لزمه الإتمام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1524) , واللفظ له، ومسلم برقم (1181).

أما الصبي فلا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير مكلف ولا ملزم بالواجبات، فإن صَدّ المحرم عدو عن البيت أو حبسه مرض ذَبَح ما تيسر من الهدي، وحَلّ من إحرامه، فإن كان مشترطاً حَلّ ولا هدي عليه. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. - حكم خروج القادم من مكة لأداء عمرة: يكره للقادم إلى مكة إذا حج أو اعتمر الخروج من مكة إلى الحل كالتنعيم لأداء عمرة تطوع له أو لغيره؛ وذلك بدعة لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه رضي الله عنهم، لا في رمضان ولا في الحج ولا في غيرهما ألبتة. وعمرة عائشة رضي الله عنها لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، بل أذن لها بعد المراجعة تطييباً لقلبها، والطواف بالبيت أفضل من الخروج إليها. وعمرة عائشة رضي الله عنها من التنعيم خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج كعائشة، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلاً عن الرجال، فينبغي لزوم السنة، وترك ما سواها.

8 - باب الإحرام

8 - باب الإحرام - الإحرام: هو نية الدخول في النسك حجاً كان أو عمرة. - حكمة مشروعية الإحرام: شرع الله الإحرام لإظهار تذلل العبد لربه، وذلك بإظهار الشعث، وترك الرفث، والمنع من أسباب الزينة. والإحرام مبدأ النسك والعبادة، فهو للحج أو العمرة كتكبيرة الإحرام للصلاة يَحْرم بعدها ما كان مباحاً قبلها، فكذلك المُحْرِم يترك بعد الإحرام ما كان مباحاً له من قبل. والإحرام من المواقيت زيادة في شرف البيت وفضله، فجعل لبيته الحرام حرماً آمناً، وأكد ذلك وقواه بأن جعل لحرمه حرماً وهو المواقيت المعروفة. فلا يدخل من أراد النسك إلى الحرم إلا إذا كان على وصف معين، ونية معينة؛ تعظيماً لله، وتكريماً وتشريفاً لبيته وحرمه. {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} [الحج:32]. - أقسام الناس في الإحرام: الناس في الإحرام ثلاثة أقسام: الأول: مَنْ وطنه خارج المواقيت. الثاني: مَنْ وطنه ما بين الميقات والحرم. الثالث: مَنْ وطنه الحرم. فالأول يحرم من الميقات، فإن جاوزه رجع إليه وأحرم منه، فإن لم يرجع

وأحرم دونه فهو آثم، وقد ترك واجباً عليه، وإحرامه مجزئ. ومَنْ هو دون الميقات من جهة مكة يحرم من مكانه، ولا يدخل الحرم إلا بإحرام. فإن جاوزه إلى الحرم لزمه أن يرجع إلى مكانه ليحرم منه، فإن لم يرجع وأحرم من الحرم فهو آثم، لأنه ترك واجباً عليه، وإحرامه مجزئ. ومَنْ هو في الحرم يُحرم من الحرم من حيث أنشأ النية مفرداً، أو قارناً. وإذا أراد العمرة أو الحج متمتعاً خرج إلى أدنى الحل ليحرم منه، فإن أحرم للعمرة من الحرم فهو آثم؛ لأنه ترك واجباً عليه وإحرامه مجزئ. عَنِ الأسْود قَالَ: قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: «انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ». متفق عليه (¬1). - أنواع الإحرام بالحج: يُحرم المسلم بالحج على إحدى كيفيات ثلاث: الإفراد .. أو القران .. أو التمتع. 1 - فالإفراد: أن يُهل بالحج وحده قائلاً: لبيك حجاً. 2 - والقران: أن يُهل بالعمرة والحج معاً قائلاً: لبيك عمرة وحجاً، أو يُدخل الحج على العمرة قبل الطواف. 3 - والتمتع: أن يُهل بالعمرة فقط في أشهر الحج قائلاً: لبيك عمرة، ثم إذا فرغ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1787) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

من العمرة حل، ثم يحرم بالحج في العام نفسه. ويسن للمسلم أن يهل بهذا مرة .. وبهذا مرة .. وبهذا مرة .. إحياءً للسنة .. وعملاً بها بوجوهها المشروعة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَنْ أرَادَ مِنْكُمْ أنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أرَادَ أنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أرَادَ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحَجٍّ، وَأهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأهَلَّ نَاسٌ بِالعُمْرَةِ، وَالحَجِّ وَأهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أهَلَّ بِالعُمْرَةِ. أخرجه مسلم (¬1). - كيفية اختيار النسك: 1 - إذا أراد المسلم أن يفرد العمرة بسفرة، ويفرد الحج بسفرة، فهذا الإفراد أفضل له من القران والتمتع الذي يؤديه في سفرة واحدة. 2 - إذا أراد أن يجمع النسكين العمرة والحج في سفرة واحدة، وقدم إلى مكة في أشهر الحج، ولم يسق الهدي، فهذا التمتع أفضل له. 3 - إذا أراد أن يجمع بين النسكين العمرة والحج، ويقرن بينهما في سفرة واحدة، ويسوق الهدي من بلده، فهذا القران أفضل له اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. والذي اختاره الله عز وجل لنبيه القِران، وسوق الهدي. والذي اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته هو التمتع بلا سوق الهدي. فالتمتع أفضل الأنساك .. وأسهلها وأيسرها .. وأكثرها عملاً وأجراً. 1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1211).

مَعَهُ، وَقَدْ أهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَداً، فَقال لَهُمْ: «أحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، بِطَوَافِ البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأهِلُّوا بِالحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً». فَقالوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقال: «افْعَلُوا مَا أمَرْتُكُمْ، فَلَوْلا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ». فَفَعَلُوا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي إِلَى اليَمَنِ، قال: فَوَافَقْتُهُ فِي العَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أبَا مُوسَى! كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أحْرَمْتَ؟». قال قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلالاً كَإِهْلالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «هَلْ سُقْتَ هَدْياً؟». فَقُلْتُ: لا، قال: «فَانْطَلِقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أحِلَّ». متفق عليه (¬2). - حكم من أطلق نية الإحرام: من أحرم إحراماً مطلقاً، قاصداً أداء ما فرض الله عليه، ولم يعين نوعاً من أنواع النسك لعدم معرفته به، جاز وصح حجه، وفعل واحداً من الثلاثة تمتعاً أو قراناً أو إفراداً. وكذا لو قال: أهللت بما أهلّ به فلان صح وفَعَل مثله. عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله عَنْه قال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَوْمٍ بِاليَمَنِ، فَجِئْتُ وَهُوَ بِالبَطْحَاءِ، فَقال: «بِمَا أهْلَلْتَ». قُلْتُ: أهْلَلْتُ كَإِهْلالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ». قُلْتُ: لا، فَأمَرَنِي فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1568) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1559) , ومسلم برقم (1221) , واللفظ له.

أمَرَنِي فَأحْلَلْتُ. متفق عليه (¬1). - سنن الإحرام: 1 - الغسل عند الإحرام، ولو كانت المرأة حائضاً أو نفساء. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: نُفِسَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، بِالشَّجَرَةِ فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبَا بَكْرٍ يَأْمُرُهَا أنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - تطييب البدن قبل الإحرام. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. متفق عليه (¬3). 3 - إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين نظيفين. وإحرام المرأة فيما شاءت من الثياب غير متبرجة بزينة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ، بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ، وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلْبَسُ، إِلا المُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الجِلْدِ. أخرجه البخاري (¬4). 4 - نية الإحرام عقب صلاة فريضة، أو نافلة كتحية المسجد أو ركعتي الوضوء. عَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللَّيْلَةَ أتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي -وَهُوَ بِالعَقِيقِ- أنْ صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ». أخرجه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1559) , واللفظ له، ومسلم برقم (1221). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1209). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1539) , واللفظ له، ومسلم برقم (1189). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1545).

البخاري (¬1). 5 - التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند ركوب الدابة. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ مَعَهُ بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعاً، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. أخرجه البخاري (¬2). 6 - استقبال القبلة عند الإهلال. عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا إِذَا صَلَّى بِالغَدَاةِ بِذِي الحُلَيْفَةِ، أمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ قَائِماً، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوىً بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ. أخرجه البخاري (¬3). 7 - رفع الصوت بالتلبية، والمرأة لا ترفع صوتها بحضرة الرجال الأجانب. عَنِ السَّائِب بْنِ خَلاَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالإهْلاَلِ وَالتَّلْبيَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). - كيفية الإحرام: يسن لمريد الإحرام بالحج أو العمرة أن يغتسل، ويتنظف، ويتطيب في بدنه، ولا يطيب ثيابه، ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين بعد أن يتجرد من ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2337). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1551). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1553). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1814) , وأخرجه الترمذي برقم (829) , وهذا لفظه.

المخيط، ويلبس النعلين. ويسن للمرأة أن تغتسل للإحرام ولو كانت حائضاً أو نفساء، وتلبس ما شاءت من الثياب الساترة، وتجتنب لباس الشهرة، والثياب الضيقة، وما فيه تشبه بالرجال أو الكفار. ويسن أن يحرم عقب صلاة فريضة إن تيسر. وليس للإحرام صلاة تخصه، لكن لو أحرم عقب ركعتين مسنونتين فلا حرج كتحية المسجد، أو ركعتي الوضوء، أو صلاة الضحى ونحو ذلك. وينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة. ويسن إحرامه وإهلاله دبر الصلاة في المسجد، أو إذا ركب واستقلت به راحلته، مستقبلاً القبلة. ويسن للمحرم أن يذكر نسكه، فيقول من يريد العمرة: لبيك عمرة، ويقول المفرد: لبيك حجاً، ويقول القارن: لبيك عمرة وحجاً، ويقول المتمتع: لبيك عمرة. - حكم اشتراط التحلل من النسك عند العذر: 1 - يسن للمحرم إذا كان مريضاً أو خائفاً أن يشترط عند إحرامه التحلل متى حبسه حابس عن إتمام النسك من مرض أو عذر. فإذا اشترط ولم يتمكن من إتمام النسك بسبب حصر، أو مرض، أو عذر حلّ ولا هدي عليه. 2 - إذا لم يشترط المحرم، وحبسه عارض، لزمه دم يذبحه ثم يحل. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا

رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ». قَالَتْ: وَاللهِ لا أجِدُنِي إِلا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي». وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ. متفق عليه (¬1). - ما يُفعل بالمحرم إذا مات: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيباً، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬2). - صفة إحرام الحائض والنفساء: يسن للحائض والنفساء ما يسن للطاهرة من الاغتسال والإحرام بالحج أو العمرة. فإن أحرمت بالحج فتبقى على إحرامها، وتؤدي مناسك الحج، لكن لا تطوف بالبيت حتى تطهر، ثم تغتسل، ثم تكمل نسكها بالطواف، ثم تحل. وإن أحرمت الحائض أو النفساء بالعمرة فتبقى حتى تطهر، ثم تغتسل، ثم تؤدي نسك العمرة، ثم تحل. وللحائض والنفساء أن تدخل المسجد الحرام وغيره من المساجد، وتجلس تذكر الله، وتقرأ القرآن، لكن تعتزل المصلى وقت الصلاة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5089) , واللفظ له، ومسلم برقم (1207). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1267) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206).

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: نُفِسَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، بِالشَّجَرَةِ فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبَا بَكْرٍ، يَأْمُرُهَا أنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم التلبية: التلبية شعار الحج والعمرة. يصوت بها الرجل، وتجهر بها المرأة إلا عند الرجال الأجانب فتسر بها. ويسن الإكثار من التلبية من حين الإحرام إلى بداية طواف العمرة، وإلى رمي جمرة العقبة في الحج يوم العيد. ويلبي راكباً وماشياً .. وفي حال النزول والصعود .. وعلى كل حال. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَبَّيْكَ اللهمَّ! لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ أسَامَةَ رَضِيَ الله عَنْه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قال: فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. متفق عليه (¬3). - صفة التلبية: يسن للمحرم عقب الإحرام أن يلبي بتلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لملازمته لها في جميع نسكه من حج أو عمرة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1209). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1549) , ومسلم برقم (1184) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1544) , واللفظ له، ومسلم برقم (1281).

1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلَبِّداً، يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ». لا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبيَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَبَّيْكَ إِلَهَ الحَقِّ. أخرجه النسائي وابن ماجه (¬2). - فضل التلبية: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبي إِلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). - ما يجوز للمحرم فعله: يجوز للمحرم بعد إحرامه ما يلي: الاغتسال للنظافة والتبرد .. وغسل رأسه .. وغسل ثيابه وتبديلها .. وتسريح شعر الرأس .. وحك رأسه وجلده. وله لبس الإزار والرداء والحزام والحذاء، ولو كان ذلك كله مخيطاً. وله لبس الساعة في اليد، وخاتم الفضة، ونظارة العين، وسماعة الأذن. وله شم الريحان والطيب بلا قصد منه للتلذذ به بل لاختباره، وله شد الإزار بعضه ببعض أو بحزام أو يجعله وزرة على شكل تنُّورة المرأة. ويجوز له أن يكتحل، ويحتجم لوجع ونحوه ولو قطع بعض الشعر، وله نزع ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5915) , واللفظ له، ومسلم برقم (1184). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2752) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2920). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (828) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2921).

الضرس، وفقء الدُّمَّل، وإماطة الأذى، ومداواة الجرح، ونزع الظفر الذي انكسر ونحو ذلك. وله تغطية وجهه ليتقي الغبار، أو الشمس، أو البرد ونحو ذلك. وله الاستظلال بالخيمة، أو السيارة، أو الشمسية ونحو ذلك. ويجوز الخضاب بالحناء ونحوه للرجل والمرأة. ويجوز له صيد البحر وطعامه، وذبح بهيمة الأنعام والدجاج ونحوها من الحيوان الأهلي. ويجوز للمحرم قتل الصائل المؤذي في الحل والحرم كالأسد والذئب والنمر والفهد والحية والعقرب والفأرة، وكل مؤذ كالوزغ والبعوض ونحوهما. ويجوز للمرأة لبس الحلي، ولبس السراويل والثياب والخفين، غير أنها لا تنتقب، ولا تلبس القفازين. وللمرأة أن تلبس ما شاءت من اللباس الشرعي، وتجتنب ما فيه زينة، أو شهرة، أو إسراف، أو تشبه بالرجال، أو الكفار، وللمرأة إسدال خمارها على وجهها عند الحاجة، ويجب عند مرور الأجانب بها. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة:96]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: العَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ» متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829) , ومسلم برقم (1198) , واللفظ له.

3 - وَعَنْ أمِّ الحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوَدَاعِ، فَرَأيْتُ أسَامَةَ وَبِلالا، وَأحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِلَحْيِ جَمَلٍ، فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجٍّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأهْدَى فَلا يُحِلُّ، حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أهَلَّ بِحَجِّه فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ فَحِضْتُ، فَلَمْ أزَلْ حَائِضاً حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أهْلِلْ إلا بِعُمْرَةٍ، فَأمَرَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أنْ أنْقُضَ رَأْسِي، وَأمْتَشِطَ، وَأهِلَّ بِحَجٍّ، وَأتْرُكَ العُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي. متفق عليه (¬3). 6 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ حُنَيْنٍ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ أرْسَلهُ إلى أبِي أيُوبَ فقَالَ: أرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أسْألُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَوَضَعَ أبُو أيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قال لإنْسَانٍ يَصُبُّ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأدْبَرَ، ثُمَّ قال: هَكَذَا رَأيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1298). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1836) , واللفظ له، ومسلم برقم (1203). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (319) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1840) , ومسلم برقم (1205) , واللفظ له.

- ما لايجوز للمحرم فعله: ما لا يجوز للمحرم أن يفعله على ثلاثة أوجه: أحدها: في نفسه. فلا يحلق شعره، ولا يقلم ظفره، ولا يمس طيباً. الثاني: في لبسه. فلا يلبس الرجل المخيط، ولا يغطي رأسه، ولا يلبس الخفين. ولا تغطي المرأة وجهها، ولا تنتقب، ولا تلبس القفازين، ولا يلبس المحرم ثوباً مسه الطيب. الثالث: في غيره، وهو نوعان: 1 - أحدهما: قتل الصيد البري المأكول، أو أَكْله. 2 - الثاني: الجماع، وعقد النكاح وخطبته. - محظورات الإحرام: محظورات الإحرام: هي الأعمال الممنوعة على المحرم بسبب إحرامه. وتنقسم محظورات الإحرام إلى قسمين: الأول: محظورات تفسد الحج والعمرة، وهو واحد فقط، وهو الجماع في الحج قبل رمي جمرة العقبة يوم العيد، والجماع قبل إتمام نسك العمرة. وهذان أشد المحظورات إثماً، وأعظمها تأثيراً في النسك. ويلزم إتمام هذا الحج رغم فساده، وإتمام العمرة رغم فسادها. وعليهما قضاء الحج في العام القابل، والهدي بدنة، وكذلك العمرة يقضيها، وعليه فدية الأذى.

وإذا أُكرهت المرأة على الجماع فإن حجها صحيح، ولا إثم عليها، ولا فدية عليها. وإذا جامع في الحج بعد رمي جمرة العقبة، وقبل أن يطوف ويسعى، لم يفسد حجه، لكنه آثم، ويجب عليه أن يخرج إلى الحل ويُحرم، ليطوف الإفاضة محرماً؛ لأنه فسد ما بقي من إحرامه، فوجب أن يجدده، وعليه الفدية، وإن جامع المحرم قبل التحلل من العمرة، أو قبل التحلل الأول من الحج قبل رمي جمرة العقبة، ناسياً أو جاهلاً، فلا يفسد نسكه، ولا إثم عليه، ولا كفارة، ولا غيرها. 1 - قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5]. 2 - وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. الثاني: محظورات لا تفسد الحج والعمرة، وهي إحدى عشرة. 1 - حلق شعر الرأس أو تقصيره أو نتفه أو إزالته، وشعر سائر البدن. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. 2 - تقليم الأظافر، وفيه الإثم لا الفدية. قص الأظافر كحلق الشعر بالنسبة للمحرم، وقضاء التفث يكون بما يلي: حلق الرأس .. وتقليم الأظفار .. ونتف الإبط.

قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29]. 3 - استعمال الطيب على الثوب أو البدن. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قَالَ: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬1). 4 - تغطية رأس الرجل بملاصق. فلا يجوز للمحرم أن يلبس على رأسه عمامة، ولا طاقية، ولا غترة، ولا قلنسوة، ولا غيرها. ويجوز له أن يستظل بمنفصل عنه كشمسية، أو سيارة، أو خيمة، أو شجرة ونحو ذلك. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ، فَمَاتَ، فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬2). 5 - لبس الذكر المخيط. والمخيط: هو كل ما خيط على قدر البدن كله كالثوب والقميص .. أو على قدر نصفه الأعلى كالفنيلة .. أوعلى نصفه الأسفل كالسراويل .. وكل ما خيط على قدر العضو: لليدين كالقفازين .. وللرجلين كالخفين .. وللرأس ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1365) , ومسلم برقم (1206) , واللفظ له.

كالعمامة والطاقية ونحو ذلك. فلا يجوز للمحرم لبس هذه الأشياء على صفتها، لكن لو التحف بها أو اتزر جاز له ذلك. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَجلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَرَانِسَ، وَلا الخِفَافَ، إِلا أحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، أوْ وَرْسٌ». متفق عليه (¬1). 6 - قتل صيد البر المأكول أو صيده. وصيد البر: ما كان وحشياً مباحاً أكله. فلا يجوز للمُحْرم التعرض لصيد البر المأكول، سواء كان بالقتل، أو الذبح، أو الإشارة، أو الإعانة، أو الدلالة، وعدم الأكل منه. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة:96]. 2 - وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ أهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حِمَاراً وَحْشِيّاً، وَهُوَ بِالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأى مَا فِي وَجْهِهِ قال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا أنَّا حُرُمٌ». متفق عليه (¬2). 7 - دواعي الجماع. فيحرم على المحرم قبلة المرأة بشهوة، ومباشرتها فيما دون الفرج، فإن أنزل ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1542) , واللفظ له، ومسلم برقم (1177). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1825) , واللفظ له، ومسلم برقم (1193).

لم يفسد حجه ولا إحرامه، لكنه آثم، وعليه الفدية. قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 8 - خطبة المرأة وعقد النكاح. عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ وَلا يَخْطُبُ». أخرجه مسلم (¬1). 9 - الفسوق والجدال. يجب اجتناب الفسوق والجدال في كل وقت، ويتأكد تحريم ذلك على المحرم. قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 10 - تغطية وجه المرأة بالنقاب أو البرقع، ويديها بالقفازين. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا العَمَائِمَ، وَلا البَرَانِسَ، إِلا أنْ يَكُونَ أحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلانِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا الوَرْسُ، وَلا تَنْتَقِبِ المَرْأةُ المُحْرِمَةُ، وَلا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1409). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1838) , واللفظ له، ومسلم برقم (1177).

11 - جماع المرأة بعد التحلل الأول في الحج. ومن جامع فلا يفسد نسكه، ولكنه آثم، وعليه الفدية والغسل والتوبة. - حكم من فعل شيئاً من محظورات الإحرام: من فعل شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية، لكن عليه أن يتخلى عن المحظور فوراً. ومن فعلها متعمداً عالماً ذاكراً لحاجة، فعليه الفدية، ولا إثم عليه. ومن فعلها متعمداً بلا عذر ولا حاجة فعليه الفدية مع الإثم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)} [الأحزاب:5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. 3 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجلاً أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ، وَأنَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ (يَعْنِي جُبَّةً). وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، فَقَالَ: إِنِّي أحْرَمْتُ بِالعُمْرَةِ وَعَلَيَّ هَذَا، وَأنَا مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجِّكَ؟». قال: أنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيَابَ، وَأغْسِلُ عَنِّي هَذَا الخَلُوقَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: «مَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1536) , ومسلم برقم (1180) , واللفظ له.

- الفرق بين إحرام الرجل والمرأة: المرأة كالرجل في المنع من محظورات الإحرام إلا فيما يلي: 1 - لبس المخيط، فلها أن تلبس من الثياب ما شاءت غير متبرجة. 2 - تغطية الرأس، فلها أن تغطي رأسها. 3 - تغطية الوجه عند الرجال الأجانب بما يستره، ولكن لا تلبس النقاب ولا البرقع ولا القفازين. - ما يجوز للمحرم قتله وصيده: 1 - ذبح الحيوانات والطيور الأهلية المباحة كبهيمة الأنعام، والدجاج والحمام ونحو ذلك. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} [المائدة:1]. 2 - صيد البحر. قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة:96]. 3 - قتل محرم الأكل المفترس وهو كل ذي ناب من السباع كالأسد، والنمر، وكل ذي مخلب من الطير كالصقر والنسر. 4 - قتل كل ما أمر الشرع بقتله، وكل ما يؤذي، وكل ما لا يؤمن أذاه كالحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور ونحوها. ويجوز قتل البعوض والذباب والقمل والبراغيث إذا كانت تؤذيه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ

فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». متفق عليه (¬1). 5 - قتل الآدمي الصائل عليه إذا لم يندفع إلا بالقتل. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم الأضحية للحاج: السنة لمن أراد الحج الاكتفاء بالهدي عن الأضحية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبح الهدي، ولم يُضح في حجته. ومن أراد أن يضحي، وحج في عشر ذي الحجة، فلا ينبغي له عند الإحرام أن يأخذ من بدنه وشعره وظفره شيئاً، لكن يجوز له حلق رأسه أو تقصيره فقط إن كان متمتعاً، لكون الحلق أو التقصير نسكاً. عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬3). - حكم من أحرم بالحج ثم فاته: من أحرم بالحج، ثم فاته الحج لعذر فلا إثم عليه، ويتحلل بعمرة، ثم يرجع إلى بلده، فإذا كان العام القادم حج وأهدى ما تيسر من الهدي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1198). (¬2) أخرجه مسلم برقم (140). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1977).

- حكم الإحرام بالثياب: 1 - يجب على المحرم الذكر أن يحرم بالإزار والرداء، ويحرم عليه لبس المخيط، وتُحرم المرأة فيما شاءت من الثياب غير متبرجة. 2 - مَنْ طبيعة عمله تتطلب لباساً خاصاً كالجنود وأمثالهم فهؤلاء من لم يتمكن منهم من لباس الإحرام يُحرم بلباسه، وعليه فدية الأذى صيام، أو طعام، أو ذبيحة. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. - حكم الإحرام بالخفين: 1 - السنة أن يحرم الرجل بالنعلين ولا يجوز له أن يحرم بالخفين ولا الجوربين إلا إذا لم يجد النعلين، فيلبس الخفين ولا يقطعهما. والخف: كل ما يغطي الكعبين. 2 - يجوز للمرأة أن تحرم بالخفين أو الجوربين أو النعلين. 3 - لا يجوز للمحرم ولا المحرمة لبس القفازين. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَاتٍ، فَقال: «مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ». متفق عليه (¬1). - حكم المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل الطواف: 1 - إذا حاضت المرأة المحرمة المتمتعة قبل الطواف مكثت حتى تطهر، ثم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1843) , ومسلم برقم (1178).

تغتسل، ثم تكمل عمرتها، ثم تحل، ثم تحرم بالحج فيما بعد. 2 - إذا حاضت المرأة المتمتعة قبل الطواف، وخشيت فوات الحج، رفضت العمرة، وأحرمت بالحج، وصارت قارنة، ومثلها المعذور بمرض، أو زحام، أو ضيق وقت ونحو ذلك. 3 - إن أصاب الحيض المرأة المتمتعة أثناء الطواف خرجت منه، وأحرمت بالحج، وصارت قارنة. 4 - الحائض والنفساء تفعل مناسك الحج كلها غير الطواف بالبيت، فلا تطوف حتى تطهر. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحَبَّ أنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإنِّي لَوْلا أنِّي أهْدَيْتُ لأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ». فَأهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ وَأهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ وَكُنْتُ أنَا مِمَّنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي وَأهِلِّي بِحَجٍّ». فَفَعَلْتُ، حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، أرْسَلَ مَعِي أخِي عَبْدَالرَّحْمَن بْنَ أبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إلَى التَّنْعِيمِ، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. متفق عليه (¬1). - مراتب الوطء في الحج: مراتب الوطء في الحج أربع: الأولى: أن يطأ المُحْرم زوجته قبل عرفة، أو في عرفة، أو بعد عرفة قبل التحلل الأول. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (317) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

فهذا حجه فاسد، ويلزمه إتمامه، وهو آثم، وعليه قضاؤه، وعليه الفدية بدنة. الثانية: أن يطأ زوجته بعد التحلل الأول. فهذا حجه صحيح، لكنه آثم، وعليه فدية الأذى. الثالثة: أن يطأ زوجته بعد التحلل الثاني. فهذا جائز، وحجه صحيح، ولا إثم عليه ولا فدية. الرابعة: أن يجامع زوجته ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً. فهذا حجه صحيح، ولا إثم عليه ولا فدية.

9 - باب الفدية

9 - باب الفدية - الفدية: هي ما يجب على الحاج أو المعتمر بسبب فعل محظور أو إحصار. - أقسام الدماء: تنقسم الدماء في الحج والعمرة إلى خمسة أقسام: الأول: دم التمتع والقران، ويجب على المتمتع والقارن. قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196]. الثاني: دم الفدية عن فعل محظور لمن به أذى. قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. الثالث: دم الجزاء في صيد البر المأكول. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة:96]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95]. الرابع: دم الوطء الواجب على من وطئ امرأته قبل أن يحل من حجه أو عمرته.

الخامس: دم الإحصار الذي يجب على من حُبس عن إتمام النسك بسبب عدو أو مرض أو نحوهما. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. فدم التمتع والقران يأكل منه الحاج، ويهدي، ويطعم الفقراء. والدماء الأربعة الأخيرة يذبحها، ويطعمها الفقراء، ولا يأكل منها. فهذه هي الدماء الواجبة في الحج والعمرة. وكل ما سوى ذلك من الدماء فلا يجب ولا يسن، والأصل براءة الذمة، ولم يثبت بدليل شرعي أن ترك ما يجب كفعل ما يحرم في وجوب الفدية، فمن ترك واجباً فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لا أدْرِي لَعَلِّي لا أحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكمة مشروعية الفدية: دماء الجنايات، وهدي الإحصار ونحوها هي دماء كفارات شرعت جبراً للجناية، وتداركاً للتقصير في النسك، أو الحاصل بالتعدي على الإحرام أو الحرم. وليست مشروعية الفدية للتخفيف من شأن المعصية؛ بل لتكميل ما نقص من نسك الحج أو العمرة لمن وقع منه ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1297).

- أقسام محظورات الإحرام: تنقسم محظورات الإحرام من حيث الفدية إلى أربعة أقسام: 1 - ما لا فدية فيه: وهو الخطبة، وعقد النكاح، وقص الظفر. 2 - ما فديته مغلظة: وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول، وفديته بدنة. 3 - ما فديته الجزاء بمثله أو بدله: وهو قتل الصيد البري. 4 - ما فديته فدية أذى: وهو بقية محظورات الإحرام كالحلق والطيب ونحوهما. - مكان أداء الفدية: وقت الفدية إذا وجد سببها، ومكانها حيث وجد سببها. فإن كانت عن فعل محظور فتجب حين فِعْله في الحل أوالحرم. وإن كانت عن إحصار فتجب إذا حصل في الحل أو الحرم. وجزاء الصيد في الحرم لمساكين الحرم، ويجزئ الصيام في كل مكان. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]. - فدية فعل المحظور: هي ما يجب بسبب فعل أحد محظورات الإحرام. - أقسام فدية فعل المحظور: تنقسم فدية فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام:

الأول: فدية لبس المخيط، وحلق الشعر، وتغطية الرأس، والطيب، وتسمى فدية الأذى. فهذه يخير فيها المسلم بين ثلاثة أشياء: صيام ثلاثة أيام .. أو إطعام ستة مساكين .. أو ذبح شاة. ويجزئ الصيام في كل مكان. أما الإطعام والذبيحة فلفقراء مكة. ويكفي في إطعام ستة مساكين وجبة طعام لكل مسكين حسب العرف والعادة، أو نصف صاع من بر أو أرز أو تمر ونحوها لكل مسكين. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ». قال: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أوِ انْسُكْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). الثاني: فدية المباشرة والجماع قبل التحلل. ولهذه الفدية ثلاث حالات: 1 - فدية المباشرة فيما دون الفرج قبل التحلل، وفدية الجماع في الحج بعد التحلل الأول كفدية الأذى السابقة. 2 - فدية الجماع في الحج قبل التحلل الأول بدنة، ويفسد حجه، لكن عليه أن يكمله، فإن لم يجد سقطت عنه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1814) , واللفظ له، ومسلم برقم (1201).

3 - فدية الجماع في العمرة كفدية الأذى على التخيير. ومن جامع جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية، ونسكه صحيح. الثالث: فدية قتل الصيد البري المأكول. من قتل صيداً برياً متعمداً فله حالتان: الأولى: إن كان الصيد له مِثْل من النعم فهو مخير: إما أن يخرج مثله، يذبحه ويطعمه مساكين الحرم، أو يقوَّم المثل بدراهم يشتري بها طعاماً، ويطعم كل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوماً. والصيد الذي له مِثْل من النعم: مثل النعامة فيها بدنة .. وحمار الوحش وبقرته والوعل والأيِّل فيه بقرة .. وفي الضبع كبش .. وفي الغزال عنز .. وفي الأرنب عناق .. وفي الضب جدي .. وفي اليربوع جفرة .. وفي الحمامة شاة .. وهكذا. وما سوى ذلك يحكم به عدلان من ذوي الخبرة. الثانية: إن كان الصيد لا مثل له من بهيمة الأنعام كالعصفور والجراد، فيقوَّم الصيد بدراهم، ثم يخير بين أن يشتري بقيمته طعاماً ويطعمه المساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن كل نصف صاع يوماً. ويقدِّر القيمة اثنان من أهل الخبرة العدول. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95].

- حكم من اشترك في قتل الصيد: إذا اشترك جماعة في قتل صيد فليس عليهم إلا جزاء واحد، فليس في الصيد إلا مثله لا أمثاله، فالجزاء والإطعام يشترك فيه كل من قتل الصيد، أما إذا اختاروا الصيام فعلى كل واحد منهم الصيام كله. - حكم قتل الصيد: إذا قتل المحرم الصيد البري المأكول فهو آثم، وعليه الجزاء. ومن قتل صيداً بعد صيد فإثمه أعظم، وعليه لكل مرة جزاء. ومن قتل صيداً في الحرم فإثمه أعظم، وعليه الجزاء سواء كان محرماً أم غير محرم. ومن قتل الصيد ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا جزاء. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة:95]. - حكم من كرر المحظور: 1 - من كرر محظوراً من جنس واحد ولم يفد فدى مرة واحدة، إلا الصيد فعليه جزاؤه بحسب عدده. 2 - من كرر محظوراً من أجناس، بأن حلق رأسه، ومس طيباً، ولم يفد، فدى لكل جنس مرة.

- ما يجزئ في الفدية والهدي: 1 - يجب أن تكون الفدية أو الهدي أو الأضحية أو العقيقة من بهيمة الأنعام .. وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً .. وأن تكون سليمة من العيوب. وأفضلها أسمنها .. وأغلاها ثمناً .. وأنفسها عند أهلها. 2 - السن المعتبر شرعاً في بهيمة الأنعام: من الإبل ثني له خمس سنين فأكثر .. ومن البقر ثني له سنتان .. ومن الضأن جذع له ستة أشهر فأكثر .. ومن المعز ثني له سنة فأكثر. 3 - يسن أن يذبح بنفسه، فإن لم يحسن الذبح وكَّل غيره، ولا يعطي الجزار منها أجرته. عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعَةٌ لاَ يَجْزِينَ فِي الأَضَاحِي: العَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالعَرْجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالكَسِيرَةُ الَّتِي لاَ تُنْقِي». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكم صيد الحرم: يحرم على المحرم والحلال إذا كان داخل حدود الحرم ما يلي: 1 - صيد الحيوان والطير، وتنفيره، والإعانة على صيده. 2 - قطع الشجر والنبات إلا ما زرعه وغرسه الآدمي، وما دعت إليه الحاجة كالإذخر، ويجوز أخذ الثمرة والكمأة والفقع، وما انكسر من الشجر أو يبس. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2802) , وأخرجه النسائي برقم (4370) , وهذا لفظه.

10 - باب الهدي

10 - باب الهدي - الهدي: هو كل ما يهدي إلى الحرم تقرباً إلى الله عز وجل، وما وجب بسبب تمتع، أو قران، أو إحصار. - حكم الهدي: الهدي: كل ما يهدي إلى الحرم تقرباً إلى الله من الإبل والبقر والغنم. 1 - يجب الهدي على القارن والمتمتع إن لم يكونا من حاضري المسجد الحرام. وحاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم وما اتصل به. 2 - يجب الهدي على المحصر عن الحج أو العمرة، فإن لم يجد سقط عنه. 3 - يسن التطوع بالهدي من القادر لمساكين الحرم. 4 - من لم يجد الهدي أو لم يملك ثمنه يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، إذا كان متمتعاً أو قارناً. ويصوم الثلاثة أيام قبل يوم عرفة، فإن فات صامها في أيام التشريق. 5 - من حج مفرداً، أو حج متمتعاً أو قارناً من أهل مكة أو الحرم فليس عليه هدي. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)} [البقرة:196].

- حكمة مشروعية الهدي: هدي التطوع والتمتع والقران دماء نسك، شرعت إراقتها في الحرم تقرباً إلى الله عز وجل، وشكراً لنعمة القيام بإتمام النسكين الحج والعمرة، وتكرمة لضيوف الرحمن، وتوسعة على فقراء مكة؛ ليكتمل السرور, وتتم النعمة، وتحصل المحبة والمودة، ويلهج الحجاج بالذكر والحمد. 1 - قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} [الحج:27 - 28]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} [الحج:36]. - أنواع الهدي: الهدي ثلاثة أنواع: الأول: هدي التمتع والقران. والهدي: خروف أو شاة من الغنم، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة. ويجب على المتمتع والقارن إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله. ويستحب للمتمتع والقارن الأكل من هذا الهدي، والإطعام منه. عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما في صفةِ حجِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، -وفيه-: ... ثُمَّ

انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاَثاً وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيّاً فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا. أخرجه مسلم (¬1). الثاني: هدي التطوع. وهو ما يهديه الحاج المفرد، أو المعتمر تطوعاً، وما يهديه المتمتع والقارن زيادة على الواجب، وما يبعثه غير الحاج والمعتمر هدياً إلى مكة ليذبح بها تقرباً إلى الله تعالى، ويستحب لمن تطوع بهذا الهدي الأكل منه. 1 - قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج:36 - 37]. 2 - وَعنْ عَليٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أهْدَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أمَرَنِي بِجِلالِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: أنَا فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أحَلَّهُ اللهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1718) , واللفظ له، ومسلم برقم (1317). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1700) , واللفظ له، ومسلم برقم (1321).

الثالث: هدي الإحصار. الإحصار: هو المنع من إتمام الحج والعمرة أو أحدهما. 1 - من أحرم بالحج أو العمرة، فصده عدو عن الحرم، أو أصابه مرض أو حادث، فلم يستطع الوصول إلى البيت، فهذا ينحر ما تيسر من الهدي في مكانه، ثم يحلق رأسه أو يقصر، ثم يتحلل من إحرامه. 2 - من كُسر أو مرض أو عرج أو فاته الوقوف بعرفة: فإن كان مشترطاً حلّ ولا شيء عليه، وإن لم يشترط ذبح ما تيسر من الهدي، ثم حلق أو قصر، ثم حل. والمحصر إذا لم يجد الهدي أو عجز عنه سقط عنه. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أرَدْتِ الحَجَّ». قَالَتْ: وَاللهِ لا أجِدُنِي إِلا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي». وَكَانَتْ تَحْتَ المِقْدَادِ بْنِ الأسْوَدِ. متفق عليه (¬1). - وقت ذبح الهدي: 1 - هدي التمتع والقران والتطوع يبدأ وقته من صباح يوم النحر إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق. 2 - هدي الإحصار وقته عند وجود سببه في الحل أو الحرم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5089) , واللفظ له، ومسلم برقم (1207).

- مكان ذبح الهدي: 1 - هدي التمتع والقران والتطوع يذبح داخل حدود الحرم في مكة، أو منى، أو مزدلفة، أو غيرها من الحرم، ويستحب أن يأكل منه، ويطعم الفقراء ومساكين الحرم. 2 - هدي الإحصار يذبح في الموضع الذي أُحصر فيه. - صفة تقليد الهدي: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأشْعَرَهَا وَأهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أحِلَّ لَهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أفْتِلُ قَلائِدَ الغَنَمِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلالاً. متفق عليه (¬2). - كيفية الذبح والنحر: السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، ويذبح غيرها من البقر والغنم، ويجوز العكس، ويستحب أن يوجهها إلى القبلة، والنحر للإبل يكون في أسفل الرقبة من جهة الصدر. والذبح للبقر والغنم في أعلى الرقبة من عند الرأس، يضجعها على جنبها الأيسر، ويضع رجله اليمنى على رقبتها، ثم يمسك برأسها ويذبح، ويقول عند الذبح أو النحر (باسم الله، والله أكبر). 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعاً، وَالعَصْرَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1696) واللفظ له، ومسلم برقم (1321). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1321).

بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ، فَلَمَّا عَلا عَلَى البَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعاً، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أمَرَهُمْ أنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَاماً. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّهُ أتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه (¬3). - ماذا يفعل بالهدي إذا عطب: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ ذُؤَيْباً أبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتاً، فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلا تَطْعَمْهَا أنْتَ وَلا أحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِكَ». أخرجه مسلم (¬4). - ماذا يفعل بلحوم الهدي: 1 - قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} [الحج:36]. 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأنْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1714). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1713) , ومسلم برقم (1320) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5565) , ومسلم برقم (1966). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1326).

أتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأجِلَّتِهَا، وَأنْ لا أعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا، قال: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا». متفق عليه (¬1). - حكم نقل اللحوم خارج الحرم: ما يذبحه الحجاج ثلاثة أنواع: 1 - هدي التمتع والقران، وهدي التطوع، فهذا يُذبح في الحرم، ويأكل منه، ويُطعم الفقراء، ويجوز نقله عند الحاجة ليوزع على الفقراء خارج الحرم. 2 - ما يذبح داخل الحرم جزاء لصيد، أو فدية لأذى، أو فعل محظور. فهذا كله لفقراء مكة، ولا يأكل منه. 3 - ما يذبح خارج الحرم كهدي الإحصار، أو فدية جزاء أو أذى ونحو ذلك. فهذا يوزع حيث ذُبح، ولا يأكل منه، ويجوز نقله إلى مكان آخر في الحل أو الحرم. قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} [الحج:36]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1707) , ومسلم برقم (1317) , واللفظ له.

11 - صفة العمرة

11 - صفة العمرة - صفة دخول مكة: يسن للقادم إلى مكة أن يدخلها في النهار، ويغتسل قبل الطواف بالبيت، ويدخلها من أعلاها، ويخرج من أسفلها، ويقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم، ويؤدي العمرة في النهار، يفعل الأيسر له في جهة الدخول والخروج، وفي الدخول في النهار أو الليل، وفي الخروج في النهار أو الليل، وفي أداء العمرة في النهار أو الليل، حسب اليسر والمصلحة، والجهة والوقت. 1 - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا إِذَا دَخَلَ أدْنَى الحَرَمِ أمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوىً، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أعْلاهَا، وَخَرَجَ مِنْ أسْفَلِهَا. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ -وَخَرَجَ مِنْ كُداً مِنْ أعْلَى مَكَّةَ. أخرجه البخاري (¬3). - أعمال العمرة: من أراد العمرة فعليه فعل أربعة أشياء: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1573) , واللفظ له، ومسلم برقم (1259). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1577) , واللفظ له، ومسلم برقم (1258). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1578).

الإحرام كما سبق .. ثم الطواف بالبيت .. ثم السعي بين الصفا والمروة .. ثم الحلق أو التقصير. - الطواف: هو التعبد لله بالدوران حول الكعبة سبعة أشواط مع الدعاء. - فضل الطواف بالبيت: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة:125]. 2 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ لاِبْنِ عُمَرَ: مَا لِي لاَ أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إِلاَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، الحَجَرَ الأَْسْوَدَ، وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ؟ فَقال ابْنُ عُمَرَ: إِنْ أَفْعَلْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «إِنَّ اسْتِلاَمَهُمَا يَحُطُّ الخَطَايَا»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ طَافَ أُسْبُوعاً يُحْصِيهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَماً وَلاَ وَضَعَهَا، إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - حكمة مشروعية الطواف: بيت الله الحرام أطهر مكان في الأرض، وأشرف بقعة خلقت، شرفه الله وعظمه، وجعله حرماً آمناً لخلقه، جعله الله مكاناً للطائفين والعاكفين والركع السجود. فالطائف بالطواف يلزم المكان المنسوب إلى ربه .. ويلتجئ إلى حمى ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4462) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (959).

مولاه .. فيكبر ربه ويعظمه .. ويقرع باب إحسانه وإنعامه. يلتمس العفو عن السيئات .. والصفح عن الزلات .. ويسأل ربه الجنة .. والنجاة من النار، فهو كمثل عبد معتكف بباب مولاه، لائذ بحماه، طالب لإحسانه ورضاه، لا يقضي حاجته سواه. - شروط الطواف: يشترط لصحة الطواف بالبيت ما يلي: 1 - نية الطواف، والنية محلها القلب. عَنْ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أوْ إلَى امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - الطهارة من الحدث الأكبر وهو الجنابة والحيض والنفاس. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا نَذْكُرُ إلا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا أبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللهِ أنِّي لَمْ أحُجَّ العَامَ. قال: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَإنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق عليه (¬2). 3 - ستر العورة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

يَوْمَ النَّحْرِ: لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ. متفق عليه (¬1). 4 - أن يكون الطواف على الكعبة كلها. فمن طاف من داخل الحِجْر فطوافه ناقص لا يصح؛ لأن الحِجْر من البيت. قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29]. 5 - أن يجعل البيت عن يساره؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. 6 - أن يبدأ طوافه من الحجر الأسود، وينتهي به. عَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأسْوَدَ، أوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ، يَخُبُّ ثَلاثَةَ أطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. متفق عليه (¬2). 7 - أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة. فمن نقص من الأشواط لم يصح طوافه؛ لأن عدد الأشواط مقدر كعدد ركعات الصلاة، فلا يصح إلا كاملاً. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: رَمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الحَجَرِ إِلَى الحَجَرِ ثَلاثاً، وَمَشَى أرْبَعاً. أخرجه مسلم (¬3). 8 - الموالاة بين الأشواط إلا لعذر. فمن قطع طوافه عابثاً بطل طوافه؛ لأن الأشواط كركعات الصلاة. ومن قطع طوافه لعذر ليصلي المكتوبة، أو يستريح من تعب، أو يقضي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (369) , ومسلم برقم (1347) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1603) , ومسلم برقم (1261) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1262).

حاجته، أو يصلي على جنازة ونحو ذلك، فإنه يبني على ما طاف، وطوافه صحيح. - سنن الطواف: 1 - الوضوء قبل الطواف. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ -حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ. متفق عليه (¬1). 2 - اضطباع الرجال عند الطواف فقط. والاضطباع: أن يجعل المحرم وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، ليكون منكبه الأيمن مكشوفاً. والسنة الاضطباع عند البدء بالطواف إلى نهاية الطواف بالبيت، ثم يسوي رداءه بعد الفراغ من الطواف. والاضطباع محله الطواف فقط دون غيره من المناسك. ويسن الاضطباع في طواف القدوم، وطواف العمرة فقط. عَن يَعْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَافَ بالبَيْتِ مُضْطَبعاً وَعَلَيْهِ بُرْدٌ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى، والمشي في الأربعة الباقية. والرَّمَل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. والرمل سنة للرجال دون النساء في كل طواف بعده سعي كطواف القدوم، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615)، واللفظ له، ومسلم برقم (1235). (¬2) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1883) , وأخرجه الترمذي برقم (859) , وهذا لفظه.

وطواف العمرة، ومن فاته الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فلا يقضيه في الأربعة الباقية؛ لأن هيئتها السكينة فلا تغير، ولأنه فات محله. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، قال المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَداً قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى، وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الحِجْرَ، وَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَرْمُلُوا ثَلاثَةَ أشْوَاطٍ، وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، لِيَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّ الحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلاءِ أجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يَأْمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. متفق عليه (¬1). 4 - التكبير، واستلام الحجر الأسود وتقبيله في كل شوط إن تيسر. ولاستلام الحجر الأسود أربع درجات: أن يستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله بفمه، وهذه أفضلها، فإن لم يستطع استلمه بيده وقبّل يده، فإن لم يستطع استلمه بعصا وقبّلها، فإن لم يستطع أشار إليه بيده وكبر ومضى. 1 - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وعَنْ أبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1602) , ومسلم برقم (1266) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1268). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1275).

3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أتَى الرُّكْنَ أشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ. أخرجه البخاري (¬1). 4 - وَعَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأيْتُ عُمَرَ يُقَبِّلُ الحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لأقَبِّلُكَ، وَأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْلا أنِّي رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ لَمْ أقَبِّلْكَ. متفق عليه (¬2). 5 - استلام الركن اليماني باليد اليمنى. والسنة للمرأة أن تطوف بالبيت متسترة معتزلة للرجال، ولا تزاحم الرجال في الطواف، وعند الحجر الأسود، وعند الركن اليماني. عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَسْتَلِمُ إِلا الحَجَرَ وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ. متفق عليه (¬3). 6 - الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود بما ورد. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ السَّائِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: «?رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬4). 7 - الدعاء أثناء الطواف بالأدعية الشرعية الواردة في القرآن والسنة. 8 - التوجه بعد الفراغ من الطواف إلى مقام إبراهيم وهو يتلو: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1597) , ومسلم برقم (1270) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1609) , ومسلم برقم (1267). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15399) , وأخرجه أبو داود برقم (1892) , وهذا لفظه.

9 - الصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم بعد الطواف، فإن لم يتيسر صلى الركعتين في أي مكان يخشع فيه قلبه. والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة الكافرون، وفي الثانية بالإخلاص. ويصلي المسلم ركعتي الطواف في أي وقت بعد الطواف. 1 - عَنِ ابْن عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قال اللهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بسُورَتَيِ الإخْلاَصِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). - حكم الطواف والناس يصلون المكتوبة: يجوز لمن ليس من أهل الجماعة كالمرأة، ومَنْ جَمَع الصلاة ونحوهما كالمريض والمعذور أن يطوف خلف الصفوف ما لم يؤذ. عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أشْتَكِي، قال: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. متفق عليه (¬3). - حكم الكلام والتعليم والإفتاء أثناء الطواف: يجوز للمسلم الكلام أثناء الطواف، لكن الأَوْلى تركه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1627) , واللفظ له، ومسلم برقم (1234). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (869) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2963). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (464) , واللفظ له، ومسلم برقم (1276).

ويسن للطائف الدعاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وجواب المستفتي ونحو ذلك، ثم يعود للذكر والدعاء. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ، فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْألُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ، رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ، بِسَيْرٍ أوْ بِخَيْطٍ أوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ قال: «قُدْهُ بِيَدِهِ». أخرجه البخاري (¬2). - حكمة مشروعية استلام الحجر الأسود: استلام الحجر الأسود مبدأ الطواف بالبيت، كأنه مبدأ الإقبال على الله والوقوف ببابه، معظماً له، محباً له، راغباً فيما عنده، والحجر يشهد يوم القيامة لمن استلمه بالحق. - حكم المرور أمام المصلي: المصلي يناجي ربه، فلا يجوز لأحد أن يمر بين المصلي وسترته، ومن مر فهو آثم، سواء كان في الحرم أو غيره من المساجد، وسواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، وسواء كان المار رجلاً أو امرأة. عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه». ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1273). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1620).

قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (¬1). - حكم الطواف راكباً: السنة أن يطوف المسلم بالبيت ماشياً، ويجوز الطواف بالبيت راكباً ولو مع القدرة على المشي، إذا دعت الحاجة إليه كزحام ونحوه، ويجوز للمريض والكبير والعاجز ونحوهم الطواف راكباً على عربة ونحوها. 1 - عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أشْتَكِي، قَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأنْتِ رَاكِبَةٌ». فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. متفق عليه (¬3). - حكم الطهارة في الطواف: 1 - تجب الطهارة في الطواف من الحدث الأكبر كالجنابة، والحيض، والنفاس. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قالتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510) , واللفظ له، ومسلم برقم (507). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (464) , واللفظ له، ومسلم برقم (1276). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1607) , واللفظ له، ومسلم برقم (1272). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1650) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

2 - تسن الطهارة من الحدث الأصغر ولا تجب. عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ -حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ. متفق عليه (¬1). 3 - من طاف بالبيت على غير طهارة فطوافه صحيح، لكنه ترك الأفضل. ومن طاف وعليه الحدث الأكبر من غير عذر فطوافه غير صحيح. ومن طاف جنباً ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه. 4 - إذا طافت المرأة في الحج أو العمرة وهي حائض: فإن كانت متعمدة لغير عذر فطوافها غير صحيح. وإن كانت جاهلة أو ناسية، أو خشيت فوات رفقتها، فطافت وهي حائض فطوافها صحيح. - السعي: هو التعبد لله بالمشي بين الصفا والمروة سبعة أشواط مع الدعاء. - شروط السعي: يشترط لصحة السعي بين الصفا والمروة ما يلي: 1 - أن يكون السعي بعد الطواف بالبيت. 2 - أن يكون السعي سبعة أشواط كاملة متوالية إلا لعذر. 3 - أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. 4 - أن يكون السعي في المسعى. 5 - أن يكون السعي في نسك حج أو عمرة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615) , واللفظ له، ومسلم برقم (1235).

- سنن السعي: يسن في السعي ما يلي: 1 - أن يكون على طهارة إن تيسر. 2 - أن يستلم الحجر الأسود قبل الخروج للسعي. 3 - أن يقرأ إذا اقترب من الصفا مرة واحدة: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]. 4 - أن يقول عند صعود الصفا: أبدأ بما بدأ الله به. عَنْ جَابِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ -وفيه-: فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. «أبْدَأ بِمَا بَدَأ اللهُ بِهِ». فَبَدَأ بِالصَّفَا. أخرجه مسلم (¬1). 5 - أن يستقبل القبلة عند الوقوف على الصفا والمروة للذكر والدعاء، ويدعو بما ورد، ويكرره ثلاث مرات كما سبق. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ فَتحِ مَكّةَ، قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصّفَا فَعَلاَ عَلَيْهِ، حَتّى نَظَرَ إلَى البَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدالله وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ. أخرجه مسلم (¬2). 6 - أن يمشي بين الصفا والمروة، ويفعل على المروة كما فعل على الصفا، ويجوز له الركوب لمصلحة وحاجة. 7 - أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين الأخضرين، وهذا خاص بالرجال دون ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1780).

النساء. 8 - الذكر والدعاء بين الصفا والمروة بما تيسر مما ورد في الكتاب والسنة. - حكم السعي: السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة، فلا يتم النسك إلا به. لكنه لا يصح إلا في نسك، ولا يشرع تكراره كالطواف. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} [البقرة:158]. 2 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلا أصْحَابُهُ، بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، إِلا طَوَافاً وَاحِداً. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا سُئِلتْ: مَا أرَى عَلَيَّ جُنَاحاً أنْ لا أتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أنْزِلَ هَذَا فِي أنَاسٍ مِنَ الأنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أهَلُّوا، أهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلا يَحِلُّ لَهُمْ أنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ فَلَعَمْرِي! مَا أتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1279). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1643) , ومسلم برقم (1277) , واللفظ له.

- حكم تقديم السعي على الطواف: 1 - يجب أن يكون الطواف للعمرة بالبيت أولاً، ثم يكون السعي بعده، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع نسكه، فلا يجوز تقديم السعي على الطواف في العمرة، ومن سعى قبل أن يطوف فعليه أن يطوف ثم يسعى. 2 - السنة أن يكون الطواف للحج أولاً، ثم يكون السعي بعده، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع نسكه، ويجوز في يوم النحر خاصة تقديم بعض الأنساك على بعض، وتقديم السعي على الطواف، لكن تقديم الطواف على السعي أفضل. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنىً لِلنَّاسِ يَسْألُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ؟ فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ». فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ؟ قال: «ارْمِ وَلا حَرَجَ». فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلا قال: «افْعَل وَلا حَرَجَ». متفق عليه (¬1). - حكم سعي الحائض بين الصفا والمروة: يصح السعي بين الصفا والمروة بلا طهارة. ويجوز للمرأة الحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لكن الأَوْلى أن تكون طاهرة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أطُفْ بِالبَيْتِ، وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قالتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (83) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306).

قال: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق عليه (¬1). - حكم السعي راكباً: السنة السعي بين الصفا والمروة ماشياً. ويجوز السعي راكباً ولو مع القدرة على المشي للحاجة الداعية إليه كزحام ونحوه. ويجوز للكبير والمريض والعاجز السعي راكباً على عربة ونحوها. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لأنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ، وَلِيَسْألُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. أخرجه مسلم (¬2). - الحلق: هو التعبد للهِ بحلق شعر الرأس أو تقصيره في نسك. - حكم الحلق أو التقصير: الحلق أو التقصير من واجبات الحج والعمرة. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَائِفَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1650) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1273). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1729) , واللفظ له، ومسلم برقم (1301).

- حكمة مشروعية الحلق أو التقصير: شرع الله عز وجل الحلق أو التقصير بعد اكتمال أعمال العمرة؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه، ويحل له ما كان محظوراً عليه من قبل إحرامه. وشرعه الله بعد غالب أعمال الحج؛ ليتحلل به المحرم من إحرامه بالحج، وإنما عجل به قبل الانتهاء من أعمال الحج خشية الوقوع في محظورات الإحرام إذا طال به أمد المنع، وفيه إشعار بتسليم الرقاب لرب العباد بعد حلاوة الطاعة. - أنواع حلق الرأس: 1 - حلق واجب: وهو حلقه عبودية للهِ تعالى في نسك حج أو عمرة. 2 - حلق مباح: وهو حلقه للتبرد أو النظافة أو الحاجة. 3 - حلق محرم: وهو حلقه تشبهاً بالكفار. 4 - حلق شرك: وهو حلقه بين يدي شيخه، أو صنمه خضوعاً وعبودية له. - فضل الحلق في النسك: 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)} [الفتح:27]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق

عليه (¬1). - صفة الحلق أو التقصير: 1 - إذا فرغ المسلم من سعي العمرة حلق شعر رأسه وهو الأفضل، أو قصر شعر رأسه يعمه بالتقصير، والسنة أن يبدأ الحالق بيمين المحلوق. والمرأة تقصر من شعر رأسها قدر أنملة من طرف ظفيرتيها. 2 - المفرد والمتمتع يحلق أو يقصر بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر. والقارن يحلق أو يقصر إذا رمى جمرة العقبة، وذبح الهدي يوم النحر. 3 - يسقط حلق الرأس وتقصيره عن الأقرع ومن لا شعر له. - صفة أداء العمرة: 1 - إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة قصد مكة ملبياً. ويسن دخوله من أعلاها إن كان أيسر لدخوله. ثم يدخل المسجد الحرام من أي جهة شاء. فإذا أراد دخول المسجد الحرام قدم رجله اليمنى، ثم قال ما يقال عند دخول المساجد: «اللَّهمَّ افْتَحْ لِي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ». أخرجه مسلم (¬2). «أَعُوذ بالله العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». أخرجه أبو داود (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728) , ومسلم برقم (1302) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (713). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466).

2 - السنة إذا أراد الطواف أن يكون متوضئاً، فإذا وصل الكعبة بدأ بالطواف من الحجر الأسود، ويجعل البيت عن يساره، ويسن أن يضطبع إذا أراد أن يطوف، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأشواط الأربعة الأخيرة. 3 - إذا حاذى الحجر الأسود استقبله، واستلمه بيده، وقبله بفمه، فإن لم يستطع مسحه بيده اليمنى وقبلها، فإن لم يستطع استلمه بعصاً ونحوها وقبلها، فإن لم يستطع أشار إليه بيده ولا يقبلها. ويقول إذا حاذاه (الله أكبر) مرة واحدة، ويفعل ذلك في كل شوط. ويدعو أثناء طوافه بما شاء من الأدعية الشرعية، ويذكر الله ويوحده. 4 - فإذا مر بالركن اليماني استلمه بيده اليمنى بدون تقبيل ولا تكبير، يفعل ذلك في كل شوط إن تيسر، فإن شق استلامه مضى في طوافه بلا تكبير ولا إشارة. ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. فيطوف سبعة أشواط كاملة من وراء الكعبة والحِجْر، يكبر كلما حاذى الحجر الأسود، ويستلمه ويقبله في كل شوط إن أمكن وهكذا. 5 - إذا فرغ من الطواف غطى كتفه الأيمن، وتقدم إلى مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. 6 - يصلي ركعتين خفيفتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر، وإلا صلى في أي مكان من الحرم. ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون، ويقرأ في الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص.

ثم ينصرف من حين يسلم، والدعاء بعد الركعتين هنا غير مشروع، وكذلك الدعاء عند مقام إبراهيم لا أصل له. 7 - يرجع إلى الحجر الأسود، ويستلمه إن تيسر، ثم يخرج إلى الصفا، ويسن أن يقرأ إذا قرب منه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. ويقول: أبدأ بما بدأ الله به. 8 - إذا صعد على الصفا، ورأى البيت، وقف مستقبلاً القبلة، ثم يكبر ثلاثاً، ويرفع يديه عند الدعاء، يوحد الله ويكبره ويحمده قائلاً: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (¬1). ثم بعد هذا الذكر يرفع يديه ويدعو الله بما تيسر من الأدعية الشرعية، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، يجهر بالذكر، ويسر بالدعاء. 9 - ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة ذاكراً داعياً، بخشوع وتذلل، يمشي حتى يحاذي العلم الأخضر الأول، فإذا حاذاه سعى سعياً شديداً إلى العلم الأخضر الثاني، ثم يمشي إلى المروة، وفي كل ذلك يهلل ويكبر ويدعو. 10 - إذا وصل إلى المروة رقاها، واستقبل البيت، ووقف للذكر والدعاء، رافعاً يديه عند الدعاء، يقول ما قاله على الصفا، ويكرره ثلاثاً كما فعل على الصفا. 11 - ينزل من المروة متجهاً إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، يفعل ذلك سبعاً متوالية. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4114) , ومسلم برقم (1218) , واللفظ له.

ذهابه سَعْية، ورجوعه سَعْية، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، وتسن للسعي الطهارة. 12 - إذا أكمل السعي وفرغ منه، حلق رأسه وهو الأفضل، أو قصّر من شعر رأسه يعمه بالتقصير. والمرأة لا يجوز لها حلق الشعر، وإنما تقصر من شعرها قدر أنملة من طرف ظفيرتيها. وبذلك تمت العمرة، وحل له كل شيء حرم عليه وهو مُحْرِم كاللباس، والطيب، والجماع ونحو ذلك. والمرأة كالرجل في الطواف والسعي إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي ولا تضطبع.

12 - صفة الحج

12 - صفة الحج - صفة الحج الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّنه، وأمر به أصحابه رضي الله عنهم. - أعمال الحج تبدأ من اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وتنتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر منه. - ما يفعله الحاج قبل اليوم الثامن: 1 - يحرم المتمتع من الميقات قائلاً: لبيك عمرة. ثم يطوف .. ثم يسعى .. ثم يحلق رأسه وهو الأفضل أو يقصر .. ثم يحل من إحرامه .. ثم يلبس ثيابه. 2 - يحرم القارن من الميقات قائلاً: لبيك عمرة وحجاً. ثم يطوف القادم من خارج مكة طواف القدوم .. ثم يسعى بين الصفا والمروة .. ولا يحلق رأسه ولا يحل .. بل يبقى على إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر. 3 - يحرم المفرد من الميقات قائلاً: لبيك حجاً. ثم يطوف القادم من خارج مكة طواف القدوم .. ثم يسعى بين الصفا والمروة، ولا يحل من إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر. وطواف القدوم سنة للمفرد والقارن، ويجوز لهما تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة بعد عرفة. وهذه أيام الحج وأعماله: 1 - اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية:

يسن للمحلين بمكة، وأهل مكة، الاغتسال والتطيب، ثم الإحرام بالحج ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة، يحرم كل حاج من مكانه الذي هو فيه في مكة أو منى أو غيرهما قائلاً: لبيك حجاً. وأما القارن أو المفرد فهو باق على إحرامه. ثم يخرج كل من أراد الحج إلى منى قبل الزوال. والسنة أن يصلي بها مع الإمام محرماً الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، قصراً بلا جمع، فإن لم يتيسر صلاها جماعة في مكانه في منى. يصلي كل صلاة في وقتها .. ويكثر من التلبية .. ويبيت بها ليلة التاسع .. ويصلي التهجد والوتر .. ويحفظ جوارحه من الآثام. 1 - عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قُلْتُ: أخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنىً، قُلْتُ: فَأيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قال: بِالأبْطَحِ، ثُمَّ قال: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ أكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ، بِمِنىً رَكْعَتَيْنِ. متفق عليه (¬2). 2 - اليوم التاسع يوم عرفة: السنة أن يصلي الحاج الفجر بمنى، ثم يجلس للذكر والدعاء. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار من منى إلى عرفة راكباً ملبياً مكبراً، فينزل بنمرة إلى الزوال إن تيسر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1653) , واللفظ له، ومسلم برقم (1309). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1656) , واللفظ له، ومسلم برقم (696).

ونمرة مكان على حدود عرفة من جهة مكة، وليست من عرفة، وقد بني فيها الآن مسجد اسمه مسجد نمرة، مقدمته في نمرة ومؤخرته داخل عرفة. فإذا زالت الشمس رحل إلى أول عرفة. ويسن لإمام المسلمين أن يخطب هناك، وهو الآن داخل المسجد فيخطب بالحجاج خطبة تناسب الحال. يذكِّرهم فيها بربهم .. ويقرر فيها التوحيد .. ويعلمهم مناسك حجهم .. ومهمات دينهم. فإذا فرغ الإمام من الخطبة أذن المؤذن لصلاة الظهر ثم يقيم، ثم يصلي الإمام بهم الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ركعتين ركعتين، يجمع بينهما جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، فإن لم يتيسر صلى الحاج جماعة مع رفقته في منزله بعرفة جمعاً وقصراً كما سبق. ثم يسن له بعد الصلاة أن يتوجه إلى عرفات ليقف بها. والوقوف بعرفة معناه وجود الحاج في عرفة في اليوم التاسع، سواء كان قائماً أم جالساً أم راكباً، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح الحج بدونه. ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع، إلى طلوع فجر اليوم العاشر، فمن وقف بعرفة في هذا الوقت ولو لحظة فقد صح حجه. والسنة أن يدخل عرفة بعد زوال الشمس، ويقف بها إلى غروب الشمس. عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ

حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بعَرَفَةَ قَبْلَ ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة. وقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجبل المسمى جبل عرفة. فيسن للحاج أن يقف عنده، ويجعله بينه وبين القبلة، ويستقبل القبلة، ويجعل حبل المشاة بين يديه، ولا يصعد الجبل، ولا يرقى على الصخرات، ولا يقف بوادي عرنة وهو واد قبل عرفة. فإن لم يتيسر للحاج الوقوف عند الجبل وقف في أي مكان من عرفة. ويسن للحاج في يوم عرفة أن يقف للذكر والدعاء في مكان يخشع فيه قلبه .. ويستقبل القبلة .. ويرفع يديه بخشوع وتذلل سواء كان جالساً على الأرض أو راكباً على راحلته .. ويذكر الله ويدعوه .. ويسأله ويستغفره .. ويلبي ويكبر ويهلل .. ويتذكر عظمة هذا اليوم وفضله. ويكثر من الدعاء بما ورد في القرآن والسنة .. ويكثر من الاستغفار والتوبة .. ويكثر من الثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ويظهر الافتقار إلى الله تعالى .. ويلح في الدعاء .. ويظل يذكر الله ويدعوه حتى يغيب قرص الشمس. ثم ينصرف الحاج من عرفة إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، ومن وقف بعرفة نهاراً، ثم دفع قبل الغروب، فحجه صحيح، لكنه ترك الأفضل. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1950) , وأخرجه الترمذي برقم (891) , وهذا لفظه.

1 - عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلاءِ؟». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ، وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنىً إِلَى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي المُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬2). وفي ليلة العاشر: ينصرف إلى مزدلفة ويبيت بها. فإذا غابت الشمس من يوم عرفة أفاض الحاج من عرفة إلى مزدلفة. ويسن للحاج أن ينصرف بسكينة ملبياً، ولا يزاحم الناس بنفسه أو دابته، وإذا وجد فجوة أسرع. فإذا وصل إلى مزدلفة أذن وصلى بها المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين جماعة، يجمع بينهما جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين. ويبيت تلك الليلة بمزدلفة، ويصلي التهجد والوتر. ثم يصلي الفجر مع سنتها بغلس بعد دخول الوقت. فإذا صلى الفجر أتى المشعر الحرام، وهو الآن مسجد مزدلفة، فيقف هناك مستقبلاً القبلة رافعاً يديه للذكر والدعاء .. يحمد الله ويهلل ويكبر ويلبي .. ويدعو قائماً أو قاعداً أو راكباً حتى يسفر جداً. ثم يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس. وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام وقف في أي مكان من مزدلفة، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1348). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (970) , واللفظ له، ومسلم برقم (1285).

واستقبل القبلة ودعا حتى يسفر جداً. ويجوز للضعفاء وذوي الأعذار من الرجال والنساء ومن يرافقهم أن يدفعوا من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، أو إذا مضى أكثر الليل، ثم يرموا جمرة العقبة إذا وصلوا منى. 1 - عَن عُرْوَةَ قَالَ: سُئِلَ أسَامَةُ وَأنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قال: كَانَ يَسِيرُ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْراً شَدِيداً، وَضَرْباً وَصَوْتاً لِلإبِلِ، فَأشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقال: «أيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإيضَاعِ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ، وَصَلَّى المَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ عَبْداللهِ مَوْلَى أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ أسْمَاءَ أنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قالتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلْتُ: لا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قالتْ: هَلْ غَابَ القَمَرُ؟ قُلْت: نَعَمْ، قالتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1666) , واللفظ له، ومسلم برقم (1280). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1671). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1288).

فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ، مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلَّسْنَا، قالتْ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أذِنَ لِلظُّعُنِ. متفق عليه (¬1). 3 - اليوم العاشر يوم النحر، يوم العيد، يوم الحج الأكبر: يدفع الحاج من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس بسكينة، ويكثر في طريقه من التلبية. فإذا بلغ محسراً، وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى، أسرع قدر رمية حجر سواء كان راكباً أو ماشياً. ويلتقط سبع حصيات من طريقه إلى الجمرات، أو من عند الجمرات، وإن أخذها من مزدلفة جاز. ويلبي ويكبر في طريقه، ويقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة، فإذا وصل إلى منى قام بأعمال يوم العيد وهي كما يلي على الترتيب: رمي جمرة العقبة .. ثم النحر .. ثم الحلق أو التقصير .. ثم الطواف .. ثم السعي. فإذا وصل إلى جمرة العقبة، وهي آخر الجمرات من جهة منى، وأولها من جهة مكة، رماها بسبع حصيات بعد طلوع الشمس، يكبر مع كل حصاة، ويرفع يده اليمنى بالرمي، جاعلاً مكة عن يساره، ومنى عن يمينه عند الرمي، ثم ينصرف ويحل من إحرامه. وإذا رمى جمرة العقبة حلت له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، إلا من ساق الهدي فلا يحل حتى ينحر هديه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1679) , واللفظ له، ومسلم برقم (1291).

والسنة في حصى الجمار أن تكون صغيرة بين الحمص والبندق، مثل حصى الخذف. ولا يجوز الرمي بحصاة كبيرة، ولا بغير الحصى كالخفاف والنعال والمعادن ونحوها. ولا يجوز لمن يرمي الجمار أن يؤذي الناس، ولا يزاحمهم عند الرمي وغيره. ويبدأ وقت رمي جمرة العقبة يوم العيد من طلوع الشمس، ويستمر وقت الرمي إلى طلوع فجر اليوم الحادي عشر. فإن رمى قبل الفجر أو بعده صح وأجزأ، لكن الأفضل الرمي بعد طلوع الشمس من يوم النحر. والعمل الثاني من أعمال يوم العيد نحر الهدي. فيذبح المتمتع والقارن هديه. ويسن أن يأكل من لحمه .. ويشرب من مرقه .. ويطعم منه المساكين، والهدي واجب على المتمتع والقارن، ومستحب للمفرد. والعمل الثالث من أعمال يوم العيد الحلق أو التقصير، فيحلق الرجل رأسه وهو الأفضل، أو يقصر من جميعه، أما المرأة فتقصر من شعر رأسها قدر أنملة من أطرافه. والعمل الرابع من أعمال يوم العيد الطواف بالبيت العتيق. فإذا رمى الحاج جمرة العقبة، ونحر هديه، وحلق أو قصر، اغتسل، ولبس ثيابه، وتطيب، وأفاض إلى مكة ضحى، ليطوف بالبيت طواف الإفاضة،

وهو طواف الحج، ولا رمل فيه، ثم يصلي بعده ركعتين خلف مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. ويبدأ وقت طواف الإفاضة بعد طلوع فجر يوم العيد، وأفضل وقته ضحى يوم العيد. ويجوز أن يطوف آخر الليل لمن وقف بعرفة، وتعجل من مزدلفة، ويجوز أن يؤخره عن يوم العيد، لكنه خلاف الأفضل. والعمل الخامس من أعمال يوم العيد السعي بين الصفا والمروة، فيسعى الحاج بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، وإن كان مفرداً أو قارناً، ولم يسع مع طواف القدوم، طاف وسعى كالمتمتع، وإن سعى بعد طواف القدوم -وهو الأفضل- فلا سعي عليه بعد طواف الإفاضة. ثم قد حل للحاج كل شيء مما حرم عليه حال الإحرام حتى النساء. ثم يرجع الحاج إلى منى، ويصلي بها الظهر إن تيسر، ويمكث الحاج في منى بقية يوم العيد، وأيام التشريق ولياليها. ويصلي الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها قصراً بلا جمع في مسجد الخيف إن تيسر، وإلا صلى جماعة في أي مكان من منى. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة:198 - 199]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ أسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَانَ

رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنىً، قال: فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «اللَّهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ انْتَهَى إِلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، جَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقال: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: كُنْتُ أطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. متفق عليه (¬4). 4 - اليوم الحادي عشر: أيام التشريق ثلاثة: اليوم الحادي عشر .. واليوم الثاني عشر .. واليوم الثالث عشر. سميت بذلك لأن لحوم الهدي كانت تُشرَّق فيها، وتقطع، وتجفف بالشمس، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1686). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1728) , ومسلم برقم (1302) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1748) , واللفظ له، ومسلم برقم (1296). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1539) , واللفظ له، ومسلم برقم (1189).

ويجب على الحاج البقاء في منى أيام التشريق ولياليها، ورمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال. ومقدار الحصى لكل يوم إحدى وعشرون حصاة، يلتقطها كل يوم من أي مكان في منى. ويسن أن يذهب إلى الجمرات ويرميها ماشياً إن تيسر، فيرمي في اليوم الحادي عشر بعد الزوال الجمرة الأولى، وهي الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ويرفع يده اليمنى مع كل حصاة، مستقبلاً القبلة إن تيسر، ويرميها بسبع حصيات متعاقبات قائلاً (الله أكبر) مع كل حصاة. فإذا فرغ تقدم قليلاً عن يمينه، ووقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه، فيذكر الله ويدعوه طويلاً بقدر سورة البقرة. ثم يسير إلى الجمرة الوسطى، ويرميها بسبع حصيات كما سبق، ويرفع يده اليمنى مع كل حصاة ويكبر. فإذا فرغ تقدم قليلاً إلى الأمام، ووقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه، ويدعو طويلاً، لكن أقل من دعائه في الأولى ثم يسير إلى جمرة العقبة، ويرميها كما سبق بسبع حصيات، جاعلاً مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ولا يقف عندها للدعاء، وبذلك يكون قد رمى إحدى وعشرين حصاة عن اليوم الأول من أيام التشريق. ثم يرجع إلى رحله، ويشتغل بالذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام وغير ذلك من الأعمال الصالحة.

5 - اليوم الثاني عشر: إذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فَعَل ما فَعَله في اليوم الحادي عشر، يرمي الجمار الثلاث كلها بعد الزوال كما سبق، فإن أحب التعجل في هذا اليوم فإنه يخرج من منى قبل غروب الشمس. فإن غربت الشمس وهو مستقر في منى لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر. وإن أراد التأخر إلى اليوم الثالث عشر عاد إلى رحله، وبقي فيه، وهذا هو الأفضل؛ لأنه فِعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع. قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)} [البقرة:203]. 6 - اليوم الثالث عشر: يرمي الحاج في اليوم الثالث عشر الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق، وينتهي وقت الرمي بغروب شمس اليوم الثالث عشر. ويجوز للمعذور ألا يبيت في منى، وأن يجمع رمي يومين في يوم واحد، وأن يؤخر الرمي إلى آخر أيام التشريق، أو يرمي في الليل؛ لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي. وصفة الرمي إذا أخره: يبدأ بالرمي عن اليوم الأول من أيام التشريق، فيرمي الجمرات الثلاث مرتبة كما سبق بعد الزوال، ثم يرجع للجمرة الصغرى ويرمي مرتباً كما سبق عن اليوم الثاني عشر .. وهكذا يرمي عن اليوم الثالث عشر.

وبذلك يكون الحاج قد فرغ من أعمال الحج. ثم بعد رمي اليوم الثالث عشر بعد الزوال يخرج الحاج من منى، والرمي لا يُقضى إذا فات وقته. ومن السنة إذا خرج أن ينزل بالأبطح إن تيسر، ويصلي به الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل. ثم ينزل إلى مكة، ويطوف طواف الوداع إن كان من غير أهل مكة, والحائض والنفساء لا طواف للوداع عليهما. فإذا طاف للوداع نفر إلى بلده. ويسن للمسلم إذا فرغ من حجه أن يذكر الله عز وجل الذي وفقه لأداء الطاعة، ويحمده على ما يسر له من أداء الفريضة، ويستغفره من التقصير. قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200]. - ما يقوله إذا رجع من الحج أو العمرة أو غيرها: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا قَفَلَ مِنَ الجُيُوشِ أوِ السَّرَايَا أوِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ، إِذَا أوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أوْ فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاثاً، ثُمَّ قال: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797) , ومسلم برقم (1344) , واللفظ له.

13 - صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -

13 - صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أذَّنَ فِي النَّاسِ فِي العَاشِرَةِ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أبِي بَكْرٍ، فَأرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ أصْنَعُ؟ قال: «اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأحْرِمِي». فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ القُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: «لَبَّيْكَ اللَّهمَّ! لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ». وَأهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَلْبِيَتَهُ، قال جَابِرٌ: لَسْنَا نَنْوِي إِلا الحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ العُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أتَيْنَا البَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاثاً وَمَشَى أرْبَعاً، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام، فَقَرَأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. فَجَعَلَ المَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، كَانَ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ، وَقُلْ يَا أيُّهَا الكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. «أبْدَأ بِمَا بَدَأ اللهُ بِهِ». فَبَدَأ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأى البَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لا

إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قال مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَرْوَةِ فَقَالَ: «لَوْ أنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً». فَقَامَ سُرَاقَةُ ابْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألِعَامِنَا هَذَا أمْ لأبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأخْرَى، وَقَالَ: «دَخَلَتِ العُمْرَةُ فِي الحَجِّ». مَرَّتَيْنِ «لا بَلْ لأبَدٍ أبَدٍ». وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغاً، وَاكْتَحَلَتْ، فَأنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أبِي أمَرَنِي بِهَذَا، قال: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشاً عَلَى فَاطِمَةَ، لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِياً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ. فَأخْبَرْتُهُ أنِّي أنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟». قال قُلْتُ: اللَّهمَّ! إِنِّي أهِلُّ بِمَا أهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ، قال: «فَإِنَّ مَعِيَ الهَدْيَ فَلا تَحِلُّ». قال: فَكَانَ جَمَاعَةُ الهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ وَالَّذِي أتَى بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةً، قال: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، فَأهَلُّوا بِالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأجَازَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بِالقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأوَّلُ رِباً أضَعُ رِبَانَا، رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأنْتُمْ تُسْألُونَ عَنِّي، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟». قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: «اللَّهمَّ! اشْهَدْ، اللَّهمَّ! اشْهَدْ». ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أذَّنَ ثُمَّ أقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَأرْدَفَ أسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: «أيُّهَا النَّاسُ! السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ».

كُلَّمَا أتَى حَبْلاً مِنَ الحِبَالِ أرْخَى لَهَا قَلِيلا، حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حَتَّى أتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أسْفَرَ جِدّاً، فَدَفَعَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأرْدَفَ الفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أبْيَضَ وَسِيماً، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، فَحَوَّلَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، حَتَّى أتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلاثاً وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أعْطَى عَلِيّاً فَنَحَرَمَا غَبَرَ، وَأشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فَأكَلا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأفَاضَ إِلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأتَى بَنِي عَبْدِالمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِالمُطَّلِبِ، فَلَوْلا أنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ». فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218).

14 - أحكام الحج والعمرة

14 - أحكام الحج والعمرة - فضل عشر ذي الحجة: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر في رمضان؛ لأن فيها يوم عرفة، ويوم النحر يوم الحج الأكبر. وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ونسبة أيام عشر ذي الحجة إلى سائر الأيام كنسبة أماكن المناسك إلى سائر البقاع، ولهذا يسن في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من الأعمال الصالحة كالحج، وصوم يوم عرفة لغير حاج، والتكبير، والتهليل، والتحميد، والصدقات، والإحسان، وأعمال البر .. ونحو ذلك. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ». أخرجه البخاري (¬1). - ما يُمنع في عشر ذي الحجة: إذا دخلت عشر ذي الحجة فلا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وظفره وبشرته شيئاً إلى أن يذبح أضحيته. أما المضحَّى عنه كالأهل والولد فلا يحرم عليهم أخذ شيء من ذلك، ومن أراد أن يضحي وأخذ من بدنه شيئاً استغفر الله، ولا فدية عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (969).

عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحّيَ، فَلاَ يَمَسّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬1). - حكم نية الحج: النية شرط في صحة كل عمل. فنية الحج تكفي لجميع أعماله، كنية الصلاة تكفي لجميع أعمالها. فينوي الحاج أداء مناسك الحج كلها، فلو وقف بعرفة نائماً أو جاهلاً أنها عرفة صح وقوفه وحجه. - أفضل الأنساك: 1 - الحج الذي استقر عليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل أصحابه رضي الله عنهم أن القران أفضل لمن ساق الهدي .. والتمتع أفضل لمن لم يسق الهدي. والمتمتع إذا ساق الهدي أفضل من متمتع اشتراه من مكة. والقارن السائق الهدي أفضل من متمتع لم يسق الهدي، أو ساق الهدي من أدنى الحل. ومن أراد أن يفرد العمرة بسفرة، والحج بسفرة، فهذا الإفراد أفضل له. وقد اختار الله لرسوله القران وسوق الهدي. والذي اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته هو التمتع بلا سَوق الهدي، وقَلْب القران والإفراد إلى التمتع. 2 - من أحرم قارناً أو مفرداً فالأولى أن يقلب نسكه إلى عمرة؛ ليصير متمتعاً، ولو بعد أن طاف وسعى إذا لم يسق الهدي، ومن أحرم قارناً ومعه الهدي فلا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1977).

يحل حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، وَأهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، فَأمَّا مَنْ أهَلَّ بِالحَجِّ، أوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أهَلُّوا بِالحَجِّ مُفْرَداً، فَقال لَهُمْ: «أحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، بِطَوَافِ البَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أقِيمُوا حَلالاً، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأهِلُّوا بِالحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً». فَقالوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقال: «افْعَلُوا مَا أمَرْتُكُمْ، فَلَوْلا أنِّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ». فَفَعَلُوا. متفق عليه (¬2). - أنواع الطواف في الحج: الطواف بالبيت في الحج ثلاثة أنواع: الأول: طواف القدوم، ويسمى طواف الورود، وطواف التحية. وهو مسنون للآفاقي القادم من خارج مكة من قارن ومفرد. ومن ذهب من الميقات إلى منى أو عرفات ولم يدخل مكة فلا يسن له أن يطوف للقدوم بعد عرفة؛ لأنه فات وقته. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ -حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1562) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1568) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216).

أنَّهُ تَوَضَّأ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. متفق عليه (¬1). الثاني: طواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج لا يتم إلا به. 1 - قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهَا حَائِضٌ، قال: «حَابِسَتُنَا هِيَ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «اخْرُجُوا». متفق عليه (¬2). الثالث: طواف الوداع، ويسمى طواف الصَّدَر، وهو واجب من واجبات الحج، لكنه يسقط عن المرأة الحائض. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ». أخرجه مسلم (¬4). - وقت طواف الإفاضة: يبدأ وقت طواف الإفاضة من بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1615) , واللفظ له، ومسلم برقم (1230). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1733) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , واللفظ له، ومسلم برقم (1328). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1327).

ويمتد إلى نهاية شهر ذي الحجة. وأفضل أوقاته يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق، فإن لم يتيسر فالأفضل أن لا يؤخره عن أيام التشريق إلا لعذر. ويشترط في طواف الإفاضة أن يكون مسبوقاً بالوقوف بعرفة، فلا يصح قبل الوقوف بعرفة. - حكم من حاضت قبل طواف الإفاضة: المرأة الحائض لها حالتان: الأولى: أن تستطيع البقاء في مكة حتى تطهر ثم تطوف بالبيت. فهذه يلزمها ذلك، وهذا هو السنة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا نَذْكُرُ إلا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ، طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأنَا أبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللهِ أنِّي لَمْ أحُجَّ العَامَ. قال: «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «فَإنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أنْ لا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». متفق عليه (¬1). الثانية: أن لا تستطيع البقاء في مكة حتى تطهر ثم تطوف بالبيت؛ لأن رفقتها لا ينتظرونها، أو لكونها مضطرة للسفر، فهذه معذورة ومضطرة للسفر فتطوف بالبيت على حالها؛ للضرورة وشدة الحرج، وهذا وُسْعها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ويباح للمرأة في الحج تناول ما يمنع الحيض إذا لم يسبب لها ضرر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). - الفرق بين الرجل والمرأة في الحج والعمرة: المرأة كالرجل في جميع مناسك الحج والعمرة إلا فيما يلي: 1 - يجب الحج على الرجل المستطيع مطلقاً، ولا يجب على المرأة إلا إذا وُجِد المَحْرم. 2 - الرجل يجب عليه أن يكشف رأسه، وله تغطية وجهه، أما المرأة فلها أن تكشف عن رأسها ولها أن تغطيه، ولها أن تكشف عن وجهها ولها أن تغطيه بخمار لا نقاب، ما لم تكن بحضرة أجانب فيلزمها سترهما. 3 - الرجل لا يلبس المخيط، ويجوز ذلك للمرأة. 4 - الرجل يجهر بالتلبية في كل حال، وتخفيها المرأة بحضرة الرجال الأجانب. 5 - يسن للرجل الاضطباع والرمل في الطواف، ولا يشرع ذلك للمرأة. 6 - يسن للرجل الإسراع بين العلمين الأخضرين في المسعى، ولا يسن ذلك للنساء. 7 - الرجل لا يجوز له لبس الخفين والجوربين في الإحرام، ويجوز ذلك للمرأة. 8 - الرجل يسن له الحلق أو التقصير في النسك، والمرأة يسن لها التقصير ولا يجوز الحلق. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

9 - الرجل يجب عليه طواف الوداع في الحج إذا أراد الخروج من مكة، والمرأة إذا حاضت يسقط عنها طواف الوداع. - أحوال الناس في الحج: إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة فلا يخرج عما يلي: 1 - أن يتم حجه من أوله إلى آخره، ويتم عمرته من أولها إلى آخرها، فهذا عليه أن يحمد الله على إكمال نسكه، ويستغفره من التقصير، ويسأله القبول. 2 - أن يفوته الحج فيخرج منه بعمرة، وعليه حجة الإسلام. 3 - أن يفسد حجه بالجماع، فمن جامع قبل الوقوف بعرفة وهو محرم فسد حجه، ويمضي فيه، وعليه بدنة، وعليه الحج في العام القادم، وإن جامع بعد عرفة فحجه صحيح، لكنه آثم، وعليه بدنة. 4 - أن يُحصر بمرض، أو عدو، أو ذهاب نفقة، أو حَبْس ظالم، فهذا يذبح ما تيسر من الهدي حيث أُحصر إن لم يكن اشترط، ثم يحل، فإن لم يتمكن حل ولا شيء عليه. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. - فضل يوم عرفة: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أرَادَ هَؤُلاءِ؟». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1348).

- أفضل الزاد: 1 - قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)} [البقرة:197]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قال: كَانَ أهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَألُوا النَّاسَ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. أخرجه البخاري (¬1). - فضل الركوب في الحج: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لحجة الوداع يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، ووصل مكة في الخامس من ذي الحجة أو الرابع، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - لحجة الوداع راكباً، واعتمر عمره الأربع راكباً. فالسنة الركوب للحج والعمرة، والتنقل بين المشاعر راكباً. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ مَعَهُ، بِالمَدِينَةِ الظُّهْرَ أرْبَعاً، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا، أمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أهَلُّوا بِالحَجِّ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ أسَامَةَ رَضِيَ الله عَنْه كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ، مِنَ المزْدَلِفَةِ إِلَى مِنىً، قال: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1523). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1551) , واللفظ له، ومسلم برقم (690).

فَكِلاهُمَا قال: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. متفق عليه (¬1). - يوم الحج الأكبر: يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، سمي بذلك: لما في ليلته من الوقوف بعرفة .. والمبيت بمزدلفة .. ولما في نهاره من الرمي .. والنحر .. والحلق .. والطواف .. والسعي. ويوم عرفة مقدِّمة ليوم النحر بين يديه، فيه الوقوف والتضرع والتوبة، فهو كالطهور والاغتسال بين يدي يوم النحر. ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة، ولهذا كان فيه معظم أعمال الحج. عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «أتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلْنَا: بَلَى، قال: «أيُّ شَهْرٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقال: ألَيْسَ ذُو الحَجَّةِ قُلْنَا بَلَى قال: أيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ الحَرَامِ». قُلْنَا: بَلَى، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ». قالوا: نَعَمْ، قال: «اللَّهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1543) , واللفظ له، ومسلم برقم (1280). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1741) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

- إفاضات الحج: إفاضات الحجاج من المشاعر ثلاث: الأولى: من عرفة إلى مزدلفة ليلة عيد النحر. الثانية: من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس من يوم النحر. الثالثة: من منى إلى مكة لطواف الإفاضة يوم النحر. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة:198 - 199]. 2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج:29]. - وقفات الدعاء في الحج: في الحج ست وقفات للدعاء وهي: على الصفا .. وعلى المروة -وهاتان في سعي العمرة والحج- .. وفي عرفة .. وفي مزدلفة .. وبعد رمي الجمرة الصغرى .. وبعد رمي الجمرة الوسطى .. وهذه الأربع في الحج. فهذه ست وقفات للدعاء في الحج والعمرة ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. - صفة بناء الكعبة: بناء الكعبة الموجود حالياً ليس هو الذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبنيها عليه، وقد

تركه لكونهم حديثي عهد بجاهلية. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لأمَرْتُ بِالبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأدْخَلْتُ فِيهِ مَا أخْرِجَ مِنْهُ، وَألْزَقْتُهُ بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَربيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أسَاسَ إِبْرَاهِيمَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ! لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فَألْزَقْتُهَا بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيّاً وَبَاباً غَرْبِيّاً، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ». متفق عليه (¬2). - أين يصلي إذا دخل الكعبة: دخول الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة، ولم يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عام الفتح. ومن دخلها فيسن له أن يصلي فيها، ويكبر الله، ويوحده ويدعوه. فإذا دخل مع الباب صلى فيما شاء منها. والأفضل أن يجعل بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الكَعْبَةَ، وَأسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَألْتُ بِلالاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جَعَلَ عَمُوداً عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوداً عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أعْمِدَةٍ، ثُمَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586) , واللفظ له، ومسلم برقم (1333). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1586)، ومسلم برقم (1333) , واللفظ له.

صَلَّى. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ نَافِعٍ أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ البَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيباً مِنْ ثَلاثَةِ أذْرُعٍ صَلَّى، يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أخْبَرَهُ بِهِ بِلالٌ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ. قال: وَلَيْسَ عَلَى أحَدِنَا بَأْسٌ إنْ صَلَّى فِي أيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ. متفق عليه (¬2). - فضل سقاية الحاج: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقال العَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقال: «اسْقِنِي». قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أيْدِيَهُمْ فِيهِ. قال: «اسْقِنِي». فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقال: «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ». ثُمَّ قال: «لَوْلا أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ، حَتَّى أضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ». يَعْنِي: عَاتِقَهُ، وَأشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. أخرجه البخاري (¬3). - حكم نزول الحجاج في المشاعر: الحج من العبادات المقيدة بمكان خاص، وزمان خاص، وأعمال خاصة. فينبغي لكل حاج الاقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجه. فيقف في عرفات عند جبل عرفات، يجعله بينه وبين القبلة إن تيسر، وهذا هو الأفضل، فإن لم يتيسر وقف في أي مكان من عرفة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (505) , واللفظ له، ومسلم برقم (1329). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (506) , واللفظ له، ومسلم برقم (1329). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1635).

ويقف في مزدلفة عند المشعر الحرام وهو مكان المسجد الآن، وهذا هو الأفضل، فإن لم يتيسر وقف في أي مكان من مزدلفة ومنى مناخ من سبق. وعلى إمام المسلمين أن ينظم نزول الناس في المشاعر بما يحقق الأمن والراحة للحجاج كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: خَطَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بمِنىً وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: «لِيَنْزِلِ المُهَاجِرُونَ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ القِبْلَةِ «وَالأَنْصَارُ هَاهُنَا» وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ القِبْلَةِ «ثمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكم المبيت بمنى: 1 - السنة أن يبيت الحاج ليلة عرفة في منى. والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق واجب على كل حاج. ومن ترك المبيت بمنى ليلتين أو ثلاثاً من ليالي أيام التشريق من غير عذر فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، ونسكه صحيح، فإن كان معذوراً بمرض، أو حُبِس عن الوصول إليها فلا إثم عليه. ومن لم يجد مكاناً في منى نزل بجوار آخر خيمة من منى من أي جهة ولو كان خارج منى. ولا ينبغي للحاج أن يبيت بمنى على الأرصفة أو في الطرق، فيضر نفسه، ويؤذي غيره، ويعطل السير. 2 - يجوز لمن يشتغل بمصالح الحجاج العامة كرجال المطافي، والمرور، ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1951) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2996).

والأطباء ونحوهم أن يبيتوا ليالي منى خارجها إذا لزم الأمر، ولا إثم عليهم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ العَبَّاسَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً، مِنْ أجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأذِنَ لَهُ. متفق عليه (¬1). - ما يحصل به التحلل الأول والثاني: 1 - يحصل التحلل الأول للمفرد والقارن والمتمتع برمي جمرة العقبة يوم العيد، إلا من ساق الهدي فلا يحل حتى ينحر، ويباح للحاج في هذا التحلل كل شيء إلا النساء. 2 - يحصل التحلل الثاني بإكمال بقية أعمال يوم النحر، وهي: رمي جمرة العقبة .. والحلق أو التقصير .. والطواف .. والسعي. ويباح للحاج بعد إكمال هذه الأعمال كل شيء حرم عليه قبل الإحرام حتى النساء. - صفة أداء أعمال يوم النحر: السنة أن يرتب الحاج أعمال يوم النحر كما يلي: رمي جمرة العقبة ضحىً .. ثم ذبح الهدي .. ثم الحلق أو التقصير والحلق أفضل .. ثم الطواف .. ثم السعي .. والمفرد والقارن لا يكرر السعي إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم، هذا هو السنة في هذا اليوم. فإن قدَّم بعض أعمال هذا اليوم على بعض فلا حرج عليه كأن يحلق قبل أن يذبح، أو يطوف قبل أن يرمي ونحو ذلك. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1745) , واللفظ له، ومسلم برقم (1315).

الوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْألُونَهُ، فَقال رَجُلٌ: لَمْ أشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قال: «اذْبَحْ وَلا حَرَجَ». فَجَاءَ آخَرُ فَقال: لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قال: «ارْمِ وَلا حَرَجَ». فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أخِّرَ إِلا قال: «افْعَلْ وَلا حَرَجَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: زُرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قال: «لا حَرَجَ». قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قال: «لا حَرَجَ». قال: ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ، فَقال: «لا حَرَجَ». قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَرَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه (¬3). - صفة رمي الجمار: عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِاللهِ أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَاماً طَوِيلاً، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَاماً طَوِيلاً، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ ذَاتَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1736) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1722) , واللفظ له، ومسلم برقم (1307). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1723) , واللفظ له، ومسلم برقم (1307). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1752).

- وقت رمي الجمار: 1 - رمي الجمار في أيام التشريق كله بعد الزوال. ومن رمى قبل الزوال لزمه أن يعيده بعد الزوال، لوقوعه في غير وقته. فإن لم يعده وغابت شمس اليوم الثالث عشر ولم يرم فهو آثم؛ لتركه الواجب، ولا رمي لفوات وقت الرمي، ونسكه صحيح. 2 - أيام التشريق الثلاثة بالنسبة إلى الرمي كاليوم الواحد. فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر أجزأه، ولا شيء عليه، لكنه ترك الأفضل. 3 - يجوز لأهل الأعذار كالمرضى ومن يضره الزحام، ومن يشتغل بمصالح المسلمين أن يؤخرو رمي أيام التشريق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي مرتباً لكل يوم بعد الزوال. 4 - السنة أن يرمي الجمار أيام التشريق بعد الزوال في النهار، فإن خشي من الزحام رماها مساءً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت ابتداء الرمي ولم يؤقت آخره. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ، فَقال: «لا حَرَجَ». قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَرَ، قال: «لا حَرَجَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَألْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: مَتَى أرْمِي الجِمَارَ؟ قال: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ، فَأعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْألَةَ، قال: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1723) , واللفظ له، ومسلم برقم (1306). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1746).

- حكم التوكيل في الرمي: السنة لكل حاج أن يباشر أعمال الحج بنفسه. ويجوز للضعفاء والمرضى من الرجال والنساء أن يوكلوا من الحجاج من يرمي عنهم. وصفة الرمي عنه أن يرمي الوكيل عن نفسه، ثم يرمي عن موكله، عند كل جمرة في مكانه، فيرمي الصغرى مثلاً عن نفسه، ثم عن وكيله ثم الوسطى كذلك، ثم جمرة العقبة كذلك، ويرمي الرجل أو المرأة عن الأطفال الصغار. ومن رمى الجمار دفعة واحدة أجزأ عن واحدة، ويكمل الست الباقية. - أفضل أوقات الرمي: رمي جمرة العقبة ضحى يوم النحر. والرمي أيام التشريق نهاراً بعد الزوال .. ثم الرمي ليلاً .. ثم رمي يومين في يوم واحد .. ثم جمعهن في اليوم الثالث عشر نهاراً بعد الزوال. - حكم الحج والعمرة عمن لا يستطيع: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقالتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ أدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً كَبِيراً، لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ». وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1855) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334).

- حكم إدخال الحج على العمرة: يشرع للمضطر الذي أحرم بالعمرة، وخاف أن يفوته الحج، أن يدخل الحج على العمرة قبل الشروع في طواف العمرة، كالمرأة تخاف نزول الحيض، فتُدخل الحج عليها وتصير قارنة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ أكُنْ سُقْتُ الهَدْيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالحَجِّ مَع عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لاَ يُحِلُّ حَتَى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً» قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قال: «انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأمْسِكِي عَنِ العُمْرَةِ، وَأهِلِّي بِالحَجِّ». قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ حَجَّتِي أمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أبِي بَكْرٍ، فَأرْدَفَنِي، فَأعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أمْسَكْتُ عَنْهَا. متفق عليه (¬1). - حكم إدخال العمرة على الحج: يجوز للمسلم إذا أحرم بالحج مفرداً أن يدخل عليه العمرة ويصير قارناً أو متمتعاً. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: أهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أمَرَنَا أنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا نَدْرِي أشَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ! فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! أحِلُّوا، فَلَوْلا الهَدْيُ الَّذِي مَعِي، فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ». قال: فَأحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الحَلالُ، حَتَّى إِذَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (317) , ومسلم برقم (1211) , واللفظ له.

كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أهْلَلْنَا بِالحَجِّ. أخرجه مسلم (¬1). - فضل ماء زمزم: 1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لهُ في مكة: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي، كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟». قَالَ قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاَثِينَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: «فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟». قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْم». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ قَائِماً، وَاسْتَسْقَىَ وَهُو عِنْدَ البَيْتِ. متفق عليه (¬3). - حكم الصوم يوم عرفة: يسن لغير الحاج صوم يوم عرفة، وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية والباقية. أما الحاج فلا يشرع له صوم يوم عرفة بعرفة. عَنْ أمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْها أنَّ نَاساً اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقال بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1216). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2473). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1637) , ومسلم برقم (2027) , واللفظ له.

فَأرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ. متفق عليه (¬1). - أفضل وقت رمي الجمار: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: رَمَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحىً، وَأمَّا بَعْدُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ. أخرجه مسلم (¬2). - وقت الإفاضة من مزدلفة إلى منى: عَنْ عَمْرو بن مَيْمُونٍ قالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقال: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وَأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أفَاضَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. أخرجه البخاري (¬3). - حكم تأخير طواف الإفاضة: 1 - السنة أن يطوف الحاج طواف الإفاضة يوم العيد. ويجوز له تأخيره إلى أيام التشريق، وإلى نهاية شهر ذي الحجة. ولا يجوز تأخيره عن ذي الحجة إلا لعذر كالمريض الذي لا يستطيع الطواف ماشياً أو محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف ونحو ذلك. 2 - إذا أخر الحاج طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، لكنه ترك الأفضل. - صفة حج الحائض: 1 - إذا أحرمت المرأة بالعمرة ثم حاضت قبل الطواف: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1661) , واللفظ له، ومسلم برقم (1123). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1299). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1684).

فإن طهرت قبل اليوم التاسع أتمت عمرتها، ثم أحرمت بالحج وخرجت مع الناس. وإن لم تطهر قبل يوم عرفة أدخلت الحج على العمرة فتقول: لبيك حجاً وعمرة، فتصير قارنة، وتقف مع الناس في المشاعر، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، فإذا طهرت اغتسلت وطافت بالبيت. 2 - إذا كانت الحائض مع رفقة لا ينتظرونها، ولا تستطيع البقاء في مكة، فلها أن تتلجم بما يمنع نزول الدم، وتطوف وهي حائض؛ لأنها مضطرة، وهذا ما تستطيعه، وكذا لو كانت جاهلة أو ناسية، ونسكها صحيح. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ، فَقالتْ: مَا أُرَانِي إِلا حَابِسَتَكُمْ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَقْرَى حَلْقَى، أطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ». قِيلَ: نَعَمْ، قال: «فَانْفِرِي». متفق عليه (¬1). - حكم الحج عمن لا يستطيع: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ، أدْرَكَتْ أبِي شَيْخاً كَبِيراً، لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أنْ أحُجَّ عَنْهُ؟ قال: «نَعَمْ». متفق عليه (¬2). - فضل من مات في الحج: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أوْ قال: فَأوْقَصَتْهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1771) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1854) , واللفظ له، ومسلم برقم (1334).

وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تَمَسُّوهُ طِيباً، وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً». متفق عليه (¬1). - حكم العمرة بعد الحج: ليس من السنة أن يعتمر الحاج بعد فراغه من الحج، لكن من حاضت وأدخلت الحج على العمرة، فهذا يكفيها طوافها بالبيت وسعيها عن الحج والعمرة، فإن رغبت أن تعتمر بعدالحج فلها ذلك. عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ، قال: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأنْطَلِقُ بِالحَجِّ؟ فَأمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أبِي بَكْرٍ أنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ. وَأنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ ابْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقال: ألَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «لا بَلْ لِلأبَدِ». متفق عليه (¬2). - حكم الرَّمَل في الطواف: يسن الرَّمَل في طوافين فقط: طواف العمرة .. وطواف القدوم في الحج. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف في العمرة، ليرى المشركون جَلَدهم وقوتهم، ولم يرملوا بين الركنين حيث لا يراهم الكفار. ثم في حجة الوداع أمرهم أن يرملوا من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1206). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1785) , واللفظ له، ومسلم برقم (1216).

وهذا قدر زائد على ما قبله، فدل ذلك كله على أن الرَّمَل سنة في طواف العمرة، وطواف القدوم. والرَّمَل سنة للقادم من خارج مكة، فليس على أهل مكة رَمَل عند الطواف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابُهُ، فَقال المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يَأْمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا إِلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيْهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لِلرُّكْنِ: أمَا وَاللهِ إِنِّي لأعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أنِّي رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قال: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ أهْلَكَهُمُ اللهُ، ثُمَّ قال: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلا نُحِبُّ أنْ نَتْرُكَهُ. متفق عليه (¬2). - ما يفعل الحاج بعد خروجه من منى: السنة إذا فرغ الحاج من حجه في اليوم الثالث عشر أن يخرج بعد الرمي من منى وينزل بالأبطح، ويصلي هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يرقد رقدة ثم يسير لطواف الوداع ثم ينفر إلى بلده. عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1602) , واللفظ له، ومسلم برقم (1266). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1605) , واللفظ له، ومسلم برقم (1270).

أخرجه البخاري (¬1). - كم يقيم الحاج بعد تمام النسك: السنة لمن فرغ من الحج أن يعود إلى بلده. عَنْ العَلاء بن الحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلاثٍ بَعْدَ الصَّدَرِ بِمَكَّةَ». كَأنَّهُ يَقُولُ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا. متفق عليه (¬2). - حكم طواف الوداع: 1 - طواف الوداع لا يجب على أهل مكة، ولا على مَنْ منزله دون المواقيت كأهل جدة ونحوهم. 2 - من سافر من أهل مكة بعد فراغه من الحج فعليه أن يطوف للوداع ليكون آخر عهده بالبيت. 3 - طواف الوداع واجب على كل حاج من غير أهل مكة، إلا الحائض والنفساء فيسقط عنهما، ومن تركه متعمداً فهو آثم ونسكه صحيح. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْفِرَنَّ أحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1764). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3933) , ومسلم برقم (1352) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1327). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1755) , واللفظ له، ومسلم برقم (1328).

- حكم من نذر ما لا يطيق: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى شَيْخاً يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: «مَا بَالُ هَذَا». قالوا: نَذَرَ أنْ يَمْشِيَ. قال: «إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ». وَأمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِي إلَىَ بَيْتِ الله حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ: «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ». متفق عليه (¬2). - حكم حج من لم يستطع الوقوف بمزدلفة: إذا دفع الحاج من عرفة إلى مزدلفة، وحبسه عذر منعه من الوصول إلى مزدلفة كزحام ومرض ونحوهما، وخشي خروج وقت العشاء، فيصلي في الطريق إليها. ومن حُبس عاجزاً عن الوصول إلى مزدلفة، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر، أو بعد طلوع الشمس، وقف بمزدلفة قليلاً، ثم يستمر متجهاً إلى منى ولا شيء عليه، ونسكه صحيح. - أوقات خطب الإمام في الحج: يسن لإمام المسلمين في الحج أن يبين للحجاج مناسك الحج، ويوصيهم بتقوى الله، والتعاون على البر والتقوى، واجتناب الفرقة والخلاف، وإخلاص الدين لله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1865) , ومسلم برقم (1642). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1866) , ومسلم برقم (1644) , واللفظ له.

وخطب الإمام في الحج كما يلي: 1 - يوم السابع من ذي الحجة بمكة، يعلمهم ما يفعلون في نسكهم إلى يوم عرفة. 2 - يوم عرفة بعد الزوال قبل الصلاة يذكِّرهم بالله، ويقرر قواعد التوحيد، ويعلمهم ما يفعلونه في الوقوف بعرفة والمزدلفة، والإفاضة إلى منى ونحو ذلك. 3 - يوم النحر بمنى، يعلمهم ما بقي من المناسك، ويوصيهم بتقوى الله عز وجل. 4 - اليوم الحادي عشر في منى، في أواسط أيام التشريق يعلمهم كيفية الانصراف من منى إلى مكة، وأحكام التعجل، وطواف الوداع ونحو ذلك. عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قال: «أتَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلْنَا: بَلَى، قال: «أيُّ شَهْرٍ هَذَا». قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقال: «ألَيْسَ ذُو الحَجَّةِ» قُلْنَا بَلَى قال: «أيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ الحَرَامِ». قُلْنَا: بَلَى، قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألا هَلْ بَلَّغْتُ». قالوا: نَعَمْ، قال: «اللَّهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1741) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

- أحكام الفوات والإحصار: 1 - من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج وتحلل بعمرة، ويقضيه فيما بعد إن كان فرضه، ويذبح ما استيسر من الهدي، وإن اشترط حلّ ولا هدي عليه. 2 - من صده عدو عن البيت أهدى، ثم حلق أو قصر، ثم حل، وإن صده عن عرفة تحلل بعمرة، وذبح الهدي. 3 - من حَصَره مرض أو ذهاب نفقة ونحو ذلك: فإن كان مشترطاً حل ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط أن محلي حيث حبستني ذبح ما تيسر من الهدي، ثم حلق أو قصر، ثم حل. 4 - من كُسِر أو عَرِج أو مَرِض حل، وعليه الحج من قابل إن كان فرضه. 1 - قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. 2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1812) , واللفظ له، ومسلم برقم (1230).

15 - زيارة المسجد النبوي

15 - زيارة المسجد النبوي - حدود حرم المدينة: من الشرق: الحرة الشرقية. من الغرب: الحرة الغربية. من الشمال: جبل ثور خلف جبل أحد. من الجنوب: جبل عَيْر وبسفحه الشمالي وادي العقيق. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ، (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ، فِيهَا أسْنَانُ الإبِلِ، وَأشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ، أوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1362). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1870) , ومسلم برقم (1370) , واللفظ له.

- خصائص المساجد الثلاثة: المساجد الثلاثة هي: المسجد الحرام بمكة .. والمسجد النبوي بالمدينة .. والمسجد الأقصى بالقدس. 1 - المسجد الحرام بناه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وابنه إسماعيل. وهو أول بيت وضع للناس، جعله الله مباركاً وهدى للعالمين، وهو قبلة المسلمين في صلاتهم، وإليه حجهم. 2 - المسجد النبوي بناه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم، وقد أسس على التقوى. 3 - المسجد الأقصى بناه يعقوب - صلى الله عليه وسلم -، وهو أولى قبلتي المسلمين. ففي مكة حرم ومسجد .. وفي المدينة حرم ومسجد .. وفي القدس مسجد بلا حرم. وثواب الصلاة مضاعف في هذه المساجد الثلاثة. ولهذه الخصائص وغيرها لا تشد الرحال إلا لهذه المساجد الثلاثة. أما زيارة القبور فيحرم شد الرحال إليها سواء كانت لنبي أو غيره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} [آل عمران:96]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} [التوبة:108].

3 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء:1]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). 6 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَن الصَّلاةِ فِي بَيتِ المَقدِسِ أَفضَلُ أَو فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَواتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ المُصَلَّى» أخرجه الحاكم (¬3). - فضائل المدينة: 1 - أن الله جعلها حرماً آمناً كما جعل مكة حرماً آمناً. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأهْلِ مَكَّةَ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14750) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1406) , وهذا لفظه. (¬3) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (8553) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (2902). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2129) , ومسلم برقم (1360) , واللفظ له.

2 - شد الرحال إليها للصلاة في المسجد النبوي. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». متفق عليه (¬1). 3 - أن الله سماها طابة وطيبة. 1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ (يَعْنِي المَدِينَةَ) وَإِنَّهَا تَنْفِي الخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - أنها قرية تأكل القرى وتنتصر عليها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ». متفق عليه (¬4). 5 - أن الإيمان يأرز إليها، فيقصدها المسلمون لمحبتها وبركتها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ، كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1189) , واللفظ له، ومسلم برقم (1397). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4050) , ومسلم برقم (1384) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1385). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1871) , ومسلم برقم (1382). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1876) , ومسلم برقم (147).

6 - فضل الصبر على لأوائها وجَهْدها. عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ سُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ المَدِينَةِ، أنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». وَقَالَ: «المَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لا يَدَعُهَا أحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلا يَثْبُتُ أحَدٌ عَلَى لأوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أوْ شَهِيداً، يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬1). 7 - خطورة الإحداث فيها، وعقوبة من أساء إلى أهلها. 1 - عَنْ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ، (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ، فِيهَا أسْنَانُ الإبِلِ، وَأشْيَاءُ مِنَ الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا، وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ، أوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أرَادَ أهْلَهَا بِسُوءٍ (يُرِيدُ المَدِينَةَ) أذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ فِي المَاءِ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَلا يُرِيدُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1363). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1870) , ومسلم برقم (1370) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1386).

أحَدٌ أهْلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلا أذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أوْ ذَوْبَ المِلْحِ فِي المَاءِ». أخرجه مسلم (¬1). 8 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لها بالبركة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأوْا أوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا أخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللَّهمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهمَّ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ». قال: ثُمَّ يَدْعُو أصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَاجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ». أخرجه مسلم (¬3). 9 - أنه لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أنْقَابِ المَدِينَةِ مَلائِكَةٌ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْتِي المَسِيحُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، هِمَّتُهُ المَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1363). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1373). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1374). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1880) , ومسلم برقم (1379). (¬5) أخرجه مسلم برقم (1380).

10 - أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (¬1). - حكم زيارة المسجد النبوي: يسن للمسلم أن يزور المسجد النبوي للصلاة فيه في أي وقت. وزيارة المسجد النبوي ليست من مناسك الحج أو العمرة، ويتم الحج والعمرة بدونها، فإذا دخل المسلم المسجد النبوي صلى فيه ركعتين تحية المسجد، ثم ذهب إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقف أمامه، وسلم عليه قائلاً: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يخطو خطوة عن يمينه، ويسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذلك. ثم يخطو خطوة عن يمينه ويسلم على عمر رضي الله عنه كذلك. - فضل الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة في المسجد النبوي فرضاً أو نفلاً تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، والصلاة في بقية مساجد المدينة كالصلاة في غيرها بعشر صلوات. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , واللفظ له، ومسلم برقم (1394). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1190) , ومسلم برقم (1395) , واللفظ له.

مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». متفق عليه (¬1). - حكم حرم المدينة: المدينة حرم ما بين عَيْر إلى ثور، لا يُقطع شجرها، ولا يُنَفَّر صيدها. وصيد مكة فيه الإثم والجزاء .. وصيد المدينة فيه الإثم دون الجزاء. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا حَرَامٌ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ». أخرجه مسلم (¬4). 4 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهمَّ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَماً، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ حَرَاماً مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ». أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1196) , ومسلم برقم (1391). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1362). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1873) , واللفظ له، ومسلم برقم (1372). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1371). (¬5) أخرجه مسلم برقم (1374).

- فضل سكنى المدينة: 1 - عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أبِي زُهَيْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تُفْتَحُ اليَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأهْلِهِمْ وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأهْلِهَا ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». متفق عليه (¬2). - فضل الصلاة في مسجد قباء: 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، رَاكِباً وَمَاشِياً، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُ قُبَاءً، رَاكِباً وَمَاشِياً. أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَنْ سَهْل بن حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1875) , واللفظ له، ومسلم برقم (1388). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1881) , واللفظ له، ومسلم برقم (2943). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1399). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1399).

بَيْتِهِ ثمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلاَةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ». أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). - ما يسن للمسلم زيارته في المدينة: يسن لمن زار المدينة أن يزور مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد قباء، وذلك ليصلي فيهما، ولا يجوز شد الرحال لزيارة القبور. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرَ أمِّهِ، فَبَكَى وَأبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أنْ أسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أنْ أزُورَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ زَوَّارَاتِ القُبُورِ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬3). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قَالَتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (699) , وأخرجه ابن ماجه برقم (1312) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (976). (¬3) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1056) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1576). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330) , ومسلم برقم (529) , واللفظ له.

الباب الحادي عشر كتاب المعاملات

الباب الحادي عشر كتاب المعاملات ويشتمل على ما يلي: 1 - البيع. 2 - الخيار. 3 - السلم. 4 - الربا. 5 - القرض. 6 - الرهن. 7 - الضمان. 8 - الكفالة. 9 - الحوالة. 10 - الوكالة. 11 - الإجارة. 12 - الجعالة. 13 - الوديعة. 14 - العارية. 15 - الشركة. 16 - الشفعة. 17 - المساقاة والمزارعة. 18 - إحياء الموات. 19 - المسابقة. 20 - اللقطة. 21 - الغصب. 22 - الحجر. 23 - الصلح. 24 - القسمة. 25 - الهبة. 26 - الوصية. 27 - الوقف. 28 - العتق.

عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

1 - كتاب البيع

1 - كتاب البيع - البيع: هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي. - فقه المعاملات: امتثال أوامر الله عز وجل كله عبادة، فالمسلم كما يعبد الله في مسجده، كذلك يعبده في سوقه، وفي بيعه وشرائه، وفي أخذه وعطائه، فأحكام الله عز وجل على الإنسان كاملة تستغرق جميع أوقاته وأحواله. والمسلم يعمل في أي عمل كسبي مشروع لتنفيذ أمر الله في ذلك العمل .. وإرضاء ربه بامتثال أوامره .. وإحياء سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك العمل .. وفعل الأسباب المأمور بها شرعاً .. والتوكل على الله وحده في جلب الرزق .. ثم الله بعد ذلك يرزقه رزقاً حسناً .. ويوفقه لأن يصرفه في مصرف حسن. ومعرفة أحكام الحلال والحرام، والبيع والشراء، والأخذ والعطاء، تبصِّر الناس بمعرفة أحكام الله التي شرعها لعباده. فيأخذون الحلال الطيب الذي أحله الله ورسوله، ويجتنبون المعاملات والأشياء المحرمة الخبيثة. وفي ذلك نفع للمسلمين .. وتكميل لعبوديتهم لربهم .. وسلامة لهم من الوقوع في المحرمات والمشتبهات والعقوبات. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ

وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. - الفرق بين الشعائر والشرائع: الإسلام كله أعمال صادرة من المخلوق حسب أمر الخالق سبحانه، والمسلم يعبد الله بامتثال تلك الأوامر في جميع أحواله، ويؤجر على ذلك. فالإسلام دين كامل جاء بما يسعد الناس في الدنيا والآخرة. جاء بتنظيم المعاملات بين الخالق والمخلوق بالعبادات التي تزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتُعِدّها لطاعة الله في كل حال. وجاء بتنظيم المعاملات بين المخلوق والمخلوق بالعدل والإحسان كالبيوع، والنكاح، والمواريث، والحدود وغيرها. - أقسام العقود: تنقسم العقود الشرعية إلى ما يلي: 1 - عقود المعاوضة: وهي كل عقد اشتمل على بذل عوض مقابل شيء كالبيع والإجارة ونحوهما. 2 - عقود التبرع: وهي كل عقد اشتمل على تبرع بلا عوض كالهبة والصدقة، والوقف والوصية. 3 - عقود الإرفاق: وهي التي يقصد بها الإرفاق دون مقابل كالقرض والعارية ونحوهما. 4 - عقود التوثيق: وهي التي يقصد بها توثيق الحق كالرهن والضمان والكفالة والنكاح. 5 - عقود الأمانات: وهي التي مبناها على الأمانة كالوديعة.

- حكمة مشروعية البيع: لما كانت النقود والعروض والسلع موزعة بين الناس كلهم، وحاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وهو لا يبذله غالباً بغير عوض. وفي إباحة البيع قضاء لحاجته، ووصول إلى غرضه، وإلا لجأ الناس إلى النهب والسرقة، والحيل والمقاتلة. لهذا أحل الله البيع لتحقيق تلك المصالح، وإطفاء تلك الشرور. - مصالح البيع والشراء: أباح الله البيع والشراء لحكم عظيمة، وتحقيق مصالح كثيرة منها: 1 - أن المسلم إذا كسب المال الحلال أعف نفسه، واستغنى بذلك عن الناس، وعاش كريماً بعيداً عن الذل والمهانة. 2 - أن المسلم يستعين بالمال الحلال على طاعة الله، فينفق في سبيل الله، ويهدي ويتصدق ابتغاء مرضاة الله، فنعم المال الصالح للرجل الصالح. 3 - أن المسلم بالبيع والشراء يترفع عن البطالة والخمول، ويكسب الحلال بالوجه المباح، وإذا قعد الناس عن العمل تعطلت مصالح الناس، وحصل الضيق في المعيشة. 4 - أن الكسب يعين الناس على تحقيق مصالحهم في الطعام والدواء، والسكن والكساء وغيرها، وإذا احتسب التاجر نفع المسلمين، وسد حاجاتهم، ليحمدوا الله المنعم بها، أثابه الله، وبارك في رزقه. 5 - أن التاجر يستفيد من تجارته وأسفاره معرفة الأمصار والأشخاص، فيرى عجائب قدرة الله فيزيد إيمانه، ويرى الناس صفاته الطيبة، وحسن معاملته،

فيتأثرون به، ويحصل بذلك من المصالح له ولغيره ما لا يخفى. 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لأنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ، أعْطَوْهُ أوْ مَنَعُوهُ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: كَانَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَّالَ أنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ». متفق عليه (¬2). - فضل الكسب الحلال: 1 - قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. 2 - وَعَنِ المِقْدَامِ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». أخرجه البخاري (¬3). 3 - وَعَنْ حَكِيم بن حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي ثُمَّ، قال: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى». قال: ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1471). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2071) , واللفظ له، ومسلم برقم (847). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2072).

حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لا أرْزَأ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً، حَتَّى أفَارِقَ الدُّنْيَا. متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، إِنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصار، سَألُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لانْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألَهُ، أعْطَاهُ أوْ مَنَعَهُ». متفق عليه (¬3). - أفضل المكاسب: المكاسب منها ما هو مباح، ومنها ما هو محرم. والمكاسب تختلف باختلاف الناس، وكل إنسان مهيء لما يناسبه من الأعمال والحِرَف والصناعات، وأطيب المكاسب عمل الإنسان بيده والأفضل لكل أحد ما يناسب حاله من زراعة، أو صناعة، أو تجارة بشروطها الشرعية. ولابد في جميع المكاسب من النصح، وعدم الغش، والقيام بالواجب، وإذا نصح المسلم في بيعه وشرائه، وفي عمله وحرفته، وفي أخذه وعطائه، فعمله ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1472) , واللفظ له، ومسلم برقم (1035). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1469) , واللفظ له، ومسلم برقم (1053). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470) , واللفظ له، ومسلم برقم (1042).

هذا من البر والإحسان الذي يثاب عليه في الدنيا والآخرة. والكسب المبرور عبادة، وهو كل كسب جمع الصدق والنصح والعدل، وخلا من الكذب والغش والخداع، واليمين الكاذبة. 1 - عَنِ المِقْدَامِ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي المَرْءُ مَا أخَذَ مِنْهُ، أمِنَ الحَلالِ أمْ مِنَ الحَرَامِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الورع في المعاملات: يجب على المسلم أن يكون بيعه وشراؤه، وطعامه وشرابه، وسائر معاملاته على السنة، فيأخذ الحلال البيِّن ويتعامل به .. ويجتنب الحرام البيِّن ولا يتعامل به .. أما المشتبه فينبغي تركه؛ حماية لدينه وعرضه، ولئلا يقع في الحرام. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة:216]. 2 - وَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2072). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2059).

لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). - كيفية صرف الأموال المشتبهة: المشتبهات من الأموال ينبغي صرفها في المنافع، الأبعد فالأبعد، فأقربها ما دخل في البطن .. ثم ما وَلِيَ الظاهر من اللباس .. ثم ما عرض من المراكب كالسيارة والخيل ونحوهما .. ثم في الوقود والعلف .. وهكذا. - حكم الكسب: الأصل في المعاملات والعادات، والبيع والشراء، الحل والإباحة، أما المعاملات والعقود المحرمة فترجع إلى ظلم الطرفين أو أحدهما. وذلك يرجع إلى ثلاث قواعد: قاعدة الربا .. وقاعدة الغرر والجهالة .. وقاعدة الخداع. فهذه أساس المعاملات المحرمة. 1 - قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]. 3 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». متفق عليه (¬1). - ما يطيب به الكسب: المكاسب لا تطيب إلا بأمرين: الأول: أن يكون مشروعاً مأذوناً فيه من الله ورسوله. الثاني: أن يؤدي المسلم العمل كاملاً على أتم الوجوه؛ ليسلم من الغش والتقصير في العمل. 1 - عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (¬3). - حكم المكاسب الخبيثة: تحرم جميع المكاسب الخبيثة كالربا والغش، والسرقة والنهب وغيرها، وهي شؤم على صاحبها، ويظهر أثرها في عبادته، فيُسلب الخشوع، ويُسلب قبول الدعاء، ويُسلب الطمأنينة. وكل كسب خبيث سببه عدم الإيمان أو نقصه، ومن كان مكسبه خبيثاً سلط الله عليه من يسلبه منه، وعذبه به في الدنيا، وعاقبه عليه في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة:55]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2082) , واللفظ له، ومسلم برقم (1532). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (57) , واللفظ له، ومسلم برقم (56). (¬3) أخرجه مسلم برقم (102).

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟». أخرجه مسلم (¬1). - أقسام الأموال: الأموال ثلاثة أنواع: الأول: الذهب والفضة: وهما قِيَم الأشياء. الثاني: المنقولات: وهي كل شيء يمكن نقله من الأعيان مثل: الأطعمة، والملابس، والمراكب، والآلات، والأواني وغيرها. الثالث: العقارات: وتشمل الأراضي، والدور، والمزارع. - فضل السماحة في البيع والشراء: ينبغي أن يكون الإنسان في معاملاته سهلاً سمحاً حتى ينال رحمة الله. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً، سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1015). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2076).

- آداب البيع: للبيع آداب كثيرة منها: 1 - صدق المعاملة: بأن يصدق في وصف البضاعة، ونوعها، وجنسها، ومصدرها، وجودتها. 2 - عدم المغالاة في الربح: فالغبن الفاحش محرم، والربح الطيب المبارك فيه ما كان يسيراً بقدر الثلث فأقل، ومن زاد فلا حرج. 3 - السماحة في المعاملة: بأن يكون كل من البائع والمشتري سهلاً سمحاً في البيع والقيمة والتسليم. 4 - تجنب كثرة الحلف ولو كان صادقاً: فينبغي الامتناع عن الحلف بالله مطلقاً في البيع؛ لأنه امتهان لاسم الله تعالى. 5 - كتابة الدَّين والإشهاد عليه: فينبغي كتابة عقد البيع والإجارة، ومقدار الدين المؤجل، ووقت حلوله؛ حفظاً للأموال، واحترازاً من النسيان. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]. 6 - الإكثار من الصدقات: يُندب للتاجر الإكثار من الصدقات؛ تكفيراً لما يقع في البيع من الحلف، أو الغش، أو كتمان عيب، أو غبن في السعر، أو سوء خلق ونحو ذلك. 7 - أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه في كل شيء.

- صور البيع: للبيع تسع صور لا يخرج عنها أبداً وهي: بيع عين بعين .. أو ذمة بذمة .. أوعين بذمة. والبيع في هذه الصور الثلاث إما أن يكون ناجزاً من الطرفين، أو يكون نسيئة منهما، أو نسيئة من أحدهما ناجزاً من الآخر. فهذه تسع صور تستغرق كل بيع على وجه الأرض. وكلها جائزة إلا إذا كان البيع نسيئة من الطرفين معاً، فهنا يحرم البيع ولا يصح؛ لما فيه من الغرر والربا، سواء كان عيناً بعين، أو ذمة بذمة، أو ذمة بعين. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. - أنواع البيع: البيع على ثلاثة أوجه: أحدها: ثَمَنان، وهذا هو الصرف كبيع الريال بالجنيه مثلاً. الثاني: عِوَضان، وهذه هي المقايضة كبيع سلعة بأخرى. الثالث: عوض وثمن، وهذا هو البيع المطلق المعروف.

مفاتيح الرزق الحلال

مفاتيح الرزق الحلال - أهم مفاتيح الرزق التي يُستنزل بها الرزق من الله عز وجل: 1 - تقوى الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. 2 - الاستغفار والتوبة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح:10 - 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود:52]. 3 - التوكل على الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:3]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بطَاناً». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2344) , وأخرجه ابن ماجه برقم (4164) , وهذا لفظه.

4 - اجتناب المعاصي: قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم:41]. 5 - الدعاء: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة:186]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)} [المائدة:114 - 115]. 6 - الإنفاق في سبيل الله تعالى: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} [سبأ:39]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَاابْنَ آدَمَ! أنْفِقْ أنْفِقْ عَلَيْكَ». أخرجه مسلم (¬1). 7 - الإنفاق على أهل العلم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا المُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: َ «لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بهِ». أخرجه الترمذي (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (993). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2345).

8 - إكرام الضعفاء والإحسان إليهم: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأى سَعْدٌ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). 9 - صلة الرحم: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». متفق عليه (¬2). 10 - التبكير في طلب الرزق: عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأمَّتِي فِي بُكُورِهَا». وَكَانَ إِذا بَعَث سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً وَكَانَ يَبْعَث تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثرَى وَكَثرَ مَالُهُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 11 - الهجرة في سبيل الله تعالى: قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء:100]. 12 - التفرغ لعبادة الله عز وجل: ومعناه: حضور القلب وخشوعه وخضوعه للهِ أثناء العبادة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2896). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2067) , واللفظ له، ومسلم برقم (2557). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2606) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1212).

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنىً، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقاً، يَا ابْنَ آدَمَ، لا تَبَاعَدْ مِنِّي، فَأَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْراً، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ شُغْلاً». أخرجه الحاكم (¬1). 13 - الاستعاذة بالله من المأثم والمَغْرم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، اللَّهُمَّ! إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ». قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأخْلَفَ». متفق عليه (¬2). 14 - المتابعة بين الحج والعمرة: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَابعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَث الحَدِيدِ وَالذهَب وَالفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬3). - كيفية الحصول على الأموال: يحصل الناس على الأموال من خمسة أبواب: الأول: باب الإيمان والتقوى: كمن يحصل على رزقه بالإيمان والأعمال الصالحة كالاستغفار، والتقوى، وحسن الخلق، وصلة الرحم، والإحسان ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (7926) , انظر السلسلة الصحيحة رقم (1359). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6375) , ومسلم برقم (589) , واللفظ له. (¬3) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (810) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (2631).

إلى الخَلق، والهجرة والإنفاق في سبيل الله ونحو ذلك. الثاني: باب المجاهدة والتعب، كالبيع والشراء، والتجارة والصناعة والزراعة ونحو ذلك مما أحل الله. الثالث: باب الحقوق والواجبات والمستحبات. فيأتيه المال بلا تعب عن طريق الوصية، أو الوقف، أو الميراث، أو الزكاة، أو الصدقة، أو الهدية ونحو ذلك. الرابع: باب المحرمات، كمن يأخذ المال بطريق الربا، أو السرقة، أو الغصب، أو الغش، أو الاحتكار، أو الميسر، أو القمار، أو الرشوة ونحو ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. الخامس: باب الذل والهوان، كمن يسأل الناس ويتذلل لهم ليعطوه. فالأول أعلاها وأشرفها وأزكاها، وهو طريق الأنبياء والصالحين .. والثاني مباح مأمور به شرعاً .. والثالث مباح شرعاً .. والرابع أخطرها وأشدها إثماً .. والخامس أخسها وأدناها. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)} [المائدة:65 - 66].

- الأسباب التي يحصل بها الرزق: الأسباب التي يحصل بها الرزق كثيرة، وهي من جملة ما قدره الله وكتبه. فإذا قدَّر الله أنه يرزق العبد بسعيه وكسبه ألهمه السعي والاكتساب. وما قدَّر الله له من الرزق بغير اكتساب يأتيه بغير اكتساب عن طريق الميراث، أو الوصية، أو الهدية ونحوها. وأكثر الذين يعجزون عن الأسباب يُرزقون على أيدي من يعطيهم إما هدية، أو صدقة، أو نذر، أو كفارة أو غيرها. والتاجر يفعل السبب المأمور به، ويتوكل على الله فيما يخرج عن قدرته. وغاية قدرته تحصيل السلعة ونقلها وعرضها. أما إلقاء الرغبة في قلب من يطلبها، وبذل الثمن الذي يربح به، ووقت البيع، فهذا كله بيد الله وحده، وليس مقدوراً للعبد. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود:6]. 2 - وقال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزُّخرُف:32]. - فقه الرزق: من جاءه المال عن طريق الكسب الحلال، أو الميراث، أو الهدية ونحو ذلك فهذا من الرزق الذي أباحه الله عز وجل. ومن سرق وأكل الحرام فليس هذا من الرزق الذي أباحه الله له، ولكن هذا

الرزق الذي سبق به علم الله وقدره. فكما أن الله كتب على العبد ما يعمله من خير وشر، وهو يثيبه على الخير، ويعاقبه على الشر، فكذلك كتب ما يرزقه العبد من حلال وحرام، وهو يثيبه على الحلال، ويعاقبه على الحرام، وكل ذلك واقع بمشيئة الله وقدره، ولا عذر لأحد بالقدر. بل القدر نؤمن به، ولا نحتج به على ركوب المعاصي. والرزق الحلال الذي ضمنه الله لعباده هو لمن يتقيه، بأن يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن ليس من المتقين ضمن له ما يناسبه، بأن يمنحه ما يعيش به في الدنيا، ثم يعاقبه في الآخرة. والله عز وجل أباح الرزق لمن يستعين به على طاعة الله، ولم يبحه لمن يستعين به على معصيته. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32].

- هل يزيد الرزق وينقص؟: الرزق نوعان: أحدهما: ما كتبه الله وعلمه وقدره أنه يرزقه عبده، فهذا لا يتغير. الثاني: ما كتبه الله وأعلم به الملائكة. فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، فإن الله يأمر الملك أن يكتب رزق العبد وأجله، وإن وصل رحمه زاده الله. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ المَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِى الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ. فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ. وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَثَرُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ». أخرجه مسلم (¬2). - كيفية التصرف في المال: المال نعمة من نِعم الله على عباده، جعله الله سبباً لقضاء حوائج الناس. وقد انقسم الصحابة رضي الله عنهم بعد الفتوح إلى ثلاثة أقسام: الأول: من أعرض عن المال، وواسى به المحاويج، وبقي على عيشة الكفاف. وهؤلاء قليل، ومنهم أبو ذر رضي الله عنه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5985). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2644).

الثاني: من تَبَسَّطَ ببعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء، والخدم، والملابس ونحوها ولم يستكثر. وهؤلاء كثير، ومنهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. الثالث: من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها، مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة. وهؤلاء كثير، ومنهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. وفي كلٍّ خير، وكلٌّ ميسَّر لما خُلق له، واليد العليا خير من اليد السفلى. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:9 - 10]. - أحوال الأغنياء يوم القيامة: الأغنياء يوم القيامة نوعان: 1 - أغنياء متقون أنفقوا أموالهم في سبيل الله ومرضاته وفيما أحل الله. فهؤلاء في الجنة، ودرجاتهم بحسب إيمانهم وأعمالهم وإنفاقهم.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} [البقرة:262]. 2 - أغنياء فجار أنفقوا أموالهم في معصية الله، وفيما حرم الله. فهؤلاء في النار يوم القيامة، وعذابهم بقدر فجورهم وإنفاقهم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)} [الأنفال:36]. 2 - وَعَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلّ اللهُ البَيْعَ؟ قال: «بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ». أخرجه أحمد (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15530).

أركان البيع

أركان البيع - أركان البيع: أركان البيع ثلاثة: 1 - العاقد: وهو البائع والمشتري. 2 - المعقود عليه: وهو السلعة والثمن. 3 - الصيغة: وهي الإيجاب والقبول حسب العرف. - صور البيع: للبيع ثلاث صور: الأولى: بيع الثمن بالثمن، سواء كان مع اتحادهما كبيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، أو مع اختلافهما كبيع الذهب بالفضة أو العكس. الثانية: بيع المثمن بالمثمن، كبيع الأرض بالأرض، والسيارة بالسيارة ونحو ذلك من العروض والسلع. الثالثة: بيع المثمن بالثمن، وهو البيع الشائع المعروف، تدفع الذهب أو الفضة أو ما في حكمهما من الأوراق النقدية في مقابل السلعة سواء كانت عقاراً، أو منقولاً، أو غيرهما. فالأول يسمى بيع الصرف، والثاني يسمى بيع المقايضة، والثالث هو البيع الشائع بين الناس تدفع النقد، وتأخذ السلعة، وكل ذلك جائز بشروطه الشرعية.

- أصناف المال: يطلق المال على ثلاثة أشياء: 1 - الأعيان: كالدار، والسيارة، والجمل ونحوها. 2 - المنافع: كمنافع الدار، والسيارة، والآلة. 3 - النقد: وهو كل مال وضع بين الناس ليكون وسيطاً للتبادل والتداول كالدرهم والدينار، والجنيه والريال وغيرها من العملات التي يُقصد بها التوصل إلى السلع. فإذا صارت النقود سلعة تُقصد لعينها فسد أمر الناس. فالأعيان يُنتفع بها مباشرة .. والنقود لا يُنتفع بها مباشرة، بل هي واسطة في تحصيل سلعة أو منفعة .. والانتفاع بالسلعة دون ملكها هو المنافع كآجار الدور، والآلات وغيرها. - الفرق بين المبيع والثمن: المبيع: هو غالباً ما يتعين بالتعيين كالدار، والسيارة ونحوهما. والثمن: هو غالباً ما لا يتعين بالتعيين كالدرهم، والجنيه مثلاً. والمبيع والثمن من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد، ويتميز أحدهما عن الآخر في الأحكام بحرف الباء. فتقول: بعتك هذا الثوب بدينار، فالثوب مبيع، والدينار ثمن. والدَّين: كل ما ثبت في الذمة من الأموال بسبب بيع أو قرض أو كفالة أو غصب أو إتلاف ونحو ذلك.

- أنواع المثليات: المثليات من الأشياء أربعة: 1 - المكيلات: وهي التي تباع بالكيل، وهي نوعان: جامدة كالقمح والشعير مثلاً .. أو سائلة كالألبان والعصير والبنزين مثلاً. 2 - الموزونات: وهي التي تباع بالوزن، وهي نوعان: جامدة كالسكر والأرز .. أو سائلة كالسمن والزيت مثلاً. 3 - المذروعات: وهي التي تباع بالذرع كالأراضي، والأقمشة ونحوهما. 4 - المعدودات: وهي التي تباع بالعدد كالمصنوعات المتماثلة من الأواني، والآلات، أو الأشياء المتقاربة كالبيض والتفاح مثلاً. وإذا بيعت المثليات ببعضها صار كل من العوضين مبيعاً من وجه، وثمناً من وجه آخر. - أقسام الأثمان: ينقسم البيع بالنسبة إلى الثمن إلى أربعة أقسام: 1 - بيع المساومة: وهو مبادلة المبيع بما يتراضى عليه الطرفان. وهو أكثر البيوع شيوعاً؛ لأن البائع يرغب عادة بكتمان رأس المال. 2 - بيع المرابحة: وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول، وزيادة ربح معين. 3 - بيع التولية: وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان. 4 - بيع الوضيعة: وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول مع نقصان شيء منه. وهذه البيوع كلها جائزة.

شروط البيع

شروط البيع - أنواع الشروط: يجب أن يتوفر في عقد البيع أربعة أنواع من الشروط، حتى يكون العقد صحيحاً لازماً نافذاً. شروط عقد البيع .. شروط صحة البيع .. شروط نفاذ البيع .. شروط لزوم البيع. وهذه الشروط لازمة لمنع وقوع المنازعات بين الناس، وحماية لمصالح المتعاقدين، ونفي الغرر والضرر، والبعد عن المخاطر بسبب الظلم والجهالة. - شروط عقد البيع: يشترط لصحة عقد البيع ما يلي: 1 - الشروط المتعلقة بالمتعاقدين ثلاثة: 1 - أن يكون كل من المتعاقدين جائز التصرف، وهو من جمع أربع صفات: الحرية .. والبلوغ .. والعقل .. والرشد. 1 - قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]. 2 - وَعَنْ ابن عُمَر رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْداً وَلَهُ

مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 2 - حصول التراضي بين المتعاقدين إلا من أُكره بحق. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 3 - أن يكون كل من المتعاقدين مالكاً للمعقود عليه، أو قائماً مقام مالكه. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثمَّ أَبيعُهُ. قَالَ: «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 2 - الشروط المتعلقة بالمعقود عليه ستة: 1 - أن يكون المعقود عليه موجوداً؛ لأن بيع المعدوم لا ينعقد، لما فيه من الجهالة، فلا يجوز بيع حمل في بطن، ولا لبن في ضرع، ولا ثمر لم ينعقد على الشجر. 2 - أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه؛ لأن ما لا يُقدر على تسليمه كالمعدوم لا يصح بيعه، فلا يصح بيع الطير في الهواء، ولا السمك في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2379) , واللفظ له، ومسلم برقم (1543). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432) , وهذا لفظه. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3503) , وأخرجه الترمذي برقم (1232) , وهذا لفظه.

البحر، ولا الحيوان الشارد في الأرض. 3 - أن يكون المعقود عليه مما يباح الانتفاع به مطلقاً من عقار ومنقول، فلا يصح بيع ما لا نفع فيه .. ولا يصح بيع ما يحرم الانتفاع به كالخمر والخنزير، والميتة، وآلات اللهو ونحو ذلك من المحرمات. قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3]. 4 - أن يكون المعقود عليه معلوماً للمتعاقدين برؤية أو صفة. 5 - أن يكون المعقود عليه مقبوضاً عنده. عَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». متفق عليه (¬1). 6 - أن يكون المعقود عليه خالياً من موانع الصحة كالبيوع الربوية، والجهالة، والغرر ونحو ذلك. - شروط صحة البيع: يكون البيع صحيحاً إذا خلا من ستة عيوب هي: الجهالة .. والغرر .. والضرر .. والإكراه .. والتوقيت .. والشروط المفسدة. 1 - الجهالة: كجهالة وصف الثمن والمبيع، أو مقداره، أو أجله إن كان هناك أجل. 2 - الغرر: وهو ما كان المبيع فيه محتملاً للوجود والعدم كبيع نتاج النتاج، وبيع ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2133) , واللفظ له، ومسلم برقم (1526).

الحمل الموجود. 3 - الضرر: وهو ما كان تسليم المبيع لا يمكن إلا بإدخال ضرر على البائع، كما لو باع خشبة من سقف، أو ذراعاً من ثوب. 4 - الإكراه: وهو حمل المكره على أمر يفعله، وهو نوعان: 1 - إكراه ملجئ: كتهديد الإنسان بالقتل أو الضرب الشديد. 2 - إكراه غير ملجئ: كالتهديد بالحبس أو الضرب أو الحرمان. 5 - التوقيت: وهو أن يؤقت البيع بمدة معينة كما لو قال: بعتك هذه السيارة شهراً أو سنة، فلا يصح؛ لأن ملكية العين لا تقبل التأقيت. 6 - الشروط المفسدة: وهي كل شرط فيه نفع لأحد المتبايعين إذا لم يكن قد ورد به الشرع، أو جرى به العرف، أو يقتضيه العقد، كأن يشترط المشتري على البائع في العقد أن يقرضه ألفاً مثلاً. - شروط نفاذ البيع: يشترط لنفاذ البيع شرطان: 1 - الملك أو الولاية، بأن يكون العاقد مالكاً للشيء، أو نائباً عن مالكه كالوكيل والولي. 2 - ألا يكون في المبيع حق لغير البائع، فلا ينفذ بيع الراهن للمرهون. - شروط لزوم البيع: يشترط للزوم البيع خلوه من أحد الخيارات التي تسوِّغ لأحد العاقدين فسخ العقد مثل: خيار الشرط، والوصف، والغبن، والتعيين، والعيب، والرؤية ونحو ذلك.

فإذا وُجِد في البيع شيء من هذه الخيارات منع لزومه في حق من له الخيار، فله أن يفسخ البيع أو يقبله. - حكم الشرط في البيع: كل بيع معلق على شرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً فهو صحيح، كأن يشترط البائع سكنى الدار شهراً، أو يشترط المشتري حمل البضاعة إلى داره، أو حمل الحطب إلى منزله وتكسيره. - الشرط اللغو أو الباطل: وهو كل شرط فيه ضرر لأحد العاقدين كأن يبيعه سيارة بشرط ألا يبيعها أو لا يهبها أو لا يوقفها، فالبيع جائز، والشرط باطل. أو يشترط عقداً في عقد، كأن يبيعه شيئاً بشرط أن يبيعه شيئاً آخر، أو يشتري منه، أو يسلفه، أو يؤجره، أو يزوجه، فالبيع فاسد؛ للنهي عن بيعتين في بيعة. 1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ. أخرجه أحمد والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... فَمَا بَالُ أقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (6628) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (4631). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (456) , ومسلم برقم (1504) , واللفظ له.

- بم ينعقد البيع: ينعقد البيع إذا اكتملت شروطه بإحدى صفتين: 1 - قولية: بأن يقول البائع: بعتك، أو ملَّكتك، أو نحوهما مما جرى به العرف. ويقول المشتري: اشتريت، أو قبلت ونحوهما مما جرى به العرف. 2 - فعلية: وهي المعاطاة: بأن يقول أعطني بعشرة ريالات لحماً فيعطيه بلا قول، أو يعطيه المشتري ريالاً، ثم يأخذ خبزاً أو لبناً ونحو ذلك مما جرى به العرف، وحصل به التراضي. فالأولى تكون غالباً في الأشياء النفيسة والكبيرة كالأرض والسيارة. والثانية تكون غالباً في الأشياء الصغيرة المتكررة من الحاجات اليومية. - ما يتناوله البيع: إذا باع شخص داراً تناول البيع أرضها وأسفلها وأعلاها، وكل ما فيها، وإن كانت المباعة أرضاً شمل البيع كل ما فيها ما لم يستثن منها. وإن باعه سيارة أو آلة شملها كلها، وإن باعه شقة في عمارة ذات أدوار تناول البيع كامل الشقة وما فيها، وجزء من الأرض التي أسفلها بحسبها. وإن باعه بستاناً أو مزرعة تناول البيع أرضها وما عليها من ثابت، ومنقول، ما لم يستثن منها. - حكم الزيادة أو النقص في البيع: إذا باع شخص داراً أو أرضاً على أنها مائة متر مثلاً، فبانت أقل أو أكثر، فالبيع صحيح، والزيادة للبائع، والنقص عليه، ولمن جهله منهما وفات غرضه الخيار.

- حكم التصرف في المبيع قبل القبض: لا يجوز التصرف في المبيع قبل القبض سواء كان منقولاً طعاماً أو غيره، أو عقاراً كأرض ودار وبستان؛ وذلك لعدم القدرة على التسليم، ولوجود الغرر. 1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: أمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ الطَّعَامُ أنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلا أحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا مِثْلَهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ». زَادَ إِسْمَاعِيلُ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». متفق عليه (¬2). - حكم استبدال الثمن: يجوز استبدال ثمن المبيع بغيره من النقد إذا كان بسعر يومه، فيعطيه الدينار مكان الدرهم، أو الجنيه مكان الريال ونحو ذلك. - صفة تسليم المبيع والثمن: يسلِّم البائع السلعة إلى المشتري، ثم يقبض الثمن. وإن اختلفا في التسليم أُجبر البائع على تسليم المبيع، ثم أُجبر المشتري على تسليم الثمن. وللبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته، وللمشتري حبس الثمن حتى يقبض المبيع إن خاف فوته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2135) , واللفظ له، ومسلم برقم (1525). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2136) , واللفظ له، ومسلم برقم (1526).

- حكم هلاك المبيع: المبيع إما أن يهلك كله أو بعضه، قبل القبض أو بعده. 1 - إذا هلك المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية، أو بفعل المبيع نفسه كحيوان أكل ما يضره فمات، أو بفعل البائع، انفسخ عقد البيع. وإن هلك بفعل المشتري فلا ينفسخ البيع، وعليه الثمن، أما إن هلك المبيع بفعل أجنبي فلا ينفسخ البيع، ويكون المشتري بالخيار، إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن, وطالب الأجنبي بالضمان. 2 - إذا هلك المبيع كله بعد القبض لم ينفسخ البيع، وتقرر الثمن عليه، ويرجع بالضمان على الأجنبي إن كان الهلاك بسببه. 3 - إن هلك بعض المبيع قبل القبض، فإن كان بآفة سماوية فهلك بعضه، وسلم بعضه، انفسخ العقد بقدر الهالك، وسقطت حصته من الثمن، وللمشتري الخيار في الباقي، إن شاء أخذه بحصته، وإن شاء فسخ البيع، لتفرق الصفقة عليه. وإن كان النقصان نقصان وصف فلا ينفسخ البيع، ويلزم الثمن كله، ويكون المشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء تركه؛ لتعيُّب المبيع. وإن كان الهلاك بفعل المبيع نفسه كحيوان جرح نفسه، فلا ينفسخ البيع، ولا يسقط شيء من الثمن، وللمشتري الخيار إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن، وإن شاء فسخ العقد. وإن كان الهلاك بفعل البائع بطل البيع بقدره، ويسقط عن المشتري ثمن الهالك، وللمشتري الخيار في الباقي بحصته من الثمن. وإن كان الهلاك بفعل المشتري فلا يبطل البيع، ويلزمه جميع الثمن.

4 - إذا هلك بعض المبيع بعد القبض بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو المبيع نفسه، أو بفعل أجنبي، فالبيع لازم، والثمن لازم، ويرجع بالضمان على الأجنبي إن كان التلف بسببه. وإن كان الهلاك بفعل البائع، وقد قبضه المشتري، ضمنه البائع كالأجنبي. - حكم هلاك الثمن: إذا هلك الثمن في مجلس العقد قبل القبض، فإن كان له مِثْل كالنقود فلا ينفسخ العقد؛ لأنه يمكن تسليم مثله، وإن هلك وليس له مِثْل في الحال فيخير البائع: إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أخذ قيمة الفلوس؛ لأنها ثابتة في الذمة. - صفة قبض السلع: قبض المبيع يتم بعدة طرق: الأولى: التخلية: وهي أن يتمكن المشتري من أخذ المبيع بلا مانع. فإن كان عقاراً أو داراً أو مزرعة يكون القبض بتمكين المشتري من التصرف فيها، واستلام مفاتيحها، وصكوك الملكية. وإن كان منقولاً كالآلات، والأمتعة، والحيوان ونحوها فيكون قبضها بحسب العرف في ذلك. وإن كان المبيع طعاماً فقبضه يكون بكيله أو وزنه، ونقله من مكانه إن كان جزافاً، ويرجع إلى العرف فيما لا نص فيه. الثانية: القبض السابق: بأن يكون المبيع عند المشتري بقبض سابق، ثم باعه المالك له كمؤجر، ومرهون، ومغصوب، ومودع، ومعار. فإذا كانت هذه

الأشياء موجودة في يد المشتري، ثم باعها صاحبها عليه، صار بذلك قابضاً لها. الثالثة: الإتلاف: فلو أتلف المشتري المبيع في يد البائع صار قابضاً للمبيع، ولزمه ثمنه، لأن التخلية تمكين من التصرف. - حكم تصرفات الصبي المميز: تصرفات الصبي المميز ثلاثة أنواع: الأول: التصرفات النافعة نفعاً محضاً كالاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، ونحوها. فهذه تصرفات تصح من الصبي المميز دون إذن الولي. الثاني: التصرفات الضارة ضرراً محضاً كالطلاق، والإقراض، والهبة ونحوها. فهذه لا تصح من الصبي المميز ولا تنفذ. الثالث: التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع كالبيع والشراء، والإيجار والاستئجار، والمشاركة ونحو ذلك. فهذه التصرفات غير صحيحة، لكن إذا أذن له وليه بالتصرف، فالمعتبر هنا إذن الولي، لا مجرد تصرف الصبي؛ لعدم بلوغه، وقصور عقله، وهذا في الأمور الكبيرة، أما الأمور اليسيرة فيصح تصرفه بإذن وليه. 1 - قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة:282].

- حكم بيع السمسرة: السمسرة: هي الوساطة بين البائع والمشتري لإجراء البيع. ويسمى من يقوم بذلك السمسار، أو الدلال، أو الوسيط. والسمسرة جائزة، والأجر الذي يأخذه السمسار حلال؛ لأنه أجر على عمل وجهد معقول، لكن بشرط أن يصدق وينصح للبائع والمشتري. عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الجمع بين البيع والإجارة: يجوز الجمع بين البيع والإجارة في عقد واحد. فلو قال البائع للمشتري: بعتك هذا البيت بمائة ألف، وأجرتك هذه الدار بعشرة آلاف، فقال الآخر: قبلت، صح البيع والإجارة. وكذا لو قال: بعتك هذا البيت، وأجرتك هذه المزرعة سنة بمائة ألف لهما، فقال الآخر: قبلت، صح العقد في الجميع. - حكم بيع العربون: بيع العربون: هو أن يشتري الإنسان شيئاً، ثم يدفع للبائع من قيمته خمسة مثلاً، فإن نفذ البيع احتسب المدفوع من الثمن، وإن لم ينفذ فالمدفوع للبائع، فهو مبيع يثبت فيه الخيار للمشتري. وهذا البيع صحيح، إذا قيدت فترة الخيار بمدة معلومة، دفعاً للضرر عن البائع. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (55).

- حكم الاستثناء في البيع: يجوز أن يبيع الإنسان سلعة ويستثني منها شيئاً معلوماً، كأن يبيع الشجر ويستثني منها واحدة، أو يبيع بيوتاً ويستثني منها بيتاً، أو يبيع سيارات ويستثني منها واحدة. فإن باع أكثر من واحد، واستثنى شيئاً مجهولاً غير معلوم، لم يصح البيع؛ لما فيه من الجهالة والضرر، كأن يبيعه قطيعاً من الغنم، ويستثني واحدة غير معلومة ونحو ذلك. عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ وَالمُعَاوَمَةِ وَالمُخَابَرَةِ. قَالَ: أَحَدُهُمَا بَيْعُ السِّنِينَ هِيَ المُعَاوَمَةُ، وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي العَرَايَا. أخرجه مسلم (¬1). - حكم الشروط في البيع: الشروط في البيع نوعان: الأول: صحيح لازم: وهو كل ما وافق مقتضى العقد. وهو ثلاثة أنواع: 1 - شرط يقتضيه العقد كشرط التقابض، وحلول الثمن. 2 - ما يكون من مصلحة العقد، مثل شرط تأجيل الثمن أو بعضه، أو شرط صفة معينة في المبيع، فإن وجد الشرط لزم البيع، وإن لم يوجد الشرط فللمشتري فسخ العقد. 3 - ما فيه نفع معلوم للبائع أو المشتري، كما لو باع داراً واشترط أن يسكنها ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1536).

شهراً، أو باع دابة واشترط أن تحمله إلى مكان معين ونحو ذلك. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: «إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً». أخرجه أبوداود (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: ... غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَاضِحٍ لَنَا فَأزْحَفَ الجَمَلُ، فَتَخَلَّفَ عَلَيَّ، فَوَكَزَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَلْفِهِ، قال: «بِعْنِيهِ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ». متفق عليه (¬2). الثاني: شرط فاسد: وهو أنواع: 1 - ما يبطل العقد من أصله: كأن يشترط على صاحبه عقداً آخر، مثل أن يقول: أبيعك هذه الدار على أن تبيعني سيارتك، أو تقرضني كذا ونحو ذلك. أو يقول بعتك هذه الأرض على أن تزوجني ابنتك. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنَ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). 2 - ما يصح معه البيع ويبطل الشرط: وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد، كأن يبيعه أرضاً ويشترط عليه ألا يبيعها أو لايهبها، فالبيع صحيح، والشرط باطل. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... فَمَا بَالُ أقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2406) , واللفظ له، ومسلم برقم (715). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3504) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1234).

شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ». متفق عليه (¬1). 3 - ما لا ينعقد معه البيع: مثل أن يقول: بعتك إن رضي فلان، أو إن حضر فلان أو نحو ذلك من كل بيع عُلِّق على شرط مستقبل، فهذا البيع لا ينعقد حتى يحصل الشرط. - الآثار المترتبة على البيع: يترتب على عقد البيع ثلاثة أمور: 1 - تسليم المبيع للمشتري. 2 - أداء الثمن الحال للبائع، فإن كان مؤجلاً فهو إلى أجله. 3 - انتقال الملك، فيملك المشتري المبيع، ويملك البائع الثمن. - حكم الشرط الجزائي: الشرط الجزائي شرط صحيح معتبر، فهو عقد جائز، يجب الأخذ به، لإتمام العقد في وقته، ولسد أبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد، ما لم يكن هناك عذر شرعي، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه. وإن كان الشرط كثيراً عرفاً، فيجب الرجوع إلى العدل والإنصاف، حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة، يقدِّر ذلك الحاكم بواسطة أهل النظر والخبرة. - مثال الشرط الجزائي: أن يتفق إنسان مع آخر على أن يبني له بيتاً خلال سنة بمائة ألف ريال، وإذا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (456) , ومسلم برقم (1504) , واللفظ له.

تأخر عن السَّنَة بلا عذر فعليه أن يدفع عن كل شهر ألف ريال، فتأخر عن السنة أربعة أشهر بلا عذر، فهذا يلزمه أن يدفع أربعة آلاف ريال لصاحب الدار. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً. وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أخرجه أبو داود (¬1). - حكم بيع الفضولي: الفضولي: هو من يتصرف في حق غيره بغير إذن شرعي، وهو كل من لم يكن أصيلاً، ولا ولياً، ولا وكيلاً. وبيع الفضولي وشراؤه جائز إذا كان لمصلحة، مع وقوف نفاذه على إجازة المالك. عَنْ عُرْوَةَ البَارقي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعْطَاهُ دِينَاراً يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3642).

البيوع المباحة

البيوع المباحة - البيوع المباحة أنواع كثيرة، وهذه أشهرها: 1 - بيع المساومة: وهو أن يسوم السلعة بثمن، ثم يشتريها إن رضي البائع بالسوم. 2 - بيع التولية: وهو أن يقول البائع: ولَّيتك السلعة بما اشتريتها به. 3 - بيع المرابحة: وهو أن يذكر السلعة وثمنها ثم يقول: بعتك إياها بربح خمسة أو عشرة مثلاً. 4 - بيع المخاسرة: وهو أن يذكر السلعة وثمنها ثم يقول: بعتك هذه السلعة بخسارة ثلاثة أو خمسة ريالات مثلاً. 5 - بيع الشركة: وهو أن يقول المشتري بعد قبض السلعة: أشركتك فيما اشتريت على ما سمي في النصف أو الربع مثلاً. 6 - بيع الإقالة: وهو أن يقول البائع للمشتري: أَقِلني بيعتي، فيقول: أَقَلْتك، أو يقول المشتري للبائع: أقِلْني، فيقول: أقلتك. 7 - بيع الهبة: إذا كان على شرط العوض. 8 - بيع الصرف: وهو بيع نقد بنقد. 9 - بيع الصلح: إذا كان الصلح على الإقرار. 10 - بيع المبادلة: وهو أن يبيع سلعة بسلعة أخرى، وتسمى المقايضة. 11 - بيع النسيئة: وهو أن يبيعه سلعة بثمن مؤجل بمدة معلومة. 12 - بيع المزايدة: وهو أن يبيع السلعة بين الناس بأعلى ثمن تصل إليه.

13 - بيع التراضي والتعاطي: بأن يعطيه السلعة، ويأخذ الثمن، من غير كلام. 14 - البيع الموقوف: وهو أن يبيع سلعة غيره بغير إذنه، فإن أجازه صح وإلا رده. 15 - بيع السلم: وهو بيع موصوف في الذمة بثمن مقبوض في مجلس العقد. 16 - بيع الخيار: وهو إعطاء الفرصة للبائع والمشتري أن يختار ما يناسبه من إمضاء البيع أو فسخه. وغير ذلك من البيوع التي أباحها الله وشرعها لعباده.

البيوع المنهي عنها

البيوع المنهي عنها - أنواع المحرمات: المحرمات في الشرع نوعان: 1 - المحرمات من الأعيان: وهي كل محرم لذاته كالميتة .. والدم .. ولحم الخنزير .. والخبائث .. والنجاسات ونحوها. 2 - المحرمات من التصرفات: وهي كل معاملة تخالف الشرع كالربا .. والميسر .. والقمار .. والغش .. والاحتكار .. والغرر ونحو ذلك مما فيه ظلم للعباد، وأكل لأموال الناس بالباطل. فالأول تعافه النفس بطبعها، والثاني تشتهيه النفس، فاحتاج إلى رادع وزاجر، وعقوبة تمنع من الوقوع فيه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [البقرة:173].

- البيوع المنهي عنها: البيوع المنهي عنها، أو المحرمة، أو الباطلة كثيرة، ويمكن حصرها في أربعة أقسام: 1 - البيوع الممنوعة بسبب العاقد. 2 - البيوع الممنوعة بسبب صيغة العقد. 3 - البيوع الممنوعة بسبب المعقود عليه. 4 - البيوع الممنوعة بسبب وصف أو شرط أو نهي. وإليك بيان هذه الأقسام بالتفصيل.

1 - البيوع الممنوعة بسبب العاقد

1 - البيوع الممنوعة بسبب العاقد البيع يصح من كل بالغ، عاقل، مختار، مطلق التصرف، مالك لما يبيع. والبيوع الممنوعة بسبب العاقد هي: 1 - بيع المجنون أو السكران. 2 - بيع الصبي: مميزاً كان أو غير مميز حتى يبلغ. 1 - قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 3 - بيع المكره: وهو من أُجبر على فعل شيء يكرهه. والإكراه نوعان: 1 - إكراه بحق: كما لو أكرهه الحاكم على بيع أرضه لوفاء دينه، أو إجباره على بيع الدار لتوسعة المسجد، أو الطريق، أو المقبرة. فهذا الإكراه لا يمنع صحة العقد؛ إقامة لرضا الشرع مقام رضاه. 2 - إكراه بغير حق: فهذا الإكراه لا ينعقد به البيع، سواء كان إكراهاً ملجئاً كما لو هدده بالقتل، أو كان غير ملجئ كما لو هدده بالضرب؛ لأن الإكراه يزيل الرضا الذي هو شرط في صحة العقود. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432).

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]. - حكم بيع المضطر: المضطر: هو من اضطر إلى بيع شيء من ماله، ولم يجد من يشتريه منه إلا بأقل من ثمن المثل بغبن فاحش. فالبيع صحيح؛ لأنه تصرَّفَ في ملكه برضاه، ولم يجبره أحد على البيع، لكن يكره للمشتري شراؤه على هذا الوجه بالغبن الفاحش. 4 - بيع المحجور عليه: المحجور عليه: هو الذي مُنِع من التصرف في ماله لحظ نفسه كالسفيه، أو لحظ غيره كالغارم. فالسفيه المبذر لا يصح بيعه وشراؤه؛ لعدم أهليته، والمفلس الغارم تصرفه في ماله غير صحيح؛ لأنه حق الدائنين، والمريض مرض الموت لا ينفذ تصرفه بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة. 5 - بيع التلجئة: هو أن يخاف الإنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك، فيتظاهر هو ببيعه على ثالث فراراً منه؛ ليسلم ماله. وهذا العقد باطل غير صحيح؛ لأن العاقِدَين لم يقصدا البيع، فلم يصح منهما كالهازل، والهلاك في الكذب، والنجاة في الصدق.

2 - البيوع الممنوعة بسبب صيغة العقد

2 - البيوع الممنوعة بسبب صيغة العقد - صحة البيع: يصح البيع بتراضي العاقدين، وحصول الإيجاب والقبول فيما يجب التراضي عليه من مبيع وثمن وغيرهما. ولا يصح البيع فيما يلي: 1 - عدم توافق الإيجاب والقبول، بأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بمائة، فيقول المشتري: اشتريتها بتسعين، فإن أجازها البائع في الحال صح البيع. 2 - البيع بالمراسلة أو بواسطة رسول، وهذا البيع يصح ما داما في المجلس، فإذا تم القبول بعد التفرق من المجلس لم ينعقد العقد. 3 - البيع مع غائب عن مجلس العقد لا يصح؛ لأن اتحاد المجلس شرط لانعقاد البيع. 4 - البيع غير المنجَّز كالمعلق على شرط، أو المضاف لوقت في المستقبل، فهذا البيع لا ينعقد ولا يصح. فالمعلق على شرط أن يقول: بعتك هذه الدار بكذا إن جاء والدي من السفر. والبيع المضاف أن يقول: بعتك هذه السيارة من أول الشهر القادم. وهذا وهذا فيه غرر، إذ لا يدري العاقدان هل يحصل الأمر المعلق عليه أم لا، ومتى يحصل، وفي المضاف لا يدريان كيف يكون المبيع في المستقبل.

3 - البيوع الممنوعة بسبب المعقود عليه

3 - البيوع الممنوعة بسبب المعقود عليه - المعقود عليه: هو السلعة المباعة، والثمن. - البيوع المنهي عنها بسبب المعقود عليه خمسة أقسام: الأول: البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة. الثاني: البيوع المحرمة بسبب الربا. الثالث: البيوع المحرمة بسبب الضرر والخداع. الرابع: البيوع المحرمة لذاتها. الخامس: البيوع المحرمة لغيرها. وإليك بيان هذه الأقسام بالتفصيل.

1 - البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة

1 - البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة الغرر: هو كل ما كان مجهول العاقبة، لا يُدرى أيحصل أم لا يحصل. الجهالة: هي الجهالة الفاحشة التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله كأن يبيع شاة من قطيع، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه البيوع؛ تحصيناً للأموال أن تضيع .. وقطعاً للخصومة والنزاع بين الناس .. وحفظاً للمودة والأخوة بين المسلمين. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. أخرجه مسلم (¬1). ومن البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة ما يلي: 1 - بيع الملامسة: وهو أن يلمس الإنسان الثوب ولا ينشره، أو يشتريه في الظلام ولا يعلم ما فيه، فهذا البيع لا يجوز؛ لوجود الجهالة والغرر. 2 - بيع المنابذة: وهو أن ينبذ كل واحد ثوبه إلى الآخر من غير تأمل، ويقول كل واحد هذا بهذا، أو يقول البائع أو المشتري: أي ثوب نبذته فهو بكذا، فهذا بيع محرم؛ للنهي عنه، ولوجود الجهالة والغرر. عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُنَابَذَةِ -وَهِيَ: طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أنْ يُقَلِّبَهُ أوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ- وَنَهَى عَنِ المُلامَسَةِ- وَالمُلامَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1513). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2144) , واللفظ له، ومسلم برقم (1512).

3 - بيع الحصاة: وهو أن يقذف البائع أو المشتري بحصاة، فأي ثوب وقعت عليه كان هو المبيع بلا تأمل، ولا رويّة، ولا خيار، وهذا البيع باطل؛ لوجود الجهالة والغرر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. أخرجه مسلم (¬1). 4 - بيع حَبَل الحَبَلَة: وهو بيع ولد ولد الناقة بثمن مؤجل، فإذا ولدت الناقة مولودة، انتظر حتى تحبل ثم تلد، وهذا البيع باطل؛ لأنه بيع معدوم ومجهول، وغير مملوك للبائع، وغير مقدور على تسليمه إلى أجل مجهول، وكل هذا غرر محرم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ. قال: وَحَبَلُ الحَبَلَةِ أنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نُتِجَتْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. متفق عليه (¬2). 5 - بيع المضامين: وهو بيع ما في أصلاب الإناث من الأجنة. 6 - بيع الملاقيح: وهو بيع ما في أصلاب الفحول. وبيع المضامين والملاقيح باطل؛ لأنه بيع معدوم ومجهول وغرر، وغير مقدور على تسليمه. 7 - بيع عَسْب الفحل: وهو بيع ضراب الذكر من كل حيوان فرساً أو جملاً أو تيساً أو غير ذلك. فأخذ الأجرة على ضراب هذه الفحول محرم لا يجوز؛ لما فيه من الغرر، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1513). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3843) , واللفظ له، ومسلم برقم (1514).

لأنه غير معلوم وغير مقدور على تسليمه، فقد تلقح منه الأنثى وقد لا تلقح. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الجَمَلِ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم إعارة عَسْب الفحل: إعارة عسب الفحل وإطراقه للناس جائزة بدون عوض، فإن أكرمه المستعير بشيء جاز له قبول كرامته. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ، لا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ القِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ القَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلا مَكْسُورَةُ القَرْنِ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا حَقُّهَا؟ قال: «إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمَنِيحَتُهَا، وَحَلَبُهَا عَلَى المَاءِ، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْ كِلاَبٍ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْب الفَحْلِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نُطْرِقُ الفَحْلَ فَنُكْرَمُ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي الكَرَامَةِ. أخرجه الترمذي (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2284). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1565). (¬3) أخرجه مسلم برقم (988). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1274).

8 - بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وهي على وجهين: 1 - المخاضرة: هي بيع الثمار والحبوب قبل بدو صلاحها. 2 - المعاومة: هي بيع الثمار سنين، بأن يبيع ثمر الشجر عامين أو أكثر في المستقبل. وبيع المخاضرة والمعاومة كله باطل محرم؛ لأنه بيع غرر، والمعاومة بيع معدوم غير مقدور على تسليمه، وغير مملوك للعاقد. وكلاهما بيع للثمرة قبل بدو صلاحها، وهو منهي عنه؛ لما فيه من الغرر. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ. أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أرَأيْتَ إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مَالَ أخِيهِ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ، نَهَى البَائِعَ وَالمُشْتَرِيَ. أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2194) , واللفظ له، ومسلم برقم (1534). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2207). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2198) , واللفظ له، ومسلم برقم (1555). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1535).

- حكم بيع الثمار: بيع الثمار والحبوب بعد بدو صلاحها جائز مطلقاً، وأما بيع الثمار قبل بدو صلاحها، والحبوب قبل اشتدادها فلا يجوز مطلقاً إلا في حالتين: 1 - أن يبيع الثمر مع الشجر، أو يبيع الثمر والحب مع الأرض. 2 - أن يبيع الثمر والحب بشرط القطع في الحال. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الآفَةُ». قَالَ: يَبْدُوَ صَلاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ. متفق عليه (¬1). 9 - بيع المجهول: وهو كل بيع اشتمل على جهالة فاحشة في المبيع، أو الثمن، أو المقدار، أو الأجل، وكل ما تعذر تسليمه كالسمك في البحر، والطير في الهواء، والسمن في اللبن. وكأن يقول: بعتك ما في جيبي، أو بعتك ثوباً من دكاني، أو بعتك خمساً من قطيع الغنم، أو يقول: بعتك بما يبيع به الناس، أو بما يقوله فلان، أو يقول: بعتك الدار إذا قدم فلان، أو مات فلان، فكل هذا بيع باطل؛ لوجود الجهالة والغرر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. أخرجه مسلم (¬2). 10 - بيع الثنيا: وهي استثناء المجهول في البيع. كأن يبيع طعاماً أو ثياباً ويستثني بعضها بلا تحديد، فهذا البيع باطل لا يجوز؛ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1486) , ومسلم برقم (1534) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1513).

لما فيه من الجهالة والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل. فإن كان الاستثناء معلوماً صح البيع، كأن يبيع الثياب ويستثني قميصاً معلوماً، أو يبيع أشجاراً ويستثني شجرة معلومة، فهذا البيع جائز؛ لانتفاء الجهالة والغرر. عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ وَالمُعَاوَمَةِ وَالمُخَابَرَةِ. قَالَ: أَحَدُهُمَا بَيْعُ السِّنِينَ هِيَ المُعَاوَمَةُ، وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي العَرَايَا. متفق عليه (¬1). 11 - بيع ما ليس عنده: وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، مثل أن يبيع ما لا يملك، أو يبيع سلعة قبل أن يقبضها، أو يبيع العبد الآبق، أو الجمل الشارد ونحو ذلك مما لا يقدر على تسليمه، فهذا كله بيع باطل لا يصح؛ لما فيه من الجهالة والغرر والضرر، ولما يسببه من الخصومة والنزاع. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ البَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثمَّ أَبيعُهُ. قَالَ: «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - مفاسد الغرر والميسر: 1 - الغرر: هو كل ما طوي عن الإنسان علمه، وخفي عليه باطنه من معدوم، أو مجهول، أو معجوز عنه، أو غير مقدور على تسليمه كما سبق. 2 - الميسر: هو القمار: وهو المال الذي يحصل عليه الإنسان بلا جهد، وقد حرمه الله ورسوله، وهو من عمل الشيطان، ويسمى القمار. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2196) , ومسلم برقم (81) (1536) كتاب البيوع. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3503) , وأخرجه الترمذي برقم (1232) , وهذا لفظه.

والقمار مؤسَّس لجلب الأموال من حلال أو حرام .. وقائم على أكل أموال الناس بالباطل .. واستنزاف الأموال بطرق ماكرة، وحيل ملتوية. سبب ثراء قوم بلا جهد .. وفقر آخرين بالباطل .. وأفقر بيوتاً تجارية كبرى. ومن أنواعه: اللعب بالنرد والشطرنج على عوض، والتأمين على النفس، والرخصة، والسيارة، والبضاعة ونحو ذلك، وجوائز السحب في المحلات التجارية، وكل ذلك محرم؛ لما فيه من الغرر، والمفاسد العظيمة. وبيوع الغرر والميسر تجر مفسدتين كبيرتين: الأولى: أكل أموال الناس بالباطل، فأحد الطرفين إما غارم بلا غُنْم، أو غانم بلا غُرْم؛ لأنها رهان ومقامرة، وذلك محرم ومدمر. الثانية: وقوع العداوة والبغضاء بين المتبايعين، ثم حصول التناحر؛ لأن أحدهما غانم، والآخر غارم، وهذا كله محرم، ومن عمل الشيطان. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91].

2 - البيوع المحرمة بسبب الربا

2 - البيوع المحرمة بسبب الربا 1 - بيع العينة: وهو أن يبيعه سلعة إلى أجل، ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها نقداً. فاجتمع فيه بيعتان في بيعة، وهذا البيع حرام وباطل؛ لأنه ذريعة إلى الربا، ولأنه حيلة ظاهرة، فإن اشتراها البائع بعد قبض ثمنها، أو بعد تغير صفتها، أو من غير مشتريها، جاز البيع. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذا تَبَايَعْتُمْ بالعِينَةِ وَأَخَذتُمْ أَذنَابَ البَقَرِ وَرَضِيتُمْ بالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». أخرجه أبو داود (¬1). - أنواع بيع العينة: من أنواع بيع العينة ما يلي: 1 - أن يحتاج رجل سيارة، فيقول للتاجر أنا أحتاج تلك السيارة في معرض فلان، فيذهب التاجر إليه، ويشتريها بعشرين ألفاً نقداً، ثم يبيعها عليه بثلاثين ألفاً مؤجلة، ثم يشتريها التاجر منه بعشرين ألفاً نقداً. فهذه حيلة ظاهرة على أكل الربا. 2 - أن يحتاج فقير إلى ألف ريال، فيأتي إلى التاجر، ثم يذهب التاجر إلى صاحب دكان ويشتري منه أكياس أرز بألف ريال مثلاً، ثم يبيعها على الفقير وهي في مكانها بألف وثلاثمائة ريال مؤجلة، ولم يقبضها هذا ولا هذا، ثم ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3462).

يبيعها الفقير على صاحب الدكان بأقل مما اشتراها منه التاجر، أو هو من التاجر. فيؤكل الفقير من جهتين: من جانب التاجر الأول، ومن صاحب الدكان، وهذه حيلة ثلاثية ماكرة كادهم بها الشيطان. 3 - أن يقوم شخص ببناء بيت لفقير، فيكلفه مائة ألف، ثم يبدأ يقبض من صاحب البيت مائة وثلاثين ألف مؤجلة، فهذه كلها حيل باطلة محرمة. وكلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنه جمع بين حقيقة المحرم، وبين خداع الرب عز وجل، وكلما احتال صارت الزيادة عليه أكثر. 2 - بيع المزابنة: هو بيع كل شيء من الجزاف الذي لا يُعلم كيله ولا وزنه ولا عدده بشيء من الكيل أو الوزن أو العدد، ظناً وتقديراً. كأن يقدر الرطب على النخل بألف كيلو، ثم يبيعه بقدره من التمر، وهذا البيع باطل ومحرم؛ لأنه ربا، فهو بيع مكيل بمكيل، أو موزون بموزون، أو معدود بمعدود، مع التفاضل وعدم المساواة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُزَابَنَةِ: أنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلا، وَإِنْ كَانَ كَرْماً أنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلا، وَإِنْ كَانَ زَرْعاً، أنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2205) , واللفظ له، ومسلم برقم (1542).

- حكم بيع العرايا: العرايا: هي بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض. والعرايا جزء من المزابنة، إلا أنه رُخِّص فيها بالشيء اليسير للحاجة، كحاجة صاحب الحائط إلى البيع، أو حاجة المشتري إلى الرطب. 1 - عَنْ سَهْل بن أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: «ذَلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ المُزَابَنَةُ». إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ البَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْراً، يَأْكُلُونَهَا رُطَباً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي بَيْعِ العَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ. متفق عليه (¬2). 3 - بيع المحاقلة: هو بيع حب في سنبله بحب صاف بالظن والتقدير، كأن يبيع حنطة في سنبلها بحنطة صافية مثلاً، وهذا البيع باطل، لأنه ربا، فهو بيع مكيل بمكيل من جنسه، مع عدم التساوي، فلا يجوز خرصاً. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ وَالمُزَابَنَةِ وَالمُخَابَرَةِ وَأَنْ تُشْتَرَى النَّخْلُ حَتَّى تُشْقِهَ -وَالإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَىْءٌ- وَالمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ وَالمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنَ التَّمْرِ وَالمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَأَشْبَاهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2383) , ومسلم برقم (1540) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2190) , ومسلم برقم (1541) , واللفظ له.

ذَلِكَ. متفق عليه (¬1). 4 - بيع اللحم بالحيوان: فلا يجوز بيع اللحم بالحيوان؛ لما فيه من التفاضل، ولما فيه من الغرر، ولما فيه من المزابنة، ولما فيه من الربا. وكذلك لا يجوز بيع اللحم باللحم متفاضلاً من جنس واحد. 5 - بيع الأشياء بجنسها مع التفاضل، أو بغير جنسها نسيئة: كالبر مع زيادة أحدهما، أو الذهب بالفضة نسيئة، فهذا كله ربا محرم. 1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالفِضّةُ بِالفِضّةِ، وَالبُرّ بِالبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدّينَارُ بِالدّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدّرْهَمُ بِالدّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا». أخرجه مسلم (¬3). 6 - بيع الدين بالدين: كأن يشتري الرجل شيئاً إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به، فيقول لصاحب الدين: بعنيه إلى أجل آخَر بزيادة مائة مثلاً، فيبيعه. وهذا البيع باطل ومحرم؛ لأنه ربا مضاعف. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2381) , ومسلم برقم (1536) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1587). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1588).

- حكم بيع الدين على الغير: الأصل عدم جواز بيع الدين في الصرف؛ لأنه يؤدي إلى الربا، وأما في غير الصرف والسلم فبيع الدين على المدين نفسه جائز؛ لحصول القبض من قبل، وأن يبيعه بسعر وقته. وإن باعه على غير المدين، فإن كان بثمن عين فيجوز إن كان الدين مستقراً، والمدين ملياً، ومقراً به؛ لعدم الغرر والضرر، وإمكان التسليم والقبض. وأما بيع الدين لغير المدين بالدين، فإنه لا يجوز غالباً؛ لما فيه من الجهالة والغرر، وعدم القدرة على التسليم. 7 - بيع بيعتين في بيعة: وصورته: أن يقول بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة، ونسيئة بخمسة عشر، ثم يفترقان وهو لم يختر أحدهما، أو يبيعه السلعة بمائة مؤجلة، ثم يشتريها منه بثمانين حالة. فهذه صورة البيعتان في بيعة. فهذا البيع باطل؛ لما فيه من الربا، وحيلة الربا، والجهالة والغرر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - بيع التقسيط: بيع التقسيط: هو أن يبيعه سلعة حاضرة بثمن مؤجل يدفعه المشتري على دفعات معلومة المقدار والوقت. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (9584) , وأخرجه الترمذي برقم (1231).

- حكم بيع التقسيط: 1 - بيع التقسيط صورة من بيع النسيئة، وهو عقد جائز. فبيع النسيئة مؤجل لأجل واحد، وبيع التقسيط مؤجل لآجال متعددة. 2 - تجوز الزيادة في ثمن السلعة لأجل التأجيل أو التقسيط، كأن يبيعه سلعة قيمتها مائة حالَّة بمائة وعشرين مؤجلة لأجل واحد، أو آجال محددة، بشرط ألا تكون الزيادة فاحشة، أو يستغل حاجة المضطرين. 3 - البيع إلى أجل، أو بالتقسيط، يكون مستحباً إذا قصد به الرفق بالمشتري، والإحسان إليه، وبذلك يثاب فيه البائع على إحسانه، إذا لم يزد في الثمن من أجْل الأجَل. ويكون مباحاً إذا قصد به الربح والمعاوضة، فيزيد في الثمن لأجْل الأجَل، ليسدد له المشتري بالتقسيط المؤجل. 4 - لا يجوز للبائع أن يأخذ من المشتري زيادة على الدين إذا تأخر في دفع الأقساط؛ لأن ذلك ربا محرم، لكن له رهن المبيع حتى يستوفي دينه من المشتري. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً، وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أخرجه أبو داود (¬1). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594).

3 - البيوع المحرمة بسبب الضرر والخداع

3 - البيوع المحرمة بسبب الضرر والخداع 1 - بيع النجش: وهو أن يزيد الإنسان في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، بل ليوقع غيره فيها، أو يمدح المبيع بما ليس فيه ليروِّجه. ويقع ذلك غالباً بمواطأة مع البائع فيشتركان في الإثم، ويقع ذلك أحياناً بغير علم البائع فيأثم الناجش وحده. وبيع النجش باطل وحرام؛ لما فيه من خديعة المسلم، وأكل المال بالباطل. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّجْشِ. متفق عليه (¬1). 2 - بيع الرجل على بيع أخيه: وهو أن يقول الإنسان لمن اشترى سلعة في مدة الخيار: افسخ هذا البيع، وأنا أبيعك مثله أو أجود منه بأرخص من ثمنه. أو يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، أو يسوم بأكثر بعد استقرار البيع. وهذا البيع والشراء باطل وحرام؛ لما فيه من الضرر والإفساد على المسلم، ولما يسببه من التدابر والتحاسد. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَبِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ، إِلا أنْ يَأْذَنَ لَهُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2142) , واللفظ له، ومسلم برقم (1516). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2139) , ومسلم برقم (1412) , واللفظ له.

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَسُمِ المُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ». متفق عليه (¬1). 3 - بيع الصفقة: هو البيع المشتمل على حلال وحرام، أو معلوم ومجهول، أو مملوك وغير مملوك، أو صحيح وفاسد، أو طيب وخبيث. وهذا البيع باطل ومحرم؛ لما فيه من الضرر والخداع، وأكل أموال الناس بالباطل. 4 - بيع الاحتكار: وهو أن يشتري ما يحتاجه الناس كالطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه أكثر ثم يبيعه، فهذا الاحتكار محرم؛ دفعاً للضرر عن الناس. عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِىءٌ». أخرجه مسلم (¬2). 5 - بيع تَلَقِّي الجَلَب أو الركبان أو السلع: وهو أن يقوم بعض الناس بالخروج لتَلَقِّي السلع قبل ورودها إلى السوق، وقبل أن يعرف أصحابها الأسعار، فيخبروهم أن السعر ساقط، والسوق كاسدة، فيخدعونهم ويشترون بضاعتهم بأقل مما تستحق. وهذا البيع باطل ومحرم؛ لما فيه من الضرر والخداع لأصحاب السلع. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2727) , ومسلم برقم (1515) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1605).

عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ». متفق عليه (¬1). 6 - بيع الحاضر للباد: هو أن يخرج السمسار -وهو متولي البيع والشراء لغيره- إلى جالب السلعة، ويقول له: ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر، فيضر بالناس، ويستغل حاجتهم. وهذا البيع محرم وباطل؛ للنهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، ولما فيه من الإضرار بالمسلمين. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وعَنْ طَاوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قالَ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: «لا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قال: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً. متفق عليه (¬3). 7 - بيع فضل الماء: وهو أن يكون للإنسان بئر في الفلاة، وفيها ماء فاضل عن حاجته، فيمنعه من احتاج إليه من الناس والمواشي إلا بعوض، ولا يكون هناك سوى هذه البئر، أو يمنع الناس من ماء العين أو النهر من الشرب إلا بعوض. فهذا البيع محرم؛ لما فيه من الضرر على الناس والمواشي. 1 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2165) , واللفظ له، ومسلم برقم (1412). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1522). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2158) , واللفظ له، ومسلم برقم (1521).

إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ فَقال: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ». ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. متفق عليه (¬1). 8 - بيع الغش والمكر والكذب: وهذا النوع يكون بالقول والفعل، وله صور كثيرة: 1 - إخفاء العيب عن الناس: بوضع الجيد في الأعلى والرديء في الأسفل، وطلاء الأثاث والآلات القديمة لتظهر أنها حديثة، وتغيير عدّاد السيارة ليظهر أنها قليلة الاستعمال، وبيع المصراة بحبس لبنها في ضرعها ليوهم المشتري أنها غزيرة اللبن ونحو ذلك. وكل هذا البيع باطل ومحرم؛ لأنه غش وخداع وإضرار بالناس. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2358) , واللفظ له، ومسلم برقم (108). (¬2) أخرجه مسلم برقم (102).

الغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ». متفق عليه (¬1). 2 - كتمان الحقيقة والكذب: كأن يمدح السلعة بما ليس فيها، ويكتم البائع ما فيها من عيب، كتصدع في جدران المنزل، وكسر في محرك الآلة، ومرض في الدابة المباعة ونحو ذلك. وكل ذلك محرم؛ لما فيه من الغش والكذب. أو يمدح السلعة بما ليس فيها ليغري الناس بشرائها، كأن يقول: هذه السيارة أو الدار تساوي أكثر، أو لا مثيل لهذه البضاعة في السوق، أو دُفِع لي بها أكثر فلم أقبل ونحو ذلك من المغريات الكاذبة. وكل ذلك محرم؛ لما فيه من الكذب والغش وأكل أموال الناس بالباطل. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]. 9 - بيع الإكراه والاضطرار: كأن يهدده شخص بقتله، أو قطع أحد أعضائه، أو ضربه إذا لم يفعل ما يطلبه منه، أو يضطر إلى البيع لتهريب أمواله من وجه ظالم يريد أخذها، أو يكتب عقداً ويتظاهر بالبيع كذباً من غير نية. فهذا البيع كله باطل لا يصح؛ لوجود الإكراه، وفقد التراضي والكذب، وهو محرم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2150) , واللفظ له، ومسلم برقم (1515).

أما الإكراه بحق فجائز كما لو أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه. قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة:188].

4 - البيوع المحرمة لذاتها

4 - البيوع المحرمة لذاتها 1 - بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة:90]. 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأصْنَامِ». فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقال: «لا هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأكَلُوا ثَمَنَهُ». متفق عليه (¬1). 2 - بيع الدم والسِّنَّوْر والكلب: 1 - عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَأيْتُ أبِي اشْتَرَى حَجَّاماً فَأمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ، فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قال إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الكَلْبِ، وَكَسْبِ الأمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2236) , واللفظ له، ومسلم برقم (1581). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2238).

2 - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ زَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم اقتناء الكلاب: يحرم اتخاذ الكلاب واقتناؤها إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ ابنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْباً إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ، كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». متفق عليه (¬3). 3 - بيع الصور: يحرم تصوير كل ذي روح، ويحرم بيع تلك الصور، وشراؤها واقتناؤها، واهداؤها، وإعارتها؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله، وحصول الفتن، ومنع دخول الملائكة، ونشر الفساد، سواءكانت في ثوب، أو بساط، أو إناء، أو درهم أو غير ذلك، وسواء كان لها ظل أو لا ظل لها. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ». متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1569). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2322)، ومسلم برقم (1575) واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5482) , ومسلم برقم (1574) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , واللفظ له، ومسلم برقم (2109).

كَأنَّهَا نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ البَابَيْنِ، وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «مَا بَالُ هَذِهِ الوِسَادَةِ». قالتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا، قال: «أمَا عَلِمْتِ أنَّ المَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ، وَأنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي الحَسَنِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبّاسٍ، فَقَالَ: إِنّي رَجُلٌ أُصَوّرُ هََذِهِ الصّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمّ قَالَ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا حَتّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬2). 4 - بيع آلات اللهو والعزف والطرب: يحرم استعمال آلات اللهو والمعازف والطرب، ويحرم بيعها وشراؤها ولا يصح؛ لما فيها من الضرر على الأمة، وإفساد أحوالهم، والغفلة عن الله وشرعه، والصد عن سبيل الله، فإذا صاحَبَها الغناء كانت حرمتها أشد، وعقوبتها أعظم. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)} [لقمان:6 - 7]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3224) , واللفظ له، ومسلم برقم (2107). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225) , ومسلم برقم (2110)، واللفظ له.

2 - وَعَنْ أبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري معلقاً ووصله أبو داود (¬1). 5 - بيع الدخان والمخدرات: الدخان والمخدرات كلها محرمة بجميع أنواعها، والتجارة فيها محرمة، وزراعتها، واستعمالها، وتصنيعها، كل ذلك محرم؛ لما فيها من الخبث، والأضرار الكثيرة، وإضاعة الأموال والأوقات، وتعطيل الأعمال، وإفساد الأبدان، والله عز وجل إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه. فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله، وحفظ أمواله وأوقاته فيما يعود عليه بالنفع في الدين والدنيا. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ يَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأكَلُوا أثْمَانَهَا». متفق عليه (¬2). - حكم المحرم لذاته: يحرم البيع والشراء والانتفاع بالمحرم لذاته كالخمر والخنزير ونحوهما، ويجوز الانتفاع بالمحرم للحاجة كلبس الحرير لمن به حكة، أو لضرورة كشرب الخمر لدفع الغصة، وأكل الميتة للمضطر. ¬

(¬1) أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) واللفظ له، وأخرجه أبو داود موصولاً برقم (4039)، انظر الصحيحة رقم (91). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2224) , واللفظ له، ومسلم برقم (1583).

قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)} [المائدة:3].

5 - البيوع المحرمة لغيرها

5 - البيوع المحرمة لغيرها 1 - البيع عند أذان الجمعة الثاني: يحرم على من تلزمه الجمعة البيع والشراء عند أذان الجمعة الثاني؛ لما في ذلك من التشاغل عن الخطبة والصلاة. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:9 - 10]. 2 - البيع في المسجد: يحرم البيع والشراء وإنشاد الضالة في المسجد، وكل أمر لم تُبْن له المساجد؛ لأنها بيوت الله، بنيت لعبادته، وتعلم شرعه، ولم تبن للبيع والشراء وما يلهي. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لاَ رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ». أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى (¬1). 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ فِي المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1321) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (10004).

الصَّلاَةِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - بيع السلاح في الفتنة: قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 4 - بيع العصير ممن يتخذه خمراً: بيع السلاح في فتنة بين المسلمين محرم؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وزيادة ضرر الفتنة. وبيع العصير ممن يتخذه خمراً يحرم؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وغش المسلم، وكذلك أواني الخمر. وكل بيع أعان على معصية الله فهو باطل ومحرم؛ لأن فيه تعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 5 - بيع المصحف للكافر: لا يجوز بيع ولا إهداء المصحف للكافر؛ خشية إهانته له، وانتهاكه لحرمته. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَر َرَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إِلَى أرْضِ العَدُوِّ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1079) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (322). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2990) , واللفظ له، ومسلم برقم (1869).

4 - البيوع الممنوعة بسبب وصف أو شرط أو نهي شرعي

4 - البيوع الممنوعة بسبب وصف أو شرط أو نهي شرعي 1 - بيع الربا: 1 - قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - البيع بثمن محرم: لا يجوز ولا يصح البيع بثمن محرم كالخمر والخنزير ونحوهما. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكّةَ: «إنّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ». متفق عليه (¬2). وغير ذلك مما سبق من البيوع المحرمة. - حكم القات: القات شجرة من الأشجار المتوسطة، تمضغ أوراقها اللينة التي في أطرافها، فتسبب الفتور أحياناً، والنشاط أحياناً. وفي أكلها إضاعة للأوقات التي هي أهم رأس مال المسلم، وإضاعة الأموال فيما لا نفع فيه، وتعطيل المسلم عن أداء الصلوات في أوقاتها، وإهدار للطاقات والأوقات والأموال، وذلك كله من التبذير الذي نهى الله ورسوله عنه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1598). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4296) , ومسلم برقم (1581) , واللفظ له.

لهذا يحرم على المسلم إضاعة أمواله وأوقاته في تعاطيها. 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} [الإسراء:26 - 27]. - حكم التجارة في الأجهزة المحرمة: أجهزة التلفزيون ونحوها يعرض فيها الخير والشر، وأغلب ما تنقله للناس كله شر، وكل ما يغلب شره خيره فحرام على المسلم بيعه وشراؤه واقتناؤه، والنظر إليه، ولا ينخدع المسلم بما فيه من الخير؛ فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كيف وقد تضاعفت آثاره السيئة على الدين والأخلاق، وعلى الرجال والنساء والأولاد، ولا ينكر ذلك إلا مكابر معاند، مريض القلب والعقل، بل فاقد الإحساس والمروءة والغيرة. فعلى من يملك أجهزة التلفزيون والفيديو إتلافها والتوبة إلى الله؛ ولا يبيعها على الناس، لما في ذلك من غش المسلم، وإفساد الناس. 1 - عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (57) , واللفظ له، ومسلم برقم (56). (¬2) أخرجه مسلم برقم (102).

أحكام البيع

أحكام البيع - حكم التسعير: التسعير: هو وضع ثمن محدد للسلع. والتسعير نوعان: الأول: تسعير جائز: وهو أن يسعِّر التاجر معروضاته؛ ليسهل على المشتري معرفة القيمة بسهولة. فهذا جائز إذا سعَّرها بربح يسير ينفع البائع، ولا يرهق المشتري. الثاني: التسعير من الحاكم، وهذا له حكمان: 1 - تسعير محرم: وهو الذي يتضمن ظلم الناس، وإكراههم بغير حق، ومنعهم مما أباح الله لهم. وهذا التسعير محرم؛ لأنه يؤدي إلى اختفاء السلع، وذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وارتفاع الأسعار يضر بالأغنياء والفقراء، ويسبب الضيق والجرائم. 2 - تسعير جائز: وهو الذي لا يُظلم فيه البائع، ولا يُرهَق فيه المشتري، فيرخَّص فيه عند الحاجة فقط كأن يمتنع أصحاب السلع من بيعها إلا بزيادة فاحشة، مع حاجة الناس إليها، أو عند الكوارث والنكبات، فتضطرب الأسعار، ويتضرر الناس. فهنا يجب على الحاكم التسعير بالمثل، صيانة لحقوق الناس، ومنعاً للاحتكار، ودفعاً لجشع التجار.

1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - أسباب الغلاء والرُّخْص: الغلاء: هو ارتفاع أسعار السلع، والرخص: انخفاضها. وكل ذلك من جملة الحوادث التي لا خالق لها إلا الله، ولا يكون منها شيء إلا بمشيئة الله، لكن الله عز وجل قد جعل بعض أفعال العباد سبباً في بعض الحوادث. فارتفاع الأسعار قد يكون ابتلاءً .. وقد يكون بسبب ظلم بعض العباد .. وقد يكون بسبب كثرة المعاصي. كما أن انخفاض الأسعار قد يكون ابتلاءً .. وقد يكون بسبب طاعات العباد .. وقد يكون بسبب إحسان بعض الناس. وقد يكون الغلاء والرخص بسبب قلة أو كثرة الأموال والأشياء .. وقد يكون بسبب الرغبة في الشيء أو عدم الرغبة. فإذا زادت الرغبة في شيء، وقَلَّ المرغوب فيه، ارتفع سعره، وإذا كثر وقَلَّت الرغبة فيه انخفض سعره. ولله في ذلك حِكَم ومنافع للعباد تعجز العقول عن إدراكها. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3451) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1314).

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف:96]. - حكم الاحتكار: الاحتكار: هو شراء السلع التي يحتاجها الناس، وحبسها لتقل بين الناس، فإذا تضاعف سعرها باعها. والاحتكار محرم؛ لما فيه من الجشع والطمع، والتضييق على الناس في حاجاتهم، والتحكم في أرزاقهم بغير حق. عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِىءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم المزايدة: عقد المزايدة: هو عقد معاوضة يُدعى الناس للمشاركة فيه، ثم تباع السلع بأعلى سعر وصلت إليه برضا البائع. وبيع المزايد جائز بشروط البيع المعلومة، سواء كان المالك فرداً، أو جهة حكومية، أو شركة معتبرة. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَجُلاً أعْتَقَ غُلاماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ، فَأخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي». فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِاللهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1605). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2141) , واللفظ له، ومسلم برقم (997).

- حكم بيع التورق: التورق: هو أن يحتاج الإنسان إلى نقد، ولا يجد من يقرضه، فيشتري سلعة إلى أجل، ثم يبيعها نقداً على غير بائعها، ثم ينتفع بثمنها. وبيع التورق يجوز بثلاثة شروط: الأول: أن يتعذر عليه الحصول على المال بطريق مباح كالقرض أو السلم. الثاني: أن يكون محتاجاً للمال حاجة ماسة. الثالث: أن تكون السلعة عند البائع. - حكم الإقالة: الإقالة: هي فسخ العقد ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له. وتجوز الإقالة للنادم من بائع ومشتر، بعوض وبدون عوض، وهي مستحبة في حق المُقيل، مباحة في حق المستقيل. وتشرع إذا ندم أحد الطرفين، أو زالت حاجته، أو لم يقدر على الثمن ونحو ذلك. والإقالة مستحبة، وهي من معروف المسلم على أخيه عند الحاجة إليها. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللهُ عَثرَتَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - حكم بيع المرابحة: بيع المرابحة: هو أن يشتري الإنسان سلعة بمائة مثلاً، ثم يقول للمشتري: أنا اشتريتها بمائة فكم تربحني؟ أو من يربحني فيها خمسة أو أقل أو أكثر. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3460) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2199) , وهذا لفظه.

فهذا البيع جائز وينفذ إذا صدق البائع، وحصل التراضي. - حكم بيع الميتة: الميت: كل من فارق الحياة من إنسان أو حيوان. والميت من الحيوان: من مات حنف نفسه، أو بغير ذكاة شرعية. 1 - ميتة الحيوان نوعان: 1 - ميتة البحر: كالسمك والحوت وغيرهما مما في البحر. فهذه يجوز أكلها وبيعها وشراؤها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بمَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - ميتة البر: كالدواب والحيوانات والطيور وغيرها. فهذه لا يجوز بيع الميت منها، سواء كانت محنطة أو غير محنطة. ويستثنى من ميتة البر الجراد، فيجوز أكله وبيعه وشراؤه. 2 - ميتة الإنسان: ميتة الآدمي سواء كان مسلماً أم كافراً، لا يجوز بيعها ولا شراؤها، وكذلك أعضاؤه؛ لأن الإنسان كله ملك لله عز وجل، وقد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكرمه على غيره. ولذلك إذا مات الإنسان، يُدفن المسلم في القبر، ويوارى الكافر بالتراب؛ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (83) , وأخرجه الترمذي برقم (69).

تكريماً لجثته. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء:70]. - حكم بيع أعضاء الإنسان: 1 - لا يجوز بيع العضو أو الجزء من الإنسان قبل الموت أو بعده، وإذا لم يحصل عليه المضطر إلا بثمن جاز الدفع للضرورة، وحَرُم على الآخذ. وإن وهب العضو أو الجزء بعد الموت لأي مضطر، وأُعطي مكافأة عليها قبل الموت جاز له أخذها. ولا يجوز للإنسان حال الحياة أن يبيع أو يهب عضواً من أعضائه لغيره؛ لما في ذلك من إفساد البدن، وتعطيله عن القيام بما فرض الله عليه، وتصرفه في ملك الغير بغير إذنه. - حكم بيع الدم: لا يجوز بيع الدم لعلاج ولا غيره، ويستحب للإنسان إسعاف أخيه بالدم إن احتاج إليه. وإن احتاج المريض للدم، ولم يتمكن من الحصول عليه إلا بثمن، جاز له أخذه بثمن، وحَرُم أخذ العوض على من باعه. أما دم الحيوان فكله نجس لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به، ويُغتفر لليسير منه كالدم الباقي في الذبيحة بعد تذكيتها. قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3].

- حكم بيع المشاع: إذا باع مشاعاً بينه وبين غيره، فإن باعه على هذا الغير فالبيع صحيح، وإن باعه على غيره صح في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار إن جهل الحال. - حكم فسخ العقد: البيع عقد لازم لا يجوز فسخه إلا برضا الطرفين. والبيع الباطل ملك غير لازم، فيجب على المتعاقدين فسخه ولو من غير رضا الآخر إذا كان قبل القبض، وإن كان بعد القبض، فإن كان الفساد راجعاً إلى العوض كأن يكون الثمن خمراً، أو خنزيراً، فيحق لكل منهما الفسخ. وإن كان الفساد راجعاً إلى شرط منفعة زائدة، أو إلى أجل مجهول ونحو ذلك، فالعقد غير لازم، ولكل منهما الفسخ. - ما يُبطل حق الفسخ: إذا قبض المشتري السلعة، ثم تصرف فيها، ثم تبين أن البيع باطل، فإن كان التصرف مزيلاً للملك كالبيع والهبة، فهنا يبطل حق الفسخ، وعلى المشتري القيمة أو المثل للأول. وإن كان التصرف بما لا يزيل الملك كالإجارة، فله حق الفسخ، فللمالك الأول فسخ الإجارة، ثم فسخ البيع بسبب الفساد، فكل ما بني على الباطل فهو باطل. وحق الفسخ يورث؛ لأن الوارث يقوم مقام الميت في حق الفسخ. - حكم الزيادة في المبيع الفاسد: إذا حصلت زيادة في المبيع بيعاً فاسداً فله حالتان:

1 - إن كانت الزيادة متصلة متولدة من الأصل كالسِّمَن فلا تمنع الفسخ؛ لأنها تابعة للأصل، وإن كانت الزيادة غير متولدة من الأصل كخلط الدقيق بالسمن أو العسل، فإنها تمنع الفسخ؛ لأنه لا يمكن فصلهما، فيدفع للبائع قيمته أو المثل. 2 - إن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل كالولد واللبن والثمرة ونحو ذلك فلا تمنع الفسخ، وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة؛ لأنها متولدة منه، والأصل مضمون، فكذلك الزيادة، وإن كانت غير متولدة منه كالهبة والصدقة والكسب، فإنها لا تمنع الفسخ، وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة، ويدفع للمشتري قدر ما أنفق في الحالتين. - حكم بيع السلع المسروقة: السلع المسروقة يتعلق بها حقان: الأول: حق الله: بتعدي حدوده بشراء أو بيع السلع المسروقة، وذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، وهذا الإثم العظيم لا يرتفع إلا بالتوبة. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. الثاني: حق المخلوق: فالبيع فاسد؛ لأن من شروط صحة البيع أن يكون البائع مالكاً للسلعة، وأن يكون المشتري مالكاً للثمن، أو مأذوناً لهما بالتصرف، وبناءً على ذلك لا يجوز بيع أو شراء السلع المسروقة. - حكم السلعة المسروقة: السلعة ملك لصاحبها، ومن اشترى سلعة مسروقة فعليه أن يرد السلعة على

من سُرقت منه إن عرفه؛ لتبرأ ذمته، ثم يرجع بالثمن على من اشتراها منه. وإن تعذر العلم بصاحب السلعة المسروقة فيبيعها من اشتراها، ويتصدق بثمنها على نية صاحبها، أو يتصدق بها، وبهذا تبرأ ذمته، والله يعوضه خيراً منها ومن ثمنها، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. - حكم التجارة في المحرمات: التجارة في المحرمات كالخمور والمخدرات والدخان .. والصحف والمجلات والأشرطة التي تحمل الأفكار السيئة، والصور الماجنة، والأفلام الساقطة، وأصوات المعازف .. وكل ما يدعو إلى الفاحشة والرذيلة .. كل ذلك يحرم بيعه وشراؤه .. ورؤيته وسماعه .. والتجارة فيه .. وإهداؤه .. وتأجير أصحابه، والمال الذي يحصل من ذلك كله سحت وحرام لا يحل لصاحبه. 1 - قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطفِّفين:14]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ -وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ-: «إِنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الحَرَامِ كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِى الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.

- حكم ترويج السلع بالهدايا: الهدايا والجوائز المقدمة من الأسواق والمحلات التجارية لمن يشتري من بضائعهم محرمة، وهي من القمار -الذي هو الميسر- الذي حرمه الله؛ لما فيه من المفاسد العظيمة. ففي تلك الهدايا المغرية أكل لأموال الناس بالباطل بجر الناس لشراء ما لا يحتاجون من محرم أو حلال .. وإغراء للناس بالشراء منهم دون غيرهم .. وقطع لأرزاق الآخرين .. وكسر للتجار الصغار. والجائزة التي يأخذها المشتري منهم محرمة؛ لكونها من الميسر الذي حرمه الله عز وجل، وحذرنا منه. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة:90 - 91]. - حكم بيع الاسم التجاري: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف، والاختراع، حقوق خاصة لأصحابها، ولها قيمة مالية معتبرة، فلا يجوز الاعتداء عليها، أو التصرف فيها إلا بإذن أهلها. ويجوز نقل أيّ منها بعوض مالي يُدفع لأصحابها إذا انتفى الغرر والتدليس والغش.

- حكم بيع أو تأجير أرض المشاعر: أرض منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد لعموم المسلمين، فلا يجوز بيعها أو تأجيرها، ومن فعل ذلك فهو عاص آثم ظالم، والأجرة عليه حرام، ومن دفعها محتاجاً فلا إثم عليه. - حكم التعامل مع البنوك الربوية: 1 - إن كان البيع والشراء على وفق الشرع فهذا جائز؛ لتعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود وهم أكلة الربا. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ. متفق عليه (¬1). 2 - إن كان البيع والشراء بمعاملات ربوية فهذا محرم. 3 - إذا لم يجد المسلم مصرفاً إسلامياً، وخاف على نفسه وماله، فيجوز له الإيداع عند البنوك الربوية مؤقتاً من دون أخذ الربا. - حكم التأمين: التأمين قسمان: الأول: التأمين التعاوني: وهو أن يتفق مجموعة من الأقارب، أو الأصدقاء، أو الزملاء على أن يدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، لتعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تعرض لخطر معين من مرض، أو خسارة، أو احتراق. فهذا جائز؛ لأنه من عقود التبرعات، ومن التعاون على البر، إذا حصل ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2068) , واللفظ له، ومسلم برقم (1603).

التراضي، وطابت به النفوس. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». متفق عليه (¬1). الثاني: التأمين التجاري: وهو عقد يُلزَم فيه المؤمِّن أن يدفع للمؤمَّن له عوضاً مادياً يُتفق عليه عند وقوع خطر أو خسارة، مقابل رسم مالي يؤديه المؤمَّن له. وهذا التأمين بجميع أنواعه محرم؛ لما فيه من الغرر والجهالة، والغبن والربا، وهو ضرب من الميسر، وأكل لأموال الناس بالباطل. والغرر في التأمين كثير؛ لأن من أركان التأمين الخطر، والخطر حادث محتمل الوقوع، لا محقق الوقوع، وغير معروف وقوعه. ويمكن الاستغناء عنه بالتأمين التعاوني القائم على التبرع، وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس، والذي يسعى إلى الربح. فلا يجوز هذا التأمين بكل أنواعه، سواء كان على النفس، أو على البضائع، أو الآلات، أو غيرها، ومن ألزم الناس به فعليه وزره. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6011) , ومسلم برقم (2586) , واللفظ له.

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم بيع الأصول والثمار: المراد بالأصول: الأراضي .. والدور .. والبساتين .. والحيوانات .. والآلات. فمن باع أرضاً دخل فيها كل ما اتصل بها من غراس، وبناء ونحوهما. ومن باع داراً دخل في البيع بناؤها وفناؤها، وما فيها من شجر مغروس، ولا يتناول ما فيها من كنز مدفون، ولا منفصل عنها كحبل، ودلو، وخشب ونحو ذلك. ومن باع حيواناً شمل جميع أجزائه، ومن باع آلة شمل جميع محركاتها وما اتصل بها لمصلحتها، ولا يشمل ما على ظهرها إلا أن يشترطه المشتري. - حكم بيع البساتين: 1 - إذا باع الإنسان أرضاً فيها نخل أو شجر: فإن كان النخل قد أُبِّر -أي لُقِّح-، والشجر ثمره باد، فهو للبائع إلا أن يشترطه المشتري فهو له. وإن كان النخل لم يؤبَّر، أو الشجر لم يظهر طلعه فهو للمشتري. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ». متفق عليه (¬2). 2 - لا يجوز ولا يصح بيع ثمر النخيل أو غيرها من الأشجار حتى يبدو صلاحها ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1513). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2204) , واللفظ له، ومسلم برقم (1543).

بأن تحمر، أو تصفر، أو تلين، أو تظهر حلاوتها، أو يبدو نضجها، ولا يصح بيع الزرع قبل اشتداد حبه. 3 - لا يجوز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا يجوز بيعها بعد ظهورها قبل بدو الصلاح. ويجوز بيعها بعد بدو الصلاح، وقبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، أو باع الثمار مع الأصل، أو باع الزرع والشجر مع الأرض. 4 - إذا اشترى أحد ثمرة وتركها إلى الجذاذ أو الحصاد بلا تأخير ولا تفريط، ثم أصابتها آفة سماوية كالريح والبرد فأتلفها، فللمشتري أن يرجع بالثمن على البائع، وإن أتلفها المشتري لزمته. وإن أتلفها آدمي خُيِّر المشتري بين الفسخ، أو الإمضاء ومطالبة من أتلفها بالبدل أو الثمن. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ، نَهَى البَائِعَ وَالمُشْتَرِيَ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قال: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أرَأيْتَ إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مَالَ أخِيهِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2194) , واللفظ له، ومسلم برقم (1534). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1535). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2198) , واللفظ له، ومسلم برقم (1555).

- حكم ترك الثمار بعد بدو الصلاح: من اشترى ثماراً بعد بدو الصلاح، وتركها أكثر من العادة، فإن كان الترك بإذن البائع جاز وطاب له الفضل، وإن كان بغير إذنه تحمل الضرر المشتري، ودفع ما زاد للبائع إلا أن يسامحه البائع فيحل له. وإن أخرجت الشجرة في مدة الترك ثمرة أخرى فهي للبائع؛ لأنها نماء ملك البائع. - حكم بيع الثمار المتلاحقة: إذا باع ثمراً وزرعاً بعد بدو صلاحه، وكان يغلب تلاحقه وتكاثره كتين، وقِثّاء، وبطيخ وبقول، فالبيع صحيح في الكل؛ عملاً بحسن الظن بالله تعالى، ولأن ذلك يشق تمييزه، فيُجعل ما لم يظهر تبعاً لما ظهر، كما أن ما لم يبد صلاحه تبعاً لما بدا. - حكم الجوائح: الجائحة: هي كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح الشديدة، والبرد القارس، والحر الشديد، والجراد ونحو ذلك من الآفات السماوية، وما حصل بفعل الآدمي لا يسمى جائحة. ومحل الجوائح هو البقول والثمار، ولا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها. - حكم وضع الجوائح: الجوائح لها حالتان: الأولى: إن وقعت الجائحة قبل القبض فهو من ضمان البائع: 1 - عَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ بِعْتَ مِنْ

أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ. أخرجه مسلم (¬2). الثانية: إذا وقعت الجائحة بعد القبض: إذا هلك المبيع بعد القبض سواء كان ذلك بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل البائع، أو بفعل أجنبي، فإن البيع لا ينفسخ، ويكون هلاكه على ضمان المشتري؛ لأنه خرج من عهدة البائع بقبض المشتري له، ويرجع المشتري بالضمان على الأجنبي إن كان التلف بسببه. وإن باعها البائع مع أصلها، ثم تلفت بجائحة فهي من ضمان المشتري، والبيع نافذ، سواء كان قبل القبض أو بعده. - حكم بيع الصفقة: الصفقة: هي أن يبيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه، في صفقة واحدة، بثمن واحد. وبيع الصفقة له ثلاث صور: الأولى: أن يبيع معلوماً ومجهولاً: كأن يقول بعتك هذا الجمل، وما في بطن هذه الناقة بكذا، فهذا البيع باطل. الثانية: أن يبيع حلالاً وحراماً: كأن يقول بعتك هذا الخل والخمر بكذا، فهذا البيع باطل. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1554). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1554).

الثالثة: أن يبيع مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه: فيصح البيع في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار إن جهل الحال. - صاحب السلعة أحق بالسوم: إذا أراد الإنسان شراء شيء طلب من صاحبه بيان قيمته. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ». متفق عليه (¬1). - صفة تسليم السلعة والثمن: الأصل أن البائع يسلِّم المشتري السلعة، ثم يقبض منه الثمن، وإن قال البائع لا أسلِّم السلعة حتى أقبض ثمنها، وقال المشتري لا أسلم الثمن حتى أقبض السلعة، فهذا يُجعل بينهما عدل يقبض منهما، ويسلِّم إليهما. فإن أبيا ذلك أجبر الحاكم البائع على تسليم المبيع، ثم أجبر المشتري على تسليم الثمن. - مقدار الربح في التجارة: ليست الأرباح في التجارة محددة، بل تتبع أحوال العرض والطلب كثرة وقلة، ونوعية المبيع وجودته، وقلته وكثرته، لكن يحسن بالمسلم أن يكون سهلاً سمحاً في جميع معاملاته، وفي بيعه وشرائه، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويتخلق بخلق السماحة والقناعة، ولا يتمادى في الجشع والطمع، ويجتنب الكذب والغرر والضرر. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2106) , واللفظ له، ومسلم برقم (524).

سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه (¬2). - حكم البيع والشراء من الكفار: الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله من المسلم أو الكافر، وقد اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من أهل الكتاب. فإن عدل المسلم عن الشراء من المسلم من غير سبب من غش، أو رفع سعر، أو رداءة سلعة، إلى محبة الشراء من كافر، وإيثاره من دون مبرر. فهذا الفعل محرم لا يجوز؛ لما فيه من موالاة الكفار، وإيثارهم بالمنافع على إخوانه المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]. 2 - وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ، بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْعاً أمْ عَطِيَّةً؟ أوْ قال: أمْ هِبَةً». قال: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. متفق عليه (¬3). - حكم مزاولة النساء التجارة: المرأة كالرجل في حق التملك والتجارة، والأصل إباحة الاكتساب والتجارة للرجال والنساء في كل مال حلال. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2076). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (57) , واللفظ له، ومسلم برقم (56). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2216) , واللفظ له، ومسلم برقم (2056).

ويجب على المرأة حسن الاحتشام، وعدم إبداء زينتها أمام الرجال، وعدم الخلوة مع أحدهم. فإن كانت مزاولة التجارة تُعَرِّض المرأة لكشف زينتها، أو سفرها بدون محرم، أو خلوتها بأحد الرجال، فالواجب منعها؛ لارتكابها محرماً في سبيل تحصيل مباح، ولما يحصل بسبب ذلك من الفتنة، وفساد الدين، والخلق، لها ولغيرها. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. - شراء الإنسان حوائجه بنفسه: الأحسن للإنسان أن يشتري حوائجه بنفسه إلا لعذر، فلا يمنعه منصبه أو جاهه أو إمارته من مخالطة الناس، ومعرفة ما يجري وما يباع، ورؤية الفقراء ومواساتهم، وإفشاء السلام، ونصح المسلمين. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالت: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. متفق عليه (¬1). - فضل الاستقامة مع التجارة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:9 - 10]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2096) , واللفظ له، ومسلم برقم (1603).

2 - وقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)} [النور:36 - 38]. 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: أقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2064) , واللفظ له، ومسلم برقم (863).

2 - الخيار

2 - الخيار - أقسام البيوع: تنقسم البيوع إلى قسمين: بيوع مباحة .. وبيوع محرمة. فالبيوع المباحة تنقسم إلى أقسام كثيرة كبيع الخيار، والسَّلَم، والصرف، والأصول، والثمار وغير ذلك من البيوع التي شرعها الله لعباده. والبيوع المحرمة تنقسم كذلك إلى أقسام كثيرة كبيع الربا، وبيوع الغرر وغير ذلك من البيوع التي حرمها الله ورسوله؛ لما فيها من الضرر والغرر والجهالة والظلم. - الخيار: هو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء. والأصل في البيع اللزوم؛ لأن القصد منه نقل الملك، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقاً بالمتعاقدين. - حكمة مشروعية الخيار: الخيار في البيع من محاسن الإسلام، إذ قد يقع البيع بغتة من غير تفكير ولا تأمل، ولا نظر في القيمة والسلعة، فيندم أحد المتبايعين أو كلاهما. من أجل ذلك أعطى الإسلام فرصة للتروِّي تسمى الخيار، يتمكن المتبايعان أثناءها من اختيار ما يصلح وما يناسب من إمضاء البيع أو فسخه. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا،

وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». متفق عليه (¬1). - أقسام الخيار: ينقسم الخيار إلى أقسام كثيرة وأشهرها عشرة وهي: خيار المجلس .. والشرط .. والغبن .. والتدليس .. والعيب .. والخيانة .. وخيار الاختلاف في الثمن .. وخيار تفرق الصفقة .. وخيار الإعسار .. وخيار الرؤية. 1 - خيار المجلس: وهو حق للمتبايعين معاً، فإذا تفرقا لزم البيع، وإن أسقطاه سقط، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر. ومدته: من حين العقد إلى التفرق بالأبدان، وتحرم الفرقة من المجلس خشية أن يستقيله. ويثبت خيار المجلس في البيع، والصلح، والإجارة، وغيرها من العقود التي يُقصد منها المال، أما العقود اللازمة التي لا يُقصد منها المال مثل عقد الزواج والخلع فلا يثبت فيها خيار المجلس، وكذلك لا يثبت في العقود غير اللازمة كالوكالة، والشركة، والمضاربة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعاً، أوْ يُخَيِّرُ أحَدُهُمَا الآخر، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2079) , واللفظ له، ومسلم برقم (1532). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2112) , واللفظ له، ومسلم برقم (1531).

2 - خيار الشرط: وهو أن يشترط المتبايعان أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة. فيصح هذا الخيار ولو طالت. ومدته: من حين العقد إلى أن تنتهي المدة المشروطة، ومتى انقضت المدة المعلومة ولم يفسخ العقد لزم البيع. ويسقط الخيار بإسقاطهما له بعد العقد، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر، وينقطع بموت أحدهما، ويسقط الخيار بالقول، كما يسقط بتصرف المشتري في المبيع ببيع، أو وقف، أو هبة؛ لأن ذلك دليل رضاه. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ يَكُونُ البَيْعُ خِيَاراً». متفق عليه (¬1). 3 - خيار الغبن: وهو أن يُغبن البائع أو المشتري في السلعة غبناً يخرج عن العادة، وهذا الغبن محرم؛ لما فيه من الغش والجشع والظلم. فإذا غُبن أحدهما فهو بالخيار بين الإمساك أو الفسخ، كمن انخدع بمن يتلقى الركبان، أو بزيادة الناجش الذي لا يريد الشراء، أو كان يجهل القيمة، أو لا يحسن المماكسة في البيع. فيثبت الخيار لكل مغبون في مثل هذه الصور، وهو مخير بين أن يُمضي البيع ويفوض أمره إلى الله، وأن يرد المبيع ويأخذ قيمته، وأن يأخذ قدر ما غُبن به. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2107) , واللفظ له، ومسلم برقم (1531).

4 - خيار التدليس: وهو أن يُظهر البائع السلعة بمظهر مرغوب فيه وهي خالية منه، مثل إبقاء اللبن في الضرع عند البيع ليوهم المشتري بكثرة اللبن ونحو ذلك. وهذا الفعل محرم؛ لما فيه من الغش والكذب والخداع، فإذا وقع ذلك فهو بالخيار بين الإمساك أو الفسخ، وإذا حلبها ثم ردها، رد معها صاعاً من تمر عوضاً عن اللبن. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا الغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ». متفق عليه (¬1). 5 - خيار العيب: والعيب كل ما يُنقص قيمة المبيع، فإذا اشترى الإنسان سلعة، ثم وجد بها عيباً فهو بالخيار: إما أن يردها ويأخذ الثمن، أو يمسكها ويأخذ أرش العيب، فتقوَّم السلعة سليمة، ثم تقوَّم معيبة، ثم يأخذ الفرق بينهما. وإن اختلفا عند من حدث العيب كعرج وفساد طعام ونحوهما، فقول بائع مع يمينه إن لم تكن بينة لأحدهما. ويحرم على البائع أن يبيع سلعة بها عيب دون بيانه للمشتري؛ لما في ذلك من الغش لأخيه المسلم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2150) , واللفظ له، ومسلم برقم (1515).

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (¬1). 6 - خيار الخيانة: وهو أن يخبر بالثمن بخلاف الواقع، أو ظهر أنه أقل مما أخبر به، كما لو باعه ساعة بمائة، فجاءه رجل وقال: بعنيه برأس ماله، فقال له: رأس ماله مائة وخمسون، فباعه عليه بذلك، ثم تبين كذب البائع، فللمشتري الخيار بين الإمساك وأخذ الفرق، أو الفسخ وأخذ القيمة. ويثبت هذا الخيار في بيع التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة. ولا بد في جميعها من معرفة البائع والمشتري رأس المال. وهذا البيع محرم؛ لما فيه من الخيانة والكذب. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)} [الأنفال:27 - 28]. 7 - خيار الخلاف في السلعة أو الثمن: وهو أن يختلف المتبايعان في قدر الثمن، أو عين المبيع، أو صفته، أو مقداره، ولم تكن بينة لأحدهما، فالقول قول البائع مع يمينه، ويخير المشتري بين القبول أو الفسخ. 8 - خيار تفرق الصفقة: كأن يبيع مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه، فيصح البيع في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار إن جهل الحال. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (101).

9 - خيار الإعسار: وهو أن يظهر للبائع أن المشتري معسر أو مماطل، فللبائع الخيار بين إمضاء البيع، أو الفسخ حفاظاً على ماله. 10 - خيار الرؤية: وهو أن يشتري شيئاً لم يره وله الخيار إذا رآه، فإذا رآه فهو بالخيار إن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن، وإن شاء رده. وكذا لو باع البائع ما لم يره، ووصفه للبائع، فله الخيار إذا رآه، إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخ البيع. - خطر الغش: الغش محرم في كل شيء، ومع كل أحد، وفي كل معاملة. فهو محرم في المعاملات كلها، ومحرم في الأعمال المهنية، ومحرم في الصناعات، ومحرم في العقود والبيوع وغير ذلك؛ وذلك لما فيه من الكذب والخداع، ولما يسببه من الخصام والعداوة والبغضاء، فلا يليق بالإنسان فضلاً عن المسلم فعله. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (¬1). - أنواع العيوب في البيع: العيوب في البيع تنقسم إلى قسمين: عيوب مؤثرة في ذات المبيع، وعيوب مؤثرة في كمال المبيع. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (102).

1 - العيوب المؤثرة في ذات المبيع: هي العيوب التي تمنع من المنافع الموجودة في السلعة كأن يبيعه بقرة مريضة، أو سيارة بها عطل، ولا يخبره بالعيب، أو يبيعه أرضاً على أن لها وثيقة معتبرة، ثم يظهر أن الوثيقة مزورة، فللمشتري في مثل هذه الصور الحق في إبطال البيع، ورد السلعة، وأخذ الثمن؛ لأنه عيب يمنع الانتفاع. 2 - عيوب الكمالات: فالكمالات هي الأوصاف التي تزيد في قيمة السلعة وجمالها كأن يشترط عليه سيارة على صفة كذا، أو لونها كذا، فإذا لم توجد المواصفات، فللمشتري الخيار في إمضاء البيع، أو فسخه ورد السلعة، وأخذ الثمن. - حكم البيع المطلق: إذا أعطى أحد سلعة لرجل وقال له: بعها بألف مثلاً، والزائد لك، فباعها بألفين، فهذا بيع محرم؛ لأنه إجارة بالمجهول، وإضرار بالسوق. ولو قال لصاحبها: أُصَرِّفها لك بما تيسر وآخذ مائة ريال جاز؛ لأن الأجرة معلومة، وكذا لو قال له صاحبها: بع هذه السلعة بألف ولك مائة ريال جاز. - حكم البيع بعد التفرق: يقع البيع لازماً بالتفرق بالأبدان إلا في حالتين: الأولى: أن يقول: بعتك هذه الدار بمائة ألف ريال، وليس لك خيار، ثم يقبل ذلك المشتري، فحينئذ يلزم البيع، ويسقط خيار المجلس. الثانية: أن يقول المشتري: قَبلت شراء هذه الدار بكذا على أن لي الخيار ثلاثة أيام، ويقبل ذلك البائع، فيبقى البيع معلقاً، فإذا تمت المدة فللمشتري أن

يمضي البيع أو يفسخه. - حكم تلف المبيع في مدة الخيار: إذا تلف المبيع في مدة الخيار فإن كان التلف قبل القبض انفسخ البيع، وضمنه البائع، وإن أتلفه المشتري كان من ضمانه، وإن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري. - طرق إسقاط الخيار: طرق إسقاط الخيار ثلاثة: 1 - الإسقاط الصريح: وهو أن يقول أحدهما: أسقطت الخيار أو أبطلته، أو رضيت بالبيع وقبلته، فهذا يُبطل الخيار، ويلزم البيع. 2 - الإسقاط دلالة: وهو أن يوجد ممن له الخيار تصرف يدل على إجازة البيع، وإثبات الملك. كالتصرف فيه بالبيع أو الهبة، أو الوقف، أو يسكن المشتري الدار المبيعة، أو يُحدث فيها بناءً؛ لأن هذه التصرفات دليل اختيار الملك. 3 - إسقاط الخيار بطريق الضرورة: فيسقط الخيار، ويصبح البيع لازماً بأمور: 1 - مضي مدة الخيار المتفق عليها، ولم يفسخ أحدهما العقد. 2 - هلاك المبيع في مدة الخيار قبل القبض يُبطل البيع، ويُسقط الخيار، وإن هلك بعد القبض لزم البيع، وضمنه المشتري. 3 - إذا أصاب من له الخيار جنون أو إغماء ونحوهما مما يزول به العقل. - شروط ثبوت خيار العيب: يشترط لثبوت خيار العيب ما يلي:

ثبوت العيب قبل التسليم .. جهل المشتري بوجود العيب عند العقد والقبض .. عدم اشتراط البراءة من العيب في البيع .. ألا يزول العيب قبل الفسخ .. ألا يكون العيب طفيفاً تمكن إزالته دون مشقة. - أوجه الرد بالعيب: الرد بالعيب على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يرد المشتري السلعة على البائع، ويأخذ الثمن كله. وهذا إذا كانت السلعة على حالها، ولم يحدث بها عيب عند المشتري، ولم يعلم بالعيب، ولم يرض به، فهذا له الخيار بأخذها أو ردها. الثاني: ليس له أن يردها، ولكن له أن يرجع بنقصان العيب، وهذا فيما إذا حدث فيها عيب آخر عنده. الثالث: ليس له أن يردها، ولا يرجع بنقصان العيب، وهذا إذا كان قد علم بالعيب وقت الشراء، أو رضي به بعده. وإذا أراد المشتري رد السلعة على البائع بسبب العيب حلف بالله أنه لم يعلم بالعيب وقت الشراء، ولم يرض به حين علم. - الفرق بين السلم والاستصناع: السلم أو السلف: هو بيع آجل بعاجل، يُقدّم فيه الثمن، ويؤخر المبيع. وعقد الاستصناع: عقد مع ذي صنعة على عمل شيء معين. وتكون مادة الصنع من الصانع كالاتفاق على صنع أواني، أو أحذية ونحوهما.

فإن كانت العين من المستصنع لا من الصانع، فإن العقد يكون إجارة لا استصناعاً. وينعقد الاستصناع بالإيجاب والقبول بين الطرفين. وهو عقد لازم يشبه السلم؛ لأنه بيع معدوم، لكن أجيز للحاجة إليه، ويفترق عنه من حيث أنه لا يجب فيه تعجيل الثمن، فيكفي فيه العربون. والباعث على عقد السلم شدة حاجة البائع إلى نقود، والباعث على عقد الاستصناع رغبة وحاجة المستصنع. - شروط عقد الاستصناع: 1 - العلم بالثمن جنساً، ونوعاً، وقدراً، وصفة. 2 - العلم بالمصنوع جنسه، ونوعه، وقدره، وصفته. والاستصناع كالسلم في ذلك؛ لأن كلاًّ منهما مبيع، والمبيع يشترط كونه معلوماً غير مجهول. 3 - أن يكون المصنوع مباحاً مما يجري فيه تعامل الناس كالثياب والأحذية والآلات؛ لأن العبرة في العقود المقاصد النافعة.

3 - السلم

3 - السَّلَم - السلم: هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد. فهو بيع عُجِّل ثمنه، وأُجِّل مثمنه، وبيع آجل بعاجل. كأن يعطيه ألف ريال على أن يسلمه مائة كيلو من تمر العجوة بعد سنة. ويسمى السلف تارة .. والسلم تارة. - أحوال البيع والشراء: البيع له ثلاثة أحوال: الأولى: أن يدفع البائع السلعة للمشتري، ويأخذ الثمن، وهو البيع الحال. الثانية: أن يقدم البائع السلعة، ويؤخر المشتري الثمن، وهو بيع الأجل. الثالثة: أن يقدم المشتري الثمن، ويؤخر البائع السلعة، وهو بيع السلم. وقد أباح الله عز وجل هذه الصور الثلاث رفقاً بالناس، وتيسيراً عليهم في معاملاتهم، البائع والمشتري على حد سواء. - حكم السلم: السلم عقد جائز، وإذا تم بشروطه لزم البائع والمشتري. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة:282]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ، فَقال: «مَنْ أسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ

مَعْلُومٍ، إِلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية السلم: أباح الله السلم رحمة بالناس، وتيسيراً على المحتاجين، فكما يجوز تأجيل الثمن في البيع، يجوز تأجيل المبيع في السلم، ومتى كان المبيع معلوماً وموصوفاً ومضموناً، وكان المشتري على ثقة من توفية البائع المبيع عند حلول الأجل، كان المبيع ديناً من الديون التي يجوز تأجيلها؛ لانتفاء الغرر والجهالة. - أقسام البيع: ينقسم البيع بالنسبة للبدلين إلى أربعة أقسام: الأول: البيع المطلق: وهو بيع السلع بالدراهم والدنانير ونحوهما. الثاني: بيع المقايضة: وهو بيع العين بالعين نحو بيع الجمل بالسيارة، وبيع الثوب بالحنطة. الثالث: بيع الصرف: وهو بيع النقد بالنقد، وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق، وهو الدراهم والدنانير، والريالات والدولارات ونحو ذلك من العملات المتداولة. الرابع: بيع السلم: وهو بيع الدين بالعين. فإن المُسْلَم فيه بمثابة المبيع وهو دين، ورأس المال بمثابة الثمن المسلم فهو عين. ولا يشترط القبض في النوعين الأولين، ويشترط القبض في النوعين ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2240) , واللفظ له، ومسلم برقم (1604).

الأخيرين. ففي الصرف يشترط قبض البدلين، وفي السلم يشترط قبض أحد البدلين وهو ثمن السلعة المؤجلة. - شروط صحة السلم: يشترط في صحة السلم ما يشترط في البيع. ويشترط للسلم شروط زائدة على شروط البيع لضبطه، وهي نوعان: شروط في الثمن .. وشروط في المسلم فيه. أما شروط الثمن فهي: أن يكون معلوم الجنس .. معلوم المقدار .. وأن يسلم في مجلس العقد. وأما شروط المسلم فيه فهي: أن يكون المبيع في الذمة .. وأن تُعلم صفته ومقداره .. وأن يكون الأجل معلوماً. ولا يشترط في السلم أن يكون المسلم إليه مالكاً للمسلم فيه، بل يراعي وجوده عند حلول الأجل. ويجوز أخذ غير المسلم فيه عوضاً عنه مع بقاء عقد السلم؛ لأنه عوض مستقر في الذمة، فجازت المعاوضة عنه كسائر الديون من قرض وغيره. - ما يجوز فيه السلم: يجوز السلم في أربعة أشياء: المكيلات .. والموزونات .. والمعدودات .. والمذروعات.

فالمكيلات: كالحبوب من بر وأرز ونحوهما. والموزونات: هي كل ما يُضبط بالوزن كالثمار والزيوت ونحوها. والمعدودات: هي كل سلعة تضبط بالعدد مع التساوي، كالسيارات، والآلات، والمصنوعات، والحيوانات، والجوز ونحو ذلك. والمذروعات: كالأقمشة، والأراضي ونحو ذلك. 1 - عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثّمَارِ، السّنَةَ وَالسّنَتَيْنِ فَقَالَ: «مَنْ أسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَليُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إيّاهُ، إنّ خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2239) , ومسلم برقم (1604). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1600).

4 - الربا

4 - الربا - أصول البيوع المحرمة: أصول البيوع التي حرمها الله ورسوله هي: 1 - أن يكون المبيع محرم العين كالخمر، والخنزير، والأصنام. 2 - أن يكون البيع من بيوع الربا. 3 - أن يكون البيع من بيوع الغرر. 4 - أن يشتمل البيع على شرط يؤول إلى الربا، أو إلى الغرر، أو إليهما معاً. 5 - أن يكون الشرط مناقضاً لمقتضى العقد. فهذه الأصول تجمع البيوع المحرمة. - الربا: هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا. - أحكام المعاملات المالية: المعاملات المالية لها ثلاثة أحكام: عدل .. وفضل .. وظلم. فالعدل هو البيع، والفضل هو الإحسان والصدقة، والظلم هو الربا ونحوه. 1 - قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. 2 - وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة:261].

- أقسام المحرمات: المحرمات في الشرع قسمان: الأول: محرم لعينه كالنجاسات من الدم، والميتة، والخنزير ونحوها. الثاني: محرم لحق الغير: وهو ما جنسه مباح من المطاعم والمشارب، والمساكن والملابس، والمراكب والأموال ونحوها. وهذه إنما تَحْرم لأمرين: أحدهما: أَخْذها بغير طيب نفس صاحبها، ولا إذن الشارع فيها، بطريق السرقة أو الغضب أو الخيانة، وهذا هو الظلم المحض. الثاني: أَخْذها بغير إذن الشارع -وإنْ أذن صاحبها-، وهي العقود والقبوض المحرمة كالربا والميسر ونحوهما. والواجب على من حصلت بيده هذه الأموال ردها إلى أصحابها. فإن لم يعلم صاحبها فإتلافها إضاعة لها، وهو محرم، وحبسها مع أنه لا يرجى معرفة صاحبها أشد حرمة من إتلافها. فتعين إنفاقها في جهات البر والخير التي تنفع الناس، فإن الله خلق الخلق لعبادته، وخلق الأموال ليستعينوا بها على طاعته. - حكم الربا: الربا من كبائر الذنوب، وهو محرم في جميع الأديان السماوية؛ لما فيه من عظيم الأضرار، وكثير الأخطار. 1 - قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً

وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران:130]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). - أنواع الربا: الربا المحرم في الإسلام نوعان: الأول: ربا النسيئة: وهو أصل الربا، ولم تكن العرب في الجاهلية تعرف سواه، وهو الذي كانوا يأخذونه بسبب تأخير قضاء دين مستحَق إلى أجل جديد، وقد ثبت تحريمه بالقرآن والسنة. وهو الذي حذرهم الله منه بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران:130]. الثاني: ربا البيوع: ويسمى ربا الفضل، وقد حُرِّم سداً للذرائع؛ لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، لاشتماله على زيادة بدون عوض. وهو بيع النقود بالنقود مع الزيادة، أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وقد ثبت تحريمه بالسنة. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الذّهَبَ بِالذّهَبِ وَلاَ الوَرِقَ بِالوَرِقِ، إلاّ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2176) , ومسلم برقم (1584) , واللفظ له.

- حكم عقد الربا: عقد الربا سواء كان ربا النسيئة، أو ربا الفضل، كل ذلك محرم وباطل، وكل ما بني على الباطل فهو باطل. فيجب على المسلم الحذر منه؛ لئلا يتعرض لسخط الله ولعنته وعقوبته، وتتعرض أمواله للمحق والدمار. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:278 - 279]. 2 - وقال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} [البقرة:276]. 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم العقود الفاسدة والمحرمة: جميع العقود الباطلة والفاسدة منهي عنها، ويحرم تعاطيها والتعامل بها، ولا ينتقل المُلك فيها ولو تراضيا؛ لأن ما بني على الباطل فهو باطل. ومن فعل ذلك فهو آثم؛ لأنه فَعَل ما لا يجوز له فعله، ويجب رد كل مال إلى مالكه ولو قبض، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه، وعليه رده بنمائه، وللمشتري أجرة مثله مدة مكثه عنده، ويضمنه إن تلف أو نقص كغيره. وإن باع السلعة المملوكة بعقد فاسد لم يصح البيع؛ لأنه باع ملك غيره بغير ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1598).

إذنه، وعلى المشتري رده. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. - حكم عقود الجاهلية: كل عقد وافق الشرع فهو صحيح، والعقود الفاسدة والمحرمة لها حالتان: 1 - ما مضى منها في حال الكفر، وقَبَضه المتعاقدان قبل الإسلام. فهذا يُقرّان على ما مضى منه؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} [البقرة:275]. 2 - ما مضى من الربا حال الكفر ولم يقبضه، فلا يحل له أخذه بعد الإسلام. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:278 - 279]. - حكمة تحريم الربا: الربا من كبائر الذنوب، وقد حرمه الله ورسوله لما فيه من الأضرار العظيمة على الناس، فهو يسبب العداوة بين الناس .. ويقتل مشاعر الشفقة والرحمة في الإنسان .. وينزع فضيلة التعاون والتناصر بين الناس .. ويؤدي إلى تضخم

أموال الأغنياء على حساب سلب مال الفقير. وفيه ظلم للمحتاج .. واستغلال لحاجته، وتسلط الغني على الفقير .. وإغلاق باب الصدقة والإحسان بين الناس. والربا أكل لأموال الناس بالباطل .. ونصب وظلم واحتيال على الخلق. وفيه تعطيل للمكاسب، والتجارة، والصناعة، وما يحتاجه الناس. فالمرابي بالربا يزيد ماله بدون تعب، فيترك التجارة والمصالح التي ينتفع بها الناس، فتفسد الحياة، ويضطرب الأمن، وترتفع الأسعار، وما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم:39]. 2 - وقال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} [البقرة:276]. - أقسام الربا: الربا ينقسم إلى قسمين: ربا النسيئة .. وربا الفضل. القسم الأول: ربا النسيئة: وهو الزيادة التي يأخذها البائع من المشتري مقابل التأجيل. كأن يعطيه مائة ألف جنيه نقداً، على أن يردها عليه مائة وعشرة آلاف بعد سنة. ومن صور ربا النسيئة:

1 - قلب الدين على المعسر: بأن يكون له مال مؤجل على رجل ببيع أو قرض، فإذا حل الأجل قال له: أتقضي أم تربي؟ فإن وفّاه ماله، وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد ذاك في المال، فيتضاعف المال على المدين، ويتراكم حتى يرهقه. وهذا هو أصل الربا في الجاهلية، فحرمه الله عز وجل، وأوجب إنظار المعسر، ورغَّب في الإحسان إليه، وهو أخطر أنواع الربا؛ لعظيم ضرره، وشدة عقوبته. وقد اجتمع فيه الربا بأنواعه: ربا النسيئة .. وربا القرض .. وربا الفضل. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:278 - 280]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران:130]. 2 - ربا القرض: وهو أن يقرض البنك أو الشخص أحداً مبلغاً من المال بزيادة معلومة مقابل التأجيل، كأن يقرضه ألف ريال على أن يرده عليه بعد سنة ألفاً ومائة ريال مثلاً، أو على أقساط شهرية بفائدة معلومة.

وهذا النوع هو الشائع الآن في العالم، وهو حرام، وعقد باطل، وفاعله آثم. - حكم القروض المصرفية: أهم العمليات التي تجري في المصارف عمليتان، كلاهما محرم: الأولى: الإقراض بفائدة: بأن يعطي الإنسان ماله للمصرف ليأخذ عليه فائدة سنوية 5% مثلاً. وتسمى هذه العملية (الإيداع إلى أجل) وهي عملية ربوية محرمة. الثانية: الاقتراض بفائدة: بأن يقترض الشخص أو الشركة من المصرف مبلغاً من المال، على أن يرده بعد سنة بفائدة مقدارها 7% مثلاً. وهذه كذلك عملية ربوية محرمة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} [البقرة:275 - 276]. - حكم الزيادة على القرض: إذا أقرض الإنسان غيره شيئاً، واشترط عليه أن يرد أفضل منه، أو اشترط نفعاً على المستقرض كأن يسكنه داره شهراً مثلاً. فهذا الفعل محرم؛ لأنه قرض جر نفعاً فهو ربا، فإن لم يشترط المقرض، وبذل المستقرض النفع أو الزيادة بنفسه جاز وأُجِر على شكره المعروف من أخيه.

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقال: «أعْطُوهُ». فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنّاً فَوْقَهَا، فَقال: «أعْطُوهُ». فَقال: أوْفَيْتَنِي أوْفَى اللهُ بِكَ. قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬1). 3 - ربا التأجيل: وهو بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، مع تأخير قبضهما، أو قبض أحدهما، كبيع الذهب بالذهب مؤجلاً، والبر بالبر مؤجلاً. وكذا بيع جنس بآخر من هذه الأجناس مؤجلاً كالذهب بالفضة، أو البر بالشعير مؤجلاً. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالفِضّةُ بِالفِضّةِ، وَالبُرّ بِالبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالمِلحُ بِالمِلحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ». أخرجه مسلم (¬2). القسم الثاني: ربا الفضل: وهو بيع النقود بالنقود مع الزيادة، أو الطعام بالطعام مع الزيادة. فهو بيع ربوي بمثله مع زيادة في أحد المثلين. وربا الفضل محرم؛ لأنه وسيلة إلى ربا النسيئة، بل هو رباً حقيقي بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه يعتمد تارة على جهل الناس بأصناف الأنواع، وتارة يعتمد على استغلال حاجتهم إلى نوع معين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1601). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1587).

عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ بِلالٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أيْنَ هَذَا». قال بِلالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: «أوَّهْ أوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَل، وَلَكِنْ إِذَا أرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ به». متفق عليه (¬1). - ما يقع فيه الربا: الربا نوعان: الربا في الديون .. والربا في البيوع. 1 - الربا في الديون له صورتان: الأولى: أن يكون للإنسان مال مؤجل على آخر، فإذا حل الأجل ولم يتمكن من السداد، قلب الدين على المعسر مقابل زيادة الأجل. وهذا هو ربا النسيئة، وهو أصل ربا الجاهلية، وهو أخطر أنواع الربا؛ لعظيم ضرره، حيث اجتمع فيه الربا بأنواعه: ربا النسيئة، وربا الفضل، وربا القرض. ولهذا حرمه الله عز وجل، وأعلن الحرب على آكله. الثانية: أن يقرض الإنسان غيره مبلغاً من المال إلى أجل، على أن يرد عليه أكثر منه بعد حلول الأجل، كأن يقرضه ألف ريال على أن يرده عليه بعد سنة ألفاً وخمسمائة مثلاً. فهذا القرض محرم؛ لأن كل قرض جر منفعة فهو محرم، وإن بذل له المقترض زيادة بدون شرط فذلك مشروع؛ لأنه من حسن القضاء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2312) , واللفظ له، ومسلم برقم (1594).

2 - الربا في البيوع: وهو قسمان: 1 - ربا الفضل: وهو بيع المال الربوي بجنسه متفاضلاً كأن يبيعه جراماً من الذهب بجرامين منه مع التسليم في الحال. وهذا البيع محرم؛ لأنه وسيلة إلى ربا النسيئة. 2 - ربا النسيئة: وهو الزيادة التي يأخذها البائع من المشتري مقابل التأجيل. كأن يعطيه ألفاً نقداً على أن يرده بعد سنة ألفاً وخمسمائة مثلاً، أو يقلب الدين على المعسر مقابل التأجيل. وهذا أخطر وأعظم أنواع الربا. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} [آل عمران:130]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:278 - 279]. 3 - وَعَنْ أسَامَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا رِباً إِلا فِي النَّسِيئَةِ». متفق عليه (¬1). - علة الأموال الربوية: 1 - أصول الأموال الربوية ستة: الأول: الأثمان: وهما الذهب والفضة. الثاني: المطعومات: وهي: البر، والتمر، والشعير، والملح. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2179) , واللفظ له، ومسلم برقم (1596).

فالذهب والفضة أصول لغير المطعومات من الموزونات مثل الحديد، والنحاس، والرصاص وغيرها من الموزونات. والبر والشعير أصول للحبوب كالعدس، والفول، والأرز ونحوها من المطعومات من البقول والحبوب. والملح أصل للمطعومات المالحة .. والتمر أصل للمطعومات الحلوة. فكل شيء بِيع بمثله متفاضلاً من غير المطعومات إن كان يباع بالوزن فلا يجوز إلا مِثلاً بمثل، يداً بيد. وإن حوَّلته الصنعة فصار يباع بالعد لا بالوزن جاز بيعه متفاضلاً. 2 - يقاس على هذه الأصناف الستة كل ما وافقها في العلة، وهي: الثمنية: في الذهب والفضة، وفي الأربعة الباقية الكيل والطعم، أو الوزن والطعم. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالفِضّةُ بِالفِضّةِ، وَالبُرّ بِالبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالمِلحُ بِالمِلحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ». أخرجه مسلم (¬1). - أحكام ربا الفضل: 1 - إذا كان البيع في جنس واحد ربوي فإنه يحرم فيه التفاضل والنسأ كأن يبيع الإنسان ذهباً بذهب، أو براً ببر ونحوهما. فيشترط لصحة هذا البيع التساوي في الكمية، والقبض في الحال؛ لاتفاق ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1587).

البدلين في الجنس والعلة. 2 - إذا كان البيع في جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، واختلفا في الجنس، فإنه يجوز التفاضل، ويحرم النساء كأن يبيع ذهباً بفضة، أو براً بشعير ونحوهما، فيجوز التفاضل، لكن بشرط القبض في الحال؛ لأنهما اختلفا في الجنس، واتحدا في العلة. 1 - عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ». متفق عليه (¬1). 2 - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الفِضّةِ بِالفِضّةِ، وَالذّهَبِ بِالذّهَبِ، إلاّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الفِضّةَ بِالذّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذّهَبَ بِالفِضّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَداً بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ. متفق عليه (¬2). 3 - إذا كان البيع بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة جاز الفضل والنسأ كأن يبيعه طعاماً بذهب، أو براً بفضة ونحو ذلك، فيجوز التفاضل والتأجيل؛ لاختلاف البدلين في الجنس والعلة. 4 - إذا كان البيع بين جنسين ليسا ربويين جاز الفضل والنسأ فيجوز في كل شيء إلا الأموال الربوية كأن يبيع بعيراً ببعيرين، أو ثوباً بثوبين ونحو ذلك، فيجوز التفاضل والتأجيل، ونقداً ونسيئة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2177) , واللفظ له، ومسلم برقم (1584). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2175) , ومسلم برقم (1590) , واللفظ له.

5 - لا يجوز بيع أحد نوعي جنس بالآخر إلا أن يكونا في مستوى واحد في الصفة، فلا يباع الرطب بالتمر مثلاً؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، فيحصل التفاضل المحرم، ويستثنى من ذلك بيع العرايا للحاجة. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ. وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالكَرْمِ كَيْلا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِصَاحِبِ العَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ. متفق عليه (¬2). - حكم بيع الذهب المصوغ: يباع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، يداً بيد. ولا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه متفاضلاً لأجل جودة الصنعة في أحدهما، لكن يبيع ما معه بمثله، أو يبيعه بالدراهم، ثم يشتري المصوغ. عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ، وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، كَيْفَ شِئْتُمْ». متفق عليه (¬3). - حكم بيع الذهب بذهب مخلوط مع غيره: لا يجوز بيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كبيع الذهب بالذهب مع وجود الألماس في أحدهما، حتى يُفصل ويُعلم وزن الألماس ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2171) , واللفظ له، ومسلم برقم (1542). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2173) , ومسلم برقم (1539) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2175) , واللفظ له، ومسلم برقم (1590).

والذهب. عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اشْتْرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلاَدَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِيناراً، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصّلتُهَا، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لاَ تُبَاعُ حَتّى تُفَصّلَ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم أخذ الذهب للمشاورة عليه: من أخذ ذهباً من بائع ليريه أهله فله حالتان: 1 - إما أن يقول: آخذ هذا الذهب بمائة ريال، فإن أعجب الأهل رجعت وأعطيتك الثمن، فهذا ربا النسيئة، فيحرم. 2 - وإن أخذ الذهب، وأراه أهله فأعجبهم، فرجع ثانية إلى البائع، فساومه ثم نقده الثمن، فهذا البيع والشراء بهذه الصورة جائز لا حرج فيه. - العلة في المطعومات: العلة في المطعومات: الطعم مع الكيل أو الوزن. فلا يجوز بيع كيلو من السكر بكيلوين، لأنه مطعوم موزون، ولا يجوز بيع كيس من الأرز بكيسين؛ لأنه مطعوم موزون، وهكذا في كل مطعوم يكال أو يوزن لا يباع متفاضلاً مع اتحاد الجنس. لكن لو كان الطعام يباع بالعدد كالبطيخ فلا يجري فيه الربا، فيجوز بيعه مع التفاضل مع القبض في الحال كأن يبيعه بطيخة ببطيختين مع القبض في الحال، فإذا جرى العرف ببيعه بالوزن فلا يجوز بيعه إلا مثلاً بمثل بلا تفاضل، وكذلك لا يجوز بيع كرتون من البرتقال بكرتونين مثله؛ لأنه مطعوم ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1591).

موزون، لكن لو بيع بالعدد جاز التفاضل بشرط القبض في الحال. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا التّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا». فَقَالَ الرّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «هَذَا الرّبَا، فَرُدّوهُ. ثُمّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا». متفق عليه (¬1). - حكم بيع المعدود: 1 - كل ما يباع بالعدد، ولا يراعى فيه الوزن، يجوز بيعه متفاضلاً كالإبل، والسيارات، والآلات، والثياب، والأحذية وغير ذلك من المعدودات، لأن علة الربا في غير المطعومات إما الوزن والكيل، أو الثمنية. وهذه ليست موزونة، ولا مكيلة، ولا أثماناً للأشياء، فيجوز بيعها بجنسها أو بغيره، متفاضلة أو متساوية، بثمن عاجل أو آجل. 2 - إذا كان الشيء موزوناً من غير المطعومات كالحديد والنحاس ونحوهما، فلا يجوز بيعه إلا مثلاً بمثل، يداً بيد. ولو أن هذا الموزون أخرجَته الصنعة عن كونه موزوناً إلى كونه معدوداً غير الأثمان كالذهب والفضة، وذلك كالحديد إذا صُنع منه آلة، أو سيارة، أو أبواب، فهذا يجوز بيعه متفاضلاً، فيجوز بيع سيارة بسيارتين، وبيع باب ببابين، وبيع سيارة بثلاجة .. وهكذا في كل معدود غير الأثمان كالذهب والفضة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2312) , ومسلم برقم (1594) , واللفظ له.

- حكم بيع الحيوان باللحم: 1 - يجوز بيع الحيوان بالحيوان ما دام حياً، متساوياً أو متفاضلاً، سواء اتحد الجنس أو اختلف، كبيع شاة بشاة، أو بيع بعير ببعيرين، سواء كان البيع بثمن عاجل أو آجل؛ لأن الحيوان مال غير ربوي. 2 - إذا صار الحيوان المأكول موزوناً أو مكيلاً جرى فيه الربا، فيجوز بيع لحم الجنس الواحد ببعضه، بشرط التماثل، والحلول، والتقابض. ولا يجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم؛ لاتحاد الجنس والعلة، ويجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر، لاختلاف الجنس، لكن مع القبض في الحال .. وهكذا. 3 - لا يجوز بيع الحيوان باللحم إذا كان من جنسه؛ لوجود الجهالة والغرر في أحد البدلين، كبيع شاة حية بشاة مذبوحة. - شروط مبادلة الأموال الربوية: 1 - يحل التبادل عند اتحاد الجنس كذهب بذهب، أو حنطة بحنطة. وذلك بثلاثة شروط: التماثل في البدلين .. والحلول .. والتقابض. فإن اختل شرط حرم التبادل. أما بيع الرطب بالتمر، والحب الجديد بالقديم، فهو ممنوع شرعاً؛ لعدم تحقق المماثلة بين البدلين. 2 - يحل التبادل عند اختلاف الجنس، واتحاد العلة، كذهب بفضة، أو حنطة بشعير، متساوياً أو متفاضلاً.

وذلك بشرطين: الحلول بأن يكون العقد حالاً .. والتقابض في مجلس العقد. فإن اختل شرط حرم التبادل. 3 - يحل التبادل إذا اختلف الجنس والعلة: بأن يكون أحد البدلين من الأثمان كالذهب أو الفضة أو النقود الورقية، والآخر من المطعومات كالتمر أو الشعير أو البر ونحو ذلك. فهنا يجوز التبادل، والتفاضل، والتأجيل، كبيع صاع حنطة بعشر غرامات من الذهب، أو بدينار .. وهكذا. هذا حكم الأموال الربوية مع بعضها. 4 - أما إذا أُبدلت الأموال الربوية بغيرها كبيع معادن بذهب، وطعام بثياب، وسكر بنقود ورقية، ونحو ذلك. فهذا يجوز البيع مطلقاً، ولا يشترط التماثل، ولا التقابض، ولا الحلول؛ لأن العقد غير ربوي، لأن أحد العوضين مال غير ربوي، ولأن الجنس مختلف، والعلة مختلفة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «التّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالحِنْطَةُ بِالحِنْطَةِ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالمِلحُ بِالمِلحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ. يَداً بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، إلاّ مَا اخْتَلَفَتْ أَلوَانُهُ». أخرجه مسلم (¬1). - العلة في النقدين: العلة في جريان الربا في النقدين: الذهب والفضة، هي مطلق الثمنية، فكل ما ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1588).

يقوم مقامهما من العملات يأخذ حكمها، كالأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس، وتقوَّم بها الأشياء كالريال والجنيه ونحوهما. فالعملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة؛ لأنه ثمن معتبر مثلهما، فتجب الزكاة فيه، ويجري فيه الربا بنوعيه النسيئة والفضل. 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدّينَارَ بِالدّينَارَيْنِ وَلاَ الدّرْهَمَ بِالدّرْهَمَيْنِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهَبُ بِالذّهَبِ، وَالفِضّةُ بِالفِضّةِ، وَالبُرّ بِالبُرّ، وَالشّعِيرُ بِالشّعِيرِ، وَالتّمْرُ بِالتّمْرِ، وَالمِلحُ بِالمِلحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَداً بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَداً بِيَدٍ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم بيع الأوراق النقدية: الورق النقدي: نقد قائم بذاته، له حكم الذهب والفضة. والنقود المالية أجناس مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار كالريال، والجنيه، والدولار، والليرة، واليَنّ، والرُّبِّيَّة، واليورو، والدرهم، وغير ذلك من عملات الدول، وكل عملة من هذه العملات جنس مستقل بذاته، تجب فيه الزكاة، ويجري فيه الربا بنوعيه النسيئة والفضل كما يلي: 1 - إذا باع نقداً بجنسه كذهب بذهب، أو ورق نقدي بجنسه كريال بريال، وجب التساوي في المقدار، والقبض في الحال. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1585). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1587).

2 - إذا باع نقداً بنقد من غير جنسه كذهب بفضة، أو ريال سعودي بجنيه مصري، أو دولار أمريكي بِيَنٍّ ياباني ونحو ذلك، فهنا يجوز التفاضل في المقدار، ويجب التقابض في المجلس. 3 - إذا افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض، صح العقد فيما قُبض، وبطل فيما لم يُقبض كأن يعطيه ديناراً كويتياً ليصرفه بعشرة دراهم إماراتية، فلم يجد إلا خمسة دراهم، فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع. 4 - من صرف عشرة ريالات من الورق بتسعة من المعدن فهو مرابي، والإثنان شريكان في الإثم. - معنى الصرف: الصرف: هو بيع نقد بنقد، وهو جائز، سواء اتحد الجنس كصرف مائة ريال سعودي بمائة ريال مفرقة، أو اختلف الجنس كصرف دينار كويتي بريال قطري، أو دولار أمريكي بدرهم إماراتي. وسواء كان النقد من الذهب أو الفضة، أو من الأوراق النقدية المتعامل بها. - حكم التفرق قبل القبض في الصرف: لا يجوز للمتصارفين أن يتفرقا إلا بعد استلام كل منهما كامل المبلغ الذي يستحقه. فمن أراد صرف مائة ريال، ولم يجد في المحل أو المصرف إلا سبعين ريالاً، لا يجوز له أن يأخذ الموجود، ويترك الباقي ليستلمه فيما بعد؛ لأن هذا ربا، لأن بيع العملات وصرفها لا بد فيه من التقابض في مجلس العقد.

- حكم بطاقة الائتمان: يجوز إصدار بطاقة الائتمان المغطاة والتعامل بها إذا لم تتضمن شروطها دفع الفائدة الربوية عند التأخر في السداد، ويجوز البيع والشراء بها في السلع والذهب والعملات، ولا مانع من منح حاملها امتيازات غير محرمة كالتخفيض في الأسعار، وأخذ التاجر على مُصدِرها نسبة معينة مقابل تلك الخدمة. - حكم البيع والشراء من المرابي: البيع والشراء من المسلم قربة وطاعة لله؛ لأن فيها إعانة على البر والتقوى. ويجوز البيع والشراء من الكفار والمرابين إذا لم يتعارض مع الشرع، فلا حرج على الإنسان أن يتعامل مع الغير كالمرابي في السلع المنفكة، كما لو باع على المرابي سيارة أو طعاماً، فله أخذ القيمة؛ لأنها في مقابل عين مباحة يملكها. وكون المشتري يتعامل بالربا، لا يوجب سريان التحريم عليه، بل إثمه على كاسبه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتِ: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً لَهُ مِنْ حَدِيدٍ. متفق عليه (¬1). - مميزات المصارف الإسلامية: المصرف الإسلامي: مؤسسة مالية تقوم بجمع المال، وتنميته لصالح المشتركين، وفق الأصول الشرعية. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2251) , واللفظ له، ومسلم برقم (1603).

وأهم تلك الأصول الشرعية: اتباع قواعد الحلال والحرام في الإسلام .. واجتناب المعاملات الربوية .. والعقود المحظورة .. وتوزيع الأرباح حسب الاتفاق .. والتجارة في الأشياء المباحة .. ومساعدة أهل الحاجة عن طريق القرض الحسن .. وإمهال الغريم عند العسر .. وصرف الزكاة على من أصابه عسر أو ضيق من الأسر الفقيرة .. والتعاون بدعم الأعمال الخيرية التي تنفع المسلمين .. وتيسير فرص العمل للأمة .. وبناء المساكن وبيعها بأقل تكلفة .. والعدل في توزيع الأرباح. - حكم التعامل مع المصارف الإسلامية: المصرف الإسلامي يلتزم جانب الحلال في أعماله ومعاملاته، ويجتنب الحرام فيما يقوم به من عقود ومشاركة واستثمار، فالأجدر بالمسلم أن يودع فيه، ويقترض منه عند الحاجة، ويحوِّل بواسطته، ويشارك في مرابحاته؛ ليستفيد ويفيد، ويشجع إخوانه الصادقين. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. - حكم التعامل مع البنوك الربوية: 1 - يجب على المسلمين إذا احتاجوا إلى الإيداع والتحويل والاستثمار أن يكون بواسطة المصارف الإسلامية، فإن لم توجد جاز للضرورة الإيداع في غيرها، لكن بدون فائدة ربوية. 2 - يحرم على المسلم العمل في أي بنك أو مؤسسة تأخذ أو تعطي الربا؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، والمال الذي يأخذه العامل من البنك أو المؤسسة الذي يعمل فيه سحت وحرام يعاقب عليه إن لم يتب منه.

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الأموال الربوية بعد التوبة: إذا منَّ الله عز وجل على المرابي، وتاب إلى الله عز وجل، وله وعنده أموال مجتمعة من الربا، ويريد التخلص مها فلا يخلو من حالين: 1 - أن يكون الربا له في ذمم الناس لم يقبضه، فهذا يأخذ رأس ماله، ويترك ما زاد عليه من الربا. 2 - أن تكون أموال الربا مقبوضة عنده، فهذا ينقسم إلى قسمين: الأول: بالنسبة لمن دفع له الربا من مصرف ربوي أو غيره، فهذا لا يرد إليه المال، ولا يأكله؛ لأنه كسب خبيث، ولكن يتخلص منه بالتبرع به، أو جَعْله في مشاريع عامة نافعة كتعبيد الطرق، وبناء السدود، وحفر الآبار ونحو ذلك. الثاني: بالنسبة لمن قبض الأموال الربوية، فهذا له حالتان: 1 - أن يكون جاهلاً بأن هذه المعاملة محرمة، فتكون الأموال له، ولا شيء عليه كحديث عهد بالإسلام، ومن عاش في بادية بعيدة. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} [البقرة:275]. 2 - أن يكون عالماً بحرمة المعاملة الربوية، ثم تاب منها صادقاً فهي له؛ لأن الله لم يأمر برد الربا، وإنما أمر بعدم أخذه مستقبلاً. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1598).

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:278 - 279]. - عقوبة آكل الربا: الربا من الذنوب العظيمة التي حذرنا الله ورسوله منها، وقد أعلن جل جلاله الحرب على آكله وموكله من بين سائر الذنوب. فالمرابي جان على نفسه وعلى الأمة، فعقوبته غليظة في الدنيا والآخرة فهو معاقب بحرب من الله ورسوله .. ولعنِ الله له .. ومحق أمواله الربوية .. ونقصان أمواله .. والعذاب في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:278 - 279]. 2 - وقال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} [البقرة:276]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89).

وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل التوبة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} [الزُّمَر:53 - 55]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} [المائدة:39]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النساء:17 - 18]. 4 - وعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فَلاةٍ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم قم (1598). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6309) , واللفظ له، ومسلم برقم (2747).

5 - القرض

5 - القرض - القرض: هو دَفْع مال لمن ينتفع به ويرد بدله؛ ابتغاء وجه الله. أو يقرضه مالاً، ولا يطلب منه رده؛ ابتغاء وجه الله تعالى. - حكمة مشروعية القرض: القرض الحسن قربة يتقرب بها المسلم إلى ربه؛ لما فيه من الرفق بالناس، ومواساة المحتاجين، وتيسير أمور الناس، وتفريج كُرَبهم، وكلما كانت الحاجة أشد كان الثواب أعظم. - فضل القرض: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة:245]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم القرض: 1 - القرض مستحب للمقرِض، ومباح للمقترض. وإذا كان الإسلام قد رغَّب فيه المقرِض، وندبه إليه، فإنه أباحه للمقترض، ولم يجعله من باب المسألة المكروهة؛ لأنه يأخذ المال لينتفع به في قضاء ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699).

حوائجه، ثم يرد بدله. 2 - كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم كأن يقرضه مالاً، ويشترط عليه أن يسكن داره، أو يقرضه مالاً بفائدة، كأن يقرضه ألف ريال بألف ومائتين بعد سنة. عَنْ أَبِي برْدَة قَالَ: أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْداللهِ بن سَلامٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، فَقال: ألا تَجِيءُ فَأطْعِمَكَ سَوِيقاً وَتَمْراً وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ قال: إِنَّكَ بِأرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَأهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِباً. أخرجه البخاري (¬1). - حكم من اقترض المال وهو لا يريد رده: يجب على من اقترض مالاً من غيره أن يعزم على أدائه. ويحرم على الإنسان أن يأخذ أموال الناس وهو لا ينوي ردها إليهم، ومن فعل ذلك أتلفه الله عز وجل. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أخَذَ أمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أدَاءَهَا أدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أتْلَفَهُ اللهُ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم كتابة عقد القرض: يستحب توثيق القرض بالكتابة له، والإشهاد عليه. فيكتب مقداره، ونوعه، وأجله؛ لأجل حفظ القرض، وليطمئن المقرض، حتى لا يضيع حقه إما بموت المقترض، أو نسيانه، أو جحده ونحو ذلك، فيكتبه صغيراً كان أو كبيراً. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3814). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3287).

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]. - صفة كتابة العقود: العقود سواء كانت بيعاً، أو قرضاً، أو إجارة أو غيرها فتكتب كما يلي: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة:282]. - شروط صحة القرض: يشترط لصحة القرض ما يلي: 1 - أن يتم القرض بالصيغة، وهي الإيجاب والقبول، أو ما يقوم مقامهما. 2 - أن يكون العاقد -مقرضاً أو مقترضاً- بالغاً، عاقلاً، رشيداً، مختاراً، أهلاً للتبرع. 3 - أن يكون مال القرض مباحاً في الشرع.

4 - أن يكون مال القرض معلوم المقدار، ليتمكن المقترض من رده. - حكم عقد القرض: القرض عقد جائز بشرطين: الأول: ألا يجر نفعاً لدافع المال. الثاني: ألا ينضم إلى القرض عقد آخر كالبيع وغيره، فلا يحل سلف وبيع. - حكم السّفْتَجة: السفتجة: معاملة مالية يعطي فيها الإنسان غيره مالاً في بلد ليوفيه ذلك الغير مثل ماله في بلد آخر معين، فيستفيد أمن الطريق، وهي جائزة؛ لما فيها من منفعة الطرفين، ولا بأس من أخذ مبلغ يسير مقابل تلك الخدمة. - ما يصح فيه القرض: يجوز قرض كل شيء مباح كالحيوان، والآلات، والثياب ونحو ذلك من الأموال، غير محرم كخمر وخنزير ونحوهما، وكل ما صح بيعه صح قرضه. - ما يجب على المقترض رده: يجب على المقترض أن يرد إلى المقرض مثل المال الذي اقترضه نقداً أو عيناً، المثل في المثليات، والقيمة في غيرها. - حكم أداء الدين: يجب على المدين أداء الدين وقت حلوله. وللمدين أربع حالات: 1 - ألا يكون عنده شيء مطلقاً، فهذا يجب إنظاره لإعساره. 2 - أن يكون ماله أكثر من دينه، فهذا يلزمه قضاء دينه.

3 - أن يكون ماله بقدر دينه، فهذا يلزمه وفاء الدين. 4 - أن يكون ماله أقل من دينه، فهذا مفلس يُحجر عليه بطلب الغرماء أو بعضهم، ويقسم ماله بينهم حسب دينه. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. - فضل الإحسان عند رد القرض: الإحسان في أداء القرض مستحب إن لم يكن شرطاً؛ لأن هذا من حسن القضاء، ومكارم الأخلاق، فإن كان مشروطاً فهو رباً محرم، كأن يقرضه شيئاً فيرد أحسن منه، أو أكبر منه، أو أكثر منه. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالا»، فَقَالَ لَهُمُ: «اشْتَرُوا لَهُ سِنّاً فَأَعْطُوهُ إيّاهُ» فَقَالُوا: إنّا لاَ نَجِدُ إِلاّ سِنّاً هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنّهِ، قَالَ: «فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إيّاهُ، فَإنّ مِنْ خَيْرِكُمْ -أَوْ خَيْرَكُمْ- أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَاراً رَبَاعِياً، فَقَالَ: «أَعْطِهِ إيّاهُ، إنّ خِيَارَ النّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2305) , ومسلم برقم (1601) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1600).

قال مِسْعَرٌ: أرَاهُ قال: ضُحىً، فَقال: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ». وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي. متفق عليه (¬1). - فضل حسن المطالبة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور:22]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». أخرجه البخاري (¬2). - حكم مطل الغني: يحرم على الغني المدين تأخير السداد عن وقت حلوله. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ». متفق عليه (¬3). - فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه: إنظار المعسر من مكارم الأخلاق، وأفضل منه التجاوز عنه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. 2 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ، قال: كُنْتُ أبَايِعُ النَّاسَ، فَأتَجَوَّزُ عَنِ المُوسِرِ، وَأخَفِّفُ عَنِ المُعْسِرِ، فَغُفِرَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2394) , واللفظ له، ومسلم برقم (715). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2076). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2400) , ومسلم برقم (1564).

لَهُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي اليَسَرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم من مات وعليه دين: يجب على المسلم قضاء الديون التي عليه متى حل أجلها، ومن أخر حقوق العباد ثم مات أُخذت من حسناته. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَليَتَحَلَّلهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (¬4). - حكم الحط من الدين من أجل تعجيله: يجوز الحط من الدين المؤجل من أجل تعجيله، سواء كان بطلبٍ من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2391) , واللفظ له، ومسلم برقم (1560). (¬2) أخرجه مسلم برقم (3006). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2581). (¬4) أخرجه البخاري برقم (2449).

صاحب الدين أو المدين؛ لما فيه من مصلحة الطرفين. ومن أدى عن غيره واجباً عليه من دين، أو نفقة، رجع عليه به إن شاء. - حكم الودائع في المصارف: إذا أودع الإنسان ماله في المصرف فله حالتان: 1 - إما أن يودع ماله في المصرف لحفظه والاستفادة منه وقت الحاجة بلا فائدة، فهذا جائز. 2 - أن يودعه في المصرف ويأخذ عليه فائدة، فهذا هو القرض الربوي المحرم. وإذا تأخر المدين عن السداد في الوقت المحدد فليس للمصرف الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية بسبب التأخير، بل هذا شرط باطل، لا يجوز الوفاء به؛ لأن هذا هو الربا المضاعف المحرم. - فضل الشفاعة في وضع الدين: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء:85]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أصِيبَ عَبْدُاللهِ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً، فَطَلَبْتُ إِلَى أصْحَابِ الدَّيْنِ أنْ يَضَعُوا بَعْضاً مِنْ دَيْنِهِ فَأبَوْا، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأبَوْا، فَقال: «صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ». فَفَعَلتُ، ثُمَّ جَاءَ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ، كَأنَّهُ لَمْ يُمَسَّ. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2405).

6 - الرهن

6 - الرهن - الرهن: هو توثقة دين بعين، يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها، إن تعذر الاستيفاء من المدين. مثاله: أن يبيعه سيارة بمائة ألف إلى نهاية العام، ويرهن داره. - أقسام العقود: العقود ثلاثة أقسام: 1 - عقود لازمة من الطرفين كالبيع والإجارة ونحوهما. 2 - عقود جائزة من الطرفين، ولكل منهما فسخها كالوكالة ونحوها. 3 - عقود جائزة من أحدهما دون الآخر كالرهن، جائز من قبل المرتهن، لازم من قبل الراهن، ونحو ذلك مما يكون فيه الحق لواحد على الآخر. - حكمة مشروعية الرهن: قد يبيع الإنسان على غيره شيئاً ثميناً، ويكون محتاجاً إليه، لكنه لا يتمكن من دفع قيمته نقداً، فأباح الله البيع إلى أجل، وأجاز للبائع أن يتوثق لدينه برهن عين من قِبل المشتري، يستوفي منها إن عجز المدين عن السداد في وقته. فالرهن مشروع لحفظ المال، لئلا يضيع حق الدائن. - حكم الرهن: الرهن عقد جائز، وهو من عقود التبرع، ومن العقود العينية التي لا تعتبر تامة الإلتزام إلا بالتسليم، وهي خمسة:

الهبة، والقرض، والوديعة، والعارية، والرهن. والرهن مشروع في الحضر والسفر، والأصل في الرهون أن تكون بالأعيان، سواء كانت ثابتة كالعقار، والدور، والمزارع .. أو منقولة كالآلات، والسيارات. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة:283]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَاماً مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ. متفق عليه (¬1). - أطراف الرهن: الرهن يتم بأربعة أشياء: الراهن: وهو معطي الرهن. والمرتهن: وهو آخذ الرهن. والمرهون أو الرهن: وهو ما أعطي من المال العيني وثيقة للدين. والمرهون به: وهو الدين. - شروط الرهن: يشترط لصحة الرهن ما يلي: 1 - أن يكون الراهن جائز التصرف. 2 - الإيجاب والقبول من الطرفين. 3 - معرفة قدر الرهن وصفته وجنسه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2386) , واللفظ له، ومسلم برقم (1603).

4 - وجود العين المرهونة عند عقد الرهن ولو مشاعة. 5 - مُلك المرهون، أو الإذن له في رهنه. 6 - قبض المرتهن للعين المرهونة. فإذا تمت هذه الشروط صح الرهن ولزم. - ما يصح رهنه: كل ما يصح بيعه يصح رهنه من ثابت كالأراضي، أو منقول كالحيوان، والسيارات ونحو ذلك، فلا يصح رهن المجهول، ولا محرم كالخمر، ولا مغصوب ومسروق؛ لأنه لا يصح بيعه، ولا يصح رهن البطاقة الشخصية، أو الجواز، أو رخصة القيادة، أو الوقف ونحو ذلك؛ لأنه لا يجوز بيعها، ولا يمكن ولا يصح استيفاء قيمة الرهن من ثمنها. - صفة قبض الرهن: يجب على الراهن تسليم الشيء المرهون للمرتهن حسب العرف. وللمرتهن حبس المرهون حتى يستوفي دينه، وللمرتهن كذلك المطالبة بدينه عند حلول الأجل، مع بقاء الرهن تحت يده. والقبض حسب العرف .. تارة بتسليم مفاتيح الدار .. أو التأشير على صك الأرض بالرهن .. أو تسليم المنقول من نبات أو جماد أو حيوان. ولا يصح ولا يجوز استلام الرهن إلا بإذن الراهن أو وكيله. - ضمان الرهن: يد المرتهن على الرهن يد أمانة، فلا يضمن المرهون إلا بالتعدي أو التفريط، ولا يسقط شيء من الدين بهلاك الرهن.

- مؤنة الرهن: مؤنة الرهن على الراهن، وأجرة حفظه، ومنافعه، ونماؤه. وما يحتاج إلى مؤنة كالحيوان، فللمرتهن أن يركب ما يركب غير مضار، ويحلب ما يحلب بقدر نفقته. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم نماء الرهن: نماء العين المرهونة ملك للراهن؛ لأنه مالك للأصل، وهذا نماء ملكه، فهو له، سواء كان متصلاً كالسمن في الحيوان، أو منفصلاً كنتاج الحيوان، وفسائل النخيل ونحوهما. - حكم انتفاع المرتهن بالرهن: الرهن أمانة في يد المرتهن، فلا يجوز له الانتفاع به؛ لأن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، فلا ينتفع به إلا إذا أذن له الراهن، فإن كان المرهون مركوباً أو محلوباً فيجوز للمرتهن أن يَركب ما يُركب، ويَحلب ما يُحلب، وينفق عليه، ليكون الانتفاع به مقابل النفقة عليه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2512). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2512).

- الآثار المترتبة على عقد الرهن: إذا تم عقد الرهن، واستلم المرتهن العين المرهونة ترتب على ذلك ما يلي: تعلق الدين بالمرهون .. حق حبس الرهن حتى يسدد الراهن .. منع الراهن من التصرف في الرهن .. عدم انتفاع المرتهن بالرهن إلا مركوباً أو محلوباً بنفقته .. ضمان الرهن بالتعدي أو التفريط .. بيع الرهن أو المطالبة ببيعه عند العجز عن السداد .. امتياز الدائن المرتهن عن سائر الغرماء .. تسليم الرهن عند انتهاء الدين. - حكم بيع الرهن: الرهن ملك للراهن بعد تسلمه للمرتهن، فتكون ولاية بيع الرهن للراهن لا لغيره، لكن لتعلق حق المرتهن به، وثبوت حق حبسه عنده حتى يستوفي حقه، يتوقف بيع الراهن للرهن على رضا المرتهن وإذنه ما دام حقه قائماً. وإذا حل الدين وامتنع الراهن وفاءه لعسر، أو غَيبة: فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه ووفى الدين، وإن لم يأذن له في البيع رفع أمره إلى الحاكم، فيجبره على وفاء الدين، أو بيع الرهن. فإن لم يفعل باعه الحاكم، وقضى ما عليه من دين، ورد الباقي له. - انتهاء عقد الرهن: ينتهي عقد الرهن بما يلي: 1 - تسديد كل الدين للمرتهن. 2 - تسليم المرهون لصاحبه.

3 - البيع الجبري الصادر من الراهن بأمر القاضي، أو من القاضي إذا أبى الراهن البيع باعه القاضي، وسدد الدين، وزال الرهن. 4 - فسخ الرهن من قبل الراهن. 5 - البراءة من الدين بأي وجه. 6 - هلاك العين المرهونة. 7 - التصرف في المرهون ببيع، أو إجارة، أو هبة برضا الطرفين فإذا حصل واحد من هذه الأمور انفك الرهن وانتهى.

7 - الضمان

7 - الضمان - الضمان: هو التزام المكلف بأداء ما وجب على غيره من مال. - حكم الضمان: الضمان عقد جائز، والمصلحة تقتضيه، بل قد تدعو الحاجة إليه، وهو من التعاون على البر والتقوى؛ لما فيه من قضاء حاجة المسلم، وتنفيس كربته، ويصح عن الحي أو الميت. 1 - قال الله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف:72]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الُمَتَوفَّى، عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْألُ: «هَل تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً». فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإلَّا قالَ لِلمُسْلِمِينَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفّىَ مِنَ المُؤمِنِيَن فَتَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِهِ». متفق عليه (¬1). - شروط صحة الضمان: يشترط لصحة الضمان ما يلي: أن يكون الضامن جائز التصرف .. وأن يكون راضياً غير مكره. ويصح الضمان بكل لفظ يدل عليه كضمنته، أو تحملت عنه ونحو ذلك. - ما يصح ضمانه: يصح الضمان لكل مال معلوم محترم كألف ريال مثلاً، أو مال مجهول كأن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2298) , واللفظ له، ومسلم برقم (1619).

يقول: أنا ضامن لك ما لك على فلان، أو ما يُقضى به عليه، حياً كان المضمون عنه أو ميتاً. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقالَ: «هَل عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟». قالوا: لا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أتِيَ بِجَنَازَةٍ أخْرَى، فَقال: «هَل عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟». قالوا: نَعَمْ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». قال أبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه البخاري (¬1). - الآثار المترتبة على عقد الضمان: إذا ضمن الدين ضامن فهو مأجور، لكن المدين لا يبرأ من الدين، وإنما يكون الدين عليهما جميعاً. وللدائن مطالبة المدين أولاً، فإن لم يسدد، أو لم يستجب، أو مات طالب الضامن عنه. - درجات الضمان: الضمان يكون برد العين .. فإن تعذر ردها فبالمثل .. فإن تعذر المثل فبالقيمة. مثال ذلك: لو أن إنساناً استأجر سيارة، فإذا انتهت مدة الإجارة وجب عليه ردها إلى صاحبها، فإن تلفت وجب عليه رد مثلها من السيارات، فإن تعذر وجود مثلها وجب عليه رد قيمة مثلها. - متى يبرأ الضامن والمضمون عنه: يبرأ المضمون عنه في حالتين: إذا أدى الحق لصاحبه .. أو إذا أبرأه صاحب الدين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2295).

ويبرأ الضامن في حالتين: إذا أبرأه صاحب الحق .. أو إذا برئ المضمون عنه بما سبق. ويجب على المضمون عنه أن يبادر بأداء ما عليه من الحق لأهله، ولا يُعرِّض الضامن للمطالبة من قِبَل المضمون له. فالضامن محسن إلى المضمون عنه، فلا يقابل إحسانه إليه بالإساءة إليه. قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة:91]. - حكم خطاب الضمان: خطاب الضمان الذي تصدره البنوك إن كان له غطاء كامل في المصرف فيجوز أخذ الأجرة عليه مقابل الخدمة، وإن كان خطاب الضمان غير مغطى فلا يجوز للبنك إصداره، ولا أخذ الأجرة عليه؛ لما فيه من الغرر والكذب. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].

8 - الكفالة

8 - الكفالة - الكفالة: هي التزام رشيد برضاه إحضار مَنْ عليه حق مالي لربه. - حكمة مشروعية الكفالة: النفوس مجبولة على الشح وحب المال، فإذا لم يكن ترغيب في الدَّين، ولم يكن استيثاق في قضائه، لم يكن هناك من يُقرض، وتعطلت مصالح البشر. لهذا شرع الله ما ييسر على الناس حفظ حقوقهم، وقضاء مصالحهم بالضمان والكفالة ونحوهما. وهي عقد تبرع وإحسان، وفيها أجر للكفيل، وفرحة للمكفول، وطمأنينة للمكفول له. - وسائل التوثيق في الشرع: وسائل التوثيق في الشرع كثيرة أهمها: الضمان .. والكفالة .. والرهن .. والشهادة. فالضمان: كفالة الدين، والكفالة: كفالة المدين، والرهن: وثيقة يطمئن به صاحبه على ماله. والشهادة: يثبت بها الحق في الذمة، وتقطع النزاع بين الناس. - الفرق بين الضمان والكفالة: 1 - الضمان التزام بالدين .. والكفالة التزام بإحضار المدين. 2 - يجوز في الضمان مطالبة الضامن مع حضور المضمون عنه، ولا يجوز في الكفالة مطالبة الكفيل مع حضور المكفول.

- حكم الكفالة: الكفالة مستحبة؛ لما فيها من الإحسان إلى المكفول، والتعاون على البر والتقوى. والكفالة عقد جائز، فمن لا يستطيع أن يضمن الأموال كفل النفوس. 1 - قال الله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)} [يوسف:66]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف:72]. 3 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقالَ: «هَل عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟». قالوا: لا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أتِيَ بِجَنَازَةٍ أخْرَى، فَقال: «هَل عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟». قالوا: نَعَمْ، قال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». قال أبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه البخاري (¬1). - صفة عقد الكفالة: الكفالة عقد تبرع، تنعقد برضا الكفيل والتزامه، ولا تحتاج إلى قبول المكفول له، أو المكفول عنه، ولا يشترط علم الكفيل بالمكفول له. - أقسام الكفالة: الكفالة تنقسم إلى قسمين: 1 - كفالة النفس: وهي التزام إحضار مَنْ عليه حق مالي إلى ربه. 2 - كفالة المال: وهي التزام الكفيل بأداء ما على المكفول من حق. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2295).

والكفالة بالنفس الأصل فيها هو المال، فهي الالتزام بإحضار شخص ليؤدي ما عليه من حق للمكفول له. - أركان الكفالة: أركان الكفالة خمسة: الصيغة .. الكفيل .. المكفول له .. المكفول عنه .. المكفول به. 1 - الصيغة: تصح الكفالة بكل لفظ فُهم منه الضمان عرفاً كأن يقول شخص لآخر: كفلت لك دينك الذي على فلان، أو تحمّلته، أو التزمته. أو يقول: أنا كفيل، أو زعيم، أو حميل. أو يقول علي ما على فلان ونحو ذلك. 2 - الكفيل: هو الذي يتكفل بإحضار المكفول ليؤدي ما عليه، ولا بد أن يكون من أهل التبرع، بأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً رشيداً. 3 - المكفول له: هو صاحب الدين. 4 - المكفول عنه: هو المدين الذي قام الكفيل بضمان دينه. 5 - المكفول به: هو الدين أو العين. ويشترط فيه أن يكون مما يمكن استيفاؤه من الضامن، وأن يكون معلوماً. - ما يترتب على الكفالة: إذا كفل الإنسان غيره، لزمه تسليمه إلى المكفول له، فإن تعذر عليه ذلك، أو امتنع من إحضاره، لزمه أن يؤدي لصاحب الحق جميع ما كفله عنه؛ لأن الزعيم غارم.

- سقوط الكفالة: تسقط الكفالة ويبرأ الكفيل بما يلي: 1 - إذا مات المكفول. 2 - إذا سلم الكفيل المكفول لصاحب الحق. 3 - إذا سلم المكفول نفسه. 4 - إذا أدى المكفول ما عليه من الدين. 5 - إذا أبرأ صاحب الدين المكفول. 6 - إذا أبرأ صاحب الحق الكفيل من الكفالة. - من يطالِب المكفول له: يحق للمكفول له مطالبة الكفيل بدين المكفول عنه إذا تعذر استيفاؤه منه؛ لأن الزعيم غارم، وأما قبل تعذر الاستيفاء فالمكفول له مخير في المطالبة: إن شاء طالب الكفيل؛ لأنه غارم وضامن. وإن شاء طالب المكفول عنه؛ لأنه هو الأصيل. وإذا تعدد الكفلاء فإن كل كفيل يكون ضامناً بمقدار حصته من الدين إن لم يكن شرط، فيطلب حقه بموجبه منهم.

9 - الحوالة

9 - الحوالة - الحوالة: هي نقل الدين من ذمة المُحيل إلى ذمة المحال عليه. - حكمة مشروعية الحوالة: شرع الله عز وجل الحوالة تأميناً للأموال، وقضاءً لحاجة الإنسان، فقد يحتاج الإنسان إلى إبراء ذمته من حق الغريم، أو استيفاء حقه من مدين له، وقد يحتاج لنقل ماله من بلد إلى بلد، ويكون نقل هذا المال غير متيسر، إما لمشقة حمله، أو لبعد المسافة، أو لكون الطريق غير مأمون. فشرع الله الحوالة لتحقيق هذه المصالح، وتسهيل الوفاء والاستيفاء بين الناس. - حكم الحوالة: الحوالة عقد جائز يقتضي نقل دين من ذمة إلى أخرى، وإذا أحال المدين دائنه على مليء لزمه أن يحتال، وإن أحاله على مفلس ولم يعلم رجع بحقه على المحيل، وإن علم ورضي بالحوالة عليه فلا رجوع له. ومماطلة الغني حرام؛ لما فيها من الظلم، ومنع الحق. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَليَتْبَعْ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287) , واللفظ له، ومسلم برقم (1564).

- أركان الحوالة: أركان الحوالة خمسة، وهي: المحيل: وهو المدين .. والمحال: وهو رب الدين .. والمحال عليه: وهوا لذي عليه دين للمحيل .. والمحال به: وهو الدين الذي للمحيل على المحال عليه .. والصيغة: وهي الإيجاب والقبول بين المحيل والمحال. - شروط الحوالة: 1 - أن يكون كل من المحيل والمحال والمحال عليه من أهل التصرف، بأن يكون كل واحد منهم بالغاً عاقلاً رشيداً، غير محجور عليه. 2 - أن يكون المحال عليه مديناً للمحيل. 3 - أن يكون الدين المحال به قد حلَّ على المحال عليه. 4 - أن يكون الدين المحال مساوياً للمحال عليه في الصفة، والجنس، والمقدار. 5 - الإيجاب والقبول بين المحيل والمحال حسب العرف. - ما يترتب على الحوالة: 1 - إذا تحققت شروط الحوالة، صحت الحوالة، وبرأت ذمة المحيل. 2 - ثبوت حق مطالبة المحال للمحال عليه بحقه. 3 - ملازمة المحال للمحال عليه حتى يوفيه دينه. - فضل التجاوز عن المعسر: إذا تمت الحوالة فيجب على المحال عليه أن يوفي المحال حقه بلا مماطلة، وإن أفلس المحال عليه بعد عقد الحوالة استحب إنظاره، وأفضل منه التجاوز عنه.

1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأى مُعْسِراً قال لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ أنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ». متفق عليه (¬1). - انتهاء الحوالة: تنتهي الحوالة بأحد الأمور الآتية: 1 - فسخ الحوالة برضا المحيل والمحال. 2 - أداء المحال عليه المال إلى المحال. 3 - أن يهب المحال المال للمحال عليه، أو يتصدق به عليه. 4 - أن يبرئ المحال المحال عليه من الدين. - حكم التحويل البنكي: التحويل البنكي: أن يسلم الإنسان لبنك البلد الذي هو فيه نقوداً، ثم يأخذ من البنك شيكاً أو حوالة ليقبض نقوده في بلد آخر أو مكان آخر. فهذه المعاملة جائزة؛ لما فيها من تسهيل قضاء حوائج الناس، سواء كانت النقود المحولة من جنس النقود المدفوعة أو من غير جنسها، ويقوم تسليم الشيك مقام القبض في مسألة صرف النقود بالتحويل. ويعتبر القيد في سجلات المصرف بمثابة القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف، أو بعملة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2078) , واللفظ له، ومسلم برقم (1562).

مودعة فيه. - حكم التحويل من البنوك: يجب على المسلم الإيداع والتحويل بواسطة المصارف الإسلامية، فإن دعت الضرورة إلى الإيداع والتحويل من البنوك الربوية فلا حرج في ذلك. ويجوز الإيداع للضرورة في البنوك الربوية بدون اشتراط الفائدة. فإن دفع البنك الفائدة بدون شرط فلا بأس من أخذها، لكن لا ينتفع بها، بل يتخلص منها بصرفها في الأعمال الخيرية كمساعدة الفقراء، ومن عليهم ديون، وتعبيد الطرق ونحو ذلك. - فضل حسن القضاء: من حسن المعاملة مع الناس أنه إذا كان للإنسان على غيره حق، أو اقترض المسلم من أخيه، وملك السداد قبل الأجل، أن يبادر المدين بالسداد، ويزيد على ما وجب عليه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الابِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقال: «أعْطُوهُ». فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنّاً فَوْقَهَا، فَقال: «أعْطُوهُ». فَقال: أوْفَيْتَنِي أوْفَى اللهُ بِكَ. قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2305) , واللفظ له، ومسلم برقم (1601).

10 - الوكالة

10 - الوكالة - الوكالة: هي استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة. - حكمة مشروعية الوكالة: الوكالة من محاسن الإسلام، ففيها رعاية مصالح الناس، وسد حاجاتهم، ودفع الحرج عنهم، فقد تتوفر القدرة والخبرة والكفاءة عند إنسان دون غيره. وكل إنسان بحكم ارتباطه بغيره قد تكون له حقوق، أو تكون عليه حقوق، فإما أن يباشرها بنفسه أخذاً وعطاءً، أو يتولاها عنه غيره. وليس كل أحد قادراً على مباشرة أموره بنفسه لعجزه، أو مرضه، أو شغله، أو غيبته ونحو ذلك من الأعذار. وقد يكون الإنسان محقاً، لكنه عاجز عن تقديم الحجة والبيان. لأجل هذه الأمور وغيرها شرع الله الوكالة، وأباح للإنسان توكيل غيره في أموره، ليقوم بها نيابة عنه. - حكم الوكالة: الوكالة: عقد جائز، وتجوز بأجر وبدون أجر. وتستحب بدون أجر؛ لأنها نوع من التعاون على البر والتقوى، وفيها أجر وثواب؛ لما فيها من إعانة المسلم، وقضاء حاجته. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ

هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)} [الكهف:19]. 3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أتَصَدَّقَ بِجِلالِ البُدْنِ الَّتِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا. متفق عليه (¬1). - أركان الوكالة: أركان الوكالة أربعة هي: الموكِّل .. والوكيل .. والموكَّل فيه .. والصيغة. فالموكِّل: صاحب الحق .. والوكيل: النائب عن الموكل .. والموكَّل فيه: هو الحق أو السلعة .. والصيغة: هي الإيجاب والقبول من الطرفين، وتصح بكل لفظ يدل عليها مثل: وكّلتك، أو فوضتك بكذا. - شروط الوكالة: 1 - يشترط في الموكل أن يكون أهلاً للتصرف، وأن يكون مالكاً لما يوكل فيه. 2 - يشترط في الوكيل أن يكون أهلاً للتصرف. 3 - يشترط في الموكَّل فيه أن يكون معلوماً للوكيل، أو مجهولاً جهالة غير فاحشة، وأن يكون قابلاً للنيابة كالبيع والشراء ونحوهما، وأن يكون مباحاً، فلا يجوز التوكيل في محرم كصنع خمر، أو كسب محرم. - ما تصح فيه الوكالة: كل عقد جاز أن يعقده الإنسان لنفسه جاز أن يوكل به غيره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1707) , واللفظ له، ومسلم برقم (1317).

والحقوق ثلاثة أنواع: 1 - نوع تصح الوكالة فيه مطلقاً، وهو كل ما تدخله النيابة من العقود، والفسوخ، والحدود ونحو ذلك. 2 - ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقاً، وهو العبادات البدنية المحضة كالطهارة، والصلاة، والصيام. 3 - ونوع تصح الوكالة فيه مع العجز كفرض حج أو عمرة. فيصح التوكيل في كل ما تدخله النيابة من العقود كالبيع والشراء، والإجارة والإعارة ونحو ذلك، ومن الفسوخ كالطلاق، والعتق، والإقالة ونحو ذلك، ومن الحدود في إثباتها واستيفائها. - أحوال الوكالة: الوكالة عقد جائز، فيجوز لكل من الموكِّل والوكيل فسخها في أي وقت، ويصح قبولها على الفور، وعلى التراخي، وتصح بأجرة، وبدون أجرة، وتصح مطلقة كقوله: وكلتك في شراء هذه الدار، وتصح مقيدة كقوله: وكلتك في بيع هذه الأرض في مدة شهر، وتصح منجّزة كقوله: أنت وكيلي الآن، وتصح معلقة بشرط كقوله: إذا أجّرت داري فبعها. - حكم توكيل الوكيل: لا يجوز للوكيل أن يوكِّل فيما وُكِّل فيه إلا إن أذن له الموكِّل. ويستثنى من ذلك ما يلي: 1 - أن يكون الموكَّل فيه مما لا يليق بمرؤة الوكيل كبيع دابة في السوق. 2 - أن يكون الموكَّل فيه كثيراً لا يمكنه القيام به بنفسه.

3 - أن يكون الموكَّل فيه مما يحتاج إلى مهارة خاصة كقياس مساحة، وصلاحية الأجهزة ونحو ذلك. 4 - أن يعجز الوكيل عن القيام بالعمل. فله في هذه الحالات وأمثالها أن يوكل غيره. - ضمان الوكيل: الوكيل أمين فيما وُكِّل فيه، فلا يضمن ما تلف بيده بلا تعد ولا تفريط، فإن تعدى أو فرط ضمن، ويقبل قوله في نفي التفريط مع يمينه. - حكم طلب التوكيل: 1 - من علم من نفسه الكفاءة والقدرة والأمانة، ولم يخش من نفسه الخيانة، ولم تشغله الوكالة عما هو أهم منها، فهي مستحبة في حقه؛ لما فيها من الأجر، وقضاء حاجة أخيه المسلم، حتى لو كانت بأجرة، إذا توفر حسن النية، وإتمام العمل. 2 - من علم من نفسه عدم القدرة عليها، أو خشي الخيانة من نفسه، أو علم أنها تشغله عما هو أهم منها، فالبعد عنها أسلم. - فضل وكالة الأمين: عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الخَازِنُ المُسْلِمُ الأمِينُ، الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قال: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ، كَامِلاً مُوَفَّراً، طَيِّباً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1438) , واللفظ له، ومسلم برقم (1023).

- حكم التوكيل بالبيع والشراء: يجب على الموكل الذي يوكل غيره ببيع شيء أو شرائه أن يسميه، ويذكر صفته، وجنسه، ومقدار ثمنه، فإن كانت الوكالة مطلقة فيراعى فيها الإطلاق كأن يقول: بع لي هذه الدار وما فيها، أو يقول: اشتر لي هذا المصنع بما فيه. وإن كانت الوكالة مقيدة بجنس أو نوع أو ثمن لزمه التقيد بذلك. والوكيل بالبيع إذا خالف أمر الموكِّل توقف بيعه على إجازة الموكِّل، والوكيل بالشراء إذا خالف أمر الموكِّل يكون مشترياً لنفسه، إلا إذا كان خلافاً إلى خير فيُلزم به الموكِّل. 1 - عَنْ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعْطَاهُ دِينَاراً يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم الوكالة في الديون: يجوز التوكيل في قضاء الديون، وقسمة الأموال، وغيرها من الحقوق. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلا أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ فَأغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقالا». ثُمَّ قَالَ: «أعْطُوهُ سِنّاً مِثْلَ سِنِّهِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِلا أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقالَ: «أعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أحْسَنَكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬2). - حكم الوكالة في الحدود: تجوز الوكالة في إثبات الحقوق، واستيفاء الحدود. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3642). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2306) , واللفظ له، ومسلم برقم (1601).

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». متفق عليه (¬1). - حكم توكيل المرأة الإمام في نكاحها: إذا لم يكن للمرأة ولي من الأقارب فوليها الإمام، ولها أن توكله في نكاحها أو فسخها. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي. فَقال رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (¬2). - حكم التصرف الفاسد من الوكيل: إذا تصرف الوكيل تصرفاً محرماً أو فاسداً فتصرفه مردود. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلالٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أيْنَ هَذَا؟». قالَ بِلالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: «أوَّهْ أوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَل، وَلَكِنْ إِذَا أرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ به». متفق عليه (¬3). - ما يترتب على الوكالة: إن كانت الوكالة مطلقة فالوكيل قائم مقام الموكِّل فيما وكله فيه من العقود، أو الفسوخ، أو الحدود، أو الحقوق، وإن كانت الوكالة خاصة فليس للوكيل ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2315) , واللفظ له، ومسلم برقم (1632). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2310) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2312) , واللفظ له، ومسلم برقم (1594).

أن يتصرف فيما لم يدخل في الوكالة. - انتهاء الوكالة: تنتهي الوكالة بأمور: موت الوكيل أو الموكِّل أو جنونه .. فسخ أحدهما للوكالة .. عزل الموكِّل للوكيل .. حَجْر السَّفَه على أحدهما .. انتهاء العمل المقصود من الوكالة .. خروج الموكَّل فيه عن ملك الموكِّل .. تصرف الموكِّل فيما وكَّل به .. هلاك الموكَّل فيه .. مضي الوقت المحدد إن كانت مقيدة بزمن.

11 - الإجارة

11 - الإجارة - الإجارة: عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، بعوض معلوم، كأن يؤجره داره بألف ريال لمدة سنة. - حكمة مشروعية الإجارة: أباح الله الإجارة لما فيها من تبادل المنافع بين الناس، فالناس يحتاجون البيوت للسكن، والدواب والسيارات للركوب والحمل، والآلات للمنافع، وأرباب الحِرَف للعمل. وأرباب الحرف يكسبون رزقهم، ويعفُّون أنفسهم بالعمل عند غيرهم. ولكثرة الحاجات، وكثرة المهن، وكون الإنسان غير قادر على معرفتها وتنفيذها، والناس في حاجة إلى المنافع كما هم في حاجة إلى شراء الأعيان، لهذه الأمور وغيرها أباح الله الإجارة؛ تيسيراً على الناس، وقضاءً لحاجاتهم، بيسير من المال، مع انتفاع الطرفين، فلله الحمد والمنة. - حكم الإجارة: الإجارة جائزة، وهي عقد لازم من الطرفين إذا تمت. وتنعقد بكل لفظ يدل عليها كأجرتك، وأكْرَيتك ونحو ذلك مما جرى به العرف. 1 - قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} [القصص:26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ

لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} [الطلاق:6]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، هَادِياً خِرِّيتاً، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فأتاهما بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ. أخرجه البخاري (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلا رَعَى الغَنَمَ». فَقال أصْحَابُهُ: وَأنْتَ؟ فَقالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ». أخرجه البخاري (¬2). - أقسام العقود: العقود ثلاثة أقسام: الأول: عقود جائزة لكل من الطرفين فسخها كالوكالة، والجعالة، والشركة. الثاني: عقود لازمة، وهي نوعان: 1 - عقد يلزم بمجرد العقد فلا خيار فيه كالوقف، والنكاح ونحوهما. 2 - عقد لازم، لكن يثبت فيه خيار مجلس، وخيار شرط كالبيع، والإجارة، والصلح ونحو ذلك. الثالث: عقد لازم من أحد الطرفين، جائز في حق الآخر. وضابطه: أن يكون الحق لواحد على الآخر كالراهن، والضامن، والكافل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2264). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2262).

فهذا لازم في حق هؤلاء، جائز في حق المضمون عنه، والمكفول له، والمرتهن. - أنواع الإجارة: الإجارة نوعان: 1 - إجارة على منفعة عين معلومة كأجرتك هذه الدار بكذا. 2 - إجارة على عمل معلوم كأن يستأجر شخصاً لبناء جدار، أو حرث أرض، أو حمل متاع. والمنفعة قد تكون منفعة عين كسكنى الدار، وركوب السيارة، وقد تكون منفعة عمل، مثل عمل البناء، والحداد، والخياط ونحوهم، وقد تكون منفعة الشخص الذي يبذل جهده كالخادم والعامل. - أركان الإجارة: أركان الإجارة خمسة، وهي: المؤجر: وهو الذي يؤجر المنفعة .. والمستأجر: الذي يبذل الأجرة .. والأجرة: وهي المال المبذول مقابل المنفعة .. والمنفعة: وهي الشيء المعقود عليه .. والصيغة: وهي الإيجاب والقبول من الطرفين. وإذا صح عقد الإجارة ثبت للمستأجر ملك المنفعة، وثبت للمؤجر ملك الأجرة. - شروط الإجارة: يشترط لصحة الإجارة ما يلي: 1 - أن يكون كل من العاقدين جائز التصرف.

2 - معرفة المنفعة كسكنى الدار، أو خدمة الآدمي. 3 - معرفة الأجرة. 4 - أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة كدار للسكن. فلا تصح الإجارة على نفع محرم كالغناء، وجعل داره كنيسة، أو لبيع الخمر. 5 - معرفة العين المؤجرة برؤية أو صفة، وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، وأن تكون مقدوراً على تسليمها، وأن تشتمل على المنفعة المباحة، وأن تكون مملوكة للمؤجر، أو مأذوناً له فيها. 6 - أن تكون الإجارة برضا الطرفين إلا من أكره بحق. 7 - حصول الإيجاب والقبول بين الطرفين. 8 - معرفة مدة الإجارة كشهر، أو سنة ونحوهما. - وقت وجوب الأجرة: تجب الأجرة بالعقد، ويجب تسليم الأجرة بعد مضي مدة الإجارة. وإن تراضيا على التعجيل، أو التأجيل، أو التقسيط جاز، ويستحق الأجير أجرته إذا أتم عمله متقناً، فيعطى أجرته قبل أن يجف عرقه. وإذا كانت الإجارة على عين مستأجَرة فتستحق الأجرة بعد استيفاء المنفعة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أجْرَهُ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2227).

- ما يجوز إجارته: كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إجارته، وكل ما يصح بيعه تصح إجارته ما لم يمنع من ذلك مانع شرعي. وكل ما حَرُم بيعه حَرُمت إجارته إلا الوقف، والحر، وأم الولد. - حكم تأجير العين المؤجرة: يجوز للمستأجر أن ينتفع بالعين المؤجرة بنفسه، وله إجارتها لمن يقوم مقامه بما شاء إن كان مثله، أو أقل منه، لا بأكثر منه ضرراً. - حكم بيع العين المؤجرة: يجوز للمؤجر بيع العين المستأجرة كالدار والسيارة ونحوهما، ويأخذها المشتري بعد اسيتفاء المستأجر منفعته، وانتهاء مدة إجارته. ويجوز للمستأجر أن يتنازل عن العين المستأجرة قبل تمام المدة، بأجر أو بدون أجر. - حكم ضمان العين المؤجرة: يد مستأجر العين يد أمانة، فلا يضمن ما تلف بيده إلا بالتعدي أو التفريط، ومخالفة شروط العقد. - حكم ضمان الأجير: 1 - الأجير الخاص كالخادم في المنزل، والأجير في المحل أو البستان يده يد أمانة كالوكيل، فلا يكون ضامناً للعين التي تُسلّم إليه للعمل فيها ما لم يحصل منه تعد أو تفريط فيضمن، سواء تلف الشيء في يده، أو أثناء عمله. 2 - الأجير المشترك كالحداد والصباغ والخياط ونحوهم، وهو الذي يستحق

الأجرة بالعمل لا بتسليم النفس، فهذا يده يد ضمان، فهو ضامن لما يهلك في يده، إلا إذا حصل الهلاك بحريق، أو غرق عام، وذلك احتياطاً لأموال الناس، لأن الأجير المشترك يقبض العين لمصلحته، فيضمن كالمستعير. - أنواع الأجير: الأجير نوعان: 1 - الأجير الخاص: وهو من يستأجره الإنسان مدة معلومة ليعمل عنده، فهذا لا يحل له العمل عند غير مستأجره، فإن عمل عند غيره في المدة نَقَص من أجره بقدر عمله. ويستحق الأجرة إذا سلَّم نفسه، وقام بالعمل، وله كامل الأجرة إذا فسخ المؤجر الإجارة قبل تمام المدة، ما لم يكن هناك عذر من مرض أو عجز، فله أجرة المدة التي عمل فيها فقط. 2 - الأجير المشترك: وهو من يشترك في نفعه أكثر من واحد كالحداد، والسَّبَّاك، والصباغ، والخياط ونحوهم، فهذا ليس لمن استأجره أن يمنعه من العمل لغيره، ولا يستحق الأجرة إلا بالعمل. - حكم استئجار الكفار: يجوز استئجار الكفار في المصالح العامة والخاصة التي تعود على المسلمين بالنفع. فإذا حصلت مفسدة في استئجارهم، فدرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، كما رأى عمر رضي الله عنه المفسدة في بقاء يهود خيبر بين المسلمين فأجلاهم عنها.

1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالتْ: اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، هَادِياً خِرِّيتاً، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فأتاهما بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أجْلَى اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أرْضِ الحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْض حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِلمُسْلِمِينَ، وَأرَادَ إِخْرَاجَ اليَهُودِ مِنْهَا، فَسَألَتِ اليَهُودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا». فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أجْلاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأرِيحَاءَ. متفق عليه (¬2). - حكم عمل المسلم عند الكافر: يجوز للمسلم العمل عند الكافر بثلاثة شروط: 1 - أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله كبناء منزل، وتوصيل متاع ونحوهما. 2 - ألا يعينهم فيما يعود ضرره على المسلمين. 3 - ألا يكون في العمل إذلال للمسلم. فلا يجوز للمسلم إجارة نفسه في خدمة الكافر؛ لما فيه من إذلال المسلم، وسيطرة الكافر على المسلم، ويجوز للمسلم العمل عند الكافر في غير خدمته كما سبق. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2264). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2338) , واللفظ له، ومسلم برقم (1551).

قال الله تعالى عن يوسف - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف:54 - 55]. - حكم عمل المرأة خارج المنزل: الأصل أن عمل المرأة في بيتها؛ رعاية لأطفالها، وصيانة لحقوق زوجها، ولا يجوز للمرأة الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها. وإذا احتاجت الأمة إلى عمل المرأة في الطب أو التعليم ونحوهما مما له ضرورة، أو اضطرت هي للعمل خارج بيتها لكسب العيش، فإن ذلك يجوز بشروط: 1 - أن تخرج باللباس الشرعي المحتشم، غير متبرجة ولا متعطرة. 2 - أن تدعو الحاجة إلى عملها. 3 - عدم الاختلاط بالرجال سواء كان في المواصلات، أو في العمل. 4 - أن تعمل في عمل يناسب النساء من تعليم وتمريض ونحوهما. 5 - ألا تضيِّع من تعول من أولادها، ولا تقصِّر في حقوق زوجها ووالديها. 6 - أن تأمن على نفسها في الطريق ومكان العمل. فإذا تحققت هذه الشروط جاز لها العمل خارج بيتها. - حكم مَنْ مَنَع الأجير أجرته: يجب على من استأجر أحداً أن يعطيه أجرته إذا أدى عمله من غير مماطلة؛ لأنه أدى العمل، فوجب تسليمه أجرته. ويحرم منع الأجير أجرته، ومن منعها أو أكلها فالله خصمه يوم القيامة.

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أجْرَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم أخذ الرَّزْق على القُرَب: لا يجوز للمسلم أخذ الأجرة على الطاعات كالأذان والصلاة ونحوهما، ويجوز للإمام والمؤذن والمعلم للقرآن أن يأخذ رَزْقاً من بيت المال، ومَنْ عمل من هؤلاء لله تعالى أثيب ولو أخذ رَزْقاً، وما يأخذه من بيت المال إعانة على التفرغ للطاعات والقيام بها، لا عوضاً أو أجرة على عمله، ومثله الموقوف على أعمال البر. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ، فَقالَ: هَل فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلاً لَدِيغاً أَوْ سَلِيماً، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْراً، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْراً، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللهِ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَل مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْرَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلا نَفْعَلُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2227). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5737).

حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعاً مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقال: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ». متفق عليه (¬1). - حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن: 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ، فَإِذَا فِيهِ قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، قالَ: «اقْرَءُوا القُرْآنَ وَابْتَغُوا بِهِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَهُ إِقَامَةَ القِدْحِ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلاَ يَتَأَجَّلُونَهُ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَءُوا القُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ». أخرجه أحمد (¬3). - ما يترتب على عقد الإجارة: إذا تم عقد الإجارة ترتب عليه ما يلي: لزوم بذل المؤجر العين المستأجرة .. ولزوم بذل المستأجر الأجرة .. مُلك المستأجر منفعة العين المؤجرة مدة الإجارة .. مُلك المؤجر كامل الأجرة. - حكم الحسم من الأجرة: من استأجر أجيراً فعليه أن يعطيه حقه كاملاً إذا أدى عمله كاملاً. ومن استأجر عاملاً لمدة شهر مثلاً، فليس له أن يحسم عليه من راتبه اليوم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5736) , واللفظ له، ومسلم برقم (2201). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14855) , وهذا لفظه، وأبو داود برقم (830). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (15529).

بيومين، إذا غاب بدون عذر؛ لأن أموال الناس محترمة، والتعزير بالمال لا يجوز إلا لولي الأمر، والأجير له حق يأخذه، وعليه حق يؤديه، فلا يَظلم ولا يُظلم. فإذا غاب يوماً يُحسم من راتبه يوم، والزيادة على ذلك أكل لأموال الناس بالباطل. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قالَ اللهُ تَعَالَى: ثَلاثَةٌ أنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم الإيجار المنتهي بالتمليك: صفته: أن يشتري الإنسان من شركة مثلاً سيارة بمائة ألف ريال مؤجلة، على أن يسددها أقساطاً شهرية في موعدها، فإن سددها في موعدها صارت ملكاً له. وإن لم يتمكن من إكمال سدادها صار ما دفعه من أقساط مجرد أجرة مقابل انتفاعه بالسيارة تلك المدة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2270).

وحكم هذا العقد: أنه غير جائز؛ لاشتماله على عقدين في سلعة واحدة، وهما البيع والإجارة، وقد نهى الشرع عن بيعتين في بيعة؛ لما فيهما من الضرر والغرر. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. أخرجه الترمذي (¬1). - حكم دفع بدل الخلو: إذا كان السكن أو الدكان في مكان مرغوب مطلوب، فيجوز دفع بدل الخلو للمستأجر أثناء مدة الإجارة، مقابل تخلِّيه عن بقية مدة الإجارة، ويُحسب هذا البدل من الأجرة، أما إذا انقضت مدة الإجارة فليس للمستأجر أخذ بدل الخلو من المالك أو المستأجر الجديد؛ لأن العين المستأجرة انتقلت إلى المالك، ولا حق للمستأجر فيها. - حكم تأجير أهل المحرمات: لا يجوز تأجير البيوت والمحلات على من يبيع المحرمات كآلات اللهو المحرمة .. والأفلام والصور .. وأشرطة الفيديو والغناء .. والخمور والمخدرات .. والدخان والجراك. وكذا من يتعاطى المعاملات المحرمة كالبنوك الربوية .. ومن يتخذ المحل معملاً للخمر .. أو مأوى لأهل الملاهي والزنا .. أو مكاناً لعرض أزياء التبرج وبيعها .. أو محلاً لبيع أواني الذهب والفضة .. أو محلاً لحلق اللحى ونحو ذلك؛ لما في ذلك من الإعانة على المحرم، وغش المسلمين، والتعرض لعقوبة الله، وحصول الفتنة. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1231).

1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10]. - زيادة الأجرة: يلزم المستأجر دفع الأجرة المتفق عليها، وإذا ارتفعت الأجور فليس للمؤجر فسخ الإجارة، أو إلزام المستأجر أثناء مدة العقد بزيادة الأجرة، أو ترك المحل المستأجر. وإذا انخفضت الإجارات فليس للمستأجر فسخ الإجارة، أو إلزام المؤجر بتخيفض الأجرة أثناء مدة العقد. ومن طابت نفسه لأخيه أن يأخذ أو يعطي أجرة المثل فهو أفضل؛ لما في ذلك من الإحسان الموجب للمحبة. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». متفق عليه (¬1). - حكم إعانة المضطر: إذا اضطر إنسان مكروب، أو مفجوع، أو مغلوب، فيجب على من رآه أن ينقذه ويعينه، وأن يفرج كربته، وأن يقف معه، ما دام قادراً على ذلك. بإنقاذ الغريق والحريق .. وإسعاف المرأة في طلقها .. ومن نزف دمه بحيث لو تُرك مات .. ونقل الجريح والكسير إلى المستشفى ونحو ذلك من حالات ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13) , واللفظ له، ومسلم برقم (45).

الضرورة الحرجة. ومن أمكنه إعانة أخيه المضطر، وتوقفت نجاته على إسعافه فلم يفعل فهو آثم؛ لأن إنقاذ النفس واجب شرعاً، يأثم بتركه من قدر عليه. عَنْ عَبدِاللهِ بنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً، مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). - انتهاء عقد الإجارة: ينتهي عقد الإجارة بواحد مما يلي: 1 - هلاك العين المؤجرة المعينة كالدار، أو السيارة ونحوهما. 2 - انقضاء مدة الإجارة. 3 - الإقالة، بأن يطلب أحد الطرفين من الآخر أن يقيله. 4 - حدوث عيب في العين المستأجرة كتهدم البيت، وخراب الآلة بسببٍ من غير المستأجر ونحو ذلك. 5 - إفلاس المستأجر، أو لحوق المؤجر دين لا يمكن استيفاؤه إلا من العين المؤجرة. ولا تنفسخ الإجارة بموت أحد الطرفين، ولا ببيع العين المستأجرة، ومن استؤجر لعمل خاص ثم مات فإن الإجارة تنفسخ. ومتى انقضت مدة الإجارة رفع المستأجر يده، وسلَّم العين المستأجرة إلى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2442) , ومسلم برقم (2580) , واللفظ له.

المؤجر إن كانت منقولة. - حكم اختلاف المتعاقدين في الإجارة: إذا صح عقد الإجارة، ثم اختلف المتعاقدان، فإما أن يكون الخلاف قبل استيفاء المنافع أو بعدها، فإن اختلفا قبل استيفاء المنافع تحالفا وترادا، وانفسخت الإجارة، وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه ما ادعى به صاحبه. وإن كان الاختلاف بعد استيفاء المستأجر بعض المنفعة بأن سكن الدار مدة مثلاً، فالقول قول المستأجر مع يمينه، ويتحالفان، وتنفسخ الإجارة فيما بقي. وإن كان الاختلاف بعد انتهاء مدة الإجارة، فالقول قول المستأجر في مقدار البدل مع يمينه، ولا يمين على المؤجر. وإن كان الاختلاف في دعوى التلف أو التعيُّب، فالقول قول المستأجر؛ لأنه أمين، فيصدّق بيمينه، ما لم تكن للمؤجر بينة. وإن كان الاختلاف في دعوى الرد، بأن ادعى المستأجر أنه رد العين إلى المؤجر، وأنكر المؤجر، فالقول قول المؤجر بيمينه؛ لأن الأصل عدم الرد، والقول قول المنكر بيمينه إن لم تكن للمستأجر بينة. - حكم كسب الحجام: كسب الحجام حلال، لكنه من المهن الدنيئة، وخُبْث كسب الحجام من جنس خبث أكل الثوم والبصل، هذا خبيث الرائحة، وذاك خبيث الكسب. ولو كان كسب الحجام محرماً لم يعط النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاجم أجرته على الحجامة، ولكن لدناءة هذا الكسب أمر الحاجم أن يعلفه ناضحه أو رقيقه.

وتستحب الحجامة بعد أيام البيض؛ لما فيها من الرفق بالبدن، لأن الدم يسكن بعد فَوَرانه في أيام البيض. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأعْطَى الحَجَّامَ أجره. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ رَافِع بن خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَمَنُ الكَلبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم التأجير بالنسبة: 1 - مَنْ ملك سيارة وأجّرها على غيره بنصف الدخل الذي يأتي منها، فيجوز ذلك كالمضاربة، فمن الأول العين، ومن الثاني العمل، والربح بينهما حسب الاتفاق. 2 - إذا أعطى صاحب المحل التجاري، أو المصنع، أو المزرعة، غيره ليتقبله ويعطيه كل شهر ثلاثة آلاف مثلاً، وما زاد فهو له، فهذا النوع من الإجارة محرم؛ لما فيه من الجهالة والغرر، فإن اتفقا على نسبة من الربح كالربع مثلاً صح. 3 - إذا تعطلت بعض منافع العين المؤجرة كالمزرعة والدار، سقط من الأجرة بقدر ما تعطل من المنفعة المستحَقَّة بالعقد. 4 - يجوز استئجار الأجير بنسبة معلومة من عمله، كما لو استأجره على طحن كيس قمح بعشرة مثلاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2278) , واللفظ له، ومسلم برقم (1202). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1567).

- حكم عقد الصيانة: عقد الصيانة: هو عقد معاوضة مستقل، يلتزم فيه الإنسان أو الشركة بصيانة وإصلاح ما تحتاجه آلة أو غيرها لمدة معلومة، بعوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده، أو بالعمل وقطع الصيانة، فإن كان العقد غير مقترن بعقد آخر فهو عقد إجارة جائز. وإن كانت الصيانة مشروطة على البائع في عقد البيع لمدة معلومة. فهذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط وهو جائز. وإن كانت الصيانة مشروطة في عقد الإجارة على أحد الطرفين، فإن توقفت على استيفاء المنفعة فهي على مالك العين المؤجرة، وما لا يتوقف عليه استيفاء المنفعة يجوز اشتراطه على المؤجر والمستأجر. ويشترط في جميع الصور تعيين الصيانة، وتبيين المواد إذا كانت على الصائن، وتحديد الأجرة؛ لقطع النزاع، ودفع الجهالة.

12 - الجعالة

12 - الجعالة - الجعالة: هي جَعْل مال معلوم لمن يعمل له عملاً مباحاً. مثل أن يقول: من رد ضالتي فله مائة ريال، أو من بنى هذا الجدار فله خمسون ريالاً. والجعالة التزام من جانب واحد، فهي عقد جائز. - حكمة مشروعية الجعالة: قد يفقد الإنسان ماله أو دابته أو سيارته، ويكون عاجزاً عن معرفة مكانها، أو البحث عنها، فأباح الشرع له أن يبذل شيئاً من المال لمن يرد عليه ضالته، أو يقضي له حاجته. - حكم الجعالة: الجعالة من العقود الجائزة التي يجوز لأحد المتعاقدين فسخها، ويجوز أن تكون على عمل معلوم كبناء حائط، أو مجهول كحفر بئر ماء ونحو ذلك، وتجوز في مدة معلومة، أو مجهولة. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)} [يوسف:72]. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَل مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْرَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعاً مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ،

وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ». متفق عليه (¬1). - الفرق بين الجعالة والإجارة: الجعالة تشبه الإجارة في بذل المال، وحصول المنفعة. وتختلف الجعالة عن الإجارة في أمور: 1 - تصح الجعالة مع معين وغير معين، ولا تصح الإجارة إلا مع شخص أو جهة معينة. 2 - تصح الجعالة على عمل معلوم أو مجهول، ولا تصح الإجارة إلا على عمل معلوم. 3 - لا يشترط في الجعالة قبول العامل، أما الإجارة فلا بد فيها من إيجاب المؤجر، وقبول المستأجر. 4 - الجعالة عقد جائز غير لازم، أما الإجارة فهي عقد لازم لا تفسخ إلا برضا الطرفين. 5 - الجُعْل يُستحق في الجعالة بعد تمام العمل، أما الإجارة فيجوز تعجيل الأجرة وتأجيلها حسب الاتفاق. 6 - الجعالة أوسع من الإجارة؛ لأنها تجوز على أعمال القرب، بخلاف الإجارة فلا تجوز. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5736) , واللفظ له، ومسلم برقم (2201).

- شروط الجعالة: يشترط في الجعالة ما يلي: 1 - أن يكون الجاعل أهلاً للتصرف غير محجور عليه. 2 - أن يكون الجُعْل معلوماً. 3 - أن يكون الجُعْل حلالاً، فلا يصح الجُعْل بخمر، أو مسروق، أو مغصوب. 4 - أن تكون المنفعة معلومة كحفر، أو بناء، أو خياطة، أو نقل ونحو ذلك. - حكم من بذل منفعة: 1 - من بذل منفعة من غير جُعْل، كمن رد لقطة، أو ضالة أو نحوهما لم يستحق عوضاً، ويستحب إكرامه بما يعطى مثله. 2 - من استنقذ مال غيره من هلكة، ورده إلى صاحبه، استحق أجرة المثل، ولو بغير شرط. - صفة الجعالة: أن يقول الإنسان مثلاً: من بنى لي هذا الجدار، أو خاط هذا الثوب، أو رد هذا الفرس، أو نقل هذا الأثاث، فله مائة ريال. فإذا قام بهذا العمل أحد من الناس استحق الجُعْل. - حكم فسخ الجعالة: الجعالة عقد جائز، فيجوز لكل من الطرفين فسخها، فإن كان الفسخ من العامل لم يستحق شيئاً، وإن كان الفسخ من الجاعل: فإن كان الفسخ قبل الشروع في العمل لم يستحق العامل شيئاًَ، وإن كان الفسخ بعد الشروع في العمل فللعامل أجرة ما عمل.

- حكم اختلاف المالك والعامل: إذا اختلف المالك والعامل في أصل الجُعْل، ولم تكن بينة، فيصدَّق المنكر مع يمينه، كأن يقول العامل: شرطتَ لي جُعلاً، فينكر المالك، فيصدَّق المالك مع يمينه؛ لأن الأصل عدم اشتراط الجُعْل، وإن اختلفا في نوع العمل كرد الجمل الضائع، أو المتاع الضائع، أو اختلفا فيمن قام بالعمل، فيصدَّق صاحب العمل مع يمينه؛ لأن الأصل عدم العمل، وإن اختلفا في رد الضال، فيصدَّق المالك؛ لأن الأصل عدم الرد، وإن اختلفا في قدر الجُعْل، أو قدر المسافة، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الزائد، أو يتحالفان فينفسخ العقد، وتجب أجرة المثل.

13 - الوديعة

13 - الوديعة - الوديعة: هي المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض كأن يودع عند غيره ساعة، أو سيارة، أو نقوداً. - حكمة مشروعية الوديعة: قد تطرأ على الإنسان أحوال يكون فيها غير قادر على حفظ ماله: إما لفقد المكان، أو لعدم الإمكان لعجز، أو مرض، أو خوف، ويكون عند غيره القدرة على حفظ ماله. لهذا أباح الله الوديعة لحفظ المال من جهة، وكسب الأجر من جهة المودَع، وحاجة الناس إلى ذلك. - حكم الوديعة: الوديعة عقد جائز، ولكل واحد من العاقدين فسخ الإيداع متى شاء. وإن طلبها صاحبها وجب ردها إليه، وإن ردها المودَع لزم صاحبها قبولها، وهي من التعاون على البر والتقوى. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ

يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} [البقرة:283]. - حكم قبول الوديعة: يستحب قبول الوديعة لمن علم أنه قادر على حفظها؛ لما فيها من التعاون على البر والتقوى، وحصول الأجر والثواب في حفظها، وتكون من جائز التصرف لمثله، في مال معلوم يمكن استلامه. - أركان الوديعة: أركان الوديعة أربعة: المودِع: وهو صاحب الوديعة .. والمستودَع: وهو حافظ الوديعة .. والوديعة: وهي الشيء المودع .. والصيغة: وهي الإيجاب والقبول من الطرفين حسب العرف. - طريقة حفظ الوديعة: يجب على من أُودع مالاً أن يحفظه في حرز مثله كما يحفظ ماله، كل مال بحسبه، وعليه أن يحفظ الوديعة بنفسه؛ لأن المالك رضي بيده لا بيد غيره، والأيدي تختلف في الأمانة، ولا يجوز حفظ الأمانة عند غير المودَع إلا بإذن من صاحب الوديعة إلا لعذر كأن يقع حريق في داره، فيسلِّمها إلى جاره. فإن خالف الوديع طريق الحفظ فتلفت ضمن، إلا إذا كان الإيداع لعذر من مرض، أو سفر، أو خوف غرق فإنه لا يضمن. - ضمان الوديعة: الوديعة أمانة من الأمانات، والأمانة لا يضمنها المؤتمن عليها إلا بالتعدي عليها، أو التفريط فيها.

والتعدي: فعل ما لا يجوز، والتفريط: ترك ما يجب، والوديعة: أمانة محضة لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ولو شرط عليه الضمان فإنه لا يضمن، فإن تعدى أو فرط ضمن؛ لأن يده يد متعدية. - حالات ضمان الوديعة: يتغير حال الوديعة من الأمانة إلى الضمان فيما يلي: 1 - ترك الوديع حفظ الوديعة. 2 - إيداعها عند غيره بلا عذر ولا إذن. 3 - استعمال الوديعة، أو التصرف فيها. 4 - خلطها بغيرها خلطاً لا يتميز. 5 - المخالفة في كيفية حفظ الوديعة. 6 - نقلها إلى دون حرز مثلها. - حكم رد الوديعة: الوديعة أمانة عند المودَع، يجب ردها عندما يطلبها صاحبها، فإن لم يردها بعد طلب صاحبها من غير عذر فتلفت ضمنها. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. - الحكم إذا اختلف المودِع مع الوديع: إذا اختلف المودِع مع الوديع فقال الوديع: تلفت الوديعة عندي، وأنكر المودِع، أو قال الوديع: رددتها إليك، فالقول قول الوديع مع يمينه؛ لأنه أمين في الحفظ.

فإن أقام المودِع بينة على الإتلاف ضمن الوديع. وإن أقام كل منهما بينة فبينة المودِع أولى؛ لأنها أكثر إثباتاً، لأن فيها إثبات الهلاك وزيادة وهو التعدي. - حكم طلب الأجرة على الوديعة: حفظ الوديعة قربة إلى الله عز وجل، فلا يأخذ عليها أجرة، إلا أن تكون مما يشغل منزله فله كراؤه، وإن احتاجت إلى غلق أو نقل فهو على صاحبها. - انتهاء عقد الوديعة: ينتهي عقد الإيداع بما يلي: استرداد الوديعة أو ردها .. نقل ملكية الوديعة لغير المالك ببيع أو هبة .. الحجر على المودِع للسفه .. الحجر على الوديع للسفه .. موت المودِع أو الوديع أو جنونه.

14 - العارية

14 - العارية - العارية: هي إباحة نفع عين بلا عوض؛ سميت بذلك لتعرِّيها عن العوض. - حكمة مشروعية العارية: قد يحتاج الإنسان إلى الانتفاع بعين من الأعيان، وهو لا يستطيع أن يتملكها، ولا يملك مالاً ليدفع أجرتها، وبعض الناس قد لا تقوى نفسه على الهدية أو الصدقة. لهذا شرع الله العارية قضاءً لحاجة المستعير، مع حصول الأجر للمعير ببذل المنفعة لأخيه مع بقاء العين له. - حكم العارية: العارية عقد جائز، فيجوز لكل واحد من الطرفين فسخها، وهي قربة مستحبة؛ لما فيها من الإحسان، وقضاء الحاجات، وجلب المودة والمحبة. وتنعقد بكل قول أو لفظ يدل عليها، وتتأكد مع استغناء المالك عنها، وحاجة الإنسان لها، وهي من التعاون على البر والتقوى. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6021).

فَرَساً مِنْ أَبِي طَلحَةَ، يُقَالُ لَهُ: المَنْدُوْبُ، فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: «مَا رَأيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً». متفق عليه (¬1). - أركان العارية: أركان العارية أربعة: المعير: وهو صاحب العين .. والمستعير: وهو الذي ينتفع بالعين .. والعارية: وهي العين المعارة من دابة أو آلة .. والصيغة: وهي الإيجاب والقبول بين الطرفين حسب العرف. - متى تجب العارية؟: إذا كان المستعير مضطراً إلى العارية، ولم يكن في إعارتها ضرر على المعير، فيجب بذلها له، كما لو وُجد عريان في وقت برد شديد، ومالك الثوب غير محتاج إليه، فيجب إعارته للعريان؛ حفظاً له من الهلاك. قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون:4 - 7]. - شروط العارية: يشترط لصحة العارية ما يلي: 1 - أن تكون العين منتفعاً بها مع بقائها. 2 - أن يكون النفع مباحاً. 3 - أن يكون المعير أهلاً للتبرع. 4 - أن يكون المعير مالكاً لما يعيره، أو مأذوناً له فيه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2627) , واللفظ له، ومسلم برقم (2307).

5 - أن يكون المستعير أهلاً للتصرف. - ما تحرم إعارته: تجوز إعارة كل عين يُنتفع بها مع بقائها كالدور، والآلات، والدواب ونحوها مما منفعته مباحة الاستعمال، فلا تجوز إعارة الأواني لشرب الخمر .. ولا الأجهزة لسماع الغناء .. ولا الدور للبغاء .. ولا الجواري للاستمتاع .. ولا المصحف للكافر .. ولا المحل لبيع المحرمات؛ لما في ذلك وغيره من التعاون على الإثم والعدوان. - حفظ العارية: يجب على المستعير حفظ العارية، والعناية بها، واستعمالها استعمالاً حسناً، وردها سليمة إلى صاحبها. - ضمان العارية: يجب على المستعير حفظ العارية، وحسن استعمالها. وإذا تلفت العارية بيد المستعير ضمنها مطلقاً، سواء فرط أو لم يفرط؛ لأن على اليد ما أخذت حتى تؤديه، والمستعير استعارها لمصلحته، ولأنها مال يجب رده لمالكه، فيضمن عند تلفه بقيمته يوم التلف، وهذا فيما لو تلفت بدون الاستعمال. أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان إلا إن تعدى المستعير أو فرط. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 2 - وَعَنْ يَعْلَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا أَتَتْكَ رُسُلِي

فَأَعْطِهِمْ ثلاَثِينَ دِرْعاً وَثلاَثِينَ بَعِيراً» قَالَ: فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَعَوَرٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَوَرٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: «بَل مُؤَدَّاةٌ». أخرجه أبو داود (¬1). - الفرق بين العارية والوديعة: 1 - العارية مضمونة فرط المستعير أو لم يفرط، أما الوديعة فلا تضمن إلا إن تعدى أو فرط. 2 - جاحد العارية كالسارق تقطع يده، أما الوديعة فلا. 3 - العارية يأخذها الإنسان لحاجته فيضمنها، أما الوديعة فيأخذها الإنسان عنده قربة إلى الله فهو أمين لا ضمان عليه إلا إن تعدى أو فرط. - حكم إعارة العارية: يجوز للمستعير الانتفاع بالعارية بنفسه أو بمن يقوم مقامه، ولا يجوز له أن يؤجرها أو يعيرها إلا بإذن المالك، فإن أعارها بدون إذن المالك فتلفت عند الثاني ضمنها الثاني؛ لأنه قبضها على أنه ضامن لها، وتلفت في يده، فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الغاصب. وللمالك مطالبة من شاء منهما ليعود إليه حقه. - حكم الظَّفَر بالمال: من له حق على غيره فله حالتان: 1 - إن كان سبب الحق ظاهراً كالنكاح، والنفقة، وحق الضيف، فهذا يجوز له الأخذ بالمعروف، وصاحب الحق يأخذ بقدر حقه، ويرد ما زاد عليه لصاحبه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3566).

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قالتْ هِنْدٌ أمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَل عَلَيَّ جُنَاحٌ أنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرّاً؟ قال: «خُذِي أنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه (¬1). 2 - إن كان سبب الحق خفياً، ويُنسب الآخذ إلى خيانة أمانته فلا يأخذ؛ لئلا يُعرِّض نفسه للتهمة والخيانة. - حكم رد العارية: المعير محسن إلى المستعير، فيجب على المستعير أن يرد العارية التي استعارها إذا قضى حاجته، وأن يردها سليمة كما استلمها، ولا يجوز له حبسها أو جحدها، فإن فعل فهو خائن آثم. وللمعير أن يسترد العارية متى شاء ما لم يسبب ضرراً للمستعير، فإن كان في استردادها ضرراً بالمستعير أَجَّل قبضها حتى يزول الضرر كمن أعار أرضاً ثم زرعها المستعير، فليس للمعير استردادها حتى يحصدها المستعير. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء:58]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} [الأنفال:27]. - الحكم إذا اختلف المعير والمستعير: 1 - إذا اختلفا في أصل العقد كما إذا ادعى أحدهما الإعارة، وادعى الآخر الإجارة، ولم تكن بينة، فالقول قول المالك مع يمينه، لأن الأصل عدم الإذن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2211) , واللفظ له، ومسلم برقم (1714).

بالانتفاع. 2 - إن اختلفا في التلف، ولم تكن بينة، فيصدَّق المستعير مع يمينه؛ لأنه مؤتمن. 3 - إن اختلفا في الرد، فادعى المستعير أنه ردها، وأنكر المعير ذلك، ولم تكن بينة، فيصدَّق المعير مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الرد حتى يثبت، والمستعير مدّع، فعليه البينة، والمعير منكر، واليمين على من أنكر. - انتهاء العارية: ينتهي عقد العارية بما يلي: 1 - طلب المعير العارية. 2 - رد المستعير العارية. 3 - موت أحد العاقدين أو جنونه. 4 - الحجر على المعير بسبب الإفلاس. 5 - الحجر على أحد العاقدين بالسفه.

15 - الشركة

15 - الشركة - الشركة: هي اجتماع في استحقاق، أو تصرف بين اثنين فأكثر كأن يشترك اثنان في استحقاق مالي كالإرث والعطية، أو تصرف كالبيع والشراء. - حكمة مشروعية الشركة: يحتاج الإنسان إلى تنمية أمواله، وقد لا يستطيع الإنسان القيام بذلك إما لعدم قدرته، أو لعدم وجود رأس المال. ولحاجة الأمة إلى المشاريع التي لا يستطيعها الإنسان بمفرده كالمشاريع الصناعية، والتجارية، والعمرانية، والزراعية ونحوها. لهذا أباح الله الشركة لتمكين الناس من سد حاجتهم، وتنمية أموالهم، خاصة في المشاريع الكبرى التي يتعذر على الإنسان أن يقوم بها بمفرده. والشركة سبب لحصول البركة، ونماء المال، إذا قامت على الصدق، والأمانة، والسماحة، والتراضي، والكسب الحلال. - حكم الشركة: الشركة عقد جائز، أباحها الله تيسيراً على العباد في تحصيل الأرزاق، وتصح مع المسلم وغيره، فتجوز مشاركة الكافر بشرط ألا ينفرد الكافر بالتصرف من دون المسلم، فيتعامل بما حرم الله كالربا والغش، والتجارة فيما حرم الله من خمر وخنزير، وصور وأصنام ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24].

2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12]. 3 - وَعَنِ السَّائِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كُنْتَ شَرِيكِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لاَ تُدَارِينِي وَلاَ تُمَارِينِي. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - أنواع الشركة: تنقسم الشركة إلى قسمين: الأول: شركة أملاك: وهي أن يشترك اثنان فأكثر في استحقاق مالي كالاشتراك في تملك عقار، أو مصنع، أو سيارة ونحو ذلك. وهذا القسم نوعان: 1 - شركة اختيار: وهي التي تنشأ بفعل الشريكين، مثل أن يشتريا شيئاً من عقار أو منقول، فيكون مشتركاً بينهما شركة ملك. 2 - شركة جبر: وهي التي تثبت لشخصين فأكثر بغير فعلهما، كأن يرث اثنان شيئاً، فيكون الموروث مشتركاً بينهما شركة ملك. وحكم هذه الشركة بنوعيها: أن كل واحد من الشريكين كأنه أجنبي في نصيب صاحبه، فلا يجوز له التصرف فيه بغير إذنه، فإن تصرف نفذ في نصيبه فقط، إلا أن يجيزه صاحبه فينفذ في الكل. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4836) وأخرجه ابن ماجه برقم (2287) وهذا لفظه.

الثاني: شركة عقود: وهي اجتماع في التصرف كالاجتماع في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك. وهذا القسم هو المراد هنا. وفي شركة العقود ينفذ تصرف كل واحد من الشريكين بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه. وتنقسم شركة العقود إلى خمسة أقسام: شركة المضاربة .. وشركة الوجوه .. وشركة العِنان .. وشركة الأبدان .. وشركة المفاوضة. 1 - شركة المضاربة: هي أن يدفع أحد الشريكين مالاً للآخر فيتَّجر به بجزء معلوم مشاع من ربحه كالربع، أو الثلث ونحوهما، والباقي لصاحب المال، وإن خسر المال بعد التصرف جُبر من الربح، وليس على العامل شيء، وإن تلف المال بغير تعد ولا تفريط لم يضمنه العامل المضارب. والمضارب أمين في قبض المال .. ووكيل في التصرف .. وأجير في العمل .. وشريك في الربح. - حكمة مشروعية المضاربة: أباح الله عز وجل المضاربة تيسيراً على الناس في كسب الرزق، فقد يملك الإنسان المال، ولا يملك القدرة على تنميته، ويملك غيره القدرة على الاستثمار، ولكنه لا يملك المال. من أجل هذا أباح الإسلام هذه المعاملة، ليستفيد كل واحد منهما، فرب

المال ينتفع بخبرة المضارب، والمضارب ينتفع بالمال، ويحصل لهما الربح معاً، هذا بماله، وهذا بجهده. - حكم المضاربة: المضاربة عقد جائز، وتسمى قراضاً ومعاملة. وقد ضارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخديجة رضي الله عنها بمالها، وسافر به إلى الشام قبل أن يبعث، وربح فيه. وقد كان معمولاً بها في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أقرها. - شروط المضاربة: يشترط لصحة المضاربة ما يلي: 1 - أن يكون كلٌّ من رب المال والمضارب أهلاً للتصرف. 2 - أن يكون رأس المال معلوم المقدار. 3 - أن يكون رأس المال عيناً حاضرة لا ديناً. 4 - أن يسلم رأس المال إلى العامل المضارب. 5 - أن يكون الربح لكل منهما معلوم المقدار. 6 - أن يكون الربح جزءاً مشاعاً من المال كالربع أو النصف مثلاً. - حكم فسخ المضاربة: تنفسخ المضاربة بما يلي: 1 - إذا فقدت المضاربة شرطاً من شروط الصحة، فإن اتجر المضارب بالمال، فالربح للمالك، وللمضارب أجرة مثله، وما كان من خسارة فهي على المالك.

2 - موت العامل أو رب المال أو جنونه، فإن تصرف العامل المضارب بعد علمه بموت المالك، وبغير إذن الورثة، فهو غاصب، وعليه الضمان، وإن ربح المال فالربح بينهما. 3 - أن يتعدى المضارب أو يقصر في حفظ المال، أو يفعل شيئاً يتنافى مع العقد. 4 - الحجر على أحدهما لسفه أو إفلاس. - أركان المضاربة: أركان المضاربة أربعة: رب المال، المضارب -وهو العامل-، المال، الصيغة -وهي الإيجاب والقبول حسب العرف-. - حكم اختلاف المالك والمضارب: 1 - إذا اختلف المالك والمضارب في التصرفات، ولم تكن بينة فيُقبل قول من يدعي العموم؛ لأنه الذي يتفق مع عقد المضاربة. 2 - إن اختلفا في تلف المال، ولم تكن بينة، فادعاه المضارب، وأنكره رب المال، فالقول قول المضارب؛ لأنه أمين. 3 - إن اختلفا في رد المال، فادعاه المضارب، وأنكره رب المال، ولم تكن بينة، فالقول قول رب المال؛ لأن الأصل عدم الرد، ولأن المضارب قبض المال لنفع نفسه كالمستعير. 4 - إن اختلفا في قدر رأس المال، ولم تكن بينة، فيقبل قول المضارب؛ لأنه القابض. 5 - إن اختلفا في مقدار الربح، ولم تكن بيبنة، فيقبل قول المضارب؛ لأنه أمين،

وإن اختلفا في أصل الربح، ولم تكن بينة صُدِّق المضارب مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الربح. 6 - إن اختلفا في صفة رأس المال هل هو مضاربة، أو وديعة، أو بضاعة، ولم تكن بينة، فالقول قول رب المال؛ لأن الشيء المدفوع ملكه، وهو أعلم بصفة خروجه منه. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لاَدّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنّ اليَمِينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - شركة الوجوه: وهي أن يشترك وجيهان عند الناس، من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن يشتريا بالنسيئة، ويبيعا بالنقد، بمالهما من وجاهةٍ عند الناس، وما رَزَق الله من ربح فهو بينهما، وما حصل من خسارة فهو عليهما. وكل واحد منهما وكيل صاحبه، وكفيل عنه في البيع والشراء والتصرف. وسميت بشركة الوجوه؛ لأنه لا يباع بالنسيئة إلا لوجيه من الناس، وتسمى شركة الذمم، وهي مباحة. 3 - شركة العِنَان: هي أن يشترك اثنان فأكثر ببدنيهما وماليهما المعلوم، ولو متفاوتاً، ليعملا فيه ببدنيهما، أو يعمل فيه أحدهما، ويكون له من الربح أكثر من الآخر حسب الاتفاق بينهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2514) , ومسلم برقم (1711) , واللفظ له.

ويشترط أن يكون رأس المال معلوماً من كلٍّ منهما، ويكون الربح والخسارة على قدر مال كل واحد منهما حسب الاشتراط والتراضي. وهذا النوع من الشركات هو السائد بين الناس؛ لأن شركة العِنان لا يشترط فيها التساوي في المال، ولا في التصرف، وهي مباحة. 4 - شركة الأبدان: هي أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما، سواء كان الاشتراك في الحِرَف والمهن كالحدادة، والنجارة ونحوهما. أو كان في المباح كالاحتطاب والاحتشاش، وما رَزَق الله فهو بينهما حسب الاتفاق والتراضي. وتسمى شركة الأعمال، وشركة الصنايع، وشركة التقبل. وهي جائزة؛ لأن المقصود منها التعاون في تحصيل الربح والرزق. والشركة تكون بالمال أو بالعمل كما في المضاربة، وهي هنا بالعمل. 5 - شركة المفاوضة: هي أن يفوض كل واحد من الشركاء إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني في الشركة بالبيع والشراء والتأجير ونحو ذلك. فكل شريك في المفاوضة مطلق التصرف في رأس المال في البيع والشراء، والأخذ والعطاء، والضمان والتوكيل، والقرض والتبرع ونحو ذلك مما تحتاج إليه التجارة من تصرف، وتسمى الشركة المختلطة. ويُلزم كل شريك بما يعمله شريكه، وتكون فيما تم عليه العقد من أموالهم. والربح بينهما حسب الشرط، والخسارة على قدر ملك كل واحد منهم من

الشركة. وهذه الشركة جائزة، وهي تجمع بين الشركات الأربع السابقة، وكلها جائزة؛ لما فيها من التعاون في كسب الرزق، وقضاء حوائج الناس، وتحقق العدل والمصلحة. - فوائد الشركات الحلال: للشركة الحلال منافع تعود على الشريكين معاً: 1 - أن شركة المضاربة والعنان والوجوه والأبدان خير وسيلة لتنمية الأموال، ونفع الأمة، وبسط الرزق، وتحقيق العدل. فالعِنان مال وعمل من الطرفين .. والمضاربة مال من أحدهما، وعمل من الآخر .. والأبدان عمل منهما معاً .. والوجوه بما يأخذان بجاههما من الناس. 2 - بمثل هذه الشركات الحلال، والمعاملات المشروعة، يُستغنى عن الكسب الحرام كالربا الذي هو ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل. 3 - بقيام مثل هذه الشركات تتسع دائرة الاكتساب في حدود المباح. فقد أباح الإسلام للإنسان الاكتساب منفرداً، أو مشتركاً مع غيره، حسب ما ورد في الشرع. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 2 - وقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ

فَضْلِ اللَّهِ} [المزَّمل:20]. - فقه إباحة الشركات: أباح الشرع أنواع الشركات توسيعاً على الناس في معاملاتهم، وتنويعاً لطرق الكسب الحلال، وتحريكاً للأموال الراكدة، وتنمية لأموال العاجزين عن العمل، وتهيئة الفرصة للعاطلين عن العمل، وتحقيق مصالح الفرد والأمة، وسد أبواب الكسب المحرم. - مبطلات عقد الشركات: تبطل عقود الشركات بما يلي: فسخ الشركة من أحد الشريكين .. موت أحد الشريكين .. جنون أحد الشريكين .. فقد أحد الشريكين وغَيبته مدة طويلة؛ لأن ذلك بمنزلة الموت. - أركان الشركة: أركان الشركة أربعة: الشريكان، والمعقود عليه -وهو المال أو العمل-، والصيغة -وهي الإيجاب والقبول بحسب العرف-. - شروط الشركات الحلال: الشركات التي أباحها الشرع يشترط فيها ما يلي: 1 - أن يكون رأس المال معلوماً من كل شريك. 2 - أن يكون الربح مقسوماً قسمة مشاعة بين الشركاء حسب أموالهم إما بالنسبة 20%، 30% أو أقل أو أكثر، أو لأحدهما الربع أو الثلث، وللآخر الباقي ونحو ذلك.

3 - أن يكون عمل الشركة في الأمور والأشياء المباحة شرعاً، فلا يجوز للمسلم المشاركة في شركة تزاول أعمالاً محرمة كتصنيع الدخان، أو المخدرات، أو الخمور، أو تتاجر فيها، أو دور القمار، أو شركات الأغاني، وإنتاج الأفلام الخبيثة، أو المصارف الربوية ونحو ذلك مما حرمه الله ورسوله. - حكم استخدام اسم الشخص في التجارة: إذا اتفقت إحدى الشركات مع شخص تستخدم اسمه ووجاهته، ولا تطالبه بمال ولا عمل، وتعطيه مقابل ذلك مبلغاً معيناً من المال، أو نسبة معينة من الربح مثلاً. فهذا العمل غير جائز، والعقد غير صحيح؛ لما فيه من الكذب، والخداع، والغرر، والضرر، وفي الشركات السابقة غنية عنه. - حكم مشاركة الكفار: تجوز مشاركة المسلم أو الكافر في كل عمل مباح شرعاً، وتجوز مشاركة الكافر في تجارة أو عمل وإن كان يرابي في غيره. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعْطَى خَيْبَرَ اليَهُودَ، عَلَى أنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2331) , واللفظ له، ومسلم برقم (1551).

الشركات المعاصرة

الشركات المعاصرة - أقسام الشركات المعاصرة: تنقسم الشركات المعاصرة إلى قسمين: شركات أشخاص .. وشركات أموال. 1 - شركات الأشخاص: وهي الشركات التي تقوم على شخصية الشركاء، بصرف النظر عن المال الذي يقدمه كل شريك. وهي ثلاثة أنواع: 1 - شركة التضامن: وهي التي يعقدها اثنان فأكثر بقصد التجارة ويكون الشركاء فيها متضامنون في جميع أعمال الشركة على حد سواء. وهي جائزة؛ لأنها تشبه شركة المفاوضة. 2 - شركة التوصية البسيطة: وهي التي تُعقد بين شركاء بعضهم متضامنون، وبعضهم موصون، فجميعهم يقدمون المال، لكن المتضامنين يقومون بأعمال إدارة الشركة، والموصون ليس لهم علاقة بأعمال الشركة. وهي جائزة؛ لأنها تشبه شركة العِنان والمضاربة. 3 - شركة المحاصة: هي عقد يلتزم فيه شخصان فأكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي،

بتقديم حصة من المال أو العمل، ويقتسمان الربح، ويتحملان الخسارة على حسب ماليهما كالمشاركة في مزاد، أو صفقة وقتية، تُصفّى الأرباح في الحال وتنتهي. وهذه جائزة شرعاً؛ لأنها نوع من أنواع شركة العنان. 2 - شركات الأموال: وهي الشركات التي تعتمد في تكوينها على عنصر المال، بقطع النظر عن شخصية الشريك. وهي ثلاثة أنواع: 1 - شركة المساهمة: وهي أهم أنواع شركات الأموال في هذا العصر. والشركة المساهمة: هي التي يُقسم فيها رأس المال إلى أجزاء صغيرة متساوية، يطلق على كل منها سهم، يكون قابلاً للتداول، غير قابل للتجزئة كالشركات الصناعية والتجارية والزراعية ونحوها. ويعتبر مدير الشركة وعمالها أُجَراء عند المساهمين، وتوزع الأرباح على الأسهم حسب رأس المال. وهذه الشركة جائزة شرعاً؛ لأنها شركة عِنان، لقيامها على أساس التراضي، ومجلس الإدارة وكيل عن الشركاء في التصرف. 2 - شركة التوصية بالأسهم: وهي التي تضم نوعين من الشركاء: متضامنين، ومساهمين، والمساهمون كالشركاء الموصين في شركة التوصية البسيطة، ويختلف المساهم عن

الموصي في أن الأول يملك أسهماً قابلة للتداول على عكس الثاني. وهذه الشركة جائزة شرعاً؛ لأنها نوع من شركات العنان، وعمل المتضامنين فيها خاضع لأحكام شركة المضاربة. 3 - الشركة ذات المسؤولية المحدودة: وهي شركة تجارية كباقي شركات الأموال، تجمع بين شركات الأموال والأشخاص، ففيها من شركات الأموال أن مسؤولية الشريك محدودة بمقدار حصته، ومن يديرها كالأجير. وفيها من شركات الأشخاص أن الشريك يكون صاحب حصة في الشركة وليس مساهماً، ولا تكون حصص الشركاء قابلة للتداول كالأسهم، وهذه الشركة جائزة شرعاً؛ لأنها تعتبر من شركة العِنان، وفيها بعض خصائص المضاربة. - أنواع شركات الأموال: الشركات التي طرحت أسهمها في الأسواق ثلاثة أنواع: شركات حلال .. وشركات محرمة .. وشركات مختلطة. 1 - الشركات الحلال: هي الشركات التي أصل نشاطها مباح، ولا تبيع أو تشتري المحرمات، ولا تتعامل بالربا كالشركات الزراعية، والصناعية، والتجارية ونحوها من الشركات المجازة شرعاً، فهذه تجوز المساهمة فيها، وبيع وشراء أسهمها، والاستثمار فيها.

2 - الشركات المحرمة: وهي الشركات التي أصل نشاطها محرم، كالبنوك الربوية، والشركات التي تبيع الخمور والدخان أو تصنعها، أو التي تبيع وتشتري السلع المحرمة كالأفلام والصور ونحوها، فهذه الشركات لا تجوز المساهمة فيها، ولا البيع والشراء في أسهمها، ولا الاستثمار فيها. 3 - الشركات المختلطة: وهي الشركات التي أصل نشاطها مباح، لكنها قد تمارس بعض الأنشطة المحرمة. كالاقتراض من البنوك بالربا، أو إقراض البنوك بالربا ونحو ذلك، فهذه الشركات فيها حلال وحرام، فيجب اجتنابها؛ سلامة للكسب، وتشجيعاً للشركات الحلال، وهجراً للشركات المحرمة لتعود إلى الكسب الحلال. 1 - قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. 2 - وَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ): «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلبُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599) , واللفظ له.

- حكم شراء الشركات المحرمة: لا يجوز للمسلم شراء الأشياء المحرمة من شركات وغيرها؛ لما في ذلك من تعدي حدود الله، وتجاوز الحلال إلى الحرام. أما شراء الشركات المحرمة بغرض تحويلها إلى شركات إسلامية مباحة، بتنقيتها من شوائب الربا، والعقود المحرمة والأشياء المحرمة لتكون الشركة أداة استثمارية مشروعة، فهذا جائز إذا أمكن التحويل في وقت قصير؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، لما فيه من تحويل الحرام إلى حلال، ولما فيه من جلب المصالح، ودفع المفاسد. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2]. - أنواع الأوراق التي يتعامل بها الناس: الأوراق التي يتعامل بها الناس اليوم ثلاثة أنواع: الأوراق النقدية .. الأوراق التجارية .. الأوراق المالية. 1 - الأوراق النقدية: هي كل مال وُضع بين الناس ليكون وسيطاً للتبادل في السلع كالريال، والدرهم، والدينار، والجنيه، والدولار وغيرها من العملات النقدية. 2 - الأوراق التجارية: وهي صكوك ثابتة قابلة للتداول بين الناس، وهي تمثل حقاً شخصياً موضوعه: دفع مبلغ معين من النقود بموجبها لحاملها. وهي نوعان: الشيكات .. والكمبيالات.

فالشيك: أمر مكتوب يطلب به صاحبه من البنك أن يدفع مبلغاً من المال لفرد أو شركة أو جهة ونحو ذلك. والكمبيالة: صك محرر يتضمن أمراً من الساحب إلى المسحوب عليه بدفع مبلغ مسمى لحامل الصك في وقت محدد، ويسمى السند الإذني. 3 - الأوراق المالية: وهي نوعان: 1 - الأسهم: وهي صكوك قابلة للتداول، تمثل الحصص التي يملكها الإنسان في الشركة، ويتكون رأس المال من هذه الأسهم، سواء كانت نقدية أو عينية. 2 - السندات: وهي صكوك قابلة للتداول، تمثل قرضاً، تصدرها الحكومات والشركات عندما تستدين من الناس، ويعتبر حامله دائناً للشركة، ولا يعد شريكاً فيها، وهي محرمة؛ لما فيها من الربا. وهذه الأوراق الثلاث كثيرة الشيوع والاستعمال في عصرنا الحاضر، وهي من فقه النوازل المستجدة، فلا بد من كشف أحوالها، وبيان أحكامها، ليكون المسلم على بينة منها؛ لئلا يقع في الحرام أو المشتبه وهو لا يعلم. - الأسواق المالية (البورصة): هي سوق منظمة للتعامل في الأوراق المالية من أسهم وسندات الحكومات والشركات، القابلة للتداول في البورصة، وفق ضوابط محددة. وتعقد في مكان معين .. في أوقات دورية .. للتعامل بيعاً وشراءً بمختلف الأوراق المالية.

- أنواع البورصات: 1 - بورصة الأوراق المالية: وهي التي تباع فيها الأسهم والسندات بسعر باتّ، أو بسعر البورصة. 2 - بورصة البضاعة الحاضرة: وهي التي يتم التعامل فيها بناء على عيِّنة من البضاعة كالسيارات، والسجاد، والآلات ونحو ذلك، ثم يُدفع غالب الثمن عند العقد، والباقي عند التسليم. أو يجري البيع فيها على سلع حاضرة بثمن مؤجل على سعر بات أو معلق، خلال فترة معينة. 3 - بورصة العقود: وهي التي يتم فيها البيع لسلع غائبة بسعر بات مقرر، أو بسعر معلق على سعر البورصة، وهي بيع مقدور التسليم في المستقبل لا في الحال. - مكان بيع الأوراق المالية: بورصة الأوراق المالية ليست هي المكان الوحيد الذي تباع وتشترى فيه الأسهم والسندات، فقد تمت الآن مزاولة هذه التجارة من خلال شبكات الحاسب الآلي، على المستوى الإقليمي والعالمي. - الفرق بين الأسهم والسندات: 1 - السهم نصيب من رأس مال الشركة، والسند دين على الشركة. 2 - حامل السهم شريك في الشركة التي أصدرته، وحامل السند دائن على الشركة التي أصدرته. 3 - حامل السهم يحصل على ربح بحسب نسبة أرباح الشركة، ويخسر بحسب

خسارتها، وحامل السند يحصل على ربح ثابت في الموعد المحدد، سواء ربحت الشركة أو خسرت. - أوجه التشابه بين الأسهم والسندات: كل من السهم والسند يصدر بقيم متساوية .. ولا يقبل التجزئة .. ويمثل حقاً بموجب الصك .. ويمكن تداوله في السوق .. وكل منهما يدرّ دخلاً على صاحبه .. ويصدران عن طريق الاكتتاب العام .. ولكلٍّ منهما قيمة اسمية .. وسعر في السوق اليومي. - أنواع بيع الأوراق المالية: العمليات التي تتم في سوق الأوراق المالية نوعان: العمليات العاجلة الفورية .. والعمليات الآجلة. 1 - العمليات الفورية: يتم فيها بيع السهم وقبض قيمته فوراً، وهو كالبيع المعروف لغير السهم من السلع، يجوز بيعه وشراؤه في العمليات العادية والفورية كعروض التجارة؛ لأن الأصل جواز بيع الشريك حصته لشريكه أو لآخر، وهو حاصل في بيع الأسهم. 2 - العمليات الآجلة: يتم فيها عقد الصفقة الآن، ولكن الدفع والتسليم يتمان فيما بعد في وقت معلوم. فهذا البيع لا يجوز؛ لأنه من بيع الدين بالدين، لأن البائع للأسهم لا يسلمها للمشتري، والمشتري لا يدفع له الثمن، فقد تأجل الثمن والمثمن.

وهم غالباً لا يريدون البيع والشراء حقيقة، بل المراد المضاربة على ارتفاع الأسعار وانخفاضها فقط، وذلك من الميسر الذي حرمه الله عز وجل. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة:90]. - حكم التعامل المالي بالأسهم: 1 - القرض: يجوز إقراض كل عين يجوز بيعها، والأسهم عين يجوز إقراضها؛ لأنه يجوز بيعها، فإذا اقترض الإنسان خمسين سهماً من أي شركة، فعليه أن يرد خمسين سهماً من أسهم هذه الشركة، فيكون قد رد مثل ما أخذ تماماً. 2 - الرهن: يجوز رهن الأسهم؛ لأنه يجوز بيعها، فكل ما جاز بيعه جاز رهنه. 3 - الحوالة: تجوز الحوالة في الأسهم، فيحيل من عليه الدين من له الدين بالأسهم التي له على المحال عليه. 4 - المضاربة بالأسهم: الأسهم بذاتها عروض تجارة، والمضاربة بالنقد أو العروض جائزة، فيأخذ المضارب الأسهم من رب المال، ويبيع ويشتري بها بقصد الربح، والربح بينهما حسب الاتفاق، والخسارة على مالك الأسهم وهكذا في باقي المعاملات المالية الأخرى. - خصائص الأسهم: الأسهم صكوك مالية كالعروض قابلة للتداول والمتاجرة، فهي كعروض التجارة تزيد وتنقص حسب العرض والطلب. وأسهم كل شركة متساوية القيمة، والمساهم لا يشارك الشركة في أنشطتها، وملكية السهم غير ملكية الشركة، فقد يرتفع نشاط الشركة وينزل سعر

السهم، ولذلك رِبْح السهم لا يعود للشركة، بل يعود لمشتري السهم، والسهم يمثل حقاً في الشركة، فمن ملكه فله أرباح من الشركة. - حكم بيع وشراء الأسهم: الأسهم من حيث الأصل جائزة، فهي نوع من الشركات والعروض والبيوع التي الأصل فيها الحل إذا توفرت فيها شروط البيع. وما يجري في سوق الأسهم من البيع والشراء، والربح والخسارة بشكل سريع، فيه مخاطرة لا مقامرة، والمخاطرة من أجل الكسب جائزة، وهذا جار في جميع السلع، وليس في الأدلة الشرعية ما يمنعها. - حكم مزاولة البيع والشراء في الأسهم: 1 - يجوز لمالك الأسهم إذا كانت حلالاً أن يبيع ويشتري بها بنفسه، ويجوز له أن يوكل غيره بنسبة معلومة من الربح كالربع مثلاً، ويجوز أن يضارب بها مع غيره، بأن تكون الأسهم باسم شخص، والبيع والشراء بيد الآخر على نسبة معلومة من الربح كالربع أو النصف، أو بما تراضيا عليه. 2 - لا يجوز للإنسان أن يشتري أسهماً من شركة باسم غيره، سواء كان ذلك بعوض أو بدون عوض؛ لما في ذلك من الكذب والحيلة، ولما يسببه من النزاع في حال الربح أو الخسارة. 3 - يجوز أخذ المال للمتاجرة فيه بنسبة معينة من الربح كالثلث مثلاً، ولا يجوز أن يحدد مبلغاً مقطوعاً معيناً لمن أخذ منه المال، كأن يأخذ منه مائة ألف ريال ويقول: أتاجر فيها وأعطيك كل شهر خمسة آلاف؛ لما فيه من الغرر، لأنه قد يربح وقد يخسر.

4 - إذا كانت الأسهم التي اشتراها محرمة وهو لا يعلم: فإن زادت فله أخذها؛ لأنه لا يعلم، لكن يبيعها فوراً، وإن نقصت انتظر حتى يعود إليه رأس ماله، ثم يخرج منها. قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة:279]. - حكم وقف الأسهم: يجوز وقف الأسهم؛ لأنها أجزاء مشاعة من موجودات الشركة، مع ما تمثله من القيمة السوقية. عَنْ كَعْب بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: «أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلتُ: فَإِنِّي أمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. متفق عليه (¬1). - حكم الوصية بالأسهم: الأسهم من الأموال، ويجوز للإنسان أن يوصي بثلث ماله فأقل، فإن كانت قيمة الأسهم حين موت الموصي أكثر من ثلث ماله توقف ما زاد على الثلث على إجازة الورثة، فإن أجازوه وإلا بطل ما زاد على الثلث. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ». فَقُلتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: «لاَ». ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2757) , واللفظ له، ومسلم برقم (2769).

أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ». متفق عليه (¬1). - كيفية زكاة الأسهم: 1 - إذا تملك الإنسان أسهماً في شركة حلال للحصول على الأرباح السنوية، ويقصد الاستمرار فيها، ولا يقصد بتملكها المتاجرة فيها بيعاً وشراءً في سوق المال، فهذا يزكي بحسب مال الشركة من حيث الحول، والنصاب، ومقدار الواجب، ففي عروض التجارة ربع العشر من المال، وفي الزراعة العشر أو نصف العشر، وفي المواشي زكاة بهيمة الأنعام. وإن كانت الشركات الزراعية والحيوانية تبيع السلع كعروض تجارة ففيها زكاة عروض التجارة ربع العشر من رأس المال السائل وأرباحه. 2 - إن كان المساهم اشترى الأسهم بقصد المتاجرة فيها بيعاً وشراءً في الأسواق المالية كالبضائع، فهذه فيها زكاة عروض التجارة ربع العشر من رأس المال والأرباح، والمعتبر في زكاة الأسهم هو قيمة السهم السوقية؛ لأنها عروض تجارة فتقوَّم بسعرها الحالي. فإذا بلغت النصاب، وحال عليه الحول، أخرج زكاتها. - حكم السندات: السند: صك قابل للتداول، تصدره الحكومات أو الشركات عندما تستدين من الناس، وتدفع بموجبه فائدة لمن أقرضها، مع بقاء رأس المال كاملاً، وصاحب السند يأخذ عليه فائدة معينة ثابتة كل سنة مثلاً، وهذا هو الربا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1295) , واللفظ له، ومسلم برقم (1628).

المحرم، بل قد جمع أنواع الربا الثلاثة: ربا الفضل .. وربا النسيئة .. وربا القرض. فهو في أصله قرض جر نفعاً، وهذا هو ربا القروض. وبناءً على ذلك: تحرم جميع السندات مهما اختلفت مسمياتها، ما دامت سنداً يلتزم المُصدر له بموجبه أن يدفع لحامله القيمة الإسمية كاملة، مع فائدة ربوية متفق عليها. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران:130 - 132]. - حكم التعامل بالسندات: السندات سلع ربوية محرمة، لا يجوز بيعها .. ولا شراؤها .. ولا المضاربة فيها .. ولا رهنها .. ولا وقفها .. ولا الوصية بها؛ وذلك لاشتمالها على عقد ربوي محرم جر نفعاً وهو الفائدة، ولا زكاة فيها؛ لأنها كسب خبيث، لكن تجب الزكاة في أصل الدين بدون الفائدة.

16 - الشفعة

16 - الشفعة - الشفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها بالثمن الذي استقر عليه العقد. - حكمة مشروعية الشفعة: الشفعة من محاسن الإسلام، شرعت لنفع الشريك، ودفع الضرر عنه؛ لأنه ربما يشتري نصيب شريكه عدو له، أو ذو أخلاق سيئة، أو ممن لا يرغب في جواره، فيحدث بسبب ذلك التباغض والتقاطع، ويتأذى الجار، وتزيد الفرقة والخلاف. لهذا شرع الله الشفعة دفعاً للأذى والضرر. - حكم الشفعة: تجوز الشفعة للشريك في كل ما لم يُقسم من أرض، أو دار، أو حائط. والشفعة حق للشريك، سواء كان مسلماً أو كافراً. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ. متفق عليه (¬1). - محل الشفعة: تثبت الشفعة للشريك في كل شيء لم يُقسم من أرض، أو دار، أو حائط، أو بئر، ويأخذ الشفيع المبيع بكل الثمن، فإن عجز عنه سقطت. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2257) , واللفظ له، ومسلم برقم (1608).

- أركان الشفعة: أركان الشفعة أربعة: شافع: وهو الآخذ .. ومشفوع عليه: وهو المأخوذ منه .. ومشفوع فيه: وهو العين المباعة .. والصيغة: وهي ما يدل من الشفيع على الأخذ. - وقت الشفعة: الشفعة حق للشريك تثبت له متى علم بالبيع، فإن أخرها بعد علمه بطلت شفعته؛ إلا أن يكون غائباً أو معذوراً فيكون على شفعته متى قدر عليها، وإن أمكنه الإشهاد على المطالبة بها ولم يشهد بطلت شفعته، وإذا مات الشفيع ثبتت الشفعة لورثته. - شروط الشفعة: يشترط لصحة الشفعة ما يلي: 1 - أن يكون المشفوع فيه لم يُقسم. 2 - أن يكون الشفيع شريكاً في المشفوع فيه. 3 - أن يُخرِج المشفوع فيه من ملك صاحبه بعوض مالي كالبيع. 4 - أن يطلب الشفيع الشفعة متى علم على الفور. 5 - أن يأخذ الشفيع جميع الصفقة بثمنها كله. - حكم الحيلة لإسقاط الشفعة: يحسن بالشريك إذا أراد بيع نصيبه أن يعرضه على شريكه. ولا تجوز الحيلة لإسقاط الشفعة، كأن يقر لإنسان ببعض الملك، ثم يبيعه الباقي.

ومن أسقط الشفعة بطرق كاذبة، وتمويهات باطلة فقد ظلم نفسه بارتكاب المعصية، وظلم الشفيع لحرمانه من حقه الذي أوجبه الله له، سواء كان ذلك قبل حصول البيع أو بعده. ولو احتال لم تسقط؛ لأنها شرعت لدفع الضرر، وإذا أسقطها بالاحتيال حصل الضرر. - ما تسقط به الشفعة: تسقط الشفعة بواحد مما يلي: إذا عجز الشفيع عن دفع الثمن كله أو بعضه .. إذا تأخر الشفيع عن المطالبة بالشفعة بلا عذر .. بيع الشفيع ما يشفع به قبل العلم بالشفعة .. إذا انتقل نصيب الشريك إلى غيره بغير عوض كالإرث والهبة ونحوهما .. إذا مات الشفيع قبل أن يطلب الشفعة .. إذا أسقط الشفيع حقه في الشفعة. - الحكم عند تزاحم الشفعاء: إذا كان الشفعاء أكثر من واحد، وكل منهم يطلب الشفعة: فإن كانوا من مرتبة واحدة كالشركاء في المبيع، يقسم العقار المشفوع فيه بين الشفعاء على قدر حصصهم منه؛ لأن الضرر داخل على كل واحد من الشركاء بحسب ما يملكه. وإن لم يكن الشفعاء من مرتبة واحدة، فيقدم الشريك في المبيع أولاً، ثم الشريك في حق الارتفاق، ثم الجار الملاصق. - حكم شفعة الجار: الجار أحق بشفعة جاره، فإذا كان بين الجارين حق مشترك من طريق، أو ماء،

أو مسيل، تثبت الشفعة لكل منهما. فلا يبيع أحدهما حتى يستأذن جاره، وإن باع من غير إذنه كان أولى بالمبيع من المشتري؛ لدفع الضرر والمفسدة. 1 - عَنْ أبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الجَارُ أحَقُّ بِسَقَبِهِ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الجَارُ أَحَقُّ بشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بهَا وَإِنْ كَانَ غَائِباً إِذا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِداً». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). - حكم اختلاف الشفيع والمشتري: إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن، ولم تكن بينة، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه أعلم بما اشتراه من الشفيع، وإن اختلفا في صفة الثمن، بأن قال المشتري: اشتريته بثمن معجل، وقال الشفيع: بل بثمن مؤجل، ولم تكن بينة، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأن الحلول في الثمن أصل، ولأن العاقد أعرف بصفة الثمن من غيره، فكان القول قوله. - حكم ما يطرأ على المشفوع فيه: قد يطرأ على المشفوع فيه وهو في يد المشتري قبل القضاء بالشفعة للشفيع بعض التغيرات، كعقودٍ وتصرفاتٍ ناقلة للملكية كالبيع والهبة، أو مرتبة لحق انتفاع كالإجارة والإعارة ونحوهما، أو حصول زيادة كالبناء في الأرض والغرس، أو حصول نقص كهلاك، وهدم، واحتراق. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2258). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3518) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2494).

فكل العقود والتصرفات بعد طلب الشفيع الشفعة لا تصح؛ لانتقال الملك إلى الشفيع بالطلب، ولتعلق حق الغير بالمبيع. وإذا نما المبيع عند المشتري، كأن أثمر الشجر، فإن كان النماء متصلاً كالشجر يكبر، فهو للشفيع؛ لأنه تبع للأصل. وإن كان النماء منفصلاً كالثمرة، والأجرة، فهي للمشتري؛ لأنها حدثت في ملك المشتري، وإن كانت الزيادة محدَثة كالغرس، أو الزرع، أو البناء، ففي حالة الزرع تثبت الشفعة للشفيع، والزرع للمشتري، وعليه أجرة المثل إن تصرف بعد طلب الشفيع الشفعة، وأما في حالة البناء والغرس فللشفيع الأخذ بالشفعة، وللمشتري الحق في قلع الغرس، ونقض البناء. وإن لم يختر المشتري القلع فالشفيع بالخيار بين ترك الشفعة، وبين دفع قيمة البناء والغرس وأخذ المشفوع فيه. وإن نقص المشفوع فيه، فإن كان النقص جزءاً من توابع الأرض كقطف الثمرة، وهلاك الآلة، فإنه يُسقط من الثمن قيمة ما نقص، وإن كان النقص متصلاً بالأرض مثل يبس الشجر واحتراقه، وتهدم البناء، فإن كان بصنع المشتري نقص من الثمن بقيمة ما زال. وإن حصل الضرر بآفة سماوية، فعلى الشفيع دفع الثمن كله؛ لأن النقص ليس بجناية أحد، وإن كان النقص في الأرض نفسها كأن أغرقها السيل، فللشفيع الخيار بين ترك الشفعة، وبين أخذ الباقي بحصته من الثمن.

- حكم الشفاعة: الشفاعة: هي سؤال العون للغير، وتستعمل غالباً في سؤال الخير للغير. - أقسام الشفاعة: تنقسم الشفاعة إلى قسمين: 1 - الشفاعة الحسنة: وهي ما كانت في كل ما استحسنه الشرع. كأن يشفع الإنسان لإزالة ضرر، أو تحصيل منفعة لمستحق، أو رفع مظلمة عن مظلوم ونحو ذلك. فهذه الشفاعة محمودة، وصاحبها مأجور. 2 - الشفاعة السيئة: وهي ما كانت فيما حرمه الشرع. كأن يشفع الإنسان في إسقاط حد شرعي، أو هضم حق لأحد، أو إعطاء حق لغير مستحقه ونحو ذلك. فهذه مذمومة، وصاحبها آثم. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء:85]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قال: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , واللفظ له، ومسلم برقم (2627).

17 - المساقاة والمزارعة

17 - المساقاة والمزارعة - المساقاة: هي دفع شجر له ثمر إلى آخر ليقوم بسقيه بجزء معلوم مشاع من ثمره كالربع أو النصف ونحوهما، والباقي للمالك. - المزارعة: هي دفع أرض لمن يزرعها بجزء معلوم مشاع مما يخرج منها كالنصف أو الربع ونحوهما، والباقي لمالك الأرض. - فضل المساقاة والمزارعة: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة: الله عز وجل قسّم الأرزاق والطاقات بين الناس، فمن الناس من يملك الأرض والشجر، أو يملك الأرض والحب، ولكنه لا يستطيع سقيها والعناية بها، إما لعدم معرفته، أو لانشغاله، أو لعدم قدرته، ومن الناس من يملك القدرة على العمل، لكنه لا يملك الأرض والشجر. فلمصلحة الطرفين أباح الإسلام المساقاة والمزارعة؛ عمارة للأرض، وتنمية للثروة، وتشغيلاً للأيدي العاملة التي تملك القدرة على العمل، ولا تملك المال والشجر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , ومسلم برقم (1553).

- حكم المساقاة والمزارعة: 1 - تجوز المساقاة والمزارعة بجزء مشاع معلوم مما يخرج من الزرع والثمر كالنصف أو الربع ونحوهما. والمساقاة والمزارعة عقد لازم، لا يجوز فسخهما إلا برضاهما. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. متفق عليه (¬1). 2 - لا تجوز المساقاة والمزارعة إذا كان النصيب معيناً من الثمر أو الزرع كالذي على الجداول أو السواقي، أو يحدد بقعة معينة من الزرع، أو نخلاً أو شجراً معيناً، أو يقول المالك هذه الجهة لي، وهذه الجهة لك، فهذه مزارعة ومساقاة مجهولة؛ لأنه لا يعلم عاقبة الأمر، فربما صح هذا، وتلف هذا، فمُنع من أجل جهالته وخطره، وهذه المزارعة تسمى المخابرة. عَنْ حَنْظَلَة بن قَيْسٍ الأَنْصَارِيّ قَالَ: سَأَلتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؟ فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ. أخرجه مسلم (¬2). وهذه المزارعة فاسدة ممنوعة، منهي عنها. عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُزَارَعَةِ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2328) , ومسلم برقم (1551) , واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1547). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1549).

- حكم الجمع بين المساقاة والمزارعة: يجوز الجمع بين المساقاة والمزارعة في بستان واحد، بأن يساقيه على الشجر بجزء معلوم مشاع من الثمرة، ويزرعه الأرض بجزء معلوم مشاع من المزروع. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: عَامَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أوْ زَرْعٍ. متفق عليه (¬1). - شروط المزارعة: يشترط لصحة المزارعة ما يلي: 1 - أهلية العاقدين ورضاهما. 2 - صلاحية الأرض للزراعة. 3 - تسليم الأرض للعامل. 4 - بيان مَنْ عليه البذر منعاً للنزاع. 5 - بيان نصيب كل من العاقدين بجزء مشاع كالنصف أو الربع ونحوهما. 6 - معرفة جنس البذر وقدره. - أحوال المزارعة: للمزارعة أربعة أحوال هي: 1 - أن تكون الأرض والبذر من واحد، والعمل وآلة العمل من واحد. 2 - أن تكون الأرض لواحد، والبذر والعمل وآلة العمل من واحد. 3 - أن تكون الأرض والبذر وآلة العمل لواحد، والعمل من واحد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2329) , واللفظ له، ومسلم برقم (1551).

4 - أن تكون الأرض وآلة العمل كالحراثة لواحد، والعمل والبذر من واحد. وكل هذه الصور جائزة بين الطرفين متى حصل التراضي، وانتفى الجهل والغرر والضرر. - ما يجوز به إجارة الأرض: تجوز إجارة الأرض بالنقود .. وبالذهب والفضة .. وبجزء معلوم مشاع مما يخرج منها من ثمر، أو زرع كالنصف، أو الربع ونحوهما .. وبكل ما يعد مالاً. 1 - عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ؟ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كِرَاءِ الأَرْض، ِ قَالَ: فَقُلتُ أَبِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ فَلا بَأْسَ بِهِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعْطَى خَيْبَرَ اليَهُودَ، عَلَى أنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا. متفق عليه (¬2). - حكم المساقاة والمزارعة مع الكفار: المساقاة والمزارعة من عقود المعاوضة التي تجوز مع المسلم والكافر بشروطها الشرعية المعتبرة. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا، عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَطْرُ ثَمَرِهَا. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1547). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2331) , واللفظ له، ومسلم برقم (1551). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2285) , ومسلم برقم (1551) , واللفظ له.

- عقوبة التوسع في الأعمال: عَنْ أبِي أمَامَةَ البَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -وَرَأى سِكَّةً وَشَيْئاً مِنْ آلَةِ الحَرْثِ- فَقالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلا أدْخَلَهُ اللهُ الذُّلَّ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل المواساة في المزارعة: الأفضل للمسلم مواساة أخيه المحتاج، فإذا ملك أرضاً وهو لا يريد أن يزرعها فالأحسن أن يعطيها لأخيه ليزرعها وله أجرها وثوابها. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أرْضٌ فَليَزْرَعْهَا، أوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَليُمْسِكْ أرْضَهُ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى أرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعاً، فَقال: «لِمَنْ هَذِهِ؟». فَقالوا: اكْتَرَاهَا فُلانٌ، فَقال: «أمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ، كَانَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أجْراً مَعْلُوماً». متفق عليه (¬3). - صفة الزراعة في الجنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْماً يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ البَادِيَةِ: «أنَّ رَجُلا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقال لَهُ: ألَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قال: بَلَى، وَلَكِنِّي أحِبُّ أنْ أزْرَعَ، قال: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2321). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2340) , واللفظ له، ومسلم برقم (1536). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2634) , واللفظ له، ومسلم برقم (1550).

فَإِنَّهُ لا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم المغارسة: المغارسة: هي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجراً أو نخلاً، ويكون للعامل نصيب مقدر من الأرض والشجر كالربع والنصف ونحوهما. وهي جائزة إذا حصل التراضي، وانتفى الجهل والغرر. - حكم بيع المحاقلة والمخاضرة والمخابرة: 1 - المحاقلة: بيع الحب بعد اشتداده في سنبله بحب من جنسه مُصفى. وهذه الصورة محرمة؛ لما فيها من الجهالة والربا. 2 - المخاضرة: هي بيع الثمار والحبوب قبل بدو صلاحها مع عدم القطع في الحال. وهذه الصورة محرمة؛ لما فيها من الجهالة والغرر. 3 - المخابرة: هي أن يكري الأرض، ويكون لصاحب الأرض جانب معين من الزرع، وللمزارع الجانب الآخر. وهذه هي المزارعة الفاسدة، وهي محرمة؛ لما فيها من الجهالة والضرر. 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُخَابَرَةِ وَالمُحَاقَلَةِ، وَعَنِ المُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَأنْ لا تُبَاعَ إِلا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلا العَرَايَا. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُحَاقَلَةِ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2348). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2381) , واللفظ له، ومسلم برقم (1536).

وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم منع فضل الماء: يجب على المسلم إذا استغنى عن بعض الماء أن يعطيه لأخيه المحتاج. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الكَلأ». متفق عليه (¬2). - فضل سقي الماء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلبٍ يَلهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». متفق عليه (¬3). - حكم من منع ابن السبيل الماء: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أقَامَ سِلعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ فَقال: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَقَدْ أعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ». ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2207). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2354) , واللفظ له، ومسلم برقم (1566). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2363) , واللفظ له، ومسلم برقم (2244). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2358) , واللفظ له، ومسلم برقم (108).

18 - إحياء الموات

18 - إحياء الموات - الأرض الموات: هي الأرض التي لا مالك لها، وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم. فالاختصاصات كالطرق، والمقابر، والحدائق، ومسايل المياه ونحو ذلك من المرافق العامة. والإنسان المعصوم: هو المسلم أو الكافر المالك للأرض بسبب شرعي من شراء، أو إرث ونحوهما. - أقسام الملك: ينقسم الملك إلى قسمين: الأول: الملك التام: وهو ملك رقبة الشيء ومنفعته كملك الأرض، ولصاحبه مطلق التصرف فيه بالبيع، أو الهبة، أو الوقف ونحو ذلك. الثاني: الملك الناقص: وهو ملك العين وحدها، أو المنفعة وحدها. - أقسام الملك الناقص: الملك الناقص ثلاثة أنواع: 1 - ملك العين فقط: وهو أن تكون العين مملوكة لشخص، ومنافعها مملوكة لشخص آخر كأن يوصي أحد لآخر بسكنى داره مدة حياته، أو مدة خمس سنوات مثلاً، فإذا مات الموصي عادت الدار للورثة بعد انتهاء المدة. 2 - ملك المنفعة الشخصية: كالإعارة .. والإجارة .. والوقف .. والوصية .. والإباحة.

وحق الانتفاع حق مؤقت ينتهي بانتهاء مدة الانتفاع، أو هلاك العين المنتفع بها، أو تعيبها بعيب يعطل المنفعة منها. 3 - ملك المنفعة العيني: وهو حق مقرر لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك العقار الأول، وهو حق دائم ما بقي العقاران مثل: حق الشرب .. وحق المجرى .. وحق المسيل .. وحق المرور .. وحق الجوار .. وحق العلو. وهذه الحقوق تبقى ما لم يترتب على بقائها ضرر بالغير، فإن ترتب عليها ضرر أو أذى وجب إزالتها. - أسباب الملك التام: مصادر التملك في الإسلام أربعة، وهي: تملك المباح .. والعقود الناقلة للملكية .. والخلفية كالإرث والتضمين .. والتولد من الشيء المملوك كالثمر في الشجر، والزرع في الأرض، وتكاثر الأشجار. - صور تملُّك المباح: تملُّك المباح له أربع حالات هي: 1 - إحياء الموات: الموات: كل ما ليس بمملوك من الأرض لا يُنتفع به، وإحياء الأرض الموات بجعلها صالحة للانتفاع بها كالبناء، والغرس، والزرع ونحو ذلك. 2 - الاصطياد: الصيد: هو وضع اليد على شيء مباح غير مملوك لأحد، بصيد الطيور، أو الحيوانات، أو السمك.

3 - الاستيلاء على الكلأ والأشجار: الكلأ: هو الحشيش الذي ينبت في الأرض بغير زرع ترعاه البهائم، والكلأ لا يُملك وإن نبت في أرض مملوكة، والناس شركاء فيه. وأما الأشجار الكثيفة فإن كانت في أرض غير مملوكة فلا يجوز لأحد منع الناس منها، وإن كانت في أرض مملوكة فهي ملك لصاحب الأرض. 4 - الاستيلاء على المعادن والكنوز: المعادن: هي ما خلقه الله في باطن الأرض كالحديد والنحاس، والذهب والفضة وغير ذلك من المعادن. والمعادن تُملك بملك الأرض، فمن ملك أرضاً فله جميع ما فيها وما عليها. والكنز: ما دفنه الناس وأودعوه في باطن الأرض من الأموال، سواء كان في الجاهلية أو في الإسلام، ويسمى الركاز. فالكنز الإسلامي: يجوز تملُّكه، فإن ظهر صاحبه وجب ضمانه. والكنز الجاهلي: خُمسه لبيت المال، والباقي لواجده. - العقود الناقلة للْمِلْكِيَّة: أهم أسباب التملك: هي العقود الناقلة للملكية كالبيع، والهبة، والوصية. وهذه أهم مصادر التملك، وأكثرها وقوعاً في التعامل بين الناس. - أنواع التملك الخلفية: الخلفية: هي أن يَخْلف الإنسان غيره فيما كان يملكه، وهي نوعان: 1 - الإرث: وهو ما يتركه الميت من أموال لورثته. 2 - التضمين: وهو ما يجب على من أتلف شيئاً لغيره كمن غصب شيئاً فتلف، أو

ألحق ضرراً بغيره كالدية في النفس والأعضاء، فيضمن ذلك كله، ويتملكه من له الحق. - أقسام الأرض الموات: الأرض الموات قسمان: الأول: ما كان من الأرض من المرافق العامة تستعمل مرعى للمواشي .. أو محتطباً لأهل البلد .. أو مقبرة لموتاهم .. أو مصلى لعيدهم .. أو مكاناً لنزهتهم .. أو مكان الملح، أو القار، أو الطين ونحو ذلك مما لا يستغني عنه المسلمون في كل بلد، فهذه المرافق لا يجوز لأحد تملكها، ولا يجوز إقطاعها؛ لما يترتب على ذلك من الإضرار بالمسلمين. الثاني: ما لا يملكه أحد ولا ينتفع به من الأراضي البور، فهذه يجوز إحياؤها ببناء، أو غرس، أو زرع، أو حفر بئر، أو تفجير ماء، لتكون صالحة ينتفع بها الناس. - فضل إحياء الموات: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية إحياء الموات: إحياء الموات فيه مصالح كثيرة. فيه تتسع دائرة الرزق .. وينتفع المسلمون بما يخرج منه من طعام وغيره .. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) , واللفظ له، ومسلم برقم (1553).

ومن زكاة تفرق على المساكين. والله عز وجل يحب من عباده أن يتوسعوا في العمران، وينتشروا في الأرض، ويُحيوا مواتها، ويستثمروا خيراتها، وينتفعوا ببركاتها، وبذلك تكثر ثرواتهم، ويستغنوا عما سواهم، وتسهل عليهم مواساة فقرائهم، والإنفاق على أعمال البر. قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10]. - ما يصح إحياؤه: يباح إحياء كل موات ليس لأحد قليلاً كان أو كثيراً، ويباح إحياء موات الحرم المكي، كما يملك عامره بالبيع وغيره، لكن لا يجوز إحياء مشاعر الحج منى ومزدلفة وعرفات؛ لأنها مشاعر كالمساجد لا يجوز تملكها. - حكم إحياء الموات: يجوز إحياء الأرض الميتة التي ليست لأحد، ولا ينتفع بها أحد. فمن أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد فهي له، سواء كان مسلماً أو ذمياً، وسواء كان بإذن الإمام أو عدمه، وسواء كانت في دار الإسلام أو غيرها، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة، ما لم تتعلق بمصالح المسلمين كمكان الرعي والاحتطاب، والمقبرة ونحو ذلك فلا تملك بالإحياء. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2335).

2 - وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَحْيَى أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - شروط إحياء الموات: يشترط لصحة إحياء الموات ما يلي: 1 - أن يكون الموات ليس ملكاً لأحد، وليس من اختصاص أحد. 2 - ألا تكون أرض الموات مرتفقاً لأهل البلد كمرعى، ومحتطب، ومناخ إبل، ومطرح رماد، فلا يجوز إحياؤها. - كيفية إحياء الأرض الموات: الإحياء الذي يملك به الإنسان الأرض يختلف بحسب المقصود من الأرض، وبحسب اختلاف أعراف البلدان، فيرجع فيه إلى العرف والمقصود، فإحياء كل شيء بحسبه وعرف بلده. فإحياء الموات للسكن يكون بتحويط البقعة باللبِن، وسقف بعض الأرض، وإكمال ما يلزم للسكن عادة. وإحياء الموات مزرعة يكون بتحويط الأرض، وتسويتها، وإيجاد الماء، والغرس ونحو ذلك، ولا يحصل الإحياء بمجرد الحرث والزرع؛ لأنه لا يراد للبقاء بخلاف الغرس، وإحياء الموات المغمور بالماء بكون بحبسه ونزحه، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة. وإحياء الموات المملوء بالحجارة أو الحفر يكون بنقل الحجارة منه، وتسوية الأرض، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14271) , والترمذي برقم (1379) , وهذا لفظه.

ومن حفر بئراً، فوصل ماءها فقد أحياها، وله حماها ومرافقها المعتادة إذا كان ما حولها مواتاً .. وهكذا. ويُرجع في ذلك كله إلى العرف، فما عده الناس إحياءً فإنه تُملك به الأرض الموات، فمن أحياها إحياءً شرعياً ملكها بجميع ما فيها، كبيرة كانت أو صغيرة. وإن عجز عن إحيائها فللإمام أخذها وإعطاؤها لمن يقدر على إحيائها، واستثمار منافعها. - حكم استئذان الإمام في الإحياء: يجوز تملُّك الأرض الموات بالإحياء وإن لم يأذن فيه الإمام؛ لأن إحياء الأرض مباح كالصيد والكلأ والماء، فلا يشترط فيه إذن الإمام، لكن إن كثر النهب وخُشي الفساد والنزاع فللإمام تنظيمه بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة، فلا ضرر ولا ضرار. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم من أحيا أرض غيره دون علمه: إذا أحيا الإنسان أرضاً فبان أنها مملوكة لأحد خُيِّر مالكها، فإما أن يسترد ممن أحياها أرضه، بعد أن يؤدي إليه أجرة عمله، وإما أن يحيل إليه حق الملكية بعد أخذ ثمنها منه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2335).

- حكم تحجير الأرض الموات: التحجر لا يفيد التملك، وإنما يفيد الاختصاص والأحقية من غيره كأن يحيط الأرض بأحجار، أو شبك، أو خندق، أو بحاجز ترابي، أو بجدار ليس بمنيع .. أو يحفر بئراً ولا يصل إلى الماء .. أو يبني الجدار من جهة دون الجهات الأخرى ونحو ذلك، فهذه التحجرات لا تفيد التملك، وإنما تفيد اختصاصه بها دون غيره؛ لأن الملك بالإحياء، وهذا ليس بإحياء، لكن يصير أحق الناس به، فمن فعل ذلك ضرب له ولي الأمر مدة لإحيائها، فإن أحياها إحياءً شرعياً وإلا نزعها من يده، وسلمها لمتشوِّف لإحيائها. - حكم ما ينحدر سيله إلى أرض مملوكة: الأرض الموات التي ينحدر سيلها إلى أرض مملوكة هي تبع لها على وجه الاختصاص، لا يسوغ إحياؤها ولا إقطاعها لغير أهل الأرض المملوكة إلا بإذنهم؛ رعاية للمصلحة، ودفعاً للضرر. - ما لا يصح إحياؤه: يشترط لصحة إحياء الموات أن تكون الأرض مواتاً، لم يجر عليها ملك معصوم، ومنفكة عن الاختصاصات. فلا يصح إحياء الأرض المملوكة .. ولا الأرض المختصة بتحجير .. ولا مصالح ومرافق المكان العامر المجاور .. ولا ما يتعلق بمصالح البلد من طرق وشوارع، وحدائق ومقابر، ومسايل المياه ونحو ذلك. فلا يصح إحياء ذلك كله، قَلَّ أو كثر؛ لفقده شرط الإحياء.

- ما لا يصح الاختصاص به: الماء والكلأ والنار من الأشياء الضرورية للناس، فيجب أن تبقى مشاعة مباحة مبذولة لعامة المنتفعين منها، ولا يجوز لأحد أن يختص بها، ويَمنع منها المحتاج إليها. 1 - الماء: فلا يصح تملك ماء السماء، وماء العيون، وماء الأنهار، ولا يجوز ولا يصح بيعه؛ لأن الناس شركاء فيه. فإذا حازه الإنسان في بِرْكته، أو قِرْبته، أو في خزان، أو إناء، فيجوز بيعه. 2 - الكلأ: وهو الحشيش، سواء كان رطباً أو يابساً، وهو نبات البر، وعلف البهائم، فلا يصح بيعه، ولا يجوز منع الناس منه؛ لأن الناس شركاء فيه. فإذا جمعه وحصده تملَّكه، وجاز بيعه. 3 - النار: وهي من الأشياء المشاعة بين الناس، فلا يجوز بيعها، وإنما يجب بذلها لمحتاجها، سواء في ذلك وقودها كالحطب، أو جذوتها كالقَبَس. فهذه الثلاثة من المرافق العامة التي يجب بذلها، ويحرم منعها؛ لأن الله أشاعها بين خلقه، والضرورة تدعو إليها. - حكم التعدي على حق الغير: يحرم على الإنسان الاعتداء على حق غيره بأي وجه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبداللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أخَذَ مِنَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2453) , واللفظ له، ومسلم برقم (1612).

الأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أرَضِينَ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم الإقطاع: الإقطاع: هو إعطاء الإمام أرضاً مواتاً لمن يراه أهلاً لذلك. والإقطاع ثلاثة أقسام: 1 - إقطاع يُقصد به تمليك الشخص أرضاً، أو عيناً، أو معدناً. 2 - إقطاع استغلال بأن يُقطِع الإمام من يرى في إقطاعه مصلحة لمدة معلومة. 3 - إقطاع إرفاق، كأن يُقطِع الإمام الباعة الجلوس في الطرق الواسعة، والأسواق المزدحمة بأهل البيع والشراء. فكل هذه الأقسام جائزة، ولا يُقطِع الإمام كل فرد إلا الشيء الذي يقدر على إحيائه؛ لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقاً على الناس في حق مشترك بينهم، ولا يُقطِع ما تعلقت به مصالح المسلمين كالملح، والنهر ونحوهما. 1 - عَنْ وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَهُ أَرْضاً بحَضْرَمُوتَ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. وَقال أبُو ضَمْرَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقْطَعَ الزُّبَيْرَ أرْضاً مِنْ أمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري (2454). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3058) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1381). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3151) , واللفظ له، ومسلم برقم (2182).

- حكم الحِمَى: الحمى: أن يحمي الإمام مكاناً خاصاً لمصلحة المسلمين. كأن يحمي مرعىً لخيل المجاهدين، وإبل الصدقة، والماشية الضعيفة، ومكان الملح، ويجوز للإمام حمى ما فيه مصلحة المسلمين، ولا يجوز الحمى لأحد سواه، ولا حمى الإمام لنفسه. وما حماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد نقضه، ولا تغييره، ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه، وما حماه غيره من الأئمة لمصلحة المسلمين فلا يجوز نقضه إلا إذا زالت الحاجة إليه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب:36]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا حِمَى إِلا للهِ وَلِرَسُولِهِ». وَقال: بَلَغَنَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ، وَأنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. أخرجه البخاري (¬1). - حكم الحريم: الحريم: هو ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع بالمعمور من الأرض. وهو كل ما يحتاج إليه لمصلحة العامر من المرافق. كحريم البئر، وفناء الدار، والطريق، ومسيل الماء، والمحتطب، والمرعى، ومطرح الرماد ونحو ذلك من المرافق. ومقدار الحريم: يكون بحسب العرف والحاجة، وذلك يختلف باختلاف ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2370).

العين المملوكة من أرض، أو بئر، أو شجر، أو نهر أو سوق ونحو ذلك. - حكم إحياء الحريم: لا يجوز إحياء حريم الأرض العامرة قبل الإحياء؛ لأنه تابع للعامر فلا يُملك، وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه، ولصاحب العامر أن يمنع غيره من إحياء حريم ملكه، فإن كانت الأرض المملوكة محاطة من جميع الجوانب بأملاك وطرق فهذه ليس لها حريم، بل كلٌّ يتصرف بملكه فقط. وإن كان ما حول ملكه موات فله إحياء حريم أرضه، وهو أحق به من غيره؛ لتعلق مصالح أرضه به. - حق الارتفاق: حق الارتفاق: هو حق عيني في عقار لمنفعة عقار آخر لغيره كإجراء الماء مع أرض الجار، أو المرور في أرض الغير ونحو ذلك، ويجب ألا يؤدي استعمال حق الارتفاق إلى الإضرار بالغير، فلا يجوز للمار بأرض غيره إلحاق الأذى به. وحقوق الارتفاق نوعان: 1 - الأملاك العامة كالأنهار، والطرق، والجسور ونحوها مما لا يختص به أحد، فحق الارتفاق ثابت للناس جميعاً. 2 - الأملاك الخاصة بفرد لا يثبت حق الارتفاق عليها إلا بإذن المالك.

- أنواع حقوق الارتفاق: حقوق الارتفاق تختلف بحسب حاجات الناس، وأشهرها: حق الشرب، حق الطريق، حق المسيل، حق التعلي، حق الجوار، حق المجرى، فهذه الأشياء يثبت لكل أحد حق الارتفاق بها كل بحسبه. ويجب على الإمام الإنفاق على المرافق العامة من خزانة الدولة، تحقيقاً لمصلحة الناس، ودفعاً للضرر عنهم. فإن لم يكن في بيت المال ما يُصلح به ما فسد منها أجبر الإمام الناس على إصلاحها؛ دفعاً للضرر، على القادرين النفقة، وعلى غير القادرين العمل بأنفسهم، ونفقتهم على الأغنياء. وتجب نفقات إصلاح المسيل والمجرى على المنتفع به إذا كان في ملكه أو ملك غيره، فإن كان في أرض عامة فإصلاحه من بيت المال. والمجرى مكان جلب الماء الصالح، والمسيل مكان تصريف الماء غير الصالح. - مقدار الطريق عند الاختلاف: تختلف سعة الطرق بحسب الحاجة إليها، ومن يمر بها من الناس، والسيارات، والبهائم، وإذا اختلف الناس في الطريق فأقله سبعة أذرع. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أذْرُعٍ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2473) , واللفظ له، ومسلم برقم (1613).

19 - المسابقة

19 - المسابقة - المسابقة: هي السباق بين اثنين أو أكثر. والسَّبْق: بلوغ الغاية قبل غيره. - حكمة مشروعية المسابقة: شرع الإسلام المسابقة لما فيها من المرونة، والتدرب على الكر والفر، وتقوية الأجسام، والصبر والجلد، وتهيئة الأبدان والأعضاء للجهاد في سبيل الله. - حكم المسابقة: المسابقات ثلاثة أقسام: 1 - المسابقة في الإبل والخيل والرمي. فهذه تجوز بعوض؛ لما فيها من مصلحة الاستعداد للجهاد في سبيل الله. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - المسابقة بالمحرمات كالقمار والنرد والشطرنج ونحوها. وهذه لا تجوز سواء كانت بعوض، أو بغير عوض. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة:90]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2574) , وأخرجه الترمذي برقم (1700) , وهذا لفظه.

2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - المسابقة على الأقدام والدراجات ونحوها. كالمصارعة والسباحة وغيرها مما لا يشغل عن طاعة، ولا يجر إلى مفسدة، ولا يترتب عليه ضرر، فهذه جائزة بلا عوض؛ ترويحاً للنفس. ويجوز أن يعطى الفائز جائزة أو عوضاً غير محدد ولا مسمى؛ تشجيعاً له. - شروط المسابقة: 1 - أن تكون الوسيلة التي يسابق عليها من نوع واحد. 2 - أن تكون المسافة معلومة. 3 - أن يكون العوض مباحاً معلوماً. - حكم المصارعة والسباحة: 1 - تباح المصارعة والسباحة، وكل ما يقوي الجسم ويبعث على القوة والصبر، ويروِّح عن النفس وذلك إذا لم يشغل عن واجب، أو عن ما هو أهم منه، أو يؤدي إلى ارتكاب محظور. 2 - المصارعة والملاكمة التي تمارس اليوم في حلبات الرياضة محرمة؛ لما فيها من الخطر والضرر، وكشف العورات، وإهدار الكرامات، وتحكيم القوانين، وارتكاب المحرمات. - حكم التحريش بين الحيوانات: لا يجوز التحريش بين الحيوانات والطيور، وإغراء بعضها ببعض، وتسليط ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2260).

بعضها على بعض في مكان مغلق، فكل هذا محرم؛ لأن الحيوانات لم تخلق لهذا، وإنما خُلقت للأكل والركوب والانتفاع. - أنواع المسابقات: المسابقات ثلاثة أنواع: 1 - المسابقة في الأعمال الصالحة، الواجبة والمستحبة، للحصول على مرضاة الله، والفوز بالجنة، وهذه هي المسابقة العالية التي أمر الله بها. قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد:21]. 2 - المسابقة في الأمور المباحة: كالسباق على الخيل والإبل، والسباق على الأقدام، والرمي، والسباحة والمصارعة المباحة. فهذه كلها جائزة، وقد تكون مستحبة بحسب نية من يسابق. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)} [يوسف:17]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَابَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الحَفْيَاءِ، وَكَانَ أمَدُهَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، فَأرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَكَانَ أمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2870) , واللفظ له، ومسلم برقم (1870).

3 - المسابقة في الأمور المحرمة: كالمسابقة في النرد والشطرنج، ومسابقات الميسر والقمار، ومسابقات الجمال، ومسابقات عرض الأزياء وغيرها من المسابقات المحرمة التي يحصل بها الصد عن ذكر الله، وترك الواجبات، واقتراف المحرمات، وإضاعة الأوقات. 1 - قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم:59]. 2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». أخرجه مسلم (¬1). - صور من القمار والميسر: القمار: هو الميسر، وهو كل معاملة مالية يحصل بها الغُنْم أو الغُرْم بلا جهد. ومن صور الميسر: 1 - البيع عن طريق سحب الأرقام: بأن تكون البضاعة مرقّمة، فيدفع المشتري مبلغاً محدداً، أو يأخذ رقماً يستلم به بضاعة أعلى مما دفع أو أقل مما دفع، كأن يدفع عشرة، ويأخذ سلعة بمائة، أو بريال. 2 - بيع اليانصيب: وهو أن تباع أوراق كثيرة، وكل واحدة تحمل رقماً، فتباع بثمن قليل كريال مثلاً، وفي يوم السحب يختار البائع بعض الأوراق عشوائياً، فيفوز من اختير ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2260).

رقمه، ويخسر الباقون، وبذلك يكسب البائع أو الشركة الملايين، ويدفع جوائز بمائة ألف مثلاً. 3 - كسب المراهنة: كأن يقول إنسان: إن فاز الفريق الفلاني فَعَلَيَّ كذا، ويقول الآخر: إن فاز الفريق الآخر فَعَلَيَّ كذا. 4 - أن يلعب أو يتسابق اثنان فأكثر، ويدفعون مالاً على أن من فاز أخذ المال. 5 - كل بيع مجهول العاقبة كبيع الطير في السماء، والسمك في البحر، فهذه الصور من الميسر، وكلها محرمة؛ لما فيها من الغرر والجهالة، وأكل أموال الناس بالباطل. - حكم الجوائز التي تقدمها الأسواق: الهدايا والجوائز التي تقدم في الأسواق التجارية على كمية المبيعات .. وفي المسابقات والعروض .. وفي المهرجانات التجارية والرياضية والفنية .. ومسابقات الرسم والتصوير لذوات الأرواح .. ومسابقات عرض الأزياء .. ومسابقات ملكات الجمال ونحو ذلك مما يوقع فيما حرم الله ورسوله، كل ذلك من اللعب بعقول الأمة .. وأكل أموال الناس بالباطل .. وإضاعة الأوقات .. وإفساد الدين والأخلاق .. وإشغال الناس بذلك عما خُلقوا من أجله. فيحرم ذلك كله، على البائع بذلاً، وعلى المشتري أخذاً. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29].

- حكم المسابقات الرياضية: 1 - اللعب بالكرة إذا لم يكن على عوض، ولم يشغل عن واجب، ولم يؤد إلى ارتكاب محرم، أو حصول ضرر فهو جائز. 2 - لعب الفرق الرياضية بالكرة المعاصرة مهما اختلف اللعب بها من اللهو الباطل الذي لا يجوز لما يلي: ما فيه من التشبه بالكفار .. والتحاكم إلى الطاغوت .. وإضاعة الأوقات والأموال .. وكشف العورات .. والصد عن ذكر الله وطلب العلم وإضاعة الصلوات أو تأخيرها .. وحصول العداوة بين اللاعبين والمشجعين .. وإثارة الفتن .. ونشأة التحزبات .. وحصول السب والشتم .. وحدوث الكسور والتصادم بين اللاعبين. ويحصل ذلك جلياً في المباريات الرياضية على طول العام، فهي من اللهو الباطل الذي شغل به الأعداء الناس عما خُلقوا من أجله، وهو عبادة الله عز وجل، والدعوة إليه، وتعليم شرعه. قال الله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)} [الأعراف:51 - 52].

20 - اللقطة

20 - اللقطة - اللقطة: هي كل مال ضل عنه ربه والتقطه غيره. والشيء الذي لا يُعرف صاحبه إن كان آدمياً فهو لقيط، وإن كان حيواناً فهو ضالة .. وإن كان غير ذلك فهو لقطة. - حكمة مشروعية اللقطة: التقاط اللقطة وتعريفها قربة وطاعة؛ لما يحصل بها من الأجر، ولما فيها من حفظ مال الغير، والإحسان إليه. - أقسام اللقطة: المال الضائع ثلاثة أقسام: الأول: ما لا تَتْبعه همة أوساط الناس كالسوط، والعصا، والرغيف، والثمرة ونحوها. فهذا يملكه من أخذه إن لم يجد صاحبه، ولا يجب تعريفه، والأَوْلى لمن استغنى عنه أن يتصدق به. الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل، والبقر، والخيل، والغزال من الحيوان، والطيور في السماء، فهذه لا تُلتقط، ومن أخذها لزمه ضمانها، وتعريفها أبداً. الثالث: سائر الأموال كالنقود، والأمتعة، والحقائب، والحيوانات التي لا تمتنع من السباع كالغنم والفصلان ونحو ذلك. فهذه يجوز أخذها إن أمن نفسه عليها، وقوي على تعريفها.

- حكم اللقطة: 1 - يستحب لمن أمن نفسه على اللقطة، وقوي على تعريفها، أن يأخذها ويعرِّفها؛ لما في ذلك من حصول الأجر بحفظ مال الغير من الضياع، وحفظه ممن لا يؤمن عليه إن وقع في يده. 2 - يحرم أخذها على من عرف من نفسه الطمع فيها، وعدم أداء الأمانة، والعجز عن التعريف؛ لأنه يعرِّض نفسه لأكل الحرام، ويَحْرم صاحبها من العثور عليها. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَألَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقال: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا فَشَأْنَكَ بِهَا». قال: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: «هِيَ لَكَ أوْ لأخِيكَ أوْ لِلذِّئْبِ». قَالَ: فَضَالَّةُ الإبِلِ؟ قال: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلقَاهَا رَبُّهَا». متفق عليه (¬1). - أنواع اللقطة: اللقطة نوعان: أحدها: ما يجوز التقاطه لحفظه لصاحبه، وتملّكه إن لم يعرف صاحبه، وهي غالب الأموال من النقد، والمتاع، والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع. الثاني: ما لا يجوز التقاطه لعدم حاجته إلى الحفظ كالإبل، ويقاس عليها البقر لقوتها، والغزلان لِعَدْوها، والطير لطيرانها. فهذه الأموال الممتنعة من السباع تُترك ولا تُلتقط حتى يجدها ربها، ومن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2372) , واللفظ له، ومسلم برقم (1722).

أخذها فيجب عليه تعريفها أبداً. - شروط أخذ اللقطة: يجوز أخذ اللقطة بشرطين هما: الأمانة في حفظها .. والقوة على تعريفها. - حكم الإشهاد على اللقطة: اللقطة أمانةٌ في يد الملتقط، لا يضمنها إلا بالتعدي عليها، أو بمنع تسليمها لصاحبها إذا طلبها. ويستحب الإشهاد على اللقطة؛ لئلا تضيع في ماله، فيجحدها وارثه، أو ينساها، أو ينسى أوصافها. عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَليُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَليَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلاَ يَكْتُمْ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنَّهُ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ». أخرجه أحمد والنسائي في «الكبرى» (¬1). - ما يفعل باللقطة: 1 - إذا أخذ الإنسان اللقطة حفظ عفاصها -وهو الوعاء- ووكاءها، ويسن أن يُشهد عليها عدلين، ثم يعرِّفها سنة كاملة، والسفيه والصغير يُعرِّف لقطتهما وليهما، فإن وجد صاحبها سلمها إليه، وإن لم يجده تملَّكها، ومتى جاء صاحبها فوصفها دفعها إليه، أو مثلها إن كانت قد نفقت. 2 - إن كانت اللقطة من الحيوان كالشاة والفصيل ونحوهما، أو مما يخشى ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17481) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (5808).

فساده، فللملتقط أن يفعل الأحظ لمالكه، من أكله وعليه قيمته، أو بيعه وحفظ ثمنه، أو حفظه مدة التعريف، ويرجع بما أنفق عليه على مالكه. 3 - إن هلكت اللقطة أو تلفت في حول التعريف بغير تعد منه ولا تفريط، فلا ضمان عليه، فإن تعدى أو فرط ضمن اللقطة. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمّ اسْتَنْفِقْ بِهَا. فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَضَالّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: «خُذْهَا، فَإنّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ». متفق عليه (¬1). - كيفية تعريف اللقطة: تعريف اللقطة هو المناداة عليها في المجامع العامة حول مكانها كالأسواق، وأبواب المساجد، والمدارس ونحو ذلك، أو الإعلان عنها في وسائل الإعلام المباحة. وللملتقط أن يعرِّفها بنفسه، أو ينيب غيره مكانه. - مدة تعريف اللقطة: 1 - ما كان له قيمة وشأن من اللقطة يعرِّفه سنة، وأما الشيء اليسير القليل فلواجده الانتفاع به من غير تعريف كالسوط والعصا، والكسرة والثمرة ونحو ذلك مما لا تُقطع به يد السارق. عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: «لَوْلا أنِّي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91) , ومسلم برقم (1722) , واللفظ له.

أخَافُ أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلتُهَا». متفق عليه (¬1). 2 - ومن وجد ضالة الغنم في مكان قفر بعيد عن العمران فله أن يأكلها، ويضمن قيمتها إن وجد صاحبها، إذ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. - حكم إنشاد الضالة في المسجد: لا يجوز لأحد أن ينشد الضالة في المسجد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المَسْجِدِ، فَليَقُل: لا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا». أخرجه مسلم (¬2). - حكم اللقطة بعد التعريف: يجب على من التقط لقطة أن يعرِّفها سنة، فإن جاء صاحبها سلمها له، وإن لم يأت أو لم يُعْرَف حلّ للملتقط أن ينتفع بها أو يتصدق بها، ويضمنها إن جاء صاحبها. وإن كانت اللقطة مما يتسارع إليها الفساد، فله أن يبيعها ويمتلك ثمنها بعد التعريف، أو يمتلكها في الحال ويأكلها ويغرم قيمتها. - حكم النفقة على اللقطة: ما أنفقه الملتقط على اللقطة أو الضالة فإنه يسترده من صاحبها، فإن كانت النفقة نظير الانتفاع بالركوب أو الدر فهي على الملتقط، وإن كان يمكن تأجيرها أجَّرها، وأنفق عليها من أجرتها، وإن كانت البهيمة أو الآلة لا منفعة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2431) , واللفظ له، ومسلم برقم (1071). (¬2) أخرجه مسلم برقم (568).

لها بطريق الإجارة، وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها باعها وحفظ ثمنها. - شرط رد اللقطة: يجب على الملتقط رد اللقطة إلى صاحبها إذا ذكر علامة تميزها عن غيرها، أو يُثبت أنها له بالبينة، وهي شهادة عدلين. ومتى وصفها له بما يؤكد أنها له حسب وصفه سلَّمها له بلا يمين ولا بينة؛ لأن إقامة البينة على اللقطة غالباً متعذر لطول العهد. - حكمة لقطة الحرم: لقطة الحرم لا يجوز لأحد أخذها، إلا إذا خاف عليها التلف، أو خاف أن يأخذها من يجحدها ويأكلها، فله أخذها وتعريفها أبداً. ولقطة الحرم لا تحل لأحد أبداً، ولا يجوز تملُّكها بحال، ويجب على من أخذها تعريفها ما دام في مكة، وإذا أراد الخروج سلّمها للحاكم، أو نائبه، أو الجهة المكلفة بذلك. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي، فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ». متفق عليه (¬1). - حكم لقطة الحاج: يحرم على كل أحد أن يأخذ لقطة الحجاج، وإن أخذها لزمه تعريفها، وإن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2434) , واللفظ له، ومسلم برقم (1355).

خشي عليها أخذها وعرَّفها، وإذا أراد الخروج من مكة سلَّمها للحاكم أو نائبه. وتُميز لقطة الحاج عن غيره بقرينة الزمان والمكان: فالزمان: أن تكون في أيام الحج، والمكان: أن تكون في أماكن تجمُّع الحجاج وازدحامهم. ولقطة الحرم تكون في الحرم، أما لقطة الحاج فتكون في الحرم وتكون في الحل كعرفات وغيرها من الحل حول مكة. عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التّيْمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الحَاجّ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم من آوى الضالة: لا يجوز لأحد التقاط ضوال الإبل والخيل ونحوهما مما يمتنع بنفسه؛ لأن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها. ومن التقطها وتلفت معه ضمنها؛ لأن يده يد غاصب اعتدى على مال غيره ظلماً. ومن التقطها فهو ضال؛ لأن ترك الضوال في مكانها أقرب لأن يجدها صاحبها، فمن أخذها فقد أخفاها وأضلها عن صاحبها. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «مَنْ آوَى ضَالّةً فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1724). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1725).

- معنى اللقيط: اللقيط: هو طفل لا يُعرف نسبه ولا رقه، نُبذ في مكان، أو ضل الطريق. ينبذ عادة خوفاً من مسؤولية إعالته .. أو فراراً من تهمة الزنا .. أو ينساه أهله .. أو يضل هو عنهم، فلا يُعرف نسبه ولا رقه .. ولا أبوه ولا أمه. - حكم التقاط اللقيط: التقاط اللقيط مستحب، وهو من أفضل الأعمال؛ لأنه يترتب عليه إحياء نفس من الهلاك، ولمن أخذه ورباه أجر عظيم. وحكم التقاطه فرض كفاية، فإن خاف هلاكه كمن وُجد في مغارة فأَخْذه فرض عين على من علم به؛ لوجوب حفظ الأنفس من الهلاك. قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} [المائدة:32]. - أحكام اللقيط: 1 - اللقيط أمانة في يد الملتقط، وهو أولى من غيره بتربيته والإنفاق عليه، فإن كان مع اللقيط مال أنفق عليه منه حتى ينتهي، وإذا لم يوجد معه مال أنفق عليه من التقطه إن شاء، وإن عجز سلمه للحاكم، ليتولى تربيته والإنفاق عليه؛ لأن له حظاً في بيت المال. 2 - ميراث اللقيط وديته لوارثه، فإن لم يخلِّف وارثاً فيرد ذلك لبيت مال المسلمين.

3 - حضانة اللقيط لواجده إن كان مكلفاً أميناً عدلاً، ووليه في قتل العمد الإمام، يخير فيه بين القصاص والدية لبيت المال. 4 - تكون ولاية التزويج للقيط، والتصرف في ماله للسلطان، فالسلطان وليّ من لا وليّ له، وإذا زوجه الحاكم دفع المهر من ماله، فإن لم يكن للقيط مال دفع الحاكم مهره من بيت المال. 5 - اللقيط حر مسلم إن وجد في دار الإسلام، ويُحكم بحريته أينما وُجد؛ لأنها الأصل ما لم يتبين خلاف ذلك. 6 - اللقيط يعتبر مجهول النسب. وإن أقر أحد أنه ولده لحق به، وإن ادعاه جماعة قُدِّم ذو البينة، فإن لم تكن بينة فمن ألحقته القافة به لَحِقه.

21 - الغصب

21 - الغصب - الغصب: هو الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق. - أقسام الظلم: ينقسم الظلم إلى ثلاثة أقسام: 1 - ظلم لا يغفره الله وهو الشرك. 2 - ظلم يغفره الله وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه. 3 - ظلم لا يتركه الله وهو ظلم الخلق بعضهم لبعض. - أنواع الجناية: الجناية في الأصل نوعان: الأول: الجناية على الآدمي. الثاني: جناية على البهائم والجمادات من عقار ومنقول. - الأيدي التي تضمن النفوس والأموال: الأيدي التي تضمن النفوس والأموال ثلاث: الأولى: اليد المتعدية: وهي كل من وضع يده على مال غيره ظلماً. الثانية: اليد المباشرة: فكل من أتلف لغيره نفساً أو مالاً بغير حق عمداً أو سهواً أو جهلاً فعليه ضمانه. الثالثة: اليد المتسببة: فكل مَنْ فعل ما ليس له فِعْله في ملك غيره، أو في الطرق، أو تسبب لإتلافه بفعلٍ غير مأذون فيه، فتلف بسبب فعله ضمنه.

وإذا اجتمع مباشر ومتسبب، فالضمان على المباشر، فإن تعذر تضمينه ضمن المتسبب. - أنواع التعدي على الأموال: ينقسم التعدي على الأموال إلى أربعة أقسام: الأول: أخذ الرقبة -أي ذات الشيء-، وهو الغصب. الثاني: أخذ المنفعة دون الرقبة، وهو نوع من الغصب. الثالث: إتلاف الشيء كقتل الحيوان، أو قطع الشجر، أو حرق الشيء. الرابع: التسبب في التلف كمن فتح حانوتاً لغيره فسُرق، أو حل رباط دابة فهربت، أو استعمل آلة لغيره بلا إذنه فاحترقت ونحو ذلك. فكل من فعل شيئاً من ذلك فهو ضامن لِمَا أخذه، أو أتلفه، أو تسبب في إتلافه، سواء تم الفعل عمداً أو خطأً. - حكم الغصب: الغصب حرام؛ لأنه اعتداء على حق غيره ظلماً وقهراً. والغاصب عاص وآثم، ومعتد، وظالم. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة:188]. 3 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأمْسَكَ

إنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أوْ بِزِمَامِهِ- قال: «أيُّ يَوْمٍ هَذَا». فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قال: «ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ». قُلنَا: بَلَى، قال: «فَأيُّ شَهْرٍ هَذَا». فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: «ألَيْسَ بِذِي الحِجَّةِ». قُلنَا: بَلَى، قال: «فَإنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (¬2). - حكم أرباح المال المغصوب: من غصب مالاً وتاجر به وربح ونما ماله، ثم تاب: فهذا يجب عليه رد رأس المال المغصوب لصاحبه مع نصف الأرباح، والباقي له كأنهم شركاء، هذا منه المال، وهذا منه العمل، وإن خسر فيجب على الغاصب ضمان رأس المال كله؛ لأن يده يد متعدية فيضمنه. - حكم رد المال المغصوب: يجب على الغاصب رد المال المغصوب لصاحبه، سواء كان مالاً، أو عيناً، أو عقاراً، وإن سامحه صاحبه برأت ذمته، وإذا لم يسامحه صاحبه، أو كان ميتاً، فيجب على الغاصب رد الشيء المغصوب بعينه، فإن لم يوجد رد عليه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475) , واللفظ له، ومسلم برقم (57).

مثله، فإن تعذر وجود المثل وجب عليه دفع قيمة الشيء الذي اغتصبه وقت تعذر المثل. - حكم التجارة في المغصوب: يجب على الغاصب رد ما غصبه على صاحبه ولو غَرِم أضعافه؛ لأنه حق غيره فوجب رده، وإن اتجر في المغصوب فهو ظالم؛ لأنه تصرف فيما لا يملك، فإن تاب فالزائد على رأس المال بينهما مناصفة. وإن كان للمغصوب أجرة، فعلى الغاصب رده وأجرة مثله مدة بقائه في يده. - حكم التصرف في المغصوب: 1 - إذا غصب الإنسان أرضاً فغرسها، أو بنى فيها، لزمه القلع، وإزالة البناء، وضمان النقص، وتسوية الأرض، وإن تراضيا على القيمة جاز. 2 - إذا زرع الغاصب الأرض، ثم ردها بعد أخذ الزرع، فهو للغاصب، وعليه أجرة المثل لصاحبها، وإن كان الزرع قائماً خُيِّر رب الأرض بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله، وبين أخذه بنفقته. 3 - إذا نسج الغاصب الغزل، أو خاط القماش، أو نجر الخشب، أو قطع الحديد ونحو ذلك، لزمه رده لمالكه، وأرش نقصه، ولا شيء للغاصب. 4 - ما تلف أو تعيَّب من مغصوب مثلي غرم مثله، وإلا يكن مثلي فقيمته يوم تعذر المثل. 5 - إذا فتح قفصاً أو باباً، أو حل وكاءً أو رباطاً أو قيداً، فذهب ما فيه أو تلف ضمنه، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف؛ لأنه فوَّته عليه. 6 - جميع تصرفات الغاصب من بيع وتأجير وغير ذلك، كله موقوف على إجازة

المالك، فإن أجازه وإلا بطل؛ لأن ما بني على الباطل فهو باطل. - حكم المغصوب إذا خلطه بغيره: خلط المغصوب له حالتان: الأولى: أن يخلط المغصوب بما يتميز كالحيوان، والآلات، وقِطع الغيار, فهذا يجب عليه عزله ورده لصاحبه. الثانية: أن يخلط المغصوب بما لا يتميز كزيت بمثله، أو أرز بمثله ونحوهما، فهذا إن لم تنقص القيمة ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما، وإن نقصت ضمنها الغاصب، وإن زادت قيمة أحدهما فلصاحبه. - صفة رد المغصوب: 1 - يجب رد المغصوب لصاحبه، فإن لم يجده سلم المغصوب للحاكم إن كان عدلاً، أو تصدق به عنه، ويضمنه إن لم يُجزه صاحبه فيما بعد. 2 - إذا كانت بيد الغاصب أموال مغصوبة، وسرقات، وأمانات، وودائع، ورهون ونحو ذلك، ولم يتمكن من معرفة أصحابها، فله الصدقة بها، وله صرفها في مصالح المسلمين، ويبرأ من عهدتها. 3 - يجب رد المغصوب لمالكه بعينه، فإن تعذر فمثله، فإن تعذر فقيمته. - حكم الكسب الحرام: من كسب مالاً حراماً كربا أو ثمن خمر وخنزير ونحو ذلك: فإن كان لم يعلم بالتحريم ثم علم فهذا يجوز له أكله، وإن كان يعلم بالتحريم ثم تاب، فهذا لا يحل له أكله، ويتخلص منه بصرفه في وجوه البر.

- عقوبة المظالم: يجب على الغاصب والسارق وكل مقترف للحرام التوبة إلى الله، ورد ما أخذ لصاحبه، والتحلل منه، ويحرم عليه الانتفاع به. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَليَتَحَلَّلهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري (¬1). - عقوبة غصب الأرض: 1 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ خَاصَمَتْهُ أرْوَى -فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا -إِلَى مَرْوَانَ، فَقالَ سَعِيدٌ: أنَا أنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئاً، أشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أخَذَ شِبْراً مِنَ الأرْضِ ظُلماً، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أرَضِينَ». أخرجه البخاري (¬3). - حكم الدفاع عن النفس والمال: يجوز للإنسان أن يدافع عن نفسه ممن أراد قتله، ويجوز له أن يدافع عن ماله ممن أراد أن ينتهبه، ويكون الدفع بالأخف، فإن لم ينفع الأخف دفع بالأشد، ولو أدى ذلك إلى المقاتلة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2449). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3198) , واللفظ له، ومسلم برقم (1610). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2454).

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - أحكام الغصب: للغصب ثلاثة أحكام: الأول: الإثم لمن علم أنه مال الغير؛ لأن ذلك معصية، وفعل المعصية عمداً موجب للعقوبة، ويؤدبه الحاكم لدفع الفساد، وإصلاح حاله، وزجره هو وأمثاله. فإنْ غَصَب الشيء ظاناً أنه ملكه فلا إثم ولا مؤاخذة عليه؛ لأنه مخطئ، فعليه رد ما غصب. قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]. الثاني: رد العين المغصوبة ما دامت قائمة. الثالث: ضمان المال المغصوب إذا هلك عند الغاصب، فيضمنه بمثله، فإن تعذر وجود المثل وجبت القيمة يوم تعذر المثل. - ما يسقط به الضمان عن الغاصب: يخرج الغاصب عن عهدة الضمان بأحد أربعة أمور: رد العين المغصوبة لصاحبها .. أداء الضمان إلى المالك من مثل أو قيمة .. إبراء صاحبها للغاصب من الضمان .. إطعام الغاصب المغصوب لمالكه أو ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (140).

دابته وهو يعلم أنه ملكه. - حكم زوائد المغصوب: يلزم الغاصب ضمان زوائد المغصوب إذا هلكت أو تلفت في يده، سواء كانت متصلة كالسمن ونحوه، أو منفصلة كولد الحيوان، وثمرة الشجرة؛ لتولدها من عين مملوكة لغيره، ويد الغاصب متعدية ضامنة، فيضمن الكل -الأصل والفرع- الذي تولدت منه. أما البناء على الأرض المغصوبة، أو زراعتها، أو غرسها، فيُلزم الغاصب بإزالته، وتسليم الأرض كما اغتصبها، فليس لِعِرْقٍ ظالمٍ حق، فإن تراضيا على تعويضٍ جاز. - حكم نقص المغصوب: يجب على الغاصب ضمان النقص الحاصل في ذات المغصوب أو صفته كضعف الحيوان، ونسيان الحرفة، وتهدم البناء ونحو ذلك، سواء حصل النقص بآفة سماوية، أو بفعل الغاصب، أو بفعل غيره. وإذا وجب ضمان النقصان قُوِّمت العين صحيحة يوم غصبها، ثم تُقوَّم ناقصة، ثم يدفع الغاصب الفرق بينهما. ولا يضمن الغاصب نقص المغصوب ولا زيادته بسبب هبوط الأسعار؛ لأن المغصوب لم تنقص عينه ولا صفته، وإنما نقصت رغبات الناس فيه. ويضمن الغاصب منفعة المغصوب كدار أغلقها، ودابة حبسها، وعليه أجرة المثل؛ لأن المنفعة مال متقوّم، فوجب ضمانه كالعين المغصوبة, سواء استوفى المنافع كأجرة الدار، أو الآلة، أو تَرَكها.

- حكم تغير المغصوب: قد يتغير المغصوب عند الغاصب بنفسه، أو بفعل الغاصب: 1 - إذا تغير المغصوب بنفسه كما لو كان عنباً فأصبح زبيباً، أو كان رُطباً فأصبح تمراً، فللمالك الخيار: إن شاء أَخَذ عين المغصوب، وإن شاء ضمَّن الغاصب قيمته. 2 - إن تغير المغصوب بفعل الغاصب بإضافة أو زيادة كما لو صبغ الثوب، أو خلط الدقيق بسمن، أو خلط الأرز بالأرز المغصوب، فهنا إن حدث نقص ضمن الغاصب النقص؛ لأنه حصل بفعله، وإن حدثت زيادة فالمالك والغاصب شريكان فيها بقدر ملكيهما. 3 - إن تغير المغصوب واسمه بفعل الغاصب كما لو غصب شاة فذبحها وطبخها، أو حنطة فطحنها، أو حديداً فاتخذه سيفاً، أو نحاساً فجعله آنية. فهذا للمالك الخيار أن يأخذه وأرش نقصه إن نقص، وإن شاء ضمَّن الغاصب مثله، أو قيمته قبل تغيره، ولا شيء للغاصب في الزيادة. - حكم نفقة المغصوب: تكون نفقة المغصوب على الغاصب بسبب ظلمه وتعديه، فيتحمل علف الدابة، وسقي الزرع، فتكون النفقة مقابل ما يستفيده الغاصب من المغصوب؛ لأنه وإن ظَلم لا يُظلم. - الحكم إذا اختلف الغاصب والمالك: 1 - إذا اختلفا في رد المغصوب، ولم تكن بينة، فالقول قول المالك بيمينه؛ لأن الأصل عدم الرد، وإن اختلفا في عيب المغصوب بعد تلفه فالقول قول

المالك؛ لأن الأصل السلامة من العيوب. 2 - إن اختلفا في صفة المغصوب وقدره وقيمته، ولم تكن بينة، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لأن الأصل براءة الذمة من الزيادة، ولأنه منكِر لما يدعيه المالك من الزيادة. وإن اختلفا في تلف المغصوب، ولم تكن بينة لأحدهما، فالقول قول الغاصب بيمينه؛ لأنه يتعذر إقامة البينة على التلف. - حكم غاصب الغاصب: من غصب شيئاً، ثم جاء آخر فغصبه منه، ثم هلك في يده: فالمالك بالخيار: إن شاء ضمَّن الغاصب الأول؛ لوجود أصل الغصب منه. وإن شاء ضمَّن الغاصب الثاني أو المتلِف؛ لأنه أزال يد الغاصب الأول، ولأنه المتلِف فيضمن. فإن اختار المالك تضمين الأول، رجع الغاصب الأول بالضمان على الثاني الذي هلك في يده المغصوب، وإن اختار تضمين الثاني أو المتلِف فهذا يستقر الضمان في ذمته، ولا يرجع بالضمان على أحد؛ لأنه ضمن فعل نفسه. وإذا رد الغاصب الثاني المغصوب على الأول برئ من الضمان، وإذا رده إلى المالك برئ الإثنان. وجميع الأيدي المترتبة على الغصب كالبيع والإجارة ونحوهما أيدي ضمان وإن جهل صاحبها الغصب؛ لأن الجهل يُسقط الإثم لا الغُرْم.

- حكم الانتفاع بمال الغير: لا يجوز لأحد أن يأخذ من مال أخيه إلا بإذنه، لكن من مر ببستان وهو محتاج، ولم يجد صاحبه، فله أن يأكل منه بقدر حاجته غير متمول، ومن مر بإبل أو غنم وهو محتاج، ولم يجد صاحبها، فله أن يحتلب منها بقدر حاجته وهكذا .. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. 2 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعِي إِبِلٍ فَنَادِ: يَا رَاعِيَ الإِْبِلِ ثَلاَثاً، فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلاَّ فَاحْلُبْ وَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ، وَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ فَنَادِ: يَا صَاحِبَ الحَائِطِ ثَلاَثاً، فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلاَّ فَكُل». أخرجه أحمد (¬1). - حكم الظَّفَر بالمال: من عمل عند إنسان ولم يعطه حقه، أو اغتصب منه مالاً ظلماً، أو جحد حقاً له عنده، ثم ظفر هذا المظلوم بمال من ظلمه، فلا يجوز للمظلوم أن يأخذ من مال الظالم خفية دون علم الظالم. فلو أن عاملاً ظفر براتبه مِنْ مال مَنْ يعمل عنده وأخذه، فقد خان الأمانة؛ لأنه مؤتمن على حفظ هذا المال، ولأنه يترتب على هذا الأخذ من التهمة والضرر ما لا يخفى، ولأن الخيانة لا تقابل بمثلها. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (11159).

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} [الأنفال:27]. - حكم الغلول: كل من أخذ ما لا يستحقه من المال فهو غال، سواء كان من الملوك أو الرؤساء، أو من الأمراء والوزراء، أو من الموظفين والعمال، أو من المجاهدين والغزاة. والغلول من الكبائر التي حرمها الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران:161]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ». متفق عليه (¬1). - حكم التأمين على السيارة والرخصة: التأمين على النفس والسيارة والرخصة محرم من جهتين: الأولى: اغتصاب أموال الناس، وأخذ أموالهم بدون رضى منهم. الثانية: أن هذا التأمين مبني على أكل أموال الناس بالباطل، ومفاسده كثيرة، فهو سبب لشيوع النصب، والاحتيال، والكذب، والتزوير، وكثرة الجرائم والحوادث. وأصل هذا التأمين قائم على الميسر والغرر، ونهب أموال الناس، ومن أَكره الناس عليه، وألزمهم به فهو ظالم لهم، ومن أُكره عليه، وهو مضطر إليه، فله ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2453) , واللفظ له، ومسلم برقم (1612).

الدفع ولا إثم عليه، وإن صبر واحتسب، وضن عليهم بالمال، فهذا أزكى عند الله وأبر. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق:4]. - حكم الإتلاف: الإتلاف: هو كل نقص أو فساد يدخل على الأعيان. والإتلاف سبب موجب للضمان؛ لأنه اعتداء وإضرار، ولا فرق في ضمان الإتلاف بين العمد والخطأ، ولا بين الكبير والصغير، فالكل ضامن لما أتلفه من نفس أو مال. - أسباب الضمان بالإتلاف: 1 - فَتَح باب الحانوت فسُرق .. فتح قفص الطائر فطار .. حلّ رباط الدابة فهربت .. إطلاق رباط سفينة فغرقت. فيضمن المتسبب في هذه الأحوال وأمثالها. 2 - الترويع: فإذا بعث الحاكم إلى امرأة يستدعيها لمجلس القضاء فأجهضت جنينها فزعاً، أو زال عقلها، ضمن الحاكم الدية. 3 - الحبس: فمن حبس المالك عن ماله حتى تلف، أو عن ماشيته حتى تلفت، فإنه يضمن ما تلف به؛ لأنه سبب هلاكه. 4 - الحيلولة بين المالك وملكه حتى تلف، فيضمن؛ لأنه سبب هلاكه. - شروط وجوب الضمان بالإتلاف: 1 - أن يكون الشيء المتلَف مالاً متقوّماً. فلا ضمان بإتلاف الميتة والتراب ونحوها، ولا ضمان في إتلاف الخمر

والخنزير لمسلم، ولا ضمان بإتلاف الأصنام وآلات اللهو، وكل ما حَرُم الانتفاع به لم يُضمن. 2 - أن يكون المتلِف أهلاً لوجوب الضمان وهو الآدمي. - كيفية ضمان المتلَف: الواجب بالإتلاف هو الواجب بالغصب، وهو ضمان المثل إن كان المتلَف مثلياً، وضمان القيمة يوم الإتلاف فيما لا مثل له. - حكم دفع الصائل: إذا اعتدى إنسان على غيره في نفس أو مال أو عرض، أو صال عليه يريد ماله أو نفسه ظلماً، أو صالت عليه بهيمة، فيجوز له ولغيره أن يرد العدوان بالقدر اللازم لدفعه، يبدأ بالأخف فالأخف إن أمكن .. فإن أمكن دفع المعتدي بالكلام لم يستعمل الضرب .. وإن أمكن الدفع بالضرب باليد لم يستعمل السوط .. وإن أمكن الدفع بالسوط لم يستعمل العصا .. وإن أمكن الدفع بقطع عضو حَرُم القتل .. وإن لم يمكن الدفع إلا بالقتل جاز للمدافع القتل ولا ضمان عليه. وإن تمكن المصول عليه من الهرب وجب عليه ذلك؛ لأن المعتدى عليه مأمور بتخليص نفسه بالأسهل والأهون. 1 - قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة:194]. 2 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ

شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم الدفاع عن الغير: يجوز للمسلم أن يدافع عن غيره، فلولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم. عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِماً أوْ مَظْلُوماً». فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً، أفَرَأيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قال: «تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». أخرجه البخاري (¬2). - شروط دفع الصائل: يشترط لجواز دفع الصائل ما يلي: أن يكون هناك اعتداء .. وأن يقع الاعتداء بالفعل .. ألا يمكن دفع الاعتداء بطريق آخر كرجال الأمن .. أن يدفع الاعتداء بالأخف فالأخف. - حكم ما أتلفته البهائم: إذا أتلفت البهائم شيئاً من الزروع ونحوها ليلاً ضمنه صاحبها؛ لأن عليه حفظها ليلاً، وما أتلفته نهاراً لم يضمنه؛ لأن على أهل المزارع حفظها نهاراً، فإن فرط صاحبها ضمن ما أتلفته ليلاً أو نهاراً. - حكم ما أتلفته السباع والنار: 1 - من اقتنى كلباً عقوراً، أو أسداً، أو ذئباً، أو طيراً جارحاً، ثم أطلقه فأتلف شيئاً ضمنه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4772) , وأخرجه الترمذي برقم (1421) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه البخاري برقم (6952).

2 - من أجّج ناراً بملكه، فتعدت إلى ملك غيره بتفريطه، فأتلفت شيئاً ضمنه، لا إنْ طرأت ريح فسيَّرتها فلا ضمان عليه؛ لأنه ليس بفعله ولا تفريطه. - حكم دهس الحيوانات في الطرق: يجب حفظ الحيوانات عن الطرق؛ لئلا تعترض السيارات فتَهلك وتُهلك الناس، وتسبب الحوادث المفجعة. والحيوانات إذا اعترضت الطرق العامة المسفلتة فضربتها سيارة فهلكت فهي هدر لا ضمان على من أتلفها إذا لم يتعد ولم يفرط، وصاحبها آثم بتركها وإهمالها. - حكم إتلاف المحرمات: لا ضمان في إتلاف آلات اللهو، وأواني الخمر, والصلبان، والأصنام، وكتب الضلال والمجون، وآلات السحر والشعوذة؛ لأنها محرمة، لا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها، لكن يكون إتلافها بأمر الحاكم ورقابته؛ ضماناً للمصلحة، ودفعاً للمفسدة. ومن أتلفها من دون أمر الإمام عُزِّر؛ لافتياته عليه. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة:2].

22 - الحجر

22 - الحَجْر - الحَجْر: هو منع الإنسان من تصرفه في ماله لسبب شرعي. - حكمة مشروعية الحجر: أمر الله عز وجل بحفظ الأموال، وجعل من وسائل ذلك الحجر على من لا يحسن التصرف في ماله كالمجنون، أو في تصرفه وجه إضاعة كالصبي، أو في تصرفه وجه تبذير كالسفيه، أو في تصرفه إضرار بحق الغير كالمفلس الذي أثقلته الديون. فشرع الله الحجر حفظاً لأموال هؤلاء، ورعاية لمصلحة المحجور عليه بحفظ ماله وحقوقه، ودفعاً للضرر عن الآخرين، وحفظاً لحقوقهم. - أقسام الحجر: ينقسم الحجر إلى قسمين: الأول: حجر لحظ النفس: كالحجر على الصغير والسفيه، والمبذر، والمجنون، من أجل حفظ ماله. الثاني: حجر لحظ الغير: كالحجر على المفلس من أجل حظ الغرماء، وكالحجر على مريض مَرَض الموت لحظ الورثة. - حكم الحجر على المفلس: المفلس: هو مَنْ دَينه أكثر من ماله. ويجوز للحاكم أن يحجر عليه بطلبٍ من غرمائه، أو بعضهم، ويحرم عليه التصرف في ماله بما يضر غرماءه، ولا ينفذ تصرفه ذلك ولو لم يحجر عليه.

- أحكام المفلس: 1 - من كان ماله قدر دينه أو أكثر لم يُحجر عليه، ويؤمر بوفائه، فإن أبى حُبس بطلبٍ من صاحبه، فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه. 2 - من كان ماله أقل مما عليه من الدين الحال فهو مفلس يجب الحجر عليه، وإعلام الناس به؛ لئلا يغتروا به ويحجر عليه الحاكم بطلب غرمائه أو بعضهم. 3 - إذا تم الحجر على المفلس انقطع الطلب عنه، وليس له التصرف بماله، فيبيع الحاكم ماله، ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة، فإن لم يبق عليه شيء انفك الحجر عنه؛ لزوال موجبه. 4 - إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه، انقطعت المطالبة عنه، ولا تجوز ملازمته، ولا يجوز حبسه بهذا الدين؛ بل يُخلَّى سبيله ويُمْهَل إلى أن يرزقه الله، ويسدد ما بقي لغرمائه. - حكم من وجد متاعه عند المفلس: من أدرك متاعه بعينه عند إنسان مفلس فهو أحق به. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أوْ إِنْسَانٍ، قَدْ أفْلَسَ فَهُوَ أحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ». متفق عليه (¬1). - ما يُبقي الحاكم للمفلس: إذا باع الحاكم أموال المفلس من أجل الغرماء، فيجب أن يترك له ما يقوم به معاشه، وما لا غنى له عنه، من بيت يسكنه، ومركوب يركبه في حوائجه، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2402) , واللفظ له، ومسلم برقم (1559).

ومال يطعم منه، وإن كان تاجراً تَرك له ما يَتَّجر به .. وإن كان محترفاً ترك له آلة الحرفة. - الأحكام المترتبة على مال المحجور عليه: إذا تم الحجر على أحد بسبب الدَّين ترتب على ذلك أربعة أحكام: أحدها: تعلق حقوق الغرماء بعين ماله. الثاني: منعه من التصرف في عين ماله. الثالث: من وجد عين ماله عنده فهو أحق به من غيره. الرابع: بيع الحاكم ماله، وإيفاء الغرماء حقوقهم. - حكم حبس المعسر: من لم يقدر على وفاء دينه لم يطالب به، ويحرم حبسه؛ لأنه معسر، ويجب إنظاره إلى أن يوسر، وإبراؤه مستحب. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلا ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬1). - فضل إنظار المعسر: عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1556).

فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قُلتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ»، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ»، قَالَ: «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ». أخرجه أحمد (¬1). - حكم حبس المدين: يجب على المدين الموسر وفاء دينه الحالّ، فإن كان معسراً أُمهل إلى وقت اليسار، وإن كان موسراً مماطلاً حبسه الحاكم، فَلَيّ الواجد ظُلم، يُحِلّ عِرضه وعقوبته. فيشرع حبس المدين الموسر المماطل تأديباً له، ليسارع في وفاء ما عليه من الدين الحال، أما المعسر فله حق الإنظار، والعفو خير وأحسن. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَليَتْبَعْ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ الشَّرِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). - شروط حبس المدين: يشترط لحبس المدين ما يلي: أن يكون الدين حالاًّ .. وأن يكون المدين قادراً على الوفاء .. وأن يكون ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23046) , انظر «إرواء الغليل» رقم (1438). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287) , واللفظ له، ومسلم برقم (1564). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3628) , والنسائي برقم (4689).

مماطلاً .. وأن يكون المدين غير الوالدين .. وأن يطلب صاحب الدين من الحاكم حبس المدين. - متى يخرج المدين من الحبس: يخرج المدين من الحبس بواحد مما يلي: الإعسار .. إبراء الغريم المدين .. وفاء الدين .. رضا الغريم بخروجه من السجن. وإذا أصر المدين الموسر على الحبس، ولم يوف الدين، باع الحاكم ماله، وقضى دينه، وأخرجه من الحبس. - حكم سؤال الناس: يحرم على الإنسان سؤال الناس أموالهم من غير حاجة، ويجوز السؤال عند الحاجة الملجئة إلى السؤال، ومنها: 1 - أن يقوم الإنسان لإصلاح ذات البين بين قبائل أو عشائر أو قرى، فيصلح بينهم، ويلتزم في ذمته مالاً عوضاً عما بينهم من دماء، أو خسائر، ليطفئ نار الفتنة. فهذا قد فعل معروفاً عظيماً، فيباح له السؤال والأخذ بقدر ما غَرِم. 2 - من أصابت أمواله آفة سماوية من برد شديد، أو حر شديد، أو غرق، أو حرق ونحو ذلك مما لا صُنع للآدمي فيه. فهذا تحل له المسألة بقدر كفايته وكفاية من يمونه. 3 - من كان غنياً، ثم أصابه الفقر والحاجة. فهذا تحل له المسألة بقدر كفايته وكفاية من يمونه.

عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الهِلالِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَحَمَّلتُ حَمَالَةً، فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسْألُهُ فِيهَا، فَقَالَ: «أقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». قال: ثُمَّ قال: «يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ المَسْألَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ). وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ) فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسْألَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتاً يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً». أخرجه مسلم (¬1). - المفلس يوم القيامة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬2). - تعلق الدين بالتركة: الديون المؤجلة تحل بالموت، ويتعلق الدين بعين ماله كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه، وتعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث، فيصح ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1044). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2581).

تصرف الورثة ببيع ونحوه، ويلزمهم أداء الدين منه. - حكم الحجر على المريض مرض الموت: مرض الموت: هو الذي يغلب بسببه الموت. ويجوز الحجر على مريض الموت لحق الورثة، فيُحجر على تبرعات المريض فيما زاد عن ثلث التركة كهبة، وصدقة، ووصية، ووقف، وبيع محاباة ونحوه. وحكم تبرعاته كحكم وصيته، تنفذ من الثلث، وتكون موقوفة على إجازة الورثة في الزائد عن الثلث، وإذا استغرقت الديون جميع تركته حُجر عليه جميع تصرفاته، دون نظر إلى الثلث؛ رعاية لحقوق الغرماء. - حكم الحجر للمصلحة العامة: يجوز الحجر للمصلحة العامة؛ لأنه يدفع الضرر الأعلى بالأدنى، ويتحمل الضرر الخاص، لدفع الضرر العام. فيُحجر على الطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، والمكاري المفلس، لأن الطبيب الجاهل يفسد أبدان الناس، والمفتي الماجن يعلم العوام الحيل الباطلة، ويفتي بجهل، والمكاري الذي يؤجر وسائل النقل وليست عنده، فيأخذ أموال الناس، وإذا جاء موعد النقل اختفى، فهو محتال نصاب. والحجر عليهم يكون بمنعهم عن العمل حساً؛ لئلا يضروا الناس. - حكم الحجر على السفيه والصغير والمجنون: يجوز الحجر على السفيه والمبذر، والصغير والمجنون، ولا يحتاج الحجر عليهم للحاكم، ووليهم الأب إن كان عدلاً رشيداً، ثم الوصي، ثم الحاكم،

وعلى الولي التصرف بالأحظ لهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء:5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]. 3 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة:282]. - متى يزول الحجر عن الصغير: يزول الحجر عن الصغير بأمرين: البلوغ .. والرشد. فالبلوغ يحصل بعلامات ست: منها ما هو مشترك بين الرجل والمرأة وهو الاحتلام، ونبات شعر العانة، وبلوغ خمس عشرة سنة. ومنها ما هو خاص بالرجل وهو نبات شعر اللحية. ومنها ما هو خاص بالمرأة وهو الحيض والحَبْل. فمن وُجدت فيه واحدة من هذه العلامات فهو بالغ. والرشد: هو حسن التصرف في المال، بأن يعطى مالاً ويُمتحن بالبيع والشراء حتى يُعلم حسن تصرفه. 1 - قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6].

2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - متى يزول الحجر عن السفيه والمجنون: السفيه: هو من يبذِّر ماله، ويصرفه في غير موضعه. والمجنون: هو من زال عقله. فإذا عقل المجنون، ورشد السفيه، بأن صار يحسن التصرف في المال فلا يُغبن، ولا يصرفه في حرام، أو في غير منفعة، زال الحجر عنهما، وردت إليهما أموالهما. وإن استمر الجنون والسفه استمر الحجر عليهما؛ رعاية لمصلحتهما، ودفعاً للضرر عنهما. قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء:5]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432)، وهذا لفظه.

23 - الصلح

23 - الصلح - الصلح: هو عقد يحصل به قطع النزاع بين المتخاصمين. - حكمة مشروعية الصلح: شرع الله الصلح ورغَّب فيه للحفاظ على المودة والإلفة بين المسلمين، والتوفيق بين المتخاصمين، وإزالة الشقاق بينهما، ونبذ الفرقة، واستئصال أسبابها المؤدية إليها. وبذلك تصفو النفوس، وتزول الأحقاد، وتجتمع القلوب. - فضل الإصلاح بين الناس: الإصلاح بين الناس من أجلِّ القربات، وأعظم الطاعات، إذا قام به المسلم ابتغاء مرضاة الله تعالى. 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ». متفق عليه (¬1). - حكم الصلح: الإصلاح بين الناس مستحب، بل هو من أعظم القربات؛ لما فيه من ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707) , واللفظ له، ومسلم برقم (1009).

المحافظة على المودة والمحبة، وقطع النزاع والشقاق. والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، فهو باطل ومحرم. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} [النساء:128]. 2 - وَعَنْ أمِّ كُلثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْراً أوْ يَقُولُ خَيْراً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: «إِلاَّ صُلحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً». وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أخرجه أبو داود (¬2). 4 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلاَ أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «صَلاَحُ ذاتِ البَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - جهات الصلح: الصلح مشروع بين المسلمين .. وبين المسلمين والكفار .. وبين أهل العدل والبغي .. وبين الزوجين عند الشقاق والعضل .. وبين الجيران .. وبين ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2692) , واللفظ له، ومسلم برقم (2605). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4919) , والترمذي برقم (2509) , وهذا لفظه.

الأقارب .. وبين الأصدقاء .. وبين المتخاصمين في المال .. وبين المتخاصمين في غير مال. قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. - الصلح الجائز: الصلح الجائز هو ما وافق الشرع، وهو كل صلح لم يحل حراماً، ولم يحرم حلالاً، ولم يكن فيه جور على أحد، وهو العادل الذي أمر الله ورسوله به، ويُقصد به رضا الله تعالى. - شروط الصلح الجائز: يشترط لصحة الصلح ما يلي: 1 - أهلية المتصالحين، بأن تصح منهما التصرفات الشرعية. 2 - ألا يشتمل الصلح على تحريم حلال، أو تحليل حرام. 3 - ألا يكون أحد المتصالحين كاذباً في دعواه. 4 - أن يكون المصلح تقياً، عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب، قاصداً العدل. 5 - أن يكون الصلح على مال متقوَّم معلوم، أو منفعة مباحة معلومة. 6 - أن يكون الصلح في حقوق العباد لا في حق الله. فيصح الصلح في الحقوق المالية، ولا يصح في العبادات والحدود؛ لأن حقوق العباد يجوز الاعتياض عنها بمال أو غيره بخلاف حقوق الله.

- أقسام الصلح: ينقسم الصلح إلى قسمين: صلح على مال .. وصلح على غير مال. فالصلح على غير المال: أن يتم الصلح بين المختلفين بلا عوض. والصلح على المال ينقسم إلى قسمين: الأول: الصلح على إقرار، وهو نوعان: 1 - الصلح على جنس الحق، بأن يقر الإنسان لخصمه بدين أو عين فيُسقط عنه بعضه، فيصح ذلك؛ لأنه ملكه، وقد أسقط بعضه برضاه. 2 - الصلح عن الحق بغير جنسه، بأن يقر لخصمه بمال، أو دار، أو بستان، ثم يصطلحان على عوض ببيع أو إجارة ونحوهما، فيصح ذلك. الثاني: صلح على إنكار: بأن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه فينكره، فإذا اصطلحا على شيء صح الصلح، ومن كذب لم يصح الصلح في حقه باطناً، وما أخذه حرام. وهذا الصلح يكون في حق المدعي معاوضة عن حقه، وفي حق المدعى عليه افتداء ليمينه، وقطعاً للنزاع والخصومة عن نفسه. - حكم الصلح عن الدَّين المؤجل ببعضه حالاًّ: من كان له على غيره دين أو عين لا يعلم مقداره، ثم تصالحا على شيء صح الصلح، ومن كان له على غيره دين حال، فوضع بعضه، وأجّل باقيه، صح الإسقاط والتأجيل، وإن صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالاًّ صح.

عَنْ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْناً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: «يَا كَعْبُ». قال: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا». وَأوْمَأ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قال: لَقَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «قُمْ فَاقْضِهِ». متفق عليه (¬1). - ما يبطل به الصلح: يبطل الصلح بما يلي: الإقالة في غير القصاص .. الرد بخيار العيب أو الرؤية .. وإذا بطل الصلح رجع المدعي إلى أصل دعواه. - حكم الإبراء: الإبراء: إسقاط شخص حقاً له في ذمة غيره أو هبته له. والإبراء مستحب، وهو نوع من الإحسان والبر، لتضمنه إسقاط الحق عن المدين ولو لم يكن معسراً. قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280]. - شروط الإبراء: يشترط لصحة الإبراء ما يلي: أن يكون المبرئ من أهل التبرع .. وأن يكون مالكاً للحق المبرأ منه، أو وكيلاً عنه، أو وصياً .. وأن يتم الإبراء عن رضا .. وأن يكون المبرأ معلوماً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (457) , واللفظ له، ومسلم برقم (1558).

معيناً .. وأن يكون الإبراء بعد وجوب الحق المبرأ منه. - حكم المقاصة: المقاصة: سقوط أحد الدينين بمثله جنساً وصفة. كأن يكون لعلي ألف عند محمد، ولمحمد عند علي ألف، فيتلاقى الدينان قصاصاً، ويسقط حق أحدهما في مطالبة الآخر. وتجوز المقاصة بين دين ودين، وبين دين وعين .. وبين نقد ونقد. - حكم الإكراه: الإكراه: هو حمل الغير على فعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته لو تُرك ونفسه. - شروط الإكراه: يشترط لتحقق الإكراه ما يلي: أن يكون الإكراه بغير حق .. قدرة المُكرِه على تنفيذ ما هَدَّد به .. عجز المستكره عن دفع الإكراه بهرب أو غيره .. أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه .. أن يكون التهديد مما يستضر به كثيراً كالقتل، والحبس الطويل، وإتلاف المال .. أن يترتب على فعل المُكرَه به الخلاص من المهدَّد به. - أنواع الإكراه: الإكراه على فعلٍ أو تركٍ إما أن يكون على الأمور الحسية، أو على الأمور الشرعية: 1 - الإكراه على الأمور الحسية له ثلاثة أحوال:

1 - فعل مباح: فمن أُكره على أكل الميتة أو الدم، أو شرب الخمر، وخُوِّف بالقتل أو قطع العضو ونحو ذلك، فيباح له فعل ذلك؛ لأن الله أباحها عند الضرورة، ولا إثم ولا حد على من فعل ذلك. قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]. 2 - فعل مرخَّص: كإجراء كلمة الكفر على اللسان، مع اطمئنان القلب بالإيمان، وكَسَبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الصلاة إلى الصليب، أو إتلاف مال المسلم ونحو ذلك فهو مسلم مضطر للنجاة من القتل، فهذه الأمور لا تباح، وإنما يرخص في فعلها عند الإكراه التام، ومن امتنع عن فعلها حتى قُتل فهو شهيد. قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل:106]. 3 - فعل محرم: كمن أُكره على قتل مسلم بغير حق، أو قطع عضو من أعضائه، أو أُكره على الزنا، أو ضرب الوالدين، فلا يجوز فعل ذلك مع الإكراه؛ لأن القتل والاعتداء حرام محض. ومن أَكره أحداً على القتل فقَتل: فإن كان المكرَه كالآلة فالقصاص على المكرِه وحده، وإلا فعليهما معاً؛ لأنهما شريكان في الجريمة. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء:32 - 33].

2 - الإكراه على التصرفات الشرعية، وهو نوعان: 1 - نوع لا يحتمل الفسخ كالإكراه على النكاح، أو الطلاق، أو الظهار، أو العفو عن القصاص ونحو ذلك. 2 - نوع يحتمل الفسخ كالإكراه على البيع، أو الشراء، أو الإجارة ونحوها من العقود المالية. فجميع هذه التصرفات مع الإكراه باطلة غير صحيحة، سواء كانت إنشاءً، أو إقراراً؛ لأن المستكره مسلوب الإرادة، ولا نية له ولا قصد فيما فعل.

24 - القسمة

24 - القسمة - القسمة: هي تعيين الحصة الشائعة. - حكمة مشروعية القسمة: يشترك الناس في تجارة أو عقارات أو أملاك، ويرغب بعض الناس في التصرف في أمواله بنفسه، والتخلص من سوء المشاركة، وكثرة الأيدي والآراء. فأباح الله القسمة تحقيقاً لهذه المقاصد، ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف المستقل في أمواله بنفسه. - حكم القسمة: القسمة جائزة، سواء كانت في الأعيان أو المنافع. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)} [النساء:8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} [القمر:28]. - أنواع القسمة: المقسوم نوعان: قسمة الأعيان .. وقسمة المنافع. فالأعيان كالأموال، والعقارات، والآلات، والمزارع ونحو ذلك. والمنافع كالمياه.

والقسمة نوعان: الأول: قسمة تراض: وهي التي فيها ضرر، ورد عوض من أحدهما على الآخر كالأرض الصغيرة، والدار الصغيرة ونحوهما. فهذه لا تجوز إلا برضا الشركاء كلهم، فكل ما لا يمكن قسمته بالأجزاء أو التعديل لا يقسم بغير رضا الشركاء كلهم كالبيع. الثاني: قسمة إجبار: وهي التي لا ضرر فيها على الشريكين، ولا على أحدهما، ولا رد عوض كالأرض الواسعة، والمحلات التجارية، والمزارع الكبيرة، والمعدودات، والموزونات ونحو ذلك، فإذا طلب أحد الشركاء القسمة فيما ذُكر وأبى الشريك الآخر، أُجبر الممتنع؛ لعدم الضرر، ولحصول النفع لكل واحد. - شروط القسمة: يشترط لصحة قسمة التراضي ما يلي: أهلية المتقاسمين .. مُلك ما يُقسم .. حضور الشركاء .. رضا الشركاء بالقسمة. ويشترط لصحة قسمة الإجبار ما يلي: طلب الشركاء أو أحدهم من القاضي قسمة ما بينهم .. ألا يترتب على القسمة ضرر .. أن تكون القسمة عادلة غير جائرة. - نقض القسمة: تنقض القسمة بالإقالة .. أو بالتراضي على فسخها.

ويجب نقض القسمة فيما يلي: ظهور غبن فاحش في القسمة .. وجود خطأ في المال المقسوم .. ظهور شريك آخر في المال .. ظهور دين على الميت يحيط بالتركة المقسومة. - حكم قسمة المنافع: قسمة المنافع جائزة كقسمة الأعيان، وقسمة الأعيان أقوى من قسمة المنافع؛ لأن الأُوْلى جمع المنافع في زمان واحد على الدوام، والثانية جمع المنافع على التعاقب بصفة وقتية، وقد ذكر الله قسمة المنافع في ناقة صالح - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)} [الشعراء:155]. - أنواع قسمة المنافع: قسمة المنافع نوعان: 1 - قسمة بالتراضي: وهي أن يتفق شريكان على كيفية الانتفاع من الدار أو الماء عن طريق التعاقب زماناً أو مكاناً. 2 - قسمة بالتقاضي: وهي أن يطلب الشركاء أو أحدهم القسمة من القاضي قسمة المنفعة: إما بالمناوبة الزمانية مدة معينة لكل واحد كأن يزرع أحدهما هذه الأرض سنة، ويزرعها الآخر سنة أخرى، أو على سكنى الدار، هذا سنة، والآخر سنة أخرى، فهذه لا بد من تعيين المدة. أو المناوبة المكانية أن يتم انتفاع الشريكين معاً في وقت واحد، كدار تجمع منافع، أحدهما في جزء من الدار، والآخر في جزء آخر، أو أحدهما في

العلو، والآخر في الأسفل. - محل قسمة المنافع: تصح قسمة المنافع المكانية في المال المشترك الذي يقبل القسمة كالأرض الكبيرة، والدار الكبيرة، أمّا ما لا يقبل القسمة كالسيارة، والحيوان، والكتاب، فلا تمكن فيه القسمة المكانية؛ لأنه محل واحد، وإنما تتعين فيه القسمة الزمانية لهذا يوم، ولهذا يوم.

25 - الهبة

25 - الهبة - الهبة: هي تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض. - الهدية: هي ما يُهدي للإنسان من مال غيره في الحياة بلا عوض. - العطية: هي التبرع بالمال بلا عوض. - الوصية: هي التبرع بالمال بعد الوفاة. - الصدقة: هي التبرع بالمال في الحياة طلباً للثواب من الله تعالى. وتطلق الهبة على الهدية والعطية، والجميع داخل في باب البر والإحسان، والصلة والمعروف، فالهبة والصدقة والعطية من رأس المال، والوصية من الثلث فأقل لغير وارث، وما زاد على الثلث، وكان لوارث، فهو موقوف على إجازة الورثة بعد الموت. - حكمة مشروعية الهبة: شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب، وتوثيق عرى المحبة بين الناس، خاصة إذا كانت على قريب، أو جار، أو ذي عداوة، فقد تحصل الخصومات، ويقع التنافر والتدابر، وتنقطع صلة الأرحام، فشرع الله الهبة والهدية لتصفية القلوب، وإزالة كل ما يسبب الفرقة بين الناس، ويطهر النفوس من رذيلة البخل والشح والطمع، وتحصيل الأجر والثواب لمن فعلها ابتغاء وجه الله تعالى. - حكم الهبة: الهبة عبادة من العبادات، وهي مستحبة؛ لما فيها من تأليف القلوب،

وتحصيل الأجر والثواب، وحصول المحبة والمودة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أهْدِي؟ قال: «إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْكِ باباً». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الهبة: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثَلاثَةَ أهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أوقِدَتْ فِي أبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ. فَقُلتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قالتِ الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلا أنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ألبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا. متفق عليه (¬4). - فقه الإنفاق الشرعي: الله عز وجل كريم يحب الجود والكرم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويثيب عليها .. ويدعو إلى قبولها .. ويرغِّب فيها .. وكان أعظم الناس صدقة بما ملكت ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2585). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2595). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2566) , واللفظ له، ومسلم برقم (1030). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3567) , واللفظ له، ومسلم برقم (2972).

يده .. لا يسأله أحد شيئاً إلا أعطاه إياه قليلاً كان أو كثيراً .. يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان فرحه وسروره بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه منه، إذا عرض له محتاج آثره على نفسه. وكان - صلى الله عليه وسلم - ينوِّع في أصناف عطائه وصدقته: تارة بالهبة .. وتارة بالصدقة .. وتارة بالهدية .. وتارة يشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه .. وتارة يقترض الشيء فيرد أكثر منه .. وتارة يشتري الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً. وبذلك كان أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، فصلوات الله وسلامه عليه. - كرم النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَاقَوْمِ! أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّداً يُعْطِي عَطَاءً لاَ يَخْشَى الفَاقَةَ. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6) , واللفظ له، ومسلم برقم (2308). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2312).

- ما تنعقد به الهبة: تنعقد الهبة بكل لفظ يفيد تمليك المال بلا عوض كوهبتك، أو أهديتك، أو أعطيتك، وتنعقد بكل معاطاة دالة عليها. - ما يصح هبته: كل ما يجوز بيعه تجوز هبته من الأموال، والعقار، والمنقول، قليلاً كان أو كثيراً، ويستحب قبولها، ويكره ردها وإن قلّت. - شروط الهبة: يشترط لصحة الهبة ما يلي: أن يكون الواهب جائز التصرف .. وأن يكون مختاراً .. وأن يكون مالكاً للموهوب .. وأن يصدر منه ما يدل على الهبة. ويشترط في الموهوب: أن يكون موجوداً حقيقة .. وأن يكون مالاً متقوّماً .. وأن يكون مملوكاً للواهب. - أنواع الهبة: الهبة إن كانت من الغني لمثله فهي للمودة والمحبة، وإن كانت من الغني إلى الفقير فهي للإحسان والمواساة، وإن كانت من الفقير إلى الغني فهي غالباً يراد بها المكافأة. فالهبة نوعان: 1 - هبة مطلقة لا يُقصد بها العوض، وإنما يُقصد بها الأجر، وحصول المودة، سواء كانت لمن دونه، أو أعلى منه، أو مثله، وهذه هي الأصل، وهي مستحبة.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَل لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». متفق عليه (¬1). 2 - هبة مقيدة، وهي التي يُقصد بها ثواب الدنيا. فهذه حكمها حكم البيع، والغالب أن المهدي يطلب بها أكثر مما أهدى، والأفضل أن يقنع بما يُعطى، ولا يجعل الهدية طريقاً لابتزاز أموال الناس. - ما تُملك به الهبة: الهبة والصدقة تُملك بالقبض، فإذا لم يقبض الإنسان الهبة أو الصدقة فمن حق الواهب أو المتصدق أن يرجع فيها عند وجود عارض يمنعه من الصدقة أو الهبة. - مقدار الهبة: من كان له صبر على الفاقة، وقلة ذات اليد، فله التصدق بكل ماله أو بأكثره. ومن لا صبر له، ويتكفف الناس إذا احتاج، لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره. - الأَوْلى بالهدية: الأولى بالإهداء إليه الأقرب فالأقرب من الأهل، والأقارب، والجيران، والأصدقاء، من الأغنياء والفقراء. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1388) , واللفظ له، ومسلم برقم (1004).

أهْدِي؟ قال: «إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْكِ باباً». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا أعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ». متفق عليه (¬2). - ما لا يرد من الهدايا: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ كَانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَرُدُّ الطِّيبَ. أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلاَ يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ المَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ». أخرجه مسلم (¬4). - حكم قبول الهدية: يستحب قبول الهدية، والإثابة عليها؛ مقابلةً للجميل بمثله أو أفضل منه، فإن لم يجد دعا له. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأقُولُ: أعْطِهِ مَنْ هُوَ أفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقال: «خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». متفق عليه (¬5). 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2259). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2594) , ومسلم برقم (999) , واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري برقم (5929). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2253). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1473) , واللفظ له، ومسلم برقم (1045).

مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثنَاءِ». أخرجه الترمذي (¬1). - حكم قبول الهدية من المشركين: تجوز الهدية للمشرك، وقبولها منه؛ تأليفاً لقلبه، وطمعاً في إسلامه. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أحْسَنُ مِنْ هَذَا». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ يَهُودِيَّةً أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا، فَقِيلَ: ألا نَقْتُلُهَا؟ قال: «لا». فَمَا زِلتُ أعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬3). - ما يفعل بالهدية التي لا تليق به: 1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أهْدَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةَ سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. متفق عليه (¬4). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُل عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنِّي رَأيْتُ عَلَى بابهَا سِتْراً مَوْشِيّاً». فَقال: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا». فَأتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقالت: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، قال: «تُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلانٍ، أهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ». أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2615) , واللفظ له، ومسلم برقم (2469). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2617) , واللفظ له، ومسلم برقم (2190). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2614) , واللفظ له، ومسلم برقم (2071). (¬5) أخرجه البخاري برقم (2613).

3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: رَأى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ باب المَسْجِدِ، فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلوَفْدِ، قال: «إِنَّمَا يَلبَسُهَا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». ثُمَّ جَاءَتْ حُلَلٌ، فَأعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، وَقال: أكَسَوْتَنِيهَا، وَقُلتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلتَ؟ فَقال: «إِنِّي لَمْ أكْسُكَهَا لِتَلبَسَهَا». فَكَسَاهَا عُمَرُ أخاً لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكاً. متفق عليه (¬1). - من أهدي له هدية في مجلس فهو أحق بها: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكَانَ عَلَى بَكْرٍ لِعُمَرَ صَعْبٍ، فَكَانَ يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ أبُوهُ: يَا عَبْدَاللهِ، لا يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ. فَقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بِعْنِيهِ». فَقال عُمَرُ: هُوَ لَكَ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ قال: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَاللهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ». أخرجه البخاري (¬2). - قبول الهدية وإن قلّت: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ، أوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أوْ كُرَاعٌ لَقَبِلتُ». أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قال: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2612) , واللفظ له، ومسلم برقم (2068). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2610). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2568). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2577) , واللفظ له، ومسلم برقم (1074).

- حكم الهدية للمشرك: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة:8]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)} [الإنسان:8 - 9]. 3 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهَا قَالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلتُ: إِنَّ أُمِّي قَدمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ، صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (¬1). - حكم المكافأة على الهدية: يستحب قبول الهدية، والمكافأة عليها بأحسن منها أو مثلها؛ مقابلة للجميل بمثله، ولئلا يكون لأحد عليه منَّة، فإن لم يجد دعا له. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ أخَذَ سِنّاً، فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقالا». ثُمَّ قَضَاهُ أفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، وَقال: «أفْضَلُكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً». متفق عليه (¬3). - حكم الثناء على المهدي: يستحب الثناء على المهدي, والدعاء له، شكراً لإحسانه وبذله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , واللفظ له، ومسلم برقم (1003). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2585). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2609) , واللفظ له، ومسلم برقم (1601).

1 - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالََ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْراً فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثنَاءِ». أخرجه الترمذي (¬1). 2 - وعَنْ أَنَسٍ َ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا رَأَيْنَا قَوْماً أَبْذلَ مِنْ كَثيرٍ وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذهَبُوا بالأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالََ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا، مَا دَعَوْتُمُ اللهَ لَهُمْ وَأَثنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - حكم الهدية لجلب مصلحة: من أهدى هدية لولي أمر أو غيره ليفعل معه ما لا يجوز، كان حراماً على المهدي والمهدى إليه؛ لأن ذلك من الرشوة الملعون آخذها ومعطيها. وإن أهداه هدية ليكف ظلمه عنه، أو ليعيطه حقه الواجب له، فهذه الهدية حرام على الآخذ، وجاز للدافع دفعها إليه دفعاً لشره، وحفظاً لحق الدافع. 1 - عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ بَنِي أسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأَتَبِيَّةِ، عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قال: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: «مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أيُهْدَى لَهُ أمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ: إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ». ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: «ألا هَل بَلَّغْتُ». ثَلاثاً. متفق ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (13075) , وأخرجه الترمذي برقم (2487) , وهذا لفظه.

عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ فِي الحُكْمِ. أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - الفرق بين الهدية والرشوة: الراشي يقصد بالرشوة إبطال حق، أو إحقاق باطل، فهذا محرم، فإن رشا لدفع الظلم عن نفسه اختص المرتشي وحده باللعنة. وأما المهدي فقصده استجلاب المودة والإحسان، فإنْ قَصَد المكافأة فهو معاوض، وإن قصد الربح فهو مكاثر. - حكم العُمْرَى والرُّقْبَى: العمرى: أن يهب الإنسان غيره شيئاً مدة عمره، فإذا مات عادت للواهب، كأن يقول: أعمرتك هذه الدار مدة عمرك، أو مدة عمري. الرقبى: كأن يقول: أرقبتك داري مدة حياتك، فإن مت قبلي رَجَعَتْ إليّ، وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك. فالعمرى والرقبى نوع من الهبة، لكنه مؤقت بوقت. وحكمها أنها جائزة، والتوقيت باطل، فتكون العمرى والرقبى لمن وهبت له حياته، ولورثته من بعده، ولا ترجع للواهب. 1 - عَنْ جَابِرِ بْن عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلاَ تُفْسِدُوهَا، فَإنّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلّذِي أُعْمِرَهَا، حَيّاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7174) , واللفظ له، ومسلم برقم (1832). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9023)، وأخرجه الترمذي برقم (1336) وهذا لفظه.

وَمَيّتاً، وَلِعَقِبِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَى، أنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. متفق عليه (¬2). - حكم الهبة في مرض الموت: المريض مرض الموت إذا وهب غيره هبة فحكم هبته كحكم الوصية، فلا تصح إلا إذا أجازها الورثة بعد الموت، ولا تصح لغير وارث بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت. وإن وهب في مرض الموت ثم شفي فالهبة صحيحة. - حكم الإشهاد على الهبة: يستحب الإشهاد على الهبة قطعاً للنزاع والخلاف. عَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «أعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا». قال: لا، قال: «فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ». قالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه (¬3). - حكم الرجوع في الهبة: من وهب لغيره هبة فلا يجوز له الرجوع فيها، إلا الوالد إذا وهب ولده فله الرجوع، ويجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1625). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2625) , واللفظ له، ومسلم برقم (1625). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2587) , واللفظ له، ومسلم برقم (1623).

1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلبِ، يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَرْفَعَانِ الحَدِيث قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - حكم رد الهدية: يستحب قبول الهدية، ويجوز ردها لسبب كأن يعلم أن المهدي صاحب منّة، أو يعيّرك بها، أو يتحدث بها أمام الناس. ويجب رد الهدية لمانع شرعي كأن تكون مسروقة، أو مغصوبة، أو محرمة. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ: أنَّهُ أهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيّاً، وَهُوَ بِالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأى مَا فِي وَجْهِهِ قال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلا أنَّا حُرُمٌ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أعْلامٌ، فَنَظَرَ إلَى أعْلامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قال: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أبِي جَهْمٍ، وَأْتُونِي بِأنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمٍ، فَإنَّهَا ألهَتْنِي آنِفاً عَنْ صَلاتِي». متفق عليه (¬4). - كيف يعطي الإنسان أولاده؟: 1 - إذا أراد الإنسان أن يعطي أولاده من ماله فيجب عليه التسوية بينهم حسب ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2589) , واللفظ له، ومسلم برقم (1622). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3539) , وأخرجه الترمذي برقم (2132) , وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1825) , واللفظ له، ومسلم برقم (1193). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (373) , واللفظ له، ومسلم برقم (556).

ميراثهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن فضّل بعضهم على بعض سَوَّى برجوع أو زيادة. 2 - إذا أعطى الإنسان أحد أولاده لسبب خاص من حاجة، أو زَمَانة، أو مرض، أو عجز، أو كثرة أولاد، أو لانشغاله بالعلم ونحوه، فيجوز التخصيص من أجل ذلك، ويحرم ذلك على سبيل الأَثَرة، وكذلك يعطي الورثة حسب ميراثهم. عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أعْطَانِي أبِي عَطِيَّةً، فَقالتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: إِنِّي أعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأمَرَتْنِي أنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «أعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا». قال: لا، قال: «فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ». قال: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2587) , واللفظ له، ومسلم برقم (1622).

26 - الوصية

26 - الوصية - الوصية: هي التبرع بالمال بعد الموت، أو الأمر بالتصرف بعد الموت. - الفرق بين الوصية والهبة: الوصية: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع. والهبة: تمليك المال لغيره في الحال. وكلاهما يصح من مسلم وكافر. - حكمة مشروعية الوصية: قد يغفل الإنسان في حياته عن أعمال البر والخير، ومن رحمة الله بعباده أن شرع لهم الوصية؛ زيادة في القربات والحسنات، وتداركاً لما فرط فيه الإنسان في حياته من أعمال البر. فجعل سبحانه للمسلم نصيباً من ماله يفرضه قبل مماته في أعمال البر التي تعود على الفقراء والمحتاجين بالخير والفضل، وتعود على الموصي بالثواب والأجر، والاستزادة من العمل الصالح، ومكافأة من أسدى للمرء معروفاً، وصلة للرحم والأقارب غير الوارثين، وسد خَلّة المحتاجين. - حكم الوصية: الوصية لها خمسة أحكام: 1 - واجبة: كالوصية برد الودائع والديون التي لا يعلمها إلا الموصي، والوصية بقضاء الحقوق الشرعية، سواء كانت لله كالزكاة والكفارات، أو كانت لآدمي كالديون والودائع ونحوهما، والوصية برد المغصوب أو المسروق

ونحوهما. 2 - مستحبة: كالوصية للأقارب غير الوارثين، والفقراء والمساكين، وجهات البر والخير. 3 - محرمة: كالوصية بمعصية كبناء كنيسة، أو مصنع خمر، أو دار لهو، أو نشر كتب الضلال، والوصية لأهل الفسوق والعصيان، أو كان فيها إضرار بالورثة، أو الوصية لوارث محاباة له. 4 - مكروهة: كالوصية من فقير وارثه محتاج. 5 - مباحة: كالوصية من غني للأغنياء من الأقارب والأجانب. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)} [البقرة:180 - 182]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه (¬1). - حكم تعجيل الوصية: تنفيذ الوصية يكون بعد الموت، والأفضل تعجيل الوصايا لجهات البر في الحياة، وعدم تأخيرها لما بعد الموت؛ لأنه لا يأمن الموصي أن يُفرَّط بها بعد موته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738) , واللفظ له، ومسلم برقم (1627).

فالصدقة في حال الحياة أفضل من الوصية؛ لأن المتصدق يجد ثواب عمله أمامه، ويصرفه حال حياته. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} [المنافقون:10]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرًا؟ قال: «أنْ تَصَدَّقَ وَأنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأمُلُ الغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ». متفق عليه (¬1). - أركان الوصية: أركان الوصية أربعة: الموصي: وهو من صدرت منه الوصية. الموصى إليه: وهو محل الوصية. والموصى فيه: وهو المال أو التصرف. والصيغة: وهي الإيجاب من الموصي، والقبول من الموصى إليه. - شروط الوصية: يشترط لصحة الوصية ما يلي: أن يكون الموصي أهلاً للتبرع .. وأن يكون راضياً مختاراً .. وأن يكون مالكاً لما يوصي فيه. ويشترط في الموصى له: أن يكون موجوداً .. وأن يكون معلوماً بنفسه أو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419) , واللفظ له، ومسلم برقم (1032).

صفته .. وأن تكون الجهة الموصى لها جهة بر لا جهة معصية .. وأن يكون الموصى إليه في التصرف حسن التصرف .. وأن يكون الموصى له بالمال غير وارث. ويشترط في الموصى به: أن يكون مالاً يباح الانتفاع به شرعاً .. وأن يكون مملوكاً للموصي .. وأن يكون مما يصح تملّكه شرعاً .. وألا يكون الموصى به معصية أو محرم شرعاً .. وألا يكون بأكثر من ثلث ماله إن كان له وارث .. حصول الإيجاب من الموصي بقول أو فعل أو كتابة قبل موته .. وقبول الموصى له. - أنواع الوصايا: الوصية المشروعة أنواع، ومنها: الوصية بالدين .. والوصية بالمال .. والوصية على الأهل .. والوصية على الأولاد .. والوصية على الأيتام .. والوصية على الأموال .. والوصية على الإنفاق. - أعظم الوصايا: أعظم الوصايا وأعلاها وأهمها هي الوصية بالدِّين والإيمان والتقوى، وهي وصية الله للأولين والآخرين .. ووصية الأنبياء لأبنائهم وأتباعهم إلى يوم الدين. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)} [النساء:131].

2 - وقال الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة:132 - 133]. 3 - وَعَنْ طَلْحَة بن مُصَرِّفٍ قَالَ: سَألْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنهُ، هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أوْصَى؟ فَقال: لا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ، أوْ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ، قال: أوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. متفق عليه (¬1). - وجوه الوصية: 1 - تكون الوصية بالتبرع بالمال بعد الموت، كأن يوصي بخُمس ماله لمعين كفلان، أو لموصوف كالفقراء، أو طلبة العلم، أو المجاهدين في سبيل الله، أو لجهة كبناء مسجد، أو حفر بئر، أو جمعية خيرية ونحو ذلك. 2 - تكون الوصية بالتصرف المعلوم بعد الموت، كأن يوصيه بأن يزوج بناته، أو ينظر لصغاره، أو يفرق ثلثه ونحو ذلك، وهذه قربة يثاب عليها من قدر عليها. ويصح قبول الموصى إليه الوصية في حياة الموصي وبعد موته، فإن ردها بطلت. - حكم كتابة الوصية: تصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي أو خطه، ويستحب للإنسان أن يكتب وصيته قبل موته، ويُشهد عليها شاهدين؛ قطعاً للنزاع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2740) , واللفظ له، ومسلم برقم (1634).

1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة:106]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». متفق عليه (¬1). - وقت ثبوت الوصية: يستحق الموصى له الوصية بعد موت الموصي، وبعد سداد ديونه، فإذا استغرقت الديون التركة كلها فليس للموصى له شيء؛ لأن الإنسان إذا مات أُخرج من تركته الدَّين، ثم الوصية، ثم الميراث. والاعتبار بصحة الوصية وعدم صحتها بحال الموت، فلو أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث، كأخ حُجب بابن تجدد صحت الوصية، ولو أوصى لغير وارث فصار عند الموت وارثاً، كما لو أوصى لأخيه مع وجود ابنه حال الوصية، ثم مات ابنه، فإنها تبطل الوصية إن لم تجزها الورثة. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]. - ما يترتب على الوصية: يترتب على ثبوت الوصية ثبوت الملك للموصى له من وقت وفاة الموصي. وإن لم يقبل الموصى له لم يتملك الموصى به، وعاد الملك إلى الورثة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738) , واللفظ له، ومسلم برقم (1627).

وتنفذ وصية من لا دَيْن عليه ولا وارث له بكل ماله، من غير توقف على إجازة أحد. - الحكم إذا تزاحمت الوصايا: إذا تزاحمت الوصايا، وضاق عنها الثلث، ولم يُجز الورثة، أو أجازوها ولم تتسع التركة لتنفيذ جميع الوصايا فنعمل ما يلي: 1 - إن كان التزاحم في الوصايا بين الأشخاص، كما لو أوصى لزيد بخمسين، ولعمر بعشرين، ولخالد بثلاثين، فيُقسم الثلث بينهم حسب ما فرض لهم الموصي بحسب نسبته. 2 - إن كان التزاحم في حقوق الله تعالى كفرض الحج، والزكاة، وصدقة التطوع، فيقدم الفرض على التطوع، فينفِّذ الوصية بأداء الحج عنه، وإخراج الزكاة الواجبة عنه، فإن بقي من الثلث شيء أدى التطوع من صدقات، وحج تطوع ونحوهما. 3 - إذا تزاحمت في الوصية حقوق الله وحقوق العباد قُدِّم حق الله على غيره؛ لأن دَيْن الله أحق بالوفاء. - أقسام الأوصياء: ينقسم الأوصياء إلى ثلاثة أقسام: 1 - وصي الخليفة: وهو من يوصي له الخليفة بالبيعة من بعده. 2 - وصي القاضي: وهو الذي يعينه القاضي مشرفاً على أمور القصر والصغار المالية. 3 - الوصي المختار: وهو من يوصي إليه الإنسان في حياته للنظر في شئون أولاده أو أمواله بعد موته.

وقبول هذه الوصية للقادر قربة إلى الله؛ لأنها تعاون على البر والتقوى، ومن لا يقدر عليها فتركها أولى. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)} [البقرة:220]. - أنواع تصرفات الوصي: البيع والشراء لمصلحة الموصى عليه .. التوكيل .. والإيصاء لغيره بإذن الموصي .. المضاربة بمال الموصى عليه .. وقضاء الدين .. والقسمة عن الموصى له .. دفع المال للمحجور عليه عند رشده .. الأكل من مال اليتيم وركوب دوابه بقدر الحاجة .. وإذا امتنع عن القيام بالوصية إلا بأجره .. فيجعل له القاضي أُجرة المثل. قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء:6]. - مقدار الوصية المسنونة: 1 - من كان ماله يسيراً فالأفضل أن يتركه لورثته. 2 - من كان له مال كثير وله وارث فالأفضل أن يوصي بالخمس أو الربع، ويجوز له أن يوصي بالثلث من ماله، ولا تنفذ وصيته بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة لها بعد موت الموصي، ومن كان له مال كثير، وليس له وارث، وليس عليه دين, فيجوز له أن يوصي بجميع ماله في كل ما فيه منفعة ومصلحة؛

لأن المنع بأكثر من الثلث لحق الورثة، ولا وارث هنا. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ». فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: «لاَ». ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ». متفق عليه (¬1). - حكم الوصية بأكثر من الثلث: من كان له وارث فلا تجوز له الوصية لغير وارث بأكثر من الثلث، فإن أوصى له بالزيادة على الثلث فلا بد من إجازة الورثة لها بعد الموت وإلا بطلت. ولا يجوز له الوصية لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة، فإن لم يجيزوا بطلت، وإن أجاز بعضهم دون بعض نَفَذَت في حق المجيز فقط، ولا تكون الإجازة مقبولة ولا ملزمة إلا بعد موت الموصي. ويشترط فيمن يجيز أن يكون من أهل التبرع، وأن يكون عالماً بما يجيزه. - نص الوصية: يستحب للموصي إن كان له مال أن يبادر لكتابة وصيته، وأن يُشهد عليها شاهدين، وأن يبينها حتى يسهل تنفيذها والعمل بها، وأن يكتب في صدرها الوصية العظمى، وهي الوصية بتقوى الله، ثم يذكر ما يريد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1295) , واللفظ له، ومسلم برقم (1628).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِى صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِى القُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَأَنْ يُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا وَصَّى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبَ: {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. أخرجه البيهقي والدارقطني (¬1). - حكم تبديل الوصية: يجب أن تكون الوصية بالمعروف، فإن قصد الموصي مضارة الوارث حرم عليه ذلك، وهو آثم، ويحرم على الموصى إليه وغيره تبديل الوصية العادلة. وينبغي لمن علم أن في الوصية جَنَفاً أو إثماً أن ينصح الموصي ويشير عليه بالأحسن والأعدل، وينهاه عن الجور والظلم. فإن لم يستجب أصلح بين الموصى إليهم؛ ليحصل العدل والتراضي، وبراءة ذمة الميت. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)} [البقرة:180 - 182]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البيهقي برقم (12463) , وأخرجه الدارقطني برقم (4348) , انظر «إرواء الغليل» رقم (1647).

- حكم الوصية لغير وارث: تستحب الوصية للوالدين الَّذَين لا يرثان كالوالدين من الرضاع، وللأقارب الفقراء الذين لا يرثون؛ لأنها عليهم صدقة وصلة. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)} [البقرة:180]. - حكم الرجوع في الوصية: يجوز للموصي الرجوع في الوصية، ونقضها، وزيادتها، سواء كتبت أم لا، فإذا مات الموصي استقرت. - ما تبطل به الوصية: تبطل الوصية بأسباب: إما من الموصي كرجوعه عن الوصية، وإما من الموصى له، وهو رد الوصية، أو موته قبل الموصي، أو قتل الموصي، أو جنون الموصي له بالتصرف، وإما من الموصى به، وهو هلاك العين الموصى بها، أو استحقاقها. وإما بانتهاء مدة الوصية. - حكم الوصية للوالدين بأعمال البر: يستحب للمسلم أن يوصي لوالديه، أو أقاربه بحَجَّة أو أضحية ونحوها، وينفذها لهم في حياته؛ لأنه من باب البر والإحسان إليهم بالثواب، لا من باب الوصية التي يُقصد بها التمليك بعد الموت.

27 - الوقف

27 - الوقف - الوقف: هو حبس أصل المال، وتسبيل منافعه، طلباً للثواب من الله عز وجل. - حكمة مشروعية الوقف: يرغب من وسَّع الله عليهم من أهل الغنى واليسار أن يتزودوا من الطاعات، ويُكثروا من القربات، وذلك بوقف شيء من أموالهم العينية مما يبقى أصله، وتستمر منفعته، خشية أن يؤول بعد الموت إلى من لا يحفظه ولا يصونه. لذا شرع الله الوقف لما فيه من مصالح الدين والدنيا والآخرة، فالعبد يعظم أجره بتوقيف ماله ابتغاء وجه الله، والموقوف عليه ينتفع بذلك المال، ويدعو لصاحب الوقف. - حكم الوقف: الوقف مستحب؛ لما فيه من بر الأحباب، ومواساة الفقراء في الدنيا، وتحصيل الثواب في الآخرة. والوقف الشرعي الصحيح هو ما كان على جهة بر من قريب، أو فقير، أو جهة خيرية نافعة، فهو صدقة جارية دائمة. وهو من أفضل الصدقات التي حث الله عليها، ورغَّب فيها رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه صدقة دائمة ثابتة في وجوه البر والإحسان. وهو من أجلِّ وأعظم أعمال القُرب التي لا تنقطع بعد الموت. 1 - قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} [آل عمران: 92].

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أرْضاً، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أصَبْتُ أرْضًا، لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ عُمَرُ: أنَّهُ لا يُبَاعُ أصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (¬2). - أركان الوقف: أركان الوقف أربعة: الواقف .. والموقوف .. والموقوف عليه .. والصيغة: وهي إيجاب الواقف على نفسه الوقف بالقول أو الفعل حسب العرف. - أقسام الوقف: الوقف قسمان: الأول: وقف على المصالح الدينية. كأن يوقف الإنسان مسجداً، أو مدرسة لطلاب العلم، أو داراً للضعفاء والفقراء والأيتام والأرامل ونحو ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1631). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) , واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

الثاني: وقف على المصالح الدنيوية. كأن يبني داراً ويجعلها وقفاً على ورثته، أو يوقف مزرعة ويجعل غَلَّتها لهم. فهذا وذاك كلاهما صدقة جارية باقية للعبد بعد وفاته. - شروط الوقف: يشترط لصحة الوقف ما يلي: 1 - أن يكون الواقف أهلاً للتبرع، مالكاً لما سيقفه. 2 - أن يكون الموقوف مالاً متقوَّماً، معلوماً، مملوكاً للواقف. 3 - أن يكون الوقف عيناً معلومة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها. 4 - أن يكون الوقف على بر كالمساجد، والقناطر، والأقارب، والفقراء. 5 - أن يكون الوقف على معين من جهة كمسجد كذا، أو صنف كالفقراء، أو شخص كزيد مثلا. 6 - أن يكون الوقف مؤبداً غير مؤقت، منجّزاً غير معلق، إلا إذا علقه بموته فيصح ويكون وصية. - ما ينعقد به الوقف: ينعقد الوقف ويصح بأحد أمرين: 1 - القول: كأن يقول: وقّفت، أو حبّست، أو سبّلت ونحو ذلك. 2 - الفعل: كأن يبني مسجداً ويأذن للناس بالصلاة فيه، أو يسوِّر مقبرة ويأذن للناس بالدفن فيها، أو يقيم مدرسة ويأذن للناس بالدراسة فيها، أو يحفر بئراً ويأذن للناس بالشرب منها.

- أنواع الوقف: الوقف إما أن يكون على شخص كزيد مثلاً .. أو يكون على جهة خيرية كمسجد أو مدرسة أو مستشفى أو بئر ماء ونحو ذلك .. أو يكون على صنف معين كالفقراء، أو المعلمين، أو طلبة العلم ونحو ذلك. - ما يصح وقفه: يجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه من عقار، ومنقول. فالعقار كالأرض، والدار، والدكان، والبستان ونحو ذلك. والمنقول كالحيوان، والسيارة، والسلاح، والدروع، والآلات، والكتب، والحلي، والأثاث ونحو ذلك. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَجَدَ مالاً بِخَيْبَرَ، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ، قَالَ: «إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَذِي القُرْبَى، وَالضَّيْفِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ: فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلا أنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَأمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، قَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ وَأعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ: فَعَمُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا». متفق عليه (¬2). - مقدار الوقف: ليس للوقف مقدار محدد، لكن الوقف يختلف باختلاف أحوال الناس في ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2773) , واللفظ له، ومسلم برقم (1632). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1468) , واللفظ له، ومسلم برقم (983).

الغنى والسعة، فمن كان غنياً لا وارث له، فله أن يوقف جميع ماله، ومن كان غنياً وله ورثة فله أن يوقف بعض المال، ويترك الباقي للورثة. - مدة الوقف: الوقف مطلق مؤبد لله عز وجل. فمن أوقف أرضاً أو داراً أو مزرعة لله عز وجل فقد خرجت عن ملكه وتصرفه إلى ملك الله عز وجل، فلا تباع، ولا توهب، ولا تورث، ولا تسترد، وليس للورثة أن يبيعوها؛ لأنها خرجت عن ملكية المورِّث. - ثبوت الوقف: إذا نطق الإنسان بصيغة الوقف، أو فعل الواقف ما يدل على الوقف، فقد لزم الوقف، ولا يحتاج ثبوت الوقف إلى قبول الموقوف عليه، ولا يحتاج كذلك إلى إذن الحاكم، وإذا ثبت الوقف فإنه لا يجوز التصرف فيه بما يزيل وقْفِيَّته. - اختيار الوقف: الله تبارك وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فإذا أراد المسلم أن يوقف شيئاً طلباً لمرضاة الله عز وجل، فيحسن به أن يختار أحسن أمواله، وأنفسها عنده، وأحبها إليه، وذلك من تمام البر والإحسان. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأَنْصار بِالمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قال أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الايَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قَامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وَإِنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ،

أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أرَاكَ اللهُ. قال: فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ». فَقال أبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. متفق عليه (¬1). - أفضل الأوقاف: أفضل الأوقاف وأحبها إلى الله عز وجل هو كل ما عمّ نفعه لعموم الناس في كل زمان ومكان، كوقف الماء، وبناء المساجد، ودور العلم، وعلى المجاهدين في سبيل الله، وطلبة العلم، والأقارب، والفقراء، والبساتين التي يطعم منها الفقراء والمساكين. وأفضل الأوقاف ما فيه إحياء النفوس والقلوب، وذلك يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأموال، والأحوال، والأشخاص. فإذا كان الإنسان في بلد يموت فيه الناس من الجوع والعطش فالأفضل الوقف على إنقاذ الأنفس من الموت والجوع والعطش، والصدقة على القريب الفقير أفضل؛ لأنها صدقة وصلة. وإذا كان الإنسان في بلد فيه الأرزاق متيسرة، والناس محتاجون إلى العلم، فبناء المساجد ودور العلم أفضل وأعظم ثواباً .. وهكذا. - أنواع الأوقاف في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ أمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا». قَالُوا: لا وَاللهِ، لا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1461) , واللفظ له، ومسلم برقم (998).

نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: أصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أرْضاً، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أصَبْتُ أرْضاً، لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ عُمَرُ: أنَّهُ لا يُبَاعُ أصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تُوُفِّيَتْ أمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ وَأنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (¬3). 4 - وَعَنْ أبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حِينَ حُوصِرَ، أشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أنْشُدُكُمُ اللهَ، وَلا أنْشُدُ إِلا أصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَحَفَرْتُهَا، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ». فَجَهَّزْتُهُ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ. أخرجه البخاري (¬4). 5 - وَعَنْ عُمَر بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2774) , واللفظ له، ومسلم برقم (524). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) , واللفظ له، ومسلم برقم (1632). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2756). (¬4) أخرجه البخاري برقم (2778).

فَسَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: «لا تَشْتَرِه، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». متفق عليه (¬1). - صفة قسمة ريع الوقف: 1 - إذا وقف الإنسان على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، فإن لم يمكن جاز التفضيل والاقتصار على أحوجهم. 2 - إذا وقف على أولاده ثم على المساكين، فهو لأولاده الذكور والإناث وإن نزلوا للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كان لبعضهم عيال، أو به مرض، أو كان محتاجاً أو عاجزاً عن الكسب فخصه بشيء من الوقف فحسن. 3 - إذا قال هذا الوقف وقف على أبنائي أو بني فلان فهو للذكور دون الإناث إلا أن يكون على قبيلة كبني هاشم فيدخل النساء مع الرجال. 4 - يجب العمل بشرط الواقف في الجمع والتقديم والترتيب ما لم يخالف الشرع، فإن أطلق ولم يشترط عمل بالعادة والعرف ما لم يخالف الشرع. - أحكام الوقف: 1 - يصح الوقف على كل بر، على الغني والفقير، والقريب والبعيد، والجهات والأفراد. 2 - يجوز الوقف على أكثر من جهة كالفقراء، والعلماء، والأغنياء ونحو ذلك. 3 - لا يصح وقف ما يَتْلف بالانتفاع به كالنقود، والطعام، والشراب، ولا ما لا يجوز بيعه كالمرهون، والمغصوب. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1490) , واللفظ له، ومسلم برقم (1620).

4 - يصح وقف المعيَّن والمشاع. 5 - إذا وقف شيئاً ولم يبين المصرف فيُصرف في أفضل جهات البر والإحسان المتعدي نفعها كبناء المساجد، وحفر الآبار، والفقراء، وطلبة العلم وغيرها. 6 - ما فَضُل من رَيْع الوقف يُصرف في مثله كمسجد، أو مدرسة، أو مستشفى ونحو ذلك. 7 - إذا وقف على ما فيه معصية صح الوقف، لكن يصرفه القاضي إلى أقرب السبل خيراً من جهات البر والإحسان، كما لو وقف داراً لبناء كنيسة، أو مصنع خمر ونحو ذلك فتُصرف لبناء مسجد، أو سقي الماء ونحو ذلك. 8 - الوقف أصل ثابت يجوز دفعه إلى آخرَ يقوم بتعميره من ماله بنسبة معينة من ريعه. - حكم بيع الوقف: الوقف مال أخرجه الإنسان عن ملكيته لله عز وجل، فلا يجوز التصرف فيه ببيع أو هبة ونحوهما؛ لأن البيع يفتقر إلى ملكية، والوقف لا مالك له، والقاضي له ولاية مبنية على الولاية العامة للحاكم ببيع ما لا مالك له. فإذا خرب الوقف، وتعطلت منافعه جاز بيعه واستبداله بمثله أو أفضل منه، كدار انهدمت، أو أرض خربت، أو مسجد انصرف أهل القرية عنه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه ونحو ذلك من الأسباب التي تُنقِص أو تَمنع الانتفاع به. - حكم تغيير صورة الوقف: الوقف ينفَّذ حسب أمر الواقف، ولا يجوز تبديل صورة الوقف سواء كان

أرضاً، أو مزرعة، أو مسجداً، أو داراً، إلا إذا تعطلت منافعه فيُصرف في مثله. وتجوز مخالفة نص الواقف بنظر القاضي إلى ما هو أصلح وأنفع وأحب إلى الله تعالى. ويجوز إبدال الموقوف بخير منه في حالتين: إحداهما: أن يكون الإبدال للحاجة كمسجد رحل الناس عنه، أو دار انهدمت، أو فرس انكسرت، فيباع ويُشترى بثمنه ما يقوم مقامه من مثله. الثانية: الإبدال لمصلحة راجحة كبستان تعطلت منافعه، وقَرُب منه العمران، يُقَطَّع أراضي، ويبنى عليها مسجد، أو مدرسة، أو مستشفى، أو بيوت لسكن الفقراء والأيتام والأرامل، أو محلات تجارية تبنى وتؤجر، وتؤخذ أجرتها وتصرف في وجوه البر والإحسان ونحو ذلك. فمع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه؛ لظهور المصلحة، وعموم المنفعة. - الناظر على الوقف: يجب على الواقف أن يعين ناظراً على الوقف؛ لئلا يضيع، وإذا لم يعين الواقف ناظراً فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معيناً، ويجوز تعدد النظَّار عند الحاجة. وإن كان على جهة كالمساجد، والجهات الخيرية، ومن لا يمكن حصرهم كالفقراء، وطلبة العلم، والمجاهدين ونحوهم فالنظر على الوقف يكون للحاكم. ويشترط في الناظر العدالة والكفاية، فإن لم تتوفر العدالة والكفاية نزع

الحاكم الوقف منه، وأشرف عليه. - وظيفة الناظر: مهمة ناظر الوقف محصورة في أمرين: الأول: المحافظة على الوقف، ورعايته، وصيانته، وتنميته. الثاني: صرف الوقف في الجهة التي سمى الواقف، ولا يتصرف زيادة على ذلك إلا بإذن القاضي. - عزل الناظر: يجوز للواقف عزل الناظر متى شاء .. وللناظر عزل نفسه متى شاء بعلم القاضي. ويجب على القاضي عزل الناظر إذا كان خائناً غير مأمون، أو كان عاجزاً، أو ظهر به فسق كشرب خمر ونحوه، أو كان يصرف مال الوقف في غير المفيد. وإذا تم عزل الناظر عيَّن القاضي ناظراً غيره على الوقف، وتكون أجرته من ريع الوقف يقدِّرها القاضي حسب العرف. - نفقة الوقف: نفقة الوقف وعمارته وصيانته حيث شَرَطها الواقف إما من ماله، أو من مال الوقف، فإن لم يمكن معرفة ذلك فمن غَلَّة الوقف أو منافعه؛ لأن حفظ أصل الوقف لا يمكن إلا بالإنفاق عليه من غَلَّته، فإن تعطلت منافع الوقف على جهة فنفقته من بيت المال؛ لأنه من المصالح العامة. - حكم الوقف على الورثة: يجب على الإنسان التسوية بين أولاده، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يجوز

تفضيل بعضهم على بعض بدون سبب ظاهر. وإذا كان أحد أولاده مريضاً أو عاجزاً فيجوز أن يخصه بما يسد حاجته. ويحرم على الإنسان أن يقف وقفاً يضارّ به الورثة، فإن فعل فالوقف باطل. وإذا خاف الرجل على بناته أن تُطَلَّق من بعده، أو ترمل بناته من بعده، فلا حرج عليه أن يوقف عليهن الدور؛ شفقة عليهن، ورحمة بهن؛ لأن الذكر يستطيع أن يتكسب، بخلاف الأنثى، خاصة إذا طُلِّقت ربما لا تجد من يرفق بها، خاصة إذا لم يكن لها أبناء، أو من يقوم عليها. - حكم وقف الكافر: الوقف قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل. ويصح الوقف من الكافر، لكن يثاب على صدقاته في الدنيا، ولا حظ له من الثواب في الآخرة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». أخرجه مسلم (¬1). - حكم أوقاف الكفار: أوقاف الكفار نوعان: 1 - الوقف على معين، أو جهة يجوز للمسلم الوقف عليها كإطعام الفقراء، وإصلاح الطرق، وحفر الآبار، والمصالح العامة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2808).

فهذا الوقف صحيح ينفع صاحبه الكافر في الدنيا لا في الآخرة. 2 - الوقف على الكنائس والبِيَع ومواطن الشرك ونحوها. فهذا الوقف لا يصح من مسلم ولا كافر؛ لما فيه من الإعانة على الكفر وتقويته واستمراره. وللإمام أن يستولي على كل ذلك، ويجعله في القربات التي شرعها الله ورسوله. - زكاة الوقف: الوقف له حالتان: الأولى: أن يكون الوقف على جهة تستحق الزكاة، فهذا لا زكاة فيه. الثانية: أن يكون الوقف على جهة لا تستحق الزكاة، فهذا بمجرد صرف الأموال لكل واحد من الموقوف عليهم يستقبل به الحول، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، وبلغ النصاب. وزكاة الزروع والثمار تجب بعد جَنْيه وحصاده: العشر فيما سقي بلا مؤنة، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة. - مبطلات الوقف: يبطل الوقف بما يلي: الوقف على كنيسة .. الوقف على معصية .. الوقف على كافر حربي .. الجهل بسبق الوقف على الدين .. موت الواقف قبل تسليم الوقف.

28 - العتق

28 - العتق - العتق: هو فك رقبة الآدمي من الرق. نشأة الرق: الإنسان إذا كفر بالله نزل عن التكريم الذي كرمه الله به، فإذا وقف في وجه الإسلام محارباً له ثم أُسِر، فالإمام مخير بين ضرب عنقه، أو استرقاقه، فإذا أسلم هذا الرقيق المملوك فتح الإسلام له أبواب العتق، ورغب في عتقه وتحريره من الرق. - سبب الرق: الناس كلهم أحرار، ولا يجوز استرقاق الآدميين إلا بسبب واحد، وهو أن يؤسروا وهم كفار مقاتلون. وقد جعل الله عز وجل لتخليصهم من ذل الرق عدة أسباب، فقد جعل العتق الكفارة الأولى في قتل الخطأ، وفي الظهار، وفي الوطء في نهار رمضان، كما جعله من مكفرات اليمين، ومن أفضل القُرَب. - حكمة مشروعية العتق: العتق من أعظم القُرَب التي رغَّب فيها الإسلام؛ لما فيه من تخليص الآدمي من ذل الرق، وتمكينه من التصرف في نفسه وماله كيف شاء. - حكم العتق: عتق الرقاب من ذل الرق من أعظم القُرَب المستحبة. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)}

[البلد:11 - 13]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا رَجُلٍ أعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬1). - فضل العتق: عَنْ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأدَّبَهَا فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَأعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أجْرَانِ، وَأيُّمَا عَبْدٍ أدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أجْرَانِ». متفق عليه (¬2). - أفضل الرقاب: عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ». قُلْتُ: فَأيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «أغْلاهَا ثَمَنًا، وَأنْفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا». متفق عليه (¬3). - وقت العتق: يستحب العتق في كل وقت، ويتأكد عند ظهور الآيات كالكسوف، والخسوف ونحوهما. عَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: أمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2517) , واللفظ له، ومسلم برقم (1509). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2547) , واللفظ له، ومسلم برقم (154). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2518) , واللفظ له، ومسلم برقم (84). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2519) , واللفظ له، ومسلم برقم (905).

- ما يحصل به العتق: يقع العتق من الجاد والهازل بكل لفظ يدل عليه كأنت حر أو عتيق ونحوهما. ومن مَلَك ذا رحم محرم كأمه وأبيه ونحوهما عَتُق عليه بالملك. وأيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته. وإذا أُعتق بعض العبد عتق كله. وإذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما، فإن كان موسراً قُوِّم عليه العبد كله، وإن لم يكن للمعتق مال فقد عتق من العبد ما عتق، وعلى العبد أن يسعى في عتق ما بقي منه. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أعْتَقَ شَقِيصاً مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوِّمَ المَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - حكم عمل المشرك: من تصدق وهو مشرك ثم أسلم كُتب له أجر ذلك العمل الصالح. عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ أشْيَاءَ كُنْتُ أتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صَدَقَةٍ، أوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2492) , واللفظ له، ومسلم برقم (1503). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3949) , وأخرجه الترمذي برقم (1365) , وهذا لفظه.

أجْرٍ؟ فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». متفق عليه (¬1). - صفة معاملة المملوك: عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ، فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بِأمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعِينُوهُمْ». متفق عليه (¬2). - حكم بيع الولاء: الولاء: عصوبة سببها نعمة المعتِق على رقيقه بالعتق. والولاء لمن أعتق، فإذا مات ولم يكن له وارث من النسب ورثه من أعتقه. ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته. عَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ. متفق عليه (¬3). - حكم المكاتبة: المكاتبة: بيع السيد رقيقه لنفسه بمال في ذمته. وتجب المكاتبة إذا علم السيد من عبده الخير، وسأله رقيقه المكاتبة، وعلم قدرته على الكسب. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436) , واللفظ له، ومسلم برقم (123). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30) , واللفظ له، ومسلم برقم (1661). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2535) , واللفظ له، ومسلم برقم (1506).

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33]. - حكم بيع المكاتب: يستحب للسيد أن يعين المكاتب بشيء من قيمته كالربع مثلاً، أو يضع عنه قدره ونحوه، ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه. والمكاتب إذا أدى ما عليه عتق، وإن عجز عاد رقيقاً. عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أمَّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا فَقالتْ لَهَا: إِنْ أحَبَّ أهْلُكِ أنْ أصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا، فَقالوا: لا، إِلا أنْ يَكُونَ وَلاؤُكِ لَنَا. فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: «اشْتَرِيهَا وَأعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». متفق عليه (¬1). - حكم التدبير: التدبير: هو تعليق العتق بالموت. كأن يقول لرقيقه: إن مت فأنت حر بعد موتي، فإذا مات عتق إن لم يزد عن ثلث المال. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَزّأَهُمْ أَثْلاَثاً، ثُمّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيداً. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2564) , واللفظ له، ومسلم برقم (1075). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1668).

- حكم بيع المُدَبَّر: يجوز بيع المُدَبَّر وهبته. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِهِ أعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمانِ مِائَةٍ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. متفق عليه (¬1). اللهم أعتق رقابنا ورقاب المؤمنين من النار، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7186) , واللفظ له، ومسلم برقم (997).

الباب الثاني عشر كتاب النكاح وتوابعه

الباب الثاني عشر كتاب النكاح وتوابعه ويشتمل على ما يلي: 1 - كتاب النكاح. 2 - الإيلاء. 3 - الظهار. 4 - الطلاق. 5 - الرجعة. 6 - الخلع. 7 - اللعان. 8 - العدة: وتشمل: 1 - الإحداد. 2 - الاستبراء. 9 - الرضاع. 10 - الحضانة.

1 - كتاب النكاح

1 - كتاب النكاح ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام النكاح. 2 - العيوب في النكاح. 3 - شروط النكاح. 4 - المحرمات في النكاح. 5 - الشروط في النكاح. 6 - خطبة المرأة. 7 - عقد النكاح. 8 - نكاح الكفار. 9 - الصداق. 10 - وليمة العرس. 11 - زينة النساء والرجال. 12 - آداب الزفاف. 13 - أحكام الحمل والولادة. 14 - الحقوق الزوجية. 15 - أحكام القسم بين الزوجات. 16 - أحكام النفقة. 17 - النشوز.

النكاح · النكاح: هو عقد شرعي يقتضي حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر. والنكاح هو الزواج، ويطلق النكاح على العقد والوطء. · فقه النكاح: الزواج والزوجية سنة من سنن الله تعالى في الخلق، وهذه السنة عامة مطلقة في عالم النبات، وعالم الحيوان. أما عالم الإنسان فإن الله لم يجعله كغيره من العوالم المطلقة الغرائز، بل كرَّمه ووضع له النظام الملائم لسيادته، والذي يحفظ شرفه، ويصون كرامته، وذلك بالنكاح الشرعي الذي يجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالاً كريماً، قائماً على الرضا، وعلى المحبة، وعلى الإيجاب والقبول. وبذلك أشبع الغريزة بالطريق السليم، وحَفِظ النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون مطية لكل راكب. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء:1]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)} [الذاريات:49]. 3 - وقال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} [يس:36].

· روح النكاح: الله عز وجل خلق المرأة كرامة ونعمة للرجل. تجلب إليه الأنس والسرور .. وتقاسمه الهموم والغموم .. ويكون بوجودها بمثابة الملك المخدوم .. والسيد المحشوم. كما جعل سبحانه الرجل كرامة ونعمة للمرأة. يقوم عليها .. ويسعى عليها بكل ما تشتهي .. ويقضي حاجاتها .. ويرفع مستوى ضعفها .. ويجعلها سيدة بيت .. وأم أولاد .. ويستمتع كل منهما بالآخر، ويسكن إليه، ويأنس به. قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم:21].

1 - أحكام النكاح

1 - أحكام النكاح · حكمة مشروعية النكاح: شرع الله الزواج لما فيه من المصالح العظيمة التي أهمها: 1 - إرواء الغريزة الجنسية بأحسن وسيلة، وقضاء الوطر مع السلامة من الأمراض، وبذلك يسكن البدن عن الاضطراب، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام. 2 - إعفاف النفس بالحلال، وصيانتها عن الحرام، ووقايتها من الفتن. 3 - الزواج سكن وطمأنينة، وذلك لما يحصل به من الألفة والمودة، والانبساط بين الزوجين. 4 - الزواج يحصل به تكوين الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع. فالزوج يكد ويكتسب، وينفق ويعول، والزوجة تدبر المنزل، وتنظم المعيشة، وتربي الأطفال. 5 - إنجاب الأولاد، وتكثير النسل بأحسن وسيلة مع المحافظة على الأنساب التي يحصل بها التعارف والتعاون، والتآلف والتناصر. 6 - إشباع غريزة الأبوة والأمومة التي تنمو بوجود الأطفال، ونمو مشاعر الود والعطف والحنان. 7 - ترابط الأسر، وتقوية أواصر المحبة بين العائلات. 8 - حفظ النوع الإنساني من الزوال والانقراض بالإنجاب والتوالد. 9 - الزواج عبادة يستكمل بها الإنسان شطر دينه، ويستكثر به من النسل الذي

يعبد الله عز وجل. · فضل الزواج: الزواج من آكد سنن المرسلين الواجب اتباعهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)} [الرعد:38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)} [النحل:72]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32]. 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَبَاباً لا نَجِدُ شَيْئاً، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (¬1). · حكم النكاح: يختلف حكم النكاح بحسب اختلاف أحوال الناس كما يلي: 1 - يجب النكاح على من قدر عليه، وتاقت نفسه إليه، وخشي العنت؛ لأن إعفاف النفس بالحلال وصيانتها عن الحرام كل ذلك واجب، ولا يتم ذلك إلا بالزواج. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , واللفظ له، ومسلم برقم (1400).

2 - يستحب النكاح لمن لا يخشى الوقوع في الزنا إن لم يتزوج، ولا يخشى أن يظلم زوجته إن تزوج، وكان تائقاً للنكاح، وقادراً عليه. وهذه الحالة هي الغالبة على أكثر الناس. 3 - يحرم النكاح على من لا تتوق نفسه إليه، وليس له قدرة عليه، بأن يعلم من نفسه عدم القدرة على الوطء، أو عدم القدرة على الإنفاق، أو عدم القدرة على أداء الحقوق الواجبة؛ لأن كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام. 4 - ويكره النكاح لمن خاف الوقوع في الجور والظلم، والضرر، والتقصير، كأن يخاف العجز عن الإنفاق، أو إساءة العشرة، أو فتور الرغبة في النساء، أو تشغله عن تعلم العلم وتعليمه ونحو ذلك. 5 - ويباح النكاح إذا انتفت الدواعي إليه، وانتفت الموانع منه، بأن لا تتوق نفسه إليه، لكنه قادر عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32]. 3 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400)، واللفظ له.

· أركان النكاح: أركان النكاح أربعة: الزوج .. والزوجة .. والولي .. والإيجاب والقبول. فإن اختل ركن من هذه الأركان لم يصح النكاح. · حكم الإعراض عن الزواج: الزواج نعمة وضرورة لا غنى عنها، والإعراض عن الزواج يفوِّت على الإنسان كثيراً من المنافع والمصالح، ولا يمتنع عن الزواج إلا عاجز أو فاجر. فلما حصل التغالي في المهور، وكثرت النفقات التي ترهق الزوج، عزف الرجال عن الزواج، وقعدت النساء بلا أزواج، فسار من هؤلاء وهؤلاء في دروب الريبة، مما جعل الرجل والمرأة على حذر في اختيار من يقترن به، فكثر الشر، وعمت الفتن، فيجب على الأمة المسلمة العمل على تهيئة أسباب الزواج، وتيسير وسائله، لينعم به الرجال والنساء على حد سواء، وينقطع به دابر الشر والفساد في الأرض. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». أخرجه الترمذي (¬1). · حكم التبتل: التبتل: هو الانقطاع للعبادة، وحرمان النفس من لذائذ الحياة المباحة. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1084).

وقد جاء الإسلام بإرضاء النفوس والغرائز بطيبات الحياة المباحة، ونهى عن العنت والمشقة، وحرمان النفوس مما أحل الله، فأعطى كل ذي حق حقه، وهذا هو العدل. فلله عز وجل حقه من العبادة .. وللبدن حقه من طيبات الحياة .. وللنفس حقها من الراحة، فلا رهبانية في الإسلام، ولا حرمان ولا عنت ولا مشقة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)} [المائدة:87]. 2 - وَعَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا ألا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أنْ نَنْكِحَ المَرْأةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأ عَلَيْنَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5075) , واللفظ له، ومسلم برقم (1404). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401).

· تعدد الزوجات: رغَّب الإسلام كل رجل بالزواج بامرأة واحدة، وهذا هو الأصل، وهو الغالب، وهو الأفضل لمن خاف عدم العدل. أما تعدد الزوجات فهو أمر نادر، يلجأ الإنسان إليه عند الحاجة إليه، ولم توجبه الشريعة على أحد، وإنما أباحته الشريعة بشروط خاصة، ولأسباب داعية. قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3]. · أسباب تعدد الزوجات: أباح الله عز وجل تعدد الزوجات لأسباب عامة وخاصة: 1 - أسباب التعدد العامة: 1 - معالجة حالة قلة الرجال، وكثرة النساء، صيانة للنساء من التبذل والانحراف. 2 - تكثير النسل الذي تكثر به الأمة، ويكثر به من يعبد الله وحده، وتقوى به الأمة المسلمة. 2 - أسباب التعدد الخاصة: 1 - زيادة القدرة الجنسية عند بعض الرجال، فلا تكفيه زوجة واحدة، إما لكبر سنها، أو لكراهيتها الجماع، أو لطول مدة حيضها. 2 - عقم المرأة، أو مرضها، أو سوء طباعها، فقد تكون عقيمة لا تلد، أو مريضة لا تستطيع تلبية رغبات زوجها، أو سيئة الخلق لا تمكِّن نفسها من زوجها.

3 - كراهية الرجل للمرأة، إما بسبب نزاع بينه وبينها، أو بينه وبين أهلها، فيشتد الأمر، ويتصلب الطرفان، وتستعصي الحلول. فأباح الله التعدد رحمة بالعباد تحقيقاً لهذه المصالح العظمى التي تعود على الزوجين والأمة بكل خير ومصلحة. · شروط تعدد الزوجات: 1 - أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بأربع نساء فقط بشروط هي: قدرة بدنية يتمكن بها من الجماع .. وقدرة مالية يتمكن بها من الإنفاق .. وقدرة على العدل بين الزوجات. فإن خاف أن لا يعدل بين زوجاته، فليس له أن يتزوج إلا واحدة، أو ما ملكت يمينه؛ لأن ملك اليمين لا يجب عليه القسم لها. 2 - لما أباح العليم الحكيم تعدد الزوجات نهى أن يكون ذلك بين الأقارب الذين تجمعهم نسب قريبة جداً كالجمع بين الأختين، أو بين المرأة وعمتها أو خالتها، لما يجره من قطيعة الرحم، وإشعال نار العداوة بين الأقارب، فإن الغيرة بين الضرات شديدة جداً. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ المَرْأةِ وَخَالَتِهَا». متفق عليه (¬1). · حكم الزواج بأكثر من أربع: لا يجوز للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد. وفي هذا المباح غنى وكفاية، فهو يلبي حاجة الرجل للجماع في كل يوم مع ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5109) , واللفظ له، ومسلم برقم (1408).

مرور كل شهر، بسبب نزول الحيض بمقدار أسبوع لكل واحدة منهن. ويسد الباب أمام الانحراف، أو ما قد يتخذه بعض الرجال من العشيقات والخدينات، ويحمي النساء من الجور عليهن بسبب العجز عن القيام بحقوقهن. قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3]. · حكم نكاح امرأة المفقود: إذا تزوجت امرأة المفقود فقدم الأول قبل وطء الثاني فهي للأول. وإن قدم بعد الوطء فله أخذها زوجة بالعقد الأول بدون طلاق الثاني، ويطؤها بعد إكمال عدتها، وللأول تركها مع الزوج الثاني، ويأخذ قدر الصداق الذي أعطاها من الثاني. · حكم نكاح الأَمة: لا يجوز وطء امرأة في الشرع إلا بنكاح أو ملك يمين، وقد أباح الله عز وجل للمسلم أن يتزوج المرأة الحرة، ورخص سبحانه في الزواج من غير الحرة في حالة الفقر مع مشقة الانتظار، فإذا خاف الإنسان العنت، ووجدت المشقة، حل الزواج من المؤمنات غير الحرائر اللواتي في ملك الآخرين. ويصح هذا النكاح بثلاثة شروط: أن تكون الأَمَة مؤمنة .. وأن يعقد عليها عقد نكاح .. وأن يدفع لها الصداق. قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ

الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء:25]. · حكم نكاح مُلك اليمين: لا ينكح عبد سيدته؛ لأنه مملوك لها، ولا ينكح سيد أمته؛ لأنه يملك وطأها بملك اليمين، فلا يحتاج لعقد نكاح. ومن حَرُم وطؤها بعقد نكاح حَرُم وطؤها بملك يمين إلا أمة كتابية، فلا يجوز نكاحها، ويجوز وطؤها بملك يمين. · حكم أم الولد: أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وولدت له. فهذه يجوز لسيدها وطؤها وتأجيرها كالأمة، ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها كالحرة. وتعتد بحيضة واحدة يُعلم بها براءة رحمها. · حكم نكاح المسبيات: النساء المسبيات في الجهاد الإسلامي تستبرأ أرحامهن بحيضة واحدة، يُعلم بها خلو أرحامهن من الحمل، فإذا تم الاستبراء جاز نكاحها إن أسلمت أو كانت كتابية، فيطؤها ويباشرها من غير عقد نكاح؛ لأنها حلال له بملك اليمين.

· حكم تزويج المملوك: 1 - العبد المملوك إذا طلب من سيده نكاحاً زوّجه أو باعه؛ لأنه إذا لم يزوج وقع في الحرام. 2 - إن طلبت الأمة من سيدها النكاح وطئها، أو زوّجها، أو باعها، ليعفها عن الحرام. قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)} [النور:32].

2 - العيوب في النكاح

2 - العيوب في النكاح - العيب: هو آفة تَمنع أو تُنقص كمال الاستمتاع بين الزوجين. - أقسام العيوب: تنقسم العيوب بين الزوجين إلى ثلاثة أقسام: الأول: عيوب خاصة بالرجل، وهي: الجَبَّ، والعِنَّة، والخصاء، فالجب قطع الذكر .. والعنة عدم القدرة على الإيلاج .. والخصاء قطع الخصية. الثاني: عيوب خاصة بالمرأة، وهي: الرَّتَق، والقَرَن، والعَفَل. فالرتق: انسداد الفرج بأصل الخلقة، والقَرَن: انسداد في الفرج، والعَفَل: سائل في الفرج يمنع لذة الوطء. الثالث: عيوب مشتركة بين الرجل والمرأة كالجنون، والبرص، والجذام، وسيلان بول أو غائط، وباسور وناسور، والعمى، والخَرَس، والطَّرَش، والأمراض المعدية ونحو ذلك. - أقسام العيوب من حيث الاستمتاع: تنقسم العيوب من حيث الاستمتاع إلى قسمين: 1 - عيوب جنسية تمنع الاستمتاع كالجَبّ والعِنَّة والخصاء في الرجل، والرتق والقرن والعفل في المرأة. 2 - عيوب لا تمنع الاستمتاع، ولكنها أمراض منفرة من كمال العشرة، وهي التي لا يمكن بقاء الزوجية معها إلا بضرورة كالجنون، والأمراض المعدية، والقروح السيالة ونحو ذلك.

- حكم العيوب في النكاح: 1 - كل عيب ينفِّر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح فإنه يوجب الخيار لكلٍّ منهما كالبرص، والخرس، والجنون والجذام، وقروح سيالة، وعيوب في الفرج، واستطلاق بول، وسل، وأيدز، وبخر في الفم، وريح منكرة، وشلل في البدن أو الأعضاء ونحو ذلك. 2 - من وجدت زوجها مجبوباً، أو بقي له ما لا يطأ به، أو كان مقطوع الخصية، فلها الفسخ إن شاءت، فإن علمت به ورضيت قبل العقد أو بعد الدخول سقط حقها في الفسخ، وإن بان الزوج عقيماً ثبت الخيار للزوجة؛ لأن لها حقاً في الولد. 3 - إذا تم الفسخ لأجل أحد هذه العيوب السابقة ونحوها: فإن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر للمرأة، وإن كان بعد الدخول فلها المهر المسمى في العقد، ويرجع الزوج ليأخذ المهر ممن غره. ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تبيُّن أمره. 4 - من وجدت زوجها عنيناً أُجِّل سنة منذ الحكم عليه. فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ، وإن رضيت به عنيناً قبل الدخول أو بعده سقط خيارها.

3 - شروط النكاح

3 - شروط النكاح - شروط النكاح: يشترط لصحة النكاح ما يلي: 1 - تعيين الزوجين. 2 - رضا الزوجين. 3 - الولي، فلا يصح نكاح امرأة إلا بولي. 4 - أن يكون النكاح على مهر. 5 - خلو الزوجين من الموانع التي تمنع صحة النكاح من نسب محرم أو مصاهرة، أو رضاع، أو اختلاف دين ونحو ذلك. 6 - الإيجاب والقبول بلفظ النكاح أو التزويج. - حكم إكراه المرأة على الزواج: المرأة التي تعرف مصالح النكاح لا يجوز إجبارها على النكاح، لا من أبيها ولا من غيره من الأولياء، فيكون أمرها بيدها سواء كانت بكراً أو ثيباً. ولا يجوز لأحد إجبار ابنته البالغة العاقلة على النكاح ممن لا ترضاه، ولا يجوز إجبار المرأة على البقاء مع زوج لا ترضاه، ويجب تلبية طلبها إذا طلبت فسخ نكاحها. 1 - عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهُ. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5138).

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (¬1). - حكم استئذان المرأة في الزواج: يجب على ولي المرأة المكلفة أن يستأذنها في زواجها بكراً كانت أو ثيباً، فإن عقد عليها لأحد وهي غير راضية فلها فسخ العقد. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قال: «أنْ تَسْكُتَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحِي؟ قال: «رِضَاهَا صَمْتُهَا». متفق عليه (¬3). - حكم تزويج الصغيرة: يستحب للأب ألا يزوج ابنته حتى تبلغ ويستأذنها. ويجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة دون إذنها، ولها الخيار إذا بلغت. وقد زوّج أبو بكر رضي الله عنه ابنته عائشة أم المؤمنين من رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرة بنت ست سنين دون إذنها. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5136) , واللفظ له، ومسلم برقم (1419). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5137) , واللفظ له، ومسلم برقم (1420).

عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنها أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعاً. متفق عليه (¬1). - حكم تزويج المجنون والمعتوه: يجوز للولي عقد النكاح على فاقد الأهلية من ذكر أو أنثى كالمجنون والمعتوه دون الرجوع إليهم لأخذ رأيهم؛ لأن تصرفات فاقد الأهلية أو ناقصها ترجع إلى وليه. - الكفاءة المعتبرة في الزواج: الكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي في الدين، والحرية. فإذا زوج الولي عفيفة بفاجر، أو حرة بعبد، فالنكاح صحيح، وللمرأة الخيار في البقاء أو فسخ النكاح. والكفاءة في الزواج معتبرة في الزوج دون الزوجة، فيشترط في الرجل أن يكون كفؤاً للمرأة، ولا يشترط في المرأة أن تكون كفؤاً للرجل. والكفاءة حق للمرأة والأولياء؛ لأن تزوجها بغير الكفء يلحق العار بها وبأوليائها. - ولي النكاح: الولي: هو من يتولى تزويج المرأة. والأحق بتزويج البنت هو أبوها .. ثم وصيه في النكاح .. ثم جدها لأب .. ثم ابنها .. ثم أخوها .. ثم عمها .. ثم أقرب العصبة نسباً .. ثم الحاكم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5133) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422).

- شروط الولي: يشترط أن يكون ولي النكاح ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً، ويشترط الاتفاق في الدين، وللحاكم تزويج من لا ولي لها. - أقسام الولاية: تنقسم ولاية النكاح إلى قسمين: 1 - ولاية إجبار: ويمكلها الأب، والجد، والسيد، والحاكم. فلكل واحد من هؤلاء الحق في تزويج عديم الأهلية أو ناقصها بسبب الصغر أو الجنون أو العته ونحو ذلك. 2 - ولاية اختيار: ويملكها بقية العصبات الأقرب فالأقرب. وترتيب الأولياء: الأبوة .. ثم البنوة .. ثم الأخوة .. ثم العمومة .. ثم المعتق .. ثم الحاكم. - حكم عضل الولي: العضل: هو منع الولي المرأة العاقلة من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك. والعضل محرم؛ لما فيه من إلحاق الضرر بالمرأة ومنعها حقها. وإذا عضل الولي انتقلت الولاية إلى من بعده؛ لتعذر التزويج من جهته، لأنه أصبح ظالماً، فنزعت منه الولاية. قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} [البقرة:232].

- حكم النكاح بلا ولي: إذا تزوجت امرأة بلا ولي فنكاحها فاسد، فيزوجها وليها إن كان موجوداً، وإن لم يكن موجوداً زوّجها الحاكم من زوجها المذكور، وليس عليها عدة؛ لأن الماء واحد، ولا يحتاج هذا النكاح الفاسد إلى طلاق ولا فسخ، بل يكفي عقد صحيح جديد، سواء كانت حاملاً أم لا. ولا يصح تزويج مَنْ نكاحها فاسد لغير صاحب النكاح الفاسد قبل طلاق، أو فسخٍ من صاحب النكاح الفاسد، وبراءة الرحم بحيضة، أو وضع الحمل. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32]. 2 - وعَنْ أَبي مُوسَى َ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بوَلِيٍّ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بغَيْرِ إِذنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بهَا فَلَهَا المَهْرُ بمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - حكم زواج العبد بدون إذن سيده: العبد لا يملك نفسه؛ لأنه مال مملوك لسيده، وحيث أن عقد النكاح له تبعات مالية من مهر ونفقة، لذا جُعِل أمر تزويج العبد إلى سيده. فإذا تزوج العبد بدون إذن سيده فنكاحه فاسد، لكن يثبت به النسب؛ لأنه ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2085) , وأخرجه الترمذي برقم (1101). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2083) , وأخرجه الترمذي برقم (1102) , وهذا لفظه.

وطء شبهة. - حكم الزواج بنية الطلاق: لا يجوز النكاح بنية الطلاق، ولا النكاح المؤقت بمدة كنكاح المتعة؛ لما فيه من الغش والخداع، والعبث بهذا العقد العظيم، والتنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، ولما يجلبه من العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة. وكتمان نية الطلاق من أعظم الغش والخداع والعبث واللعب بأحكام الله, وتجاوز حدوده. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:14]. - حكم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ المَرْأةِ وَخَالَتِهَا». متفق عليه (¬1). - حكم نكاح المرأة في عدة أختها: العقد على المرأة في عدة أختها إن كان الطلاق رجعياً فهو باطل ومحرم، وإن كان الطلاق بائناً فهو محرم. - حكم النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يصلي: 1 - إذا كان زوج المرأة لا يصلي فلا يحل لها أن تبقى معه، ويحرم عليه وطؤها؛ لأن تارك الصلاة كافر، ولا ولاية لكافر على مسلمة، وإن كانت الزوجة لا تصلي وجب فراقها إن لم تتب إلى الله تعالى؛ لأنها كافرة لا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5108) , ومسلم برقم (1408) , واللفظ له.

يجوز البقاء معها. 2 - إذا كان الزوج والزوجة لا يصليان حين عقد النكاح، فالعقد صحيح؛ لأنهم جميعاً كفار، أما إن كانت الزوجة تصلي حين العقد، وزوجها لا يصلي، أو كانت الزوجة لا تصلي، وزوجها يصلي، ثم اهتديا، فالواجب تجديد عقد النكاح؛ لأن أحدهما حين العقد كافر. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (82).

4 - المحرمات في النكاح

4 - المحرمات في النكاح - المرأة التي يجوز العقد عليها: يجوز للمسلم أن يعقد النكاح على أي امرأة مسلمة أو كتابية، غير محرمة عليه، سواء كان هذا التحريم مؤبداً أو مؤقتاً. والتحريم المؤبد: هو ما يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات. والتحريم المؤقت: هو ما يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة. - أقسام المحرمات من النساء: تنقسم المحرمات من النساء إلى قسمين: الأول: المحرمات إلى الأبد، وهن ثلاثة أقسام: 1 - محرمات بالنسب، وهن سبع: الأم وإن علت .. والبنت وإن سفلت .. والأخت .. والعمة .. والخالة .. وبنات الأخ .. وبنات الأخت. 2 - محرمات بالرضاع، وهن سبع: المرضعة .. أم المرضعة .. أم زوج المرضعة .. أخت المرضعة .. أخت زوج المرضعة .. بنات المرضعة وإن نزلن .. الأخت من الرضاعة. فالرضيع الذي رضع خمس رضعات فأكثر في الحولين يحرم عليه الزواج بواحدة مما سبق.

وكل امرأة حَرُمت من النسب حَرُم مثلها من الرضاع إلا أم أخيه من الرضاع، وأخت ابنه من الرضاع فلا تحرم. 3 - محرمات بالمصاهرة، وهن أربع: أم زوجته وإن علت .. وبنت زوجته التي دخل بها .. وزوجة الابن وإن نزل .. وزوجة الأب وإن علا. وهؤلاء الأربع يحرمن عليه بمجرد العقد على التأبيد، إلا بنت زوجته، إذا عقد على أمها، ولم يدخل بها، حلت له بنتها. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} [النساء:23]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». متفق عليه (¬1). - ضابط المحرمات من النسب: جميع أقارب الرجل من النسب يحرم عليه الزواج بهن إلا بنات أعمامه .. وبنات عماته .. وبنات أخواله .. وبنات خالاته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2645) , واللفظ له، ومسلم برقم (1447).

فهذه النساء الأربع من أقاربه حلال له. الثاني: المحرمات إلى أمد محدد، وهن: 1 - الجمع بين زوجته وأختها. 2 - الجمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها. فإذا ماتت أو طلقت حلت الأخرى بعد انتهاء العدة. 3 - زوجة الغير، ومعتدته حتى تخرج من العدة. قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24]. 4 - مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره. قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:230]. 5 - المحرمة بالحج أو العمرة حتى تحل. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ وَلا يَخْطُبُ». أخرجه مسلم (¬1). 6 - تحرم المسلمة على الكافر حتى يسلم. 7 - تحرم الكافرة على المسلم حتى تسلم إلا الكتابية. 8 - تحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب إلى الله. 9 - المعتدة حتى تخرج من العدة. فهؤلاء النساء يحرمن جميعاً حتى يزول السبب المانع من النكاح. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1409).

- حكم الجمع بين الأختين: لا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين في عصمته بنكاح. ويجوز الجمع بين الأختين بملك اليمين، ولكن إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرِّم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزوج لها من غيره بعد الاستبراء. - كم ينكح المسلم؟: يجوز للرجل المسلم الحر أن يتزوج أربع نساء، ويجمع بينهن في وقت واحد، وله أن يطأ بملك اليمين ما شاء. ولا يحل له أن يتزوج أكثر من أربع نساء، فإن عقد على خامسة فالنكاح باطل، ويجب التفريق بينهما. ومن أسلم وتحته أكثر من أربع أمسك أربعاً وفارق الباقي. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} [النساء:3]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ الثقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعاً مِنْهُنَّ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكمة تحريم نكاح الأقارب من النسب: جعل الله بين الناس ضروباً من الصلة يتراحمون بها، وأقوى هذه الصلات ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2241) , وأخرجه الترمذي برقم (1128) , وهذا لفظه.

صلة القرابة، وصلة الرحم. فأما صلة القرابة فأقواها ما يكون بين الأولاد ووالديهم من العاطفة، فكلٌّ منهما ينظر إلى الآخر كَنَظره إلى بعض أعضائه، وعاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب؛ لأن الولد يتكون جنيناً من دمها. لهذا كان تحريم نكاح الأمهات مقدماً على تحريم البنات. والصلة بين الإخوة والأخوات تشبه الصلة بين الوالد وأولاده، فالأخ والأخت من أصل واحد، وبينهما عاطفة فطرية، فلا يشتهي بعضهم التمتع ببعض. والعمات والخالات من طينة الأب والأم، والنفس تعاف الاستمتاع بهما؛ لعاطفة حب التكريم والاحترام لهما. وأما بنات الأخ والأخت فهما من الإنسان بمنزلة بناته، حيث أن أخاه وأخته كنفسه، فلا تشتهيها النفس؛ لعاطفة الحب والحنان لهما. - حكمة التحريم بالرضاع: من رحمة الله عز وجل بالبشر أن وسع لهم دائرة القرابة بإلحاق الرضاع بالنسب؛ لأن بدن الرضيع يتكون من لبن المرضعة وصاحب اللبن، فتنظر المرضعة إلى الرضيع كأنه جزء من بدنها، فلهذا لا تنبعث له الشهوة. - حكمة التحريم بالمصاهرة: إن زوجة الرجل شقيقة روحه، فينبغي أن تكون أمها بمنزلة أمه في الاحترام، وبنتها بمنزلة ابنته في العطف والحنان، وكذلك تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته في العطف والحنان، كما يُنزِّل الابن امرأة أبيه منزلة أمه في التكريم

والاحترام. فسبحان الحكيم العليم الذي شرع أحسن الشرائع. - حكم نكاح بنات الزنا: 1 - أولاد الزنا من بنين وبنات لا ذنب لهم، فهم جناية آبائهم وأمهاتهم، وعلى ولي الأمر حسن تربيتهم، والعناية بهم، وتزويجهم. 2 - يحرم على الزاني أن يتزوج ابنته من الزنا، كما يحرم على الأم نكاح ابنها من الزنا. - حكم نكاح المشركة: لا يحل للمسلم نكاح المشركة، ولا يحل للمشرك أن ينكح المسلمة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة:221]. - حكم نكاح نساء أهل الكتاب: يباح للمسلم أن ينكح الحرة من نساء أهل الكتاب؛ مع أنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها، أو تؤثر على أولاده منها. وإنما أباح الله الزواج من نساء أهل الكتاب لتحصل المخالطة والمعاشرة التي من خلالها تَعرف سماحة الإسلام فتُسلم. قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ

قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} [المائدة:5]. - حكم زواج المسلمة بغير المسلم: يحرم زواج المسلمة بغير المسلم، سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم؛ لأنها أعلى منه بتوحيدها وإيمانها، وإذا وقع هذا الزواج فهو فاسد ومحرم، يجب إنهاؤه فوراً؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة. قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة:221]. - حكم نكاح الملاعَنة: لا يجوز للزوج الذي لاعن امرأته أن يتزوجها؛ لأنها محرمة عليه أبداً.

5 - الشروط في النكاح

5 - الشروط في النكاح - أنواع الشروط في النكاح: الشروط في النكاح أربعة أنواع: شروط يجب الوفاء بها .. وشروط لا يجب الوفاء بها .. وشروط فيها نفع للمرأة .. وشروط نهى الإسلام عنها، ولكل نوع من هذه الشروط حكم خاص به. 1 - الشروط التي يجب الوفاء بها: هي ما كانت من مقتضيات العقد، ولم تتضمن تغييراً لحكم الله ورسوله كاشتراط العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها، وكسوتها، وسكناها، والقَسْم لها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، ولا تنفق من بيته إلا برضاه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ونحو ذلك. فهذه الشروط كلها يجب الوفاء بها؛ لأنها مما أمر الله ورسوله بها. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه (¬1). 2 - الشروط التي لا يجب الوفاء بها: هي الشروط التي يصح معها عقد النكاح، لكنها باطلة؛ لمنافاتها لمقتضى العقد. كاشتراط ترك الإنفاق عليها، أو عدم الوطء لها، أو ترك المجيء لها، أو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2721) , واللفظ له، ومسلم برقم (1418).

اشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو اشتراط أن تنفق عليه ونحو ذلك. فالعقد في نفسه صحيح، لكن هذه الشروط كلها باطلة؛ لأنها تنافي العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد شرعاً. عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أخْبَرَتْهُ: أنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا: وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً، قالتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أهْلِكِ، فَإِنْ أحَبُّوا أنْ أقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأبَوْا، وَقالوا: إِنْ شَاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقال لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ابْتَاعِي، فَأعْتِقِي، فَإِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». قال: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «مَا بَالُ أنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللهِ أحَقُّ وَأوْثَقُ». متفق عليه (¬1). 3 - الشروط التي فيها نفع للمرأة: هي الشروط التي لا تنافي العقد كأن تشترط المرأة أن لا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو زيادة في مهرها، أو أن لا يتزوج عليها، أو لا يسافر بها ونحو ذلك مما لا ينافي عقد النكاح. فالعقد صحيح، ويجب على الزوج الوفاء بالشرط، فإن خالف فللزوجة الفسخ إن شاءت. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2561) , واللفظ له، ومسلم برقم (1504).

إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} [المائدة:1]. 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أحَقُّ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ». متفق عليه (¬1). 4 - الشروط التي نهى الإسلام عنها، وهي نوعان: الأول: شروط فاسدة تبطل عقد النكاح، ومنها: 1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها، على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها، ويتم النكاح بموجب هذا الشرط. وهذا النكاح فاسد ومحرم، سواء سمي فيه مهر أو لم يسم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. متفق عليه (¬2). - حكم الشغار إذا حصل: إذا تم نكاح الشغار بين رجلين وامرأتين فعلى كل واحد من الرجال تجديد عقد النكاح دون شرط الأخرى، فيعقد على من دخل بها عقداً جديداً، بمهر جديد، ويفعل الآخر مثله، ولا حاجة إلى الطلاق؛ لأن العقد الأول باطل، ومن لم يرغب في تجديد العقد فعليه فراق من دخل بها. 2 - نكاح المحلِّل: وهو أن يتزوج الرجل المرأة المطلقة ثلاثاً بشرط أنه متى حلَّلها للأول طلقها، أو نوى التحليل بقلبه، أو اتفقا عليه قبل العقد. وهذا النكاح فاسد ومحرم، ومن فعله فهو ملعون. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2721) , واللفظ له، ومسلم برقم (1418). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5112) , واللفظ له، ومسلم برقم (1415).

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - الزواج الذي تحل به المطلقة ثلاثاً للأول: المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول إلا بثلاثة شروط: أن يكون زواجها بالزوج الثاني صحيحاً .. وأن يكون عن رغبة .. وأن يدخل بها ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته -يعني يجامعها-. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءَتِ امْرَأةُ رِفاعَةَ القُرَظِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقالَ: «أتُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ». متفق عليه (¬2). 3 - نكاح المتعة: وهو أن يعقد الرجل على المرأة ليطأها ويتمتع بها يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو سنة، أو أقل أو أكثر، ويدفع لها مهراً، فإذا انتهت المدة فارقها. وهذا النكاح فاسد ومحرم، وقد أُحل في أول الإسلام لفترة ثم حُرِّم إلى الأبد؛ لأنه يضر بالمرأة، ويجعلها سلعة تنتقل من يد إلى يد، ويضر بالأولاد كذلك، حيث لا يجدون بيتاً يستقرون فيه، ومقصده قضاء الشهوة، فهو يشبه الزنا من حيث الاستمتاع، وإذا وقع هذا النكاح فيجب إنهاؤه، ولها المهر بما استحل من فرجها. عَنْ سَبْرَةَ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2076) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1119). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2639) , واللفظ له، ومسلم برقم (1433).

النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬1). الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها: 1 - اشتراط المرأة عند الزواج طلاق ضرتها. فهذا النكاح صحيح، والشرط فاسد ومحرم؛ لأنها شرطت عليه إبطال حقه وحق امرأته بفراقها، وكسر قلبها، وشماتة أعدائها، وهذه أضرار لا يجوز له الوفاء بها. أما لو اشترطت أن لا يتزوج عليها فالشرط صحيح، ولها الفسخ إن تزوج عليها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. «وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ، وَلا تَسْألُ المَرْأةُ طَلاقَ أخْتِهَا لِتَكْفَأ مَا فِي إِنَائِهَا». متفق عليه (¬2). 2 - إذا شرط الزوج في عقد النكاح إسقاط حق من حقوق المرأة كما سبق، كأن يشترط أن لا مهر لها، ولا نفقة لها، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها أو أكثر، فالنكاح صحيح، والشرط باطل؛ لمخالفته أمر الله ورسوله. 3 - إذا شرطها الزوج مسلمة فبانت كتابية، أو شرطها بكراً فبانت ثيباً، أو شرط نفي عيب لا ينفسخ به عقد النكاح كالعمى والخرس ونحوهما فبانت بخلاف ما ذُكر، فالنكاح صحيح، وله الفسخ إن شاء. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1406). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2140) , واللفظ له، ومسلم برقم (1413).

4 - إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أَمَة فله الخيار إن كانت ممن تحل له، وإذا تزوجت المرأة رجلاً حراً فبان عبداً فلها الخيار في البقاء أو الفسخ. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: «إِلاَّ صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أخرجه أبو داود (¬1). - حكم النكاح الباطل: النكاح الباطل لا اعتبار له، فلا يحتاج إلى طلاق ولا فسخ، ولا يجب به عدة ولا مهر بدون الوطء؛ لأنه باطل كنكاح خامسة، ونكاح زوجة الغير، ونكاح ذات مَحْرم، ونكاح الموطوءة بشبهة، ونكاح المعتدة. فهذا النكاح باطل، ويجب التفريق بينهما فوراً، وعلى الموطوءة الاستبراء بحيضة، لِتُعْلم براءة الرحم. وإذا وطئ المرأة بالنكاح الباطل فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594).

6 - خطبة المرأة

6 - خطبة المرأة - الخطبة: هي إعلام المرأة أو وليها بالرغبة في زواجها. - حكمة مشروعية الخطبة: يحرص الإسلام على إقامة الزواج على أمتن الأسس؛ لتتحقق الغاية منه، وهي الدوام والبقاء، وسعادة الأسرة، لينشأ الأولاد في جو من الحب والألفة. والخطبة قبل الزواج طريق لتعرُّف كلٍّ من الخاطِبَيْن على الآخر، فإذا وُجِد التلاقي والتجاوب أمكن الإقدام على الزواج، الذي هو رابطة دائمة في الحياة، وسكن وطمأنينة. قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم:21]. - أفضل النساء: الزوجة أهم ركن من أركان الأسرة، فهي سكن للزوج، وحرث له، وشريكة حياته، وربة بيته، ومنجبة أولاده، ومهوى فؤاده. من أجل هذا عني الإسلام باختيار الزوجة الصالحة، وجعلها خير متاع ينبغي التطلع إليه، والحرص عليه. وأفضل النساء المرأة الصالحة التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره، وتفعل ما أمرها الله به، وتجتنب ما نهى الله عنه.

فهي صالحة في دينها، وعقلها، وخلقها، وحسن عشرتها. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأةُ الصَّالِحَةُ». أخرجه مسلم (¬1). - اختيار الزوجة: حسن اختيار المرأة ذو هدفين: إسعاد الرجل .. وتربية أولاده تربية صالحة. وأهم مقومات المرأة الصالحة التي يحسن خطبتها ما يلي: 1 - أن تكون المرأة دينة عفيفة. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُنْكَحُ المَرْأةُ لأرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». متفق عليه (¬2). 2 - أن تكون ودوداً ولوداً. عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: «لاَ». ثمَّ أَتَاهُ الثانِيَةَ فَنَهَاهُ ثمَّ أَتَاهُ الثالِثةَ فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 3 - أن تكون بكراً. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا: كُنَّا قَرِيباً مِنَ المَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1467). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5090) , واللفظ له، ومسلم برقم (1466). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2050) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (3227).

خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَالتَفَتُّ فَإِذَا أنَا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قال: «أتَزَوَّجْتَ». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «أبِكْراً أمْ ثَيِّباً». قال: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّباً، قال: «فَهَلا بِكْراً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». متفق عليه (¬1). 4 - أن تكون من بيت كريم معروف بالأمانة وحسن الخلق. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». متفق عليه (¬2). 5 - أن تكون حسيبة طيبة الأصل؛ لأن ولدها ربما أشبه أهلها. 6 - أن تكون جميلة صالحة؛ لأنها أسكن لنفسه، وأغض لبصره. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذا أَمَرَ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بمَا يَكْرَهُ». أخرجه النسائي (¬3). - اختيار الزوج: يجب على الولي أن يختار لكريمته الرجل الصالح، فيزوجها من صاحب الدين، والخلق الحسن، والمعدن الطيب، والنسب الشريف، الصالح التقي، الذي إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. ولا يجوز للولي أن يزوج كريمته من الفاجر، أو الظالم، أو الفاسق، أو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5247) , واللفظ له، ومسلم برقم (715). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5082) , واللفظ له، ومسلم برقم (2527). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (3231).

المبتدع، أو شارب الخمر، ومن فعل ذلك فقد تعرض لسخط الله، وجنى على المرأة، وتسبب في قطع رحمها، وخان الأمانة. 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». أخرجه الترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا». متفق عليه (¬2). - من تباح خطبتها: يشترط لإباحة الخطبة شرطان: الأول: أن تكون ممن يجوز نكاحها شرعاً، بأن لا تكون من المحارم المحرمة تحريماً مؤبداً كالأخت والعمة ونحوهما، ولا من المحرمات تحريماً مؤقتاً كأخت الزوجة والمعتدة ونحوهما. الثاني: ألا تكون المرأة مخطوبة لخاطب آخر. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا يَخْطُبْ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ». متفق عليه (¬3). - حكم خطبة المعتدة: تحرم خطبة المعتدة، سواء كانت عدتها عدة وفاة أم عدة طلاق، وسواء كان الطلاق رجعياً أم بائناً؛ لأن المعتدة من طلاق رجعي في عصمة زوجها، وله ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1084). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3493) , واللفظ له، ومسلم برقم (2526). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5142) , ومسلم برقم (1412) , واللفظ له.

مراجعتها في أي وقت شاء، والمعتدة من طلاق بائنٍ بينونة صغرى حق الزوج لا يزال متعلقاً بها، وله حق إعادتها بعقد جديد ما دامت في العدة. أما البائن بينونة كبرى، أو المتوفى عنها زوجها، فتجوز خطبتها أثناء العدة بطريق التعريض لا التصريح؛ لانقطاع رابطة الزوجية بالوفاة أو الطلاق البائن. وإنما حَرُمت خطبة المتوفى عنها زوجها بطريق التصريح رعاية لحزن المرأة وإحدادها من جانب، ومحافظة على شعور أهل الميت وورثته من جانب آخر. وحَرُمت الخطبة للبائن بطريق التصريح لئلا يُظن أن هذا الخاطب كان سبباً في تصدع النكاح السابق، ولئلا تكذب المرأة في الإخبار بانتهاء عدتها. ويباح التصريح والتعريض في خطبة المعتدة لزوجها الذي طلقها طلاقاً بائناً دون الثلاث. قال الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة:235]. - كيفية التعرف على المخطوبة: أباح الشرع التعرف على المخطوبة بطريقين: الأول: النظر المباشر من الخاطب للمخطوبة، وهي كذلك. 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا

رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ لأهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأتِ المَرْأةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: أيْ رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأتَاهُ رَجُلٌ فَأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟». قال: لا، قال: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أعْيُنِ الأنْصَارِ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا». أخرجه الترمذي والنسائي (¬3). الثاني: إذا لم يتيسر له النظر إليها أرسل إليها الخاطب امرأة يثق بها، تنظر إليها، وتخبره بصفتها. وللمرأة كذلك أن ترسل رجلاً يتعرف على خطيبها، ويخبرها بصفاته وأخلاقه. - كيفية النظر إلى المخطوبة: يختبئ الخاطب في مكان يرى فيه من يريد أن يتزوجها، وينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها من وجهها ويديها، وشعرها وجسمها، وذلك بعلم أهلها بلا خلوة. وتفعل المرأة كالرجل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5126) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1424). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1087) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (3235).

وللخاطب ومخطوبته أن يجلسا في مكان وينظر كل منهما إلى الآخر بحضور أحد محارمها. ولا يجوز للخاطب أن يخلو بالمخطوبة ولا يصافحها؛ لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها، ولأنه لا يؤمَن مع الخلوة الوقوع فيما حرم الله، ولا يجوز تبادل الصور بين الزوجين في الخطبة، وخير الأمور ما جاء به الإسلام وهو النظر فقط، مع تجنب الخلوة؛ حماية للشرف، وصيانة للعرض. 1 - عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ». قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئاً». قال: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا. أخرجه مسلم (¬2). - حكم النظر إلى النساء الأجنبيات: النظر للنساء الأجنبيات إن كان لشهوة فهو محرم. وإن كان النظر لغير شهوة، ومقصود لذاته، فهو محرم. وإن كان لغير شهوة، وغير مقصود لذاته، فهو مباح بقدر الحاجة مع غض البصر عن الوجه وذلك كالنظر في الطريق وعند البيع ونحو ذلك. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (14586) , وأخرجه أبو داود برقم (2082) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1424).

قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30]. - حكم خلو الرجل بالمرأة بين الناس: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَلا بِهَا، فَقَالَ: «وَاللهِ إِنَّكُنَّ لأحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ». متفق عليه (¬1). - حكم نظر النساء للرجال: نظر المرأة إلى الرجل له حالتان: الأولى: أن تنظر إلى الرجل وإلى ملامح وجهه وشخصه بشهوة أو بغيرها، فهذا محرم، إلا إن كان من أجل الخطبة في النكاح. قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31]. الثانية: أن تنظر إلى الرجل في البيع والشراء، والسؤال والاستفتاء، وفي المسجد والطريق، بدون تصعيد بصرها إلى ملامح وجهه، فهذا جائز في الجملة للحاجة. - حكم عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أنَسٍ: مَا أقَلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْأتَاهْ وَاسَوْأتَاهْ، قال: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5234) , واللفظ له، ومسلم برقم (2509). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5120).

- حكم لبس دبلة الخطوبة: لبس الذهب محرم على الرجال، وإذا لبسه الزوج من أجل الخطوبة كان أشد إثماً، لارتكابه النهي الصريح، وتشبهه بالكفار، وتشبهه بالنساء، ومن تشبه بقوم فهو منهم. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَىَ خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ، وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5885). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2090).

7 - عقد النكاح

7 - عقد النكاح - أركان عقد النكاح: أركان عقد النكاح أربعة: الزوج .. والزوجة .. والولي .. والصيغة وهي الإيجاب والقبول. - شروط عقد النكاح: يشترط لصحة عقد النكاح ما يلي: 1 - رضا الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالمحرمية من نسب، أو رضاع، أو اختلاف دين. 2 - حصول الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول: زوجتك أو أنكحتك فلانة ونحوهما. 3 - حصول القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه بأن يقول: قبلت هذا الزواج أو النكاح. فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد النكاح. ولا يجوز الإيجاب والقبول إلا بالعربية لمن قدر عليها. ومن عجز عن النطق بالعربية انعقد زواجه بلغته التي يفهمها ويتكلم بها؛ لأن العبرة في العقود للمعاني. وينعقد زواج الأخرس بإشارته إن فُهمت، وللغائب بوكيل أو كتاب. - وقت عقد النكاح: يجوز عقد النكاح في كل وقت إلا حال الإحرام، ويجوز في كل مكان،

ويجوز في أي حال إلا في وقت العدة، ويجوز في حال الطهر، وحال الحيض، سواء كانت بكراً أم ثيباً. - حكم التوكيل في الزواج: كل عقد يجوز للإنسان أن يعقده بنفسه يجوز له أن يوكل فيه غيره كالبيع، والإجارة، والتزويج ونحو ذلك. ويصح التوكيل من الرجل الكامل الأهلية لغيره، ولولي المرأة أن يعقد عليها برضاها بدون توكيل منها له. 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: «أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلاَنَةَ؟» قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلاَناً؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ، فَدَخَلَ بهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئاً وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الحُدَيْبيَةَ لَهُ سَهْمٌ بخَيْبَرَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَنِي فُلاَنَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئاً، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بخَيْبَرَ فَأَخَذتْ سَهْماً فَبَاعَتْهُ بمِائَةِ أَلْفٍ. أخرجه أبو داود وابن حبان (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ حَبيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ابْنِ جَحْشٍ فَهَلَكَ عَنْهَا وَكَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ عِنْدَهُمْ. أخرجه أبو داود (¬2). - خطبة عقد النكاح: 1 - يستحب للعاقد أن يخطب بين يدي عقد النكاح بخطبة الحاجة، ثم يعقد بين ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2117) وهذا لفظه، وأخرجه ابن حبان برقم (4060). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2086).

الزوجين برضاهما بالإيجاب والقبول، ثم يشهد على ذلك رجلين. وخطبة الحاجة في النكاح وغيره هي: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُوتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَوَامِعَ الخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ أَوْ قَالَ: فَوَاتِحَ الخَيْرِ فَعَلَّمَنَا خُطْبَةَ الصَّلاَةِ وَخُطْبَةَ الحَاجَةِ، خُطْبَةُ الصَّلاَةِ: «التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وَخُطْبَةُ الحَاجَةِ: «إِنِ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». ثمَّ تَصِلُ خُطْبَتَكَ بثلاَثِ آيَاتٍ مِنْ كِتَاب اللهِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. ثم يقول: «أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثةٍ بدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1). 2 - يصح عقد الزواج من غير خطبة؛ لأن الخطبة مستحبة غير واجبة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (218) , والنسائي برقم (1578)، وابن ماجه برقم (1892) , وأصله في مسلم برقم (867)، (868).

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي. فَقال رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قال: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (¬1). - حكم الإشهاد على عقد النكاح: يسن الإشهاد على عقد النكاح بشاهدين عدلين مكلفين، وإذا كان النكاح معلَناً مشهوداً عليه من اثنين فهذا كماله، وإن كان معلَناً بدون شاهدين، أو مشهوداً عليه بدون إعلان فهو صحيح. لكن الشهادة على عقد الزواج أفضل؛ لأنه عقد من العقود العظيمة، ولأن بالشهادة على الزواج التمييز بين الحلال والحرام، والتوثق لأمر الزواج، والاحتياط لإثباته عند الحاجة إليه، ولدفع الظِّنَّة والتهمة عن الزوجين بالشهود والإعلان. - حكم الزواج بلا قَسْم: يجوز للرجل أن يتزوج امرأة ويشترط عليها أن يأتيها متى شاء، فإذا رضيت بذلك فله نكاحها؛ لأن القَسْم حق لها، وقد رضيت بإسقاطه، ويسمى عرفاً زواج المسيار. - حكم التهنئة بالنكاح: يسن الدعاء للمتزوجين بعد عقد النكاح بما ورد في السنة، ومنه: 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، قال: «مَا هَذَا؟». قال: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2310) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).

قال: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أُمِّي فَأدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا رَفَّأَ الإنْسَانَ إِذا تَزَوَّجَ قَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - حكم التهاني في المناسبات: الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الله ورسوله، أو تضمن مفسدة. وبناء على هذا الأصل فتجوز جميع التهاني التي اعتادها الناس وتعارفوا عليها في المناسبات إن لم يقصدوا التعبد بها. - الآثار المترتبة على عقد النكاح: إذا تم عقد الزواج بأركانه وشروطه ترتب عليه ما يلي: 1 - حِلّ استمتاع كل من الزوجين بالآخر ما لم يمنع منه مانع شرعي. 2 - حِلّ الوطء في القبل لا في الدبر. قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة:223]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5156) , واللفظ له، ومسلم برقم (1426). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2130) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1091).

3 - حِلّ الوطء في حال الطهر لا في حال الحيض والنفاس والإحرام. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. 4 - حِلّ النظر إلى الزوجة، ولمس سائر بدنها، والاستمتاع بها في أي وقت. 5 - ملك الزوج حبس الزوجة وعدم الخروج إلا بإذنه. 6 - وجوب المهر المسمى على الزوج للزوجة. 7 - وجوب النفقة على الزوج بتأمين الطعام واللباس والسكن. قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7]. 8 - ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوجين والأقارب. 9 - ثبوت نسب الأولاد من الزوج. 10 - ثبوت حق الإرث بين الزوجين. 11 - وجوب العدل بين الزوجات عند التعدد.

8 - نكاح الكفار

8 - نكاح الكفار - حكم نكاح الكفار: حرم الله عز وجل على المسلم أن ينكح مشركة، كما حرم على المشرك أن ينكح مسلمة؛ لأن الزواج لا يربط بين قلبين ليست عقيدتهما واحدة. والله الذي كرم الإنسان، ورفعه على الحيوان، يريد لهذه الصلة ألا تكون ميلاً حيوانياً، ولا اندفاعاً شهوانياً؛ إنما يريد أن يرفعها حتى يصلها بالله في علاه، وتقوم عبودية الله من خلالها. إن الزواج نسب في الله، وهو أعلى الأنساب، ولا ينبغي للأعلى أن يكون مثل الأدنى، أو يكون تحته. قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة:221]. - حكم أنكحة الكفار: نكاح الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حكمه كنكاح المسلمين فيما يجب به من مهر ونفقة ونحو ذلك، وتحرم عليهم من النساء من تحرم علينا، وإذا ترافعوا إلينا حكمنا عليهم بما أنزل الله علينا. والكفار يقرّون على أنكحتهم الفاسدة بشرطين: أن يعتقدوا صحتها في دينهم .. وأن لا يترافعوا إلينا.

- حكم النكاح إذا أسلم أحد الزوجين: 1 - إذا أسلم الزوج: فإن كان ممن يجوز له البقاء مع امرأته أقررنا النكاح كزوج كتابية، ولو وقع النكاح بدون ولي. وإن كان لا يجوز له الاستمرار لم يُقرّ عليه، ووجب التفريق بينهما، كما لو أسلم وتحته ذات رحم مُحرَّم كالأخت، أو تحته أختان، أو في عصمته أكثر من أربع نساء، وكل ما سوى ذلك لا يُلتفت إليه. وإذا أسلم أحد الزوجين الكافرين بعد الدخول فالنكاح موقوف: فإذا أسلم الزوج، فإن كان تحته كتابية فالنكاح باق، وإن كان تحته كافرة غير كتابية فإن أسلمت فهي زوجته، وإن لم تسلم وجب عليه فراقها. وإن أسلمت الزوجة، وانقضت عدتها، ولم يسلم زوجها، فلها أن تنكح زوجاً غيره. وإن شاءت انتظرت إسلامه، فإن أسلم كانت زوجته من غير تجديد عقد نكاح ولا دفع مهر، ولا تمكِّنه من نفسها حتى يسلم. وإذا أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج كتابية، بقيا على نكاحهما. وإن أسلم زوج غيركتابية قبل الدخول بطل النكاح؛ لأن المسلم لا يجوز أن ينكح كافرة. وإذا أسلمت المرأة الكافرة قبل دخول الكافر بها بطل النكاح؛ لأن المسلمة لا تحل لكافر. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا

أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)} [الممتحنة:10]. - حكم النكاح إذا ارتد أحد الزوجين: إذا ارتد الزوجان أو أحدهما عن الإسلام قبل الدخول بطل النكاح. وإن حصلت الردة بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة: فإن تاب فيها من ارتد منهما فعلى نكاحهما، وإن لم يتب انفسخ النكاح بعد انقضاء العدة، وتُحسب العدة منذ بداية الردة، والمرتد كافر بخروجه عن الإسلام إلى الكفر. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة:217]. - حكم الكافر إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة: إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة فله حالتان: إن أسلمن أو كن كتابيات اختار منهن أربعاً وفارق الباقي. وإن لم يسلمن فارقهن بعد انقضاء العدة؛ لأن الكافرة محرمة على المسلم. - حكم من أسلم وتحته امرأة محرَّمة: إذا أسلم الكافر وتحته أختان اختار منهما واحدة، وإن جمع بين المرأة وعمتها أو خالتها اختار واحدة منهما، وهكذا الحكم في كل محرمة عليه بسبب النسب، أو الرضاع، أو المصاهرة كابنته، أو أخته من الرضاع، أو أم زوجته.

- صفة عقد نكاح الكفار: إذا جاءنا الكفار قبل عقد النكاح بينهم عقدناه على حكمنا بإيجاب، وقبول، وولي، وشاهدي عدل منا، وإن جاؤا بعد عقد النكاح بينهم: فإن كانت المرأة خالية من موانع النكاح أقررناهم عليه، وإن كان بالمرأة مانع من موانع النكاح فرقنا بينهما. - حكم صداق الكافرة: إن كانت المرأة الكافرة قد سمي لها مهر وقبضته استقر، صحيحاً كان المهر أو فاسداً كخمر وخنزير ونحوهما، وإن كانت لم تقبضه: فإن كان صحيحاً أخذته، وإن كان فاسداً أو لم يفرض لها مهر، فلها مهر المثل صحيحاً. - الأنكحة التي هدمها الإسلام: 1 - نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لامرأته أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها حتى يتبين حملها من غيره، وكانوا يفعلونه رغبة في نجابة الولد. 2 - نكاح البغايا: وهو أن تنصب المرأة على بابها راية تكون علماً على أنها زانية، فمن أرادها دخل عليها، فإذا حملت ووضعت جُمع لها من زنا بها ودَعَوا لهم القافة فألحقوا الولد بالذي يرون، ثم دعي ابنه. 3 - نكاح الخِدْن: وهو أن تتخذ المرأة خِدْناً يطؤها في السر. 4 - نكاح الرهط: وهو أن يجتمع رهط من الرجال على المرأة فيدخلون عليها وكلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم وألحقته بمن شاءت منهم، فيدعى ابنه.

فلما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - هدم نكاح الجاهلية كله إلا ما وافق الإسلام فأقره وأبطل ما سواه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران:85]. 2 - وَعَنْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أخْبَرَتْهُ: أنَّ النِّكَاحَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أرْبَعَةِ أنْحَاءٍ، فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ. أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5127).

9 - الصداق

9 - الصداق - الصداق: هو ما تستحقه الزوجة على زوجها بالنكاح من مال ونحوه. وله أسماء عشرة هي: صداق، وصدقة، ونِحْلة، وأجر، وفريضة، ومهر، وطَوْل، ونكاح، وحباء، وعقر. - حكمة مشروعية الصداق: رفع الإسلام مكانة المرأة وأكرمها وأعطاها حقها في التملك وحسن المعاشرة، وفرض لها المهر إذا تزوجت، وجعل المهر حقاً للمرأة على الرجل الذي تزوجها، يكرمها به؛ جبراً لخاطرها، وإشعاراً بقدرها، وعوضاً عن الاستمتاع بها، يطيب نفسها، ويرضيها بقوامة الرجل عليها، ويبرهن على حسن نية زوجها، ويُشْعِر بقدرها وعزتها. قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]. - حكم الصداق: الصداق حق واجب للزوجة على زوجها بما استحل من فرجها. وهو ملك لها لا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا إذا طابت المرأة نفساً بهذا الأخذ. ولأبيها خاصة أن يأخذ من صداقها مالا يضرها وما لا تحتاج إليه ولو لم تأذن.

1 - قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء:4]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)} [النساء:24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء:20 - 21]. 5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قال: «فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). - مقدار الصداق: كل ما جاز أن يكون ثمناً أو أجرة جاز أن يكون صداقاً، قَلّ أو كثر. ويسن تخفيف مهر الزوجة، وتيسير صداقها، وخير الصداق أيسره؛ لأن كثرة ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ له.

الصداق يثقل كاهل الزوج، ويسبب بغض الزوج لزوجته. ولا حد لأقل المهر ولا لأكثره. ويحرم إذا بلغ حد الإسراف، أو قصد به المباهاة، أو أثقل كاهل الزوج بالديون والمسألة، أو كان محرماً كمسروق أو خمر ونحوهما. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء:20]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأنْصَارِ شَيْئاً». قال: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا، قال: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟». قال: عَلَى أرْبَعِ أوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أرْبَعِ أوَاقٍ؟ كَأنَّمَا تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كَمْ كَانَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1424). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).

صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشّاً، قَالَتْ: أتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قال: قُلْتُ: لا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأزْوَاجِهِ. أخرجه مسلم (¬1). - صداق أزواج وبنات النبي - صلى الله عليه وسلم -: كانت مهور أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة درهم. وتعادل اليوم (140) ريالاً سعودياً تقريباً. وكانت مهور بناته - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة درهم تقريباً. وهي تعادل اليوم (110) ريالات سعودية تقريباً. ولنا في رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، مع مراعاة اختلاف الأماكن والأزمان، وتغير قيمة السلع والأثمان. - أنواع الصداق: كل ما صح أن يكون ثمناً صح أن يكون مهراً وإن قَلّ. والمهر نوعان: 1 - المهر المسمى: وهو ما سمي في العقد أو بعده بالتراضي. 2 - مهر المثل: وهو مهر امرأة تماثل الزوجة وقت العقد بمن يساويها من أقاربها. وتكون المماثلة في الصفات المرغوبة عادة وهي: الجمال والمال، والسن والعقل، والدين والأدب، والبكر والثيب، والنسب والحسب ونحو ذلك مما يختلف بسببه الصداق. ويجوز أن يكون الصداق نقداً، أو عيناً، أو منفعة دينية أو دنيوية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1426).

1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء:20]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص:27]. 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: «مَا هَذَا؟». قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. متفق عليه (¬3). - أحوال وجوب المهر المسمى: يجب المهر المسمى كله فيما يلي: 1 - إذا حصل الدخول بالزوجة في نكاح صحيح أو فاسد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5086) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).

2 - إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بغَيْرِ إِذنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثلاَث مَرَّاتٍ، فَإِنْ دَخَلَ بهَا فَالمَهْرُ لَهَا بمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - أحوال وجوب مهر المثل: يجب مهر المثل كله فيما يلي: 1 - إذا عقد الرجل على زوجته ولم يسم لها مهراً. 2 - إذا تزوج امرأة على أن لا مهر لها فيجب لها مهر المثل بالدخول أو الموت قبله. 3 - إذا عقد عليها وسمى لها مهراً محرماً، أو مجهولاً، أو غير مقدور على تسليمه، أو غير مال كميتة، فيجب لها مهر المثل بالدخول أو الموت قبله. 4 - المكرهة على الزنا. 5 - الموطوءة بنكاح باطل كالخامسة، والمعتدة، والموطوءة بشبهة. 6 - إذا توفي الزوج بعد العقد وقبل الدخول، ولم يفرض للمرأة صداقاً، فلها مثل صداق نسائها، وعليه العدة، ولها الميراث. - وجوب نصف المهر: يجب على الزوج نصف المهر إذا طلق زوجته قبل الدخول بها، وكان قد فرض لها صداقاً. وإن طلقها قبل الدخول، ولم يفرض لها صداقاً، فلا مهر لها، لكن تجب ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2083) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1102).

عليه المتعة للمرأة حسب يُسْر الزوج وعُسْره. قال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة:236 - 237]. - الأحوال التي يسقط فيها المهر: يسقط المهر كله فيما يلي: 1 - إذا أبرأت المرأة زوجها من دفع المهر، أو وهبته له. 2 - إذا كانت الفرقة قبل الدخول من قِبَل المرأة، كأن ارتدت عن الإسلام، أو فسخت العقد لإعساره، أو عيبه. 3 - إذا فسخ الزوج العقد قبل الدخول بسبب عيب في الزوجة. 4 - إذا قتلت المرأة زوجها عمداً بجناية عليه. - حكم الزيادة أو النقص من المهر: 1 - إذا زاد الزوج شيئاً على المهر المسمى بعد العقد، وتراضى الطرفان، فحكمها حكم أصل المهر، فتَلزم بالدخول أو الموت عن الزوجة. قال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}

[النساء:24]. 2 - يجوز للمرأة العفو عن المهر كله أو الحط منه لزوجها بعد تمام العقد، سواء كان بلفظ الإبراء، أو الهبة، أو الصدقة، ولا يجوز لغيرها إسقاط المهر أو العفو عن بعضه إلا برضاها وإجازتها. - تأكد المهر: يجب المهر المسمى أو مهر المثل بنفس العقد. ويتأكد وجوب المهر في العقد الصحيح بما يلي: 1 - الموت أو الدخول بالزوجة. 2 - موت أحد الزوجين قبل الدخول. 3 - طلاق الزوج زوجته قبل الدخول في مرض الموت. - شروط الصداق: يشترط في الصداق ثلاثة شروط: 1 - أن يكون مما يجوز تملكه وبيعه من نقد وعين ونحوهما. 2 - أن يكون الصداق معلوماً. 3 - أن يسلم من الغرر بأن يكون مقدوراً على تسليمه. - وقت دفع الصداق: يستحب دفع الصداق عند العقد. ويجوز تأجيل المهر كله أو بعضه، ويجوز تعجيل بعض المهر وتأجيل بعضه إلى أجل قريب أو بعيد، إذا كان الأجل معلوماً، والمؤجل معلوماً.

وإذا لم يتفق على تعجيل المهر أو تأجيله عمل بحسب عرف البلد، وإذا لم يكن هناك عرف دفع الزوج المهر حالاً؛ لأن الأصل أن المهر يجب بتمام العقد، لأن المهر أثر من آثاره، وإذا عجز الزوج عن دفع معجل المهر فللزوجة الحق في طلب فسخ الزواج قبل الدخول أو بعده. - قابض المهر: المرأة الرشيدة هي التي تقبض مهرها، وتتصرف فيه، فإن كانت غير رشيدة قبض وليها المهر بالنيابة عنها. ويجوز لولي الزوجة قبض مهرها عنها برضاها. وللمرأة منع نفسها من زوجها قبل الدخول حتى تقبض مهرها المعجل، وليس لها الحق في المنع بالنسبة للمؤجل. ويجب المهر للمرأة بالعقد، ويستقر كاملاً بالدخول بها. - حكم التصرف في المهر: المهر حق خالص للزوجة، ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنها ورضاها؛ لأن المهر ملكها، فتتصرف فيه بما شاءت ببيع، أو شراء، أو هبة ونحو ذلك. ويجوز للمرأة الرشيدة أن تهب زوجها جميع الصداق الذي تقرر به النكاح؛ لأنها ملكته، وتقرر بالوطء، سواء قبضته منه أم لم تقبضه. قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء:4].

- ضمان المهر: ضمان المهر إذا هلك يكون على من بيده المهر، فإن هلك قبل القبض ضمنه الزوج، وإن هلك بعد القبض ضمنته الزوجة، وإن هلك في يد الزوج بآفة سماوية ضمن الزوج مثله أو قيمته، وإن هلك بفعل الزوجة وهو في يد زوجها، أو بآفة سماوية بعد القبض، أصبحت مستوفية له بهذا الهلاك. وإن هلك بفعل أجنبي ضمنه لها، وإن أخذت المرأة الصداق فوجدته معيباً فهي بالخيار: إن شاءت أمسكته وأخذت من الزوج أرش النقص، وإن شاءت ردته وأخذت قيمته يوم العقد، وإن شاءت أخذت مثله سليماً. - حكم الاختلاف في المهر: الاختلاف في المهر إما أن يكون في تسميته، أو في مقداره، أو في جنسه، أو في صفته، أو في قبضه، والحكم في ذلك كما يلي: 1 - إذا اختلف الزوجان في تسمية المهر ولم تكن بينة لأحدهما، فالقول قول الزوج بيمينه؛ لأنه يدعي ما يوافق الأصل، وللزوجة مهر المثل بالدخول أو الموت، فإن طلق ولم يدخل بها فلها المتعة فقط. 2 - إن اختلفا في مقدار المهر المسمى، أو جنسه، أو صفته، بعد العقد، ولا بينة لأحدهما، فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما. فإن ادعت الزوجة أكثر من مهر المثل فالقول قول الزوج بيمينه، وإن ادعى الزوج أقل من مهر المثل فالقول قول الزوجة مع يمينها. 3 - إن اختلفا في قبض المهر ولم تكن بينة لأحدهما فالقول قول الزوجة مع

يمينها؛ لأن الأصل عدم القبض، وبقاء المهر. - صداق المعسر: كل ما صح أن يكون ثمناً صح أن يكون مهراً وإن قل. وإذا كان الزوج فقيراً أو معسراً جاز له أن يجعل صداق المرأة منفعة كتعليم قرآن، أو علم، أو كتابة، أو خدمة كرعي غنم، أو بناء دار ونحو ذلك من المنافع المباحة شرعاً. 1 - قال الله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص:27]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْباً». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». متفق عليه (¬1). - الملزم بالجَهاز: الجَهاز: هو أثاث بيت الزوجية من فُرُش، وأواني ونحوهما. والجهاز واجب على الزوج كما تجب عليه النفقة. والمهر المدفوع ليس للجَهاز، وإنما هو عطاء ونِحْلة للمرأة المتزوجة في مقابل حِلّ الاستمتاع بها، فهو حق للزوجة على زوجها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5029) , واللفظ له، ومسلم برقم (1425).

وإن دفع الزوج مقداراً من المال زائداً على المهر للجهاز أعدت منه الزوجة بيت الزوجية من أثاث وما يلزم لها عادة. 1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6]. 2 - وقال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7].

10 - وليمة العرس

10 - وليمة العرس - وليمة العرس: هي الطعام بمناسبة الزواج. - حكمة مشروعية الوليمة: شرع الإسلام وليمة العرس إعلاناً للنكاح في البلد، وابتهاجاً بمناسبة الزواج، فرحة للزوجين، وسروراً للأهل والأقارب، وتكريماً لمن حضر ودعا للزوجين بالخير والبركة. - حكم وليمة العرس: تجب وليمة العرس على الزوج، وتسن بشاة أو أكثر، حسب اليسر والعسر، وحال الزوج، وقدر المدعوين. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى عَلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟». قال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ اللهُ لَكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أوْلَمَ بِشَاةٍ. متفق عليه (¬2). - وقت الوليمة: وقت عمل الوليمة واسع، فيجوز عمل وليمة العرس عند العقد أو بعده، أو عند الدخول أو بعده، حسب أعراف الناس وعاداتهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5168) , واللفظ له، ومسلم برقم (1428).

ويجوز عمل الوليمة ليلاً أو نهاراً، حسب عرف الناس وعادتهم. - أنواع طعام الوليمة: لا حد للوليمة من جهة القلة والكثرة، فيرجع في ذلك إلى العرف، وحال الزوج، وعدد المدعويين. وما يقدم في الوليمة من الطعام راجع إلى العرف، وكثرة الناس وقلتهم، ما لم يصل إلى حد الإسراف والمباهاة فيحرم. 1 - عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثاً يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أوْلَمَ بِشَاةٍ. متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. أخرجه البخاري (¬4). - من يشارك في عمل الوليمة: وليمة العرس تجب على الزوج شكراً لربه، وإعلاناً للنكاح، وتكريماً لمن حضر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5085) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5168) , واللفظ له، ومسلم برقم (1428). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5169) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5172).

ويستحب أن يشارك أهل الفضل والسعة من الأقارب في إعداد وليمة العرس. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا، قال: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ فَأعْطَاهُ بِهَا مَا أرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَالَ: «أصْلِحِيهَا». قال: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا القُبَّةَ، فَلَمَّا أصْبَحَ قال: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ». قال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَاداً حَيْساً، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الحَيْسِ، وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، قال: فَقَالَ أنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا. متفق عليه (¬2). - من يدعى للوليمة: يسن أن يدعو الزوج إلى وليمة العرس الأهل، والأقارب، والصالحين -فقراء كانوا أم أغنياء- رجالاً ونساءً وصبياناً، ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5155) , ومسلم برقم (1427) , واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (371)، ومسلم برقم (88) (1365) كتاب النكاح, واللفظ له.

إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أبْصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَاناً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ مُمتَنّاً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتُمْ مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الأغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ المَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ. متفق عليه (¬3). - حكم الإسراف في الوليمة: السنة أن تقام ولية العرس بأي طعام مباح. ويحرم الإسراف في طعام الوليمة وغيره، وليس من الإسراف كثرة الطعام لكثرة من حضر الوليمة. قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف:31]. - حكم إجابة دعوة العرس: إجابة الدعوة إلى وليمة العرس واجبة على من دعي إليها؛ لما فيه من إظهار الاهتمام بالمتزوج، وإدخال السرور عليه، وتطييب نفسه بإجابة دعوته. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنه أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5173) , واللفظ له، ومسلم برقم (1429). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5180) , واللفظ له، ومسلم برقم (2508). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5177) , ومسلم برقم (1432) , واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5177) , واللفظ له، ومسلم برقم (1432).

2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». متفق عليه (¬1). - شروط إجابة الدعوة: يشترط لإجابة دعوة العرس ما يلي: أن يكون الداعي مسلماً .. وأن يكون ممن لا يجب هجره أو يسن .. وأن لا يكون في مكان الدعوة منكر لا يمكن إزالته .. وأن لا يكون كسب الداعي محرماً لعينه كالخمر والخنزير .. وأن لا تتضمن الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها .. وأن يخصه بالدعوة برسالة أو بطاقة أو مكالمة .. وأن لا يمنع المجيب مانع من مرض أو عمل ونحوهما .. وأن لا تتضمن الدعوة ضرراً أو تكليفاً كسفر ونفقة ونحوهما. - حكم حضور الوليمة التي فيها منكر: من دعي إلى وليمة العرس، وعلم أن في الوليمة منكراً يقدر على تغييره، حضر وغيَّره، وإن لم يقدر فلا يلزمه الحضور، والمنكر كالإسراف في الطعام، والغناء، والتصوير، والتبرج، والاختلاط، والخمور ونحو ذلك من المحرمات. ومن حضر ثم علم بالمنكر أزاله، فإن لم يقدر على إزالته انصرف. وإن علم بالمنكر، ولم يره، ولم يسمعه فالأَوْلى له الانصراف؛ ليحمي نفسه من الإثم والعقوبة. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5173) , واللفظ له، ومسلم برقم (1429).

غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام:68]. 2 - وَعَنْ أبِي عَامِرٍ -أوْ أبُو مَالِكٍ- الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ». أخرجه البخاري معلقاً (¬1). - حكم الأكل من طعام الوليمة: إجابة الدعوة واجبة، أما الأكل فليس بواجب. ويستحب الأكل من طعام الوليمة لكل من حضر. ومن دعي إلى الوليمة وهو صائم، إن كان صومه واجباً حضر ودعا وانصرف، وإن كان صومه تطوعاً فيستحب له أن يفطر جبراً لقلب من دعاه، وإدخالاً للسرور عليه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ». أخرجه مسلم (¬2). - ما يقوله بعد الأكل من الوليمة: يستحب لمن أجاب الدعوة، وحضر الوليمة، أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ من الأكل بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنه: 1 - «اللَّهمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ». أخرجه مسلم (¬3). 2 - «اللَّهمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) , واللفظ له، ووصله ابن حبان برقم (6719). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1431). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2042). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2055).

3 - «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - حكم إعلان النكاح: يسن إعلان النكاح وضرب الجواري عليه بالدف والغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال والمفاتن، وذكر الفجور ونحو ذلك. والسبب في إعلان النكاح ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه، وإظهاراً للفرح بما أحل الله من الطيبات، وإشهاراً له بين الخاص والعام، والقريب والبعيد. والإعلان يكون بما جرت به العادة، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الإسلام عنه كشرب الخمر، أو اختلاط الرجال بالنساء، أو التبرج، أو التصوير، أو العزف بآلات الغناء والطرب، أو الغناء بالفجور والميوعة وفحش القول. 1 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلاَلِ وَالحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬2). 2 - وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قالتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقال: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «لا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3854) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (1747). (¬2) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1088) , وأخرجه النسائي برقم (3369) , وهذا لفظه. (¬3) أخرجه البخاري برقم (4001).

3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم اختلاط الرجال بالنساء في حفل الزواج: لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها؛ لما في ذلك من الفتنة لهم ولهن بالرؤية والكلام، وإطلاق البصر فيما حرم الله. ولا يجوز دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات وغيرهن؛ لما فيه من عظيم الفتنة، والتشبه بالكفار، والشماتة والحسد، ولا يجوز خدمة الغلمان والكبار للنساء في حفلات الزواج وغيرها، ولا تجوز خدمة النساء المتبرجات للرجال كذلك؛ لما في ذلك من حصول الفتنة والوقوع في الحرام. - حكم الغناء في حفلات الزواج: يباح غناء الجواري في العرس، والضرب بالدف، إعلاناً للنكاح، وترويحاً للنفوس باللهو البريء بشرط خلوه من المجون وفحش القول، وكونه بين النساء لا بين الرجال. ولا يجوز الغناء الذي يصف مفاتن النساء وشعورهن، ويشتمل على الفجور والخلاعة والميوعة. ويحرم استعمال آلات اللهو كعود ومزمار وموسيقى في الزواج وغيره. ويحرم استئجار مغنيين ومغنيات للغناء في حفل الزواج وغيره. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5162).

ويحرم التبرج والرقص مع التثني والتكسر الذي يحرك الغرائز والشهوات بين النساء، فإن كان بحضرة الرجال مع النساء فهو أشد حرمة وعقوبة؛ لما فيه من عظيم الفتنة، وتجاوز حدود الله. عَنْ أبِي عَامِرٍ -أوْ أبُو مَالِكٍ- الأشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: وَاللهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ». أخرجه البخاري معلقاً وأبو داود (¬1). - حكم التصوير في حفل الزواج وغيره: 1 - يحرم التصوير لكل ذي روح، وهو من الكبائر. وتحرم صور ذوات الأرواح كلها، مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل أو لا ظل لها، يدوية أو فوتغرافية، ملوَّنة أو غير ملوَّنة. ويحرم تعليق صورة كل ذي روح على الجدران وغيرها. ولا يجوز من التصوير إلا ما كان لضرورة كمجال الطب، وإثبات الشخصية، والتعرف على المجرمين ونحو ذلك فيجوز للحاجة. 2 - يحرم تصوير حفل الزفاف رجالاً أو نساءً أو كلاهما، وأشد منه وأقبح تصويره بالفيديو أو الجوال، وأقبح منه وأشد خطراً وضرراً بيعه في الأسواق، وعرضه على الناس. ومن أباح تصوير ذوات الأرواح، وحَسَّن ذلك للناس فعليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة، وقد ظهرت عواقبه الوخيمة، وآثاره السيئة في عصرنا هذا. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) , واللفظ له، ووصله أبو داود برقم (4039).

- أحكام المصورين: المصورون أقسام: من صور الصورة لتُعبد -وهو صانع الأصنام- فهذا كافر، وهو أشد الناس عذاباً. ومن صور الصورة وقصد مضاهاة خلق الله فهذا كافر، وله من العذاب أشده. ومن صور الصورة ولم يقصد بها أن تُعبد ولا المضاهاة؛ فهذا فاسق لا يكفر، لكنه صاحب ذنب كبير. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} [النحل:24 - 25]. 2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْن عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْساً فَتُعَذّبُهُ فِي جَهَنّمَ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5951) , واللفظ له، ومسلم برقم (2108). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2225) , ومسلم برقم (2110)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5950) , واللفظ له، ومسلم برقم (2109).

- ما يفعله الرجل إذا رأى امرأة فأعجبته: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى امْرَأةً، فَأتَى امْرَأتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أصْحَابِهِ فَقَالَ: «إِنَّ المَرْأةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأةً فَلْيَأْتِ أهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم خدمة العروس للمدعوين: يحسن بأقارب الزوج والزوجة خدمة المدعوين، والاحتفاء بهم، وإكرامهم بالقول والفعل. ويجوز أن تقوم العروس بخدمة المدعويين إذا كانت متسترة، وأُمنت الفتنة، إذا لم يوجد من يخدم سواها. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: دَعَا أبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهِيَ العَرُوسُ، قال سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. متفق عليه (¬2). - حكم نعت الزوجة امرأة لزوجها: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُبَاشِرُ المَرْأةُ المَرْأةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1403). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5176) , واللفظ له، ومسلم برقم (2006). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5240).

11 - زينة النساء والرجال

11 - زينة النساء والرجال - الزينة: هي كل ما يتزين به الإنسان مما يُكسب جمالاً وحُسناً. - حكم الزينة: رغّب الإسلام في الزينة للرجال والنساء لما فيها من زيادة الحسن والجمال الذي يحبه الله، واهتم الإسلام بزينة المرأة وحسن لباسها وَزِيِّها أكثر من اهتمامه بزينة الرجل ولباسه؛ لأن الزينة أمر أساسي للمرأة، فإن الله قد فطرها على حب الظهور بالزينة والجمال، ومن أجل هذا أباح الإسلام للمرأة من الزينة أكثر مما أبيح للرجل؛ لأن الزينة تلبية لنداء الأنوثة، وإدخال السرور على الزوج، وحسنها وجمالها يزيد من رغبة الزوج بها ومحبته لها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قال رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قال: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أَبي الأَحْوَصِ عَنْ أَبيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثوْبٍ دُونٍ فَقَالَ: «أَلَكَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (91).

مَالٌ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مِنْ أَيِّ المَالِ؟» قَالَ: قَدْ آتَانِي اللهُ مِنَ الإبلِ وَالغَنَمِ وَالخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ: «فَإِذا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - أقسام الزينة: تنقسم الزينة إلى ثلاثة أقسام: الأولى: الزينة الخُلقية: وهي الصفات المحمودة التي أمر بها الإسلام، وأعلاها صفة الإيمان التي هي منبع أحسن الصفات كالتقوى، والصبر، والحلم، والكرم، والشجاعة ونحوها. الثانية: الزينة الخارجية: وهي كل ما يُدْرَك بالبصر، سواء كان في الإنسان كحسن الوجه، وجمال البشرة، واعتدال القامة، وسعة العيون ونحو ذلك، أو كان حول الإنسان كالسماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم، وكالأرض وما فيها من الحيوان والنبات والجبال ونحو ذلك. الثالثة: الزينة المكتسبة: وهي كل زينة خارجة عن الجسم المزين بها كاللباس والكحل والطيب والخضاب ونحو ذلك. ومن كملت له هذه الزينات الثلاث فقد كمل حسنه وجماله. قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. - حكم استعمال المرأة للزينة: تنقسم الزينة من حيث استعمال النساء لها إلى ثلاثة أقسام: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4063) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5224).

الأولى: الزينة المباحة: وهي كل زينة أباحها الشرع للنساء مما فيه جمال وعدم ضرر كألوان الثياب، والحرير، والحلي، والطيب، ووسائل التجميل المباحة ونحو ذلك. الثانية: الزينة المستحبة: وهي كل زينة رغّب فيها الشرع وحث عليها ومن ذلك ما ورد في سنن الفطرة. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ- الخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ». متفق عليه (¬1). الثالثة: الزينة المحرمة: وهي كل ما حرمه الشرع وحذر منه، مما تعتبره النساء زينة، سواء نص الشرع على تحريمه كالنمص، والوشم، ووشر الأسنان، ووصل الشعر، أو كان عن طريق التشبه بالكفار، أو التشبه بالرجال. ففاعل المحرم يستحق العقاب، ومن تركه امتثالاً فهو مثاب، وفاعل المستحب مثاب، وفاعل المباح لا يثاب ولا يعاقب. فإن كان المباح وسيلة فحكمه حكم ما كان وسيلة إليه. فالطيب مثلاً مباح، لكن إن كان وسيلة لإدخال السرور على الزوج صار مستحباً. وإن كان وسيلة لقصد فتنة الرجال الأجانب فهو محرم. - أنواع الزينة المباحة للمرأة: يباح للنساء من الزينة ما يلي: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5889) واللفظ له، ومسلم برقم (257).

الأول: اللباس: وهو نعمة عظيمة يستر جسد الإنسان، ويحفظه من الأذى، إلى جانب ما فيه من الجمال والزينة. ويجوز لبس كل لباس لكن بشروطه الشرعية. 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف:26]. 2 - وَعَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حُرِّمَ لِبَاسُ الحَرِيرِ وَالذهَب عَلَى ذكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لإنَاثهِمْ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). الثاني: الحلي: فيباح للمرأة أن تلبس من الحلي ما شاءت بلا إسراف ولا مباهاة. سواء كان من الذهب، أو الفضة، أو اللؤلؤ، أو الألماس ونحو ذلك، وسواء كان في الرقبة، أو اليد، أو الأصابع، أو الرأس، أو الأرجل؛ لأن الحلي زينة للمرأة يزيدها حسناً وجمالاً، لكن لا يجوز كشفه للأجانب. قال الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} [الزُّخرُف:18]. الثالث: الطيب: فيباح للمرأة أن تتطيب بما شاءت من أنواع العطور، سواء في بدنها أو لباسها، وهي مأجورة على حسن تجملها وطيبها لزوجها. ويحرم على المرأة مس الطيب إذا أرادت الخروج من بيتها لأماكن الرجال كالمساجد والأسواق؛ لأن ذلك يحرك شهوة الرجال، ويلفت أنظارهم. 1 - عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيباً». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1720) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5265). (¬2) أخرجه مسلم برقم (443).

2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيب يَنْفَحُ وَلِذيْلِهَا إِعْصَارٌ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ جِئْتِ مِنَ المَسْجِدِ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبي أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذا المَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ وَالمَرْأَةُ إِذا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ فَهِيَ كَذا وَكَذا يَعْنِي زَانِيَةً». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). الرابع: الكحل: وهو زينة وجمال، والكحل بالإثمد زينة ودواء. الخامس: الخضاب: وهو جعل الحنا في اليدين والرجلين وهو يكسب المرأة زينةً وجمالاً. السادس: تسريح شعر الرأس وتنظيفه والعناية به تجملاً للزوج. أما صبغ شعر الرأس بالسواد تجملاً للزوج فلا مانع منه، وأما صبغه بالسواد للتدليس والتغرير من أجل الزواج فهو محرم، وأما صبغ المرأة الشعر الأسود لتحويله إلى لون آخر كالذهبي والأصفر والأحمر، فهذا عبث بالشعر، ولا ينبغي لعاقلة أن تفعله، لما فيه من التشويه، والتشبه بالكافرات. السابع: وسائل التجميل الحديثة: فيباح للمرأة أن تتزين لزوجها بكل ما يرغِّبه فيها مما ليس فيه محذور شرعي. فيباح لها التزين بما ظهر من الأصباغ والمساحيق الحديثة بشروط: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4174) وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (4002). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4173)، وأخرجه الترمذي برقم (2786) , وهذا لفظه.

أن لا يكون فيه ضرر عليها .. أو لا يُظهر المرأة بصورة مستهجنة بشعة منفرة .. وليس فيه تشبه بالكافرات .. وليس فيه تغيير الخلقة الأصلية كالعدسات اللاصقة الملونة، والرموش والحواجب الصناعية ونحو ذلك .. وأن لا تمنع وصول الماء إلى البشرة عند الوضوء أو الغسل .. وأن لا يكون فيها إسراف ولا تبذير ولا إضاعة للأوقات في شرائها واستعمالها. وقد أثبت الطب أن في أكثر هذه الأصباغ والمساحيق ضرراً على بشرة المرأة على المدى الطويل لا سيما الوجه وما فيه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)} [النساء:119]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - حكم إبداء المرأة زينتها: زينة المرأة قسمان: زينة ظاهرة .. وزينة باطنة. 1 - فالزينة الباطنة: كالقلادة، والخلخال، والسوار، والخاتم والكحل ونحوها. فهذه لا يجوز إبداؤها وإظهارها للأجانب. 2 - وأما الزينة الظاهرة: فهي ما تتزين به المرأة خارج بدنها كظاهر الثياب ونحوها مما لا يمكن إخفاؤه. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (5114) , وأخرجه أبو داود برقم (4031).

فهذه لا جناح على المرأة إذا ظهر منها بدون قصد الفتنة. وقد ذكر الله الزينتين الظاهرة والباطنة، ونهى عن إبداء الزينة الظاهرة مطلقاً إلا ما ظهر منها كظاهر الثياب، ونهى عن إبداء الزينة الباطنة مطلقاً إلا لمن استثناهم الله من المحارم. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور:30]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور:31]. - عورة المرأة: العورة: هي ما يجب ستره من جسم الرجل أو المرأة، وما لا يجوز النظر إليه. وعورة المرأة نوعان: 1 - عورة المرأة بالنسبة للرجال الأجانب، فالمرأة بالنسبة لهؤلاء كلها عورة، فيجب عليها ستر جميع بدنها إلا ما ظهر دون قصد كثيابها الظاهرة، أو شيء خرج من بدنها كيدها أو وجهها دون قصد منها. 1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا

يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور:31]. 2 - وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا». قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِى أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - عورة المرأة عند محارمها أو النساء. وعورتها بالنسبة لهؤلاء جميع جسمها ما عدا ما يظهر منها غالباً كالوجه والرأس، والرقبة والنحر، والكفين والقدمين. ومحارم المرأة: هم من تحرم عليهم بسبب القرابة كالأب والابن، والأخ والعم والخال، أو بسبب النكاح كوالد زوجها أو ابنه، أو بسبب الرضاع كأبيها وابنها وأخيها من الرضاع ونحوهم. - أقسام اللباس: اللباس ثلاثة أقسام: 1 - قسم حلال للذكور والإناث: وهو جميع أنواع الملابس التي لم يمنع الشرع منها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1424).

2 - وقسم حرام على الذكور والإناث: وهي الملابس المسروقة والمغصوبة ونحوها، وما فيه تشبه بالكفار، وما فيه تشبه كل واحد من الرجال والنساء بالآخر، وما فيه شهرة وخيلاء. 3 - وقسم حرام على الذكور دون الإناث، مثل الحرير والذهب والفضة إلا خاتم الفضة للرجال فهو حلال. - شروط لباس المرأة: شروط لباس المرأة تنقسم إلى قسمين: الأول: شروط التفصيل والخياطة: 1 - أن يكون اللباس ساتراً لجميع البدن، ليستر العورة، ويستر الزينة التي نهيت المرأة عن إبدائها للرجال الأجانب. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 2 - أن يكون اللباس واسعاً مريحاً لحركة أعضاء البدن، فلا يجوز أن تلبس المرأة اللباس الضيق الذي يصف مفاتن الجسم عند الأجانب والمحارم والنساء. ويحرم عليها لبس البنطلون؛ لأنه من الثياب الضيقة التي تحدد أجزاء الجسم، ولما فيه من الفتنة، والتشبه بالرجال، والتشبه بالكافرات، ولما فيه من الشهرة والخيلاء. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ

عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (¬2). 3 - أن لا يشبه لباس الرجال في الزي والطول. فلباس الرجال فوق الكعبين، ولباس النساء أسفل الكعبين ليستر القدمين. فيحرم على النساء لبس القصير من الثياب سواء كانت كبيرة أو صغيرة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ جَرَّ ثوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بذيُولِهِنَّ، قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا». فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ». أخرجه الترمذي والنسائي (¬3). 4 - أن لا يشبه لباس الكافرات، فمن تشبه بقوم فهو منهم. عَنْ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ «إِنّ هََذِهِ مِنْ ثِيَابِ الكُفّارِ، فَلاَ تَلْبَسْهَا». أخرجه مسلم (¬4). الثاني: ما يجب مراعاته في نوع اللباس: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2128). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5885). (¬3) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1731) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (5336). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2077).

1 - أن يكون ساتراً، لا شفافاً يصف ما تحته؛ لأن الشفاف يزيد المرأة جمالاً وزينة وفتنة، ويكشف العورة، وذلك محرم. 2 - أن يكون جميلاً، لكن لا يكون زينة في نفسه بلفت أنظار الرجال إليها، ويفتنهم بها. 3 - أن يكون لباساً محتشماً، فلا تلبس ثياب شهرة ترفع بسببها الأبصار إليها، وتفتن الناس بها. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَبسَ ثوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثوْبَ مَذلَّةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ ثمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَاراً». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - صفة لباس المرأة في الصلاة: يجب على المرأة إذا أرادت الصلاة أن تصلي بقميص يستر بدنها .. وخمار يستر رأسها .. وجلباب تلتحف به من فوق القميص. ووجه المرأة ليس بعورة في الصلاة فالسنة أن تكشفه أثناء الصلاة، وإن كانت تصلي بحضرة رجال أجانب فتغطيه. أما الكفان والقدمان فليسا بعورة، فلا يلزم سترهما في الصلاة إلا بحضرة الأجانب. - حكم قص شعر المرأة: قص شعر رأس المرأة له صور: الأولى: أن يكون القص فاحشاً: وهذا تفعله المتشبهات من النساء بالرجال فتبدو ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4029) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3607) وهذا لفظه.

كأنها رجل، وهذا القص محرم، ومن فعله فهو ملعون. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (¬1). الثانية: قص المشابهة المحرَّم: وهو أن تقص المسلمة شعرها تشبهاً بالنساء الكافرات. وهذا القص محرم؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم. الثالثة: تخفيف الشعر: وهو أن يكثر ويحصل منه أذية أو مشقة عند غسله أو تسريحه، فتخفف منه للحاجة. فهذا الأصل عدم تغيير الخلقة، وقد خلق الله الشعر للمرأة جمالاً لها، فلا يحل الأخذ منه إلا في النسك، وعند حصول الضرر أو الأذى، فيزال منه بقدر الحاجة، ويبقى ما سوى ذلك على المنع؛ لأنه خروج عن سنن الفطرة. وأمهات المؤمنين قصصن شعورهن كالوفرة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من باب التقشف؛ لأنه لا رغبة لهن في الزواج، ولا يحل لهن ذلك. 1 - عَنْ أبِي سَلَمَةَ قال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أنَا وَأخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَسَألَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الجَنَابَةِ؟ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ، فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاثاً، قَالَ: وَكَانَ أزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذْنَ مِنْ رؤُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالوَفْرَةِ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى المِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ، وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ، فَقالَ: يَا أهْلَ المَدِينَةِ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5885). (¬2) أخرجه مسلم برقم (320).

أيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ». متفق عليه (¬1). - حكم لبس الشعر المستعار: يحرم على المرأة حلق شعر رأسها كله، ويحرم عليها قصه تشبهاً بالرجال، أو النساء الكافرات، ولها قص بعضه عند الحاجة بإذن زوجها، وتركه أزين وأجمل. ولبس المرأة (الباروكة) وهي الشعر المستعار محرم. فإن كانت المرأة قرعاء فلا حرج في لبسها تجملاً للزوج بإذنه، وعمليات التجميل إن كانت لإزالة عيوب في الشعر فتباح. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأرَادُوا أنْ يَصِلُوهَا، فَسَألُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ». متفق عليه (¬2). - حكم إزالة شعر الجسد: لا يجوز لأحد أن يغير خلق الله في الإنسان أو يزيله إذا كان معتاداً على الخلقة الأصلية من شعر وغيره. 1 - ما نبت على جسد المرأة غير شعر الرأس يجوز للمرأة إزالته كشعر اليدين والرجلين والساقين والظهر والصدر والوجه، فهذا إذا وُجِد يزال بما لا ضرر فيه على بشرة المرأة، لا سيما إذا كان كثيفاً يؤثر على زينة المرأة وجمالها، وكمال الاستمتاع بها. ونتف شعر الحاجب محرم، وهو من الكبائر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3468) , واللفظ له، ومسلم برقم (2127). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5934) , واللفظ له، ومسلم برقم (2123).

عنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى. مَالِي لا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيّ ُ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. متفق عليه (¬1). 2 - إذا ظهر في وجه المرأة شعر فيستحب لها إزالته تزيناً لزوجها؛ لأن الله خلق وجه المرأة بلا شعر، فيعتبر عيباً، وإزالة العيوب جائز شرعاً. 3 - يجوز للرجل إزالة شعر جسده من الظهر والصدر والساق إذا زاد عن العادة، ولم يضر البدن، ولم يقصد التشبه بالنساء، وناله منه أذى. - حكم لبس الكعب العالي: يجوز للمرأة لبس ما شاءت من الحذاء والنعال والخفاف والجوارب. ولا ينبغي للمرأة لبس الأحذية ذات الكعب العالي؛ لما يلي: ما في لبسها من الزور والكذب، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، ولما فيه من التشبه بالكافرات، ولما فيها من الكبر والعجب، ولما فيها من التبرج المشين، ولما فيها من الخطر والضرر على الجسم والأرحام بسبب عدم اعتدال الجسم أثناء المشي. - حكم صوت المرأة: صوت المرأة ليس بعورة، لكنه فتنة. ولهذا أُمرت النساء بالتصفيق عند السهو في الصلاة؛ لأن في صوتها فتنة، فتخاطب الرجال بقدر الحاجة بكلام مختصر جزل، لا خضوع فيه ولا هزل، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5931) , واللفظ له، ومسلم برقم (2125).

لئلا يحصل بسبب صوتها فتنة الرجال الأجانب، ويفعل الرجال كذلك عند مخاطبة النساء. قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} [الأحزاب:32]. - حكم الإسراف في الزينة: الإسراف: صرف المال في المباح زائداً على ما ينبغي، والتبذير: صرف المال فيما لا ينبغي كالمحرمات، والاعتدال: في كل شيء محمود، والإسراف في كل شيء مذموم. وإسراف النساء في اللباس والزينة فتنة وبلاء. فقد تُفتن المرأة في دينها بالزينة .. وقد يتسلط عليها من لا خير فيه .. وقد تُفسد بلباسها غيرها من نساء المسلمين .. وقد تجرهن إلى الاقتداء بها وصرف الأموال في الإكثار من الملابس .. وقد يستشرفها الشيطان لتتطاول بلباسها على من سواها .. ثم يجرها إلى ما هو أعظم ليراها الرجال بهذا اللباس الفاضح .. فتحصل لها ولهم الفتنة .. وتفسد البيوت. وربما فتنت فتنة تشقى بها الأبد فتخسر الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور:19]. - الزينة المحرمة: شرع الإسلام للمرأة التجمل والتزين لزوجها بكل ما أباحه الله تعالى من طِيب، ولباس، وحلي ونحو ذلك. ورخص للمرأة في مجال الزينة أكثر مما رخص للرجل؛ تلبية لفطرتها

وأنوثتها، وحرصاً على دوام المحبة وحسن العشرة بين الزوجين. وحرم الإسلام كل زينة فيها تغيير لخلق الله، وخروج عن الفطرة، وكل ما فيه تدليس وإيهام كالوشم، والنمص، ووصل الشعر، وتفليج الأسنان، وجراحة التجميل من غير حاجة ونحو ذلك مما فيه تغيير لخلق الله كالعدسات الملونة، والأصباغ للشعور بالأحمر أو الأصفر أو الأزرق، لما فيه من الفتنة والتشبه بالكافرات، والسفور والتعري والاختلاط بالرجال الأجانب. ويحرم على المرأة لبس الكعب العالي؛ لأنه من التبرج الذي نهى الله عنه، وتُمنع المرأة من النقاب والبرقع الذي يظهر زينتها؛ لأن ذلك ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز وقد حصل. ولا يجوز للمرأة لبس البنطلون ولو كانت أمام النساء، لأنه يبين تفاصيل البدن، ولما فيه من التشبه بالرجال والكافرات، ولا يجوز للمرأة صبغ الأظافر بما يمنع وصول الماء عند الوضوء والغسل كالمناكير ونحوها مما يمنع أو يضر، ويجوز بالحنا ونحوه مما لا يمنع وصول الماء. وتحرم كل زينة فيها إسراف واختيال وعجب. ولا يجوز لها نتف الحواجب، وإطالة الأظفار ونحو ذلك. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أوْ قال أبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لا ألْعَنُ مَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5789) , واللفظ له، ومسلم برقم (2088).

لَعَنَ رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟. متفق عليه (¬1). - حكم التبرج: التبرج: هو خروج المرأة عن الحشمة، وإظهار مفاتها، وإبراز محاسنها، لتفتن الرجال بها، ليقع الجميع فيما حرم الله. والتبرج يكون في اللباس والزينة، وهو محرم لما فيه من عظيم الفتنة. فأعز ما تملكه المرأة الشرف والحياء والعفاف، والمحافظة على هذه الصفات محافظة على إنسانية المرأة في أسمى صورها. وخروج المرأة عن الاحتشام إلى التبرج والتبذل مثير للغريزة الجنسية، ومطلق لها من عنانها، يسهل الوقوع فيما حرم الله. من أجل هذا عني الإسلام عناية خاصىة بملابس المرأة وزينتها، وأمرها بغض البصر، وعدم إبداء الزينة ولو كانت عجوزاً أو صغيرة أو امرأة صالحة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب:59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} [النور:60]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5943) , واللفظ له، ومسلم برقم (2125).

زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإنّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا». أخرجه مسلم (¬1). 5 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأى امْرَأةً، فَأتَى امْرَأتَهُ زَيْنَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أصْحَابِهِ فَقَالَ: «إِنَّ المَرْأةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أبْصَرَ أحَدُكُمُ امْرَأةً فَلْيَأْتِ أهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ». أخرجه مسلم (¬2). - أسباب التبرج: وقعت كثير من نساء المسلمين ضحية للتبرج بسبب الجهل والتقليد الأعمى، وضعف الإيمان، ثم جاء الأعداء من الكفار والمنافقين فنفخوا فيه وأوصلوه إلى غايته ومداه، فأصبح من المألوف والمعتاد أن يرى المسلم المرأة المسلمة في الأسواق والجامعات وغيرها متبذلة، متبرجة، خارجة في زينتها، كاشفة عن محاسنها، متزينة متعطرة، لابسة الملابس القصيرة الشفافة الفاتنة التي تغري الرجال بها، وأصبحت المرأة تفتخر بحضور مسابقات الجمال، وترتاد أماكن الفجور والفسق تعرض نفسها وجسمها أمام سفلة ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2128). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1403).

الناس، وشارك الإعلام وتجار الأزياء في التغرير بالمرأة حتى وصلت إلى هذا المستوى الحيواني الرخيص. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج:10]. 2 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهْما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». متفق عليه (¬1). - صفة التبرج: التبرج: هو كل ما تفعله المرأة لفتنة الرجال بها بإبداء زينتها .. وكشف جمال وجهها .. وإبراز مفاتن جسدها .. ومحاسن ملابسها وحليها .. وحلاوة كلامها .. وحسن صوتها .. وتبخترها وتمايلها في مشيتها. فهذا وأمثاله من التبرج الذي نهى الله عنه، وحذر النساء منه بقوله سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33]. - نتائج التبرج: أدى تبرج النساء إلى انحلال الأخلاق، وتدمير الآداب، وزوال العفاف والاحتشام، فظهرت الفتن، وكثر الفسق، وانتشر الزنا، وانهدم كيان الأسرة، وأُهملت الواجبات الدينية، وكُسِرت القيم الأخلاقية، وتُركت العناية بالأطفال، وشب الأولاد والبنات على حب الصور، والغناء، والتمثيل، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5096) , واللفظ له، ومسلم برقم (2740).

والميوعة، والإباحية، والاختلاط، واللهو واللعب. واشتدت أزمة الزواج، وأصبح الحرام أيسر حصولاً من الحلال. - علاج مأساة التبرج: لعلاج هذا الهبوط المشين للمرأة المسلمة لابد مما يلي: تقوية الإيمان بالله في النفوس .. والإشادة بالفضيلة والحشمة والتستر .. وشَغْل الأوقات بطلب العلم .. وتذكير الناس باليوم الآخر .. وصفة نعيم الجنة .. وعذاب النار .. ومعرفة سعة رحمة الله .. وعظمة قدرته وبطشه بمن عصاه. إلى جانب حماية الأخلاق والآداب بمنع الإعلام من نشر الصور الرخيصة التي تثير الغرائز، ومنع مسابقات الجمال والرقص الفاجر، وتصميم اللباس المحتشم، وترغيب النساء فيه، وتحقير ملابس العري، ومظاهر الفسق، وألوان التبرج. تبدأ المرأة بنفسها، ثم تدعو غيرها، وبمرور الزمن يصلح الله الأحوال. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد:16]. 2 - وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)} [الحديد:17]. - حكم مصافحة المرأة الأجنبية: المرأة الأجنبية: هي من ليست زوجة ولا محرماً للرجل.

المَحْرم: من يحرم على الرجل نكاحها على التأبيد إما بالقرابة أو الرضاع أو المصاهرة. 1 - لا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أجنبية عنه، وأشد منه أن يقبِّلها، وأشد منه أن يخلو بها في غرفة أو سيارة، سواء كان شاباً أو شيخاً كبيراً، وسواء كانت المرأة شابة أو عجوزاً، وسواء كانت المصافحة بحائل أو بغير حائل. عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ؛ فَلَقَّنَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ. قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْنَا؟ قَالَ: «إِنِّي لاَ أُصَافِحُ النِّسَاءَ». أخرجه أحمد والنسائي (¬1). 2 - يجوز لأب الزوج وابن الزوج أن يصافحوا زوجته. ولا يجوز لأخ الزوج، أو عمه، أو خاله، أو ابن عمه، أو ابن خاله وغيرهم من الأقارب أن يصافحوا زوجته، أو يروا وجهها؛ لأن هؤلاء أجانب عنها، وليسوا بمحارم لها. - حكم سفر المرأة بلا محرم: يحرم على المرأة أن تخلو بأجنبي بلا محرم. ويحرم عليها أن تسافر بلا محرم، سواء كانت في سيارة، أو قطار، أو طائرة، أو سفينة، وسواء كانت ماشية أو راكبة، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أرِيدُ أنْ أخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأتِي تُرِيدُ الحَجَّ؟ فَقالَ: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27006) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (4181).

«اخْرُجْ مَعَهَا». متفق عليه (¬1). - صفة الحجاب الشرعي: الحجاب الشرعي: هو أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه كالوجه، والكفين، والشعر، والعنق، والساق، والقدم، والذراع ونحو ذلك من مفاصل البدن. - شروط الحجاب الشرعي: يشترط في حجاب المرأة المسلمة ما يلي: أن يكون لباس وحجاب المرأة ساتراً لجميع بدنها .. وأن يكون ثخيناً لا يَشِفّ عما تحته .. فضفاضاً غير ضيق .. غير مزين يستدعي أنظار الرجال .. وغير مطيب يثير غرائز الرجال .. وأن لا يكون لباس شهرة يصرف الأنظار إليه .. وأن لا يشبه لباس الرجال .. وأن لا يشبه لباس الكافرات .. وأن لا يكون فيه صلبان ولا تصاوير .. وأن يكون تاماً يغطي رأسها ووجهها وجميع بدنها. - حكم الحجاب: شرع الله الحجاب للنساء صيانة لأعراض النساء من الفجار، وحفظاً لهن وللرجال من الفتنة، والحجاب الشرعي واجب على كل امرأة مسلمة بالغة. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب:53]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862) , واللفظ له، ومسلم برقم (1341).

2 - وقال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33] 3 - وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ وقالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ. قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}. فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى، وَقَالَتْ: وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قصة الإفك ... وفيه: وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ، قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجَابُ عَلَيَّ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي. متفق عليه (¬2). - شروط لبس النقاب: النقاب: هو ما تغطي به المرأة وجهها مع فتحتين لعينيها، ويسمى البرقع. ويشترط في لبس النقاب ما يلي: أن يكون ساتراً للخدين .. وأن لا يكون في العينين كحل .. وأن يكون له حاجة .. وأن لا يقع فتنة بإبراز العينين .. وأن لا يكون زينة في نفسه .. وأن يكون النقب بقدر العين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4756) واللفظ له، ومسلم برقم (2488). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4750) , ومسلم برقم (2770) , واللفظ له.

- حكم نظر المرأة إلى الأعمى: يجوز للمرأة كشف وجهها عند الأعمى؛ لأنه لا يتمكن من النظر إليها، ولا يُخشى من نظره فتنة. أما نظر المرأة إليه فلا يجوز؛ لأن نظرها إلى الرجال الأجانب ممنوع، سواء الأعمى أو المبصر؛ لئلا تحصل لها الفتنة به، بل حتى النظر إلى صور النساء والرجال في الصحف والأفلام يُخاف منه إثارة الشهوة عند الرجل أو المرأة، وذلك موجب للإثم والفتنة. عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ زَوْجَهَا المَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا، فَأبَى أنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نَفَقَةَ لَكِ فَانْتَقِلِي، فَاذْهَبِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكُونِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1480).

12 - آداب الزفاف

12 - آداب الزفاف - الزفاف: هو زف المرأة لزوجها وخلوته بها. - حكم تزين المرأة لزوجها: 1 - رغَّب الإسلام الرجال والنساء في الزينة، وهي في حق النساء آكد؛ تلبية لفطرة المرأة، فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، وأن تبدو جميلة. وقد ضبط الإسلام زينة المرأة، وخص بها زوجها ومحارمها وبنات جنسها. 2 - يجب على المرأة ليلة الزفاف وغيرها أن تتزين لزوجها بما يدعوه إلى الرغبة فيها، وقَصْر نظره عليها، والاستمتاع بها بالنظافة .. والطيب .. وتسريح الشعر .. ولبس الثياب الجميلة .. ولبس الحلي .. وكحل العيون .. والحنا .. وإزالة شعر العانة والإبط .. وقص الأظفار، ونظافة الفم والأسنان .. واستعمال العطور وأدوات الزينة المباحة .. وحسن الخلق .. وحسن التبعل ونحو ذلك مما يرغبه فيها. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأةُ الصَّالِحَةُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم تزين الرجل لزوجته: الله عز وجل جميل يحب الجمال، وقد أمر الله عز وجل بأخذ الزينة في الجُمَع والأعياد والمساجد وغيرها. ويجدر بالرجل أن يكون نظيف البدن والثوب، طيب الرائحة، حَسَن الهيئة، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1467).

حَسَن الخلق، حَسَن المعاملة، فالزوجة تريد من زوجها مثل ما يريد منها من التجمل والزينة وحسن الخلق. 1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَألَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ، قال: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا». قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: مَا مَسِسْتُ حَرِيراً وَلا دِيبَاجاً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلا شَمِمْتُ رِيحاً قَطُّ أوْ عَرْفاً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رِيحِ أوْ عَرْفِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقاً». متفق عليه (¬3). - وقت الدخول بالزوجة: يجوز للرجل أن يدخل على عروسه ليلاً أو نهاراً، وذلك يختلف بحسب عادات الناس. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أمِّي فَأدْخَلَتْنِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5153) , واللفظ له، ومسلم برقم (1427). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3561) , واللفظ له، ومسلم برقم (2330). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3559) , واللفظ له، ومسلم برقم (2321).

الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحىً. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاثاً، يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلا لَحْمٍ، أمَرَ بِالأنْطَاعِ فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ. متفق عليه (¬2). - صفة الخلوة الصحيحة: الخلوة الصحيحة: هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج في مكان يأمنان فيه من اطلاع الناس عليهما كدار أو بيت مغلق الباب، أو غرفة نوم. ويشترط في الخلوة الصحيحة ألا يكون بأحد الزوجين مانع طَبَعي، أو حسي، أو شرعي، يمنع من الوطء أو الاتصال الجنسي. والمانع الشرعي: أن يكون هناك ما يُحَرِّم الوطء شرعاً كالحيض والنفاس، وصوم رمضان، والإحرام بالحج أو العمرة، والاعتكاف ونحو ذلك. والمانع الحسي: مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء. والمانع الطبعي: ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع كوجود رجل أو امرأة معهما. فكل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلاثة السابقة فهي فاسدة. - حكم الخلوة: 1 - الخلوة الصحيحة كالوطء في ثبوت كل المهر .. وثبوت النسب .. ولزوم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5160) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5159) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).

العدة .. وحرمة التزوج بامرأة محرمة إلى أجل .. أو أربع سواها، حتى تخرج من العدة .. وثبوت الميراث. 2 - لا تكون الخلوة كالوطء في الإحصان، والغسل، وحرمة بنت الزوجة، وتحليل المطلقة ثلاثاً، ففي هذه الأحوال لا بد من الوطء. - زفاف المرأة لزوجها: يحسن بأقارب العروس ومن يحبها أن يشاركن في زفاف المرأة إلى زوجها تطييباً لقلبها، وإظهاراً للفرح والسرور بزواجها، ويدعون لها بالخير والبركة. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْنِي أُمِّي فَأدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأنْصَارِ فِي البَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. متفق عليه (¬2). - حكمة مشروعية الجماع: شهوة الجماع كشهوة الطعام، كل منهما غريزة مركوزة في كل إنسان، الطعام لبقاء البدن, والجماع لبقاء النسل. وقد أكرم الإسلام الرجل والمرأة بالنكاح الشرعي الذي يتم من خلاله قضاء الوطر، واستمتاع كل من الزوجين بالآخر، ودَفْع الضرر عنهما، وإعفاف كل منهما. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5162). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5156) , واللفظ له، ومسلم برقم (1422).

- مقاصد الجماع: مقاصد الجماع في الإسلام هي: حفظ النسل .. وتكثير المسلمين .. وإخراج الماء الذي يضر احتباسه .. وقضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة. وهذه الأخيرة تنفرد وتبلغ كمالها في الجنة لكل من دخلها. - حكم الجماع: الجماع واجب على الرجل، والتمكين واجب على المرأة، إذا وُجِدت الرغبة، وانتفى العذر، وحصل الزواج. وكثرة الجماع وقلته تختلف بحسب الشهوة، والمحبة، والرغبة، وبحسب اختلاف أحوال الرجال والنساء. والاعتدال محمود، والمستحب ألا يعطلها متى وجدت الشهوة منهما. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237) , ومسلم برقم (1436) , واللفظ له.

وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (¬1). - أنفع الجماع: أنفع الجماع ما حصل بعد الهضم، وعند اعتدال البدن، إذا اشتدت الشهوة، وحصل الانتشار التام من غير تكلف. ولا ينبغي أن يستدعي شهوة الجماع ويتكلفها، ويحمل نفسه عليها، وليبادر إليه إذا هاجت به كثرة المني، واشتد شبقه. وجماع المرأة المحبوبة للنفس يقلل إضعافه للبدن مع كثرة استفراغه للمني. وجماع البغيضة يهد البدن، ويوهن القوى مع قلة استفراغه. وجماع الحائض مضر طبعاً وشرعاً. وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشاً لها بعد الملاعبة والتقبيل. وأردأ أشكال الجماع أن تعلوه المرأة أو يجامعها على ظهره، لأن المني في هذه الحال يتعسر خروجه كله، فربما بقي في العضو منه فيتعفن، وربما سال إلى الذكر رطوبات تضره من فرج المرأة، ولأن الرحم لا يتمكن من الاشتمال على ماء الرجل لتخليق الولد، ولما فيه من مخالفة الفطرة التي طبع الله عليها الذكور والإناث. - الجماع الضار: الجماع الضار نوعان: الأول: جماع ضار شرعاً، ومراتبه في التحريم بعضها أشد من بعض. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1406).

فالتحريم العارض أرق من اللازم كتحريم الجماع حال الإحرام، والصيام، والاعتكاف، وتحريم المظاهر منها قبل التكفير، وتحريم وطء الحائض ونحو ذلك، ولهذا لا حد في هذا الجماع. وأما التحريم اللازم فنوعان: الأول: ما لا سبيل إلى حِلَّه ألبتة كذوات المحارم كالأم والبنت، فهذا من أضر الجماع، وهو يوجب القتل حداً. الثاني: ما يمكن أن يكون حلالاً كالأجنبية، فإن كانت متزوجة ففي وطئها حقان، حق لله، وحق للزوج، فإن كانت مكرهة ففيه ثلاثة حقوق، فإن كان لها أقارب يلحقهم العار، ففيه أربعة حقوق، فإن كانت ذات مَحْرم منه ففيه خمسة حقوق، ومضرة هذا النوع بحسب درجاته في التحريم. الثاني: جماع ضار طبعاً، وهذا الجماع نوعان: 1 - نوع ضار بكيفيته كما تقدم. 2 - نوع ضار بكميته كالإكثار من الجماع، فإنه يضعف البصر وسائر القوى، ويسقط القوة، ويطفئ الحرارة الغريزية. - ما يفعله الزوج إذا دخل على زوجته: 1 - يسن للعريس إذا دخل على زوجته أن يسلم عليها، ويلاطفها، ويكلمها، ويضع يده على مقدَّمة رأسها، ويسمي الله تعالى، ويدعو بالبركة قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذ بكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2160) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2252).

2 - تسن التسمية عند الوطء وقول ما ورد من الدعاء. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ قال: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أبَداً». متفق عليه (¬1). 3 - يجوز للزوج أن يجامع زوجته في قُبلها من أي جهة شاء، مقبلة ومدبرة، من أمامها أو من خلفها، إذا كان ذلك في الفرج. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أتَى الرَّجُلُ امْرَأتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، كَانَ الوَلَدُ أحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} متفق عليه (¬2). 4 - إذا وطئ الرجل زوجته ثم أراد أن يعود إليها سُن له أن يتوضأ وضوء الصلاة. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أتَى أحَدُكُمْ أهْلَهُ، ثُمَّ أرَادَ أنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ». أخرجه مسلم (¬3). 5 - الغسل بين الجماعين أفضل، ويجوز أن يطوف على نسائه بغسل واحد. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. متفق عليه (¬4). 6 - يجوز أن يغتسل الزوجان معاً في مكان واحد، ولو رأى منها، ورأت هي منه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6388) , واللفظ له، ومسلم برقم (1434). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4528) , ومسلم برقم (1435) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (308). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (268) , ومسلم برقم (309) , واللفظ له.

تَخْتَلِفُ أيْدِينَا فِيهِ. متفق عليه (¬1). 7 - يستحب أن لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، قَبْلَ أنْ يَنَامَ. متفق عليه (¬2). 8 - الغسل قبل النوم أفضل. عَنْ عَبْدِاللهِ بْن أَبِي قَيْس قَالَ: سألتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الجَنَابَةِ؟ أكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أنْ يَنَامَ أمْ يَنَامُ قَبْلَ أنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأ فَنَامَ، قُلْتُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً. أخرجه مسلم (¬3). 9 - يستحب أن ينوي الزوجان بنكاحهما إعفاف نفسهما، وإحصانها من الوقوع فيما حرم الله عليهما، ليكتب لهما أجر المباضعة. عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: «أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أجْراً». أخرجه مسلم (¬4). 10 - يستحب للعريس صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم، ويدعون له. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (261) , واللفظ له، ومسلم برقم (319). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (286) , ومسلم برقم (305) , واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (307). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1006).

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ بَنَى بِزَيْنَبَ، فَأَشْبَعَ المُسْلِمِينَ خُبْزاً وَلَحْماً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، وَدَعَا لَهُنَّ، وَسَلَّمْنَ عَلَيْهِ، وَدَعَوْنَ لَهُ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ. أخرجه النسائي في الكبرى (¬1). 11 - يحرم على كل من الزوجين نشر أسرار الفراش والوقاع. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور: 19]. 12 - حسن معاشرة الزوجة، والصبر على ما يصدر منها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أمْراً فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق عليه (¬2). 13 - تقبيل الزوجة، وملاطفتها، ومداعبتها، وملاعبتها، وهي كذلك. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأجْوَدِ مَا أنْتَ رَاءٍ مِنَ الأبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ». قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قال: «أبِكْراً أمْ ثَيِّباً». قُلْتُ: ثَيِّباً، قال: «فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي في «الكبرى» برقم (6881). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3331) , ومسلم برقم (1468) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5079) , واللفظ له، ومسلم برقم (715).

- حكم إتيان المرأة في الدبر: 1 - يجوز إتيان المرأة في قُبلها من أي جهة شاء ما دام في موضع الحرث وهو القبل. قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)} [البقرة:223]. 2 - يحرم إتيان المرأة في دبرها؛ لأنه تنفر منه الفطرة، ويأباه الطبع، لأن الدبر محل الأذى والقذر، وإذا كان الله حرّم الوطء في الفرج حال الحيض العارض، فتحريمه في مكان الأذى والقذر اللازم أشد وأعظم، وفِعْل ذلك موجب للعنة الله، وعلى من فَعَله المسارعة إلى التوبة والاستغفار. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} [المعارج: 29 - 31]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - حكم إتيان الحائض: يحرم على الزوج أن يطأ زوجته وهي حائض، ومن جامع زوجته وهي حائض فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، لارتكابه ما حرم الله. ويجوز للزوج أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض ويباشرها. فإذا انقطع الدم عنها، وطهرت من حيضها، جاز لزوجها أن يجامعها بعد أن تغسل موضع الدم منها، أو تتوضأ، أو تغتسل، أيّ ذلك فَعَلَتْ جاز له إتيانها، ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (9733) , وأخرجه أبو داود برقم (2162) , وهذا لفظه.

والغسل أفضل وأحوط. 1 - قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة:222]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضاً، فَأرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُبَاشِرَهَا، أمَرَهَا أنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إرْبَهُ. متفق عليه (¬1). - حكم العزل: يجوز للزوج أن يعزل ماءه عند الجماع عن الزوجة. وترك العزل أولى؛ لما فيه من تفويت لذة المرأة، وتفويت كثرة النسل وهو مقصود من النكاح. 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَنْهَنَا. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ العَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أحَدُكُمْ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلا اللهُ خَالِقُهَا». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أُخْتِ عُكَّاشَةَ، قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُنَاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ أنْهَى عَنِ الغِيلَةِ، فَنَظَرْتُ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (302) , واللفظ له، ومسلم برقم (293). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5209) , ومسلم برقم (1440). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1437).

الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أوْلادَهُمْ، فَلا يَضُرُّ أوْلادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئاً». ثُمَّ سَألُوهُ، عَنِ العَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَلِكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم من حرّم زوجته على نفسه: من حرّم على نفسه شيئاً حلالاً غير وطء زوجته فله فعله إذا كفر كفارة يمين. فإذا حرم الرجل زوجته على نفسه كأن يقول: أنتِ علي حرام، فهو على ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين، فإذا كفّر حلَّ له وطؤها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2]. 2 - وعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1442). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

13 - أحكام الحمل والولادة

13 - أحكام الحمل والولادة - صفة خلق الإنسان: يخلق الله العزيز القدير الإنسان في بطن أمه في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن .. وظلمة الرحم .. وظلمة المشيمة. ويصوره كيف شاء ذكراً أو أنثى، تاماً أو ناقصاً، أبيضاً أو أسوداً وغير ذلك من الصفات الجسدية والعقلية والأخلاقية. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران:6]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} ... [الحج:5]. 3 - وقال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50]. 4 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكاً، يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإذَا أرَادَ أنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قال: أذَكَرٌ أمْ أنْثَى، شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ وَالأجَلُ، فَيُكْتَبُ

فِي بَطْنِ أمِّهِ». متفق عليه (¬1). - كيف تحمل المرأة: 1 - تفرز المرأة بأمر الله كل شهر بويضة، فإذا جاء موعد القدر، وجامع الرجل زوجته، لقح الحيوان المنوي من الرجل تلك البويضة، فاتحدت النطفتان، وحملت المرأة، وهي النطفة والأمشاج. قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} [الإنسان:2 - 3]. 2 - أكثر ما تلد النساء مولوداً واحداً كل سنة، وقد تلد توأمين ذكرين، أو أنثيين، أو ذكراً وأنثى، وقد تلد ثلاثة أو أكثر. قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50]. - أنواع التوائم: التوائم نوعان: أحدهما: توأم متشابه: يخلقه الله من حيوان منوي واحد من الرجل، وبويضتين من المرأة، فيكون التوأمان متشابهان تمام التشابه. الثاني: توأم غير متشابه: يحدث بأمر الله من حيوانين منويين من الرجل يلقحان بويضتين من المرأة، كل واحد يلقح بويضة. والله أعلم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (318) , واللفظ له، ومسلم برقم (2646).

- سر شبه الحمل: إذا جامع الرجل زوجته، فإن سبق وعلا ماؤه كان الشبه له، وإن سبق وعلا ماؤها كان الشبه لها بإذن الله تعالى. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ تَغْتَسِلُ المَرْأةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأبْصَرَتِ المَاءَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ». فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَتْ يَدَاكِ، وَألَّتْ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعِيهَا، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ، إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أشْبَهَ الوَلَدُ أخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أشْبَهَ أعْمَامَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - سر الذكورة والأنوثة: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة آنثا بإذن الله تعالى. عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِماً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ -وفيه-: فَقَالَ: جِئْتُ أسْألُكَ عَنِ الوَلَدِ؟ قال: «مَاءُ الرَّجُلِ أبْيَضُ وَمَاءُ المَرْأةِ أصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ المَرْأةِ، أذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلا مَنِيُّ المَرْأةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ». قال اليَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. أخرجه مسلم (¬2). - حكم الإنجاب بالتلقيح: الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له، يخلق ما يشاء بالأسباب، وبدون الأسباب، وبضد الأسباب، وله سبحانه سنة جارية، وقدرة قاهرة، وبيده ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (314). (¬2) أخرجه مسلم برقم (315).

مقاليد الأمور كلها. ومن سنته في الإنجاب أن يطأ الرجل المرأة فتحمل منه، وللتلقيح أحوال: 1 - إذا حملت الزوجة من مائين أجنبيين، أو من بيضتها وماء أجنبي، فهذا حمل سفاح محرم شرعاً. 2 - إذا حملت الزوجة من ماء زوجها بعد انتهاء عقد الزوجية بوفاة أو طلاق، فهذا حمل محرم. 3 - إذا كان الماء من الزوجين، والرحم أجنبي مستعار، فهذا حمل محرم. 4 - إذا كان الماء من الزوجين وُضِع في رحم زوجة له أخرى، فهذا حمل محرم. 5 - إذا كان الماء من الزوجين وُضِع في رحم الزوجة ذات البويضة، يوضع في أنبوب ثم يُنقل إلى رحم الزوجة نفسها، فهذا العمل يَحفّ به عدد من المخاطر والمحاذير، فيباح للمضطر، والضرورة تقدّر بقدرها، وعلى المسلم إذا ابتلي بهذا حسن الاحتياط، وسؤال من يثق بدينه وعلمه، وإجراء ذلك عند طبيب يثق بأمانته. - حكم تحويل الحمل: 1 - الذكر والأنثى إذا كملت أعضاء خلقهما، لا يجوز تحويل أحدهما إلى النوع الآخر. ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقاب؛ لأنها تغيير لخلق الله، وهو محرم. 2 - من اجتمع في خلقه وأعضائه علامات الرجال والنساء، فينظر في حاله، فإن

غلبت عليه الذكورة، جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في أنوثته بالجراحة أو الهرمونات، وإن غلبت عليه الأنوثة، جاز علاجه بما يزيل الاشتباه في ذكوريته. - مدة الحمل: أقل مدة الحمل ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر، وغالب مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً. 1 - قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]. - حكم تناول ما يمنع الحمل: 1 - يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يُعرف بالإعقام، ولا يجوز إلا عند تيقن الضرر المحقق. 2 - يجوز للمرأة تناول ما يمنع الحمل إذا رضي زوجها، ولم تتضرر بتناوله، ولم يكن المنع من أجل عدم القدرة على النفقة. ويجوز للمرأة تناول ما يمنع الحمل في الصور الآتية: وجود الضرر المحقق كأن تكون المرأة لا تلد ولادة عادية .. أو مريضة يضرها أن تحمل كل سنة .. أو ضعيفة لا تطيق الحمل والرضاع والعمل ونحو ذلك من الحالات. ففي هذه الصور وأمثالها لا مانع من منع الحمل أو تأخيره، إذا رضي

الزوجان بذلك، وكان بوسيلة مشروعة لا تضر المرأة، وقرر ذلك طبيب ثقة. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَنْهَنَا. متفق عليه (¬1). - حكم إسقاط ما في الرحم: إسقاط ما في رحم المرأة له أحوال: 1 - يباح إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً لعذر، بشرط إذن الزوج، وعدم تضرر الزوجة. 2 - يحرم إسقاط الجنين بعد مرور أربعين يوماً إلا إذا كان هناك خطر محقق على حياة الأم. 3 - إذا نُفخت الروح في الحمل فيحرم إسقاطه؛ لأنه قَتْل للنفس المعصومة، إلا إذا قرر الأطباء أنه لا يعيش إلا أحدهما، فتقدم سلامة الأم. 4 - إذا بلغ الحمل أربعة أشهر فأكثر فيحرم إسقاطه؛ لأنه قَتْل صريح للنفس المحرم قتلها، فالإجهاض جناية فاحشة موجبة للقصاص أو الدية. ومن أسقط هذا الحمل خطأ كأن يضرب الحامل فَتُسقط الحمل، فعليه الكفارة والدية غرة عبد أو أَمَة، وهي بقدر عُشْر دية أمه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)} [الإسراء:31]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5207) , ومسلم برقم (1440) , واللفظ له.

2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير:8 - 9]. 3 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُبََبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَدْخُلُ المَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِى الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ: يَارَبِّ أَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَيُكْتَبَانِ وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم تحديد النسل: النسل نعمة كبرى منّ الله بها على عباده، وأباح من أجلها الزواج ورغّب فيه؛ لتكثر أمة الإسلام، ويكثر من يعبد الله من هذه الأمة، وتحصل به القوة والمنفعة. والله عز وجل قد خلق كل إنسان، وخلق رزقه، فلا يفوته أبداً، ولا يقصر عنه أبداً. فلا يجوز تحديد النسل مطلقاً؛ لأنه تحكُّم في حياة البشر وكثرتهم، وسوء ظن بالله إذا كان من أجل الفقر، وتقليل للأمة الإسلامية. 1 - قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى:49 - 50]. 2 - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا، فَنَهَاهُ ثمَّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2644).

أَتَاهُ الثانِيَةَ فَنَهَاهُ ثمَّ أَتَاهُ الثالِثةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الوَلُودَ الوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - حكم البشارة بالحمل: تستحب بشارة الزوج بالحمل؛ لأن ذلك يسره ويفرحه، فإن فاتت البشارة استحب تهنئته. والفرق بينهما: أن البشارة إعلام له بما يسره، والتهنئة دعاءٌ له بالخير بعد أن عَلم به. وقد بشر الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بإسحاق كما قال سبحانه: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)} [الصافات:112]. وبشرت الملائكة زكريا بيحيى كما قال سبحانه: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)} [مريم:7]. وقال سبحانه: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} [آل عمران:38 - 39]. - حكم تحنيك المولود: التحنيك: هو مضغ التمرة ونحوها، ثم وضع شيء منها على الإصبع، ثم إدخال الإصبع وتحريكه في فم المولود. والتحنيك سنة مستحبة عند الولادة، يقوم بها والد المولود أو والدته، أو أحد ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2050) , وأخرجه النسائي برقم (3227).

من أهل العلم والفضل، فيحنكه ويدعو له. 1 - عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي اللهُ عَنْه قَالَ: وُلِدَ لِي غُلامٌ، فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَىَ بِالصّبْيَانِ، فَيُبَرّكُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَنّكهُمْ. أخرجه مسلم (¬2). - وقت تسمية المولود: يستحب تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته، وتجوز يوم الولادة، كما يجوز بين يوم الولادة إلى السابع وبعده، والأمر في ذلك واسع بحمد الله. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ». متفق عليه (¬3). - من يقوم بالتسمية: يقوم الأب والأم باختيار الاسم الحسن لمولودهما، فإن اختلفا فالحق في التسمية للأب؛ لأنه يدعى لأبيه، ويجوز أن يكل الأبوان التسمية إلى غيرهما من قريب أو غيره، وقد يموت المولود قبل أن يسمى فتشرع تسميته أسوة بغيره. والسقط وهو الجنين الذي يسقط قبل تمام ستة أشهر ينبغي أن يسمى؛ ليدعى يوم القيامة باسمه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5467) , واللفظ له، ومسلم برقم (2145). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2147). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1303) , ومسلم برقم (2315) , واللفظ له.

- تسمية المولود: من حق المولود على والديه أن يختارا له اسماً حسناً في لفظه ومعناه، يفخر به إذا ذُكر به أمام غيره، ذكراً كان أو أنثى. ويسن أن يختار للمولود أحسن الأسماء وأحبها إلى الله كعبد الله وعبد الرحمن .. ثم التسمية بالتعبيد لأيٍّ من أسماء الله الحسنى كعبد العزيز وعبد الملك ونحوهما .. ثم التسمية بأسماء الأنبياء والرسل كمحمد وإبراهيم ونحوهما .. ثم التسمية بأسماء الصالحين .. ثم ما كان وصفاً صادقاً للإنسان مثل يزيد وحسن ونحوهما. عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - «إِنّ أَحَبّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُاللهِ وَعَبْدُالرَّحْمَن». أخرجه مسلم (¬1). - الأسماء الممنوعة: يجب على المسلم اجتناب الأسماء المخالفة للشرع، ومنها: 1 - الأسماء المعبدة لغير الله كعبد الرسول، وعبد الكعبة ونحوهما. 2 - الأسماء المختصة بالله وحده كالرحمن والخالق والأحد ونحوها. 3 - أسماء اليهود والنصارى مثل: جورج، ديفيد، جوزيف، مايكل، يارا، ديانا، جانكلين؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم. 4 - أسماء الطغاة والجبابرة كفرعون، وقارون ونحوهما، وأسماء الملاحدة مثل ماركس ولينين وستالين ونحوها. 5 - الأسماء التي فيها تشاؤم أو معان مذمومة تكرهها النفوس مثل: حرب، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2132).

وحمار، وكلب، وجعل ونحوها. 6 - الأسماء التي فيها ميوعة ورخاوة مثل: هيام، ونهاد، وسهام، وفاتن، وشادية ونحوها. 7 - الأسماء التي فيها تزكية دينية للمسمى مثل: برة، ونافع، وأفلح ونحوها. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تُسَمّ غُلاَمَكَ رَبَاحاً، وَلاَ يَسَاراً، وَلاَ أَفْلَحَ، وَلاَ نَافِعاً». أخرجه مسلم (¬1). - حكم تغيير الاسم الممنوع شرعاً: ينبغي المبادرة إلى تغيير الأسماء التي فيها مخالفة شرعية كما سبق، واستبدالها بأحد الأسماء المستحبة أو المباحة مع مراعاة تقارب الألفاظ بين الاسم الجديد والقديم. وقد غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأسماء الممنوعة، فغير اسم عاصية فسماها جميلة، وحَزْن باسم سهل، وبرّة بزينب، وجثّامة إلى حسّانة، وشهاباً إلى هشام، وحرباً إلى سلم. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ، فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيلَةَ. أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرّةَ، فَقِيلَ: تُزَكّي نَفْسَهَا، فَسَمّاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2136). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2139). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2141).

- حكم تكنية الصغير: يجوز تكنية الطفل الصغير بأبي فلان، أو أم فلان، تكريماً له، وإشعاراً له بمكانته، مع ما فيه من الفأل الحسن. ومن كان له أولاد فإنه يكنى بأكبر أولاده الذكور، ويجوز أن يكنى من له أولاد بغير أولاده كما كان أبو بكر، وأبو حفص رضي الله عنهما، إذ لم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا لعمر ابن اسمه حفص. ويجوز أن يكنى الرجل أو المرأة بالبنت فيقال أبو عائشة، أو أبو ريحانة أو أم صفية ونحو ذلك. - حكم العقيقة عن المولود: العقيقة: هي ما يذبح عن المولود. والعقيقة سنة مؤكدة، وتسن عن الغلام شاتان، وعن البنت شاة. - وقت ذبح العقيقة: وقت ذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة، فإن فات ففي أي يوم شاء، ولا تشرع العقيقة عن السقط؛ لأنه لا يسمى مولوداً، وإذا وضعت المرأة المولود حياً ثم مات فيحسن العقّ عنه. - حكمة مشروعية العقيقة: العقيقة شكر لله على نعمة متجددة، وقربة إلى الله، وفداء للمولود. ولما كان الذكر أعظم نعمة وامتناناً من الله تعالى، كان الشكر عليه أكثر، فصار له شاتان، وللأنثى شاة. 1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العَقِيقَةِ

فَقَالَ: «لاَ يُحِبُّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ العُقُوقَ» وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الاِسْمَ. قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا نَسْأَلُكَ، أَحَدُنَا يُولَدُ لَهُ. قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَنْسُكْ عَنْهُ عَنِ الغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ سَلْمَان بْن عَامِرٍ الضَّبِّيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأهْرِيقُوا عَنْهُ دَماً، وَأمِيطُوا عَنْهُ الأذَى». أخرجه البخاري (¬2). - شروط العقيقة: السنة أن تكون العقيقة من الغنم، وتجوز من الإبل والبقر، إلا أنه لا يجزئ فيها شَرَك في دم، فلا يجزئ البعير أو البقرة إلا عن واحد. والعقيقة كالأضحية يجب أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وأن تكون سليمة من العيوب، وأفضلها أغلاها وأسمنها وأنفسها عند أهلها. ويحسن أن يأكل من العقيقة ويطعم، ويتصدق، ويجوز أن يوزع لحمها نيئاً ومطبوخاً، وأن يدعو الأقارب والأغنياء والفقراء إليها؛ لما في ذلك من جلب المحبة، والدعاء للمولود. ومن كبر ولم يُعقّ عنه فله أن يَعقّ عن نفسه؛ ليحصل له فك الرهان. - حكم ختان المولود: السنن التي تُفعل عند ولادة المولود التحنيك، وتسميته، والعق عنه، والختان: وهو قطع حشفة الذكر، وخفض الأنثى بلا إنهاك. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2842) , وأخرجه النسائي برقم (4212) , وهذا لفظه. (¬2) أخرجه البخاري برقم (5472).

والختان واجب في حق الرجال، مباح في حق النساء، وهو من خصال الفطرة، ومن أسباب دفع الشبق، وفيه وقاية من الأمراض والأوساخ، وعلامة تميز الرجل المسلم من الكافر. ويجوز الختان في أي وقت، وفي السابع أولى، فيجوز قبل السابع وبعده إلى قبل وقت البلوغ، فإذا بلغ وجب ختانه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ». متفق عليه (¬1). - أحكام المولود: إذا ولد المولود فله ثلاثة أحكام: 1 - الصلاة عليه إن مات إذا بلغ أربعة أشهر، ونفخت فيه الروح. 2 - أحكام تتعلق بماله من ميراث ووصية ونحوها، إذا ولد حياً حياة مستقرة. 3 - بقية الأحكام تتعلق بوضع ما فيه خلق إنسان كالنفاس والعدة ونحوهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5891) , واللفظ له، ومسلم برقم (257).

14 - الحقوق الزوجية

14 - الحقوق الزوجية - أقسام الحقوق الزوجية: إذا وقع عقد الزواج صحيحاً، ترتبت عليه آثاره، ووجبت بمقتضاه الحقوق الزوجية. والحقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: حقوق الزوجة .. وحقوق الزوج .. وحقوق مشتركة بينهما. فيجب على كل واحد من الزوجين أداء ما عليه من الحقوق للآخر، والقيام بما عليه من الواجبات، ليصفو العيش بينهما، وتهنأ الأسرة، وتكمل السعادة الزوجية. الأول: حقوق الزوجة: يجب على الزوج لزوجته حقوقاً كثيرة وهذه أهمها: 1 - حسن المعاشرة بالمعروف: فيجب على الزوج حسن معاشرة زوجته، وإكرامها، والتلطف معها، ومداعبتها، والرفق بها، وتأديبها، وتعليمها ما ينفعها، ورحمتها، وتطييب خاطرها، وكف الأذى عنها ونحو ذلك مما يؤلف قلبها، ويجلب المحبة والمودة. 1 - قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [النساء:19]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « .. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً،

فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق عليه (¬1). 2 - إعفاف الزوجة بالوطء: وذلك بأن يستمتع بها، ويجامعها، ويعفها بالوطء عن الحرام، وعن التطلع إلى غيره، فإن للمرأة شهوة كالرجل. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون:5 - 7]. 3 - دفع المهر لها عند عقد الزواج: قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء:4]. 4 - الإنفاق على الزوجة بالمعروف: وذلك بتوفير ما تحتاج إليه الزوجة من سكن، ولباس، وطعام، ودواء ونحو ذلك، غنية كانت أو فقيرة. 1 - قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7]. 2 - وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6]. 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حِجةِ الوداع: « ... فَاتَّقُوا اللهَ فِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5186) , واللفظ له، ومسلم برقم (1468).

النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم (¬1). 5 - الصبر على أذى الزوجة: فمن حق الزوجة الصبر على أذاها، والعفو عن زلتها. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». أخرجه مسلم (¬2). 6 - صيانة الزوجة عما يشينها، والمحافظة عليها: فمن حق المرأة على زوجها أن يصونها ويحفظها من كل ما يثلم عرضها، ويخدش شرفها، ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، ويحول بينها وبين الاختلاط بالأجانب، ولا يسمح لها أن تفسد في خلق ولا دين، أو تخالف أوامر الله ورسوله، ويأمرها بفعل الواجبات، وترك المحرمات، فهو الراعي المسئول عنها، والمكلف بحفظها ورعايتها. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1469).

وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا». متفق عليه (¬1). 7 - تعليم الزوجة أمور دينها: بأن يعلم الزوج زوجته الضروري من أمور دينها، أو يأذن لها في حضور مجالس العلم، لتعبد الله على بصيرة، وتنجو من النار بالعلم والعمل الصالح. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم:6]. 8 - الخروج من البيت عند الحاجة: فمن حقها أن تخرج بإذن الزوج لشهود جماعة في الصلاة، أو زيارة أهلها وأقاربها وجيرانها، أو حضور مجالس العلم، بشرط الحجاب، واجتناب التبرج والسفور والعطور والاختلاط وكل محرم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ». متفق عليه (¬2). 9 - عدم إفشاء سرها، وعدم ذكر عيوبها: فيجب على الزوج حفظ أسرار الفراش والجماع معها، وعدم ذكر عيوبها، أو الشماتة بها. 10 - استشارتها في الأمور التي تخصها وأولادها وغيرها. 11 - المبيت عندها بعد العشاء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893) , واللفظ له، ومسلم برقم (1829). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (865) , واللفظ له، ومسلم برقم (442).

عَنْ عَبْداللهِ بْن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَاللهِ، ألَمْ أخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ». فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً». متفق عليه (¬1). 12 - العدل بينها وبين ضرتها: فيجب على الزوج العدل بين زوجاته في السكن واللباس، والطعام والشراب، والمبيت والنفقة بقدر الاستطاعة. فيعاشر زوجاته باللطف والبشاشة، ولا يمنعهن حقوقهن، ولا يحرمهن ما يطلبن من المباح، ولا يكلفهن ما لا يطقن، ويرعاهن ويخدمهن؛ لتتحقق سعادته وسعادتهن. 1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء:129]. 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 13 - عدم الجمع بين الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1975) , واللفظ له، ومسلم برقم (1159). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2133) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1141).

فمن حق الزوجة أن لا يجمع بينها وبين ضرتها إلا برضاها، ولا يهضم حقها، أو يهدر كرامتها، أو ينساها ويهملها فلا يهتم بها. 14 - خدمة الزوجة وإعانتها على العمل في بيتها: عَنِ الأسْوَدِ قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ، فَإذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ. أخرجه البخاري (¬1). الثاني: حقوق الزوج: للزوج على زوجته حقوق كثيرة أهمها: 1 - أن تطيعه في غير معصية الله: فيجب على المرأة السمع والطاعة لزوجها في كل ما يأمرها به مما لا يخالف الشرع، ويحرم عليها أن تطيعه في معصية الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أرِيتُ النَّارَ فَإذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْن». قِيل: أيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قال: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئاً، قَالَتْ: مَا رَأيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (676). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (29) , واللفظ له، ومسلم برقم (907).

سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا». متفق عليه (¬1). 2 - أن تصون عرضه، وتحفظ ماله وولده: ومن حق الزوج على زوجته أن تصون عرضه، وتحافظ على شرفها، وأن ترعى ماله وولده وسائر حقوقه. 1 - قال الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». متفق عليه (¬2). 3 - الزينة والتجمل له. 4 - لزوم الزوجة بيت زوجها: فلا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت ولو للمسجد إلا بإذن زوجها. قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33]. 5 - عدم الإذن لأحد بدخول بيته إلا بإذنه. 6 - عدم الصوم تطوعاً إلا بإذنه إذا كان حاضراً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَحِلُّ لِلْمَرْأةِ أنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237)، ومسلم برقم (1436). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5082) , واللفظ له، ومسلم برقم (2527).

تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ». متفق عليه (¬1). 7 - الرضا باليسير من النفقة حسب العرف والحال: قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7]. 8 - إجابة الزوج إذا دعاها إلى الفراش: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ». متفق عليه (¬2). 9 - حسن القيام على أولاده: فمن حق الزوج على زوجته حسن القيام على تربية أولاده منها، فلا تغضب عليهم، ولا تسبهم، ولا تدعو عليهم. 10 - حسن معاملة والديه وأقاربه وضيوفه. 11 - كتمان أسرار الزوج، وأسرار الفراش ونحو ذلك. 12 - خدمة المرأة زوجها وبيتها وأولادها: ومن حق الزوج على زوجته أن تخدمه في بيته في طعامه وشرابه ولباسه، والعناية بأولاده حسب العرف. 1 - قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5195) , واللفظ له، ومسلم برقم (1026). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5194) , واللفظ له، ومسلم برقم (1436).

2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ». متفق عليه (¬1). الثالث: الحقوق المشتركة: الحقوق المشتركة بين الزوجين هي: 1 - حِلّ العشرة بين الزوجين، واستمتاع كل منهما بالآخر، فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه. قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - حسن المعاشرة بين الزوجين بالمعروف وحسن الخلق. 3 - ثبوت نسب الأولاد والبنات من الزوج. 4 - ثبوت التوارث بين الزوجين بمجرد العقد. 5 - وجوب التعاون فيما بينهما على البر والتقوى، وخدمة البيت، وتربية الأولاد. 6 - الصبر وتحمل الأذى، وحفظ أسرار الزوجية. 7 - الأمانة وحفظ العهد .. ونحو ذلك. 8 - ثبوت حرمة المصاهرة، فلا يحل للزوج أن يتزوج أقارب الزوجة كأمهاتها، وبناتها، وفروعهما، ولا يحل للزوجة آباء الزوج وأبنائه وفروعهما كما سبق. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2554) , ومسلم برقم (1829) , واللفظ له.

- حكم جمع الزوجات في منزل واحد: يجوز للزوج جمع زوجاته في منزل واحد بطلبهن أو رضاهن. ويحرم عليه جمعهن في منزل واحد بغير رضاهن، لشدة الغيرة بينهن. ومن جار على زوجاته أو إحداهن فهو ظالم. قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6]. - حكم العدل بين الزوجات: يجب على الزوج إذا كان له عدة زوجات أن يعدل بينهن في القسم .. والمبيت .. والنفقة .. والسكن. أما الجماع فلا يجب؛ لأنه تابع للشهوة، وجمال المرأة، فإن أمكن فهو أسلم. ولا جناح على الزوج في المحبة والميل القلبي؛ لأنه لا يملكه.

15 - أحكام القسم بين الزوجات

15 - أحكام القَسْم بين الزوجات - كيفية القسم بين الزوجات: إذا كان للرجل أكثر من زوجة وجب عليه العدل بينهن فيما يلي: 1 - القسم: وهو توزيع الزمان ليلاً ونهاراً بين زوجاته. وعماد القسم الليل؛ لأنه مأوى الإنسان إلى منزله، وفيه يسكن إلى أهله، وينام على فراشه، والنهار للمعاش، والنهار يتبع الليل فيدخل في القَسْم تبعاً. والبداءة في القسم ومقدار الدور إلى الزوج، وله أن يدور على نسائه كل يوم، لكن لا يبيت إلا عند من لها الدور. ويجب القسم في حال الصحة والمرض، فإن كان مرضه شديداً استأذنهن أن يبيت حيث يحب. ولا يجب القسم في الوطء؛ لأنه لا يملك الشهوة، لكن يستحب القسم في الاستمتاع؛ لأنه أكمل في العدل. 1 - قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء:129]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْألُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أيْنَ أنَا غَداً؟ أيْنَ أنَا غَداً؟». يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأذِنَ لَهُ أزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي اليَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. متفق عليه (¬2). - حكم القَسْم في السفر: لا قَسْم على الزوج إذا سافر، ويقرع بين زوجاته إذا أراد السفر ليخرج بإحداهن؛ دفعاً لتهمة الميل عن نفسه، فمن خرجت القرعة لها خرج بها. ولا يجب على الزوج أن يبيت عند الأخرى مقابل أيام السفر؛ لأن مدة السفر ضائعة. ومن سافرت بغير إذن زوجها، أو أبت السفر معه، أو أبت المبيت عنده، سقط حقها في القسم والنفقة؛ لأنها عاصية كالناشز، ولا يسقط حقها من النفقة والقسم إن بعثها الزوج لحاجته، أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ القُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: ألا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأرْكَبُ بَعِيرَكِ، تَنْظُرِينَ وَأنْظُرُ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2593) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5217) , واللفظ له، ومسلم برقم (2443).

رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَباً أوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، وَلا أسْتَطِيعُ أنْ أقُولَ لَهُ شَيْئاً. متفق عليه (¬1). - حكم من وهبت يومها لضرتها: يجوز للمرأة برضا زوجها أن تهب حقها من القسم أو بعضه لضرتها، أو لزوجها، ويجعله لمن شاء. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ. متفق عليه (¬2). - ما يفعل إذا تزوج البكر على الثيب: 1 - إذا تزوج الرجل بكراً وعنده غيرها أقام عند البكر سبعاً ثم قسم. وإن تزوج ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، وإن أحبت سبعاً فَعَل وقضى مثله للبواقي، ثم يقسم بعد ذلك ليلة لكل واحدة. 2 - الزوجة البكر غريبة على الزوج، وغريبة على فراق أهلها، فاحتاجت لزيادة الإيناس وإزالة الوحشة بخلاف الثيب. 1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي». أخرجه مسلم (¬3). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى البِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثاً، ثُمَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5211) , واللفظ له، ومسلم برقم (2445). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5212) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1460).

قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). - حكم الجلوس مع زوجاته كل يوم: يجب على الزوج العدل بين زوجاته في القسم. ويجوز أن يطوف على زوجاته كلهن كل يوم، ويلاطفهن لتطمئن نفوسهن، ومداعبتهن من غير جماع، وتفقد أحوالهن، سواء اجتمعن في مكان، أو كانت كل واحدة في بيتها. فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة فخصها بالليل، وبات معها في فراشها. عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبَسَ أكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ. متفق عليه (¬2). - حكم جماع الرجل زوجته في غير ليلتها: يجوز للرجل أن يجامع زوجته الأخرى ولو في غير يومها إذا كانت على ضرتها الدورة؛ لحاجة الإنسان إلى الجماع، ودفع الشهوة بالحلال. ويجوز له أن يطوف على نسائه بغسل واحد. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5213) , واللفظ له، ومسلم برقم (1461). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5216) , واللفظ له، ومسلم برقم (1474). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5215) , واللفظ له، ومسلم برقم (309).

- حكم افتخار الضرة: لا يجوز للضرة أن تكذب على ضرتها بما لم يكن، لتفتخر عليها، وتوغر صدرها على زوجها كذباً بما لم يكن. عَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». متفق عليه (¬1). - حكم غيرة الرجال: غيرة المسلم: هي أن يغار العبد على محارم الله أن تنتهك، وعلى عرضه أن يدنس، وعلى زوجته أن تقع في الحرام ونحو ذلك. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ المُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهْما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ، أوْ أتَيْتُ الجَنَّةَ، فَأبْصَرْتُ قَصْراً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ، فَأرَدْتُ أنْ أدْخُلَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ». قال عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأبِي أنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللهِ، أوَعَلَيْكَ أغَارُ؟. متفق عليه (¬3). - غيرة النساء: النساء يغرن على أزواجهن أن يشاركهن فيه غيرهن. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأةٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5219) , واللفظ له، ومسلم برقم (2130). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5223) , ومسلم برقم (2761) , واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5226) , واللفظ له، ومسلم برقم (2394).

غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أمُّكُمْ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5229) , واللفظ له، ومسلم برقم (2434). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5225).

16 - أحكام النفقة

16 - أحكام النفقة - النفقة: هي كفاية من يمونه طعاماً، وكسوة، وسكنى، وما يتبع ذلك. - فضل النفقة: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة:274]. 2 - وَعَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أنْفَقَ المُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أهْلِهِ، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». متفق عليه (¬2). - أحوال المنفق: المنفق له حالتان: 1 - إن كان المنفق قليل المال بدأ بالنفقات الواجبة. فيبدأ بنفسه، ثم من تجب نفقتهم عليه مع العسر واليسر، وهم: الزوجة، والبهائم، والمماليك، ثم من تجب نفقتهم ولو لم يرثهم المنفق من الأصول كالأب، والأم، والفروع كالأولاد، ثم نفقة الحواشي إن كان المنفق يرثهم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5351) , واللفظ له، ومسلم برقم (1002). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5353) , واللفظ له، ومسلم برقم (2982).

بفرض أو تعصيب. 2 - إن كان المنفق غنياً فينفق على الجميع حسب العرف. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». تَقُولُ المَرْأةُ: إِمَّا أنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ العَبْدُ: أطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الابْنُ: أطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي. أخرجه البخاري (¬1). - حكم النفقة على الزوجة: النفقة: هي توفير ما تحتاج إليه الزوجة من الطعام واللباس والسكن والدواء ونحو ذلك حسب العرف والقدرة. والمهر والنفقة واجبان على الزوج لزوجته؛ لأن الزوجة محبوسة على الزوج للاستمتاع بها، فلا بد أن ينفق عليها، وعليها طاعته، والقرار في بيته، وهو يقوم بكفايتها والإنفاق عليها، ما لم يوجد نشوز يمنع من الإنفاق عليها. قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7]. - شروط وجوب النفقة: تجب النفقة على الزوج لزوجته بما يلي: أن يكون عقد النكاح صحيحاً .. وأن تطيع زوجها في غير معصية .. وأن تمكِّنه من الاستمتاع بها. فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تجب لها النفقة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5355).

وكل تصرف أو عمل يفوِّت حق الاستمتاع بالزوجة فإنه يُسقط النفقة، كما لو حُبست في جريمة، أو دَيْن، أو غصبها غاصب وحبسها عن زوجها. وإذا أسلمت الزوجة وهي تحت كافر لم تسقط نفقتها؛ لأن تعذر الاستمتاع بها من جهته، وهو قادر على إزالته بأن يسلم. وإذا ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقة الزوجة؛ لأن امتناع الوطء بسبب من جهته، وهو قادر على إزالته بالعودة إلى الإسلام. وإذا ارتدت الزوجة سقطت نفقتها؛ لأنها منعت الاستمتاع بمعصية من قِبَلها، فتكون كالناشز. - مقدار النفقة الواجبة: يجب على الزوج أن ينفق على زوجته ما يكفيها، وذلك يختلف بحسب حال الزوج من اليسر والعسر، وباختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال. والواجب كسوتها صيفاً وشتاءً .. وإسكانها في منزل خاص بها .. وإطعامها حسب الحال والكفاية .. وعلاجها إذا مرضت. ويراعى في مقدار النفقة حال الزوج من اليسر والعسر مهما كانت حالة الزوجة. ويصح أن تكون النفقة عيناً من طعام وكسوة ومسكن ونحو ذلك، ويصح أن تُفرض قيمتها نقداً تُدفع إليها لتشتري به ما تحتاج إليه، ويصح أن تُفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب حال الزوج، يسراً وعسراً. ودَيْن النفقة يعتبر ديناً صحيحاً في ذمة الزوج لزوجته لا يسقط إلا بأدائه

للزوجة، أو إبراء الزوجة له. وتجب النفقة للمطلقة الرجعية، والمعتدة الحامل، ولا نفقة للمطلقة البائن إلا إن كانت حاملاً. 1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} [الطلاق:6]. 2 - وقال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق:7]. 3 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا البَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللهِ! مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ». فَأمَرَهَا أنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قال: «تِلْكِ امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي». قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أنَّ مُعَاوِيَةَ ابْنَ أبِي سُفْيَانَ، وَأبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ، عَنْ عَاتِقِهِ، وَأمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، لا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: «انْكِحِي أُسَامَةَ». فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً، وَاغْتَبَطْتُ. أخرجه مسلم (¬1). - نفقة زوجة الغائب: إذا كان الزوج غائباً، وله مال معلوم، أنفق على زوجته منه بأمر القاضي. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1480).

وإن لم يكن للزوج الغائب مال معلوم، أو كان بعيد الغَيْبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقوداً، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، فللزوجة الحق في طلب الطلاق منه، فيطلق عليه القاضي بعد أن يضرب له أجلاً. - حكم التقصير في النفقة: يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف حسب يسره وعسره. فإن كان الزوج بخيلاً لا يقوم بكفاية زوجته، أو أنه تركها بلا نفقة بغير حق، فلها الحق أن تطلب من القاضي فرض ما يكفيها من نفقة الطعام والكسوة والمسكن. وإن منع الزوج الواجب عليه من النفقة فلزوجته أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه (¬1). - أحوال الإنفاق على الزوجة: للزوجة مع زوجها عند الإنفاق سبع حالات هي: 1 - يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بما يصلح لمثلها، وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والعادات، وحال الزوج وعسره. 2 - يجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها، لكن لا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5364) , واللفظ له، ومسلم برقم (1714).

قسم لها. 3 - الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها ولا سكنى. 4 - الزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إن كانت حاملاً، فإن كانت حاملاً وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن له مال فعلى وارثه الموسر. 5 - إذا نشزت المرأة، أو حُبست عن زوجها، سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملاً. 6 - إذا غاب الزوج، ولم ينفق على زوجته، لزمه نفقة ما مضى. 7 - للزوجة طلب الفسخ من الزوج إذا أعسر بالنفقة، فإن غاب ولم يدع لها نفقة، أو تعذر أخذها من ماله، فلها الفسخ منه بإذن الحاكم. عَنْ جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في حديث حجة الوداع ... -وفيه-: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم النفقة على الأصول والفروع: يجب على الإنسان الإنفاق على والديه حتى ذوي الأرحام منهم، وتُقدم الأم على الأب في البر والنفقة. ويجب عليه الإنفاق على أولاده وإن سفلوا حتى ذوي الأرحام منهم، ولا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218).

تجب النفقة على الأصول والفروع إلا إن كان المنفق غنياً، والمنفق عليه فقيراً، والوالد تجب عليه نفقة ولده كاملة ينفرد بها. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ». متفق عليه (¬1). - حكم نفقة الأم على أولادها: عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألِيَ أجْرٌ أنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أبِي سَلَمَةَ، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ فَقال: «أنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أجْرُ مَا أنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». متفق عليه (¬2). - حكم النفقة على الأقارب: تجب النفقة على كل من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب. قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233]. - شروط وجوب النفقة على الأقارب: يشترط لوجوب النفقة على القريب من غير الأصول والفروع ما يلي: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971) , واللفظ له، ومسلم برقم (2548). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1467) , واللفظ له، ومسلم برقم (1001).

أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه .. وأن يكون المنفَق عليه فقيراً .. وأن يكون المنفِق غنياً .. وأن يكون دينهما واحداً. - حكم النفقة على ما يملكه الإنسان: تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من البهائم والطيور ونحوها، فيقوم بإطعامها وسقيها وما يصلحها، ولا يُحمِّلها ما تعجز عنه. فإن عجز عن نفقتها أُجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل. ولا يجوز ذبح البهائم المريضة والكبيرة للإراحة، بل عليه أن يقوم بما يلزمها، أو يطلقها لغيره إن عجز عن القيام بما يلزمها. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم رصد النفقة للمستقبل: يجوز للإنسان أن يحبس لأهله قوت سنة لسد حاجتهم. عَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: كَانَتْ أمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاحِ وَالكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. متفق عليه (¬2). - مقدار النفقة: إنفاق الولد على والده وإنفاق الوالد على ولده يكون على قدر الكفاية، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (996). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2904) , واللفظ له، ومسلم برقم (1757).

وسد الحاجة، لا على قدر الميراث، وكل ما سوى الأصول والفروع تكون النفقة على قدر الميراث من القريب، ومن كان له ابن فقير، وأخ موسر، وعكسه، فينفق على المحتاج كأن الآخر غير موجود. ولا نفقة مع اختلاف دين؛ لأن اختلاف الدين يمنع الإرث، ويمنع النفقة. ويستثنى في الإنفاق نوعان: الأول: المملوك: فتجب نفقته ولو كان كافراً. الثاني: الوالدان: فينفق على والديه ولو كانا كافرين؛ لأنه من الإحسان إليهما، والبر بهما. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} [لقمان: 15]. 2 - وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهَا قَالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ، صِلِي أمَّكِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2620) , واللفظ له، ومسلم برقم (1003).

17 - النشوز

17 - النشوز - نشوز الزوجة: هو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها. - نشوز الزوج: هو جفوة الزوج لزوجته، وإعراضه عنها. - أساس النشوز: النفوس مجبولة على الحرص على الحق الذي لها، وعدم الرغبة في بذل ما عليها، وبذلك تصعب الحياة وتفسد، ويقع النشوز، وتعلن راية العصيان، وتتمزق أواصر العلاقة بين الزوج وزوجه. ولكي تصلح الأمور بين الزوجين لا بد من قلع هذا الخلق الدنيء، واستبداله بضده، وهو السماحة ببذل الحق الذي عليك، والقناعة ببعض الحق الذي لك. - أمارات النشوز: نشوز الزوجة إما أن يكون بالقول، أو الفعل، أو بهما معاً، والكل محرم. فالنشوز بالفعل كالإعراض عن الزوج، والعبوس في وجهه، وعدم طاعته فيما يجب، والتثاقل والامتناع إذا دعاها لفراشه. والنشوز بالقول كأن ترفع صوتها عليه، أو تجيبه بشدة، أو بكلام خشن، أو تسبه وترميه بما ليس فيه ونحو ذلك. والكل مذموم، والجمع بينهما يجعل المرأة ناراً لا يمكن الاقتراب منها، أو الاستمتاع بها.

- أقسام الزوجات: الزوجات قسمان: 1 - المرأة الصالحة: وهي المطيعة لربها وزوجها، وهذه لا تحتاج إلى تأديب. 2 - المرأة غير الصالحة: وهي التي تخل بحقوق الزوجية، وهي الناشز التي تعصي زوجها، فهذه تحتاج إلى تأديب لتكون صالحة. قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء:34]. - ميثاق الزواج: الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، وعهد متين، ربط الله به بين رجل وامرأة، فأصبح كل منهما يسمى زوجاً بعد أن كان فرداً، وقد جعل الله كل واحد من الزوجين موافقاً للآخر، ملبياً لحاجاته الفطرية والنفسية والعقلية والجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار. ويحصل لهما بهذا الاجتماع السكن والمودة والرحمة، وتلبية رغائب كل منهما في الآخر. وقد عني الإسلام بهذه الرابطة الكريمة عناية فائقة، لتثمر أسرة صالحة، وحياة سعيدة، فأمرهما بحسن المعاشرة، وجميل الصبر، وحسن الخلق. فإذا طرأ على هذه الحياة السعيدة ما يغير جوها، ويمزق شملها، فقد أرشد

الإسلام إلى تصفية الجو بما يُصلح حال الزوجين. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)} [النساء:20 - 21]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم:21]. - كيفية علاج نشوز الزوجة: يعالج نشوز الزوجة على التدريج بأمور: الأول: الوعظ والإرشاد: فإذا ظهر من الزوجة أمارات النشوز كأن لا تجيبه إلى الفراش أو الاستمتاع، أو تجيبه متبرمة أو متكرهة أو عابسة، فهذه يعظها ويخوفها بالله عز وجل، ويبين لها فضائل الطاعة، وحسن المعاشرة، وعقوبة المعصية؛ لئلا يستفحل الأمر. والموعظة عمل تهذيبي مؤثر، وهو أول واجب، ولكنه قد لا ينفع مع بعض النساء لهوىً في النفس، أو استعلاء بمال، أو جمال، أو جاه ونحو ذلك مما ينسي الزوجة أنها شريكة في حياة، وليست نداً في صراع. الثاني: الهجر في الفراش: والهجر حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدلي به المرأة من جمال أو افتخار، وإذا كان في المضجع فهو علاج نفسي بالغ، يفوِّت عليها السرور

والاستمتاع الذي هو عندها من أصعب الأمور. ومكان الهجر في المضجع فقط، فلا يجوز للزوج أن يهجر زوجته أمام الأطفال؛ لئلا يورث نفوسهم الشر والقلق، ولا أن يهجرها أمام الناس؛ لئلا يذلها ويهين كرامتها فتزداد نشوزاً وإصراراً، يهجرها في المضجع ما شاء، ويهجرها في الكلام مدة لا تزيد على ثلاثة أيام. وقد لا تنفع هذه الخطوة مع بعض النساء الناشزات، فينتقل إلى ما بعدها إن أصرت على النشوز. الثالث: الضرب غير المُبَرِّح: والضرب إجراء ودواء يُلجأ إليه عند الضرورة، وهو وإن كان أعنف من الهجر فهو أهون وأصغر من تحطيم بيت الزوجية بالفراق بسبب النشوز، والإصرار عليه. فإذا أصرت على النشوز ضربها ضرباً غير شديد ولا شائن، ويجتنب أثناء الضرب الوجه تكرمة له، ويجتنب أماكن الجمال؛ لئلا يشوهها، ويجتنب البطن وما يخشى منه الموت. وهذا الضرب ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المؤدب المربي، الذي يزاوله الوالد مع أولاده، فليس ضرب تعذيب للانتقام والتشفي، ولا ضرب إهانة للتحقير والإذلال، ولا ضرب قسر للإرغام على معيشة لا ترضاها. ويكون الضرب غير المبرح باليد على كتفها، أو بعصاً خفيفة، أو بسواك ونحوه؛ لأن القصد التأديب لا التعذيب. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ

اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء:34]. 2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ ... وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أسْوَاطٍ إِلا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أصْبَحْنَا يَوْماً وَنِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْكِينَ، عِنْدَ كُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ أهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: «لا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْراً». فَمَكَثَ تِسْعاً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. أخرجه البخاري (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6065) , واللفظ له، ومسلم برقم (2559). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4942) , واللفظ له، ومسلم برقم (2855). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1708). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5203).

الرابع: الإصلاح بينهما بواسطة الحكمين: إذا تعذر إصلاحها بهذه الوسائل، وأصرت على نشوزها وسوء عشرتها، أو ادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه له ولا بينة لهما، بعثنا إليهما حَكَمين، مسلمين، ذكرين، عدلين، فقيهين، حَكَماً من أهله، وحَكَماً من أهلها، ليكون أقرب للتوفيق والإصلاح بينهما، ينويان الإصلاح، ويلطِّفا القول، ويرغِّبا ويخوفا كلا الزوجين. والحَكَمان وكيلان عن الزوجين، فلا يملكان تفريقاً إلا بإذن الزوجين، ولهما أن يفعلا ما فيه مصلحة الزوجين من جمع أو تفريق. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} [النساء:35]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114]. الخامس: التفريق إذا تعذر الإصلاح: إذا لم يحصل الجمع بين الزوجين، وتعذر الإصلاح والتوفيق بينهما، أجبر الحاكم الزوج على خلعها أو فسخها أو طلاقها بعوض أو بدون عوض؛ لأنه تعذر الإصلاح، فلم يبق إلا الطلاق، فلا ضرر ولا ضرار. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة:229].

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (¬1). - كيفية علاج نشوز الرجل: إذا خشيت الزوجة أن تصبح مجفوة من زوجها، وأن تؤدي هذه الجفوة إلى الطلاق، أو إلى الإعراض الذي يتركها كالمعلقة، أو يهدد أمن المرأة وكرامتها وأمن الأسرة كلها، ففي هذه الأحوال لا حرج عليها ولا على زوجها أن تتنازل له عن شيء من فرائضها المالية، أو حقوقها الزوجية، كأن تتنازل له عن نفقتها الواجبة عليه أو بعضها، أو تتنازل له عن ليلتها إن كانت له زوجة أخرى يُؤْثِرها. تفعل ذلك كله إن رأته خيراً لها، وأكرم من طلاقها، ويحسن بالرجل تحقيق رغبتها. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} [النساء:128]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنهْا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}. قَالَتْ: هِيَ المَرْأةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أمْسِكْنِي وَلا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273).

النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5206) , واللفظ له، ومسلم برقم (3021). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2593) , واللفظ له، ومسلم برقم (1463).

2 - الإيلاء

2 - الإيلاء - الإيلاء: هو أن يحلف الرجل على ترك وطء زوجته أبداً، أو مدة تزيد على أربعة أشهر. - أصل الإيلاء: الإيلاء هو الحلف، وكان هو والظهار طلاقاً في الجاهلية، يستخدمه العرب بقصد الإضرار بالزوجة. فكان الرجل إذا كان لا يحب امرأته، ولا يريد أن يتزوج بها غيره، يحلف أن لا يمس امرأته أبداً أو السنة والسنتين بقصد الإضرار بها، فيتركها معذبة معلقة، لا هي زوجة ولا مطلقة. فوضع الله عز وجل حداً لهذا الجور، فحدده بأربعة أشهر، وأبطل ما فوقها دفعاً للضرر والظلم. - صفة الإيلاء: 1 - إذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته مدة دون الأربعة أشهر لسبب. 1 - فالأولى أن يكفر عن يمينه ويطأها؛ لأن ذلك خير لها وله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لاَ يَأْكُلُ، مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَىَ يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيَأَتِهَا، وَلْيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (16509).

2 - إن لم يطأها زوجها ولم يكفر، فعليها الصبر حتى ينقضي الأجل الذي سماه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين آلى من نسائه. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأتَاهُ أصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قال: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإنْ صَلَّى قَائِماً فَصَلُّوا قِيَاماً». وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَارَسُولَ اللهِ، إنَّكَ آلَيْتَ شَهْراً؟ فَقَال: «إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». متفق عليه (¬1). 2 - إذا حلف ألا يطأها أبداً، أو مدة تزيد على أربعة أشهر. فإن كفّر وعاد إلى وطئها سقط الإيلاء، وإن لم يكفّر ويعود إلى وطئها انتظرت حتى تمضي أربعة أشهر، ثم طالبته بوطئها، فإن أبى طالبته بطلاقها، ولا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بمعروف، أو يعزم بالطلاق. قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البقرة:226 - 227]. - حكم الإيلاء: الإيلاء فيه تأديب للنساء العاصيات الناشزات على أزواجهن، فأبيح منه بقدر الحاجة، وهو أربعة أشهر فما دونها. وأما ما زاد على ذلك فهو حرام، وفاعله آثم؛ لما فيه من الظلم والجور على النساء، لأنه حلف على ترك واجب عليه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (378) , واللفظ له، ومسلم برقم (411).

فمن آلى من زوجته أكثر من أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر طالبته بالوطء، فإن وطئ فلا شيء عليه إلا كفارة يمين. فإن أبى طالبته بالطلاق، فإن أبى طلّق عليه الحاكم طلقة واحدة، منعاً للضرر عن الزوجة، فإن خرجت من العدة بعد الطلاق ولم يراجعها بانت منه. - ألفاظ الإيلاء: الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء، وهو نوعان: 1 - الإيلاء الصريح: كأن يقول: والله لا أجامعك، أو لا أطؤك، أو لا أقربك، أو لا أغتسل منك من جنابة ونحو ذلك مما يستعمل عرفاًَ في الوطء. 2 - ألفاظ الكناية التي لا تكون إيلاءً إلا بالنية على ترك الوطء: كأن يقول: والله لا أقرب فراشك، أو لا يجمع رأسي ورأسك شيء، أو لا أدخل عليك ونحو ذلك. ومن ترك الوطء بغير يمين لزمه حكم الإيلاء، فيحدَّد له أربعة أشهر، ثم يُطالَب بالوطء أو الطلاق. - أركان الإيلاء: للإيلاء أربعة أركان: الحالف: وهو كل زوج يمكنه الجماع، والمحلوف به: وهو الله عز وجل. والمحلوف عليه: وهو ترك الجماع، والمدة: وهي أكثر من أربعة أشهر. فإذا حلف الزوج بالله على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر فهو مُوْلٍ يجري عليه حكم الإيلاء. قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البقرة:226 - 227].

3 - الظهار

3 - الظهار - الظهار: هو أن يشبِّه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه على التأبيد أو بجزء منها يحرم عليه النظر إليه كالظهر أو البطن أو الفخذ. كأن يقول لزوجته: أنتِ علي كأمي، أو أختي، أو بنتي ونحو ذلك. أو يقول: أنتِ علي كظهر أمي، أو كبطن أختي، أو كفخذ بنتي ونحو ذلك. أو يقول: أنتِ علي حرام كظهر أمي، أو كأمي، أو كبنتي ونحو ذلك. - أصل الظهار: كان أهل الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته، ولم يُرِد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر، فتبقى معلقة، لا ذات زوج، ولا خَلِيّة من الأزواج، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية. فأبطل الإسلام هذا الحكم، وجعل الظهار محرماً للزوجة حتى يكفِّر زوجها كفارة الظهار؛ صيانة لعقد النكاح من العبث. - حكمة إبطال الظهار: أباح الإسلام نكاح الزوجة، ومن حَرَّم نكاح زوجته فقد قال منكراً من القول وزوراً، فالظهار قائم على غير أصل، فالزوجة ليست أماً حتى تكون محرمة كالأم. وقد أبطل الإسلام حكم الظهار، فأنقذ الزوجة من الحرج والجور والظلم، وجعل عقوبة مَنْ فعله ثم عاد كفارة غليظة للزجر عنه.

- حكم الظهار: الظهار محرم؛ لأنه منكر من القول وزور. ويجب على من ظاهر من زوجته أن يكفر كفارة الظهار قبل الوطء، فإن وطئ قبل التكفير فهو آثم وعليه الكفارة، وعليه التوبة والاستغفار من قوله وفعله. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} [المجادلة:1 - 2]. - الفرق بين الظهار واللعان والإيلاء: الظهار يشبه الإيلاء في أن كلاً منهما يمين تمنع الوطء، ويرفع منعه الكفارة. والظهار يشبه اللعان في أنه يمين لا شهادة. - أركان الظهار: للظهار أربعة أركان هي: المظاهِر: وهو الزوج، والمظاهَر منها: وهي الزوجة. والصيغة: وهي ما يصدر من الزوج من ألفاظ تدل على الظهار. والمشبه به: وهي كل من يحرم وطؤها على التأبيد كالأم ونحوها. - أحوال الظهار: للظهار صور عديدة كما يلي: 1 - يصح الظهار منجزاً كقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي.

2 - ويصح الظهار معلقاً كقوله: إذا دخل رمضان فأنت علي كظهر أمي. 3 - ويصح الظهار مطلقاً كقوله: أنت علي كظهر بنتي. 4 - ويصح الظهار مؤقتاً كقوله: أنت على كظهري أختي في شعبان. فإذا كان الظهار معلقاً أو منجّزاً، فلا يحل له أن يجامعها حتى يكفر كفارة الظهار، وإن كان الظهار معلقاً أو مؤقتاً، فإذا مضى الوقت زال الظهار، وحلت المرأة بلا كفارة، فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة. - أثر الظهار: إذا ظاهر الرجل من امرأته ترتب عليه أمران: الأول: حرمة وطء الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار. وكذلك يحرم عليه المسيس والتقبيل والمعانقة ونحو ذلك من مقدمات الجماع. الثاني: وجوب الكفارة بالعَود وهو العزم على الوطء، فإذا وطئ المظاهر امرأته قبل أن يكفر، استغفر الله تعالى من ارتكاب الإثم، وامتنع من الاستمتاع بزوجته حتى يكفر. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)} [المجادلة:3]. - صفة كفارة الظهار: تجب كفارة الظهار على من ظاهر من امرأته وأراد العَود، والله رؤوف بالعباد حيث جعل إطعام الفقراء والمساكين ومواساتهم كفارة للذنوب، وماحية للآثام.

وتجب كفارة الظهار كما يلي: 1 - عتق رقبة سالمة من العيوب، صغيرة أو كبيرة، ذكراً أو أنثى. 2 - إذا لم يجد صام شهرين متتابعين. 3 - إذا لم يستطع أطعم ستين مسكيناً من قوت بلده، لكل مسكين نصف صاع، وهو يعادل كيلو وعشرين جراماً تقريباً. وإن غدّى المساكين أو عشّاهم كفى. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة:3 - 4]. - تكرار الكفارة: إذا ظاهر من نسائه بكلمة واحدة لزمه كفارة واحدة، وإن ظاهر منهن بكلمات متفرقة لكل واحدة لزمه لكل واحدة كفارة. - وجوب الكفارة: إذا قال لزوجته إذا ذهبت إلى مكان كذا فأنت علي كظهر أمي: فإن قصد بذلك تحريمها عليه فهو مظاهِر، ولا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. وإن قصد منعها من هذا الفعل، ولم يقصد تحريمها فلا تحرم عليه، لكن يجب عليه كفارة يمين، ثم ينحل يمينه.

- حكم تحريم الحلال: لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحله الله على نفسه، ومن حرّم على نفسه حلالاً غير وطء الزوجة من طعام أو لباس ونحوهما فهو آثم، وعليه كفارة يمين. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة:89].

4 - الطلاق

4 - الطلاق - الطلاق: فراق الزوجة بحل قيد النكاح أو بعضه بلفظ مخصوص. - حكمة إباحة الطلاق: شرع الله النكاح لإقامة الحياة الزوجية المستقرة، المبنية على المحبة والمودة بين الزوجين، وإعفاف كل منهما صاحبه، وتحصيل النسل، وقضاء الوطر. وإذا اختلت هذه المصالح، وفسدت النوايا، وتنافرت الطباع، وساءت العشرة بين الزوجين ونحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق المستمر الذي تصعب معه الحياة الزوجية، ولم ينفع الوعظ والهجر، واستُنفدت جميع وسائل الإصلاح بين الزوجين، واستعصى حل الخلافات الزوجية بسبب تباين الأخلاق، أو بسبب الإصابة بمرض لا يُحتمل، أو عقم لا علاج له ونحو ذلك مما يؤدي إلى ذهاب المودة والمحبة، ونمو الكراهية والبغضاء، وتعقُّد الحياة الزوجية، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فقد شرع الله عز وجل رحمة بالزوجين فرجاً بالطلاق، لإزالة الضرر والمفسدة بعد تعذر الإصلاح بين الزوجين؛ لأن البقاء مع هذه الأحوال إضرار بالزواج بإلزامه النفقة والسكن، وحبس الزوجة مع سوء عشرتها. - حكم الطلاق: الطلاق له خمسة أحكام: 1 - مباح: إذا احتاج الزوج إليه لسوء خلق المرأة، أو كراهته لها. 2 - مستحب: إذا احتاجت الزوجة إليه لسوء خلق الرجل، أو إذا فرطت المرأة في

حقوق الله الواجبة كالصلاة ولا يمكنه إجبارها، أو إذا تضررت الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره ونحو ذلك. 3 - واجب: إذا تعذرت العشرة بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما، وتضرر كل منهما ببقاء الزوجية، وإذا آلى الزوج من زوجته، ومضت المدة ولم يرجع ونحو ذلك. 4 - مكروه: إذا لم تكن حاجة ماسة إليه، وحال استقامة الزوجين، وعدم القدرة على الصبر وتحمل الأذى من الزوجة. 5 - محرم: إذا كان الطلاق بدعياً، كأن يطلق الزوجة في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه، أو يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة أو كلمات، أو يطلق زوجته من غير حاجة، أو إذا كان الطلاق سبباً لوقوعه في الحرام من زنا ونحوه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , واللفظ له، ومسلم برقم (1471).

- الطلاق عند اليهود: الطلاق مباح عند اليهود بعذر أو بغير عذر، ولكنه لا يحسن بدون عذر. والأعذار المبيحة للطلاق عندهم نوعان: 1 - عيوب الخلقة: كالعمش، والحول، والبخر، والعرج، والعقم. 2 - عيوب الأخلاق: كالوقاحة، والثرثرة، والعناد، والإسراف، والزنا ونحو ذلك. وأما المرأة فليس لها أن تطلب الطلاق مهما تكن عيوب زوجها. - الطلاق عند النصارى: يحرم الطلاق عند النصارى، ولا يباح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه، وحتى الخيانة الزوجية لا تعتبر مبرراً للطلاق. وكل ما يباح حال الخيانة الزوجية هو التفرقة الجسمية، مع اعتبار الزوجية قائمة بين الزوجين، فلا يجوز لأحدهما أثناء هذه الفرقة أن يتزوج؛ لأن ذلك يعتبر تعدداً للزوجات وهو محرم عندهم. - الطلاق في الجاهلية: كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى جاء الإسلام وحدد الطلاق بمرتين، فإذا طلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. - حكم إفساد بيت الزوجية: الصلة بين الزوجين من أعظم الصلات وأوثقها، وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو آثم، مستحق للعقوبة، سواء كان رجلاً أو امرأة، كما يحرم على الزوجة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها لتنفرد به.

1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه أحمد وابن حبان (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ ثوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - من يملك الطلاق: الطلاق من حق الرجل وحده؛ لأنه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها المال، وهو أكثر تريثاً وصبراً وتقديراً لعواقب الأمور، وأبعد عن الطيش عند حصول الخلاف. أما المرأة فهي أسرع غضباً، وأكثر جزعاً، وأقل احتمالاً، وأقصر رؤية، وليس عليها من تبعات الطلاق مثل ما على الرجل، فلو ملكت المرأة التطليق فربما أوقعت الطلاق لأسباب بسيطة لا تستحق هدم الحياة الزوجية، بسبب انفعالها ولو كان الطلاق بيد كل من الزوجين لتضاعفت حالات الطلاق لأتفه الأسباب. فالطلاق بيد الرجل، وللمرأة أن تشترطه لنفسها إن رضي الزوج، ولها إن تضررت بالزوج أن تفتدي نفسها منه بمال عن طريق الخلع. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22980)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن حبان برقم (4348). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6601) , واللفظ له، ومسلم برقم (1413). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2226) , وأخرجه الترمذي برقم (1187) , وهذا لفظه.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1]. - من يقع منه الطلاق: يقع الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار. فإن كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً فإن طلاقه يعتبر لغواً، لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، فلا ينفذ تصرفه. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - أركان الطلاق: أركان الطلاق أربعة: المطلق .. والمطلقة .. والصيغة .. والقصد. فالمطلق: الزوج أو نائبه .. والمطلقة: هي الزوجة .. والصيغة: هي لفظ الطلاق .. والقصد .. نية الطلاق. - صيغ الطلاق: ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى قسمين: الأول: الطلاق الصريح: وهو ما كان بلفظ الطلاق وحده وما تصرَّف منه كطلقتك، أو أنت طالق، أو أنت مطلقة، أو علي الطلاق ونحو ذلك. الثاني: الطلاق بالكناية: وهو كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره، كقوله أنت بائن، أو ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وأخرجه النسائي برقم (3432).

الحقي بأهلك، أو اخرجي، أو اذهبي، أو أنت خَلِيّة، أو أنت بَرِيّة، أو خلَّيت سبيلك ونحو ذلك. فيقع الطلاق باللفظ الصريح بدون حاجة إلى نية، لأنه موضوع للطلاق. فلو قال لزوجته أنت طالق، وقع الطلاق، ولا يُلتفت لقوله إنه لا يريد الطلاق. ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بالنية؛ لأنه لفظ يحتمل الطلاق وغيره، فإن نوى الطلاق لزمه، وإن لم ينوه فهو على ما نواه. ومن قال لزوجته: أنت علي حرام، فهو على ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين. - قيود إيقاع الطلاق: قيد الشرع الطلاق بقيود شرعية منعاً للتسرع، وحفاظاً على الرابطة الزوجية؛ لأن النكاح جوهر ما تملكه المرأة، وبالطلاق يكون هدراً، وربما عاشت بعده أيِّماً، وفي التأيُّم غالباً مفاسد كثيرة، وهذه القيود هي: أن يكون الطلاق لحاجة مقبولة .. وأن يكون في طهر لم يجامعها فيه .. وأن يكون مفرقاً ليس بأكثر من واحدة. فإذا توافرت هذه الشروط كان الطلاق موافقاً للشرع لا إثم فيه، وإن فُقد واحد منها وقع، لكنه موجب للإثم والسخط الإلهي. - أنواع الطلاق: ينقسم الطلاق من حيث الحل والحرمة إلى قسمين: الأول: الطلاق الحلال: وهو طلاق السنة، وذلك بأن يطلق الرجل زوجته في طهر

لم يجامعها فيه، أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها. الثاني: الطلاق المحرم: وهو الطلاق البدعي، وذلك بأن يطلق الزوج زوجته أثناء الحيض أو النفاس، أو يطلقها في طهر جامعها فيه، أو يطلقها بالثلاث مجموعة بكلمة واحدة أو كلمات. وهذه الأحكام بالنسبة لمن دخل بها زوجها، أما غير المدخول بها فيجوز طلاقها طاهراً وحائضاً، ولا يجوز طلاقها بالثلاث مجموعة أو مفرقة. - وقت الطلاق: ضيَّق الإسلام وقت الطلاق رغبة في استدامة الحياة الزوجية، وتضييقاً لباب الفرقة، وتقليلاً لفرص الطلاق الذي يهدم بيت الزوجية، ويعصف بأفراد الأسرة. فالمرأة في كل شهر تطهر غالباً ثلاثة وعشرين يوماً، ثم تحيض سبعة أيام، فإذا جامعها في الطهر مرة، فقد ضيق وقت الطلاق، وحرم عليه طلاقها فيه، أما في أثناء الحيض والنفاس فلا يجوز طلاقها فيه مطلقاً، أما وجود الحمل فهو غالباً ينقض العزم على الطلاق، ويوهن الرغبة في الفراق. وبهذا نعلم أن وقت الطلاق كل شهر هو بعد الطهر من الحيض، وقبل أن يجامعها زوجها، وهو وقت قصير جداً. - أقسام المطلقين: المطلقون أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي: 1 - طلاق الزوج البالغ العاقل المختار: فهذا كامل الأهلية، يجوز له أن يطلق، وطلاقه يقع.

2 - طلاق المكره: المكره لا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة، فهو غير قاصد للطلاق، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه بتنفيذ أمر المكره له، فمن أُكره على النطق بكلمة الكفر لا يكفر، ومن أُكره على الإسلام لا يصبح مسلماً، ومن أُكره على النطق بكلمة الطلاق لا يقع طلاقه. قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل:106]. 3 - طلاق الغضبان: الغضبان مكلف في حال غضبه، يحاسب على ما يصدر منه من كفر، أو قتل، أو طلاق أو غيره؛ لأنه واع يدرك ما يقول، وإذا اشتد الغضب بالإنسان بأن وصل إلى درجة لا يدري فيها ما يقول ويفعل ولا يقصده فإنه لا ينفذ تصرفه، ولا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة. 4 - طلاق الصبي: الصبي المميز الذي لم يبلغ لا يقع طلاقه؛ لأنه ناقص الأهلية، ولأن الطلاق تصرف ضار، فلا يملكه الصبي. 5 - طلاق المجنون: من اختل عقله لا يقع طلاقه، كالمجنون، والمغمى عليه، والمعتوه، والمدهوش الذي أصابته مصيبة لا يدري ما يقول، ومن زال عقله لكبر أو مرض ونحوهما؛ لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، مسلوب الإرادة، فلا يقع طلاقه.

6 - طلاق السكران: السكران الذي وصل إلى درجة الهذيان، وخلط الكلام، ولا يعي ما يقول أثناء سكره لا يقع طلاقه؛ لعدم توافر القصد، فهو زائل العقل كالمجنون، وعبارته ملغاة لا قيمة لها، لعدم أهليته. وللسكر عقوبة أخرى هي الحد، فلا يُجمع عليه عقوبتان بذنب واحد، ولهذا مُنع السكران من الصلاة؛ لأنه فاقد العقل. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]. 7 - طلاق السفيه: السفيه: هو خفيف العقل الذي لا يحسن التصرف في ماله. والسفيه البالغ يقع طلاقه إذا كان يعرف معناه؛ لأن الرشد ليس شرطاً في وقوع الطلاق. 8 - طلاق الهازل: الهازل: هو الذي يتكلم ولا يقصد الحقيقة كأن يطلق زوجته هازلاً ولاعباً، فهذا آثم، ويقع طلاقه إن قصد الطلاق، فإن لم يقصد الطلاق فلا يقع؛ لأن الطلاق عمل يفتقر إلى نية، والهازل لا عزم له ولا نية. 9 - طلاق المخطئ: المخطئ: هو الذي يريد أن يتكلم بشيء فيزل لسانه ويتكلم بغيره كأن يريد أن يقول لزوجته: أنت طاهر، فقال خطأ: أنت طالق. فهذا لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد والإرادة.

10 - طلاق الغافل: الغافل: من غفل عما يريد. والغافل لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد. 11 - طلاق الناسي: الناسي: من نسي ما يريد. والناسي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد. 12 - طلاق الساهي: الساهي: هو من سهى بشيء عن شيء، والساهي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد. 13 - طلاق المرتد: المرتد: هو من كفر بعد إسلامه. وطلاق المرتد بعد الدخول موقوف: فإن أسلم أثناء العدة وقع الطلاق، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة، أو ارتد قبل الدخول، فطلاقه باطل، لانفساخ النكاح قبله باختلاف الدين. 14 - طلاق الكافر: الكافر: هو كل من كفر بالله. وطلاق الكافر البالغ العاقل المختار يقع كالمسلم. 15 - حكم طلاق المريض مرض الموت: مرض الموت: هو المرض الغالب فيه الهلاك عادة إذا اتصل به الموت، فإذا طلق الرجل المريض مرض الموت وقع طلاقه كالصحيح، فإن مات المطلق من ذلك المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلاق رجعي؛ لأن

الرجعية زوجة، ولا ترثه البائن. وإن طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت لم يرثها وإن ماتت في العدة، وإن طلق زوجته طلاقاً بائناً، ثم مات الزوج أثناء العدة، فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه قصد حرمانها من الإرث، وهذا ضرر محض، فعوقب بنقيض قصده فترثه، سواء مات في العدة أو بعدها. 16 - طلاق الشاك: من شك في أصل الطلاق، هل طلق أم لا، لم تَطلقْ امرأته؛ لأن النكاح ثابت بيقين، فلا يزول إلا بيقين، ولا يُحكم بزواله بالشك. ومن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين وهو الأقل، فمن شك هل طلق ثلاثاً أم واحدة، يُحكم بوقوعه طلقة واحدة؛ لأنه المتيقَّن، وفي الزيادة شك. ومن شك في صفة الطلاق، هل طلقها رجعية أو بائناً، يُحكم بالرجعية؛ لأنها أضعف الطلاقين، فكانت متيقنة، واليقين لا يزول بالشك. - أقسام المطلقات: المطلقات أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي: 1 - المطلقة في طهر لم يجامعها فيه: فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً. 2 - المطلقة الحامل: فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ

بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً». متفق عليه (¬1). 3 - المطلقة الحائض أو النفساء: فهذه طلاقها محرم؛ لأنه في غير العدة الشرعية، وإذا حصل هذا الطلاق وقع، وأثم فاعله، وعليه أن يراجعها منه إن لم تكن الطلقة الثالثة، فإذا طهرت إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَألَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدُ، أوْ يُمْسِكُ». متفق عليه (¬2). 4 - المطلقة الرجعية: وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا خرجت من العدة جاز له ولغيره نكاحها بعقد ومهر جديدين. 5 - المطلقة البائن: وهي المطلقة ثلاثاً، وهذه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، فإذا طلقها الثاني حلّت بنكاح جديد للأول. قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , ومسلم برقم (1471) , واللفظ له.

يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230]. 6 - المطلقة قبل الدخول: فهذه لا عدة عليها، ولا رجعة لزوجها فيها. 7 - المطلقة المفسوخة: وهي التي فسخها القاضي من زوجها بسبب منه أو منها، وهذه عدتها حيضة واحدة للاستبراء، وطلاقها بائن لا رجعة فيه. 8 - المطلقة المختلعة: وهي التي افتدت نفسها من زوجها بمال ليطلقها ويخلي سبيلها. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (¬1). 9 - المطلقة ثلاثاً: من طلق زوجته ثلاثاً بلفظ واحد، أو بكلمات متفرقة، فهذا الطلاق محرم، وفاعله آثم، ويقع، لكنه يُحسب واحدة. 10 - المطلقة الصغيرة: الطلاق بيد الزوج، ويقع الطلاق على كل زوجة، سواء كانت صغيرة أو ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273).

كبيرة، حرة كانت أو أمة، قبل الدخول وبعده، ويصح وقوع الطلاق من الزوج أو وكيله، ويطلِّق الوكيل واحدة ومتى شاء، إلا أن يعيِّن له وقتاً وعدداً. - الأحوال التي يحرم فيها الطلاق: يحرم على الزوج أن يطلق زوجته في الأحوال الآتية: في حال الحيض والنفاس .. وفي طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها .. وأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو يكررها في مجلس واحد. - الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق: يجوز للزوجة طلب الطلاق من القاضي إذا تضررت تضرراً لا تستطيع الحياة في ظله. ومن الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق ما يلي: 1 - إذا قصَّر الزوج في النفقة. 2 - إذا أضر الزوج بزوجته إضراراً لا تستطيع معه دوام العشرة، مثل سبها، أو ضربها، أو إيذائها بما لا تطيقه، أو إكراهها على منكر ونحو ذلك. 3 - إذا تضررت بغيبة زوجها وخافت على نفسها الفتنة. 4 - إذا حُبس زوجها مدة طويلة وتضررت بفراقه. 5 - إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو رائحة كريهة منفرة، أو مرضاً مزمناً يمنع الوطء والاستمتاع، أو مرضاً خطيراً معدياً ونحو ذلك. 6 - إذا كان زوجها يترك الفرائض، أو لا يبالي بارتكاب الكبائر والمحرمات، كمن لا يصلي أحياناً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يتعاطى المخدرات ونحو ذلك.

- وقوع الطلاق: 1 - يقع الطلاق على الزوجة إذا كانت محلاً له، بأن تكون الزوجية قائمة بينهما، أو تكون معتدة من طلاق رجعي، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، أو تكون معتدة بفرقة تعتبر طلاقاً. 2 - لا يقع الطلاق على المرأة إذا لم تكن محلاً له، فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة، أو لظهور فساد العقد، لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العقد قد نُقض من أصله. والمطلقة قبل الدخول لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت بمجرد التطليقة الأولى. ولا يقع الطلاق على المعتدة من طلاق الثلاث؛ لأنها قد بانت منه. ولا يقع الطلاق على من طُلِّقت وانتهت عدتها؛ لأنها بانتهاء العدة صارت أجنبية منه. ولا يقع الطلاق على امرأة أجنبية ليست زوجة له؛ لأنها ليست محلاً له. - ما يقع به الطلاق: يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية سواء كان ذلك باللفظ الصريح كأنت طالق ونحوه، أو كان بالكناية كالحقي بأهلك، أو أنت علي حرام ونحو ذلك إذا قصد الطلاق، أو كان الطلاق بالكتابة البينة المعلومة كأن يكتب لزوجته يا فلانة أنت طالق ونحو ذلك، أو كان الطلاق بالإشارة التي تدل على إنهاء العلاقة الزوجية كالأخرس، إشارته كلفظ الصحيح، يقع بها الطلاق.

ويصح الطلاق بإرسال رسول يبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة، فيطلقها نيابة عن الزوج، ويقع الطلاق بدون إشهاد، ويستحب الإشهاد على النكاح، والطلاق، والرجعة، ولا يجب. قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3]. - حكم تحريم المرأة: إذا حرم الرجل امرأته كأن يقول: أنت علي حرام، فلا يخلو من ثلاثة أمور: 1 - أن يكون قصده تحريم العين، فهذه يمين يكفِّرها؛ لأنه حرَّم الحلال. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2]. 2 - أن يكون قصده الطلاق، فهذا يقع طلاقه؛ لأن لفظ التحريم كناية من كنايات الطلاق. 3 - أن يكون قصده الظهار، فهذا يكون ظهاراً، وفيه كفارة ظهار كما سبق. - أنواع فرقة النكاح: الفرقة بين الزوجين تكون إما بطلاق أو فسخ. 1 - الفرقة بسبب الطلاق: هي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية.

2 - الفرقة بسبب الفسخ تكون فيما يلي: الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق .. ردة أحد الزوجين .. الفرقة بسبب العيب المشترك كالجنون والصرع .. أو المختص بالمرأة كالرتق والقروح السيالة، أو المختص بالرجل كالجب والعِنّة .. إسلام أحد الزوجين .. الفرقة بسبب الإيلاء .. الفرقة بسبب اللعان .. الفرقة بسبب الإعسار في المهر أو النفقة أو السكن .. فرقة إسلام الزوج على أختين أو أكثر من أربع نساء .. فرقة عدم الكفاءة بين الزوجين .. الفرقة بسبب الرضاع ونحو ذلك. - الفرق بين الطلاق والفسخ: الفرق بين الطلاق والفسخ من ثلاثة أوجه: الأول: أن الطلاق إنهاء لعقد النكاح، لكن لا يزول الحل إلا بعد البينونة الكبرى. أما الفسخ فهو نقض للعقد من أساسه. الثاني: أن الطلاق لا يكون إلا بناءً على عقد صحيح لازم، أما الفسخ فيكون بسبب حالات طارئة على العقد كردة الزوجة، أو جماع الزوج لأم زوجته أو بنتها ونحو ذلك، أو بسبب حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل كخيار البلوغ لأحد الزوجين، وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء. الثالث: الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل، أما الفسخ فلا ينقصها. فكل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخاً، وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه فهي طلاق.

- من يملك الفسخ: فسخ النكاح: هو حل الرابطة التي تربط بين الزوجين. والفسخ قد يكون بسبب خلل وقع في العقد، كما إذا تم العقد فتبين أن الزوجة أخته من الرضاع، وقد يكون بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه، كما إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام، فيفسخ العقد بسبب الردة الطارئة، فإذا كان سبب الفسخ جلياً فسخ الزوجان النكاح من تلقاء أنفسهما، كما إذا تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع. وإذا كان سبب الفسخ خفياً فلا يفسخه إلا القاضي كالفسخ بسبب الردة، أو بسبب العيب، أو بسبب النشوز ونحو ذلك. - الحالات التي يطلق فيها القاضي: يجوز للقاضي أن يطلق الزوجة من زوجها عند طلبها في الأحوال الآتية: عدم نفقة الزوج عليها .. وجود العيب بالزوج .. غيبة الزوج بلا عذر .. حبس الزوج .. حصول الضرر بسبب الزوج كأن يضربها، أو بسبها، أو يؤذيها ونحو ذلك. فيجوز في هذه الحالات وأمثالها أن تطلب المرأة الطلاق من زوجها إذا تضررت، أو خشيت الوقوع فيما حرم الله بسبب بُعد الزوج عنها، أو عدم قدرته على جماعها. قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229].

الطلاق المنجز والمعلق

الطلاق المنَجَّز والمعلَّق الطلاق إما أن يكون منجزاً، أو مضافاً، أو معلقاً كما يلي: 1 - الطلاق المنجز: وهو ما يُقصد به حصول الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق أو طلقتك ونحو ذلك، وهذا الطلاق يقع في الحال متى صدر من أهله، وصادف محلاً له. 2 - الطلاق المضاف: وهو كل طلاق اقترن بزمن مستقبل، كأن يقول لزوجته: أنت طالق غداً، أو رأس السنة، أو بعد شهر ونحو ذلك، وهذا الطلاق لا يقع إلا عند حلول الأجل الذي حدده. 3 - الطلاق المعلق: وهو كل طلاق جعل الزوج حصول الطلاق فيه معلقاً على شرط. كأن يقول لزوجته إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، فإذا ذهبت إلى السوق طلقت. ويشترط لصحة وقوع الطلاق المعلق ثلاثة شروط هي: أن يكون التعليق على أمر معدوم يمكن وجوده في المستقبل .. وأن تكون المرأة في عصمته .. وأن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه. - أقسام الطلاق المعلق: الطلاق المعلق قسمان: الأول: إن كان يقصد بطلاقه المعلق الحمل على الفعل أو الترك، أو الحظر أو المنع، أو تأكيد الخبر ونحو ذلك، كأن يقول لزوجته مريداً منعها من الخروج

لا إيقاع الطلاق: إن خرجت من الدار فأنت طالق، يقصد منعها من الخروج، فهذا الطلاق لا يقع، ويجب فيه كفارة يمين إذا خالفت، والكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام. الثاني: أن يقصد وقوع الطلاق عند حصول الشرط كأن يقول: إن دخلت بيت فلان فانت طالق، فهذا الطلاق يقع إذا حصل الشرط المعلق عليه. وإذا قال لزوجته إن ولدت ذكراً فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكراً ثم أنثى، طلقت بالأول، ثم بانت بالثاني. - حكم الطلاق قبل الزواج: إذا علق طلاق امرأة أجنبية على نكاحه لها فقال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فهذا الطلاق لا يقع؛ لعدم وجود المحل أثناء الطلاق. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} ... [الأحزاب:49]. 2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ نَذرَ لاِبْنِ آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَلاَ طَلاَقَ لَهُ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم التوكيل في الطلاق: الرجل كما يملك الطلاق بنفسه يملك إنابة غيره فيه، ويقع الطلاق من غير ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2190) , وأخرجه الترمذي برقم (1181) , وهذا لفظه.

الزوج بإذنه إما بالتوكيل، أو التفويض، أو الرسالة. فالتوكيل: إنابة الزوج غيره في طلاق زوجته كأن يقول لغيره: وكّلتك في طلاق زوجتي، فإذا قَبِل الوكيل الوكالة، ثم قال لزوجة موكِّله: أنت طالق، فقد وقع الطلاق، وكل من صح طلاقه صح توكيله، والوكيل في الطلاق مقيد بالعمل برأي الموكِّل، فإذا تجاوزه لم ينفذ تصرفه إلا بإجازة الموكِّل، وللموكِّل أن يعزل الوكيل متى شاء. وإذا وكل الزوج زوجته في طلاق نفسها صح توكيلها، وطلاقها لنفسها؛ لأنه يصح توكيلها في طلاق غيرها، فكذا في طلاق نفسها. - حكم الطلاق بالرسالة: الطلاق بالرسالة له صورتان: الأولى: أن يكتب الزوج رسالة بالطلاق إلى زوجته، ويرسلها محررة إليها، كأن يكتب لها حرفياً أنت طالق، أو مطلقة ونحو ذلك مما يفيد الطلاق، فإذا استلمتها صارت طالقاً. الثانية: أن يرسل إليها رسالة شفوية بالطلاق، كأن يقول الزوج لرجل: اذهب إلى فلانة زوجتي وقل لها: إن زوجك يقول لك أنت طالق. فإذا ذهب الرسول إليها، وبلّغها الرسالة على وجهها، وقع الطلاق، والرسول ناقل لا مطلق. - حكم تفويض الزوجة بالطلاق: الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه .. وله أن يفوضها في طلاق نفسها .. وله أن يوكل غيره في الطلاق، وكلٌّ من التفويض

والتوكيل لا يُسقط حقه في الطلاق، ولا يمنعه من استعماله متى شاء، والتفويض: إنابة الزوج زوجته في طلاق نفسها، كأن يقول لها: أمرك بيدك ونحو ذلك. - أنواع التفويض بالطلاق: التفويض بالطلاق ثلاثة أنواع: 1 - التوكيل: وهو أن يوكل الرجل زوجته في طلاق نفسها، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو أكثر حسب ما وكلها فيه، وله أن يعزلها ما لم تفعل الموكَّل فيه. 2 - التمليك: وهو أن يُمَلِّك الرجل زوجته أمر نفسها كأن يقول لها: جعلت أمرك بيدك، أو جعلت طلاقك بيدك ونحو ذلك. ولها بهذا التمليك أن تطلق نفسها واحدة أو أكثر حسب ما ملَّكها زوجها من الوقت والعدد. 3 - التخيير: وهو أن يخيرها زوجها بين البقاء معه أو الفراق كأن يقول لها: اختاريني أو اختاري نفسك، فلها أن تفعل من الأمرين ما أحبت، فإن اختارت الفراق طلقت نفسها واحدة أو أكثر حسب ما فوضه إليها من الوقت والعدد. فإذا قال لزوجته اختاري البقاء أو الطلاق، فقالت: طلقت نفسي، وقع الطلاق حسب تفويض الزوج بائناً أو رجعياً. عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ». قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} -إِلَى- {أَجْرًا عَظِيمًا} قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4786) , واللفظ له، ومسلم برقم (1475).

الطلاق السني والبدعي

الطلاق السني والبدعي - أقسام الطلاق: ينقسم الطلاق من حيث موافقته للسنة وعدم موافقته إلى قسمين: الطلاق السني: وهو ما أذن الشرع فيه. والطلاق البدعي: وهو ما نهى الشرع عنه. 1 - أقسام الطلاق السني: يجوز للزوج أن يطلق زوجته طلاق سُنّة كما يلي: الأولى: أن يطلق الزوج امرأته المدخول بها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وله مراجعتها ما دامت في العدة وهي ثلاثة قروء. 1 - إذا انقضت العدة ولم يراجعها طَلُقت وبانت منه بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة الزواج منه أو من غيره. 2 - إن طلقها ثانية فيطلقها كالطلقة الأولى، فإن راجعها في العدة فهي زوجته، وإن لم يراجعها طَلُقت وبانت بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة الزواج منه أو من غيره. 3 - إن طلقها ثالثة كما سبق بانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح مشتمل على الوطء، فهذا الطلاق بهذه الصفة، وهذا الترتيب، سُنِّي من جهة العدد، وسُنِّي من جهة الوقت. 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ

إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». متفق عليه (¬1). الثانية: أن يطلق الزوج زوجته بعد أن يتبين حملها طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة قبل وضع الحمل، فإذا وضعت الحمل وهو لم يراجعها طَلُقت منه، فلا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، ويجوز لها بعد العدة أن تتزوج منه أو من غيره. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلا». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , واللفظ له، ومسلم برقم (1471). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له.

الثالثة: إذا كانت الزوجة لا تحيض كالصغيرة والآيسة، أو كانت غير مدخول بها، طلقها في أي وقت شاء طاهراً أو حائضاً، وتقع طلقة بائنة. - شروط طلاق السنة: طلاق السنة ما تحقق فيه أربعة شروط: 1 - أن تكون الزوجة حاملاً، أو طاهراً من الحيض أو النفاس حين الطلاق. 2 - ألا يجامعها زوجها في ذلك الطهر الذي طلقها فيه. 3 - أن تكون الطلقة واحدة في الطهر. 4 - ألا يُتبعها الزوج طلاقاً آخر حتى تنقضي عدتها من طلقةٍ قبلها. وطلاق السنة: إما من ناحية الوقت، أو من ناحية العدد. فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها، والسنة في الوقت تكون في حق المدخول بها فقط، وهي أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، أما غير المدخول بها فيطلقها في حال الطهر أو الحيض على حد سواء. - حكم متعة الطلاق: إذا حصل الطلاق، ووقعت الفرقة، فيسن للزوج أن يُمَتِّع زوجته المطلقة بما يناسب حاله وحالها؛ جبراً لخاطرها، وتطييباً لقلبها وأداء لما نقص من حقها. 1 - قال الله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة:241]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ

فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة:236]. - حكم طلاق من لم يُسمَّ لها مهر: إذا طُلّقت من لم يسم لها مهر قبل الدخول وجبت المتعة على الزوج حسب قدرته، وإن طُلّقت من لم يسم لها مهر بعد الدخول فلها مهر المثل من غير متعة. قال الله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة:236]. - حكم طلاق من سمي لها مهر: إذا طلق الزوج زوجته قبل الدخول وقد فرض لها صداقاً فلها نصفه، إلا أن تعفو أو يعفو وليها، وإن كانت الفرقة من قِبَلها سقط حقها كله، وإذا كانت الفرقة بعد الدخول لزم الزوج المهر كله. قال الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة:237]. - إذا افترق الزوجان في نكاح فاسد قبل الدخول فلا مهر ولا متعة، وإن كان بعد الدخول وجب لها المهر المسمى بما استحل من فرجها.

- حكم الإشهاد على الطلاق: يقع الطلاق بدون إشهاد؛ لأن الطلاق من حقوق الرجل، ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه. ويستحب الإشهاد على الطلاق ولا يجب، وذلك بشهادة رجلين عدلين. قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق:2 - 3]. - إثبات الطلاق: كمال الطلاق أن يكون على السنة في الوقت والعدد، وأن يَشهد عليه رجلان عدلان، وأن يُثبت ويُكتب؛ لحفظ حق الزوجة، وتسهيل زواجها من آخر، وقطع النزاع إن حصل. وإذا ادعت الزوجة أن زوجها طلقها فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وعدم الطلاق، ما لم تكن معها بينة فيُقبل قولها، ويَنفذ الطلاق. 2 - أقسام الطلاق البدعي: الطلاق البدعي: هو الطلاق المخالف للشرع. والطلاق البدعي قسمان: الأول: طلاق بدعي في الوقت: كأن يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها،

فهذا الطلاق محرم ويقع، وفاعله آثم، ويجب عليه أن يراجع زوجته منه إن كان الطلاق رجعياً، وإذا راجع الحائض أو النفساء أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، ومن طلقها في طهر جامعها فيه أمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها أو أمسكها. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَألَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدُ، أوْ يُمْسِكُ». متفق عليه (¬2). الثاني: طلاق بدعي في العدد: كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة فيقول: أنت طالق ثلاثاً، أو بالثلاث، أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد فيقول: أنت طالق، طالق، طالق، وهذا الطلاق محرم؛ لأنه في غير العدة المشروعة للطلاق، ومن طلق هذا الطلاق فهو آثم، ويقع طلاقه، لكن الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة أو كلمات في طهر واحد لا يقع إلا واحدة. وإذا كانت المرأة لا تحيض لصغر أو إياس، أو غير مدخول بها، فلا سنة ولا بدعة في طلاقها، فيطلقها زوجها متى شاء من الأوقات، وحال الحيض أو الطهر لغير المدخول بها، أما العدد فيثبت لهؤلاء وغيرهن، فيجب العمل به. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) , ومسلم برقم (1471) , واللفظ له.

وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1]. - حكم طلاق الثلاث: إذا عقد الزوج على زوجته مَلَك عليها ثلاث طلقات، ويحرم عليه أن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو بألفاظ متتابعة في مجلس واحد؛ لأنه بذلك يسد باب التلاقي عند الندم، ويضر المرأة، ويخالف الشرع، ويتعدى حدود الله بإيقاع الطلاق ثلاثاً دفعة واحدة، والله يريدها مفرقة؛ لِتُمْكن الرجعة. 1 - إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة، أو بكلمات متفرقات في مجلس واحد، أو في طهر واحد، فلا يقع إلا طلقة واحدة؛ لأن جمع الثلاث محرم، وغير مشروع، فيقع طلقة واحدة، اعتباراً بأصل الطلاق، ويلغي الوصف المحرم. قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230]. 2 - إذا تتابع الناس على الطلاق، وتساهلوا به، وأكثروا منه، وكان في إلزامهم به مصلحة أُلزموا به كما فعل عمر رضي الله عنه، فإن لم تكن مصلحة فلا تقع الثلاث إلا واحدة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أنَاةٌ، فَلَوْ أمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ! فَأمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1472).

الطلاق الرجعي والبائن

الطلاق الرجعي والبائن - أقسام الطلاق: ينقسم الطلاق من حيث وقوعه إلى قسمين: طلاق رجعي .. وطلاق بائن. الأول: الطلاق الرجعي: الطلاق الرجعي: هو الذي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة المدخول بها إلى الزوجية ما دامت في العدة ولو لم ترض، من غير حاجة إلى عقد ومهر جديدين، بقصد الاستمتاع بها لا الإضرار بها. ويكون الطلاق الرجعي بعد الطلقة الأولى والثانية. فإذا طلق زوجته الطلقة الأولى، فله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن راجعها وهي في العدة ثم طلقها الثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة. وهي في الحالتين زوجته ما دامت في العدة، يرثها وترثه، ولها النفقة والسكنى، وله أن يستمتع بها ويطأها. وإذا انتهت العدة من الطلقة الأولى أو الثانية ولم يراجعها، انقلب الطلاق الرجعي بائناً بينونة صغرى، ولا يملك الزوج بعدها إرجاع زوجته المطلقة إلا بعقد ومهر جديدين، وللزوجة بعد انتهاء عدة الطلاق الرجعي أن تتزوج زوجها الأول أو غيره، فإن راجعها بعد الطلقة الثانية وهي في العدة، ثم طلقها الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ

أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 229 - 230]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة: 228]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231]. - آثار الطلاق الرجعي: يترتب على الطلاق الرجعي الآثار الآتية: نقص عدد الطلقات .. إمكان المراجعة أثناء العدة .. انتهاء رابطة الزوجية بالخروج من العدة .. المرأة الرجعية زوجة ما دامت في العدة. - ضابط الطلاق الرجعي: كل طلاق يقع رجعياً إلا إذا كان قبل الدخول .. أو كان على مال كالخلع .. أو كان مكملاً للثلاث.

- مكان عدة المطلقة الرجعية: يجب على المطلقة الرجعية -وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول- أن تبقى وتعتد في بيت زوجها لعله يراجعها. ويستحب لها أن تتزين لزوجها، وتتطيب له، وتلبس الحلي، ليكون ذلك باعثاً له على إمساكها والرغبة فيها. ولا يجوز للزوج إخراج مطلقته الرجعية من بيتها إن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها؛ لأنها زوجته. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} ... [الطلاق: 1]. الثاني: الطلاق البائن: الطلاق البائن: هو الطلاق الذي تنفصل به الزوجة من زوجها نهائياً. والطلاق البائن ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: بائن بينونة صغرى: وهو الطلاق الذي لا يستطيع الزوج بعده أن يعيد المطلقة إليه إلا بعقد ومهر جديدين. - أحوال الطلاق البائن بينونة صغرى: يكون الطلاق بائناً بينونة صغرى في الأحوال التالية: 1 - الطلاق قبل الدخول:

لأن هذا الطلاق لا تجب به العدة، ولا يقبل الرجعة، وإذا لم تجب العدة فلا تمكن المراجعة؛ لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} [الأحزاب: 49]. 2 - الطلاق دون الثلاث: فإذا طلق زوجته طلقة واحدة، ثم انتهت عدتها ولم يراجعها، طلقت طلاقاً بائناً بينونة صغرى. ومن حقه كغيره أن يتزوجها بعد العدة بعقد ومهر جديدين، ولو لم تنكح زوجاً غيره. وكذا لو طلقها الطلقة الثانية، ولم يراجعها في العدة، بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعد العدة بعقد ومهر جديدين، ولو لم تنكح زوجاً غيره. ويحرم على أهل الزوجة عضلها ومنعها من نكاح زوجها الأول بعد العدة. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} [البقرة: 232]. 3 - الطلاق على مال: فإذا خالع الرجل امرأته على مال تدفعه له ليفارقها، أو طلقها على مال تدفعه له لتنهي علاقتها به، طَلُقت، وليس له مراجعتها في العدة، فهذا الطلاق يقع

بائناً بينونة صغرى، وإذا تم هذا الطلاق، فلا تحل الزوجة بعده إلا بعقد ومهر جديدين، سواء كان زوجها أو غيره، فتعتد بحيضة، ثم يحل نكاحها. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. 2 - وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَارَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (¬1). 4 - الطلاق لرفع الضرر عن الزوجة: وهو الطلاق الذي يوقعه القاضي بطلب الزوجة، إما لسوء عشرة زوجها، أو غَيبته عنها، أو حبسه مدة طويلة، أو كان بزوجها عيب مستحكم كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو مرض خطير منفر ونحو ذلك. ففي هذه الحالات يقع الطلاق بائناً بينونة صغرى، وللمرأة بعد العدة أن تنكح من شاءت، ولزوجها مراجعتها ونكاحها بعقد جديد في العدة أو بعدها. ويحرم على الزوج أن يحبس زوجته ليضرها، ويَحْرِمها مما أحل الله لها. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273).

آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231]. القسم الثاني: بائن بينونة كبرى: وهو الطلاق الذي يزيل الملك والحل معاً، ولا يبقي للزوجة أثر سوى العدة، وهو الطلاق المكمل للثلاث، فإذا طلق الزوج زوجته طلقة ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها الثالثة، فإنها تنفصل عنه نهائياً، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً بنية الدوام. فإذا دخل بها الزوج الثاني بعد العدة ووطئها، ثم طلقها ثم فرغت من العدة، جاز لزوجها الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين كغيره. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 229 - 230]. 2 - وعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ زَوْجَهَا المَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا، فَأبَى أنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا نَفَقَةَ لَكِ فَانْتَقِلِي، فَاذْهَبِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكُونِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1480).

- متى يقع الطلاق بائناً: يقع الطلاق بائناً إذا كان على عوض .. أو كان قبل الدخول .. أو كان مكملاً للثلاث. - مكان عدة المطلقة البائن: المطلقة البائن تعتد في بيت أهلها؛ لأنها لا تحل لزوجها، ولا نفقة لها ولا سكنى إلا إن كانت حاملاً. ولا يجوز لها أن تخرج من بيت أهلها أثناء العدة إلا لحاجة. 1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... [الطلاق: 6]. 2 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاثاً، وَأخَافُ أنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، قال: فَأمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِي المُطَلَّقَةِ ثَلاثاً، قال: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةٌ». أخرجه مسلم (¬2). - آثار الطلاق البائن: الطلاق البائن تثبت له الأحكام الآتية: الأول: يشترك الطلاق الرجعي والبائن في أحكام هي: وجوب نفقة العدة للمطلقة الحامل .. ثبوت نسب الولد الذي تلده للمطلق .. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1482). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1480).

ويهدم الزواج الثاني ما كان من الطلاق في الزواج الأول. الثاني: الطلاق البائن بينونة صغرى يثبت به ما يلي: 1 - زوال الملك لا الحل بمجرد الطلاق، فله مراجعتها ونكاحها بعقد جديد، ولا تحل له إلا بعقد جديد في العدة أو بعدها. 2 - حلول الصداق المؤجل بمجرد الطلاق. 3 - عدم التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما أثناء العدة؛ لأن الطلاق البائن ينهي الزوجية. الثالث: الطلاق البائن بينونة كبرى يثبت به ما يلي: 1 - زوال الملك والحل معاً، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. 2 - حلول الصداق المؤجل إلى الطلاق أو الوفاة. 3 - منع التوارث بين الزوجين، لانقطاع الزوجية. 4 - حرمة المطلقة على الزوج تحريماً مؤقتاً حتى تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها فتحل له. - حكم زواج التحليل: من طلق زوجته الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، ثم يطلقها فتحل له. ولا تحل هذه المطلقة لزوجها الأول إلا بثلاثة شروط: أن تنكح زوجاً غيره .. وأن يكون النكاح صحيحاً لا حيلة فيه .. وأن يطأها الزوج الثاني في الفرج. ويحرم على الزوج الثاني نكاحها ليحللها للأول، وإذا حصل هذا النكاح

فهو باطل؛ لأنه أشبه بالسفاح. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ امْرَأةَ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ القُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5260) , واللفظ له، ومسلم برقم (1433).

5 - الرجعة

5 - الرجعة - الرجعة: هي إعادة مطلقة غير بائن إلى عصمة النكاح بغير عقد. - حكمة مشروعية الرجعة: من نعم الله تعالى إباحة مراجعة الرجل زوجته بعد الطلاق. فقد يقع الطلاق منه في حالة غضب واندفاع، وقد يصدر بدون تدبر وتروٍّ، وقد يحصل بدون تفكر في عاقبة الطلاق، وما يترتب عليه من المضار والمفاسد. والرجل إذا فارق زوجته، تاقت نفسه إليها، ووجد السبيل إلى ردها بالرجعة. لهذا شرع الله عز وجل الرجعة للحياة الزوجية رحمة بالزوجين، ونعمة يسعد بها كل من الطرفين. - حكم الرجعة: من أعظم نعم الله على عباده جواز الطلاق، وجواز الرجعة. فإذا تنافرت النفوس، واستحالت الحياة الزوجية، جاز الطلاق. وإذا تحسنت العلاقات، وعادت المياه إلى مجاريها، جازت الرجعة فلله الحمد والمنة. وتجب الرجعة في الطلاق البدعي كالطلاق في الحيض. 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ

حَكِيمٌ (228)} [البقرة: 228]. 2 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلا».أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثمَّ رَاجَعَهَا. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). - صفة الرجعة: تحصل الرجعة بالقول أو الفعل. 1 - القول: وهو كل لفظ يدل على الرجعة. فالصريح: ما يدل على الرجعة، ولا يحتمل غيرها. كأن يقول: راجعت زوجتي، أو راجعتك، أو رددتك، أو أمسكتك. والكناية: ما يدل على الرجعة ويحتمل غيرها. كأن يقول: أنت امرأتي، أو أنت عندي الآن. فالصريح لا يحتاج إلى نية؛ لظهوره، والكناية تحتاج إلى نية الرجعة؛ لخفاء دلالتها. 2 - الفعل: وهو الوطء بنية الرجعة. - من يملك الرجعة: الرجعة حق من حقوق الزوج وحده كالطلاق. فللزوج مراجعة زوجته ما دامت في العدة، سواء رضيت بذلك أم لم ترض. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1471). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2283) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2016).

وقد رتب الله حق الرجعة على الطلاق الرجعي، فلا يمكن إسقاطه أو التنازل عنه؛ لأن ذلك تغيير لما شرعه الله. 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} [البقرة:228]. 2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]. - شروط الرجعة: يشترط لصحة الرجعة ما يلي: 1 - أن تكون الفرقة بطلاق. 2 - أن يكون النكاح صحيحاً. 3 - أن يكون الطلاق دون ما يملك، وهو واحدة أو اثنتين. 4 - أن يكون الطلاق بلا عوض. 5 - أن يكون الطلاق بعد الدخول. 6 - أن تكون الرجعة قبل نهاية العدة. فإن اختل شرط من هذه الشروط لم تصح الرجعة. - ما لا يشترط في الرجعة: لا يشترط في صحة الرجعة ما يلي: 1 - رضا المرأة؛ لأن الرجعة إمساك للزوجة بحكم الزوجية، فلم يعتبر رضاها

كالتي في عصمته. 2 - الولي والصداق، فلا يشترط في الرجعة ولي ولا صداق؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة، والرجعة استبقاء لزواجها. 3 - إعلام المرأة بالرجعة؛ لأن الرجعة حق خالص للزوج لا يتوقف على رضا الزوجة كالطلاق، لكن يحسن إعلامها حتى لا تتزوج غيره بعد انقضاء العدة. 4 - الإشهاد على الرجعة؛ لأن الرجعة حق للزوج لا يتوقف على رضا المرأة، فلا يحتاج إلى الإشهاد عليه كسائر الحقوق. - أنواع الرجعة: الزوجة الرجعية لها حالتان: الأولى: الرجعة من طلاق رجعي، ولها حالتان: 1 - إذا طلق زوجته الطلقة الأولى فله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا طهرت من الحيضة الثالثة ولم يكن قد ارتجعها لم تحل له إلا بنكاح جديد. 2 - إذا طلق زوجته طلقة ثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة كما سبق. 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} ... [البقرة: 228]. 2 - وقال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

الثانية: الرجعة من طلاق بائن بينونة صغرى: فإذا طلق الرجل زوجته طلقة ثم خرجت من العدة فقد بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعقد ومهر جديدين إن شاءت، وإذا طلق زوجته الطلقة الثانية ثم خرجت من العدة فقد بانت منه بينونة صغرى، وله نكاحها بعقد ومهر جديدين إن شاءت. وإذا طلق زوجته الطلقة الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى، وليس له نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها، ثم تحل له بعقد ومهر جديدين. قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة: 230]. - وقت الرجعة: جعل الله عز وجل وقت الرجعة واسعاً، ثلاثة قروء، أو وضع الحمل، وهو وقت العدة من طلاق أو وفاة، وذلك لتمكين النادم على الطلاق من إعادة الزوجة، وإعطائه فرصة للنظر في أمر الزوجة في البقاء أو الفرقة. فإن رأى الخير في بقائها راجعها قبل انقضاء العدة، وإن رأى الخير في فراقها تركها حتى تنقضي عدتها، وتبين منه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ

أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)} ... [البقرة: 232]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} ... [الطلاق: 1]. - حكم الإشهاد على الرجعة: يسن الإشهاد على الطلاق والرجعة بشاهدين عدلين، ويصح الطلاق والرجعة بدون إشهاد. وإنما يستحب الإشهاد على الرجعة قطعاً للشك في حصولها، ودفعاً للتهمة عند العودة إلى مباشرة الزوجة، وخوفاً من إنكار الزوجة لها بعد انقضاء عدتها. قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2 - 3]. - حكم الزوجة الرجعية: تعود المرأة الرجعية بالرجعة إلى النكاح السابق بكل ما له وما عليه، فهي زوجة لها ما للزوجات من النفقة والكسوة والسكن والقسم، وتخالفهن في نقصان مرات الطلاق، حيث لا يبقى لها إلا واحدة بعد الأولى، ولا يبقى لها شيء بعد الثانية، فإذا راجعها ثم طلقها، فليس له مراجعتها؛ لأنها بانت منه.

- شروط المرأة المرتَجَعة: يشترط في المرأة التي يريد مراجعتها ما يلي: أن تكون مدخولاً بها .. ومطلقة طلاقاً رجعياً .. من نكاح صحيح .. وأن يكون طلاقها بلا عوض؛ لأن المطلقة بعوض ملكت نفسها .. وأن يكون زوجها لم يستوف معها عدد الطلاق، لأنه إذا استوفى عدد الطلاق فلا سلطة له عليها .. وأن تكون قابلة للرجعة، فلا يصح مراجعة المرتدة، ولا الكافرة .. وأن تكون باقية في العدة؛ لأنها إذا خرجت من العدة صارت بائنة .. وأن يكون قصد الزوج من الرجعة الإصلاح لا الإضرار بها. قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)} ... [البقرة: 228]. - الحكم عند اختلاف الزوجين في الرجعة: إذا اتفق الزوجان على الرجعة في أثناء العدة ثبتت، وترتبت عليها آثارها الزوجية. وإن اختلف الزوجان، فإما أن يكون الخلاف في حصول الرجعة أو في صحتها كما يلي: 1 - إن اختلف الزوجان في حصول الرجعة بأن ادعاها الزوج، وأنكرتها الزوجة: فإن كان قبل انقضاء العدة فالقول قول الزوج؛ لأنه يملك الرجعة فيها، فيقبل إقراره فيها، وإن كان بعد انقضاء العدة، فإن لم تكن للزوج بينة، فالقول قول

الزوجة مع اليمين؛ لأن الأصل عدم الرجعة، ووقوع البينونة. وإن اختلف الزوجان في الوطء فأنكرته المرأة، فالقول قولها مع يمينها. 2 - إن اختلفا في صحة الرجعة هل هي في العدة أو بعدها فالقول قول الزوجة مع يمينها؛ لأنها أعلم بالعدة، ما لم تكن بينة تنقض قولها.

6 - الخلع

6 - الخلع - الخلع: هو فراق الزوج زوجته بعوض يأخذه منها أو من غيرها، بألفاظ مخصوصة. - حكمة مشروعية الخلع: إذا عُدمت المحبة بين الزوجين، وحلت محلها الكراهة، وكثرت المشاكل، وزاد الشر، وكثر الخلاف، وظهرت العيوب من الزوجين أو أحدهما، فإن الله عز وجل جعل للخروج من ذلك سبيلاً ومخرجاً، ورخص في علاج يريح الطرفين. فإن كان ذلك من قِبَل الزوج فقد جعل الله بيده الطلاق. وإن كان ذلك من قِبَل الزوجة فقد أباح الله لها الخلع، بأن تعطي زوجها ما أخذت منه، أو أقل، أو أكثر ليفارقها. وقد شرع الله الخلع للمرأة في مقابلة الطلاق للرجل، وجعله طريقاً للخلاص من الخلاف. - فائدة الخلع: فائدة الخلع تخليص الزوجة من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها، وعقد جديد. فإذا كانت الحال غير مستقيمة، وكرهت المرأة زوجها، وكرهت العيش معه لأسباب خَلقية، أو خُلقية، أو دينية، أو صحية لكبر، أو ضعف، أو مرض ونحو ذلك، أو خشيت ألا تؤدي حق الله تعالى في طاعته، جاز لها أن تخالعه

بعوض تفتدي به نفسها منه. - حكم الخلع: يجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه. ويباح للمرأة الخلع إذا كرهت خلق زوجها، أو خافت إثماً بترك حقه، وإن كان يحبها فيسن صبرها عليه، وعدم فراقها إياه. ويستحب للزوج أن يجيب زوجته إلى الخلع إذا كانت الزوجة تتأذى ببقائها معه. ويجب الخلع إذا رأى من زوجته ما يدعوه إلى فراقها، من ظهور فاحشة، أو ترك فرض من صلاة، أو صوم ونحو ذلك. ويحرم الخلع مع استقامة حال الزوجين، وعدم وجود خلاف وشقاق بينهما. ويحرم ولا يصح إنْ عضلها وضارّها بالتضييق عليها، أو منعها حقوقها، لتفتدي نفسها بالخلع منه. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. 1 - وقال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} [النساء: 4]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَارَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ

الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري (¬1). - حكم عَضْل الزوجة: إذا كره الزوج امرأته، ورغب عنها لسبب من الأسباب المقبولة، فله أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان، ويستحب له الصبر عليها إن كانت ديِّنة، ولا يجوز له حبسها والإضرار بها لتفتدي منه بمال، فإن فعل فهو آثم، وعليه أن يرد ما أخذه منها أو بدله. ويحرم على الزوج أن يؤذي زوجته بمنع بعض حقوقها، حتى تضجر وتختلع نفسها، إلا إذا أتت بفاحشة مبينة، فله مخالعتها، ولا إثم عليه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} ... [النساء: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)} [البقرة: 231]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1469).

- أسباب الخلع: 1 - يباح الخلع إذا كرهت المرأة زوجها لسوء عشرته، أو سوء خلقه، أو دمامته، أو خافت إثماً بترك حقه، ونحو ذلك، ويستحب للزوج في مثل هذه الحالات إجابة زوجته إلى الخلع. 2 - إذا كرهت المرأة زوجها لنقص دينه كترك الصلاة، أو ترك العفة، فإن لم يستجب للنصح ولم يستقم فإنه يجب عليها أن تسعى لفراقه. وإذا فعل بعض المحرمات، ولم يجبرها على فعل محرم، فلا يجب عليها أن تختلع منه، وعليها أن تسعى في نصحه وتقويمه. - وقت الخلع: يجوز الخلع في أي وقت، حال الطهر، وحال الحيض؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض من أجل دفع الضرر الذي يلحق المرأة بطول العدة. والخلع شرع لإزالة الضرر الذي يلحق المرأة بسوء العشرة، وهو أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما، ولأن المرأة هي التي طلبت الفراق، واختلعت نفسها، ورضيت بالتطويل. ولأن الله عز وجل قد أطلق وقت الخلع، ولم يقيده بزمن دون زمن. قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. - ألفاظ الخلع: يصح الخلع بكل لفظ يدل عليه، فيصح بلفظ الخلع، أو بلفظ مشتق منه، أو بلفظ يؤدي معناه، كأن يقول الزوج لزوجته:

خالعتك على ألف ريال، أو يقول: فارقتك على كذا، أو فاديتك على كذا، أو فسختك على كذا، أو بعتك نفسك بكذا، أو طلقتك على كذا، ونحو ذلك مما يدل على الخلع بعوض تقبله المرأة. - شروط صحة الخلع: يشترط لصحة الخلع ما يلي: 1 - أهلية الزوج، فكل من لا يصح طلاقه لا يصح خلعه. 2 - أن يكون النكاح صحيحاً، سواء كان الخلع قبل الدخول أو بعده، ولو كانت مطلقة رجعية ما دامت في العدة. 3 - أن يصدر من الزوج بالصيغة المشروعة. 4 - الرضا والقبول من الزوجين. 5 - أن يكون الخلع على مال يصح تملكه، سواء كان نقداً، أو عيناً، أو منفعة، من المرأة أو غيرها، وكل ما صح أن يكون مهراً صح أن يكون بدل الخلع. - حكم التوكيل في الخلع: يجوز لكل من الزوجين التوكيل في الخلع. وكل من صح خلعه لنفسه جاز توكيله ووكالته، حراً كان أو عبداً، ذكراً أو أنثى؛ لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع، فيصح أن يكون وكيلاً وموكلاً فيه. والخلع عقد معاوضة، فيجب على الوكيل أن يلتزم بما وُكِّل فيه، فإن خالف لم يُلزم الموكِّل بالخلع.

- مقدار العوض في الخلع: كل ما جاز أن يكون صداقاً جاز أن يكون عوضاً في الخلع. فإذا قالت: اخلعني بألف، ففعل، بانت، واستحقت الألف. ويجوز للزوج أن يأخذ من زوجته مثل ما أعطاها من المهر، أو بعضه، وله أن يأخذ زيادة على ما أعطاها ما لم تكن الزيادة فاحشة ترهقها فتحرم. والأَوْلى عدم أخذ الزيادة؛ لمنافاته المروءة. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهْما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلا خُلُقٍ، إِلا أنِّي أخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأمَرَهُ فَفَارَقَهَا. أخرجه البخاري (¬1). - أنواع العوض في الخلع: يجوز أخذ العوض في الخلع سواء كان نقداً، أو عيناً، أو منفعة، أو حقاً. فالنقد: كالذهب، أو الفضة، أو الدراهم ونحوها. والعين: كالدار، والسيارة، والمزرعة ونحوها. والمنفعة: كأن ترضع ولده وتحضنه، أو يسكن دارها سنة مثلاً. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5276).

وإسقاط الحق: كأن تعفيه عن نفقة ولده الصغير، وتتحملها عنه. - صفة الخلع: الخلع فسخ بائن لا طلاق، سواء أوقعه بلفظ الفسخ، أو الطلاق، أو الخلع، أو الفداء أو غير ذلك. فالخلع فسخ بأي لفظ كان ما دام أنه بعوض، لا ينقص به عدد الطلاق، فهو فرقة بائنة، وفسخ للنكاح، وليس من الطلقات الثلاث، إنما هو فسخ للنكاح لمصلحة المرأة، مقابل ما افتدت به، تَبِين به الزوجة، ولا رجعة فيه، وتعتد منه بحيضة، وتحل له بعقد جديد إن رضيت وإن خالعها عدة مرات. وقد ذكر الله الطلاق والخلع في آية واحدة. 1 - قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهْما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلا خُلُقٍ، إِلا أنِّي أخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأمَرَهُ فَفَارَقَهَا. أخرجه البخاري (¬1). - عدة المختلعة: المختلعة تعتد بحيضة واحدة؛ لأنه لا رجعة لها، فتكفي حيضة للعلم ببراءة رحمها كالاستبراء. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5276).

عَنْ الرُّبَيِّع بنْت مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ ثابتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيلَةُ بنْتُ عَبْدِاللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ثابتٍ فَقَالَ لَهُ: «خُذِ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلِّ سَبيلَهَا». قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَتَلْحَقَ بأَهْلِهَا. أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). - آثار الخلع: يترتب على حصول الخلع ما يلي: 1 - تَبِين المرأة من زوجها، وتملك نفسها. 2 - بذل الزوجة العوض المتفق عليه. 3 - إنهاء العلاقة الزوجية. 4 - لا يلحق المختلعة طلاق؛ لأنها ليست زوجة. 5 - لا رجعة على المختلعة أثناء العدة؛ لأنها بائن. - حكم الاختلاف في الخلع: إذا اختلف الزوجان في جنس العوض، أو في مقداره، ولا بينة لواحد منهما، فالقول قول الزوجة مع يمينها؛ لأنها مدعىً عليها، والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر. كأن يقول زوجها: خالعتك بألفين، فتقول: بل بألف، ولا بينة، فالقول قولها، والبينة شهادة مسْلِمَين عدلين. وإن اختلف الزوجان في وقوع الخلع، فادعت الزوجة خلعاً، وأنكره الزوج ولا بينة له، صُدِّق بيمينه؛ لأن الأصل بقاء النكاح، وعدم الخلع. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1185)، وأخرجه النسائي برقم (3497) وهذا لفظه.

7 - اللعان

7 - اللعان - اللعان: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين، مقرونة بلعن من الزوج، وغضب من الزوجة. - حكمة مشروعية اللعان: إذا رأى الرجل زوجته تزني، ولم يمكنه إقامة البينة، أو قذفها بالزنا ولم تقر هي بذلك، فقد شرع الله عز وجل اللعان حلاً لمشكلته، وإزالة للحرج عنه؛ لئلا يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ويلحقه ولد غيره، ويأثم بسكوته عن الفاحشة في فراشه. - حكم من قذف غير زوجته: من قذف غير زوجته بفعل الفاحشة، ولم يستطع إقامة البينة، وهي أربعة شهود، وجب جلده ثمانين جلدة، ويعتبر فاسقاً، لا تقبل شهادته إلا إن تاب وأصلح. وأوجب الله ذلك كله صيانة لأعراض النساء، وحماية لهن من ظن السوء، ودفعاً للعار عنهن. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} ... [النور: 4 - 5]. - حكم اللعان: إذا رمى الرجل زوجته بالزنا، ولم تقر هي بذلك، ولم يرجع عن رأيه، ولم تكن له بينة، فقد شرع الله لهما اللعان فيتلاعنان أمام القاضي، ثم يفرق بينهما أبداً.

1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} ... [النور: 6 - 9]. 2 - وَعن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «البَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «البَيِّنَةَ وَإِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ». فَقَالَ هِلاَلٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} -فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ- {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلاَلٌ فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ». ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ، سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ». فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ». أخرجه البخاري (¬1). - أسباب اللعان: يكون اللعان في صورتين: رمي الزوج زوجته بالزنا .. أو نفي الحمل منه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4747).

فإذا حصل ذلك من الزوج فله ثلاث حالات: الأولى: أن يقيم البينة الشرعية على صحة دعواه، وهي أربعة شهود، فإذا أقام البينة أقيم على زوجته حد الزنا. الثانية: إذا لم يكن له بينة، وأقرت هي بذلك، فيقام عليها حد الزنا. الثالثة: إذا لم يكن للزوج بينة، ولم تقر الزوجة بالزنا، فيقام عليه حد القذف، إلا أن يسقط حد القذف باللعان. فإذا قذف الرجل زوجته، وتعسر عليه إقامة البينة، فقد جعل الله له فرجاً ومخرجاً ثالثاً غير البينة والحد، بأن شرع اللعان بين الزوجين. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} ... [النور: 4 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 6 - 9]. - شروط اللعان: يشترط لصحة اللعان ما يلي: 1 - أن يكون بين زوجين مكلفين. 2 - أن يقذف زوجته بالزنا قبل الدخول أو بعده. 3 - أن تكذبه الزوجة فيما ادعاه.

4 - أن يكون بحضور القاضي أو نائبه. - صفة اللعان: 1 - يسن للقاضي وعظ الزوجين قبل اللعان، فيرغِّبهما بتقوى الله، ويخوِّفهما عذاب الله، وأن يكون اللعان في المسجد بحضرة جماعة من الناس، وأن يؤدي المتلاعنان الشهادات والأيمان حال القيام. 2 - يبدأ القاضي بالزوج فيأمره أن يقول أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا، ويشير إليها. ثم يزيد في الخامسة: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)} [النور: 7]. 3 - ثم يأمر القاضي الزوجة أن تقول أربع مرات: أشهد بالله إنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنا. ثم تزيد في الخامسة: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 9]. 4 - إذا تم اللعان فرق القاضي بين الزوجين، فلا تحل لزوجها ولو بعد أن تنكح أزواجاً، وتعتد بحيضة. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 6 - 9]. 2 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ! المُتَلاعِنَانِ، أيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قال: سُبْحَانَ اللهِ! نَعَمْ، إِنَّ أوَّلَ مَنْ سَألَ عَنْ ذَلِكَ فُلانُ ابْنُ فُلانٍ، قال: يَا رَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ أنْ لَوْ وَجَدَ أحَدُنَا

امْرَأتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قال: فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَألْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الآْيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ... }. فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأخْبَرَهُ أنَّ عَذَابَ الدُّنْيَاأهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآْخِرَةِ، قال: لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأخْبَرَهَا أنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآْخِرَةِ، قَالَتْ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالخَامِسَةُ أنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأةِ فَشَهِدَتْ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ، وَالخَامِسَةُ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُتَلاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا». قال: مَالِي؟ قال: «لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أبْعَدُ لَكَ». متفق عليه (¬2). - وقت وقوع الفرقة في اللعان: تقع الفرقة بين الزوجين إذا فرغا من اللعان، وتكون الفرقة على سبيل التأبيد، فلا يحل له نكاحها أبداً. والفرقة الحاصلة باللعان فسخ لا طلاق؛ لأن التحريم بهذه الفرقة مؤبد، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1493). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5312) , واللفظ له، ومسلم برقم (1493).

وليس للمرأة بعده نفقة ولا سكنى أثناء العدة. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لاعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ وَامْرَأتِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. متفق عليه (¬1). - آثار اللعان: إذا تم اللعان ترتبت عليه الأحكام الآتية: 1 - سقوط حد القذف عن الزوج. 2 - سقوط حد الرجم عن الزوجة. 3 - الفرقة بين المتلاعنين. 4 - التحريم المؤبد بين المتلاعنين. 5 - انتفاء الولد عن الزوج إن وجد. 6 - لحوق الولد بالزوجة. 7 - سقوط النفقة والسكنى على المرأة أثناء العدة. أما المحرمية فتبقى، فلا يجوز أن يزوج الملاعن بنته لمن نفي نسبه منه، لاحتمال كونه ابناً له. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ، فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَلاَعَنَا كَمَا قَالَ اللهُ، ثُمَّ قَضَى بِالوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2748) , ومسلم برقم (1494)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4748) , واللفظ له، ومسلم برقم (1494).

- حكم النكول عن اللعان: النكول عن اللعان إما أن يكون من الزوج أو من الزوجة. فإن امتنع الزوج عن اللعان حُدّ حَدّ القذف، وإن امتنعت الزوجة حُدّت حَد الزنا؛ لأن اللعان بدل عن حد الزنا للمرأة، وبدل عن حد القذف للرجل، واللعان مسقط لهما، وإذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان حُدَّ حَدَّ القذف. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 6 - 9]. - ما يُسقط اللعان بعد وجوبه: يَسقط اللعان بعد وجوبه بما يلي: 1 - طروء عارض من عوارض الأهلية كالجنون، أو الردة، أو الخرس. 2 - تصديق المرأة زوجها في القذف أو عفوها أو سكوتها. 3 - البينونة بالطلاق أو الفسخ أو الموت. 4 - تكذيب الزوج نفسه.

8 - العدة

8 - العدة - العدة: هي تربص المرأة مدة محددة شرعاً بسبب فرقة نكاح أو وفاة. - حكمة مشروعية العدة: شرع الله عز وجل العدة لتحقيق المصالح الآتية: 1 - التأكد من براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب. 2 - إتاحة الفرصة للمطلق أن يراجع زوجته إذا ندم، كما في الطلاق الرجعي. 3 - تعظيم شأن النكاح، وأنه لا ينعقد إلا بشروط، ولا ينفك إلا بتريث وانتظار. 4 - رعاية حق الزوج وأقاربه، وإظهار التأثر لفقده، وإبداء وفاء الزوجة لزوجها بعدم انتقالها لغيره إلا بعد مدة محددة. 5 - صيانة حق الحمل إن كانت المفارقة حاملاً. - حكم العدة: العدة واجبة على كل امرأة مات عنها زوجها قبل الدخول أو بعده، أو فارقها زوجها بعد الدخول بطلاق، أو خلع، أو فسخ. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)} ... [البقرة: 234]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... [البقرة: 228]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ

أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. 4 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)} [الأحزاب: 49]. - أقسام المعتدات: الزوجات المعتدات ست: الأولى: الزوجة الحامل: وعدتها من وفاة، أو طلاق، أو فسخ، إلى وضع الحمل الذي تبيَّن فيه خلق إنسان، فإذا وضعت الحمل خرجت من العدة. وأقل مدة الحمل ستة أشهر منذ نكاحها، وغالبها تسعة أشهر. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} ... [الطلاق: 4]. 2 - وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَتْهُ أنْ تَنْكِحَ، فَأذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ. أخرجه البخاري (¬1). الثانية: المتوفى عنها زوجها: إن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5320).

وإن لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام منذ وفاته، سواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده؛ رعاية لحق الزوج، واستبراءً للرحم. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)} ... [البقرة: 234]. 2 - وَعَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا. متفق عليه (¬1). الثالثة: المفارقة لزوجها في الحياة من ذوات الأقراء: فإن كان الفراق بطلاق فعدتها ثلاثة قروء، وهو الحيض بعد الطهر ثلاث مرات. وإن كان الفراق بخلع، أو فسخ اعتدت بحيضة واحدة تُعلم بها براءة رحمها من الحمل. 1 - قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... [البقرة: 228]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةَ ثابتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَّتَهَا حَيْضَةً. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4909) , واللفظ له، ومسلم برقم (1485). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2229) وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1185).

- صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بحَيْضَةٍ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). الرابعة: المفارقة لزوجها وهي صغيرة، أو آيسة، أو لم تحض: فمن أيست من الحيض لكبر ونحوه، أو كانت صغيرة لم يأتها الحيض، أو كانت بالغة لم يأتها الحيض بالكلية، أو مستحاضة لا تميِّز، فعدتها ثلاثة أشهر، كل شهر مقابل حيضة. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. 2 - وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي لا أطْهُرُ، أفَأدَعُ الصَّلاةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإذَا أقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي». متفق عليه (¬2). الخامسة: من ارتفع حيضها ولم تدر ما سببه: فمن فارقها زوجها وهي تحيض، ثم ارتفع حيضها ولم تدر سببه، فإن عاد الحيض اعتدت به، وإن لم يعد فهذه عدتها سنة من انقطاع الحيض، تسعة أشهر للحمل، ثم تعتد بثلاثة أشهر كالآيسة. السادسة: امرأة المفقود: المفقود: هو من انقطع خبره، فلم تُعلم حياته، ولا موته. فهذا تنتظر زوجته قدومه، أو تبيُّن أمره، في مدة يضربها الحاكم للاحتياط في ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1185) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2058). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (306) , واللفظ له، ومسلم برقم (333).

شأنه، وذلك يختلف باختلاف الأحوال، والزمان، والمكان. فإذا تمت المدة ولم يأت، حَكَم الحاكم بوفاته، ثم اعتدت زوجته أربعة أشهر وعشراً عدة وفاة من وقت الحكم. - عدة غير الزوجة: 1 - إذا ملك الرجل أمة توطأ فلا يحل له أن يجامعها حتى يستبرأها إن كانت حاملاً بوضع الحمل .. والتي تحيض بحيضة .. والآيسة والصغيرة بمضي شهر. 2 - الموطوءة بشبهة، أو زنا، أو بنكاح فاسد، أو المختلعة، أو المفسوخة، كل واحدة من هؤلاء تعتد بحيضة واحدة؛ لمعرفة براءة رحمها من الحمل. 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4]. - حكم عدة الكتابية: تجب العدة على المرأة الكتابية إذا كانت زوجة لمسلم، لأجل حق الزوج والولد، منعاً من اختلاط الأنساب. وإن كانت الكتابية زوجة لمثلها فتجب عليها العدة كذلك. - أنواع العدة: العدة ثلاثة أنواع: عدة بالأقراء .. وعدة بالأشهر .. وعدة بوضع الحمل. وعدة الطلاق ثلاثة أنواع:

ثلاثة قروء لمن تحيض .. وضع حمل الحامل .. ثلاثة أشهر لليائسة، والصغيرة، والتي لم تحض. وعدة الوفاة نوعان: الحامل بوضع الحمل .. وغير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام. - مكان العدة: الزوجات من حيث مكان العدة ثلاثة أقسام: 1 - المتوفي عنها زوجها: تجب عليها عدة الوفاة في منزلها حال حياة زوجها. فإن تحولت خوفاً، أو قهراً، أو بحق، انتقلت حيث شاءت في مكان تأمن فيه على نفسها. وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت. 2 - المطلقة الرجعية: تعتد المطلقة الرجعية في بيت زوجها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، ولها النفقة والسكنى مدة العدة. ولا يجوز إخراجها من بيت زوجها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة من أقوال، أو أفعال يتضرر بها أهل البيت. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق: 1].

3 - المطلقة البائن: تعتد كل مطلقة بائن، أو مختلعة، أو مفسوخة، في بيت أهلها. ولها النفقة إن كانت حاملاً حتى تضع حملها، ولا نفقة لها ولا سكنى إن لم تكن حاملاً. عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا البَتَّةَ، فَقَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. أخرجه مسلم (¬1). - أسباب وجوب العدة: تجب العدة على الزوجة بواحد مما يلي: وفاة الزوج .. الطلاق .. الخلع .. الفسخ. - وقت ابتداء العدة: 1 - إذا كان الزواج صحيحاً فتبدأ العدة بعد الوفاة أو الطلاق أو الفسخ، وتنقضي العدة وإن جهلت الزوجة بالوفاة أو الطلاق، فلو طلق امرأته الحامل أو مات عنها، ولم يبلغها الخبر حتى وضعت، انقضت عدتها. 2 - إن كان الزواج فاسداً فمبدأ العدة من حين التفريق بين الزوجين. 3 - إن كان الوطء بشبهة فمبدأ العدة من آخر الوطآت التي علم بعدها أنها لا تحل له كمن تزوج بأخته من الرضاع. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1480).

- أحكام المعتدة: تتعلق بالمعتدة الأحكام الآتية: 1 - تحريم الخطبة: فلا يجوز لأحد خطبة المعتدة صراحة، سواء كانت مطلقة، أو متوفى عنها زوجها؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة، ولبقاء بعض آثار الزواج في المطلقة ثلاثاً أو بائناً أو متوفى عنها زوجها. ولا يجوز التعريض بالخطبة في عدة الطلاق، ويجوز في عدة الوفاة، والبائن بينونة كبرى. قال الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235]. 2 - حرمة الزواج: فلا يجوز لغير الزوج عقد النكاح على المعتدة حتى تنقضي عدتها؛ لبقاء الزوجية في الطلاق الرجعي، وبقاء بعض آثار الزواج في طلاق الثلاث والبائن. وإذا تزوجت أثناء العدة من غير زوجها فالنكاح باطل، ومن حق زوجها أن يتزوجها بعد انتهاء العدة إلا في عدة الطلاق الثلاث فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. 3 - حرمة الخروج من البيت: لا يجوز للمعتدة الخروج من منزلها إلا لعذر، سواء كانت معتدة من طلاق

رجعي، أو بائن، أو مطلقة ثلاثاً، أو متوفى عنها زوجها. ويجوز لكل معتدة الخروج من منزلها لضرورة أو عذر، كأن تخرج لحاجتها كطلب طعام أو دواء، أو تخاف على نفسها، أو خافت هدماً، أو غرقاً ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق: 1]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأرَادَتْ أنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أنْ تَخْرُجَ، فَأتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أنْ تَصَدَّقِي أوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفاً». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وجوب النفقة على الزوج: فإن كانت المعتدة مطلقة رجعية وجبت لها النفقة والسكن؛ لأنها زوجة. وإن كانت معتدة من طلاق بائن فتجب لها النفقة والسكن إن كانت حاملاً، وإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها ولا سكنى، وإن كانت معتدة من وفاة فلا نفقة لها؛ لانتهاء الزوجية بالموت، ويجب عليها السكن في بيت الزوجية مدة العدة. 1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} [الطلاق: 6]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1483).

2 - وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاثاً، فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُكْنَى وَلا نَفَقَةً. أخرجه مسلم (¬1). 5 - وجوب الإحداد: فيجب الإحداد على كل زوجة توفي عنها زوجها في جميع مدة العدة، وهي أربعة أشهر وعشراً. والإحداد: اجتناب المرأة كل ما يدعو إلى نكاحها من الزينة، والطيب، واللباس. عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لا تَكْتَحِلُ وَلا تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ». متفق عليه (¬2). 6 - ثبوت الإرث في العدة: إذا مات أحد الزوجين قبل انقضاء عدة المطلقة طلاقاً رجعياً ورثه الآخر، لبقاء الزوجية أثناء العدة. فإن كان الطلاق بائناً أو ثلاثاً، في حال الصحة، فمات أحد الزوجين في العدة لم يرثه الآخر، وإن كان هذا الطلاق في حال المرض برضاها فلا توارث بينهما، وإن كان بغير رضاها فإنها ترثه ويرثها، معاملة للمطلق بنقيض قصده. 7 - ثبوت نسب المولود في العدة: يثبت للزوج ولد المطلقة الرجعية، والبائن، والمطلقة ثلاثاً، والمفسوخة، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1480). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5342) , واللفظ له، ومسلم برقم (938).

والمتوفى عنها زوجها، ولا تنقضي عدتها إلا بوضع هذا الحمل. 8 - لحوق الطلاق في العدة: إذا طلق الرجل زوجته طلقة واحدة، ثم اعتدت منه، ثم طلقها ثانية وثالثة، فيلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة، فإذا خرجت من العدة بانت منه كما سبق. - حالات الانتقال في العدة: الأولى: الانتقال إلى عدة وفاة: إذا مات الزوج في أثناء عدة زوجته التي طلقها طلاقاً رجعياً، انتقلت من عدتها بالأقراء أو الأشهر إلى عدة وفاة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام؛ لأن الرجعية زوجة. فتسقط بقية عدة الطلاق، وتبدأ عدة الوفاة من موته. وإن مات زوجها في أثناء عدتها من طلاق بائن، فتتم عدة الطلاق البائن؛ لأنها ليست بزوجة، ولا إحداد عليها، ولها النفقة إن كانت حاملاً منه. الثانية: العدة بأبعد الأجلين: إذا طلق الرجل زوجته في مرض الموت بقصد حرمانها من الميراث، ثم مات وهي في العدة، فإنها تنتقل من عدة الطلاق إلى العدة بأبعد الأجلين من عدة الوفاة، وعدة الطلاق. فتتداخل العدتان لكونها مطلقة، ومتوفى عنها، ويُعمل بالأطول منهما من حين موته، كأن يموت زوج الرجعية في عدتها. الثالثة: تحول العدة من الأشهر إلى الأقراء:

إذا طلقت الصغيرة، أو من بلغت سن الياس، ثم شرعت في العدة بالشهور، ثم حاضت قبل انتهاء العدة، بطلت الشهور، ولزمتها العدة بالأقراء، وهي ثلاث حيضات، لأن الأقراء هي الأصل، والشهور بدل عنها، فلا يُعمل بالبدل مع وجود الأصل، وإن انقضت عدتها بالأشهر ثم حاضت فقد تمت عدتها، ولا يلزمها استئناف العدة بالأقراء. الرابعة: تحول العدة من الأقراء إلى وضع الحمل: فإذا شرعت المطلقة في العدة بالأقراء، ثم ظهر بها حمل من زوجها، سقط حكم الأقراء، ولزمتها العدة بوضع الحمل. الخامسة: الانتقال من الأقراء إلى الأشهر: إذا طلق امرأته التي كانت تحيض، فحاضت مرة أو مرتين، ثم أيست، انتقلت عدتها من الأقراء إلى الأشهر. فتعد سنة، تسعة أشهر للحمل من وقت الطلاق، ثم تعتد بعد ذلك عدة الآيسة ثلاثة أشهر.

1 - الإحداد

1 - الإحداد - الإحداد: هو اجتناب المرأة المتوفى عنها زوجها أثناء العدة كل ما يدعو إلى نكاحها من الطيب، والكحل، وثياب الزينة، والخروج من منزلها إلا لحاجة. - حكمة مشروعية الإحداد: أباح الإسلام للمرأة الإحداد، وذلك بمنعها مما كان مباحاً لها قبل وفاة زوجها؛ إظهاراً لحق الزوج على زوجته، وتأسفاً على ما فاتها من حق العشرة والصحبة، وفوات نعمة النكاح بموت العائل الذي كان يصونها ويرعى مصالحها. وفي الإحداد سد لذريعة الطمع في الرجال، وطمعهم فيها بالزينة. - حكم الإحداد: يجب الإحداد مدة العدة على كل امرأة توفى عنها زوجها. ويباح للمرأة الإحداد على القريب الميت كالأب، والأم، والأخ ثلاثة أيام فقط. ويحرم الإحداد فوق ثلاثة أيام على ميت غير زوج. ولا إحداد على المطلقة الرجعية أو البائن؛ لأن الرجعية زوجة، والبائن قد أغضبها بالطلاق، فلا تُلزم بالحزن على فراقه بالإحداد عليه، وإنما يحسن منها اجتناب الزينة؛ لئلا تجرها إلى الفساد. عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ،

إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً». متفق عليه (¬1). - مدة الإحداد: يجب الإحداد على الزوجة المتوفى زوجها مدة العدة، أربعة أشهر وعشراً. وأما الحامل المتوفى عنها زوجها فيسقط وجوب الإحداد عنها بوضع حملها. ويجوز الإحداد على ميت غير زوج ثلاثة أيام فقط. وإن تركت زوجة المتوفي الإحداد مدة العدة، فقد تمت العدة، وأثمت بترك الإحداد، فتستغفر الله. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)} [البقرة: 234]. - الأشياء التي تجتنبها المحادة: تجتنب المرأة المحادة أثناء عدتها ما يلي: 1 - الزينة في نفسها: فلا تختضب، ولا تضع على وجهها شيئاً من وسائل التجميل. ولا تلبس الحلي بجميع أنواعه كالقلائد، والخواتيم، والأساور ونحوها؛ لأن ذلك كله يزيد في حسن المرأة، ويدعو إلى مباشرتها. 2 - الطيب: سواء كان دهناً، أو عطراً، أو بخوراً، أو غيرها؛ لأن ذلك يحرك الشهوة، ويجر إلى المباشرة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1281) , واللفظ له، ومسلم برقم (1486).

3 - ثياب الزينة: فيحرم على الزوجة المحادة لبس الثياب التي تلبسها النساء عادة للزينة والمناسبات من أي لون، وما عدا ذلك من ثياب نظيفة ليست للزينة فللمرأة لبسها وإن كانت ملونة. 4 - الكحل: فلا يجوز لها أن تكتحل بالإثمد، وهو كحل أسود؛ لأنه يزيد في حسن المرأة، وجمال عيونها. ولها استعماله للدواء في الليل، خاصة عند الحاجة. 5 - الخروج من المنزل: فيجب عليها أن تعتد وتبيت في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه، فإن جاءها الخبر في غير مسكنها رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه، ولا يجوز لها أن تتحول عنه إلا لعذر وحاجة. ولها أن تخرج من بيتها لحاجتها نهاراً، وليس لها الخروج ليلاً إلا لضرورة كمراجعة طبيب ونحوه؛ لأن الليل مظنة الفساد. عَنْ أمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلا نَكْتَحِلَ، وَلا نَطَّيَّبَ، وَلا نَلْبَسَ ثَوْباً مَصْبُوغاً إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ. متفق عليه (¬1). - ما يجوز للمعتدة فعله: يجوز للمعتدة أن تكلم من جرت عادتها بتكليمه قبل موت زوجها، ويجوز لها استعمال الهاتف، وإجابة من يطرق الباب. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5341) , واللفظ له، ومسلم برقم (938).

ولها أن تغتسل وتنظف بدنها وثيابها، وتلبس ما شاءت من الثياب غير ثياب الزينة، وتسرح شعرها. ويجوز لها أن تخرج إلى فناء منزلها، وحديقة بيتها، وأن تخرج لحاجتها محتشمة. عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأرَادَتْ أنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أنْ تَخْرُجَ، فَأتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أنْ تَصَدَّقِي أوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفاً». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1483).

2 - الاستبراء

2 - الاستبراء - الاستبراء: تربصٌ يُقصد منه العلم ببراءة رحم المرأة من الولد. - حكمة مشروعية الاستبراء: يجب الاستبراء في ملك اليمين، والموطوءة بشبهة ونحوها، وذلك منعاً من اختلاط المياه، واشتباه الأنساب، ويحرم وطؤها قبل استبرائها. - أنواع الاستبراء: يحصل العلم ببراءة الرحم بما يلي: 1 - إن كانت الرقيقة حاملاً فبوضع حملها. 2 - إن كانت تحيض فاستبراؤها بحيضة واحدة. 3 - إن كانت صغيرة أو آيسة فبمضي شهر واحد من تملُّكها. 4 - إن كانت موطوءة بشبهة في زواج فاستبراؤها بحيضة واحدة، وإن كانت صغيرة أو آيسة فبمضي شهر واحد. عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - أسباب الاستبراء: 1 - ملك الأمة بسبي، أو شراء، أو هبة، أو إرث أو غير ذلك. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (11596) , وأخرجه أبو داود برقم (2156)، وهذا لفظه.

2 - زوال ملك الأمة بعتق، أو بموت سيدها أو بغيرهما. 3 - الزنا، فإذا زنت المرأة، أو وطئت بشبهة، استبرأت. ففي هذه الأحوال وأمثالها تُستبرأ المرأة لتُعلم براءة رحمها بحيضة واحدة، وبوضع الحمل للحامل، وبشهر للصغيرة والآيسة ومن لم تحض.

9 - الرضاع

9 - الرضاع - الرضاع: هو مص إنسان لبناً ثاب عن حمل أو شربه ونحوه. - حكمة التحريم بالرضاع: التحريم بالرضاع يكون بسبب تكوّن أجزاء البنية الإنسانية من اللبن، فلبن المرأة يُنبت لحم الرضيع، ويُنشز عظمه، ويُكبر حجمه. وبه تصبح المرضع أماً للرضيع؛ لأنه تغذى بلبنها، فصار جزءاً منها حقيقة، فكان كالنسب له منها. - شروط الرضاع المحرِّم: يشترط في الرضاع الذي تثبت به الحرمة ما يلي: أن يكون الرضاع في الحولين .. وأن تكون الرضعات خمساً فأكثر .. وأن تكون الرضعات متفرقات .. وأن يكون اللبن بسبب حمل من نكاح صحيح. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2645) , واللفظ له، ومسلم برقم (1447).

فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ. أخرجه مسلم (¬1). - حد الرضعة: أن يأخذ الرضيع الثدي، ويمتص اللبن منه، ولا يتركه إلا طائعاً من غير عارض يعرض له. فلو مص مصة أو مصتين فإن ذلك لا يحرِّم؛ لأنه دون الرضعة، ولا يؤثر في الغذاء، ونبات اللحم. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ الفَضْلِ حَدَّثَتْ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أوِ الرَّضْعَتَانِ، أوِ المَصَّةُ أوِ المَصَّتَانِ». أخرجه مسلم (¬2). - ما يثبت به الرضاع: 1 - يثبت الرضاع بشهادة رجلين .. أو رجل وامرأتين .. أو بشهادة امرأة واحدة مرضية في دينها، سواء كانت المرضعة أو غيرها. 2 - إذا شك أحد في وجود الرضاع، أو شك في كماله خمس رضعات، وليس هناك بينة، فلا تحريم؛ لأن الأصل عدم الرضاع. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: أرْضَعْتُكُمَا، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ بِنْتَ فُلانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأعْرَضَ عَنِّي، فَأتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قال: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أنَّهَا قَدْ أرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1452). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1451). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5104).

- آثار الرضاع: إذا ثبت الرضاع ترتب عليه حكمان: الأول: تحريم النكاح، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]. الثاني: ثبوت المحرمية في إباحة النظر، وإباحة الخلوة، فهي أمه من الرضاع، وزوجها أبوه من الرضاع، ومحارمها محارمه، وأولادها إخوته ... وهكذا. أما النفقة، والتوارث، وولاية النكاح، فلا تثبت بالرضاع. ولبن البهيمة لا يحرِّم كلبن المرأة، فلو رضع طفلان من بهيمة كشاة أو بقرة، لم ينشر الحرمة بينهما؛ لأن الشرع خصه بالآدمية فقط. ونقل الدم من رجل إلى امرأة وعكسه لا ينشر الحرمة؛ لأنه ليس بلبن، فلا ينشر الحرمة بينهما. - انتشار حرمة الرضاع: 1 - حرمة الرضاع تنتشر على المرتضع وأولاده وإن نزلوا، ولا تنتشر على من في درجته من إخوانه وأخواته، ولا على مَنْ أعلى منه كأبيه وأمه. فلا يحرم على زوج المرضعة نكاح أم الطفل المرتضع من النسب، ولا نكاح أخته وعمته، كما يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع. 2 - جميع أقارب المرأة المرضعة أقارب للمرتضع من الرضاعة، فأولادها

إخوته .. وآباؤها وأمهاتها أجداده .. وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته .. وأعمامها وعماتها أعمامه وعماته .. وأخوالها وخالاتها أخواله وخالاته. وكل هؤلاء حرام على الرضيع ذكراً كان أو أنثى. 3 - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فجميع أولاد المرأة المرضعة من زوجها هذا ومن غيره، وجميع أولاد زوجها منها ومن غيرها، كلهم إخوة لهذا الرضيع، سواء ولدوا قبل الرضاع أو بعده. فلو كان لرجل امرأتان، فأرضعت هذه طفلاً، وأرضعت هذه طفلة، كانا أخوين من الرضاعة، فاللقاح واحد، وهو ماء الرجل الذي درَّ به اللبن من المرأتين؛ لأن زوج المرضعة أبوه من الرضاعة. 4 - إخوة الرضيع من نسب، أو رضاع غير رضاع هذه المرأة المرضعة هم أجانب منها ومن أقاربها. فيجوز لهم أن يتزوجوا من أولاد المرضعة الأخرى؛ لأن الحرمة لا تنتشر عليهم. 5 - يجوز لإخوة المرتضع من الرضاع أن يتزوجوا أخواته من النسب، كما يجوز لإخوته من أبيه أن يتزوجوا أخواته من أمه، بل لأب هذا من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع؛ لأن أباه لم يشرب معه لبن المرضعة، فلا تنتشر عليه حرمة الرضاع. 6 - يجوز لأخ الرجل من أبيه أن يتزوج أخته من أمه، ويجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع، ويجوز للمرتضع أن يتزوج أخوه من الرضاعة بأمه من النسب، وأخته من النسب.

1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أفْلَحَ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأخْبَرَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا: «لا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: «أفْعَلُ مَاذَا؟». قُلْتُ: تَنْكِحُهَا، قال: «أوَ تُحِبِّينَ ذَلِكِ؟». قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الخَيْرِ أُخْتِي، قال: «فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لِي». قُلْتُ: فَإِنِّي أُخْبِرْتُ أنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أبِي سَلَمَةَ، قال: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟». قُلْتُ: نَعَمْ، قال: «لَوْ أنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أرْضَعَتْنِي وَأبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أخَوَاتِكُنَّ». متفق عليه (¬2). - حكم إرضاع الكبير: الرضاع المحرِّم هو خمس رضعات فأكثر في الحولين. فإن دعت الحاجة إلى إرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله البيت، ويشق على المرأة الاحتجاب عنه، فيجوز لهذه المرأة إرضاعه، فتثبت له المحرمية بخمس رضعات كما سبق. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ سَالِماً مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أبِي حُذَيْفَةَ وَأهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأتَتْ (تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ) النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِماً قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أظُنُّ أنَّ فِي نَفْسِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2644) , ومسلم برقم (1445)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5101) , ومسلم برقم (1449)، واللفظ له.

أبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أبِي حُذَيْفَةَ». فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أبِي حُذَيْفَةَ. أخرجه مسلم (¬1). - قاعدة الرضاع المحرِّم: 1 - الرضاع ينشر الحرمة على المرتضع وفروعه، وهم أولاده وإن سفلوا، ولا ينتشر على أصول المرتضع، وهم آباؤه وأمهاته وإن علوا، ولا على حواشيه، وهم إخوته وأخواته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته. 2 - الرضاع ينشر الحرمة على أصول وفروع وحواشي المرضعة، فأولاد الزوج والمرضعة إخوة المرتضع وأخواته، وآباؤهما أجداده وجداته، وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته، وإخوة زوجها وأخواته أعمامه وعماته .. وهكذا. - فضل لبن الأم: رضاع الوليد من أمه أو من المرأة المرضعة له فوائد كبيرة أهمها: 1 - لبن الأم معقم مجهز خال من الميكروبات. 2 - لبن الأم خلقه الله ليفي بحاجات الطفل يوماً بعد يوم منذ ولادته حتى سن الفطام. أما ألبان الأغنام والأبقار فهي عسيرة الهضم على معدة الطفل؛ لأنها خلقت لتناسب أولاد تلك الحيوانات، ولهذا تحدث بسببها الأمراض للأطفال. 3 - نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم، أو من النساء المرضعات، أسرع وأكمل من نمو الأطفال الذين يرضعون اللبن المحضر من ألبان الحيوانات. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1453).

4 - رضاع الطفل من ثدي أمه يزيد الرباط العاطفي والنفسي بين الأم وطفلها، وهذا أمر مطلوب. 5 - رضاع الطفل من الثدي هو أحد العوامل الطبيعية لمنع حمل الأم قبل تمام الرضاعة. والأم أحق بإرضاع ولدها، فإن كانت مريضة أو عاجزة، أو مطلقة وأبت الرضاع، التمس له أبوه مرضعة أخرى. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)} ... [البقرة: 233]. 2 - وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... [الطلاق: 6]. - أنواع حليب الرضاع: أفضل ما يتناوله الوليد من الحليب ما يلي: 1 - رضاع الوليد من أمه، وهذه أحسنها وأكملها. 2 - رضاع الوليد من مرضعة أخرى من النساء، وهذه تليها. 3 - رضاع الوليد من حليب الأبقار والأغنام ونحوها. 4 - رضاع الوليد من الحليب المجفف من الأبقار والأغنام. 5 - رضاع الوليد من الحليب الصناعي المضاف إليه مركبات كيميائية، وعناصر

غذائية مختلفة. وأفضل هذه الأنواع بلا ريب الأول والثاني؛ لما فيها من الموافقة لطبيعة المولود، وسلامته من الأمراض. ولما تركت النساء الرضاعة الطبيعية، ولجأت إلى الرضاعة بالحليب الصناعي المركب، حدث بسبب اختلاف نسبة المركبات، واختلاف حاجات الأطفال، أمراض كثيرة للنساء والأطفال. أما إنشاء بنوك حليب الأمهات فلا يجوز إرضاع المواليد منها؛ لما يسببه ذلك من اختلاط الأنساب بين الناس، وقتل عاطفة الأمومة بين المرأة وطفلها.

10 - الحضانة

10 - الحضانة - الحضانة: هي حفظ صغير أو معتوه عما يضره، وتربيته والقيام بما يصلحه حتى يستقل بنفسه. - سبب الحضانة: وجود فراق بين الزوجين، أو موتهما، أو موت أحدهما، فيحتاج الولد إلى من يأخذه، ويعلمه، ويربيه، ويقوم بكل ما يصلحه. - المقصود من الحضانة: المقصود من الحضانة تحقيق ثلاثة أمور: 1 - القيام بمؤن المحضون من طعامه، وشرابه، ولباسه، ونظافته، وتعهد مضجعه. 2 - تربيته بما يصلحه، سواء كان ذلك في دينه أو دنياه. 3 - حفظه عما يؤذيه برعاية حركاته وسكناته، في منامه ويقظته. - حكم الحضانة: الحضانة مشروعة، وفيها أجر وثواب، سواء كانت بأجرة أو بدون أجرة. 1 - قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... [الطلاق: 6]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنِي هَذا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنْتِ أَحَقُّ بهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».

أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - أنواع الولاية على الطفل: الولاية على الطفل لها وجهان: الأول: ما يقدم فيه الأب على الأم، وهي ولاية المال والنكاح. الثاني: ما تقدم فيه الأم على الأب، وهي ولاية الحضانة والرضاع. - الأحق بالحضانة: الحضانة من محاسن الإسلام، وعنايته بالأطفال. فإذا افترق الأبوان، وكان بينهما ولد فالأحق بالحضانة الأم؛ لأنها أرفق بالصغير، وأصبر عليه، وأرحم به، وأحنّ عليه، وأعرف بتربيته وحمله وتنويمه. فإن لم توجد، أو كان بها مانع من مرض ونحوه فالأحق بالحضانة بعدها أمهاتها القربى فالقربى ثم الجدة .. ثم الأب .. ثم أمهاته القربى فالقربى .. ثم الجد. فهذه ست جهات كلها مرتبة من جهة الأصول. ثم الأخت الشقيقة .. ثم الأخت لأم .. ثم الأخت لأب. ثم الخالة الشقيقة .. ثم الخالة لأم .. ثم الخالة لأب؛ لأن الخالة بمنزلة الأم. ثم العمة الشقيقة .. ثم العمة لأم .. ثم العمة لأب. ثم خالات الأم كذلك .. ثم خالات الأب كذلك .. ثم عمات أمه كذلك .. ثم عمات أبيه كذلك. ثم بنات إخوته الأشقاء ثم الأم ثم الأب. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (6707) , وأخرجه أبو داود برقم (2276)، وهذا لفظه.

ثم بنات أخواته كذلك. ثم بنات أعمامه كذلك .. ثم بنات عماته كذلك. ثم بنات أعمام أبيه .. ثم بنات عمات أبيه كذلك. ثم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب .. ثم لذوي أرحامه .. ثم للحاكم. - شروط الحضانة: يشترط في الحاضنة التي تتولى تربية المحضون ما يلي: 1 - العقل: فلا حضانة لمعتوه أو مجنون؛ لعدم أهليته. 2 - البلوغ: لأن الصغير بحاجة إلى من يتولاه، فلا يتولى أمر غيره. 3 - القدرة على التربية: فلا حضانة لكفيفة البصر؛ لعدم قدرتها على الخدمة، ولا المريضة مرضاً معدياً أو مقعداً .. ولا لكبيرة لا تستطيع الخدمة .. ولا لمهملة؛ لما في ذلك من ضياع الطفل. 4 - الأمانة والخلق: لأن الفاسقة غير مأمونة على الصغير. 5 - الإسلام: فلا حضانة لكافرة على طفل مسلم. 6 - أن لا تكون متزوجة: فمن تزوجت سقط حقها في الحضانة؛ لانشغالها بالزوج عنه، إلا أن يرضى زوجها بذلك. - سقوط الحضانة: إذا امتنع من له الحضانة .. أو كان غير أهل للحضانة لجنون، أو مرض، أو كبر، أو لم تتحقق مصلحة الطفل .. انتقلت الحضانة إلى من بعده. فلا حضانة لمن فيه رِقّ يشغله عن القيام بحقوق المحضون. ولا حضانة لفاسق يؤثر فسقه على المحضون .. ولا لكافر يؤثر كفره على

المحضون .. ولا لمتزوجة بأجنبي من محضون فإذا زال المانع عادت الحضانة إلى مستحقها. - نفقة الحضانة: نفقة المحضون على أبيه، فإن كان الأب معسراً أنفق على المحضون من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى أبيه نفقته، ولا تسقط عنه إلا بأداء أو إبراء. - حكم المحضون بعد التمييز: 1 - إذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلاً خيِّر بين أبويه، فكان مع من اختار منهما، وإن تراضيا على إقامته عند واحد منهما جاز، ولا يُقرّ محضون بيد من لا يصونه ولا يصلحه. 2 - أب الأنثى أحق بها بعد السبع إذا تحققت مصلحتها بذلك، ولم ينلها ضرر من ضرة أمها، وإلا عادت الحضانة إلى أمها. 3 - يكون الذكر بعد رشده حيث شاء، والأنثى عند أبيها حتى يتسلمها زوجها، وليس له منعها من زيارة أمها، أو زيارة أمها لها. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا فَادَّعَيَاهُ وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَقَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَطَنَتْ لَهُ بالفَارِسِيَّةِ: زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذهَبَ بابْنِي. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ وَرَطَنَ لَهَا بذلِكَ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لاَ أَقُولُ هَذا إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذهَبَ بابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بئْرِ أَبي عِنَبَةَ وَقَدْ نَفَعَنِي. فَقَالَ رَسُولُ ا? - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَهِمَا عَلَيْهِ» فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَذا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذ بيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ» فَأَخَذ

بيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بهِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - أجرة الحضانة: أجرة حضانة الطفل مثل أجرة رضاعه لا تستحقها الأم مادامت زوجة؛ لأن لها نفقة الزوجية ما دامت زوجة أو معتدة. أما بعد انقضاء العدة فتستحق أجرة الحضانة كما تستحق أجرة الرضاع، وغير الأم تستحق أجرة الحضانة من بداية الحضانة. وتجب أجرة الحضانة والرضاع من مال الأب، فإن لم يكن واجداً كانت ديناً في ذمة الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. 1 - قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)} ... [البقرة: 233]. 2 - وقال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... [الطلاق: 6]. - حكم التبرع بالحضانة: إذا تبرع أحد أقرباء الطفل بالحضانة، وكان أهلاً للحضانة، وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة: فإن كان الأب موسراً وجب عليه دفع الأجرة للأم؛ لأن حضانة الأم أصلح للطفل، والأب قادر على الإنفاق عليه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2277) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1357).

وإن كان الأب معسراً، ولم يكن للطفل مال ينفق عليه منه، فإنه يعطى للمتبرعة إن كانت أهلاً للحضانة. وإن كان الأب معسراً، ولا مال للطفل الرضيع، وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة، ولم يوجد من يتبرع بحضانته، فإن الأم تجبر على حضانته، ويتحملها الأب، ولا تسقط عنه إلا بالأداء أو الإبراء. قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق: 6 - 7]. - انتهاء الحضانة: تنتهي الحضانة إذا استغنى الطفل أو الطفلة عن خدمة النساء، وبلغ سن التمييز -وهي سبع سنين-، وقدر المحضون على القيام بحاجاته بنفسه من أكل، ولبس، ونظافة. وللقاضي رعاية مصلحة المحضون حسب الحال، والحاجة، والمنفعة. - حق الحضانة: الحضانة حق مشترك. فهي حق للصغير لاحتياجه إلى من يرعاه ويحفظه، وهي حق للأم لتلبية رغبتها في الاستمتاع بخدمة ولدها، فلا يجوز نزعه منها إلا لعذر، حتى لا يضار الصغير بحرمانه من أمه التي هي أشفق الناس عليه، وأكثرهم صبراً على خدمته ورعايته.

الباب الثالث عشر كتاب الأطعمة والأشربة

الباب الثالث عشر كتاب الأطعمة والأشربة ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الأطعمة والأشربة. 2 - باب الأطعمة: ويشتمل على ما يلي: 1 - أقسام الأطعمة المباحة. 2 - أقسام الأطعمة المحرمة. 3 - أقسام الأطعمة المختلطة بمحرم. 3 - باب الأشربة: ويشتمل على ما يلي: 1 - أقسام الأشربة المباحة. 2 - أقسام الأشربة المحرمة. 4 - باب الذكاة. 5 - باب الصيد.

1 - أحكام الأطعمة والأشربة

كتاب الأطعمة والأشربة 1 - أحكام الأطعمة والأشربة - مراتب الغذاء: مراتب الغذاء ثلاث: أحدها: مرتبة الحاجة. الثانية: مرتبة الكفاية. الثالثة: مرتبة الفضلة. فأفضل ما للبدن لقيمات يقمن صلبه؛ لئلا تسقط قوته. فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس. وهذا القدر من أنفع ما للبدن والقلب، فالبدن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب؛ لثقل الحِمْل، وذلك يسبب فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات. - أحوال البدن: للبدن ثلاثة أحوال: الأولى: حال طبيعية، وبها يكون البدن صحيحاً. الثانية: حال خارجة عن الطبيعة، وبها يكون البدن مريضاً.

الثالثة: حال متوسطة بين الحالتين. وسبب خروج البدن عن طبيعته: إما من داخله، لأنه مركب من أربعة عناصر: الحار والبارد .. والرطب واليابس. وإما من خارج، فإن ما يلقاه قد يكون موافقاً له، وقد يكون غير موافق. وما يلحق الإنسان من الضرر قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال، وقد يكون من فساد العضو، وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة له. وذلك يرجع إلى سبعة أمور: الزيادة .. أو النقص .. أو الجمع .. أو التفريق .. أو الامتداد .. أو الانقباض .. أو الخروج عن وضعه وشكله. وأكل الطيبات من الحلال .. والاعتدال في الأكل والشرب .. وتجنب الإسراف مع كمال الإيمان والتقوى .. هو الغذاء النافع السليم للقلب والبدن والروح. 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} ... [الأعراف: 31]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172]. 3 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ

شِفَاءً». أخرجه البخاري (¬1). - فضل العافية: الإسلام أكمل نعمة أنعم الله بها على عباده، والصحة والعافية من أجلِّ نعم الله على خلقه، وأجزل عطاياه. ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فالعافية ترفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه، واليقين يرفع عنه شرور الدنيا، وعقوبات الآخرة. فيجب حفظ النفوس بالأكل والشرب من الطيبات، واجتناب الخبائث والمضرات. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « .. سَلُوا اللهَ المُعَافَاةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْراً مِنَ المُعَافَاةِ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬3). - حكم الأطعمة والأشربة: 1 - الأصل في المنافع والطيبات الحل والإباحة، إلا ما ثبت النهي عنه، أو بان فيه مفسدة ظاهرة محققة. والأصل في المضار والخبائث الحظر والتحريم. 2 - كل ما فيه منفعة للبدن والروح من المطعومات والمشروبات فقد أحله الله، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5678). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6412). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5) , وأخرجه ابن ماجه برقم (3849)، وهذا لفظه.

ليستعين به العبد على طاعة الله، ويحفظ صحته من الضعف والهلاك. 3 - كل ما فيه ضرر، أو مضرته أكثر من منفعته فقد حرمه الله؛ لما فيه من ضرر البدن والروح، وفساد الحال، وخسارة الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)} [البقرة: 168]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} ... [الأعراف: 157]. - ما يترتب على معرفة الحلال: يترتب على معرفة الغذاء الحلال ما يلي: 1 - جواز الأكل والبيع والشراء. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172]. 2 - إجابة الدعاء: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ:

{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - النجاة من الإثم والعقوبة. 4 - السلامة من الأمراض. 5 - قوة البدن واستعداده للعمل الصالح. - مقاصد الأكل والشرب: الطعام بأنواعه من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإسلام. وقد أمرنا الله عز وجل بالأكل من الطيب منه، وشكر الله عليه، وأوجب الإسلام تناول الحد الأدنى من الطعام والشراب للحفاظ على الحياة, ودفع الهلاك عن النفس، وللقيام بالواجبات الدينية من صلاة، وصيام وغيرهما، ولامتثال أوامر الله في الأكل والشرب، والتقوي به على طاعة الله عز وجل. ويجوز الأكل والشرب ما لم يصل إلى حد الإسراف؛ لأن الإسراف ضار محرم، وقد نهى الله عز وجل عنه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} ... [الأعراف: 31]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1015).

- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام والشراب: كان - صلى الله عليه وسلم - يحب اللحم، وأحبه إليه الذراع، ومقدَّم الشاة؛ لخفته على المعدة، وسرعة هضمه، وكثرة نفعه. وكان يحب الحلوى والعسل، وهذه مع اللحم من أفضل الأغذية، وأنفعها للبدن والأعضاء والكبد، وحفظ الصحة والقوة. وكان يأكل الخبز مأدوماً ما وجد له إدام، فتارة يأدمه باللحم، وتارة بالبطيخ، وتارة بالتمر، وتارة بالخل. وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والخبز والفاكهة والتمر وغيره. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا عافت نفسه الطعام لم يأكله، ولم يحملها إياه على كره، وذلك أصل عظيم في حفظ الصحة مما يضرها. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في أحد الطعامين كيفية تحتاج إلى كسر، كسرها وعدلها بضدها إن أمكن، كتعديل حرارة الرُّطَب ببرودة البطيخ، وإذا لم يجد تناوله على حاجة وداعية من النفس من غير إسراف. ولم يكن من عادته - صلى الله عليه وسلم - حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما سواه؛ لأن ذلك يضر البدن ويوهنه ويضعفه، بل كان يأكل من كل طيب بلا إسراف. وكان - صلى الله عليه وسلم - يأكل التمر بالسمن، وهو الحَيْس. وكان - صلى الله عليه وسلم - يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها.

فالماء البارد إذا خالطه ما يحلِّيه كالعسل، أو الزبيب، أو التمر كان من أنفع ما يدخل البدن، ويحفظ صحته. وكان - صلى الله عليه وسلم - يشرب اللبن خالصاً، وتارة مشوباً بالماء، وللبن نفع عظيم في حفظ الصحة، وترطيب البدن. وكان - صلى الله عليه وسلم - يشرب النبيذ إلى ثلاثة أيام، والنبيذ: هو الماء المحلى بالتمر، وفي شربه نفع عظيم في زيادة القوة، وحفظ الصحة. - فضل الثريد: عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». متفق عليه (¬1). - فضل الدباء: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ. متفق عليه (¬2). - فضل التلبينة: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5418) , واللفظ له، ومسلم برقم (2431). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5420) , واللفظ له، ومسلم برقم (2041).

ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ». متفق عليه (¬1). - فضل الحلواء والعسل: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ. متفق عليه (¬2). - فضل المرق: عَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ خَيَّاطاً دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَمَرَقاً فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. متفق عليه (¬3). - فضل العجوة: عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5417) , واللفظ له، ومسلم برقم (2216). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5431) , واللفظ له، ومسلم برقم (1474). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5436) , واللفظ له، ومسلم برقم (2041). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5445) , واللفظ له، ومسلم برقم (2047).

2 - باب الأطعمة

2 - باب الأطعمة - الطعام: هو كل ما يؤكل. - معرفة أصول أبواب الأحكام: معرفة أصول أبواب الأحكام من أهم المسائل لطالب العلم. فهي تسهل على الإنسان معرفة المسائل وأحكامها. فإذا عرف الإنسان في كل باب ما هو الأصل فيه .. ثم عرف دليل هذا الأصل .. ثم عرف ما يستثنى من هذا الأصل .. ثم عرف دليل الاستثناء .. وأحوال الاستثناء .. لم يشكل عليه شيء في الفقه بإذن الله عز وجل. - مقدار الحلال والحرام من الأطعمة: أوسع الأشياء في الطيب والحل هي الحبوب والثمار، وما أحله الله من الطيبات أكثر مما حرم. وما حرمه الله عز وجل من الطعام حرمه لسبب عارض، أو لسبب ملازم للمحرم. فالميتة فيها الضرر والخبث، وهذا الضرر والخبث ملازم للميتة، فهي حرام أبداً، ولا تحل إلا لمضطر يخاف الهلاك. والسبب العارض كمنع الأكل في نهار رمضان، وتحريم صيد البر على المُحْرم ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} [البقرة: 29].

2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام: 145]. - الأصل في الحل والتحريم: الأصل في الحل الطيب، وعدم الضرر. والأصل في التحريم الخبث، وحصول الضرر. فالطيب ما جمع وصفين: الطهارة والمنفعة، وانتفاء الضرر. فلا يكون الطعام طيباً حتى يكون طاهراً، نافعاً، لا ضرر فيه كالتمر، والسمك ونحوهما. والضرر له حالتان: الأولى: أن يكون المأكول مضراً لعموم الناس كالسم، فإنه ضار مهلك. الثانية: أن يكون الضرر خاصاً بالشخص، مثل بعض الأطعمة التي تضر بعض الناس. فهذه يجب اتقاؤها؛ منعاً للضرر عن النفس. فالطعام طيب وحلال، لكن لا يجوز تناوله لصفة متعلقة بهذا الآكل يناله الضرر بسببها؛ حفظاً لصحته. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ... [البقرة: 195].

- أثر الطعام على الإنسان: الطعام يتغذى به الإنسان، وينعكس أثره على أخلاقه وسلوكه. فالأطعمة الطيبة يكون أثرها على الإنسان طيباً ونافعاً كالثمار والحبوب كالقمح والأرز، واللحوم كلحوم الغنم والطيور ونحوها. والأطعمة الخبيثة يكون أثرها على الإنسان خبيثاً وضاراً كالميتة والسموم، وكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الحيوان، ولحوم السباع ونحوها؛ لما فيها من صفة العدوان، وخبث اللحم. ولهذا أمرنا الله عز وجل بالأكل من الطيبات، واجتناب ما سواها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172]. 2 - وقال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]. - حكم الأطعمة: الأصل في جميع الأطعمة الحل إلا النجس، والضار، والخبيث، والمسكر، والمخدر، وملك الغير. فالنجس كله خبيث وضار، فهو محرم. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

والمسكر والمخدر ضار بالأبدان والعقول، فهو محرم. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91]. وكل ضار يحرم أكله كالسم والتراب ونحوهما. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. - حكم أكل طعام المتباريين: المتباريان: هما المتفاخران بالضيافة رياء وسمعة. فيحرم إجابة دعوتهما، وأكل طعامهما. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُتَبارِيَينِ لَا يُجَابَانِ وَلَا يُؤكَلُ طَعَامَهُمَا». أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» برقم (5805).

1 - أقسام الأطعمة المباحة

1 - أقسام الأطعمة المباحة - تنقسم الأطعمة إلى قسمين، وهي: الأطعمة المباحة .. والأطعمة المحرمة. - أنواع الأطعمة المباحة: الطعام الذي يباح أكله أربعة أنواع: طعام من النبات .. وطعام من الحيوان .. وطعام من الجامدات .. وطعام من المائعات. الأول: الطعام من النبات، وهو أنواع كثيرة مختلفة لا يحصيها إلا الله: وهو أوسع أنواع الأطعمة، وقد عُرف منها حتى الآن ما يزيد على أربعين مليون جنس ونوع. وهي أنواع من جهة الطبيعة .. وأنواع من جهة حكم الشريعة. 1 - منها الحبوب كالبر والأرز، والشعير والدخن ونحوها. 2 - ومنها الثمار كالتمور بأنواعها، والفواكه بأنواعها كالعنب، والرمان، والتين، والزيتون ونحوها. 3 - ومنها البقوليات كالحمص، والعدس، والفول، واللوبيا ونحوها. 4 - ومنها الخضار كالخس، والجرجير، والخيار، والبصل ونحوها. وكل جنس تحته أنواع لا يحصيها إلا الخلاق العليم. فالنباتات أمم، وقبائل، وشعوب، وجميع الحيوان بالنسبة إليها كالذرة بالنسبة للجبل، وكالقطرة بالنسبة للبحر.

الثاني: الحيوانات التي يباح أكلها نوعان: 1 - حيوانات البر: وهذه قسمان: 1 - الدواب: كبهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم ونحوها كالغزلان والأرانب. 2 - الطيور: كالدجاج والحمام والعصافير ونحوها. والحيوانات والطيور لا يحصيها إلا الله عز وجل، وقد عُرف منها ما يزيد على مليون نوع وجنس. وهي أمم، وقبائل، وشعوب، لا يعلم عددها ولا يحصيها إلا الذي خلقها، وتكفل بأرزاقها، خلقها الله لتسبح بحمده، وتدل على كمال قدرته، إلى جانب منافع خلقه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} ... [هود: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} [النور: 41]. 2 - حيوانات البحر: وهي كل ما يعيش في البحار والأنهار. جميع حيوانات البحر حلال، وهي أنواع لا يعلم قدرها وأجناسها إلا الذي خلقها، وقدَّر أرزاقها. الثالث: الأطعمة الجامدة: وهي جميع الأطعمة الجامدة غير السائلة، من كل طعام طيب، لا ضرر فيه، ولا إسكار. الرابع: الأطعمة المائعة: وهي كل طعام سائل طبيعياً كالعسل، أو مُصَنَّعاً كالزيوت النباتية ونحوها.

فيباح أكل كل طعام إذا جمع ثلاثة أوصاف: أن يكون طيباً .. وأن يكون لا ضرر فيه .. وأن يكون غير مسكر .. سواء كان نباتياً، أو حيوانيا، أو جامداً، أو مائعاً. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)} [البقرة: 168]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)} ... [النحل: 13]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)} [النحل: 5]. 4 - وقال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة: 96]. 5 - وقال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف:32]. - أجناس الأطعمة المباحة: الأطعمة المباحة أربعة أصناف: 1 - الأطعمة النباتية: وهي ثلاثة أجناس: الأول: الحبوب والبقول: وهي أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الله عز وجل، ومنها: 1 - البر، والحنطة، والدخن، والشعير، والذرة. وأجود أنواعه حنطة البر، والنخالة أكثر فائدة، وأسرع هضماً، وأكل الخبز

دفعة واحدة يسبب عسر الهضم، والإمساك الشديد. وأجود أنواع الخبز أحسنها اختماراً وعجناً، وخبز التنور أجود أصنافه، ثم خبز الفرن، ثم خبز المَلَّة. والليِّن منه أكثر تلييناً وغذاءً وترطيباً، وأسرع انحداراً، واليابس بخلافه. وخبز الحنطة يسمِّن سريعاً، وخبز الشعير أقل غذاء من خبز الحنطة. 2 - الأرز: وهو من أكثر الأغذية نفعاً بعد الحنطة، يشد البطن، ويقوي المعدة، ويسمن البدن. وأحمده ما طبخ بألبان البقر، وله تأثير في خصب البدن، وكثرة المني، وتصفية اللون، يفيد من تصلب الشرايين، يزيل التوتر، خافض لضغط الدم. 3 - الفول: مفيد لغذاء المخ، وتقوية العظام، وجودة الدم. وطبخ الفول مع قشره أكثر فائدة، وأكله بدون قشره يخفف من التهاب الأمعاء، ويسهل عسر الهضم. واليابس من الفول أحسن تغذية، وأسهل هضماً. 4 - العدس: وهو من أكثر الأغذية تقوية للدم والأعصاب، مقاوم لحالات الضعف والهزال وفقر الدم والإمساك، ويقوي عضلات الصدر والبطن. ومن أصيب بعسر الهضم، أو أمراض في المعدة أو الأمعاء، فلا يكثر من العدس ذو القشر، وإدمانه يظلم البصر، ويعسر البول، ويسبب الأورام. 5 - الحمص: يساعد في إزالة متاعب الكلى، وأمراض الكبد. 6 - الحِلْبة: إذا طبخت بالماء ليّنت الحلق والصدر والبطن، وتسكِّن السعال، والربو، وعسر الهضم، وتزيد في الباءة، وإذا أكلت مطبوخة بالتمر أو العسل

أو التين على الريق حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة، ونفعت من السعال، وهي نافعة من الحصر، مطلقة للبطن، مسهلة للإمساك. 7 - الفستق: مفيد للكبد، ومضاد للتسمم، مقو للجماع، يساعد في إدرار الحليب من المرأة المرضع. 8 - اللوز: يزيد من حدة البصر، ويساعد في علاج فقر الدم، مغذٍ للمخ، مقو للنخاع الشوكي والجهاز العصبي، ويساعد في تنقية المجاري البولية، وأكله محمَّصاً يساعد في هضم الطعام، وزيته من أنفع الزيوت. 9 - الفول السوداني: نافع في علاج الإمساك والمغص، والتهاب الكبد والأمعاء، وعلاج الإرهاق الشديد. 10 - الحبة السوداء: وهي الشونيز. وهي نافعة من جميع الأمراض خاصة الباردة، مذهبة للنفاخ، نافعة من البرص، فاتحة للسدد، مجففة لبلل المعدة ورطوبتها، وإذا دقَّت وعجنت بالعسل، وشربت بالماء الحار أذابت الحصى في الكلى والمثانة. وهي مدرة للحليب والبول والحيض، نافعة من البهاق، وضيق النفس، وشمها يذهب الزكام، والمضمضة بها نافعة من وجع الأسنان، محللة للأورام الصلبة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ السَّامَ». قال ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ المَوْتُ، وَالحَبَّةُ السَّوْدَاءُ، الشُّونِيزُ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5688) , واللفظ له، ومسلم برقم (2215).

الثاني: الثمار والفواكه: وهي أنواع كثيرة منها: 1 - التمر: وهو فاكهة وغذاء، وحلوى، وشراب، ودواء. مقو للكبد، ملين للطبع، يزيد في الباءة، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، منشط للذهن، مقو للأعصاب وأكله على الريق يقتل الدود ويضعفه. والبلح الأخضر: ينفع الفم واللثة والمعدة، رديء للصدر والرئة، يولد الرياح والقراقر في البطن لا سيما مع شرب الماء، وتُدفع مضرته بأكله مع التمر أو بالعسل أو بالزبد. والبسر: ينشف الرطوبة، ويدبغ المعدة، ويحبس البطن، وينفع اللثة والفم، وأنفعه ما كان هشاً وحلواً، وكثرة أكل البلح والبسر يسبب السدد في الأحشاء، وأجود أنواعه البرحي، والحلوة والروثانة. والتمور أنواع كثيرة مختلفة الألوان، والأحجام، والطعوم، والمنافع. وأجود أنواعها العجوة، والسكري، والخلاص، والشقراء، وربيعة. والرطب: يقوي المعدة الباردة، ويخصب البدن، ويزيد في الباءة، ويغذو غذاءً جيداً، وهو من أعظم الفاكهة غذاءً للبدن وموافقة له. - فضل التمور: التمر من أجود الأغذية نفعاً، مفيد للصحة، وحرز من السم والسحر، وأفضله تمر المدينة، خاصة العجوة. 1 - عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ

تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضرَّهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنّ فِي عَجْوَةِ العَالِيَةِ شِفَاءً، أَوْ إِنّهَا تِرْيَاقٌ، أَوّلَ البُكْرَةِ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا، حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرّهُ سُمّ حَتّىَ يُمْسِيَ». متفق عليه (¬3). 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ، جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ» قَالَهَا مَرّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثاً. أخرجه مسلم (¬4). 2 - التين: وأجود أنواعه الأخضر الناضج، ثم الأحمر، ثم الأسود. يجلو رمل الكلى والمثانة، ويدر البول، ويغسل الكبد والطحال، ويغذي البدن، وينقي المعدة من الأخلاط، وينفع من السعال المزمن، ويؤمِّن من السموم. وهو أغذى من جميع الفواكه. 3 - الرمان: وهو أنواع كثيرة مختلفة الطعوم والألوان والأحجام. مقو للمعدة، نافع للحلق والصدر والرئة، مدر للبول، يقطع الإسهال، ويمنع القيء، ويطفئ حرارة الكبد، ويطهر الدم، ويشفي من عسر الهضم، ملين للبطن. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5445) , واللفظ له، ومسلم برقم (2047). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2048). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5445)، ومسلم برقم (2047)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (2046).

4 - التفاح: وهو أنواع كثيرة مختلفة. منشط للأمعاء، مزيل للإمساك، مفتت لحصى الكلى والمثانة والمرارة، يزيد من إفراز اللعاب، ويخرج البلغم من الصدر، وينشط الكبد، ويحمي الأسنان من النخر والتسوس. وأكل التفاح يومياً يمنع من الشيخوخة المبكرة، وينظم عملية الهضم في المعدة والأمعاء، ويحد من نسبة الكوليسترول في الدم، ويوقف ارتفاعه، ويؤدي إلى الاستقرار في سكر الدم، ويحمي من تصلب الشرايين وفقر الدم. 5 - البرتقال: وهو أنواع كثيرة مختلفة. يقوي العظام، ويحمي الأسنان من التسوس، ويقوي الكبد وينشط الدورة الدموية، وينشط المعدة لإخراج الفضلات، ولا يناسب من به قرحة في المعدة أو الأمعاء. 6 - العنب: وهو أصناف كثيرة مختلفة الألوان، والأحجام، والطعوم. وهو من أفضل الفواكه، وأكثرها منافع، وأجوده الكبار المائي، والأبيض أحمد من الأسود، والبائت أفضل من المقطوف في يومه. يؤكل رطباً، ويابساً، فاكهة، وقوتاً، وإداماً، وشراباً. مقو للبدن، مطلق للبطن، يسمن ويغذي غذاءً حسناً، مدر للبول وهو أحد ملوك الفواكه الثلاث، وهي: الرطب والتين والعنب. والإكثار منه يصدع الرأس. والزبيب منه مفيد في غذاء الجسم، وهو مقو ومنشط.

والعنب مفيد للمصاب بالهزال، وضعف العظام، وداء المفاصل، واضطراب الكبد، والتسمم، والإمساك، وضغط الدم. 7 - الموز: وهو أنواع وأحجام مختلفة. يحمي الجسم من فقر الدم، وضغط الدم، والأزمات القلبية، وأجود أكله في الصيف؛ لأنه يعوض الجسم عن الأملاح التي فقدها. وأجود أنواعه ما نضج تحت أشعة الشمس وبدأ في الحموضة، وهو يقوي العظام والأظافر والأسنان، مفيد في علاج التهاب المفاصل، منشط للجهاز العصبي، ويحمي من تعفنات الطعام في المعدة. ومن أصيب بمرض السكر، أو إمساك مزمن، أو بمرض في كبده، أو في القولون، أو الجهاز البولي، فإنه يمنع منه. 8 - الخوخ: وهو أنواع مختلفة الأحجام والألوان والطعوم. منشط للمعدة، ومساعد على الهضم، ومدر للبول، مساعد على إزالة حصى المثانة، مفيد لأمراض الكلى والتهاب المفاصل. ويمنع منه من أصيب بالسكر وقرحة المعدة والأمعاء. 9 - الكمثرى: وهو أنواع وأحجام مختلفة. منظف قوي للمعدة والأمعاء، والكمثرى تخفف من آلام المفاصل، وتفيد في علاج الصرع، وفقر الدم، وضعف الجسم، وتخفف ضغط الدم، وأكلها لا يؤثر على مرضى السكر. 10 - المشمش: وهو أنواع مختلفة. مطفئ للعطش، مخفف للتسمم الغذائي، مقو للأعصاب، ومسهل للإمساك،

يساعد على تكوين العظام والأغشية المخاطية، ينفع المصاب بفقر الدم. 11 - الأناناس: وهو أنواع مختلفة. مهضم قوي، مدر للبول، مقاوم لفقر الدم، مقو للباءة، ويعتبر من الأغذية الأساسية التي تساعد على نمو الأطفال. 12 - الشمام: وهو أنواع مختلفة الطعوم والأحجام والألوان. وهو فاكهة لذيذة, وأكله على الريق يزيل الإمساك، والإكثار منه يحدث تعفناً في المعدة، مدر للبول، منق للدم، مساعد في علاج أمراض الكلى. 13 - الجح: وهو أنواع مختلفة الأحجام والطعوم والألوان. أكله قبل الطعام يغسل البطن غسلاً، وأكله على جوع فيه خطر على المعدة، مدر للبول، ومسهل للإمساك، نافع للمصاب بالتهاب المفاصل. 14 - المنقا: وهو أنواع مختلفة الأحجام والطعوم. ويحتوي على فوائد عظيمة، مولد للطاقة، مفيد للنمو، منشط للجسم. 15 - الأترج: يطيب النكهة، ويحلل الرياح، معين على الهضم، مسكن للخفقان قاطع للبواسير، نافع من الإسهال، مقو للمعدة، مطفئ لحرارة الكبد، مسكن للعطش، مزيل لرائحة الفم، مزيل للسموم، ملين للطبيعة، منظره يفرح، وقشره طيب الرائحة، ولحمه فاكهة، وحمضه أدم، وحبه ترياق، وفيه دهن، ولكثرة منافعه شبهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمن الذي يقرأ القرآن. عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ،

رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلاَ رِيحَ لَهَا». متفق عليه (¬1). الثالث: الخضار: وهي أنواع كثيرة منها: 1 - القرع: وهو أنواع وأحجام مختلفة. منشط للقلب، مدر للبول، مزيل لعسر الهضم، نافع للالتهاب في المعدة. 2 - الكوسة: مطهرة للمعدة والأمعاء، مقاومة للتسمم. 3 - الباميا: مقاومة للإمساك، مهدأة للإلتهابات المعوية. 4 - البطاطس: أكله مسلوقاً بالماء مفيد في إزالة عسر الهضم، والمسلوق منه أسهل هضماً من المقلي بالزيت، والمشوي بقشره أكثر فائدة. وهو نافع للمصاب بقرحة المعدة، مزيل للحموضة. 5 - الباذنجان: بطيء الهضم، وأكله مع قشره يسهل الإمساك، والأبيض منه يزيد السكر. والباذنجان لا يناسب من أصيب بالتهاب الكلى، أو المفاصل، أو الصرع، أو عسر الهضم، وهو مخفف للكوليسترول في الدم. 6 - الملوخية: ملينة لأغشية المعدة والأمعاء، مكافحة للإمساك، مقوية للبصر، مهدأة للأعصاب، منشطة لضربات القلب، مفيدة في علاج ضغط الدم المنخفض. تحفظ الجسم من الإصابة بفقر الدم، وتمنع تكوّن الحصى في المثانة والكلى. 7 - السبانخ: أنفعه ما قُطف في يومه، وكانت أوراقه خضراء، يمنع تكوّن حصى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5020) , واللفظ له، ومسلم برقم (797).

المثانة والكلى، وشربه بالماء المطبوخ به مفيد. 8 - الجزر: مقو للبصر، مهدئ من اضطراب القلب والأعصاب، نافع في علاج التهاب الأعصاب، وفقر الدم، ومساعد في عملية الهضم، مدر للبول، وعلاج للإسهال، يحمي اللثة من الإصابة بالأمراض. 9 - الخيار: منق للدم، مسكن للصداع، ينقي الجسم من السموم، وكثرة أكله تسبب عسر الهضم، والسمنة، وهو بطئ الهضم. 10 - الطماطم: وهو أنواع مختلفة، مفيد في تقوية عظام الأطفال، وحمايتهم من نزلات البرد، يقوي الباءة. 11 - الخس: منشط قوي للمعدة، مدر للبول، ومعالج للإمساك، ومهدئ للأعصاب ومقو للبصر، ومفيد للدم، يدفئ الأجسام، جالب للنوم، ويتجنبه من أصيب بالربو. 12 - الليمون: فاتح للشهية، مقاوم للسموم، نافع في علاج ضغط الدم، وتصلب الشرايين، وعرق النساء، والآلام العصبية. وأكله مع قشره مقو للكبد، مفيد في علاج الصداع، وضربات الشمس، وشربه مركّزاً يؤدي إلى تهييج الأغشية المخاطية للمعدة والجهاز الهضمي، ويسبب قروحاً في المعدة. 13 - النعناع: منشط للقلب والدورة الدموية إذا شرب كالشاي، ملين للمعدة والأمعاء، مزيل لحموضة المعدة، مقاوم لآفات المعدة، مخفف للضغط، وطارد للديدان، ومدر للبول، ومهضم للطعام، مقو لعمل الكبد والبنكرياس، منشط للجسم، مقاوم للزكام. وكثرة شربه تسبب الصداع، وتقرح المعدة. وأكل ورقه طازجاً مقو للمعدة، ومهضم، ومنشط للباءة، وللحصول على

فوائده ينصح بعدم غليه، وإنما يُسكب عليه الماء الساخن. 14 - البقدونس: منشط للذاكرة والجهاز العصبي والتناسلي، مخفف لآلام المعدة، ومدر للبول، فاتح للشهية، مقاوم للإسهال، مقو للبصر وللباءة، منظم للدورة. 15 - الفجل: مقو للعظام، ومطهر عام، ومدر للبول، وفاتح للشهية، وشرب عصيره على الريق يعالج أحماض المعدة، وأمراض الكبد، ويفتت الحصى والرمال من المثانة والكلى. وهو مفيد في علاج فقر الدم، ومفيد للجلد والشعر. 16 - الجرجير: محرك لشهوة الجماع، منق للدم، مقو للشعر، مهضم للطعام، خافض للسكر، مدر للبول، وعلاج للإمساك، منظف للمعدة، واق للأسنان، وهو عسير الهضم فلا يكثر منه، لأنه يسبب إرباكاً للمعدة. 17 - الكراث: سهل الهضم، مثير للشهية، مجدد للنشاط، مدر للبول، مقاوم للإرهاق، مفيد للدم، قاض على الإمساك، منشط للحبال الصوتية، مفيد لمن أصيب بالربو والسعال والتهاب الأعصاب، مفيد في إخراج الحصى من الكلى والمثانة، ومفيد من نزلات البرد، مقو للباءة. 18 - الفلفل: مدر للبول، ومانع للغازات، مقو للمعدة، محرك للشهوة، مقو للباءة، مقاوم لنزلات البرد. والإكثار منه يهيج الجهاز العصبي، ويفسد الدم، ويضعف المعدة. والمصاب بالبواسير والتهاب الكلى والمثانة وقرحة المعدة لا يأكله. 19 - البصل: ينقي الدم، وينظم دورته، مدر للبول، مزيل للأرق، وتناوله طازجاً مع الوجبات يخفض نسبة السكر، ويطرد الديدان التي في الأمعاء، ويقتل

الميكروبات في الفم والأمعاء، وينشط الكلى على العمل، وتقشير البصل وتقطيعه وتركه مدة قبل أكله يضر الجسم، لأنه يتأكسد بالهواء، وتصبح مكوناته سامة ضارة. وأكله يومياً يزيد من نسبة الكوليسترول النافع في الدم، وينظم السكر في الدم، ويخفف من تخثر الدم. وأكله مشوياً يساعد في علاج إلتهابات القصبة الهوائية، كما يساعد في علاج الربو والسعال والحبال الصوتية. وأكله ممزوجاً بالعسل والتفاح يساعد في علاج أمراض المثانة والزحار البولي. والبصل مقو للمعدة، يفتق الشهوة، ويهيج الباءة، ويحسِّن اللون، ويقطع البلغم. والمطبوخ منه كثير الغذاء ينفع من اليرقان والسعال، وخشونة الصدر. والإكثار منه يورث الشقيقة، ويصدع الرأس، ويولد الرياح، ويظلم البصر، وكثرة النسيان، وتغير رائحة الفم. ورائحته تؤذي الجليس والملائكة، واماتته طبخاً تذهب بهذه المضرات منه. 20 - الثوم: مفيد في تغذية المخ، وتنشيط الذاكرة، مفيد للعظام، مقو للباءة، ومقو للأعصاب، طارد للديدان، مانع لتخثر الدم. وأكله يمنع من تجمع الكوليسترول، ويصفي الدم، وفي حالة الربو وضيق التنفس يؤكل الثوم طازجاً. والثوم النيء أسهل هضماً من المطبوخ.

والإكثار منه يسبب الإصابة بفقر الدم، وتهيج الأمعاء، ويُمنع من أكله من أصيب بضعف في المعدة والهضم والكلى والمثانة. وأكله طازجاً يساعد في تخفيف الكوليسترول الضار في الدم، ويرفع مستوى الكوليسترول المفيد. عَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيّ، وَإِنّهُ بَعَثَ إِلَيّ يَوْماً بِفَضْلَةٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنّ فِيهَا ثُوماً، فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لاَ، وَلََكِنّي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ». قَالَ: فَإِنّي أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ. أخرجه مسلم (¬1). 21 - الزعتر: مقو للباءة، وعلاج للإسهال المزمن، موقف للغثيان، مخفف للحموضة، وفاتح للشهية، مسكن لآلام الحلق والأنف والحنجرة، منظم للحيض، مهضم للطعام، ماص للدهون. 22 - القرنفل: ويسمى المسمار، علاج للصداع والصرع، مهضم للطعام، مفيد للقلب، معالج للإسهال. 23 - الكمون: فاتح للشهية، مساعد للهضم، ومدر لحليب المرأة، والمصاب بقرحة المعدة لا يأكله. 24 - الزنجبيل: منشط للمعدة والقلب، مفيد في علاج عسر الهضم، مانع للمغص، مقو للحبال الصوتية، ملين للبطن، معين على الجماع، محلل للرياح في المعدة والأمعاء، مسخن للمعدة والكبد، منشف للبلغم، يزيد في الحفظ، ويطيب النكهة، دافع لأضرار الأطعمة الغليظة الباردة. 25 - السلق: فيه برودة وتفتيح وتحليل، يفتح سدد الكبد والطحال، وهو قليل ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2053).

الغذاء، يحرق الدم، والإكثار منه يولد القبض والنفاخ. 26 - الزعفران: مقو للباءة، مضاد للتشنج، مدخل للسرور، منبه للمعدة، مخفف للغازات، مفيد للأمعاء والأعصاب، منشط للأجسام، والإكثار منه يصدع الرأس. 27 - الهيل: منبه مسخن، مقاوم للإسهال، يساعد على الهضم، ويخلص الكلى من الحصى. 28 - القهوة: تزيد في النشاط الذهني، وهي مقوية للجهاز العصبي، وموقدة لشهوة الجماع، ومنبهة للعقل. وإذا تناولها الإنسان بكثرة تسببت في حصول التسمم، والنوم المتقطع، وضعف الشهوة، وعدم انتظام ضربات القلب، والرجفة في اليدين، وبياض اللسان، واضطراب الجهاز الهضمي. 29 - الشاي: منبه للذهن، يقي من نخر الأسنان والتسوس، مدر للبول، ومنظف للمثانة، ويَحُدّ من نمو الجراثيم في المعدة والأمعاء، والأخضر أكثر فائدة من الأحمر. والشاي يحمي الأوردة والشرايين من التصلب، ويحمي القلب من الأمراض، وينشط عضلته. وشرب الشاي والقهوة بعد الطعام مباشرة خطأ؛ لأنه يتسبب في تأخير إفرازات المعدة، ويؤخر عملية الهضم. وشربه بكميات كثيرة يسبب الإمساك، والأرق، وخفقان القلب، واضطراب الأعصاب، وارتفاع ضغط الدم، ويُمنع شربه وهو ساخن؛ لأنه يضر البلعوم، ولا يغلى الماء والشاي معاً، بل يُسكب الماء الحار عليه ثم يُشرب.

30 - الكمأة: وهي أنواع مختلفة الأحجام والألوان والمنافع، وهي ثمرة تشبه البطاطس إلا أنها لا أوراق لها، وماؤها شفاء للعين. عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الكَمْأَةُ مِنَ المَنّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ». متفق عليه (¬1). 31 - الكباث: وهو ثمر شجر الأراك، وأفضله الأسود. عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجْنِي الكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أطْيَبُهُ». قالوا: أكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قال: «وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ رَعَاهَا». متفق عليه (¬2). 32 - الملفوف: مطهر للأمعاء، مقو للدم، معالج للالتهابات، مساعد على النمو، خافض لنسبة السكر في الدم، ومسهل للإمساك المزمن، ومدر للبول. 2 - الأطعمة الحيوانية المباحة، نوعان: حيوانات البر .. وحيوانات البحر. وحيوانات البر والبحر أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الذي خلقها، وعلم أنواعها، وقدَّر أقواتها، والأصل فيها الحل. وحيوانات البر المباحة نوعان: الأول: الحيوانات: وهي أجناس مختلفة، ومنها: 1 - بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم. فالإبل: لحمها من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاءً، وأجوده لحم الذكر الصغير ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5708) , ومسلم برقم (2049)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3406) , واللفظ له، ومسلم برقم (2050).

الذي يرعى في البر. ولحم الإبل فيه قوة غير محمودة، ولهذا وجب الوضوء من أكله. وأفضل أجزاء الحيوان، وألذه، وأطيبه الجزء الأقرب للرأس، وكل ما علا أخف على المعدة، وأبعد عن المواد الدهنية، وأفضله العنق، ثم الذراع، ثم الظهر، ومقدم الحيوان أفضل وأجود من مؤخرته. واللحم المشوي أفضل من اللحم المسلوق، والأبيض أجود تغذية، وأخف ضرراً من الأحمر والأسود. والإكثار من تناول اللحوم يسبب تصلب الشرايين، وزيادة الكوليسترول في الدم. والبقر: وهو من أعدل الأغذية، ولحم العجل السمين من أحسن الأغذية، وأطيبها، وأحمدها، وإذا انهضم غذى غذاءً قوياً. والبقر الكبير لحمه عسر الهضم، بطيء الانحدار، يولد دماً سوداوياً، ولا يصلح إلا لأهل الكد والتعب، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية كالبهق والجرب والجذام، وهذا لمن لم يعتده. والغنم: لحم الضأن جيده الحولي، يولد الدم المحمود، يقوي الذهن والحفظ، نافع لأصحاب المرة السوداء. وأجوده لحم الذكر، فهو ألذ وأخف وأنفع، وأفضل اللحم عائذه بالعظم، والمقدم من الحيوان سوى الرأس أفضل من المؤخر. ولحم العنق جيد، لذيذ، سريع الهضم، ولحم الذراع أخف اللحم وألذه وأطيبه وأبعده عن الأذى، ولحم الظهر خفيف سهل الهضم، ولحم الهرم رديء، ولحم الذكر أفضل من لحم النعاج.

ولحم الماعز أجوده الحولي، وهو من الأغذية المعتدلة، شديد اليبس، عسر الهضم. ولحم الجدي جيد الغذاء، ملين للطبع، وسهل الهضم، وهو ألطف من لحم الجمل، وأحسنه بعيد العهد بالولادة. ولحوم الحيوانات البرية الصغيرة أكثر فائدة من الجبلية. وإدمان أكل اللحم يولد الحامض البولي الذي يولد الحصى في الكلى والمثانة، والإكثار من اللحوم والشحوم يسبب ضغط الدم. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} ... [المائدة: 1]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)} [غافر: 79]. 2 - ما يماثل بهيمة الأنعام كالظبا والغزال، وحمار الوحش، وبقر الوحش والضبع والزرافة، وسائر الوحش كله حلال إلا ما له ناب يفترس به فيحرم. 3 - الأصل في جميع حيوانات البر الإباحة إلا ما خصه الدليل بالتحريم، فيجوز أكل الخيل والأرنب والضب وغيره. ولحم الغزال أصلح الصيد، وأحمده لحماً، نافع للأبدان خاصة الحولي منه، وبعده الأرنب. ولحم الظبي مجفف للبدن، صالح للأبدان الرطبة، وهو أفضل لحوم الوحش. ولحم الأرنب يعقل البطن، ويدر البول، ويفتت الحصى، وأطيبها وركها،

ولحمها المشوي أكثر تغذية. ولحم حمار الوحش كثير التغذية، مولد للدم الغليظ الأسود، نافع من الرياح المرخية للكلى. ولحوم الأجنة حلال، وهي غير محمودة؛ لاحتقان الدم فيها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام: 145]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ، وَعَنْ كُلّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطّيْرِ. أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الخَيْلِ. متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: نَحَرْنَا فَرَساً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأكَلْنَاهُ. متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أخْبِرُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا يُرِيدُ أنْ يَأْكُلَ، فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «لا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ قَوْمِي، فَأجِدُنِي أعَافُهُ». قال خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ. متفق ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1934). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5520) , واللفظ له، ومسلم برقم (1941). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5519) , واللفظ له، ومسلم برقم (1942).

عليه (¬1). 6 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أنْفَجْنَا أرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى القَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأدْرَكْتُهَا فَأخَذْتُهَا، فَأتَيْتُ بِهَا أبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا أوْ فَخِذَيْهَا، قال: فَخِذَيْهَا لا شَكَّ فِيهِ، فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأكَلَ مِنْهُ؟ قال: وَأكَلَ مِنْهُ. متفق عليه (¬2). الثاني: الطيور: وهي أجناس كثيرة مختلفة منها: 1 - الدجاج: أفضل أنواع الطيور لحماً، سريع الهضم، خفيف على المعدة، مقو للجسم، موسع لمجاري الأوعية الدموية. يزيد في الدماغ والمني ويصفي الصوت، ويحسِّن اللون، ويقوي العقل، ويولد دماً جيداً، ويلين الطبع، ولحم الديك أسخن مزاجاً. عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أبُو مُوسَى أكْرَمَ هَذَا الحَيَّ مِنْ جَرْمٍ، وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَتَغَدَّى دَجَاجاً، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَدَعَاهُ إِلَى الغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَإِنِّي رَأيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُهُ. متفق عليه (¬3). 2 - الحَجَل: لحمه سريع الهضم، مولد للدم الجيد. 3 - الدرّاج: خفيف لطيف، سريع الهضم، مولد للدم المعتدل، والإكثار منه يحد البصر. 4 - البط: لحمه عسر الهضم، كثير الفضول، غير موافق للمعدة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5537) , واللفظ له، ومسلم برقم (1943). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2572) , واللفظ له، ومسلم برقم (1953). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4385) , واللفظ له، ومسلم برقم (1649).

5 - الأوز: رديء الغذاء، معتدل الفضول. 6 - الحبارى: عسر الهضم، نافع من التعب. 7 - السماني: نافع للمفاصل، ويضر بالكبد الحار. 8 - العصفور: وهو أنواع كثيرة، ينفع المفاصل، ويزيد في الباءة، ومرقه يلين الطبع. 9 - الحمام: ولحمه جيد للكلى، يزيد في الدم، وهو أخف لحماً، وأحمد غذاءً، معين على الجماع، نافع من الخدر والسكتة والرعشة. 10 - القطا: ولحمه يولد السوداء، ويحبس الطبع، وينفع من الاستسقاء، وتغذيته غير محمودة. 11 - الجراد: قليل الغذاء، نافع من عسر البول والبواسير إذا تبخر به. وأكله ضار لأصحاب الصرع، ورديء الخلط، وإدامة أكله تورث الهزال. ولحوم الطير أسرع انهضاماً من المواشي، وأسرعها انهضاماً أقلها غذاء، وهي الرقاب والأجنحة. والمداومة على أكل اللحوم بأنواعها تورث الأمراض الدموية، والحُمِّيَّات الحادة، والأمراض الامتلائية. 1 - قال الله تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} [الواقعة: 21]. 2 - وقال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة: 96]. 3 - وَعَنْ أبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أبِي أوْفَى رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أوْ سِتّاً، كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ. متفق عليه (¬1). - البيض: غني جداً بالأملاح المعدنية، ويحتوي على نسبة عالية من الدهون التي تزيد الكوليسترول، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة، والكلى والمثانة، مسكن للألم، مقو للقلب، مسهل لخشونة الحلق، يولد دماً صحيحاً محموداً، ويسرع الانحدار من المعدة. وهو من الأغذية النافعة، والأدوية المطلقة. الثاني: حيوانات البحر: حيوانات البحر كلها حلال، سواء اصطيد، أو وجد ميتاً فيه، أو على ظهره، أو على ساحله، ولم يتعفن وهي كل ما لا يعيش إلا في البحر كالسمك والحوت والروبيان وغيرها. والأسماك مفيدة للجسم، وهي أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الذي خلقها. وأجود الأسماك ما لذ طعمه، وطاب ريحه، ورق قشره، ولم يكن صلب اللحم، وكان في ماء نهر عذب جار، يتغذى بالنبات لا بالأقذار. والسمك البحري فاضل محمود لطيف، والسمك الكبير بارد رطب، عسر الهضم، يولد بلغماً كثيراً. والسمك يخصب البدن، ويزيد في المني، ويصلح الأمزجة الحارة، منشط للقلب، ومخفف للكوليسترول في الدم، ومفيد لنمو العظام، وأجود ما في السمك ما قرب من مؤخرها، وكان حولياً سميناً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5495) , واللفظ له، ومسلم برقم (1952).

والسمك وزيوته يقلل من الإصابة بالقولون، وضغط الدم. وسمك البحار أفضل من أسماك الأنهار، والسمين الكبير الحولي أجود غذاء من الصغير الضعيف. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة: 96]. 2 - وَعَنْ عَبداللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا المَيْتَتَانِ: فَالحُوتُ وَالجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبَطِ، وَأمِّرَ أبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعاً شَدِيداً، فَألْقَى البَحْرُ حُوتاً مَيِّتاً لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، يُقَالُ لَهُ العَنْبَرُ، فَأكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ عَظْماً مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. متفق عليه (¬3). - أقسام الحيوانات البرية المباحة: الحيوانات البرية تشمل الدواب والطيور. والدواب تنقسم إلى قسمين: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5723) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3218). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (83) , وأخرجه الترمذي برقم (69)، وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5493) , واللفظ له، ومسلم برقم (1935).

أحدها: دواب مستأنسة: والمستأنس هو الأهلي الذي يعيش يبن الناس كالإبل والبقر والغنم ونحوها. الثاني: دواب متوحشة: وهي التي تفر من الإنسان إذا رأته كالظباء والوعول والغزلان وحمار الوحش وبقرته ونحوها. والطيور كذلك قسمان: أحدها: طيور مستأنسة: كالحمام والدجاج والبط ونحوها مما يألف الناس. الثاني: طيور متوحشة: وهي التي تفر من الإنسان إذا رأته كالحبارى والعصفور والقماري والنعاج ونحوها. فهذه كلها حلال أكلها. - أقسام الحُمُر: الحمر تنقسم إلى قسمين: أحدها: حمار الوحش: وهو الحمار المخطط المعلم. وهذا الحمار الوحشي حلال أَكْله، وقد أكل منه النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: الحمار الأهلي: وهو الحمار الأهلي المعروف، ولونه أبيض أو أسود. وهذا الحمار خبيث اللحم، محرم الأكل. - أقسام السباع: السباع المفترسة نوعان: الأول: سباع مستأنسة: تعيش بين الناس، وتأنس بهم كالقط والكلب الأهلي، والقرد ونحو ذلك. الثاني: سباع متوحشة: تعتدي على الناس ولا تألفهم ولا يألفونها كالأسد والنمر

والفهد والذئب والكلب ونحوها. فهذه السباع بنوعيها يحرم أكلها؛ لما فيها من صفة العدوان، وخبث اللحم، فإنها تأكل الجيف والنتن. 3 - الأطعمة الجامدة المباحة: وهي كل طعام طاهر نافع لا مضرة فيه ولا إسكار. مثل الأطعمة المركبة والمصنعة والطبيعية الجافة. فكل ما لم يبين الله ولا رسوله تحريمه من المطاعم والمشارب، فهو حلال على الأصل كالملح، والجبن، والتوابل، والمكرونة ونحوها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} ... [الأعراف: 32]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). 4 - الأطعمة السائلة المباحة: وهي كل طعام سائل طاهر نافع لا مضرة فيه ولا إسكار. كالعسل والألبان، والعصيرات، والمربيات، والزيوت، والجيلاتين، والخل، والآيس كريم، والقشطة ونحو ذلك من الأطعمة السائلة المركبة والمصنعة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

- صفات الغذاء الحيواني الحلال: الطعام الحيواني الحلال له صفات: منها ما يتعلق بالمأكول .. ومنها ما يتعلق بالذبح .. ومنها ما يتعلق بالذابح. 1 - فأما المأكول: فالأصل في الحيوانات الإباحة إلا ما حرمه الشرع، وما حرمه الشرع محدود كالميتة، والدم، والخنزير، والحمار، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وما يتغذى بالنجاسات كالنسر والغراب، وما تولد بين محرم وحلال كالبغل، والحيوانات السامة كالعقارب والحيات ونحوها، وما قُطع من البهيمة وهي حية ونحو ذلك. فكل ذلك حرام أكله وبيعه وشراؤه. 2 - وأما ما يتعلق بطريقة الذبح فالمأكولات الحيوانية نوعان: الأول: ما يجوز أكله بدون تذكية: وهي جميع حيوانات البحر، والجراد. الثاني: ما لا يجوز أكله إلا بعد تذكيته: وهو ما سوى ذلك من الحيوانات والطيور البرية. فهذه لا يجوز أكلها إلا بعد تذكيتها بآلة حادة من الحديد أو غيره، ولا تجوز التذكية بالسن أو الظفر أو العظم. فتذكى البقر والغنم من أعلى العنق، وتذكى الإبل من أسفل العنق. والتذكية تكون بما يلي: قطع الحلقوم مجرى النفس .. وقطع البلعوم مجرى الطعام .. وقطع الودجين مجرى الدم، مع ذكر اسم الله عند الذبح.

3 - وأما ما يتعلق بالذابح: فيشترط في المذكي أن يكون إنساناً مميزاً، عاقلاً، قاصداً الذبح، سواء كان مسلماً أو كتابياً، وسواء كان رجلاً أو امرأة. فيحرم أكل كل حيوان لم يذكر اسم الله عليه، أو ضُرب بالمسدس، أو بعصا، أو صُعق بالتيار الكهربائي، أو غُطس بماء حار، أو خُنق بالغاز ونحوه ثم مات قبل تذكيته الذكاة الشرعية. ويحرم تعذيب الحيوان قبل ذبحه لإضعاف مقاومته بضربه، أو إتلاف الجملة العصبية في المخ، أو سقيه البنج، أو خنقه بثاني أكسيد الكربون أو الغاز. - أسباب المنع من بعض المأكولات: الأطعمة كلها حلال، وقد حرم الإسلام بعضها لأسباب منها: 1 - حصول الضرر: فلا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره. فلا يأكل الإنسان فوق طاقته؛ لما فيه من الضرر والإسراف المنهي عنه. ولا يتناول السم، ولا يأكل المأكولات والنباتات السامة؛ لما في ذلك من قتل النفس. ولا يأكل ما فيه مضرة كالطين والفحم والخشب؛ لما فيه من الضرر على الجسم. ولا يأكل ما تستقذره الطباع كالروث والقمل والجعلان والبصاق والمخاط ونحو ذلك.

2 - النجاسة: فالمأكولات النجسة لا يجوز أكلها ولا التجارة فيها، وهي نوعان: الأول: ما كانت نجاسته عينية كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوهما. الثاني: ما كانت نجاسته بسبب مخالطته أو مجاورته النجاسات كالسمن الذي تموت فيه الفأرة، والمائع الذي يتغير لونه بمخالطة الدم، والمأكولات التي تشرَّبت النجاسة كاللحم المطبوخ بزيت الخنزير، والخبز المدهون بسمن الخنزير، والثمار المخللة بالنجاسة ونحو ذلك. 3 - الإسكار: فكل مشروب أو مأكول يُسكر كثيره فقليله حرام. فيحرم كل ما يغطي العقل أكلاً أو شرباً أو تجارة، سواء كان خمراً أو حشيشاً أو عرقاً أو مخدرات أو غيرها. 4 - ملكية الغير: فيحرم التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، سواء كان بالأكل أو الشرب أو البيع، ويدخل في ذلك المسروق والمغصوب والمأخوذ ثمناً لسلعة محرمة أو عوضاً عن تعامل محرم كالربا والقمار.

2 - أقسام الأطعمة المحرمة

2 - أقسام الأطعمة المحرمة - أنواع الأطعمة المحرمة: الأطعمة المحرمة: هي كل طعام خبيث ضار. والأطعمة المحرمة تنقسم إلى أربعة أقسام: المحرم من الحيوانات .. والمحرم من النباتات .. والمحرم من الجامدات .. والمحرم من المائعات .. القسم الأول: المحرم من الحيوانات: المحرم من الأطعمة الحيوانية ثلاثة أصناف: 1 - الحيوانات البرية المحرمة، وهي أقسام: الأول: كل ما له ناب من السباع يفترس به كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب، والثعلب، والفيل، والدب، والقرد، والقط، وابن آوى ونحوها إلا الضبع فحلال. عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. متفق عليه (¬1). الثاني: جميع الحيوانات السامة كالحيات، والأفاعي، والعقارب، والوزغ ونحو ذلك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5530) , واللفظ له، ومسلم برقم (1932).

فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً». متفق عليه (¬1). الثالث: جميع الحيوانات الخبيثة المستقذرة كالتي تأكل النجاسات، وفضلات الإنسان والحيوان كالخنزير ونحوه. قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام: 145]. الرابع: جميع الحيوانات المستخبثة كالفأرة، والقنفذ، والجرذان، والنيص ونحوها. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ... [الأعراف: 157]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». متفق عليه (¬2). الخامس: الحمر الأهلية: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، وَرَخَّصَ فِي الخَيْلِ. متفق عليه (¬3). السادس: كل ما تولَّد من مأكول وغير مأكول كالبغل فهو متولد من الخيل ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778) , واللفظ له، ومسلم برقم (109). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3314) , واللفظ له، ومسلم برقم (1198). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4219) , واللفظ له، ومسلم برقم (1941).

والحمر الأهلية، والسمع فهو متولد من الذئب والضبع. عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الخَيْلَ وَالبغَالَ وَالحَمِيرَ فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ البغَالِ وَالحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الخَيْلِ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - الطيور البرية المحرمة، وهي أقسام: الأول: كل ما له مخلب من الطير يصيد به كالصقر، والعقاب، والبازي، والنسر، والشاهين. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كُلّ ذِي نَابٍ مِنَ السّبَاعِ، وَعَنْ كُلّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطّيْرِ. أخرجه مسلم (¬2). الثاني: كل ما كان من الطيور مستخبثاً في نفسه كالخفاش ونحوه، أو كان مستخبثاً لأكله الجيف كالرَّخَم والخطاف ونحوهما. الثالث: الفواسق التي أمر الشرع بقتلها، وهي من الطيور الغراب والحِدَأة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». متفق عليه (¬3). الرابع: كل ما نهى الشرع عن قتله بعينه كالهدهد والصُّرَد ونحوهما. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14902) , وأخرجه أبو داود برقم (3789)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1934). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3314) , واللفظ له، ومسلم برقم (1198).

الدَّوَاب النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 3 - الحشرات: وهي كل ما يدب على وجه الأرض أو يطير في السماء من الحشرات. فجميع أصناف الحشرات يحرم أكلها؛ لأنها مستخبثة كالخنافس، والجعلان، والصراصير، والبراغيث، والقمل، والذباب، والديدان، والبعوض ونحوها. فكل هذه الحشرات مستخبثة مستقذرة تعافها النفوس، وينفر منها الطبع، فيحرم أكلها لخبثها وضررها وقذارتها. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ... [الأعراف: 157]. - أنواع الأطعمة الضارة: ما فيه ضرر من المطعومات ثلاثة أنواع: أحدها: الحيوانات السامة: كالحيات، والسمك السام، والعقارب ونحو ذلك. الثاني: النباتات السامة: كالخشخاش وهو شجر الأفيون، والبنج ولا يباح منه إلا بقدر الضرورة للعمليات الجراحية. الثالث: الجمادات السامة: كالزرنيخ ونحوه. فهذه الأنواع السامة كلها محرمة؛ لأنها ضارة ومهلكة. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3066) , وأخرجه أبو داود برقم (5267)، وهذا لفظه.

رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. - حكم قتل الحيات: الحيات تُقتل في الحال في الحل والحرم؛ لأنها خبيثة ضارة، إلا أن الحية تُؤْذَن وتُنذر إذا كانت في العمران ثلاثة أيام، أو ثلاث مرات في يوم، ثم إن بدت قتلها؛ لأنها شيطان في صورة حية. وصفة الإنذار: أن يقول لها: أحرِّج عليك بالله أن تخرجي، أو لا أراك بعد اليوم، أو لا أراك بعد هذه المرة ونحو ذلك. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ: «وَالمُرْسَلاتِ». وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لأتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْتُلُوهَا». فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ بِالمَدِينَةِ نَفَراً مِنَ الجنّ قَدْ أَسْلَمُوا، فَمَنْ رَأَى شَيْئاً مِنْ هَذِه العَوَامِرِ فَليُؤْذِنْهُ ثَلاَثَاً، فَإنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ، فَإِنّهُ شَيْطَانٌ». أخرجه مسلم (¬2). - ضابط المحرم من الحيوانات والطيور: هو كل ما نص الشرع على خبثه كالحمار الأهلي والخنزير. أو نص على جنسه ككل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. أو كان خبثه معروفاً كالفأرة والحشرات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1830) , واللفظ له، ومسلم برقم (2234). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2236).

أو كان خبثه عارضاً كالجلاّلة التي تتغذى بالنجاسة. أو أمر الشارع بقلته كالحية والعقرب. أو نهى الشارع عن قتله كالهدهد والصرد والضفدع، والنمل والنحل ونحوها. أو كان معروفاً بأكل الجيف كالنسر والرخم والغراب. أو كان متولداً بين حلال وحرام كالبغل فهو من أنثى خيل نزا عليها حمار. أو كان ميتة أو فسقاً أُهِلّ لغير الله به، أو لم يُذكر اسم الله عليه. أو لم يأذن الشرع في تناوله كالمغصوب والمسروق ونحوهما. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145]. - حكم طهارة الحيوان: كل حيوان حلال الأكل فهو طاهر. وكل حيوان محرم الأكل فهو نجس، ويستثنى من ذلك ثلاثة: الآدمي فهو طاهر حياً وميتاً .. وما لا نفس له سائلة كالحشرات إلا ما تولد من النجاسات فهو نجس حياً وميتاً كالصراصير ونحوها .. وما يشق التحرز منه كالهرة والحمار، ويستثنى من ذلك الكلب.

- حكم أكل الجلاّلة: الجلاّلة: هي الحيوان الذي أكثر أكله العذرة والنجاسات، سواء كان من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الدجاج، أو الحمام أو غيرها حتى يتغير ريحها. وقد ورد النهي عن أكل لحمها، وشرب لبنها، وركوبها بلا حائل، وأكل بيضها. فإذا حبست بعيدة عن العذرة، وعلفت الطاهر زمناً، فطاب لحمها، وزالت رائحتها، وذهب اسم الجلاّلة عنها حلّت، وجاز أكلها. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لَبَنِ الجَلاَّلَةِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ الجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الجَلاَّلَةِ فِي الإبلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا. أخرجه أبو داود (¬3). القسم الثاني: المحرم من الأطعمة النباتية: المحرم من الأطعمة النباتية نوعان: المسكرات والمخدرات .. والنباتات الخبيثة الضارة. 1 - المسكرات والمخدرات: فكل طعام أو شراب تسبب في ذهاب العقل، أو تخديره، أو تفتير البدن، أو ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3786) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1825). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3785) , وأخرجه الترمذي برقم (1824). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3787).

ترقيده، فهو محرم، قليلاً كان أو كثيراً، سواء كان من الطعام أو غيره من المواد. والمخدرات: مواد نباتية أو كيماوية تؤثر على العقل والبدن، وتصيب الجسم بالفتور والخمول، وتشل نشاطه، وتغطي عقل الإنسان كالخمر. وتعاطي المخدرات يؤدي إلى الانهيار النفسي، والضعف البدني، والخلل العقلي، والإفلاس المالي، والمرض الجسدي والعقلي. ولهذه الأخطار الجسيمة للمسكرات والمخدرات يحرم أكلها، وتعاطيها، وتناولها، وترويجها، وبيعها، وشراؤها، وزراعتها، وتسويقها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخرةِ». متفق عليه (¬1). - أنواع المخدرات: المخدرات نوعان: الأول: المخدرات الطبيعية: وهي النباتات المخدرة كالحشيش، والأفيون، والقات ونحوها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) , ومسلم برقم (2003)، واللفظ له.

الثاني: المخدرات المصنعة: وهي مواد مستخلصة من المواد المخدرة الطبيعية، تجري عليها عمليات كيميائية لتصبح في صورة أخرى أشد تركيزاً، وأقوى تأثيراً وتخديراً كالهروين، والمورفين، والكوكايين. ومنها العقاقير المصنعة من مواد كيميائية لها نفس تأثير المواد المخدرة، تصنع على شكل حبوب أو كبسولات. منها ما هو منبه كالكبتاجون ... ومنها ما هو منوم كالسيكنال .. ومنها ما هو مهدي .. ومنها ما هو مهلوس. نسأل الله السلامة والعافية من كل ذلك ومن كل شر وبلاء. - حكم تناول المخدرات: المخدرات بجميع أنواعها وأصنافها محرمة. فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه، أكلاً، أو شرباً، أو شماً، أو تدخيناً، أو حقناً أو غير ذلك؛ وذلك لضررها البالغ العظيم على الجسم والعقل .. ولما يترتب عليها من آثار سيئة ومفاسد أشد من آثار المسكرات .. من إضاعة الأوقات والأموال .. ومن إثارة العداوة والبغضاء .. ومن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وما تسببه من كثير من الأمراض الصحية والنفسية والعقلية التي يصعب علاجها. ولما تؤدي إليه من التهاون والتكاسل عن العبادات. ولما تسببه من الفساد والسرقات، والوقوع في الجريمة، وتعطيل المصالح، وإضاعة الأهل والأولاد، وإضاعة النفس، والدين، والعرض، والعقل،

والمال، والوقت، والدنيا والآخرة، وغير ذلك من المصائب والشرور التي يجرها الشيطان لبني آدم، ويغرهم ويغريهم بها لنيل المتعة والسعادة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر: 6]. 2 - النباتات الضارة: فكل نبات ضار سام خبيث فهو حرام، لا يجوز أكله ولا تناوله ولا زراعته، ولا التجارة فيه، وذلك مثل الزهور والأوراق السامة أو المخدِّرة كالتبغ الذي تُصنع منه السجائر، ويحتوي على مادة النيكوتين التي يبلغ ضررها حد الإماتة إذا تركزت في البدن، ومثل القات الذي غرّ به الشيطان كثيراً من الجهال، وأضاع أوقاتهم وأموالهم، ومصالحهم، ودنياهم وأخراهم، وأفسد أبدانهم. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]. القسم الثالث: المحرم من الأطعمة الجامدة: المحرم من الأطعمة الجامدة نوعان:

الأول: السموم المستخرجة من الجمادات، والسموم الكيميائية. فهذه كلها محرمة، ويحرم تناولها أكلاً أو شرباً أو شماً؛ لما فيها من الأضرار القاتلة، والإلقاء بالنفس إلى التهلكة وهو محرم، وتحرم صناعتها والتجارة فيها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء: 93]. الثاني: كل ما يترتب على أكله ضرر بالإنسان كالتراب والطين والفحم والروث ونحو ذلك مما يضر بالإنسان أكله. القسم الرابع: المحرم من الأطعمة السائلة: يحرم على المسلم تناول كل طعام مائع ضار، خبيث، نجس، مسكر أو مخدر أو قاتل، وذلك لما فيه من الضرر البدني والعقلي والروحي والمالي، وتعطيل مصالح الدنيا والآخرة، وتجاوز حدود الله بتناول واستحلال الخبائث التي حرمها الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ... [الأعراف: 157]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].

3 - أقسام الأطعمة المختلطة بمحرم

3 - أقسام الأطعمة المختلطة بمحرم - أقسام الأطعمة: تنقسم الأطعمة بأنواعها إلى ثلاثة أقسام: أطعمة مباحة .. وأطعمة محرمة .. وأطعمة مختلطة. - أحكام الأطعمة المختلطة بمحرم: إذا اختلط الطعام المباح بمحرم حرم أكله، سواء كان حيواناً أو طعاماً. فالحيوان كالمتولد من حيوان مأكول وغير مأكول كالبغل المتولد من الحمير والخيل، سواء كان التلقيح طبيعياً أو صناعياً. والطعام كالأطعمة المباحة إذا أضيف إليها محرم، فإنها تحرم بسبب ذلك، ولا يجوز أكلها. - أنواع الأطعمة المختلطة بمحرم: الأول: الزيوت والدهون: وهي أنواع كثيرة، وتختلف أحكامها باختلاف أنواعها وأحوالها كما يلي: 1 - جميع الزيوت المستخرجة من النباتات أو ثمارها فهي حلال كزيت الزيتون، وزيت الذرة، وزيت الخردل، وزيت الحبة السوداء، وزيت السمسم، وزيت الخروع وغيرها. فإذا كان الزيت مستخرج من نبات سام ثبت ضرره، أو كانت تلك الزيوت مختلطة بنجاسة، أو بشيء محرم الأكل، فحينئذ تحرم بسبب ذلك. 2 - الدهون الحيوانية: وهي نوعان:

الأول: دهون الحيوانات المباح أكلها، سواء كانت من حيوانات البر أو البحر، وسواء كانت من الحيوانات أو الطيور، فالحيوانات البرية كدهن الإبل والبقر والغنم وغيرها كالأرانب والغزلان ونحوها، والطيور كدهن الدجاج والحمام وغيرها. فدهون هذه الحيوانات والطيور حكمها حكم لحمها: فإن كانت تلك قد ذكيت الذكاة الشرعية فهي طاهرة مباحة، وإن كانت ميتة، أو لم تذك الذكاة الشرعية فهي نجسة محرمة الأكل. ودهون حيوانات البحر كلها حلال كلحومها. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} ... [الأنعام: 121]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} [المائدة: 1]. الثاني: دهون الحيوانات غير مأكولة اللحم، كدهون الحمير والخنازير، والكلاب، والسباع المفترسة، والطيور المفترسة ونحوها من الحيوانات والطيور المحرمة الأكل، فهذه جميع لحومها ودهونها محرمة نجسة، فلا يجوز الانتفاع بها لا في مأكول، ولا مشروب، ولا غيره كالصابون، ولا يحل أكل ما خلطت به من الأطعمة أو الأشربة. الثاني: الأجبان: ويختلف حكم الجبن باختلاف مصدره وهو الحليب، واختلاف مصدر الأنفحة التي تدخل في تصنيعه.

فالأجبان لها ثلاث حالات: الأولى: أن يكون الجبن مصنوع من لبن مأكول اللحم، والأنفحة المضافة إليه من حيوان مباح الأكل، مذكىً ذكاة شرعية، ولم تخالطه نجاسة. فهذا جبن مباح حلال الأكل. الثانية: أن يكون الجبن مصنوع من لبن حيوان لا يجوز أكله كالخنزير والسباع والحمير والميتة ونحوها. فهذا جبن محرم الأكل؛ لأن مصدره محرم. الثالثة: أن تكون الأنفحة الداخلة في تصنيع الجبن من حيوان محرم الأكل كالميتة والخنزير ونحوها، أو غير مذكى ذكاة شرعية. فهذه الأنفحة نجسة محرمة، وإذا أضيفت إلى الجبن حرم أكله، لاختلاطه بالمحرم النجس. الثالث: الجيلاتين: الجيلاتين: مادة شفافة أو صفراء، لا طعم لها ولا رائحة. وتستخلص من جلود وأعصاب وعظام الحيوانات، أو من بعض النباتات. والجلي المستخدم في بعض الأطعمة والحلويات له حالتان: الأولى: إن كان مصدر الجيلاتين من حيوان مأكول اللحم، مذكى ذكاة شرعية، أو من نبات غير ضار ولا سام، فهذا حلال، وما أضيف إليه حلال. الثانية: أن يكون مصدره من حيوان محرم الأكل كالميتة والخنزير، أو من حيوان مباح ولكنه غير مذكىً ذكاة شرعية، فهذا محرم الأكل، وإذا أضيف إلى الأطعمة حرمت؛ لاختلاط المباح بالمحرم.

الرابع: الأغذية السائلة: وهي الأطعمة المركبة من أطعمة مختلفة، نباتية أو حيوانية أو مركبة منهما أو من غيرهما. فهذه حكمها حكم ما استخلصت منه، فإن كان حلالاً فيباح أكلها أو شربها أو حقنها كما يباح أصلها، كالمغذي الذي يستخدم في إطعام المرضى الذين لا يستطيعون الأكل، وإن كان مصدرها ضاراً أو ساماً أو محرماً فيحرم أكلها والانتفاع بها، وإن كانت مركبة من حلال وحرام فهي محرمة. الخامس: الأغذية الجامدة: وهي الأطعمة المصنعة الجافة، التي تركب من مواد نباتية وحيوانية مختلفة. فهذه إن كان مصدرها حلال فهي حلال، وإن كان مصدرها حرام فهي محرمة. وإن كانت مركبة من حلال وحرام فيحرم أكلها والانتفاع بها. عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمىً، أَلاَ وَإِنّ حِمَى اللهُ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَإذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , واللفظ له، ومسلم برقم (1599).

- ما يحل من الميتة والدم: الميتة، والدم المسفوح، كلاهما حرام ولا يجوز أكله. ويستثنى من الميتة: السمك والجراد، ومن الدم: الكبد والطحال. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا المَيْتَتَانِ: فَالحُوتُ وَالجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). - متى يباح أكل المحرم: من اضطر إلى أكل طعام محرم غير السم حل له منه ما يسد رمقه. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} ... [البقرة: 172 - 173]. - حكم أكل المضطر من الطعام المحرم: المضطر: هو من ألجأته الضرورة إلى تناول المحرم. فيباح للمضطر أن يتناول من الأطعمة والأشربة المحرمة غير السم إذا خشي الضرر بعدم الأكل، ولم يجد غير هذا المحرم ما يدفع به جوعه. فإن أيقن المضطر بالهلاك وجب عليه الأكل من المحرم بقدر ما يسد رمقه، فإن امتنع ومات فهو آثم؛ لأنه تسبب في قتل نفسه، وهو قادر على إنقاذها بما أحله الله له، وألقى بنفسه إلى التهلكة وهو منهي عنه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5723) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3218).

1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} [البقرة: 173]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} ... [البقرة: 195]. - مقدار ما يباح للمضطر من الطعام المحرم: الضرورة: أن يبلغ الجوع والعطش بالإنسان إلى حد أنه إذا لم يتناول المحرم هلك، أو قارب الهلاك. والمضطر له حالتان: الأولى: أن تكون المجاعة عامة مستمرة. ففي هذه الحالة يباح للمضطر الأكل من الطعام حتى الشبع، سواء كان ميتة أو حيواناً محرم الأكل؛ لأن الضرورة لا يرجى زوالها، ولا يجوز له شرب السم؛ لأنه مهلك، أو قتل الآدمي من أجل أكله؛ لأنه لا يجوز له إبقاء نفسه بإتلاف غيره. الثانية: أن تكون الضرورة والمجاعة خاصة بإنسان مرت به، ويرجو زوالها بوجود طعام مباح. فهذا المضطر يباح له أن يأكل من الطعام المحرم بقدر ما يدفع عنه الجوع والضرر؛ حفظاً للنفس من الموت، سواء كان في الحضر أو السفر، ومن غص ولم يجد ما يدفع به الغصة إلا ماء نجساً أو محرماً فيباح له أن يشرب

بقدر ما يدفع الغصة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} ... [البقرة: 173]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} [الأنعام: 119]. - حكم أكل المضطر من طعام الغير: لا يجوز لأحد أن يأكل من طعام غيره إلا بإذنه. وإذا اضطر الإنسان إلى الطعام، ولم يجد إلا طعام غيره، فإنه يجوز له الأكل منه ولو بغير إذنه، فيأكل بقدر ما يسد جوعه، ويدفع عنه الموت. فإن كان صاحب الطعام مضطر إليه فهو أولى به من غيره. ويجب على مالك الطعام أن يطعم المضطر إنقاذاً لحياته، كما يجب على المضطر تعويض صاحب الطعام بثمنه متى تيسر له إن طلبه منه. - ما يقدم أكله عند الضرورة: إذا وجد المضطر إلى الطعام ميتة، وطعاماً لغيره، وصيداً لمُحْرِم، وخمراً، وخنزيراً، وما لم يُذكر اسم الله عليه. فهذا المضطر يقدم الأكل من طعام الغير ويعوضه بثمنه؛ لأنه مضطر إليه. فإن لم يوجد طعام الغير وهو محرم، فله الأكل من صيد البر؛ لأنه مضطر إليه. فإن لم يوجد صيد البر أكل من الميتة؛ لأن الله أباحها للمضطر.

فإن لم توجد الميتة أكل من الخنزير؛ لأنه مضطر إليه. فإن لم يوجد شرب من الخمر؛ لأنه مضطر إليه. يبدأ بالأخف فالأخف، وما ضرره أقل، وما ضرره لا يتعدى إلى غيره؛ لدفع الهلاك عن نفسه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} ... [النساء: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)} ... [المائدة: 3]. - حالات الضرورة والحاجة: 1 - الأكل من ثمار البساتين: من مر ببستان وهو محتاج للطعام، فله أن يستأذن ويأكل بقدر حاجته، فإن لم يجد من يستأذنه أكل منه بلا إذن؛ لأنه مضطر، وعليه أن يدفع قيمة ما أكل. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَخَلَ حَائِطاً فَلْيَأْكُلْ وَلاَ يَتَّخِذ خُبْنَةً». أخرجه الترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1287).

2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثمَرِ المُعَلَّقِ فَقَالَ: «مَنْ أَصَابَ بفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثلَيْهِ وَالعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئاً بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الجَرِينُ فَبَلَغَ ثمَنَ المِجَنِّ فَعَلَيْهِ القَطْعُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعِي إِبِلٍ فَنَادِ: يَا رَاعِيَ الإِْبِلِ ثَلاَثاً، فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلاَّ فَاحْلُبْ وَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ، وَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ فَنَادِ: يَا صَاحِبَ الحَائِطِ ثَلاَثاً، فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلاَّ فَكُلْ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). 2 - الأكل من الزرع: إذا مر المضطر بزرع فله الأكل منه بإذن صاحبه، فإن لم يوجد أكل منه بلا إذن، ويضمن لصاحبه قيمة ما أكل. 3 - حلب ماشية الغير: فيجوز للمحتاج أن يحلب ويشرب من ماشية الغير بإذنه، فإن لم يوجد حلب وشرب ما يحفظه من الهلاك، ولا يحمل معه منه شيئاً. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحْلُبَنّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلاّ بِإِذْنِهِ، أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إنّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلاَ يَحْلُبَنّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلاّ بِإِذْنِهِ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1710) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1289). (¬2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (11159) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2300). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1726).

- الحالات التي تحرم فيها بعض الأطعمة المباحة: الأصل في الأطعمة الحل والإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه. وقد يعرض لبعض الأطعمة المباحة أحوال تجعلها محرمة ممنوعة الأكل. ومن تلك الأحوال: 1 - الميتة: وهي كل حيوان أو طير مات، أو لم يذك الذكاة الشرعية. - أنواع الميتة: المنخنقة: وهي التي ماتت بالخنق .. والموقوذة: وهي التي ماتت بالضرب .. والمتردية: وهي التي سقطت من علو فماتت .. والنطيحة: وهي التي نطحت بهيمة أخرى فماتت .. وكل حيوان افترسه سبع فمات .. والمقتول بالصعق الكهربائي .. والمقتول رمياً بالرصاص مع القدرة عليه .. وكل ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه عمداً .. وكل ما ذكر عليه غير اسم الله .. وكل ما ذبح على الأضرحة أو القبور .. وكل ما ذبح للجن أو الغائبين .. ويستثنى من الميتة ميتة البحر والجراد، فهذه حلال أكلها. 2 - الجلاّلة: وهي التي أكثر أكلها النجاسات كالسمك الذي يتغذى على مياه المجاري، وكل ما يتغذى على النجاسات من حيوان أو طير مباح الأكل. فإذا أُطعمت الطاهر، وطاب أكلها، جاز أكل لحمها، والانتفاع بها. 3 - الطاهر إذا خالطته نجاسة كالماء أو اللبن إذا خالطته نجاسة. قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145].

4 - كل ما كان محرماً لحق الله تعالى كالزكوات والكفارات، فهذه حق للفقراء، لا تحل للأغنياء. 5 - كل ما كان مأخوذاً بطريق محرم كالمغصوب والمسروق ونحوهما، والمأخوذ عن طريق الرشوة والميسر. وكل ما كان مكتسباً بمعاملات محرمة كالربا والغش ونحوهما. 6 - كل ما كان من الأموال ملكاً للآخرين، ولم يأذنوا بتناوله، فيحرم أكله؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. 7 - إذا اشتبه الحلال بالحرام مع العجز عن تمييز الحلال منهما، كما لو اشتبهت الميتة بالمذكاة، والعصير بالخمر، أو الماء الطهور بالنجس، فيحرم الجميع. - حكم الأكل والشرب من طعام الكفار: طعام الكفار أربعة أنواع: أحدها: الأطعمة النباتية، أو المصنعة من مصدر نباتي. فهذا النوع مباح الأكل، سواء كان الكفار أهل كتاب كاليهود والنصارى، أم غير أهل كتاب كالهندوس والمجوس ونحوهم. الثاني: أن يكون الطعام من حيوانات البحر كالأسماك، أو مصنعاً من حيوانات البحر. فهذا النوع مباح الأكل كذلك؛ لأن حيوانات البحر لا تحتاج إلى تذكية. الثالث: أن يكون الطعام من لحوم الحيوانات البرية المباحة الأكل كالإبل والبقر والغنم ونحوها، أو من الطيور المباحة الأكل كالدجاج والحمام ونحوها، أو يكون الطعام مصنَّعاً من تلك اللحوم.

فهذه اللحوم لها حالتان: الأولى: أن تكون من بلاد كفارها أهل كتاب. فإن علمنا أنهم يذكونها كتذكية المسلمين فهي مباحة الأكل. وإن علمنا أنهم لا يذكونها، بل يقتلونها بالخنق، أو الصعق الكهربائي، أو الضرب، أو غمسها في الماء الحار حتى تموت ونحو ذلك، فهذه ميتة لا يجوز أكلها. الثانية: أن تكون اللحوم من بلاد كفارها ليسوا أهل كتاب كالهندوس والملاحدة والشيوعيين وأمثالهم من الكفار. فهذه اللحوم محرمة؛ لأن ذبائح هؤلاء لا تحل للمسلمين، سواء ذكوها كالمسلمين أو لم يذكوها. الرابع: أن يكون الطعام من لحوم الحيوانات المحرمة الأكل كالخنزير، والحمار الأهلي، والسباع كالأسد والفيل، والطيور المفترسة كالصقر والحدأة ونحوهما من محرم الأكل كالميتة. فهذه كلها محرمة لذاتها، فلا يحل أكلها ولو ذكيت الذكاة الشرعية. قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145]. - حكم أكل اللحوم المستوردة: اللحوم المستوردة من خارج بلاد الإسلام يجوز أكلها بشرطين: الأول: أن تكون من اللحوم التي أحل الله أكلها. الثاني: أن تكون قد ذكيت الذكاة الشرعية.

فإن لم يتوفر فيها هذان الشرطان، فهي حرام لا يحل أكلها، كأن تكون لا يحل أكلها كالخنزير والميتة، أو لم تذك الذكاة الشرعية. - حكم أكل ما قُطع من الحيوان الحي: 1 - المحرم أكله من الحيوانات والطيور محصور في عشرة أشياء منصوص عليها، ويُلحق بهذه العشرة كل ما قُطع من الحي فهو ميتة لا يجوز أكله. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ... [المائدة: 3]. 2 - وعَنْ أَبي وَاقِدٍ اللَّيْثيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإبلِ وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ فَقَالَ: «مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - يحرم أكل لحم الميتة، أما عظمها وقرنها وظفرها وجلدها وشعرها وريشها فهو طاهر يحل للإنسان الانتفاع به إن شاء. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةً مَيِّتَةً، أُعْطِيَتْهَا مَوْلاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا». قالوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ؟ قال: «إِنَّمَا حَرُمَ أكْلُهَا». متفق عليه (¬2). - حكم الأكل والشرب في الأواني المحرمة: يجوز الأكل والشرب في جميع الأواني إلا آنية الذهب والفضة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2858) , وأخرجه الترمذي برقم (1480)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1492) , واللفظ له، ومسلم برقم (363).

فيحرم على الرجال والنساء الأكل والشرب بهما؛ لما في ذلك من الكبر، والفخر والخيلاء. عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬1). - حكم أكل الميتة: الميتة: هي كل حيوان أو طير بري مات بنفسه، أو بغير ذكاة شرعية. والميتة حرام لا يجوز أكلها لخبثها، وضررها، ونجاستها. ويستثنى من الميتة حالتان: الأولى: استثناء نوع: وهي ميتة البحر، وما لا نفس له سائلة من ميتة البر كالجراد. فالأسماك كلها إذا أخرجت من البحر، أو جزر عنها البحر فماتت فهي طاهرة حلال يجوز أكلها. واللحم المنتن والمتعفن والمتفسخ لا يجوز أكله. الثانية: استثناء في الأحوال: وهو إباحة أكل الميتة في حال الاضطرار، فيحل للمرء أن يأكل ما يسد رمقه، ويحفظ له حياته. قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067).

3 - باب الأشربة

3 - باب الأشربة - الشراب: هو كل ما يشرب. - أقسام الأشربة: تنقسم الأشربة إلى قسمين: الأول: الأشربة الحلال: وهي كل شراب طيب، نافع، لا مضرة فيه ولا إسكار. والأشربة الأصل فيها الحل والإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه. والأشربة الحلال أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الذي خلقها، ومنها: المياه .. والألبان .. والسمن .. والزيت .. والعسل .. والزنجبيل .. والنارجيل .. والزعفران .. والخل .. والقهوة .. والشاي .. والعصير .. والنعناع وغيرها من الأشربة التي خلقها الله لمصلحة الإنسان، وأمره بشربها بلا إسراف. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} [البقرة: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} [الأعراف: 31]. الثاني: الأشربة المحرمة: وهي كل شراب خبيث، ضار، نجس، مسكر، مهلك، سام. فكل شراب جمع هذه الأوصاف، أو بعضها، أو أحدها، فهو محرم لا يجوز

شربه؛ لما فيه من الضرر على الإنسان. ومن الأشربة المحرمة: الخمور .. والسموم .. والمخدرات .. والحشيش .. والدخان .. والشيشة .. والدم .. وبول الآدمي .. وبول محرم الأكل .. وكل شراب نجس .. وكل ما خالطته نجاسة وغيرها من الأشربة الخبيثة الضارة التي نهى الله عنها. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} ... [الأعراف: 157]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145].

1 - أقسام الأشربة المباحة

1 - أقسام الأشربة المباحة - أنواع الأشربة المباحة: الأشربة الحلال أنواع كثيرة مختلفة الألوان، والطعوم، والأشكال، والمنافع. ومن أهم هذه الأشربة المباحة ما يلي: 1 - الماء: وهو الماء السائل الذي خلقه الله عز وجل لسقي الإنسان والحيوان والنبات. مثل مياه الأمطار .. ومياه الأنهار .. ومياه الآبار .. ومياه العيون .. ومياه البحار. وهذه المياه أنواع مختلفة: فمنها العذب والمالح .. ومنها الحلو والمر .. ومنها البارد والحار .. ومنها العادي والغازي .. ومنها الثقيل والخفيف .. وأفضله الماء الصافي الحلو البارد. ومنها ما يصلح للإنسان .. ومنها ما يصلح للحيوان .. ومنها ما يصلح للنبات .. ومنها ما يصلح للكل .. ومنها ما لا يصلح للكل. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} ... [النحل: 10 - 11]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)} ... [الزمر: 21].

3 - قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} [فاطر: 12]. - منافع الماء: خلق الله الماء وجعله سبباً لحياة النبات والحيوان والإنسان. والماء يسهل عملية الهضم والامتصاص والإخراج .. ويقوم بنقل عناصر الغذاء داخل الجسم .. ويحافظ على مستوى الضغط داخل وخارج خلايا الجسم .. ويقوم بعمل التوازن داخل الجسم .. ويحافظ على ثبات حرارة الجسم عند حدها الطبيعي .. ويقوم بإخراج المواد السامة والضارة من الجسم عن طريق الكلى. كما يقوم بتليين المواد الغذائية الجافة داخل المعدة والأمعاء .. ويسهل عملية المضغ .. ويساعد في عملية بناء الخلايا في الجسم .. ويساعد الماء على سرعة التئام الأنسجة عند إصابتها بالجروح والأمراض. 2 - العسل: وهو من ألذ الأشربة وأنفعها وأحلاها. وهو أنواع مختلفة الطعوم والألوان: وأجود أنواعه عسل نحل الغابات الطبيعية .. ويليه عسل نحل الجبال .. وعسل فصل الربيع أجود تغذية من عسل الصيف، وأجود أنواعه الذي يميل لونه إلى الحمرة، ورائحته كرائحة الأزهار، وشفاف اللون. - منافع العسل: العسل من أجود الأغذية .. مقو للمعدة .. مفيد في علاج فقر الدم الحاد ..

منشط للدماغ والمخ والأعصاب .. ملين للأمعاء .. منق للكبد .. مدر للبول .. نافع للسعال .. منظم لحركة التنفس .. محسن للصوت .. مسكن للالتهابات .. مفيد في تقوية الباءة .. نافع من استطلاق البطن. وإذا وُضِع العسل على التقرحات والحروق والالتهابات ساعد على اندمالها. 1 - قال الله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} ... [النحل: 68 - 69]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل العسل: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ الحَلْوَاءُ وَالعَسَلُ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ -أَوْ: يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ- خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5681). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5682) , واللفظ له، ومسلم برقم (1474). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5683) , واللفظ له، ومسلم برقم (2205).

- حكم التداوي بالعسل: العسل غذاء، وشراب، وحلوى، ودواء. ويجوز التداوي بالعسل شرباً، أو دهناً، أو حقناً في الجسم. وقد جعل الله عز وجل في العسل خاصية الشفاء من كثير من الأسقام. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقال: «اسْقِهِ عَسَلاً». ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقال: «اسْقِهِ عَسَلاً». ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقال: «اسْقِهِ عَسَلاً». ثُمَّ أَتَاهُ فَقال: قَدْ فَعَلْتُ؟ فَقال: «صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً». فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. متفق عليه (¬1). 3 - السكر: وهو شراب سكري حلو. يستخرج من قصب السكر، أو البنجر، أو من مواد سكرية، والسكر غذاء مفيد إذا استخدمه الإنسان باعتدال .. نافع للكبد .. والعظام .. مدر للبول. والإكثار من تناول السكر يلهب الأمعاء والمعدة .. ويؤدي إلى إضعاف البنكرياس وإصابته بالكسل. والبنكرياس يقوم بإفراز مادة الأنسولين التي تقوم بإحراق السكر الزائد في الجسم، وكثرة تناول السكر تقلل وتضعف عمل البنكرياس، فينشأ مرض السكر بإذن الله. لهذا يجب التقليل منه، والاكتفاء بالسكر من الأغذية الأخرى كالفواكه والخضار، حيث أنها لا ترهق الجسم، ويتم هضمها بسرعة، وتحقق الهدف الغذائي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5684) , واللفظ له، ومسلم برقم (2217).

- أضرار الإكثار من السكر: يجب التقليل من السكر الأبيض، ومن أضرار الإكثار منه: الإصابة بمرض السكري .. انحباس السوائل في الجسم .. الاضطرابات الهضمية والكبدية .. تعرض القلب والكلى والبنكرياس لأعراض مرضية .. إصابة القولون بمرض السرطان .. تضخم الكليتين .. كثرة شحم الكبد .. الإصابة بنخر الأسنان .. ضعف بنية الصغار .. وإصابتهم بالهزال. 4 - اللبن: وهو الحليب الذي يخرجه الله من ضروع الحيوانات المباحة الأكل كالإبل والبقر والغنم ونحوها. - منافع اللبن الحليب: اللبن مفيد للعظام .. نافع للمخ .. مقو للدم .. مغذ للبدن، وشربه مع العسل وصفار البيض نافع للمصاب بفقر الدم، أو ضعف البنية، وللحوامل والرضع من النساء. وحليب الناقة من أجود أنواع الحليب الحيواني، وإذا طبخ الحليب لمدة طويلة فقد أكثر منافعه، ويفقد الحليب فائدته إذا شُرب بعد طعام يحتوي على مواد بروتينية كاللحم والسمك والفول والحمص؛ لأن الحليب يتخمر في المعدة قبل تلك الأطعمة، ويحسن شربه بعد وجبة من الخضار أو الفاكهة. وينصح بعدم الإكثار من شرب الحليب كامل الدسم للمصاب بأمراض قلبية أو كلوية أو ضغط الدم. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} ... [النحل: 66].

2 - وَعَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمّا خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكّةَ إلَى المَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ، وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتّىَ رَضِيتُ. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ أنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ، وَأنْ يَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأمَرَ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أعْيُنُهُمْ، وَألْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلا يُسْقَوْنَ. قال: أبُو قِلابَةَ: فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. متفق عليه (¬2). - منافع اللبن الزبادي: اللبن الرائب الذي تخثَّر يسمى الزبادي؛ لأنه يظهر فيه الزبد. وهو نافع للجسم .. مقو للمعدة .. فاتح للشهية .. مقو للباءة .. يزيد في المني .. ويقوي الحفظ .. نافع من الأرق .. مزيل لعسر الهضم .. والزيادة منه تمنع زيادة الكوليسترول. وفي الزبادي أحماض تساعد في تغذية خلايا الجسم المكوِّنة للدم والمخ والأعصاب والأعضاء، وتجعل الجسم يتمتع بنشاط، وتمنعه من الإصابة بالأمراض. مفيد في غسل المجاري البولية .. ومفيد جداً للمصاب بتصلب الشرايين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3908) , ومسلم برقم (2009)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (233) , واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

والمداومة عليه تؤخر أعراض الشيخوخة، وتقتل الجراثيم الضارة بالجسم، وتفيد في علاج تصلب المفاصل، واضطرابات الدورة الدموية، والقلب، وسوء الهضم. والزبادي سبب في شفاء التهابات الكبد والكلى والإرهاق، وإزالة حصى الكلى والمثانة. - منافع الجبن: الجبن من مشتقات اللبن الرائب. محصِّن للجسم من الأمراض .. وهو أكثر فائدة من اللحم .. وأسهل هضماً منه .. ينمي الشعر .. ويحفظ لونه. ومن الأفضل تناول الجبن بعد الطعام؛ لأنه يساعد على الهضم، حيث أنه يمتص حوامض المعدة الضارة. والجبن مغذ للعظام .. مفيد للمخ. ومن به مرض القلب، أو الكلى، أو تسدد في الشرايين، أو زيادة الكوليسترول في الدم، فهؤلاء يُمنعون من تناوله. 5 - الزيت: وهو الزيت المعتصر من النباتات الطيبة المباح أكلها كزيت الزيتون والذرة ونحوهما. - منافع زيت الزيتون: أجود أنواعه المستخرج من الزيتون الأسود العتيق. وهو من أسرع الزيوت هضماً وامتزاجاً بخلايا الإنسان، متوافق مع الدهون

الموجودة في الإنسان. مقو للباءة .. منشط لمراكز القوة لدى كبار السن .. يحمي من السموم .. مغذ لخلايا الجسم وحجيرات المخ والدماغ .. يزيد في الذاكرة والذكاء لدى الكبار والصغار. مدر للبول .. مفتت للحصى .. مفيد لمرضى السكر .. نافع للأطفال .. يحميهم من أعراض تقوس الساقين والكساح .. ويمنح الوجه الحمرة والإشراق. ينفع لعلاج الخُرّاجات والدمامل، وتشقق الأيدي من البرد، وسقوط الشعر .. مساعد في إخراج الديدان من الأمعاء .. مزيل للإمساك المزمن .. مساعد في علاج التهاب الرئة والمعدة، وسوء الهضم. 1 - قال الله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)} ... [المؤمنون: 20]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)} ... [النور: 35]. - منافع زيت الذرة: زيت الذرة الطازح يحطم الكوليسترول ويزيله. 6 - الملح: القليل منه مفيد للجسم .. معقم للأسنان .. مقو للثة .. يعالج التهاب الحلق .. مخفف من آلام اللوزتين إذا غرغر به الإنسان.

- أضرار الإكثار من الملح: كثرة الملح في الجسم تسبب الصداع .. والشعور بالقلق والضيق .. وتسبب الضعف الجنسي .. وزيادة السمنة .. وارتفاع ضغط الدم. وكثرة الأملاح في الجسم تضر الكلى والقلب والرئتين. وينصح بعدم أكل الطعام المالح للمصابين بأمراض القلب والكلى وضغط الدم. 7 - النارجيل: وهو ماء يخرجه الله من شجر النارجيل. لذيذ الطعم .. نافع للجسم .. مزيل للعطش. 8 - العصير: وهو العصير المستخلص من الفواكه كالبرتقال والتفاح والموز والعنب والخوخ والمشمش والليمون والرمان والمنقا وغيرها. مغذ للجسم .. مولد للنشاط .. مهضم للطعام .. وفوائد عصير كل نوع فوائد ثمرته. وعصير البرتقال من أفضل وأشهى أنواع العصير .. وعصير التفاح مهضم .. مغذ للجسم .. وعصير الليمون مقاوم لأمراض البرد والسموم وضربات الشمس والصداع. والليمون نافع لمن أصيب بارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، وعرق النساء .. وشربه مركزاً يهيج أغشية المعدة ويسبب لها الحروق. وعصير العنب مغذ منشط للعضلات والأعصاب طارد للسموم. وعصير الموز يحمي الجسم من فقر الدم، وضغط الدم، والأزمات القلبية. وهكذا بقية عصير الفواكه والخضار.

1 - قال الله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)} [النحل: 67]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)} ... [الأنعام: 99]. 9 - المربى: وأحسن أنواعه المعمول من الفواكه ذات اللون الأحمر. والمصنوع من الزهور الطبيعية مفيد جداً لعلاج التهاب الحنجرة والقصبة الهوائية. والمربى مفيد للجسم، ويصلح لكافة الأشخاص والأعمار، عدا المصابين بأمراض السكر والسمنة .. وهو فاتح للشهية .. ومهضم للطعام. ومربى المشمش مفيد لعلاج فقر الدم .. مقاوم للإمساك الحاد. ومربى التفاح مزيل للإسهال الشديد. ومربى الكرز والعنب مزيل للرمال البولية، والتهاب المفاصل. 10 - الخل: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلاّ خَلّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: «نِعْمَ الأُدُمُ الخَلّ، نِعْمَ الأُدُمُ الخَلّ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2052).

2 - أقسام الأشربة المحرمة

2 - أقسام الأشربة المحرمة - أنواع الأشربة المحرمة: الأشربة المحرمة أنواع كثيرة مختلفة الأشكال، والأضرار، والخبث، والنجاسة. ومن أعظم الأشربة المحرمة ما يلي: 1 - الخمر: وهي اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من أي نوع من الأشربة أو الأطعمة. وكل شراب أسكر كثيره فقليله حرام. - حكم الخمر: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخرةِ». متفق عليه (¬1). 3 - وعَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) , ومسلم برقم (2003)، واللفظ له.

عَلَيْهَا بِالخَمْرِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - عقوبة شارب الخمر: 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخرةِ، إِلاّ أَنْ يَتُوبَ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ». أخرجه مسلم (¬3). - الملعونون في الخمر: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الخَمْرِ عَشْرَةً، عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬4). - حكم النبيذ: النبيذ: هو ماء يلقى فيه تمر، أو زبيب ونحوهما، ليحلو به الماء، وتذهب ملوحته. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (125) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2801). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2003). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2002). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1295) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3380).

والنبيذ مباح يجوز شربه ما لم يغل، أو يزبد، أو تأتي عليه ثلاثة أيام فيحرم. 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهْيَ العَرُوسُ، قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللّيْلِ فِي تَوْرٍ، فَلَمّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيّاهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْقعُ لهُ الزّبيبُ، فَيَشْرَبُهُ اليوْمَ وَالغَدَ وَبَعْدَ الغَدِ إِلَىَ مَسَاءِ الثّالِثَةِ، ثُمّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ. أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ سَعِيد بْن أَبِي بَردة عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ، فَسَألَهُ عَنْ أشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: «وَمَا هِيَ؟». قَالَ: البِتْعُ وَالمِزْرُ، فَقُلْتُ لأبِي بُرْدَةَ: مَا البِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ العَسَلِ، وَالمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». متفق عليه (¬3). - حكم تخليل الخمر: لا يجوز الانتفاع بالخمر في أي حال إلا حال الضرورة، فيجب إهراق ما وجد منها، ولا يجوز لأحد تخليلها. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الخَمْرِ تُتّخَذُ خَلاّ؟ فَقَالَ: «لاَ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5176) , ومسلم برقم (2006)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2004). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4343) , واللفظ له، ومسلم برقم (1733). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1983).

2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَمُعَاذَ ابْنَ جَبَلٍ، فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ فَقَالَ: حَدَثَ خَبَرٌ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، فَكَفَأْنَاهَا يَوْمَئِذٍ، وَإِنّهَا لَخَلِيطُ البُسْرِ وَالتّمْرِ. متفق عليه (¬1). - حكم خلط الخمر بغيرها: يحرم على الإنسان شرب الخمر، ويحرم شرب الماء الممزوج بالخمر؛ لما فيه من ذرات الخمر. ويحرم شرب الخمر المطبوخة؛ لأن الطبخ لا يحل حراماً. ويحرم أكل الخبز والطعام المعجون بالخمر؛ لوجود ذرات الخمر فيه. ويحرم الاحتقان والسعوط بالخمر؛ لأنه انتفاع بمحرم. ولا يجوز الامتشاط به ليزيد بريق الشعر. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91]. - حكم التداوي في الإسلام: التداوي في الإسلام مشروع، بل هو مأمور به، وهو من فعل الأسباب المأمور بها شرعاً. والتداوي لا ينافي التوكل، إذا اعتقد الإنسان أن الشافي هو الله وحده، وما الدواء إلا سبب جعله الله سبباً ووسيلة للشفاء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5600) , ومسلم برقم (1980).

وإذا نوى المريض بتناول الدواء التقوي على طاعة الله كان مأجوراً، فإن الأبدان إذا شفيت من الأسقام، وأكلت الطيبات، تمكنت وتهيأت لعبادة الله، ودوام ذكره على الوجه الأكمل. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)} ... [المؤمنون: 51]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ نَتَدَاوَى؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءً» أَوْ قَالَ: «دَوَاءً إِلاَّ دَاءً وَاحِداً». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الهَرَمُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - حكم التداوي بالخمر: يحرم على الإنسان التداوي بالخمر، إلا للمضطر إذا لم يجد علاجاً سواها، فيجوز تناولها لحفظ حياة المضطر من الهلاك. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة: 90]. 2 - وَعَنْ وَائِلٍ الحَضْرَمِيّ أَنّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الجُعَفِيّ سَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنّمَا أَصْنَعُهَا لِلدّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5678). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3855) , وأخرجه الترمذي برقم (2038)، وهذا لفظه.

وَلَكِنّهُ دَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - السم: وهو كل ما يحتوي على مواد سامة تقتل الحيوان أو الإنسان أو تضره. - حكم تناول السم: يحرم على الإنسان تناول ما يضر بدنه وعقله. فيحرم تناول السم، أو أكله، أو شربه؛ لما فيه من قتل النفس، وإضعافها وإفسادها، وذلك محرم. والذي يتناول السم ثم يموت له حالتان: الأولى: أن يأكله أو يشربه أو يتناوله مستحلاً له، يريح به نفسه من هموم الدنيا، فينتحر عن طريق أكل السم أو شربه أو تناوله. فهذا قاتل للنفس بغير حق، وقد كفر بالله؛ لأنه استحل ما عُلم تحريمه من الدين بالضرورة، وعقوبته الخلود في النار إن لم يتب. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء: 93]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1984). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778) , واللفظ له، ومسلم برقم (109).

الثانية: أن يتناول السم لضعف في نفسه مع علمه أنه حرام. فهذا ليس بكافر، ولكنه مرتكب لكبيرة، وهو تحت مشيئة الله، فيُغسّل ويُصلى عليه. 3 - المخدرات: وهي كل ما يضر بالجسم والعقل كالبنج، والأفيون، والحشيش ونحوها. - حكم تناول المخدرات: يحرم على الإنسان تعاطي ما يضر بدنه وعقله من المسكرات والمخدرات، سواء كان عن طريق الأكل أو الشرب أو الحقن؛ لما فيها من الأضرار العظيمة، وتعطيل الأعمال، والصد عن ذكر الله، والكسل والقعود عن الطاعات. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91]. - حكم التداوي بالمخدر: استعمال المخدر في الطب له حالتان: الأولى: استعمال المخدر في العمليات الجراحية. فهذا جائز، سواء كان التخدير كلياً أم جزئياً، بل هو من نعم الله على الإنسان

لمنع ضرر الألم الشديد الذي يصيب الإنسان أثناء الجراحة، وإباحته من باب الضرورة. الثانية: استعمال المخدر مع الأدوية الطبية بنسب معينة، لتسكين الآلام والأوجاع الشديدة. فهذا إن كانت نسبته قليلة، ولا يترتب عليه ضرر ولا سكر، وحصل به للمريض نفع، وكان المريض محتاجاً إليه، ولم يوجد غيره يقوم مقامه، وقرر الطبيب أنه لا بد منه، فهذا يباح التداوي به للحاجة؛ حفظاً للنفس من الضرر أو الهلاك. يتناوله المريض أكلاً، أو شرباً، أو شماً، أو بحقنة، أو ابتلاع، بقدر الضرورة والحاجة. قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} ... [البقرة: 173]. 4 - الدم: وهو دم الحيوان الذي يخرج منه عند الذبح، أو الصيد، أو الجرح. - حكم الدم: يحرم على الإنسان تناول أو أكل أو شرب الدم المسفوح، ودم الإنسان كالدم المسفوح، يحرم على الإنسان تناوله أو أكله أو شربه. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ... [المائدة: 3].

2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} ... [الأنعام: 145]. - ما يباح من الدم: الدم محرم كله، والمستثنى منه قسمان: الأول: استثناء في النوع: وهو الكبد والطحال، فيباح أكلهما. الثاني: استثناء في الأحوال: وهو الانتفاع به حال الضرورة، فيجوز للمضطر شرب الدم لدفع الهلاك عن نفسه. قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} ... [البقرة: 173]. - حكم التداوي بنقل الدم: دم الإنسان كالدم المسفوح يحرم على الإنسان تناوله تغذية عن طريق الفم. أما نقل الدم من الإنسان الصحيح إلى المريض، وحقنه به عن طريق الوريد فهذا جائز بشرطين: أن يكون المريض مضطراً إلى الدم .. وأن لا يتضرر من سُحب منه الدم. فإن توقفت حياة المريض على نقل الدم إليه وجب حقنه به، إنقاذاً لحياة الإنسان من الهلاك. قال الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} ... [البقرة: 173].

- أحوال نقل الدم: نقل دم الإنسان إلى غيره له ثلاث حالات: الأولى: حال الضرورة: فيجوز للطبيب نقل الدم إلى مريض يخاف هلاكه، كمن حصل له نزيف، أو امرأة نفست وخرج منها دم كثير، أو خاف على تلف عضو من أعضائه، وقد أباح الله شرب الدم عند الضرورة. الثانية: حال الحاجة: فيجوز للطبيب حقن الدم بأصحاب الأمراض المؤلمة المزعجة، لدفع الألم الشديد وإن لم يخش الهلاك. الثالثة: ما ليس له ضرورة ولا حاجة: كمن يريد أن يغير دمه، ليكون أنشط له، فهذا الأولى تركه؛ لأن إباحة الدم متعلقة بحال الضرورة والحاجة، فيبقى ما عداهما ممنوع. - حكم التداوي بالحجامة: الحجامة: هي إخراج الدم الفاسد من البدن في الرأس أو الظهر أو غيرهما. ويباح التداوي بالحجامة، وهي من أفضل الأدوية. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الحَجَّامِ، فَقالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقالَ: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الحِجَامَةُ، وَالقُسْطُ البَحْرِيُّ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5696) , واللفظ له، ومسلم برقم (1577).

2 - وعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ عَادَ المُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ فِيهِ شِفَاءً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ، مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ. متفق عليه (¬2). - علاج الحمى: الحمى: هي شدة حرارة البدن. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَطْفِئُوهَا بِالمَاءِ». متفق عليه (¬3). - السنة إذا وقع الذباب في الإناء: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الآخَرِ دَاءً». أخرجه البخاري (¬4). 5 - الأشربة المركبة المصنعة من مواد كيماوية تضر الجسم والعقل: فهذه كلها محرمة لا يجوز تناولها؛ لما فيها من عظيم الأضرار، لما فيها من الكحول والمنبهات والمفترات وغيرها. 6 - كل شراب حلال كالحليب والعسل إذا خلط بمحرم كالخمر أو الدم المسفوح فإنه يحرم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5697) , واللفظ له، ومسلم برقم (2205). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5701) , واللفظ له، ومسلم برقم (1202). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5723) , واللفظ له، ومسلم برقم (2209). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5782).

4 - باب الذكاة

4 - باب الذكاة - الذكاة: هي ذبح أو نحر الحيوان البري المباح أكله، أو عقر الممتنع منه بالطريق المشروع. - حكمة مشروعية الذكاة: الذكاة تطيب الذبيحة وتطهرها حسياً بإخراج الدم الفاسد الذي يضر الإنسان إذا أكله؛ لأن الميتة إنما حُرِّمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث، والذكاة تطهر الحيوان من ذلك كله، ويتميز حلال اللحم من حرامه بذكاته وذكر اسم الله عليه، وهذا تطهير معنوي يطرد الشيطان. والحيوان إذا سال دمه طهر لحمه وطاب؛ لأنه يجف ويتخلص من الرطوبات، والذكاة تفصل الدم عن اللحم وتطهره من الدم المسفوح الذي يضر الإنسان؛ لأنه مباءة الجراثيم الضارة. - حكم الذكاة: كل حيوان مأكول لا يحل أكله إلا بالذكاة الشرعية أو ما في معناها ما عدا السمك والجراد، فيؤكل بلا تذكية. 1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]. 2 - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: «اعْجَلْ، أوْ أرِنْ، مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ

فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأحَدِّثُكَ: أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ». وَأصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِهَذِهِ الإبِلِ أوَابِدَ كَأوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا». متفق عليه (¬1). - أقسام الذكاة: الذكاة قسمان: ذكاة اختيارية .. وذكاة اضطرارية. فالذكاة الاختيارية نوعان: الأول: الذبح: ويكون بذبح ما يجوز أكله من الحيوانات والطيور والغنم والبقر، والدجاج والحمام ونحوها. الثاني: النحر: ويكون في الإبل وما أشبهها، بأن يطعن في اللبة من أسفل العنق بآلة حادة كالرمح أو السكين أو نحوهما. أما الذكاة الاضطرارية: فتكون بعقر الحيوان إذا امتنع ولم يقدر عليه لهيجانه، أو شروده، أو وقوعه في حفرة أو ماء ونحو ذلك. والعقر: هو جرح الحيوان جرحاً يؤدي إلى خروج روحه كأن يرميه بسهم أو رصاصة أو آلة حادة في رأسه أو ظهره أو بطنه أو غير ذلك مما أنهر الدم. ولا يجوز عقر الحيوان إلا عند العجز عن ذبحه أو نحره كالشارد ونحوه. وإذا ذبح الإنسان ما يُنحر، أو نحر ما يُذبح صح وجاز أكله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5509) , واللفظ له، ومسلم برقم (1968).

- كيفية الذكاة الشرعية: السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، بأن يطعنها بمحدَّد من رمح أو سكين في لُبَّتها، وهي الوَهْدة التي بين أسفل العنق والصدر، ومثلها الزرافة ونحوها. وتذبح البقر والغنم وأمثالها بسكين من أعلى الرقبة مع الحلق من جهة الرأس، مضجعة على جانبها الأيسر. وذكاة الجنين ذكاة أمه، فإن خرج حياً لم يحل أكله إلا بذبحه. وذكاة الطيور بذبحها بقطع أعلى الرقبة من جهة الرأس. وذكاة الصيد والحيوان المتوحش، والحيوان الشارد برميه وجرحه في أي موضع من جسمه. والذكاة الشرعية تُحِل الحيوان الذي أبيح أكله كالغنم ونحوها. أما الحيوان الذي لا يباح أكله كالسباع، وكل ذي مخلب من الطير، والخنزير ونحو ذلك من المحرم أكله فهذه لا تعمل فيها الذكاة؛ لأنها محرمة في الأصل، والذكاة لا تُحِل إلا ما أحل الشرع أكله من حيوان أو طير. - أقسام الحيوان بالنسبة للذكاة: تنقسم الحيوانات بالنسبة للذكاة إلى ثلاثة أقسام: حيوان بري .. وحيوان مائي .. وحيوان بري مائي. 1 - الحيوان البري: وهو ما لا يعيش إلا في البر. وهو ثلاثة أنواع: الأول: ما له دم سائل: وهو إما مستأنس .. أو متوحش.

فالمستأنس كبهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، والمستأنس من الطير الذي لا مخلب له كالدجاج والحمام ونحوهما، فهذه وأمثالها إذا ذكيت فهي حلال يجوز أكلها. وأما المتوحش من الحيوان كالغزال والزرافة وحمار الوحش والمها وأمثالها، والمتوحش من الطير كالعصفور والقماري ونحوهما، فهذه وأمثالها يجوز أكلها بعد صيدها بما أنهر الدم. ولا تُحِل الذكاة محرم الأكل كالحمير والبغال، ويحرم ولو ذكي كل ذي ناب من السباع كالأسد، والذئب، والكلب، والفهد، والثعلب، والفيل، والفرد، والنمر، والقط وأمثالها. ولا تُحِل الذكاة أكل كل ذي مخلب من الطير كالصقر، والشاهين، والحِدَأة، والبومة، والغراب الأبقع، والنسر، والعقاب، والخطاف، والخفاش ونحوها. فهذه كلها يحرم أكلها ولو ذكيت؛ لأنها محرمة في الأصل، فلا تحلها الذكاة. الثاني: ما ليس له دم سائل أصلاً. فهذا كله لا يجوز أكله ولو ذكي كالنحل، والنمل، والدود، والزنبور، والذباب، والعنكبوت، والخنافس، والصراصير، والعقارب ونحوها من ذوات السموم. فهذه لا يحل أكلها؛ لأنها من الخبائث غير المستطابة، التي تنفر منها الطبائع السليمة. ويستثنى من ذلك الجراد فيحل أكله بلا ذكاة كما سبق. الثالث: ما له دم لكنه ليس بسائل.

كالحية والوزغ، وهوام الأرض كالفأرة، والقراد، والقنفذ، والقمل وأمثالها. فهذه يحرم أكلها إما لاستخباثها، أو لأنها من ذوات السموم، أو لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلها، فلا تُحِلَّها الذكاة. 2 - الحيوان المائي: وهو ما لا يعيش إلا في الماء فقط. فجميع حيوان الماء كله حلال يجوز أكله بلا ذكاة، سواء مات بنفسه، أو بصيد، أو انحسر عنه الماء، لكن إذا مات وانتفخ وتعفن فيحرم أكله لخبثه وضرره. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ المَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ البَحْرِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - الحيوان البرمائي: وهو ما يعيش في البر والماء معاً. فهذه لا يحل أكلها كالضفادع، والسلحفاة، والحية، والتمساح، وكلب الماء ونحوها؛ لأنها من الخبائث، وذوات السموم. - شروط صحة الذكاة: يشترط لصحة الذكاة ما يلي: الأول: أن يكون المذكي عاقلاً، فلا تباح ذكاة مجنون أو سكران أو صبي غير مميز. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (83) , وأخرجه الترمذي برقم (69)، وهذا لفظه.

الثاني: أن يكون ذا دين سماوي، مسلماً كان أو كتابياً، رجلاً أو امرأة. الثالث: أن يكون الذبح بآلة حادة تجرح وتسيل الدم كسكين وزجاج، إلا السن والظفر. الرابع: إنهار الدم بقطع الحلقوم: مجرى النفس، وقطع المرئ: مجرى الطعام، وقطع الودجين: مجرى الدم كلاهما أو أحدهما. الخامس: أن يكون المذبوح مما يحل أكله. السادس: أن يسمي الله عند الذبح، فلا تحل ذبيحة بدون تسمية. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. 2 - وقال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} [الأنعام: 118]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} ... [الأنعام: 121]. 4 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّنَا نَلْقَى العَدُوَّ غَداً وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً، فَقَالَ: «مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلا ظُفُرٌ، وَسَأحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا أنَّ قَوْماً قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ قَوْماً يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ، لا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5543) , واللفظ له، ومسلم برقم (1968).

نَدْرِي: أذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ أمْ لا؟ فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أنْتُمْ وَكُلُوهُ». قالت: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالكُفْرِ. أخرجه البخاري (¬1). - سنن الذكاة: يسن لمن أراد أن يذبح الحيوان ما يلي: 1 - إحسان الذبح ويكون بسن السكين قبل الذبح، والذبح بسرعة؛ ليكون أسرع في خروج الروح، والرفق بالحيوان المراد ذبحه، وقطع الحلقوم والمرئ مع الودجين؛ ليكون أسرع لخروج الدم والروح. 2 - توجيه الذبيحة إلى القبلة عند ذبحها. 3 - وضع الذبيحة على جنبها الأيسر مرفوعة الرأس؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار. 4 - توجه الذابح والذبيحة نحو القبلة؛ لأن التذكية عبادة. 5 - وضع رجله اليمنى على عنق الذبيحة ليتمكن منها. 6 - ترك الذبيحة ترفس بعد الذبح لإراحتها. 7 - إضافة التكبير بعد التسمية فيقول عند الذبح: (باسم الله والله أكبر). 8 - ذبح بهيمة الأنعام مضجعة على الأرض، ونحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى. 9 - الرفق بالبهيمة، فلا يضرب بها على الأرض، ولا يجرها برجلها إلى المذبح؛ لما فيه من الأذى. 1 - قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5507).

اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} [الحج: 36]. 2 - وَعَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه (¬2). - مكروهات الذكاة: يكره عند الذكاة ما يلي: أن يحد الذابح السكين والبهيمة تنظر إليه .. أو يذبح البهيمة والأخرى تنظر إليها .. أو يذبح الحيوان بآلة كالّة .. أو يكسر عنق الحيوان أو يسلخه قبل أن تخرج روحه .. قطع الرأس .. أو بلوغ النخاع .. التوجه بالذبيحة لغير القبلة. - محرمات الذكاة: يحرم في الذكاة ما يلي: 1 - ذبح الحيوان مباح الأكل لغير أكله؛ لما فيه من العبث وإضاعة المال. 2 - الذبح بالسن أو العظم أو الظفر. 3 - حبس الحيوان أو ربطه وجعله هدفاً للرماية فيرميه حتى يموت. 4 - ذبح الحيوان مع قفاه لغير ضرورة، وتعذيبه قبل ذبحه. 5 - ذكر اسم غير الله عند الذبح. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1713) , واللفظ له، ومسلم برقم (1320). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5565) , واللفظ له، ومسلم برقم (1966).

1 - قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَغُلامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أقْبَلَ بِهَا وَبِالغُلامِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلامَكُمْ عَنْ أنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ. متفق عليه (¬1). - ذكاة الجنين: ذكاة الجنين ذكاة أمه، وإن ذُكِّيت أمه وخرج من بطنها حياً وجب أن يذكَّى؛ لأنه انفصل عنها وبه حياة، وإن ذكيت أمه وخرج ميتاً فهو حلال يؤكل بلا تذكية؛ لأن الجنين جزء من أجزاء الأم، والذكاة قد أتت على جميع أعضائها، فيحل أكلها كلها. عَنْ أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ذكَاةُ الجَنِينِ ذكَاةُ أُمِّهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - ذكاة المعجوز عنه: ذكاة المقدور عليه تكون بالذبح أو النحر كما سبق. وذكاة الصيد والمعجوز عنه من الحيوانات والطيور تكون بجرحه في أي موضع من بدنه بسهم، أو رصاص ونحوهما مما يسيل الدم. عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: «اعْجَلْ، أوْ أرِنْ، مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5514) , واللفظ له، ومسلم برقم (1958). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2827) , وأخرجه الترمذي برقم (1476)، وهذا لفظه.

فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأحَدِّثُكَ: أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ». وَأصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِهَذِهِ الإبِلِ أوَابِدَ كَأوَابِدِ الوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا». متفق عليه (¬1). - صفة آلة الذبح: يجوز الذبح بكل ما أنهر الدم، وفري الأوداج من حديد، أو زجاج، أو حجر، أو خشب ونحو ذلك. ولا تجوز التذكية بالسن والظفر والعظم. والأَوْلى استعمال السكين في الذبح .. والرمح في النحر .. والسهم في العقر للمعجوز عنه. 1 - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلْ -يَعْنِي- مَا أنْهَرَ الدَّمَ، إِلا السِّنَّ وَالظُّفُرَ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ، أوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَماً بِسَلْعٍ، فَأصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «كُلُوهَا». أخرجه البخاري (¬3). - أقسام الذابح: الذي يمكن أن يقوم بالذبح صنفان: الأول: من تحل ذكاته: وهو المسلم البالغ العاقل، والكتابي يهودياً أو نصرانياً، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5509) , واللفظ له، ومسلم برقم (1968). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5506) , واللفظ له، ومسلم برقم (1968). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5505).

سواء كان الذابح ذكراً أو أنثى. الثاني: من تحرم ذكاته: وهو الكافر من غير أهل الكتاب كالمشرك، والوثني، والملحد، والمرتد، والزنديق، والمجوسي، وكل من لا يدين بدين سماوي، والمجنون والسكران، لأنه لا قصد لهما. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} ... [الأنعام: 121]. - حكم ذبح الحيوان من أجل غيره: من ذبح حيواناً مأكولاً من بهيمة الأنعام أو غيرها، وتصدق به عن شخص ميت فله وللميت ثواب تلك الصدقة. وإن ذبحه تعظيماً لذلك الميت، وتقرباً له، فهذا شرك أكبر، ولا يحل له ولا لغيره أكله. قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]. - متى يجوز للمسلم أكل ذبيحة الكتابي: ذبائح أهل الكتاب لها ثلاث حالات: 1 - إذا علم المسلم أن الكتابي ذكاها ذكاة شرعية، وذكر اسم الله عليها، فهذه يجوز له أكلها.

2 - إذا علم أنه لم يذكر اسم الله عليها فلا يحل له أكلها. 3 - إن جَهل الحال جاز أكلها؛ لأن الاصل حلها. وإذا علم المسلم أن ذبائح أهل الكتاب ذبحت بغير الوجه الشرعي كالخنق أو الصعق الكهربائي فهي ميتة لا يجوز أكلها. - حكم أكل اللحوم المستوردة: اللحوم المستوردة لها ثلاث حالات: الأولى: أن نعلم أنها من ذبائح المسلمين أو أهل الكتاب، فهذه حلال أكلها. الثانية: أن نعلم أن هذه اللحوم من ذبائح غير أهل الكتاب كالمشركين والهندوس والمجوس وغيرهم من الكفار. فهذه حرام لا يجوز أكلها؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليها، أو أُهِلّ بها لغير الله. الثالثة: أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم، فهذه مشتبهة. والقاعدة الشرعية: أنه إذا اشتبه مباح بمحرم حَرُمَ أحدهما بالأصالة، وحرم الآخر بالاشتباه. وإذا اجتمع حاضر ومبيح قُدم الحاضر؛ لأنه أحوط وأبعد عن الشبهة. عَنِ النّعْمَانِ ابْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (وَأَهْوَى النّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَىَ أُذُنَيْهِ) «إنّ الحَلاَلَ بَيّنٌ وَإنّ الحَرَامَ بَيّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتّقَى الشّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52) , ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.

- حكم التسمية عند الذبح: 1 - يجوز أكل الحيوان المباح بشرطين: أن يذكى الذكاة الشرعية .. وأن يذكر اسم الله عليه عند الذبح، سواء كان الذابح مسلماً أو كتابياً، ولا تسقط التسمية سهواً أو نسياناً؛ لأن التسمية شرط وجودي فلا تسقط بالنسيان. فإن اختل أحد الشرطين أو كلاهما لم تحل الذبيحة، سواء كان الذابح مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً. 1 - قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} [الأنعام: 118]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام: 121]. 3 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو العَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدىً، فَقَالَ: «اعْجَلْ، أوْ أرِنْ، مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأحَدِّثُكَ: أمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ». متفق عليه (¬1). 2 - إذا تعمد الذابح ترك التسمية عند الذبح، أو تركها سهواً أو نسياناً، أو ذكر اسم غير الله عليها، أو كانت ذكاتها غير شرعية، فهي ميتة لا يجوز أكلها، سواء كان الذابح مسلماً أو كتابياً أو غيرهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5509) , واللفظ له، ومسلم برقم (1968).

قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ... [المائدة: 3]. - أنواع الميتة: كل حيوان مباح الأكل لم يُذكر اسم الله عليه عند الذبح، أو لم يُذك الذكاة الشرعية فهو ميتة لا يجوز أكله ولا الانتفاع به. والميتة أنواع: سواء ماتت بنفسها .. أو بالخنق .. أو بضرب الرأس .. أو بالصعق الكهربائي .. أو بالتغطيس بالماء الحار .. أو بالغاز الخانق ونحو ذلك. وجميع أنواع الميتة لا يجوز أكلها؛ لأن الله حرمها لما فيها من الضرر على الإنسان، ولأنها خبيثة اللحم، وتستقذرها النفوس، فإن الدم مأوى الجراثيم، يحتقن باللحم، فيضر الإنسان أكله، ولهذا حرمها الله عز وجل صيانة للإنسان مما يضره.

5 - باب الصيد

5 - باب الصيد - الصيد: هو اقتناص الحيوان الحلال المتوحش بالطبع، الذي لا مالك له. ويحل صيد كل من تحل ذكاته، إلا الجراد والسمك فيحل أكله، سواء صاده مسلم أو كافر. - أنواع الصيد: الصيد المباح نوعان: صيد البر .. وصيد البحر. وصيد البر نوعان: الأول: الحيوانات المتوحشة كالغزلان وبقر الوحش ونحوهما. الثاني: الطيور كالعصافير والنعاج والحبارى ونحوها. والصيد من حيث ما يُصطاد به أنواع: فمنه ما يصاد بالسلاح كالبندقية .. ومنه ما يصاد بالسهام .. ومنه ما يصاد بالشباك كالسمك .. ومنه ما يصاد بالطيور ذوات المخالب كالصقر .. ومنه ما يصاد بالكلاب المعلَّمة، وهي التي تذهب إذا أُرسلت، وتنزجر إذا زُجرت. عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا بِأرْضِ قَوْمٍ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، أفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأرْضِ صَيْدٍ، أصِيدُ بِقَوْسِي، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قال: «أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا

وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». متفق عليه (¬1). - حكم الصيد: الأصل في الصيد الحلال الإباحة إذا كان القصد منه صحيحاً كأكله، أو التجارة فيه، وهو أفضل مأكول؛ لأنه لا شبهة فيه، سواء كان صيد بر، أو جو، أو بحر. 1 - قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} ... [المائدة: 96]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)} [المائدة: 4]. 3 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ؟ قال: «كُلْ مَا أمْسَكْنَ عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قال: «وَإِنْ قَتَلْنَ». قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالمِعْرَاضِ؟ قال: «كُلْ مَا خَزَقَ، وَمَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْ». متفق عليه (¬2). - الحالات التي يحرم فيها الصيد: الصيد حلال مطلقاً إلا في أربع حالات فيحرم: 1 - صيد البر للمحرم بحج أو عمرة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1930). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5477) , واللفظ له، ومسلم برقم (1949).

قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} ... [المائدة: 96]. 2 - الصيد في الحرم للمحرم وغير المحرم، والصيد في حرم المدينة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: «إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لاحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي، فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أنْ يُفْدَى وَإِمَّا أنْ يُقِيدَ». فَقال العَبَّاسُ: إِلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِلا الإِذْخِرَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا». أخرجه مسلم (¬2). 3 - الصيد عبثاً ولهواً من غير حاجة فيحرم؛ لما فيه من إضاعة المال. 4 - إذا ترتب على الصيد إيذاء الناس بإفساد أموالهم وزروعهم فلا ضرر ولا ضرار. - ما يباح اصطياده من الحيوان: يباح اصطياد كل ما في البحر، وكل ما في البر مما يحل أكله لأكله والانتفاع به، وما لا يحل أكله لدفع أذاه وشره كالأسد والفهد وكل مؤذ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2434) , واللفظ له، ومسلم برقم (1345). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1362).

1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ... [المائدة:2]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُنَّ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ». متفق عليه (¬1). - حكم قتل محرَّم الأكل من الحيوان: قتل محرَّم الأكل من الحيوان والطير أقسام: 1 - ما يؤذي ولا ينفع كالحية والعقرب ونحوهما. فهذا يُقتل سواء وجد منه الأذى أو لم يوجد. 2 - ما يضر وينفع كالفهد والبازي وسائر الجوارح. فهذا قتله جائز. 3 - ما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان ونحوهما. فهذه لا تُقتل إلا إذا آذت. 4 - ما جاء النهي عن قتله كالنملة، والنحلة، والصُّرَد، والهدهد. فهذه لا تُقتل إلا إذا آذت. - شروط الصيد الحلال: يشترط في الصيد الحلال ما يلي: 1 - أن يكون الصائد من أهل الذكاة مسلماً أو كتابياً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1198).

2 - أن يكون بالغاً أو مميزاً. 3 - أن يصيده بمحدَّد يُسيل الدم كالسهم والبندقية، أو بجارحة معلَّمة من طير أو حيوان. 4 - التسمية عند الرمي أو إرسال الجارحة. 5 - أن يكون الصيد مأذوناً في صيده شرعاً. فلا يحل صيد المُحْرِم، ولا صيد الحرم، ولا صيد ملك غيره، ولا صيد محرَّم الأكل لأكله. 6 - أن يرسل الجارحة من حيوان أو طير قاصداً الصيد. - شروط الصيد بالسلاح: يشترط لصحة الصيد بالسلاح ما يلي: 1 - أن يذكر الصائد اسم الله عند رمي الصيد. 2 - أن يخزق السلاح جسم الصيد ويجرحه بسهم أو رصاص ونحوهما. فلا يجوز أكل صيد لم يذكر عليه اسم الله. ولا يجوز أكل صيد لم يسل منه الدم حال صيده كالصيد بالمِعْراض والصيد بمِثقل كالصيد بالنبالة أو النباطة أو رميه بحجر؛ لأن ذلك يقتل بِثِقَله لا بحده. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} ... [الأنعام: 121]. 2 - وعَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا بِأرْضِ قَوْمٍ

مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، أفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأرْضِ صَيْدٍ، أصِيدُ بِقَوْسِي، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قال: «أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الكِلابَ المُعَلَّمَةَ؟ قال: «كُلْ مَا أمْسَكْنَ عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قال: «وَإِنْ قَتَلْنَ». قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالمِعْرَاضِ؟ قال: «كُلْ مَا خَزَقَ، وَمَا أصَابَ بِعَرْضِهِ فَلا تَأْكُلْ». متفق عليه (¬2). - حكم الصيد بالجوارح: يجوز الاصطياد بجوارح السباع والطير إذا كانت معلَّمة. فجوارح السباع كالكلب والفهد والنمر ونحوها، وجوارح الطير كالصقر والبازي والشاهين والعقاب ونحوها مما يقبل التعليم. قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)} ... [المائدة: 4]. - شروط الصيد بالجوارح: يشترط لصحة الصيد بالجوارح ما يلي: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1930). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5477) , واللفظ له، ومسلم برقم (1929).

1 - تعليم الحيوان الصيد، بأن يأتمر إذا أُمر، وينزجر إذا زُجر، ويسترسل إذا استرسل. 2 - أن يرسله صاحبه للصيد. 3 - أن يذكر اسم الله عند إرساله للصيد. 4 - أن يُمسك على صاحبه، ويُعرف ذلك بترك الأكل من الصيد. 5 - أن لا يشاركه في الصيد جارح غير معلم. 6 - أن يجرح الصيد بما يسيل الدم، فإن خنقه الجارح لم يحل الصيد. 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)} ... [المائدة: 4]. 2 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإذَا أكَلَ فَلا تَأْكُلْ، فَإنَّمَا أمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: أرْسِلُ كَلْبِي فَأجِدُ مَعَهُ كَلْباً آخَرَ؟ قال: «فَلا تَأْكُلْ، فَإنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ». متفق عليه (¬1). - شروط حل الصيد: يشترط لحل الأكل من المصيد ما يلي: 1 - أن يكون المصيد مباح الأكل شرعاً. 2 - أن يكون الصيد متوحشاً طبعاً كالوحوش والطيور، أما المستأنس فيذكى، ولا يصاد إلا إذا نَدّ وشرد كما سبق. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (175) , واللفظ له، ومسلم برقم (1929).

3 - أن يذبحه إن أدركه حياً وقدر على تذكيته، والجراد وصيد البحر لا يحتاج إلى تذكية. 4 - أن يموت من الجرح لا من صدم الجارح أو خنقه. 5 - الدم المسفوح الذي خرج من الصيد نجس لا يحل أكله ولا الانتفاع به. - حكم الصيد إذا وقع في الماء: إذا صاد الإنسان صيداً برياً ثم وقع في الماء حياً، ثم مات فيه، حرم أكله. عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيّاً فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْباً غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي أَيّهُمَا قَتَلَهُ، وَإنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ غَابَ عَنْكَ يَوْماً فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلاّ أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إنْ شِئْتَ، وَإنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقاً فِي المَاءِ، فَلاَ تَأْكُلْ». متفق عليه (¬1). - حالات الصيد: للصيد بعد اصطياده حالات: 1 - أن يدركه حياً، فهذا لا بد من ذكاته. 2 - أن يدركه مقتولاً بالاصطياد، فهذا حلال أكله. 3 - أن يصيده ثم يغيب عنه، ثم يجده ميتاً، فهذا يحل أكله ما لم ينتن. عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5484) , ومسلم برقم (1929)، واللفظ له.

«فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم صيد الكلب غير المعلم: لا يحل أكل ما أمسكه الكلب غير المعلم إلا أن يدركه حياً فيذكى. عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا بِأرْضِ قَوْمٍ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، أفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأرْضِ صَيْدٍ، أصِيدُ بِقَوْسِي، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قال: «أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ: فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». متفق عليه (¬2). - حكم اقتناء الكلاب: 1 - يحرم على الإنسان اقتناء الكلاب؛ لما تسببه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة، ولما فيها من القذارة والنجاسة، ونقص أجر مقتنيه كل يوم قيراطين. 2 - يجوز للحاجة والمصلحة اقتناء كلب صيد، أو ماشية، أو زرع. 3 - إذا صاد الكلب بفيه فلا يلزم غسل الصيد سبع مرات؛ لأن صيد الكلب مبني على التيسير، ولأن الله أمر بأكل صيده ولم يأمر بغسله. 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1931). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1930).

وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)} ... [المائدة: 4]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ، وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ، كُلَّ يَوْمٍ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم تسلي الأطفال بالطيور: صيد الصيد عبثاً أو لهواً محرم؛ لما فيه من إضاعة المال. وصيد الصيد أو أخذه من أجل أن يتسلى به الصغار جائز، لكن يجب مراقبة الصبي حتى لا يؤذي هذا الصيد، أو يهمله ولا يطعمه. عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً، وَكَانَ لِي أخٌ يُقَالُ لَهُ: أبُو عُمَيْرٍ - قَالَ: أحْسِبُهُ - فَطِيمٌ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قال: «يَا أبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ». نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1575). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6203) , واللفظ له، ومسلم برقم (659).

الباب الرابع عشر كتاب الفرائض

الباب الرابع عشر كتاب الفرائض ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الإرث. 2 - أصحاب الفروض. 1 - ميراث الأب. 2 - ميراث الجد. 3 - ميراث الأم. 4 - ميراث الجدة. 5 - ميراث الزوج. 6 - ميراث الزوجة. 7 - ميراث البنت. 8 - ميراث بنت الابن. 9 - ميراث الأخت الشقيقة. 10 - ميراث الأخت لأب. 11 - ميراث الأخ لأم والأخت لأم. 3 - العصبة. 4 - الحجب. 5 - تأصيل المسائل. 6 - قسمة التركة. 7 - العول. 8 - الرد. 9 - ميراث ذوي الأرحام. 10 - ميراث الحمل. 11 - ميراث المفقود. 12 - ميراث الخنثى المشكل. 13 - ميراث الغرقى ونحوهم. 14 - ميراث أهل الملل. 15 - ميراث القاتل. 16 - ميراث المرأة. 17 - التخارج من الميراث.

1 - أحكام الإرث

1 - أحكام الإرث · علم الفرائض: هو العلم الذي يُعرف به من يرث ومن لا يرث، ومقدار ما لكل وارث من التركة. والفرض في الشرع: هو النصيب المقدر للوارث كالنصف أو الربع مثلاً. موضوعه: التركات، وهي كل ما يتركه الميت من الأموال والحقوق. ثمرته: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من الورثة. · أهمية علم الفرائض: علم الفرائض من أجَلِّ العلوم خطراً، وأرفعها قدراً، وأعظمها أجراً، وأعمها نفعاً. ولأهميته وحاجة جميع الناس إليه، تولى الله عز وجل بيان الفرائض بنفسه، فبيَّن ما لكل وارث من الميراث، وفصّلها غالباً في آيات معلومات. فالأموال وقسمتها محط أطماع الناس ورغباتهم، والميراث غالباً بين رجال ونساء، وكبار وصغار، وأقوياء وضعفاء، ولئلا يكون فيها مجال للظلم والآراء والأهواء. لهذا تولى الله عز وجل قسمتها بنفسه، وفصلها في كتابه، وسوّاها بين الورثة على مقتضى العدل والرحمة والمصلحة. · صفة الإرث في الجاهلية والإسلام: كان أهل الجاهلية يورِّثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار؛ لأن الرجال والكبار يحوزون الغنائم، ويحمون الذِّمار، والنساء والصغار لا

يقدرون على ذلك. والجاهلية المعاصرة أعطت المرأة ما لا تستحقه من المناصب، وما لا تطيقه من الأعمال، وما لا تستحقه من الأموال، فزاد الشر، وانتشر الفساد. أما الإسلام فقد أنصف جميع الورثة، وأعطى كل وارث ما يستحقه بالعدل، وأبطل نُظُم الجاهلية في التوريث، وأعطى كل ذي حق حقه بالعدل. قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء:7]. · وجوب العمل بالفرائض: الله عز وجل أعطى كل ذي حق حقه، وأمرنا بإيصال كل ذي حق حقه، وسمى هذه الفرائض حدوده، وأوجب العمل بها، ووعد من أطاعه في تنفيذها وقسمتها على الوجه المشروع جنات تجري من تحتها الأنهار. وتوعد من تعدى هذه الحدود بزيادة، أو نقص، أو حرمان بالنار والعذاب المهين. قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء:13 - 14]. · الحقوق المتعلقة بالتركة: الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة، تنفذ مرتبة إن وجدت كما يلي: الأول: مؤنة تجهيز الميت من كفن ونحوه.

الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كدين برهن ونحوه. الثالث: الديون المطلقة المتعلقة بذمة الميت سواء كانت لله تعالى كالزكاة، والكفارة ونحوهما، أو كانت لآدمي. الرابع: الوصية. الخامس: الإرث، وهو المقصود هنا، فيقسم ما بقي من التركة على الورثة. · أركان الإرث: أركان الإرث ثلاثة: 1 - المورِّث: وهو الميت. 2 - الوارث: وهو الحي بعد موت المورث. 3 - الحق الموروث: وهو التركة التي تركها الميت. · أسباب الإرث: أسباب الإرث ثلاثة: 1 - النكاح: وبه يرث الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها، بمجرد العقد. 2 - النسب: وهو القرابة من الأصول كالوالدين، والفروع كالأولاد، والحواشي كالإخوة والعمومة وبنوهم. 3 - الولاء: وهو عصوبة سببها نعمة المعتِق على رقيقه بالعتق، فيرثه إن لم يكن له وارث من أهل الفروض، أو عصبة النسب. · موانع الإرث: موانع الإرث ثلاثة:

1 - الرق: فلا يرث الرقيق ولا يورث؛ لأنه مملوك لسيده. 2 - القتل بغير حق: فلا يرث القاتل المقتول عمداً أو خطأً. 3 - اختلاف الدين: فلا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم. عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضيَ اللهُ عَنهْما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (¬1). · أهل الإرث: المستحقون للإرث ثلاثة: أهل الفروض .. وأهل التعصيب .. وذوو الأرحام. · شروط الإرث: شروط الإرث ثلاثة: الأول: التحقق من موت المورِّث إما بمشاهدة، أو استفاضة، أو شهادة عدلين بموته. الثاني: التحقق من حياة الوارث حين موت المورث. الثالث: العلم بالسبب الموجب للإرث من نسب، أو نكاح، أو ولاء. · أقسام الإرث: ينقسم الإرث إلى قسمين: 1 - إرث بالفرض: وهو أن يكون للوارث نصيب مقدر كالنصف أو الثلث مثلاً. 2 - إرث بالتعصيب: وهو أن يكون للوارث نصيب غير مقدر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

· أقسام الفروض: الفروض الواردة في القرآن ستة: النصف .. والربع .. والثمن .. والثلث .. والثلثان .. والسدس. أما ثلث الباقي فثابت بالاجتهاد. فالنصف فرض خمسة من الورثة: الزوج إذا لم يكن لزوجته ولد، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب. · عدد الوارثين من الرجال: الوارثون من الرجال خمسة عشر، وهم: الابن وابنه وإن سفل بمحض الذكور. والأب، والجد من قبل الأب وإن علا بمحض الذكور. والأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم. وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب وإن نزلا بمحض الذكور. والعم الشقيق وإن علا، والعم لأب وإن علا. وابن العم الشقيق، وابن العم لأب وإن نزلا بمحض الذكور. والزوج، والمعتق وعصبته. كل ما عدا هؤلاء من الذكور فمن ذوي الأرحام كالأخوال، وابن الأخ لأم، والعم لأم، وابن العم لأم، وأب الأم، والجد من قِبَل الأم ونحوهم.

· عدد الوارثات من النساء: الوارثات من النساء إحدى عشرة، وهن: البنت وبنت الابن وإن سفل أبوها بمحض الذكور. الأم والجدة من قبل الأم وإن علت بمحض الإناث، والجدة من قبل الأب وهي أم الاب وإن علت بمحض الإناث، والجدة التي هي أم أب الأب. والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم. والزوجة، والمعتقة. كل ما عدا هؤلاء من الإناث فمن ذوي الأرحام كالعمات والخالات ونحوهن. قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء:7].

2 - أصحاب الفروض

2 - أصحاب الفروض - أقسام الورثة: ينقسم الورثة بالنسبة للإرث إلى أربعة أقسام: 1 - من يرث بالفرض فقط، وهم سبعة: الزوج، والزوجة، والأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخ لأم، والأخت لأم. 2 - من يرث بالتعصيب فقط، وهم اثنا عشر: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وإن نزل، وابن الأخ لأب وإن نزل، والعم الشقيق وإن علا، والعم لأب وإن علا، وابن العم الشقيق وإن نزل، وابن العم لأب وإن نزل، والمعتق، والمعتقة. 3 - من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ويجمع بينهما تارة، وهم اثنان: الأب والجد. فيرث الواحد منهما السدس مع الفرع الوارث فرضاً، ويرث بالتعصيب وحده إذا لم يكن معه فرع وارث، ويرث بالفرض والتعصيب مع الأنثى من الفرع الوارث إن بقي بعد الفرض أكثر من السدس، كما لو مات أحد عن أب، وأم، وبنت، فالمسألة من ستة: للبنت النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، والباقي اثنان للأب فرضاً وتعصيباً.

1 - ميراث الأب

4 - من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ولا يجمع بينهما أبداً، وهم أربعة: البنت فأكثر، وبنت الابن فأكثر وإن نزل أبوها. والأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر. فترث هذه الأربع بالفرض مع عدم المعصب لهن وهو أخوهن. ويرثن بالتعصيب مع المعصب لهن وهو أخوهن كالابن مع البنت، والأخ مع الأخت، والأخوات مع البنات عصبات دائماً. - عدد أصحاب الفروض: أصحاب الفروض اثنا عشر: أربعة من الذكور وهم: الأب، والجد، والزوج، والأخ لأم. وثمان من الإناث وهن: الزوجة، والبنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم. - صفة ميراث أهل الفروض: 1 - ميراث الأب - للأب ثلاثة أحوال: 1 - يرث الأب السدس فرضاً، بشرط وجود الفرع الوارث من الذكور كالابن، وابن الابن وإن نزل. 2 - يرث الأب بالتعصيب إذا لم يكن للميت فرع وارث. 3 - يرث الأب بالفرض والتعصيب معاً مع وجود الفرع الوارث من الإناث كالبنت، أو بنت الابن، فيأخذ السدس فرضاً، والباقي تعصيباً كما سبق.

2 - ميراث الجد

الأخوة الأشقاء، أو لأب، أو لأم، جميعهم يسقطون بالأب والجد. قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11]. الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أب، وابن) المسألة من ستة: للأب السدس واحد، والباقي للابن. 2 - توفي شخص عن (أم، وأب) المسألة من ثلاثة: للأم الثلث واحد، والباقي إثنان للأب. 3 - توفي شخص عن (أب، وبنت) المسألة من ستة: للبنت النصف، وللأب السدس فرضاً، والباقي تعصيباً. 4 - توفي شخص عن (أب، وأخ شقيق أو لأب أو لأم) المال كله للأب، ويسقط الأخ بالأب. 2 - ميراث الجد - ضابط الجد الوارث: هو كل من ليس بينه وبين الميت أنثى كأب الأب، وأب أب الأب، فلا يرث أب الأم، ولا أب أب الأم، ولا أب أم الأب؛ وذلك لأن بينهم وبين الميت أنثى. - أحوال ميراث الجد: 1 - يرث الجد السدس فرضاً بشرطين: وجود الفرع الوارث، عدم الأب.

2 - يرث الجد بالتعصيب إذا لم يكن للميت فرع وارث، عدم الأب. 3 - يرث الجد بالفرض والتعصيب معاً مع وجود الفرع الوارث من الإناث كالبنت وبنت الابن، فيأخذ السدس فرضاً، والباقي تعصيباً كالأب. ميراث الجد كميراث الأب إلا في ثلاث مسائل: 1، 2 - إذا ترك الميت أبوين وأحد الزوجين، للأم ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين، وإذا كان مكان الأب جد فللأم ثلث الجميع، وتسمى العُمَرية؛ لقضاء عمر رضي الله عنه فيها. 3 - أم الأب لا ترث مع الأب، لأنها تدلي به، وترث مع الجد. الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (جد، وابن) المسألة من ستة، للجد السدس واحد، والباقي للابن. 2 - توفي شخص عن (أم، وجد) المسألة من ثلاثة، للأم الثلث واحد فرضاً، والباقي للجد تعصيباً. 3 - توفي شخص عن (جد، وبنت) المسألة من ستة، للبنت النصف ثلاثة فرضاً، وللجد السدس واحد فرضاً، والباقي تعصيباً. 4 - توفيت امرأة عن (زوج، وأم، وجد) المسألة من ستة، للزوج النصف ثلاثة، وللأم الثلث اثنان، وللجد الباقي واحد. 5 - توفي شخص عن (زوجة، وأم، وجد) المسألة من اثني عشر، للزوجة الربع ثلاثة، وللأم الثلث أربعة، والباقي للجد. وهذه وما قبلها تسمى العُمَرية.

3 - ميراث الأم

3 - ميراث الأم - ميراث الأم له ثلاثة أحوال: 1 - ترث الأم الثلث بثلاثة شروط: عدم الفرع الوارث، عدم الجمع من الإخوة أو الأخوات، ألا تكون المسألة إحدى العُمَريتين. 2 - ترث الأم السدس إذا كان للميت فرع وارث، أو كان له جمع من الإخوة أو الأخوات أشقاء أو لأب أو لأم. 3 - ترث الأم ثلث الباقي في العمريتين، وتسمى الغرَّاوين، وهما: 1 - زوجة، وأم، وأب، المسألة من أربعة: للزوجة الربع واحد، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب. 2 - زوج، وأم، وأب، المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب. وأُعطيت الأم ثلث الباقي؛ لئلا تزيد على نصيب الأب وهما في درجة واحدة من الميت، وليكون للذكر مثل حظ الأنثيين. قال الله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11]. الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أم، وأخ شقيق) المسألة من ثلاثة: للأم الثلث واحد فرضاً، والباقي للأخ تعصيباً.

4 - ميراث الجدة

2 - توفي شخص عن (أم، وابن) المسألة من ستة: للأم السدس واحد فرضاً، والباقي للابن تعصيباً. 3 - توفي شخص عن (أم، وأخوين لأب) المسألة من ستة: للأم السدس واحد فرضاً، والباقي للأخوين لأب تعصيباً. 4 - ميراث الجدة - الجدة الوارثة: هي أم أحد الأبوين كأم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وإن عَلَون بمحض الإناث كأم أم الأم، وأم أم الأب، وأم أب الأب. أما الجدة التي لا ترث فهي التي يدخل في نسبتها إلى الميت جد رحمي كأم أب الأم، وأم أب أم الأب، فهذه من ذوات الأرحام. - ميراث الجدة: 1 - ميراث الجدة فأكثر السدس مطلقاً بشرط عدم الأم. 2 - لا إرث للجدات مطلقاً مع وجود الأم، كما لا إرث للجد مطلقاً مع وجود الأب. 3 - تستقل الجدة الواحدة بالسدس، وتشترك فيه الجدات بشرط التساوي في الدرجة كأم الأم، وأم الأب. 4 - القريبة من الجدات تحجب البعيدة كأم الأم تحجب أم أم الأم، وأم أب الأب، وأم الأب تحجب أم أم الأم، وأم أب الأب .. وهكذا. 5 - تسقط الجدة من جهة الأب بالأب، ولا تسقط الجدة من جهة الأم بالأب.

5 - ميراث الزوج

الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أم، وأم أم، وأب) المسألة من ثلاثة: للأم الثلث، والباقي للاب، ولا شيء لأم الأم لأنها محجوبة بالأم. 2 - توفي شخص عن (أم أم وابن) المسألة من ستة: لأم الأم السدس فرضاً، وللابن الباقي. 3 - توفي شخص عن (أربع جدات وعم) المسألة من ستة: للجدات السدس، والباقي للعم. 5 - ميراث الزوج - للزوج حالتان في الميراث: 1 - يرث الزوج من زوجته النصف إذا لم يكن لها فرع وارث منه أو من غيره. والفرع الوارث هم: الأولاد بنون وبنات، وأولاد الأبناء وإن نزلوا، أما أولاد البنات فهم فروع غير وارثين. 2 - يرث الزوج من زوجته الربع إذا كان لزوجته فرع وارث منه أو من غيره. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]. - الأمثلة: 1 - توفيت امرأة عن (زوج، وأم، وأخ شقيق) المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم الثلث اثنان، والباقي للأخ. 2 - توفيت امرأة عن (زوج، وابن) المسألة من أربعة: للزوج الربع، والباقي للابن.

6 - ميراث الزوجة

6 - ميراث الزوجة - للزوجة حالتان في الميراث: 1 - ترث الزوجة من زوجها الربع إن لم يكن له فرع وارث منها أو من غيرها. 2 - ترث الزوجة من زوجها الثمن إن كان له فرع وارث منها أو من غيرها. - تشترك الزوجات في الربع أو الثمن إن كن أكثر من واحدة: قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (زوجة، وأم، وعم شقيق) المسألة من اثني عشر: للزوجة الربع، وللأم الثلث، وللعم الباقي. 2 - توفي شخص عن (زوجة، وابن) المسألة من ثمانية: للزوجة الثمن واحد، والباقي للابن. 3 - توفي شخص عن (ثلاث زوجات، وابن، وبنت) المسألة من ثمانية: للزوجات الثمن واحد، والباقي للابن والبنت تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين. 7 - ميراث البنت - للبنت ثلاث حالات في الميراث: 1 - ترث البنت النصف بشرط عدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم المشارك لها

8 - ميراث بنت الابن

وهي أختها. 2 - ترث البنتان فأكثر الثلثين بشرط أن يكن اثنتين فأكثر، عدم المعصب لهن وهو أخوهن. 3 - ترث البنت فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن أخوهن، للذكر مثل حظ الأنثيين. قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11]. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (بنت، وعم) المسألة من اثنين: للبنت النصف واحد، والباقي واحد للعم. 2 - توفي شخص عن (أم، وبنتين، وجد) المسألة من ستة: للأم السدس، وللبنتين الثلثين، وللجد السدس. 3 - توفي شخص عن (جدة، وبنت، وابن) المسألة من ستة: للجدة السدس واحد، والباقي للابن والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين. 4 - توفي شخص عن (ابنين، وثلاث بنات) المسألة من عدد رؤسهم سبعة، لكل ابن اثنان، ولكل بنت واحد. 8 - ميراث بنت الابن - لبنت الابن أربع حالات في الميراث: 1 - ترث بنت الابن النصف بثلاثة شروط: عدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم المشارِكة لها وهي أختها، وعدم الفرع

الوارث الأعلى منها كالابن، والبنت. 2 - ترث بنتا الابن فأكثر الثلثين بثلاثة شروط: أن يكن اثنتين فصاعدا، عدم المعصب لهن وهو أخوهن، عدم الفرع الوارث الأعلى منهن كالابن، والبنت. 3 - ترث بنت الابن فأكثر السدس بشرط عدم المعصب لهن وهو أخوهن، عدم الفرع الوارث الأعلى منهن إلا البنت صاحبة النصف، فإنها لا ترث السدس إلا معها. وهكذا حكم بنت ابن ابن مع بنت ابن. 4 - ترث بنت الابن فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أخ لها في درجتها، وهو ابن الابن، مع عدم الفرع الوارث الذكر الأعلى منها كالابن. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (بنت ابن، وعم) المسألة من اثنين: لبنت الابن النصف، وللعم الباقي. 2 - توفي شخص عن (بنتي ابن، وأخ شقيق) المسألة من ثلاثة: لبنتي الابن الثلثان، والباقي للأخ. 3 - توفي شخص عن (بنت، وبنت ابن، وأخ لأب) المسألة من ستة: للبنت النصف ثلاثة، ولبنت الابن السدس واحد، والباقي للأخ. 4 - توفي شخص عن (زوج، وبنت ابن، وابن ابن) المسألة من أربعة: للزوج الربع واحد، والباقي ثلاثة لبنت الابن وابن الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين.

9 - ميراث الأخت الشقيقة

9 - ميراث الأخت الشقيقة - للأخت الشقيقة ثلاث حالات في الميراث: 1 - ترث الأخت الشقيقة النصف بأربعة شروط: عدم المشارِكة لها وهي أختها، وعدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم الأصل الوارث وهو الأب أو الجد، وعدم الفرع الوارث. 2 - ترث الأخوات الشقيقات الثلثين بأربعة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، عدم الأصل الوارث من الذكور، وعدم الفرع الوارث، وعدم المعصب لهن وهو أخوهن. 3 - ترث الأخت الشقيقة فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن المعصب لهن وهو أخوهن، للذكر مثل حظ الأنثيين، أو كن مع الفرع الوارث من الإناث كالبنات. قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء:176]. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أم، وأخت شقيقة، وأخوين لأم) المسألة من ستة: للأم السدس، وللأخت الشقيقة النصف، وللأخوين لأم الثلث. 2 - توفي شخص عن (زوجة، وأختين شقيقتين، وابن أخ لأب) المسألة من اثني عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأختين الثلثان ثمانية، والباقي لابن الأخ لأب.

10 - ميراث الأخت لأب

3 - توفي شخص عن (زوجة، وأخت شقيقة، وأخ شقيق) المسألة من أربعة: للزوجة الربع، والباقي للأخ والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين. 4 - توفي شخص عن (زوجة، وبنت، وأخت شقيقة) المسألة من ثمانية: للزوجة الثمن واحد، وللبنت النصف أربعة، والباقي للأخت. 10 - ميراث الأخت لأب - للأخت لأب أربع حالات في الميراث: 1 - ترث الأخت لأب النصف بخمسة شروط: عدم المشارِكة لها وهي أختها، وعدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم الأصل الوارث من الذكور، وعدم الفرع الوارث، وعدم الإخوة الأشقاء والشقائق. 2 - ترث الأخوات لأب الثلثين بخمسة شروط: أن يكن اثنتين فأكثر، عدم المعصب لهن وهو أخوهن، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم الفرع الوارث، عدم الأشقاء والشقائق. 3 - ترث الأخت لأب فأكثر السدس بخمسة شروط: أن تكون مع أخت شقيقة واحدة وارثة بالفرض، عدم المعصب لها وهو أخوها، عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم الأخ الشقيق فأكثر. 4 - ترث الأخت لأب فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن المعصب لهن وهو أخوهن، أو كن مع الفرع الوارث من الإناث كالبنات، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.

11 - ميراث الأخ لأم والأخت لأم

- الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أم، وأخت لأب، وأخوين لأم) المسألة من ستة: للأم السدس واحد، وللأخت لأب النصف، وللأخوين لأم الثلث. 2 - توفي شخص عن (زوجة، وأختين لأب، وابن أخ لأب) المسألة من اثني عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأختين لأب الثلثان، ولابن الأخ لأب الباقي. 3 - توفي شخص عن (أم، وأخت لأم، وأخت شقيقة، وأختين لأب) المسألة من اثني عشر: للأم السدس، وللأخت لأم السدس، وللأخت الشقيقة النصف، وللأختين لأب السدس. 4 - توفي شخص عن (أم، وأختين لأب، وأخ لأب) المسألة من ستة: للأم السدس واحد، والباقي للأخوة والأخوات تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين. 5 - توفيت امرأة عن (زوج، وبنت، وأخت لأب) المسألة من أربعة: للزوج الربع واحد، وللبنت النصف، والباقي للأخت لأب تعصيباً. 11 - ميراث الأخ لأم والأخت لأم - أحكام الإخوة لأم: 1 - أن ذكرهم يدلي بالأنثى فيرث، ويحجبون من أدلوا به وهي الأم حجب نقصان. 2 - الإخوة لأم لا يُفضّل ذكرهم على أنثاهم، وذكرهم لا يعصِّب أنثاهم، فيرثون بالسوية. - للأخ لأم حالتان في الميراث: 1 - يرث الأخ لأم ذكراً كان أو أنثى السدس بثلاثة شروط:

عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور، أن يكون منفرداً. 2 - يرث الإخوة لأم ذكوراً أو إناثاً الثلث بثلاثة شروط: أن يكونوا اثنين فصاعداً، عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور. قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} [النساء:12]. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (زوجة، وأخ لأم، وابن عم شقيق) المسألة من اثني عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأخ لأم السدس، ولابن العم الباقي. 2 - توفيت امرأة عن (زوج، وأخوين لأم، وعم شقيق) المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأخوين لأم الثلث، وللعم الباقي. 3 - توفي شخص عن (أم، وأب، وأخوين لأم) المسألة من ستة: للأم السدس، والباقي للأب، ويسقط الأخوة لأم لوجود الأب. - أقسام مسائل أهل الفروض: تنقسم مسائل أهل الفروض إلى ثلاثة أقسام: 1 - المسألة العادلة: وهي ما كانت السهام فيها مساوية لأصل المسألة. مثالها: (زوج، وأخت شقيقة) المسألة من اثنين: للزوج النصف واحد، وللأخت النصف واحد.

2 - المسألة العائلة: وهي ما كانت السهام فيها زائدة على أصل المسألة. مثالها: (زوج، وأختين لغير أم)، فإن أعطي الزوج النصف لم يبق للأختين حقهما وهو الثلثان. فأصل المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة، للزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، ويدخل النقص على الجميع حسب فروضهم. 3 - المسألة الناقصة: وهي ما كانت السهام فيها أقل من أصل المسألة. فيُرد الباقي على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، فإذا لم تستغرق الفروض التركة، ولم يكن عاصب، فيُرد عليهم حسب فروضهم. مثالها: (زوجة، وبنت) المسألة من ثمانية: للزوجة الثمن واحد، وللبنت النصف أربعة، وثلاثة رداً.

3 - العصبة

3 - العصبة - العصبة: هم كل من يرث بلا تقدير. - أقسام العصبة: ينقسم العصبة إلى قسمين: عصبة بالنسب .. وعصبة بالسبب. - أقسام العصبة بالنسب: ينقسم العصبة بالنسب إلى ثلاثة أقسام: 1 - عصبة بالنفس: وهم كل وارث من الذكور إلا الزوج والأخ لأم، وهم: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب، والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وإن نزل، وابن الأخ لأب وإن نزل، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق وإن نزل، وابن العم لأب وإن نزل، والمعتِق. فمن انفرد من هؤلاء أخذ جميع المال، وإذا كان مع أهل الفروض أخذ ما بقي بعد الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقط، ولا يمكن أن تستغرق الفروض مع ابن الصلب ولا مع الأب. - جهات التعصيب: جهات التعصيب بعضها أقرب من بعض وهي خمس على الترتيب: البنوة .. ثم الأبوة .. ثم الإخوة وبنوهم .. ثم الأعمام وبنوهم .. ثم الولاء. فإذا وُجدت جهة البنوة أخذت المال، فإن لم توجد انتقلت التركة إلى جهة

الأبوة، فإن لم توجد جهة الأبوة انتقلت التركة إلى الإخوة، فإن لم توجد انتقلت إلى العمومة، فإن لم توجد انتقلت إلى الولاء. - أحكام العصبة إذا اجتمعوا: إذا اجتمع عاصبان فأكثر فلهم حالات: الحالة الأولى: أن يتحدا في الجهة والدرجة والقوة كابنين، أو أخوين، أو عمَّين. ففي هذه الحالة يشتركان في المال بالسوية. الحالة الثانية: أن يتحدا في الجهة والدرجة، ويختلفان في القوة كما لو اجتمع (عم شقيق، وعم لأب) فيقدم بالقوة، فيرث العم الشقيق دون العم لأب. الحالة الثالثة: أن يتحدا في الجهة، ويختلفان في الدرجة. كما لو اجتمع (ابن، وابن ابن) فيقدم بقرب الدرجة، فيكون المال كله للابن. الحالة الرابعة: أن يختلفا في الجهة، فيقدم في الميراث الأقرب جهة وإن كان بعيداً في الدرجة على الأبعد جهة وإن كان قريباً في الدرجة، فابن الابن مقدم على الأب، وابن الأخ لأب مقدم على العم الشقيق. - العصبة الذين يشاركون أخواتهم في الإرث: الذكور الذين يعصبون أخواتهم، ويمنعونهن من الإرث بالفرض، وللذكر معهن مثل حظ الأنثيين أربعة: الابن .. وابن الابن وإن نزل .. والأخ الشقيق .. والأخ لأب. وسائر العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم: بنو الأخوة .. والأعمام .. وبنوهم.

2 - عصبة بالغير: وهن أربع: البنت فأكثر بالابن فأكثر .. بنت الابن فأكثر بابن الابن فأكثر .. الأخت الشقيقة فأكثر بالأخ الشقيق فأكثر .. الأخت لأب فأكثر بالأخ لأب فأكثر. فيرثون معاً للذكر مثل حظ الأنثيين، ولهم ما أبقت الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقطوا. 1 - قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)} [النساء:176]. 3 - عصبة مع الغير: وهم صنفان: 1 - الأخت الشقيقة فأكثر مع البنت فأكثر، أو مع بنت الابن فأكثر، أو هما معاً. 2 - الأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر، أو مع بنت الابن فأكثر، أو هما معاً. فالأخوات دائماً عصبات مع البنات أو بنات الابن وإن نزلن. فلهن ما أبقت الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقطن. - حيث صارت الأخت الشقيقة عصبة مع الغير، صارت كالأخ الشقيق تحجب الأخوة لأب ذكوراً كانوا أم إناثاً، ومن بعدهم من العصبات. - حيث صارت الأخت لأب عصبة مع الغير، صارت كالأخ لأب تحجب أبناء الإخوة، ومن بعدهم من العصبات.

2 - العصبة بالسبب: وهم المعتق ذكراً كان أو أنثى، وعصبته المتعصبون بأنفسهم. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ألْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وَأنَا أوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. فَأيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي، فَأنَا مَوْلاهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6732) , ومسلم برقم (1615). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2399) , واللفظ له، ومسلم برقم (1619). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6752) , واللفظ له، ومسلم برقم (1504).

4 - الحجب

4 - الحجب - الحجب: هو منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظَّيه. والحجب من أهم أبواب الفرائض وأعظمها، ومن يجهله قد يمنع الحق أهله، أو يعطيه من لا يستحقه، وفي كليهما الظلم والإثم. - أحوال الورثة إذا اجتمعوا: الورثة إذا اجتمعوا فلهم ثلاث حالات: الأولى: إذا اجتمع كل الذكور ورث منهم ثلاثة فقط، وهم: الأب، والابن، والزوج. ومسألتهم من اثني عشر: للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي سبعة للابن تعصيباً. الثانية: إذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس فقط، وهن: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة. ومسألتهن من أربعة وعشرين: للأم السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللبنت النصف اثنا عشر، والباقي واحد للأخت الشقيقة تعصيباً. الثالثة: إذا اجتمع كل الذكور والإناث ورث منهم خمسة فقط، وهم: الأم، والأب، والابن، والبنت، وأحد الزوجين. 1 - إذا كان معهم الزوجة فالمسالة من أربعة وعشرين: للأب السدس أربعة، وللأم السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي للابن والبنت تعصيباً،

للذكر مثل حظ الأنثيين. 2 - إذا كان معهم الزوج فالمسألة من اثني عشر: للأب السدس اثنان، وللأم السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي للابن والبنت تعصيباً، للذكر مثل حظ الأنثيين. - أقسام الحجب: ينقسم الحجب إلى قسمين: حجب بالوصف .. وحجب بالشخص. 1 - الحجب بالوصف: هو أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث، وهو الرق، أو القتل، أو اختلاف الدين. وهو يدخل على جميع الورثة، فمن اتصف بأحد هذه الأوصاف لم يرث، ووجوده كعدمه. 2 - الحجب بالشخص: هو أن يكون بعض الورثة محجوباً بشخص آخر. وهذا هو المراد هنا. - أقسام الحجب بالشخص: ينقسم الحجب بالشخص إلى قسمين: حجب نقصان .. وحجب حرمان. 1 - حجب النقصان: وهو منع الشخص الوارث من أوفر حظيه. بأن ينقص ميراث المحجوب بسبب الحاجب، وهو يأتي على جميع الورثة. وينقسم حجب النقصان إلى قسمين: الأول: حجب نقصان سببه الانتقال، وهو أربعة أنواع:

1 - أن ينتقل المحجوب من فرض إلى فرض أقل منه، وهم خمسة: الزوجان، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب. فالزوج ينتقل من النصف إلى الربع بوجود الولد. والزوجة تنتقل من الربع إلى الثمن بوجود الولد. والأم تنتقل من الثلث إلى السدس بوجود الولد، أو الأخوة أو الأخوات وبنت الابن تنتقل من النصف إلى السدس بوجود البنت الواحدة. والأخت لأب تنتقل من النصف إلى السدس بوجود الأخت الشقيقة الواحدة. 2 - أن ينتقل من تعصيب إلى فرض أقل منه، وهذا في حق الأب، والجد عند عدم الأب كانتقال الأب من التعصيب إلى السدس مع وجود الابن وابن الابن. 3 - أن ينتقل من فرض إلى تعصيب أقل منه. وهذا يكون في حق ذوات النصف، وهن أربع من الإناث: البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب. وذلك إذا كان مع كل واحدة أخوها، وهن العصبة بالغير. 4 - أن ينتقل من تعصيب إلى تعصيب أقل منه. وهذا يكون في حق العصبة مع الغير، وهن اثنتان: الأخت الشقيقة أو أكثر مع البنت أو بنت الابن، والأخت لأب أو أكثر مع البنت أو بنت الابن. فللأخت الشقيقة أو لأب مع البنت أو بنت الابن الباقي وهو النصف، ولو

كان معها أخوها كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. الثاني: حجب نقصان سببه الازدحام، وهو ثلاثة أنواع: 1 - ازدحام في الفرض: وهذا يكون في حق سبعة من الورثة، وهم: الجد، والزوجة، والبنات، وبنات الابن، والأخوات الشقائق، والأخوات لأب، والإخوة لأم، والأخوات لأم كازدحام بنتين، أو أختين فأكثر في الثلثين. 2 - ازدحام في التعصيب: وهذا يكون في حق كل عاصب كالأبناء، والإخوة، والأعمام كازدحام ابنين، أو أخوين، أو عمين فأكثر في الميراث. 3 - ازدحام في العول: وهذا يكون في حق أصحاب الفروض إذا تزاحموا كما سيأتي إن شاء الله. 2 - حجب الحرمان: وهو أن يُسقط الشخص غيره بالكلية، ويأتي على جميع الورثة ما عدا ستة: الأب، والأم، والابن، والبنت، والزوج، والزوجة. وحجب الحرمان يقوم على أصلين: 1 - كل من ينتمي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص كابن الابن لا يرث مع الابن، إلا أولاد الأم فإنهم يرثون معها مع أنهم ينتمون إلى الميت بها. 2 - يقدم الأقرب على الأبعد في الميراث، فالابن يحجب ابن أخيه، فإن تساووا في الدرجة يُرجّح بقوة القرابة كالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب.

- الفرق بين المحجوب والمحروم: 1 - المحروم ليس أهلاً للإرث أصلاً كالقاتل، أما المحجوب فهو أهل للإرث، ولكنه حُجب لوجود شخص أولى منه بالميراث. 2 - المحروم من الميراث لا يحجب غيره أصلاً؛ لأنه كالمعدوم، فلا يؤثر، أما المحجوب فقد يحجب غيره ولا يرث كالإخوة مع الأب والأم، لا يرثون لوجود الأب، ويحجبون الأم من الثلث إلى السدس. - الذين يُحجبون حجب حرمان سبعة، وهم: الجد بالأب .. والجدات بالأم .. وابن الابن بالابن .. وبنات الابن بالبنتين والابن .. والأخوات لأب بالشقيقتين فأكثر وبالشقيق، والإخوة مطلقاً بالابن وابن الابن وبالأب والجد، والأخوة والأخوات لأم بالفرع الوارث، والأصل الذكر. - قواعد حجب الحرمان بالشخص: 1 - كل وارث من الأصول يحجب من فوقه إذا كان من جنسه، فالأب يحجب الأجداد، والأم تحجب الجدات .. وهكذا. 2 - كل ذكر وارث من الفروع يحجب من تحته، سواء كان من جنسه أم لا، فالابن يحجب ابن الابن وبنت الابن. والأنثى من الفروع لا تحجب إلا من تحتها كالبنات إذا استغرقن الثلثين حَجَبن من تحتهن من الإناث كبنات الابن، إلا أن يُعَصَّبن بذكر، فلهم الباقي تعصيباً. 3 - كل وارث من الأصول والفروع فإنه يحجب الحواشي -الذكور منهم

والإناث- بلا استثناء. 4 - الأصول: هم الأب والأم، والفروع: هم الابن والبنت، والحواشي: هم الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب وأبناؤهم، والإخوة لأم، والأعمام الأشقاء أو لأب وأبناؤهم. 5 - الإناث من الأصول أو الفروع لا يحجبن الحواشي، إلا إناث الفروع، وهن البنات وبنات الابن يحجبن الإخوة لأم. 6 - الحواشي بعضهم مع بعض، كل من يرث منهم بالتعصيب فإنه يحجب من دونه في الجهة، أو القرب، أو القوة. فالأخ لأب يسقط بالأخ الشقيق، والأخت الشقيقة العاصبة مع الغير، وابن الأخ الشقيق يسقط بالأخ الشقيق، والأخت الشقيقة العاصبة مع الغير، وبالأخ لأب، وبالأخت لأب العاصبة مع الغير. وابن الأخ لأب يسقط بالأربعة المتقدمة وابن الأخ الشقيق. والعم الشقيق يسقط بالخمسة المتقدمة وابن الأخ لأب. والعم لأب يسقط بالستة المتقدمة وبالعم الشقيق. وابن العم الشقيق يسقط بالسبعة المتقدمة، وبالعم لأب. وابن العم لأب يسقط بالثمانية المتقدمة، وبابن العم الشقيق. وأما الإخوة لأم فيسقطون بالفرع الوارث، والأصل الوارث من الذكور. 7 - الأصول لا يحجبهم إلا أصول، والفروع لا يحجبهم إلا فروع، والحواشي يحجبهم أصول، وفروع، وحواشي كما سبق. 8 - يسقط المعتق والمعتقة بكل عاصب من القرابة.

- أقسام الورثة بالنسبة لحجب الحرمان: ينقسم الورثة بالنسبة لحجب الحرمان إلى أربعة أقسام: 1 - قسم يَحجبون ولا يُحجبون: وهم الأبوان، والولدان. 2 - قسم يُحجبون ولا يَحجبون: وهم الإخوة لأم. 3 - قسم لا يَحجبون ولا يُحجبون: وهم الزوجان. 4 - قسم يَحجبون ويُحجبون: وهم بقية الورثة.

5 - تأصيل المسائل

5 - تأصيل المسائل - التأصيل: هو تحصيل أقل عدد يخرج منه أصل المسألة بلا كسر. - فائدة التأصيل: معرفة أصول المسائل، وتسهيل قسمة التركات. - تأصيل مسائل الورثة: أصل كل مسألة يختلف باختلاف الورثة كما يلي: 1 - إن كان الورثة كلهم عصبة فقط، فأصل المسألة من عدد رؤوسهم، فإن كان معهم نساء فللذكر مثل حظ الأنثيين. فمن مات عن (ابن، وبنت) فالمسألة من عدد رؤسهم ثلاثة: للابن اثنان، وللبنت واحد. 2 - إن كان في المسالة صاحب فرض واحد وعصبة، فأصلها من مخرج ذلك الفرض. كمن مات عن (زوجة، وابن) المسألة من ثمانية: للزوجة الثمن واحد، والباقي للابن تعصيباً. 3 - إن كان في المسألة أصحاب فروض فقط، أو معهم عصبة، فإنه ينظر بين مخرج الفروض بالنسب الأربع (المماثلة، والمداخلة، والموافقة، والمباينة) والناتج يكون أصلاً للمسألة. والفروض هي: النصف، والربع، والثمن، والثلث، والثلثان، والسدس. فالمتماثلان يكتفى بأحدهما مثل ( ... ، ... ). والمتداخلان يكتفى بأكبرهما مثل ( ... ، ... ).

والمتوافقان يضرب وفق أحدهما في كامل الآخر مثل ( ... ، ... ). والمتباينان يضرب أحدهما في الآخر مثل ( ... ، ... ) .. وهكذا. - أصول مسائل ذوي الفروض سبعة، وهي: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربعة وعشرون. وإذا بقي بعد أصحاب الفروض شيء ولا عصبة رد على كل فرض بقدره عدا الزوجين. (كزوج، وبنت) المسألة من أربعة: للزوج الربع واحد، والباقي للبنت فرضاً ورداً وهكذا .. - النسب الأربع: النسب الأربع هي: المماثلة، والمداخلة، والموافقة، والمباينة. فالمماثلة: تساوي العددين في المقدار مثل (4 - 4). والمداخلة: أن ينقسم أكبر العددين على أصغرهما بلا كسر مثل (8 - 4). والموافقة: أن يتفق العددان بجزء من الأجزاء، ولا ينقسم أكبرهما على أصغرهما إلا بكسر مثل (6 - 4). والمباينة: كل عددين متواليين غير الواحد والاثنين فهما متباينان مثل (2 - 3) وهكذا .. - كيفية استعمال النسب الأربع: تستعمل النسب الأربع في النظر بين الرؤوس مع بعضها، وبين المسائل مع بعضها، وبين مقامات الفروض. وتستعمل الموافقة والمباينة خاصة في النظر بين الرؤوس والسهام، وبين السهام والمسائل.

فيؤخذ أحد المتماثلات، وأكبر المتداخلات، ويضرب الوفق في كل الموافق، والمباين في الآخر. - الانكسار والانقسام: الانقسام: هو انقسام السهام على جميع الورثة بلا كسر. الانكسار: هو عدم انقسام السهام على الورثة أو بعضهم. - أقسام الأصول بالنسبة لتعدد الانكسار: تنقسم الأصول من حيث تعدد الانكسار فيها إلى أربعة أقسام: 1 - ما لا يتصور فيه الانكسار إلا على فريق واحد وهو أصل (2). 2 - ما يتصور فيه الانكسار على فريقين فما دونها وهو أصل (3، 4، 8، 18، 36). 3 - ما يتصور فيه الانكسار على ثلاث فرق وهو أصل (6). 4 - ما يتصور فيه الانكسار على أربع فرق وهو أصل (12، 24). - كيفية التصحيح إذا كان الانكسار على فريق واحد: ننظر بين رؤوس الورثة، وبين سهامهم من أصل المسألة بالمباينة والموافقة. فإن كان بينهما مباينة أثبتنا كل الرؤوس، وإن كان بينهما موافقة أثبتنا وفق الرؤوس، والحاصل هو جزء السهم، ثم نضرب به أصل المسألة، وحاصل الضرب هو مَصحّ المسألة، ثم نضرب نصيب كل وارث من أصل المسألة في جزء السهم، فيكون للواحد مثل ما للجماعة قبل الضرب، وهذه صورتها:

2 × ... 6 ... = ... 12 ... أم ... 1 ... 2 10أبناء ... 5 ... 10 2 × ... 2 ... = ... 4 بنت ... 1 ... 2 عم ... 1 ... 1 عم ... 1 ... 1 - كيفية التصحيح إذا كان الانكسار على أكثر من فريق: إذا كان الانكسار على أكثر من فريق فلنا نظران: الأول: نظر بين الرؤوس والسهام بالمباينة والموافقة. الثاني: نظر بين الرؤوس مع بعضها بالنسب الأربع كما سبق. 1 - فننظر بين الرؤوس التي انكسرت عليها سهامها وبين سهامها، فإن تباينت أثبتنا جميع الرؤوس، وإن توافقت أثبتنا وفق الرؤوس. 2 - ثم ننظر بين الرؤوس المثبتة بالنسب الأربع، وهنا بينهما مباينة فنضربهما ببعض 3×4=12. 3 - ثم نضرب الناتج وهو جزء السهم بأصل المسألة أربعة = 48. 4 - ثم نضرب نصيب كل فريق من أصل المسألة بجزء السهم كما سبق. 5 - ثم نقسم نصيب كل جماعة على رؤوسهم فيخرج نصيب كل واحد، فنقسم نصيب الزوجات (12) على رؤوسهن (3) يكون نصيب كل واحدة (4) وهكذا الأعمام:

وهذه صورتها: 12 × ... 4 ... = ... 48 3 زوجات ... 1 ... 12/ 4 4 أعمام ... 3 ... 36/ 9 60 × ... 12 ... = ... 720 4 زوجات ... 3 ... 180/ 45 5 إخوة لأم ... 4 ... 240/ 48 3 جدات ... 2 ... 120/ 40 عم ... 3 ... 180 12 × ... 24 ... = ... 288 4 زوجات ... 3 ... 36/ 9 6 بنات ... 16 ... 192/ 12 3 جدات ... 4 ... 48/ 16 6 أعمام ... 1 ... 12

6 - قسمة التركة

6 - قسمة التركة - التركة: هي ما يخلِّفه الميت من مال أو غيره. - كيفية قسمة التركة على الورثة: تُقسم التركة على الورثة بإحدى الطرق الآتية: 1 - طريق النسبة: وهو أن تنسب سهم كل وارث من المسألة إليها، وتعطيه من التركة بمثل ذلك. فلو مات شخص عن (زوجة، وأم، وعم)، والتركة مائة وعشرون ألفاً. فالمسألة من اثني عشر: للزوجة الربع ثلاثة، وللأم الثلث أربعة، وللعم الباقي خمسة. فنسبة ثلاثة الزوجة إلى المسألة ربعها، فتأخذ ربع التركة ثلاثين ألفاً. ونسبة أربعة الأم إلى المسألة ثلثها، فتأخذ ثلث التركة أربعين ألفاً. ونسبة خمسة العم إلى المسألة ربعها وسدسها، فيأخذ ربع التركة وسدسها خمسين ألفاً. 2 - طريق القسمة: أن تقسم التركة على مصح المسألة، وحاصل القسمة تضرب به نصيب الوارث من المسألة، والناتج هو نصيبه من التركة. ففي المسألة السابقة تقسم التركة (120) ألفاً، على أصل المسألة (12)، يكون الناتج (10) آلاف، تضرب به نصيب كل وارث، والناتج نصيبه من التركة.

فنصيب الأم في المسألة السابقة الثلث (4)، نضربه في عشرة آلاف 4×10.000= (40) ألفاً، هو نصيبها من التركة وهكذا .. 3 - طريق الضرب: أن تضرب نصيب كل وارث في التركة، ثم تقسم الحاصل على مصح المسألة، فيخرج نصيبه من التركة. فللزوجة في المسألة السابقة الربع (3)، تضربه في التركة (120) ألفاً، يكون الناتج (360) ألفاً، تقسمه على أصل المسألة (12) يكون الناتج (30) ألفاً هو نصيب الزوجة من التركة وهكذا .. 4 - الطريقة الرابعة: أن تقسم أصل المسألة على سهم كل وارث، وحاصل القسمة تقسم عليه التركة، وحاصل القسمة هو نصيب الوارث من التركة. ففي المثال السابق للزوجة الربع، فنقسم أصل المسألة (12) على سهم الزوجة وهو الربع، والناتج (3)، ثم نقسم التركة (120) ألفاً على (3) يكون الناتج (40) ألفاً، هو نصيب الزوجة. - حكم إعطاء من حضر القسمة: إذا حضر قسمة الميراث أقارب الميت الذين لا يرثون، أو اليتامى، أو الفقراء والمساكين ونحوهم، فيستحب إعطاؤهم شيئاً من المال قبل قسمة التركة، يحصل به تطييب قلوبهم، والدعاء للورثة وللميت. قال الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)} [النساء:8 - 9].

7 - العول

7 - العول - العول: زيادة في سهام ذوي الفروض، ونقص في أنصبتهم من الإرث. - أقسام مسائل الورثة: تنقسم مسائل أهل الفروض إلى ثلاثة أقسام: الأول: المسألة العادلة: وهي التي تساوت سهام فروضها مع أصل المسألة. الثانية: المسألة الناقصة: وهي التي نقصت سهام فروضها عن أصل المسألة. الثالثة: المسألة العائلة: وهي التي زادت سهام فروضها على أصل المسألة. ومثالها: (أم، إخوة لأم، أختان شقيقتان) المسألة من ستة: للأم السدس (1)، وللإخوة لأم الثلث (2) وللأختين الثلثان (4)، فمجموع سهام الفروض (7) وهو أكثر من أصل المسألة (6) فالمسألة عائلة إلى (7). - حلّ مسائل العول: نعرف أصل المسألة، ونعرف سهام كل ذي فرض، ثم نهمل أصل المسألة، ثم نجمع فروض الورثة ونجعله أصلاً نقسم عليه التركة، وبذلك يدخل النقص على كل واحد حسب سهمه. المثال: (زوج، وشقيقتين) أصل المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللشقيقتين الثلثان أربعة، فالمجموع سبعة، نجعله أصلاً، ثم نقسم عليه التركة كما سبق. - أثر العول على الورثة: إذا حصل عول في المسألة فإنه ينقص نصيب كل وارث عما كان له لو لم

يكن في المسألة عول. - أقسام أصول المسائل من حيث العول: تنقسم أصول المسائل من حيث العول وعدمه إلى قسمين: الأول: أصول لا تعول، وهي أربعة: (2، 3، 4، 8). الثاني: أصول تعول، وهي ثلاثة: (6، 12، 24). - أصول مسائل أهل الفروض: أصول مسائل أهل الفروض سبعة: (2، 3، 4، 6، 8، 12، 24). وهذه الأصول تنقسم بالنسبة إلى العول والنقص والعدل إلى أربعة أقسام: 1 - ما يكون ناقصاً دائماً وهو أصل (4، 8). 2 - ما يكون ناقصاً أو عادلاً ولا يكون عائلاً وهما أصل (2، 3). 3 - ما يكون ناقصاً أو عائلاً ولا يكون عادلاً وهما أصل (12، 24). 4 - ما يكون ناقصاً وعادلاً وعائلاً وهو أصل (6). - نهاية عول الأصول: الأصول التي تعول ثلاثة أصل: (6، 12، 24). الأول: أصل ستة يعول أربع مرات: إلى (7، 8، 9، 10). 1 - يعول إلى سبعة كما لو مات شخص عن (زوج، وأختين شقيقتين) فالمسألة من (6) وتعول إلى (7) للزوج النصف (3) وللأختين الثلثان (4).

2 - يعول إلى ثمانية كما لو توفيت امرأة عن (زوج، وأخت شقيقة، وأختين لأم) فالمسألة من (6) وتعول إلى (8) للزوج النصف (3) وللأخت الشقيقة النصف (3) وللأختين لأم الثلث (2). 3 - يعول إلى تسعة كما لو توفيت امرأة عن (زوج، وأختين شقيقتين، وأخوين لأم) المسألة من (6) وتعول إلى (9)، للزوج النصف (3) وللأختين الثلثان (4) وللأخوين لأم الثلث (2). 4 - يعول إلى عشرة كما لو توفيت امرأة عن (زوج، وأم، وأختين شقيقتين، وأختين لأم) فالمسألة من (6) وتعول إلى (10) للزوج النصف (3) وللأم السدس (1) وللأختين الشقيقتين الثلثان (4) وللأختين لأم الثلث (2). الثاني: أصل اثني عشر يعول ثلاث مرات: إلى (13، 15، 17). 1 - يعول إلى (13) كما لو ماتت امرأة عن (زوج، وأب، وأم، وبنت) فالمسألة من (12) وتعول إلى (13) للزوج الربع (3) وللأب السدس (2) وللأم السدس (2) وللبنت النصف (6). 2 - يعول إلى (15) كما لو ماتت امرأة عن (زوج، وأب، وأم، وبنتين) فالمسألة من (12) وتعول إلى (15) للزوج الربع (3) وللأب السدس (2) وللأم السدس (2) وللبنتين الثلثان (8). 3 - يعول إلى (17) كما لو توفي شخص عن (زوجة، وأم، وأختين لأب، وأختين لأم) فالمسألة من (12) وتعول إلى (17) للزوجة الربع (3) وللأم السدس (2) وللأختين لأب الثلثان (8) وللأختين لأم الثلث (4). 4 - أصل أربعة وعشرين يعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين كما لو مات

شخص عن (زوجة، وأب، وأم، وبنتين) فالمسألة من (24) وتعول إلى (27) للزوجة الثمن (3) وللأب السدس (4) وللأم السدس (4)، وللبنتين الثلثان (16).

8 - الرد

8 - الرد - الرد: هو إرجاع ما بقي في المسألة بعد أصحاب الفروض على من يستحقه منهم بحسب فروضهم. - سبب الرد: نقص في السهام، وزيادة في أنصبة الورثة، فهو عكس العول. - شروط الرد: الرد لا يتحقق إلا بثلاثة شروط هي: وجود صاحب فرض .. بقاء فائض في التركة .. عدم العاصب. - الذين لا يُرد عليهم: يُرد على جميع أصحاب الفروض ما عدا الزوج، والزوجة، والأب، والجد؛ لأن كلاًّ من الأب والجد عاصب، فيأخذ الباقي بالتعصيب لا بالرد، ولا يُرد على الزوجين؛ لأن الرد إنما يُستحق بالرحم، ولا رحم لهما من حيث الزوجية. - الذين يُرد عليهم: الذين يُرد عليهم من أصحاب الفروض ثمانية أصناف: البنت .. بنت الابن .. الأخت الشقيقة .. الأخت لأب .. الأم .. الجدة .. الأخ لأم .. الأخت لأم. ولا يجتمع في المسألة الواحدة أكثر من ثلاثة أصناف من أهل الرد.

والصنف: هم الجماعة المشتركون في فرض واحد. وفروض أهل الرد أربعة: السدس .. والثلث .. والنصف .. والثلثان. وجميع فروض أهل الرد تؤخذ من أصل ستة. - صفة العمل في مسائل الرد: أهل الرد لهم حالتان: إما أن يكون معهم أحد الزوجين .. وإما لا يكون معهم أحد الزوجين. الحالة الأولى: إذا كان معهم أحد الزوجين، فيعطى الموجود من الزوجين فرضه من مَخرجه، وهو إما نصف، أو ربع، أو ثمن، وما يبقى بعد فرض أحد الزوجين إما واحد، أو ثلاثة، أو سبعة، يكون لمن يرد عليه من أهل الفروض. فإن كان شخصاً واحداً أخذه كله فرضاً ورداً. مثاله: (زوج، وبنت) المسألة من أربعة: للزوج الربع (1) والباقي للبنت (3) فرضاً ورداً. وإن كان من يرد عليه صنفاً واحداً متعدداً فالباقي بعد الموجود من الزوجين يكون لهم على عدد رؤوسهم كما لو كانوا عصبة. مثاله: (زوجة، وسبع بنات) المسألة من ثمانية: للزوجة الثمن (1)، والباقي (7) للبنات على عدد رؤوسهن. وإن لم ينقسم الباقي فنضرب رؤوسهم في أصل المسألة عند المباينة، أو وفقها عند الموافقة، والناتج هو مصح المسألة. مثاله: (زوج، وخمس بنات) المسألة من أربعة: للزوج الربع (1) والباقي

(3) لا ينقسم على الورثة، وبينه وبين رؤوسهن مباينة، فنضرب الرؤوس (5) في أصل المسألة (4) فتصح من (20). للزوج (1) × (5) = (5) وللبنات الباقي (3) × (5) = (15) لكل واحدة (3) وهكذا. وإن كان من يُرد عليه أكثر من صنف كالبنات والأخوات والزوجات فالعمل كما يلي: 1 - يجعل مسألة للزوجية من مخرج فرض أحد الزوجين، ثم يعطى فرضه، والباقي لأهل الرد، وتصحح إن احتاجت إلى تصحيح. 2 - يجعل مسألة لأهل الرد من أصل ستة كما سبق وتصحح إن احتاجت إلى تصحيح. 3 - ينظر بين مسألة الرد وبين الباقي في مسألة الزوجية بعد فرض أحد الزوجين. فإن انقسم الباقي على مسألة الرد صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية. مثالها: (زوجة، أم، أخوين لأم) المسألة من أربعة: للزوجة الربع (1) والباقي (3) للأم والأخوة لأم. ومسألة الرد أصلها من ستة: للأم السدس واحد، وللإخوة لأم الثلث اثنان، والباقي في مسألة الزوجية ينقسم على مسألتهم، فترجع مسألتهم بالرد إلى ثلاثة، وتنقسم الثلاثة على الثلاثة. وإن لم تنقسم فنضرب مسألة الزوجية بكل مسألة الرد إن باينت، أو وِفْقها إن وافقت، فما حصل فهو الجامع للمسألتين. فمن له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروباً في كل مسألة الرد عند

المباينة، أو وِفْقها عند الموافقة. ومن له شيء من مسألة الرد أخذه مضروباً في كل الباقي عند المباينة، أو وفقه عند الموافقة، وهذه صورة المباينة والموافقة: 4×4 ... 6 - 4 ... 16 زوج ... 1 ... × ... 4 بنت ... 3 ... 3 ... 9 بنت ابن ... 1 ... 3 4 × 2 = ... 6 - 3 ... 8 زوجة ... 1 ... × ... 2 جدة ... 3 ... 1 ... 1 جدة ... 1 أم لأم ... 2 ... 2 أخ لأم ... 2 1 - مسألة الزوجية من أربعة: للزوج الربع واحد، والباقي ثلاثة لأهل الرد، ومسألة الرد من ستة: للبنت النصف (3) ولبنت الابن السدس (1) فترجع بالرد إلى (4)، والباقي في مسألة الزوجية (3) لا ينقسم على مسألة الرد (4) فنضرب مسألة الزوجية (4) في مسألة الرد (4) وهي الجامعة (16). 2 - مسألة الزوجية في المسألة الثانية من أربعة: للزوجة الربع (1)، والباقي (3) لأهل الرد، وأصل مسألة الرد من (6) للجدتين السدس (1) وللأخوين لأم

الثلث (2) وترجع مسألتهم بالرد إلى (3)، والباقي بعد الزوجة (3) لا ينقسم على مسألة الرد (6) لكن يوافقها بالثلث، فنأخذ وفق (6) اثنين ونضربه في كامل مسألة الزوجية يحصل ثمانية وهي الجامعة، ثم يعطى كل وارث نصيبه كما سبق. الحالة الثانية: إذا لم يكن مع أهل الرد أحد الزوجين. ولهم في ذلك ثلاث حالات: 1 - إذا كان من يرد عليه شخصاً واحداً أعطي المال كله فرضاً ورداً بلا مسألة. مثاله: مات ميت عن بنت، أو أخت، فلها المال كله فرضاً ورداً. 2 - إذا كان من يرد عليه صنفاً واحداً، يجعل لهم مسألة من عدد رؤوسهم كالعصبة. مثاله: بنتان، أو خمس بنات ابن، أو أربع أخوات شقائق، فالمسألة من عدد رؤوسهن كالعصبة. 3 - إذا كان من يرد عليه أكثر من صنف كالجدات مع الأخوات ونحو ذلك. فيجعل لهم مسألة من أصل ستة، وتخرج فروضهم كأنه لا رد فيها، ثم تجمع سهامهم، وما يحصل يجعل مسألة للرد كالعول، وتصحح إن احتاجت إلى تصحيح. مثالها: 6 5 أخت شقيقة ... 3 ... 3 ... فرضاً ورداً ... أم ... 2 ... 2 ... فرضاً ورداً

6 3 × 3 = 9 أم ... 1 ... 1 ... 3 فرضاً ورداً أخ لأم ... 2 ... 2 ... 2 فرضاً ورداً أخ لأم ... 2 فرضاً ورداً أخ لأم ... 2 فرضاً ورداً

9 - ميراث ذوي الأرحام

9 - ميراث ذوي الأرحام - ذوي الأرحام: هم كل قريب لا يرث بفرض ولا تعصيب. - أصناف ذوي الأرحام: أصناف ذوي الأرحام أربعة: الصنف الأول: فروع الميت الذين يُدْلُون إليه بواسطة الأنثى، وهم نوعان: أولاد البنات .. وأولاد بنات الابن وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً. مثل: بنت البنت، وبنت ابن البنت، وابن بنت الابن، وبنت بنت الابن وإن نزلوا. الصنف الثاني: أصول الميت الذين يتصلون به بواسطة الأنثى، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، وهم نوعان: 1 - الأجداد الرحميون: مثل أب أم الميت، وأب أب الأم. 2 - الجدات الرحميات: مثل أم أب الأم، وأم أم أب الأم. وهم: الجد غير الصحيح وإن علا، والجدة غير الصحيحة وإن علت. الصنف الثالث: فروع أبوي الميت وهم الإخوة والأخوات. وهم ثلاثة أنواع: 1 - أولاد الأخوات مطلقاً وإن نزلوا. مثل: ابن الأخت، وبنت الأخت، وابن بنت الأخت، وبنت ابن الأخت وإن نزلوا.

2 - بنات الإخوة مطلقاً وإن نزلوا. مثل: بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأب، وابن بنت الأخ الشقيق، أو لأب وإن نزلوا. 3 - أولاد الإخوة لأم وإن نزلوا. مثل: ابن الأخ لأم، وبنت الأخ لأم، وبنت ابن أخ لأم، وابن بنت الأخ لأم وإن نزلوا. الصنف الرابع: فروع أحد أجداد الميت أو جداته الذين ليسوا بأصحاب فرض ولا تعصيب. وهؤلاء ست طوائف: 1 - الأعمام لأم، والعمات مطلقاً، والأخوال والخالات مطلقاً. 2 - أولاد الطائفة السابقة وإن نزلوا، وبنات أعمام الميت، وبنات أبنائهم وإن نزلوا. 3 - أعمام أب الميت لأم، وأعمامه، وأخواله، وخالاته جميعاً، وهؤلاء من جهة الأب. وأعمام أم الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها جميعاً، وهؤلاء من جهة الأم. 4 - أولاد من ذُكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا. 5 - أعمام أب أب الميت لأم وعماته، وأخواله وخالاته، وأعمام أم أب الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها. 6 - أولاد من ذُكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا.

- شروط إرث ذوي الأرحام: يرث ذوو الأرحام بشرطين: عدم وجود أهل الفروض غير الزوجين .. عدم وجود العصبة. - جهات ذوي الأرحام: جهات ذوي الأرحام ثلاث: البنوة، الأبوة، الأمومة. - كيفية ميراث ذوي الأرحام: ميراث ذوي الأرحام يكون بالتنزيل، فينزَّل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أدلى به، ثم يقسم المال بين المدلي بهم، فما صار لكل واحد أخذه المدلي. والتنزيل على النحو التالي: 1 - أولاد البنات بمنزلة البنات، وأولاد بنات الابن بمنزلة بنات الابن. 2 - أولاد الأخوات مطلقاً بمنزلة الأخوات، وبنت الإخوة بمنزلة الإخوة، وبنت أبناء الإخوة بمنزلة ابن الأخ، وأولاد الإخوة لأم بمنزلة الإخوة لأم، وأولاد الأخوات بمنزلة الأخت لأم. 3 - بنات الأعمام لغير أم بمنزلة الأعمام، وبنات أبنائهم بمنزلة ابن العم. 4 - العم لأم، والعمات مطلقاً بمنزلة الأب. 5 - أخوال الميت، وخالاته، وأبو أمه، ومن أدلى به بمنزلة الأم. 6 - أخوال الأب، وخالاته، وأبو أمه، ومن أدلى به بمنزلة أم الأب. 7 - أخوال الأم، وخالاتها، وأبو أمها، ومن أدلى به بمنزلة أم الأم.

8 - كل من أدلى بواحد من هذ الأصناف فهو بمنزلة من أدلى به كعمة العمة، وخالة الخالة. - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (بنت بنت، وبنت أخ، وبنت عم) فيفرض بالتنزيل كأن الميت مات عن (بنت، وأخ، وعم) المسألة من (2) للبنت النصف واحد، والباقي للأخ، ولا شيء للعم لوجود الأخ. 2 - توفي شخص عن (خالة، وعمة) وصورة المسألة بالتنزيل (أم، وأب) المسألة من (3) للأم الثلث، وللأب الباقي وهكذا .. 3 - توفي شخص عن (ابن بنت، وبنت بنت ابن، وبنت أخت شقيقة، وبنت أخت لأب). فصورة المسألة بالتنزيل كأن الميت مات عن (بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة، وأخت لأب) المسألة من (6) للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وللأخت الشقيقة الباقي، ولا شيء للأخت لأب، فيعطى نصيب كل واحدة لأولادها يقتسمونه بينهم كأنها ماتت عنهم. وهكذا في جميع مسائل ذوي الأرحام.

10 - ميراث الحمل

10 - ميراث الحمل - الإرث بالتقدير والاحتياط: تتردد أحوال بعض الورثة بين الوجود والعدم، أو تتردد بين الذكورة والأنوثة. فالذين تتردد حالتهم بين الوجود والعدم: الحمل، والمفقود، والغرقى ونحوهم. والذين تتردد حالهم بين الذكورة والأنوثة: الحمل، والخنثى المشكل. وبناء على هذا التردد يختلف حكم الإرث في كل حالة، وهذا أوان بيانها. - الحمل: هو الجنين في بطن أمه. - شروط إرث الحمل: يرث الحمل بشرطين: الأول: وجود الحمل في بطن الأم حين موت المورث ولو نطفة. الثاني: أن يولد حياً حياة مستقرة، وتُعلم حياته المستقرة باستهلاله، وعطاسه، ورضاعه ونحو ذلك. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ ا? - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3431) , واللفظ له، ومسلم برقم (2366).

- تقادير الحمل: للحمل ستة تقادير: فهو إما أن يولد ميتاً فهذا لا يرث. أو يولد حياً حياة مستقرة، وحينئذ إما أن يكون ذكراً فقط، أو أنثى فقط، أو ذكرين، أو أنثيين، أو ذكراً وأنثى. وعند القسمة قبل الولادة يوقف للحمل الأحظ من إرث ذكرين، أو أنثيين؛ لأن فيه احتياطاً للحمل، وإن كان لا يختلف إرثه بالذكورة والأنوثة كأولاد الأم يوقف له إرث اثنين؛ لأنهم في الميراث الذكر كالأنثى. - أحوال الورثة مع الحمل: للورثة مع الحمل ثلاثة أحوال: 1 - من لا يحجبه الحمل شيئاً، يعطى إرثه كاملاً كالجدة. 2 - من يحجبه عن جميع إرثه فلا يعطى شيئاً كالأخ والعم. 3 - من يحجبه عن بعض إرثه، فيعطي اليقين وهو الأقل كالزوجة والأم. المثال: توفي شخص عن (زوجة حامل، وجدة، وعم) المسألة من أربعة وعشرين: فالزوجة يحجبها الحمل عن بعض إرثها فتعطى اليقين وهو الثمن، والجدة لا ينقصها الحمل شيئاً فتعطى السدس، والعم يحجبه الحمل عن جميع إرثه فلا يعطى شيئاً. - حكم طلب القسمة قبل الولادة: من خلَّف ورثة فيهم حمل فلهم حالتان: الأولى: أن ينتظروا حتى تلد الحامل، ويتبين الحمل، ثم يقسم المال.

وهذه أحسن إن لم يتضرر الورثة. الثانية: أن يطلب الورثة القسمة قبل الولادة، فيجوز لهم قسمة الميراث؛ لأنه حق لهم. وهنا يوقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، فإذا ولد أخذ حقه، وما بقي يُرد على مستحقه. فيوقف للحمل الأكثر، ويعطى الوارث الأقل، مما يمكن أن يعطاه كل منهما، ويحفظ الباقي حتى الولادة. المثال: (زوجة حامل، وعم) المسألة على تقدير موت الحمل من أربعة: للزوجة الربع (1) والباقي للعم. وعلى تقدير حياة الحمل وذكوريته من ثمانية: للزوجة الثمن واحد، والباقي للحمل، ولا شيء للعم. وعلى تقدير حياته وأنوثيته من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن (3) وللحمل البنتين الثلثان (16) والباقي للعم.

11 - ميراث المفقود

11 - ميراث المفقود - المفقود: هو من انقطع خبره، فلا يُعلم أحي هو أم ميت. - أحكام المفقود: المفقود له حالتان: الحياة .. أو الموت .. ولكل حالة منهما أحكام تخصها: أحكام بالنسبة لزوجته .. وأحكام بالنسبة لإرثه من غيره .. وأحكام بالنسبة لإرث غيره منه .. وأحكام بالنسبة لإرث غيره معه. فإذا لم يترجح أحد الاحتمالين على الآخر، فلا بد من ضرب مدة يُتأكد فيها من واقعه، وتكون فرصة للبحث عنه. - مدة انتظار المفقود: يُرجع في تقدير مدة الانتظار إلى اجتهاد الحاكم، وما يحصل من ضرر عليه وعلى غيره، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والأماكن والأزمان. فيقدِّر الحاكم مدة للبحث عنه، ثم يحكم بموته بعد انتهائها. - أحوال المفقود: المفقود إما أن يكون مورِّثاً .. أو يكون وارثاً. 1 - إذا كان المفقود مورثاً، فإذا مضت مدة الانتظار التي ضربها الحاكم، ولم يتبين أمره، فإنه يحكم بموته، ويقسم ماله الخاص، وما وقف له من مال مورثه إن كان على ورثته الموجودين حين الحكم بموته، دون من مات في مدة الانتظار.

2 - إن كان المفقود وارثاً ولا مزاحم له، وقف المال كله له إلى أن يتبين أمره، أو تمضي مدة الانتظار. وإن كان له مزاحم من الورثة، وطلبوا القسمة، فيعامل هو بالنصيب الأكمل احتياطاً، ويعامل الورثة بالأقل، إلى أن يتبين أمره. فإن كان حياً أخذ نصيبه المقدر له، وإن زاد منه شيئاً رد على مستحقه. فتقسم المسألة على اعتبار المفقود حياً، ثم تقسم على اعتباره ميتاً. فمن كان يرث في المسألتين متفاضلاً أعطي الأقل، ومن يرث فيهما متساوياً يعطي نصيبه كاملاً، ومن يرث في إحدى المسألتين فقط لا يعطي شيئاً، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمر المفقود. فإذا مات شخص عن (زوجة، وجدة، وعم، وابن مفقود) فالمسألة من (24) للزوجة الثمن (3) لأنه الأقل، وللجدة السدس (4) لأن المفقود لا ينقصها، ولم نعط العم شيئاً، لأن المفقود يحجبه، ونوقف الباقي (17) إلى أن يتيبن الأمر: فإن كان الابن حياً أخذ الباقي، وإن كان ميتاً بعد موت مورثه قسم الباقي على ورثة المفقود، وإن كان ميتاً قبل موت مورثه فلا شيء له، ويقسم الباقي على بقية الورثة.

12 - ميراث الخنثى المشكل

12 - ميراث الخنثى المشكل - الخنثى المشكل: من له فرج ذكر، وفرج أنثى، أو ليس له شيء منهما أصلاً. - الجهات التي يمكن وجود الخنثى فيها: يُتصور وجود الخنثى في أربع جهات هي: الأبناء .. والإخوة .. والأعمام .. والولاء. فكل واحد من هؤلاء يمكن أن يكون ذكراً، أو يكون أنثى. - أحوال الخنثى المشكل: الخنثى المشكل له حالتان: الأولى: أن يرجى اتضاح حاله من ذكورة أو أنوثة. الثانية: أن لا يرجى اتضاح حاله، بأن مات وهو صغير، أو بلغ الحلم ولم يتضح أمره. - علامات معرفة أمر الخنثى: يتضح أمر الخنثى بأمور: 1 - البول: فإن بال من آلة الذكر فذكر، وإن بال من آلة الأنثى فهو أنثى، وإن بال منهما اعتبر الأسبق، فإن استويا اعتبر الأكثر. 2 - المني: فإن أمنى من آلة الذكر فهو ذكر، وإن أمنى من آلة الأنثى فهو أنثى، فإن استويا اعتبر الأسبق. 3 - الميول الجنسي: فإن مال إلى النساء فهو ذكر، وإن مال إلى الرجال فهو أنثى، فإن استويا فهو مشكل. 4 - ظهور اللحية والشارب، وهذا دليل على ذكوريته.

5 - ظهور الحيض، والحمل، وتفلّك الثديين، ونزول اللبن منهما، وهذه دليل على أنوثته. - كيفية ميراث الخنثى المشكل: الخنثى المشكل له حالتان: 1 - إن لم تتضح حال الخنثى المشكل، أو مات وهو صغير قبل بلوغه، فهذا يرث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، إن ورث بهما متفاضلاً، وإن ورث بكونه ذكراً فقط أعطي نصف ميراث ذكر، وإن ورث بكونه أنثى فقط أعطي نصف ميراث أنثى. 2 - إن كان الخنثى المشكل يرجى اتضاح حاله انتظروا حتى يتبين أمره إن لم يتضرر أحد، فإن لم ينتظروا وطلبوا القسمة عومل هو ومن معه بالأضر، ووقف الباقي إلى أن تتميز حاله. فتُعمل مسألة على أنه ذكر، ثم تُعمل على أنه أنثى، ويُدفع للخنثى وكل وارث أقل النصيبين، ويوقف الباقي إلى أن تتميز حاله، ثم يقسم الباقي حسب ذلك. المثال: مات شخص عن (ابن، وبنت، وولد خنثى صغير). ومسألة الذكورة من (5) للابن (2) وللبنت (1) وللخنثى (2). ومسألة الأنوثة من (4) للابن (2) وللبنت (1) وللخنثى (1). فالأضر بالنسبة للبنت والابن الواضح أن يكون الخنثى ذكراً فنعطيهما من مسألة الذكورة. والأضر في حق الخنثى كونه أنثى فنعطيه من مسألة الأنوثة، ثم يوقف الباقي إلى أن يتبين أمره.

13 - ميراث الغرقى ونحوهم

13 - ميراث الغرقى ونحوهم - المقصود بهذا الباب: كل جماعة متوارثين ماتوا بحادث عام كغرق، أو حرق، أو هدم، أو قتال، أو اختناق، أو حادث سيارة، أو طائرة، أو قطار ونحو ذلك. - ميراث الغرقى ونحوهم: للغرقى والهدمى ونحوهم خمس حالات: الأولى: أن يُعلم المتأخر منهم بعينه، فيرث من المتقدم. الثانية: أن يُعلم موتهم جميعاً دفعة واحدة، فلا توارث بينهم. الثالثة: أن تُجهل كيفية موتهم، فلا توارث بينهم. الرابعة: أن نعلم أن موتهم وقع مرتباً، ولكن لا نعلم عين المتأخر منهم، فلا توارث بينهم. الخامسة: أن يُعلم المتأخر ثم ينسى، فلا توارث بينهم. ففي هذه المسائل الأربع الأخيرة لا توارث بينهم. فيكون مال كل واحد منهم لورثته الأحياء فقط دون من مات معه. المثال: مات (أخوان، وأم) في حادث سيارة جميعاً. وترك الأخ الأول (زوجة، وبنت، وابن)، وترك الأخ الثاني (زوجة، وابن)، وتركت الأم (بنت، وبنت ابن، وعم). فيقسم مال كل واحد على ورثته الأحياء فقط.

فالمسألة الأولى من (8) للزوجة الثمن (1) وللبنت والابن الباقي تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين. والمسألة الثانية من (8) للزوجة الثمن، والباقي (7) للابن تعصيباً. والمسألة الثالثة من (6) للبنت النصف (3) ولبنت الابن السدس (1) والباقي (2) للعم تعصيباً .. وهكذا.

14 - ميراث أهل الملل

14 - ميراث أهل الملل - أهل الملل: الكفار ملل شتى: فاليهود ملة .. والنصارى ملة .. والمجوس ملة .. وهكذا. - ميراث أهل الملل: لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم؛ لاختلاف دينهما، والكفار يرث بعضهم بعضاً مع اتفاق أديانهم لا مع اختلافها. فيتوارث اليهود فيما بينهم، والنصارى فيما بينهم، والمجوس فيما بينهم، وبقية الملل فيما بينهم، ولا يرث اليهودي النصراني؛ لاختلاف الملة وهكذا بقية الملل .. عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (¬1). - ميراث المرتد: المرتد عن دين الإسلام كافر لا يرث من غيره، ولا يرثه غيره من المسلمين، فيكون ماله إذا مات لبيت مال المسلمين. - ميراث من لا يُعلم أبوه: ابن الزنا، وابن الملاعنة، لا توارث بينهما وبين أبويهما؛ لانتفاء النسب ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

الشرعي بينهما، وإنما يكون التوارث بينهما وبين أمَّيهما فقط وقرابتها؛ لأن نسبه من جهة الأب منقطع، فلا يرث به، ونسبه من جهة الأم ثابت، فنسبه لأمه قطعاً. فيرث ابن الزنا من أمه وقرابتها، وترث منه أمه وإخوته من أمه، وابن الملاعنة كذلك. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأتِهِ، فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَألحَقَ الوَلَدَ بِالمَرْأةِ. متفق عليه (¬1). - الأمثلة: 1 - توفي شخص عن (أم وابن غير شرعي) التركة للأم فرضاً ورداً، ولا شيء للابن. 2 - توفي ابن زنا أو ابن ملاعنة عن (أمه، وأبيها، وأخيها) التركة كلها لأمه، ولا شيء للأب والأخ، لأنهما من ذوي الأرحام. - اللقيط: ميراثه إن لم يُخلِّف وارثاً لبيت مال المسلمين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5315) , واللفظ له، ومسلم برقم (1494).

15 - ميراث القاتل

15 - ميراث القاتل - حكم ميراث القاتل: القاتل له حالتان: الأولى: من قتل مورِّثه بغير حق لم يرثه. والقتل بغير حق: هو المضمون بقود، أو دية، أو كفارة كالعمد، وشبه العمد، والخطأ وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب، وقتل الصبي، والنائم، والمجنون. فالقاتل عمداً لا يرث؛ لأنه استعجل الميراث، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه. وإن كان القتل غير عمد، فَمَنْعه من الإرث سداً للذرائع، صيانة للدماء؛ لئلا يكون الطمع سبباً لسفكها. الثانية: إذا كان القتل دفاعاً عن النفس، أو كان قصاصاً، أو حداً ونحو ذلك، فهذا لا يمنع الإرث.

16 - ميراث المرأة

16 - ميراث المرأة - أحوال ميراث المرأة: أكرم الإسلام المرأة، وأعطاها ما يناسب حالها من الميراث كما يلي: 1 - تارة تأخذ مثل نصيب الذكر كما في الإخوة لأم والأخوات لأم إذا اجتمعوا ورثوا بالسوية الذكر كالأنثى. 2 - تارة يكون نصيبها مثل الرجل، أو أقل منه كما في الأم مع الأب. إن كان معهما أولاد ذكور، أو ذكور وإناث، فلكل من الأب والأم السدس. وإن كان معهما أولاد إناث فللأم السدس، وللأب السدس والباقي إن لم يكن عصبة. 3 - تارة تأخذ المرأة نصف ما يأخذ الرجل، وهذا هو الأغلب. فالمرأة تناصف الرجل في خمسة أشياء: الميراث .. والشهادة .. والدية .. والعقيقة .. والعتق. قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} [النساء:7]. - حكمة إعطاء الذكر من الميراث أكثر من الأنثى: الإسلام يُلزِم الرجل بأعباء ونفقات مالية لا تُلزَم بمثلها المرأة كالمهر، والسكن، والنفقات على الزوجة والأولاد، والديات في العاقلة ونحو ذلك. أما المرأة فليس عليها شيء من ذلك، لا النفقة على نفسها، ولا النفقة على زوجها، ولا النفقة على أولادها.

وبذلك أكرمها الإسلام حين طرح عنها تلك الأعباء، وألقاها على الرجل. ثم أعطاها نصف ما يأخذ الرجل، فمالها يزداد، ومال الرجل ينقص بالنفقة عليه وعلى زوجته وأولاده. فهذا هو العدل والإنصاف بين الجنسين، وما ربك بظلام للعبيد، والله عليم حكيم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90].

17 - التخارج من الميراث

17 - التخارج من الميراث - التخارج: هو أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث مقابل شيء معلوم من التركة أو من غيرها. وهذا التصرف جائر عند التراضي. - كيفية قسمة التركة عند التخارج: قسمة التركة عند التخارج لها صور كما يلي: 1 - أن يَخرج أحد الورثة عن نصيبه لآخر مقابل شيء يأخذه من مال الوارث الخاص، فيحل الثاني محل الأول في نصيبه من التركة. المثال: (زوج، وأخوان شقيقان) أخرج أحد الشقيقين الزوج من نصيبه بمال دفعه إليه من ماله الخاص. المسألة من أربعة: للزوج النصف (2) والباقي للأخوين (2) فيضم نصيب الزوج (2) إلى نصيب الأخ (1) فيكون له (3) وهكذا .. 2 - أن يَخرج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة مقابل مال من غير التركة، يدفعونه إليه بنسبة أنصبائهم، فتكون التركة لبقية الورثة، ويجعل المخرج غير وارث. 3 - أن يَخرج أحد الورثة مقابل مال يدفعه إليه الورثة من غير التركة بالتساوي، فتقسم الحصة المصالَح عليها بالتساوي. المثال: (زوج، ابن، بنت) فإذا أخرج الابن والبنت الزوج بمبلغ من المال مناصفة، استحقا نصيب الزوج وهو الربع مناصفة. 4 - أن يَخرج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة مقابل مال يدفعونه إليه من التركة، فتقسم حصة الخارج على الورثة حسب نسبة أنصبائهم وهكذا.

الباب الخامس عشر كتاب نواقض الإسلام

الباب الخامس عشر كتاب نواقض الإسلام ويشتمل على ما يلي: 1 - الكفر. 2 - الشرك. 3 - النفاق. 4 - الردة. 5 - البدعة.

1 - الكفر

1 - الكفر - أصول نواقض الإسلام: نواقض الإسلام كثيرة ويجمعها خمسة: الأول: الكفر .. ويزول بالإسلام. الثاني: الشرك .. ويزول بالتوحيد. الثالث: النفاق .. ويزول بالإيمان. الرابع: الردة .. وتزول بالتوبة. الخامس: البدعة .. وتزول بالسنة. وإليك تفصيل هذه النواقض .. - الكفر: هو إنكار الخالق سبحانه. - الفرق بين الكفر والشرك: الإسلام والإيمان .. والنبي والرسول .. والكفر والشرك. هذه ألفاظ مترادفة، يطلق كل واحد منهما على الآخر إذا انفرد، وإذا اجتمعا في جملة صار لكل واحد معنى خاصاً به. وقد أطلق الله الكفر على الشرك وعكسه في عامة آيات القرآن. وإذا اجتمع الكفر والشرك في آية أو جملة، فالمراد بالكفر: جحود الخالق سبحانه، وهو أعم وأعظم من الشرك. والمراد بالشرك: جَعْل شريك لله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته.

1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البيِّنة: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)} [المُلك: 6]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. - أركان الكفر: أركان الكفر أربعة: الكبر .. والحسد .. والغضب .. والشهوة. فالكبر يمنع الإنسان من الانقياد للحق. والحسد يمنعه من قبول النصيحة وبذلها. والغضب يمنعه من العدل. والشهوة تمنعه من التفرغ للعبادة. فإذا انهدم ركن الكبر سهل على الإنسان الانقياد للحق .. وإذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله .. وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع .. وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والتفرغ للعبادة. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ

عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء: 54 - 55]. 3 - وقال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59]. - أقسام الكفر: الكفر قسمان: القسم الأول: كفر أكبر مخرج من الملة، وهو خمسة أقسام: 1 - كفر التكذيب: قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)} [العنكبوت: 68]. 2 - كفر الإباء والاستكبار مع التصديق: قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34]. 3 - كفر الظن والشك: قال الله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)} [الكهف: 35 - 38]. 4 - كفر الإعراض: قال الله تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)} [الأحقاف: 3].

5 - كفر النفاق: 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 3]. القسم الثاني: كفر أصغر لا يخرج من الملة، وهو الكفر العملي كالذنوب التي سميت في القرآن والسنة كفراً وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر. مثل كفر النعمة، والحلف بغير الله، وقتال المسلم ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} [النحل: 112]. 2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ وَالكَعْبَةِ، فَقَالََ ابْنُ عُمَرَ: لاَ يُحْلَفُ بغَيْرِ اللهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). وقد جعل الله مرتكب الكبيرة مؤمناً، وجعلهم إخوة جميعاً، فقال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحُجُرات: 9 - 10]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (48) , ومسلم برقم (64). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3251) , وأخرجه الترمذي برقم (1535)، وهذا لفظه.

- الفرق بين الكفر الأكبر والأصغر: 1 - الكفر الأكبر يخرج من الملة .. ويحبط الأعمال .. وصاحبه مخلد في النار .. مباح الدم والمال .. ولا يجوز للمؤمن محبته وموالاته. 2 - والكفر الأصغر لا يخرج من الملة .. ولا يحبط الأعمال .. لكن ينقصها بحسبه .. ويعرِّض صاحبها للوعيد .. ولا يخلد صاحبه في النار فيعذب ثم يخرج منها .. وقد يتوب الله عليه فلا يدخله النار أصلاً. والكفر الأصغر لا يبيح الدم والمال .. ولا يمنع الموالاة مطلقاً. فيوالى بقدر ما فيه من الإيمان .. ويُبغض بقدر ما فيه من العصيان. - أسباب الكفر: للكفر أسباب كثيرة أهمها: 1 - الجهل والضلال، وتقليد الأسلاف، وهذا كُفْر أكثر الأتباع والعوام. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} [الجاثية: 24]. 2 - الجحود والعناد، والحسد والكبر. وأغلب ما يقع هذا النوع فيمن له رئاسة علمية في قومه كالأحبار، والرهبان، من اليهود والنصارى. أو له رئاسة سلطانية كفرعون وكسرى وقيصر، أوله تجارة في قومه كقارون. فيخاف هذا على ماله .. وهذا على سلطانه .. وهذا على مكانته .. فيؤْثِر الكفر

على الإيمان عمداً. 1 - قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)} [البقرة: 89]. 2 - وقال الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)} [يونس: 75]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. 4 - وقال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)} [النمل: 14]. 3 - الإعراض المحض عن الحق، فلا ينظر فيه، ولا يحبه، ولا يبغضه، ولا يواليه، ولا يعاديه؛ لأن قلبه متعلق بغيره. كمحبة المال والشهوات، ومحبة الدار والوطن، والأهل والعشيرة والعادة. 1 - قال الله تعالى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)} [الأحقاف: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)} [لقمان: 21]. - جزاء الكفار: كل كافر يعيش في الدنيا في ظلمة وحيرة، وقلق وظنك، وشقاء ونكد؛ لأنه حُرِم نور الإيمان، وضل عن الصراط المستقيم.

قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} [إبراهيم: 1]. والكفار في النار متفاوتون في العذاب بحسب غلظ كفرهم. وغلظ الكفر الموجب للعذاب ثلاث درجات: الأولى: من جحد وجود رب العالمين بالكلية، وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له، وهؤلاء هم الدهرية الذين جحدوا الرب، وإمامهم فرعون. وهذا أغلظ أنواع الكفر، وعذابه أشد العذاب يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} [الجاثية: 24]. 2 - وقال الله تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45 - 46]. الثانية: من كفر عناداً عمداً على بصيرة. مثل من شهد قلبه أن الرسول حق لِمَا رآه من آيات صدقه، ثم كفر عناداً وبغياً كالمنافقين وأمثالهم. 1 - قال الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)} [آل عمران: 86 - 88]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ

نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. الثالثة: مَنْ سعى من الكفار في إطفاء نور الله، وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرته. قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88]. فهؤلاء أشد الكفار عذاباً يوم القيامة، وعذابهم بحسب غلظ كفرهم وعنادهم وأذاهم. الرابعة: مَنْ دون هؤلاء في الكفر من جهلة الكفار وعامتهم الذين لم يغلظ كفرهم، ولم يؤذوا المسلمين، فهؤلاء مع أولئك في النار، لكن عذابهم أقل منهم. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أدْنَى أهْلِ النَّارِ عَذَاباً، يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ». أخرجه مسلم (¬1). - طبيعة النفوس: الإنسان إذا طابت نفسه اختار التوحيد، والإيمان، والطاعات، والخير. وإذا خبثت نفسه اختار الكفر، والشرك، والمعاصي، والشر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (211).

وشياطين الإنس والجن، وإبليس وجنوده يختارون الكفر، والشرك، والشر، والمعاصي، ويلتذون بذلك، ويطلبونه، ويحرصون عليه؛ لخبث أنفسهم، وإن كان موجباً للعذاب. والإنسان إذا فسد مزاجه اشتهى ما يضره، وتلذذ به، وعشقه عشقاً يفسد عليه عقله، ودينه، وخلقه، وبدنه، وماله. والشيطان عدو خبيث، فمن تقرب إليه بما يحب من الكفر والشرك قضى له بعض حوائجه. - نواقض الإسلام: نواقض الإسلام كثيرة، ويمكن حصرها في عشرة نواقض: الأول: الشرك بالله. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم الشفاعة، فهو كافر. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)} [الزُّمَر: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18].

الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، فهو كافر. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256]. الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه فهو كافر. 1 - قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو عمل به كَفَر. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد: 8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد: 28]. السادس: من استهزأ بشيء مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ثوابه، أو عقابه، كَفَر. 1 - قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ

أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140]. السابع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. الثامن: الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه، ولا يعمل به. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)} [السجدة: 22]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف: 179]. التاسع: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم على المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51].

2 - وقال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران: 28]. العاشر: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كَفَر. 1 - قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة: 102]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69]. هذه أعظم نواقض الإسلام، وهي أخطر ما يكون، وأكثر ما يكون وقوعاً. ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف إلا المكره، والإكراه يكون بالقول أو الفعل. قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106]. - حكم التكفير: من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كإبليس وفرعون وأمثالهما.

فإن عمل بالتوحيد ظاهراً وهو لا يعتقده بقلبه، فهو منافق، والمنافق شر من الكافر الخالص. وليس كل من فعل مكفراً يُحكم بكفره، لأنه لا بد أن تثبت شروط التكفير في حقه، وتنتفي موانعه. فمن كفَّره الله ورسوله، وقامت عليه الحجة، فهو كافر، ومن لا فلا. فقد يكون حديث عهد بالإسلام، وقد يفعل المكفر ولا يعلم أنه مكفر، وقد ينكر شيئاً متأولاً، فإذا بُيِّن له رجع. فالواجب أن يكون القصد بيان الحق، وإزهاق الباطل، مع العدل والإنصاف، والدعاء والرحمة، ليكون الدين كله لله. فنفرق بين تكفير الفعل، وتكفير الفاعل. فنقول من فعل كذا فهو كافر، ومن قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله أو فعله لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة بكفره، ومن لا فلا. فالمؤمن إذا كان يخاف الله، لكنه شك في قدرة الله على بعثه إذا ذري بسبب جهله فالله يغفر له، مع أنه اعتقد ما يكفر به. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي البَحْرِ، فَوَاللهِ! لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَداً قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3481) , ومسلم برقم (2756)، واللفظ له.

2 - الشرك

2 - الشرك - الشرك: هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو فيهما معاً. - أساس الشرك: أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها هو التعلق بغير الله تعالى. ومن تعلق بغير الله وَكَله الله إلى ما تعلق به، وعذبه به، وخذله من جهة ما تعلق به، وصار مذموماً لا حامد له، مخذولاً لا ناصر له. قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء: 22]. - قبائح الشرك: ذكر الله عز وجل في كتابه أربع قبائح للشرك في أربع آيات: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء: 116]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} [الحج: 31].

- الفرق بين الشرك والكفر: الشرك والكفر إذا افترقا فهما بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى. وإذا اجتمعا في آية، أو حديث، أو جملة: فالمراد بالكفر: جحود الخالق سبحانه. والمراد بالشرك: جعل شريك لله من مخلوقاته، وإشراكه معه في الخلق أو العبادة، أو فيهما معاً. فالكفر كله هضم للربوبية .. والشرك كله تنقص للألوهية. وهذا وهذا أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأخطر الأعمال. - أقسام الشرك: الشرك قسمان: القسم الأول: شرك يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله. وهو نوعان: أحدها: شرك التعطيل، وهو جحد الرب، وهو أقبح أنواع الشرك كقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} [الشعراء: 23]. الثاني: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر، كقول النصارى إن الله ثالث ثلاثة، وشرك عبّاد الأصنام والكواكب الذين جعلوها مع الله إلهاً آخر. 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} [المائدة: 73]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا

لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فُصِّلَت: 37]. القسم الثاني: الشرك في العبادة. وهذا الشرك دون الأول، فإنه يصدر ممن يعتقد أن لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولكنه لا يخلص لله في معاملته وعبادته، وهذا حال أكثر الناس كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106]. والشرك في العبادة قسمان: شرك أكبر .. وشرك أصغر. 1 - فالشرك الأكبر: هو صرف العبادة أو بعضها لغير الله. كدعاء غير الله .. والذبح لغير الله .. والنذر لغير الله .. من الجن والشياطين، وأهل القبور وغيرهم. وكدعاء غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال غير الله الغنى والشفاء، ونزول الغيث، وتفريج الكربات ونحو ذلك مما يقوله الجاهلون عند قبور الأولياء والصالحين، أو عند الأصنام من أشجار وأحجار. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76]. 2 - وَعَن ابْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ». قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قَالَ:

قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» متفق عليه (¬1). والشرك الأكبر أنواع: الأول: شرك الخوف: وهو أن يخاف غير الله من وثن، أو صنم، أو طاغوت، أو ميت، أو غائب من جن أو إنس، أن يضره أو يصيبه بما يكره. وهذا الخوف من أجلّ مقامات الدين وأعظمها، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأكبر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران: 175]. الثاني: الشرك في التوكل: وهو التوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. والتوكل على الله في كل شيء من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده، فمن توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالتوكل على الموتى، والغائبين ونحوهم في دفع المضار، وتحصيل المنافع، وجلب الأرزاق، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر. قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة: 23]. الثالث: الشرك في المحبة: وهو أن يحب أحداً كحب الله، فمحبة الله تستلزم كمال الذل والتعظيم لله، وهذه المحبة خالصة لله وحده، ولا يجوز أن يشرك معه فيها غيره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) واللفظ له, ومسلم برقم (86).

فمن أحب شيئاً من دون الله كحب الله فقد جعل لله شريكاً في الحب والتعظيم. قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} [البقرة: 165]. الرابع: الشرك في الطاعة: وهو أن يجعل لله شريكاً في الطاعة من العلماء، والأمراء، والرؤساء، والحكام، ويطيعهم في التشريع والتحليل والتحريم كما يطيع الله. قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31]. الخامس: شرك الدعوة: وهو أن يدعو مع الله غيره كدعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت: 65]. السادس: شرك النية والإرادة والقصد: وهو أن ينوي بعمله غير وجه الله. فمن أراد بأعماله غير وجه الله، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك بالله في نيته وإرادته. والشرك بالله في النيات والإرادات بحر لا ساحل له، وقلّ من يسلم منه، وقد وقع فيه أكثر الخلق كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].

ويتبع هذا الشرك، الشرك في الأقوال والأعمال. فالشرك بالله في الأقوال كالحلف بغير الله على وجه التعظيم له. والشرك بالله في الأعمال كالسجود لغير الله، والسجود للقبور، والطواف عليها، والطواف بغير بيته العتيق ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود: 15 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أما الشرك الأصغر: فهو ما سماه الله ورسوله شركاً ولم يصل إلى الشرك الأكبر، ينقص التوحيد، ولا يخرج من الملة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر. والشرك الأصغر نوعان: الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح، وهو أقوال وأفعال. فالأقوال كالحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، أو توكلت على الله وعليك، أو لولا الله وفلان، أو هذا من بركات الله وبركاتك. والصواب أن يقال: لولا الله ثم فلان .. وهكذا. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2985).

أما الأفعال فكلبس الحلق والخيط لرفع البلاء، وتعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها. فمن اعتقد أن هذه أسباب ترفع البلاء أو تدفعه فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسباباً. ومن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر؛ لأنه تعلق بغير الله. 1 - قال الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)} [الأعراف: 191 - 192]. 2 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثمَّ شَاءَ فُلاَنٌ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). الثاني: شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة، وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فمن نقصت محبته لله أحب غيره، إذ لو كملت محبته لم يحب سواه. كأن يعمل عملاً يريد به ثناء الناس عليه، كأن يحسن صلاته، أو يتصدق، أو يصوم، أو يذكر الله، لأجل أن يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، وهذا بحر لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه، وهو إذا خالط العمل أبطله. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2354) , وأخرجه أبو داود برقم (4980)، وهذا لفظه.

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - أقسام الشرك الخفي: الشرك الخفي قسمان: 1 - شرك خفي أكبر، كالنفاق الأكبر، وهو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله كالخلق والعبادة ونحوهما. 2 - شرك خفي أصغر، وهو مراتب متفاوتة يعلمها علام الغيوب، فالأول مخلد في النار .. والثاني على خطر عظيم، لكنه تحت المشيئة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. - حكم الشرك الأكبر: الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة. وصاحبه مخلد في النار .. وهو محبط لجميع الأعمال .. مبيح للدم والمال. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2985).

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65]. - حكم الشرك الأصغر: الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد، ولا يخلد صاحبه في النار، بل يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يتوب الله عليه فلا يدخل النار. والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط العمل الذي خالطه. ولا يبيح الدم والمال كالأكبر، وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين، وقد يكون الأصغر أكبراً بحسب ما يقوم في قلب صاحبه، فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً. - خطر الشرك: 1 - الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله الخاص به وهو التوحيد. فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم، وأقبح القبائح؛ لأنه تنقص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13].

3 - الشرك الأكبر مخرج من الملة، محبط لجميع الأعمال، مبيح للدم والمال .. موجب للهلاك والخسران، وهو أكبر الكبائر، وصاحبه محروم من الجنة، مخلد في النار، وكفى بذلك خيبة وخسارة وهلاكاً. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , ومسلم برقم (20)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87).

- حكم الطاغوت: الطاغوت: هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع. فالمعبود كالأصنام والأوثان .. والمتبوع كالكهان وعلماء السوء .. والمطاع كالرؤساء والأمراء الخارجين عن طاعة الله. - معرفة الطواغيت: الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة: إبليس أعاذنا الله منه .. ومن عُبد وهو راض .. ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه .. ومن ادعى شيئاً من علم الغيب .. ومن حكم بغير ما أنزل الله. فيجب على المسلم اتباع ما أنزل الله، والكفر بالطاغوت. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18]. - أقوال وأفعال من الشرك أو من وسائله: كل ما ورد في القرآن من لفظ الشرك فالمراد به الشرك الأكبر. أما الأصغر فقد ورد في السنة الصحيحة.

وهناك أقوال وأفعال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه. وهي تنافي التوحيد، أو تعكِّر صفاءه، وقد حذر الشرع منها كلها. ومن تلك الأقوال والأفعال ما يلي: 1 - تعليق التمائم على الأولاد اتقاء للعين. والتمائم: كل ما يعلق على الأشخاص، أو الأشياء، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله عز وجل. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله. 3 - التبرك بالأشجار والأحجار والقبور والآثار ونحوها، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة. 4 - التطير: وهو التشاؤم ببعض الطيور، أو الأشخاص، أو البقاع، أو الأشياء ونحو ذلك، وذلك شرك؛ لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ عَدْوَىَ وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَة، الكَلِمَةُ الطّيّبَةُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3615) , وأخرجه أبو داود برقم (3883)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5756) , ومسلم برقم (2224)، واللفظ له.

5 - السحر: وهو ما خفي ولَطُف سببه. وهو عبارة عن رقى، وعزائم، وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض، أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه. والسحر كفر؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء علم الغيب. قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. 6 - الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع مستقبلاً في الأرض استناداً إلى الشياطين. والعَرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور التي وقعت وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به. فمن أتى الكاهن أو العراف لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -. 1 - عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ أَتَىَ عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -» أخرجه أحمد والحاكم (¬2). 7 - التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية بواسطة النجوم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2230). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) , وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

كأوقات هبوب الرياح .. ومجيء المطر .. وحدوث الأمراض .. والوفيات .. ومجيء الحر والبرد .. وتغير الأسعار ونحو ذلك. وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك لله في التدبير، وفي علم الغيب. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 8 - الاستسقاء بالنجوم: وهو نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو غروبه. كأن يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى الله. فهذا شرك، لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره. 1 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال: «أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأمَّا مَنْ قال: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2000) , وأخرجه أبو داود برقم (3905)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (846) , واللفظ له، ومسلم برقم (71). (¬3) أخرجه مسلم برقم (934).

9 - نسبة النعم إلى غير الله: فالنعم كلها من الله، ومن نسبها إلى غيره فهو مشرك. كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى السائق والملاح والطيار. أو ينسب نعمة حصول النعم، ودفع النقم، إلى جهود الحكومة، أو الأفراد، أو العَلم ونحو ذلك. فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده. وما يحصل على يد بعض المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر وقد لا تثمر، وقد تقع وقد لا تقع. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)} [النحل: 53 - 55]. 10 - الذبح لغير الله: كمن ذبح للجن، أو الشياطين، أو الأولياء ونحوهم. فهذا كله من الشرك؛ لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفها إلا لله. ومن ذبح لغير الله فذبيحته حرام؛ لأنها مما أُهل لغير الله به، ولأنها ذبيحة مرتد، فلا يجوز أكلها ولو سمى الله عليها. والعبد مأمور أن يكون كل عمله لله، كما قاله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. - حكم الإتيان إلى الكهان: الإتيان إلى الكهان وأمثالهم له ثلاث حالات:

الأولى: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، أو يستمع إليه من غير أن يصدقه عن طريق القنوات أو الأشرطة ونحوها. فهذا حرام، وعقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً. عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» أخرجه مسلم (¬1). الثانية: أن يأتي إليه ويسأله فيصدقه بما يقول. فهذا كفر والعياذ بالله. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -». أخرجه أحمد والحاكم (¬2). الثالثة: أن يأتي إليه فيسأله ليبين للناس حاله ليحذروه. فهذا لا بأس به كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن صياد. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهمُا أنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقال: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقال ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ». قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَاذَا تَرَى». قال ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ». قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً». قال ابْنُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2230). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». قال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أضْرِبْ عُنُقَهُ، قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ». متفق عليه (¬1). - فتنة السحرة والكهان: الإتيان إلى السحرة والعرافين والكهان من نواقض الإيمان. وقد ابتلى الله عز وجل العباد، فجعل عند هؤلاء الإصابة في بعض الأحيان، فيغتر الناس بإصابتهم، كل ذلك فتنة وابتلاءً للعباد. 1 - قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ، وَهُوَ السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ». متفق عليه (¬2). - حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين: الاستغاثة بالأموات والغائبين ودعاؤهم كله من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وهم من جنس عبّاد الأوثان، إنما يعبدون الشيطان. يتصور لهم الشيطان بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم، فيظن الجاهل أن ذلك كرامة للشيخ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3055) , واللفظ له، ومسلم برقم (2930). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3210) , واللفظ له، ومسلم برقم (2228).

وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان. وكذا الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر، والفسوق، والعصيان. فتظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويخبرون بأمور غائبة، وتأتيهم الشياطين بالأموال والطعام. فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف: 5 - 6]. 2 - وقال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)} [الشعراء: 221 - 223]. - معبود المشركين: المشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح .. وقوم إبراهيم. فقوم نوح - صلى الله عليه وسلم - كان أصل شركهم أرضي بالعكوف على قبور الصالحين، ودعاء الله عندها، ثم زين لهم الشيطان فصوروا تماثيلهم، ثم أمرهم بعبادتها. وقوم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان أصل شركهم سماوي بعبادة الكواكب، والشمس، والقمر، فزين لهم الشيطان اتخاذها شفعاء عند الله، ثم أمرهم بعبادتها. فكل هؤلاء وهؤلاء .. وكل مشرك .. إنما يعبدون الجن والشياطين، وهم لا

يُرون في صورة مخلوق يُرى. فإن الشياطين تخاطبهم .. وتعينهم على الأشياء .. وتتصور لهم بصورة الآدميين فيرونهم بأعينهم. والجن كالإنس فيهم المؤمن والكافر، والشياطين يوالون وينفعون مَنْ فعل ما يحبون من الشرك، والكفر، والفسوق، والعصيان. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} [سبأ: 40 - 41]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} [يس: 60 - 62]. - حكم اتخاذ الوسائط بين الله وخلقه: تستخدم الوسائط بين الملوك والناس على ثلاثة وجوه: الأول: إما لإخبارهم بما لا يعرفونه من أحوال الناس. والله عز وجل ليس مثلهم؛ لأنه سميع بصير يعلم كل شيء، فلا يحتاج لأحد. الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه، فلضعفه وعجزه يتخذ أنصاراً يعينونه. والله سبحانه هو الغني القوي، وكل ما سواه فقير إليه، فلا يحتاج لأحد من الخلق يعينه.

الثالث: أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته إلا بمحرك يحركه، فإذا خاطبه سادة رعيته تحركت همته لنفع رعيته، وقَبِل شفاعتهم لحاجته إليهم، أو خوفه منهم، أو لإحسانهم إليه. والله عز وجل لا يرجو أحداً ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد؛ بل هو الغني سبحانه، رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يحتاج ربنا إلى من يعلِّمه؛ لأنه العليم بكل شيء .. ولا يحتاج إلى من يعينه؛ لأنه القادر على كل شيء .. ولا يحتاج من يشفع عنده ليحسن إلى خلقه؛ لأنه الغني الكريم الرحيم. فمن اتخذ الوسائط من الأصنام والأوثان وغيرها بين الله وخلقه فهو مشرك. 1 - قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} [الأحقاف: 4]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} [سبأ: 22 - 23]. - بطلان الشرك: الكفر والشرك هو الباطل كله، وهو أظلم الظلم، ولا يبقى على الكفر

والشرك إلا جاهل بنفسه، وجاهل بالله وأسمائه وصفاته، وجاهل بدينه وشرعه. فالتوحيد هو الحق كله .. والشرك هو الباطل كله. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 13 - 14]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} [فاطر: 40]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)} [الفرقان: 3]. 4 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان: 30]. - حكم إبقاء مواطن الشرك: يجب على المسلمين إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونشر التوحيد، وإزالة الشرك، وإظهار معالم الدين وسننه، والقضاء على مظاهر الشرك ومواطنه. ولا يجوز للمسلمين إبقاء مواطن الشرك والأصنام ولا يوماً واحداً متى قدروا على إبطالها وإزالتها. وقد أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسل والسرايا لتكسير الأصنام وهدمها، وكل ما يعبد

من دون الله، ليكون الدين كله لله؛ بل كسر الأصنام التي في الكعبة بنفسه - صلى الله عليه وسلم -. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}». متفق عليه (¬1). - حكم موافقة المشركين: إظهار الموافقة للمشركين لها ثلاث حالات: الأولى: أن يوافقهم المسلم في الظاهر والباطن. فهذا كافر، سواء كان مكرهاً أو مختاراً. الثانية: أن يوافقهم في الباطن، ويخالفهم في الظاهر. فهذا مناق أشد من الكافر. الثالثة: أن يوافقهم في الظاهر دون الباطن. وهذا له حالتان: الأولى: أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم إذا ضربوه وهددوه بالقتل. فهذا يجوز له موافقتهم في الظاهر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان. الثانية: أن يفعل ذلك وهو ليس في سلطانهم، وإنما حمله على ذلك الطمع في مال، أو رئاسة، أو وطن ونحو ذلك. فهذا مرتد قد بدل نعمة الله كفراً. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2478) , واللفظ له، ومسلم برقم (1781).

بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29]. - أحكام المشرك: للمشرك أحكام في الدنيا والآخرة. 1 - أحكام المشرك في الدنيا: 1 - المشرك لا يُقبل منه أي عمل مع الشرك. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65]. 2 - المشرك لا تحل مناكحته. قال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221]. 3 - المشرك حلال الدم والمال. قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5]. 4 - المشرك نجس لا يحل له دخول المسجد الحرام. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة: 28]. 5 - المشرك لا يرث المسلم وعكسه. عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (¬1). 6 - تحرم ذكاة المشرك، وتسقط ولايته، ويسقط حقه في الحضانة؛ لأنه كافر. 7 - إذا مات المشرك على الشرك فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث؛ لأنه كافر. 2 - أحكام المشرك في الآخرة: 1 - إذا مات المشرك على الشرك فإن الله لا يغفر له. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - إذا مات المشرك على الشرك فإنها تحرم عليه الجنة تحريماً مؤبداً. قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. 3 - إذا مات المشرك على الشرك فمأواه جهنم خالداً فيها أبداً. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة: 161 - 162]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدّاً دَخَلَ النَّارَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4497) , واللفظ له، ومسلم برقم (92).

3 - النفاق

3 - النفاق - النفاق: هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر. سمي بذلك؛ لأنه يدخل في الإسلام من باب، ويخرج من باب آخر. قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)} [المائدة: 61]. - خطر النفاق: النفاق أشد وأخطر من الكفر، وأهله في الدرك الأسفل من النار؛ لعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله. فهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أشد أعدائه. 1 - قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 3 - وقال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67].

1 - أنواع النفاق: النفاق نوعان: الأول: النفاق الأكبر: وهو أن يظهر الإنسان الإسلام، ويبطن الكفر، ويسمى النفاق الاعتقادي، وكل نفاق ذكر في القرآن فهو من هذا النوع. وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم خارجون من ملة الإسلام، وقد وصف الله أهله بصفات الشر كلها: من الكفر بالله .. وعدم الإيمان .. والاستهزاء بالدين وأهله .. والسخرية بهم .. والصد عن سبيل الله .. وعداوة المؤمنين .. والكيد لهم .. وتفريق صفوفهم .. وتمزيق وحدتهم. 1 - قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} [التوبة: 65 - 66]. - أنواع النفاق الأكبر: النفاق الاعتقادي ثمانية أنواع: 1 - تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

2 - تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 3 - بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 4 - بغض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 5 - كراهية انتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 6 - المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 7 - عدم اعتقاد وجوب تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به. 8 - عدم اعتقاد وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر به. وغير ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة على أنه من النفاق الأكبر المخرج من ملة الإسلام، الذي لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله. فهذه الأنواع الثمانية ونحوها مما ورد في القرآن والسنة، صاحبها في الدرك الأسفل من النار. - من صفات المنافقين في القرآن: 1 - قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} [البقرة: 13 - 15]. 3 - وقال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا

يَعْمَلُونَ (2)} [المنافقون: 2]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} [المنافقون: 4]. 5 - وقال الله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)} [التوبة: 50]. 6 - وقال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة: 54]. 7 - وقال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)} [التوبة: 58]. 8 - وقال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)} [التوبة: 64]. 9 - وقال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)} [التوبة: 62]. 10 - وقال الله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74]. 11 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} [التوبة: 79].

12 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)} [التوبة: 86]. 13 - وقال الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} [البقرة: 9 - 10]. الثاني: النفاق الأصغر: وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، ويسمى النفاق العملي، وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا النفاق الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، فصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا أكثر صار بسببه منافقاً خالصاً. - أصول النفاق الأصغر: أصول النفاق العملي خمسة: إذا حدث كذب .. وإذا عاهد غدر .. وإذا وعد أخلف .. وإذا خاصم فجر .. وإذا اؤتمن خان. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33) , ومسلم برقم (59). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) , واللفظ له، ومسلم برقم (58).

3 - الفرق بين النفاق الأكبر والأصغر: أهم الفروق بين النفاق الأكبر والأصغر: 1 - النفاق الأكبر يخرج من الملة، والنفاق الأصغر لا يخرج من الملة. 2 - النفاق الأكبر صاحبه مخلد في النار، وصاحب النفاق الأصغر لا يخلد في النار. 3 - النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، والنفاق الأصغر قد يصدر من المؤمن. 4 - النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في النية، والنفاق الأصغر اختلاف السر والعلانية في العمل. 5 - النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، والنفاق الأصغر قد يتوب صاحبه فيتوب الله عليه. 4 - وجود المنافقين: المنافقون موجودون في كل زمان ومكان. ويكثر عددهم، ويزداد ظهورهم عندما تظهر قوة الإسلام، ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، فيظهرون الدخول فيه، لأجل مقاومته والكيد له في الباطن، وتمزيق وحدة أهله. وكذلك يُظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر ليعيشوا مع المسلمين، ويأمنوا على دمائهم وأموالهم. وهم يَظهرون في كل زمان ومكان بثياب مختلفة من الرؤساء، والأمراء، والعلماء، والعبّاد، والتجار، والأطباء وغيرهم. ولعظيم خطرهم وضررهم هتك الله أستارهم، وكشف أسرارهم في القرآن

الكريم، وجلى لعباده صفاتهم وأعمالهم؛ ليحذروهم، ويكونوا على بينة من أمرهم، فهم أشد الأعداء خطراً، وأعظمهم مكراً وكيداً، وأكثرهم تلبيساً وخداعاً. يظهرون ويختفون .. ويكثرون ويقلون .. والله عليم بما يعملون. قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)} [محمد: 30]. 5 - حكم المنافقين: 1 - المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر. في الدنيا: لهم أحكام المسلمين. وفي الآخرة: جميع أعمالهم باطلة، وهم في الدرك الأسفل من النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} [محمد: 28]. 2 - أما أهل النفاق الأصغر. فمن تاب في الدنيا تاب الله عليه، ومن لم يتب فحكمه حكم أهل الكبائر وعصاة الموحدين، يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يعفو الله عنه فلا يدخله النار.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 6 - عقوبة المنافقين: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 3 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء: 138 - 139]. 4 - وقال الله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} [الفتح: 6].

4 - الردة

4 - الردة - الردة: هي الكفر بعد الإسلام. والمرتد: هو من كفر بعد إسلامه طوعاً. - أقسام الردة: نواقض الإسلام هي الموجبة للردة، والناقض إما قول، أو عمل، أو اعتقاد، أو شك. والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام على النحو التالي: 1 - الردة بالاعتقاد: وتكون بما يلي: اعتقاد الشريك لله .. أو يعتقد بقلبه أن الله جل جلاله فقير أو ظالم .. أو يعتقد أنه لا رب ولا إله .. ولا بعث ولا حشر .. ولا جنة ولا نار .. ولا ثواب ولا عقاب. أو يعتقد بقلبه تكذيب الرسل .. أو جحد الكتب المنزلة. أو أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس بصادق .. أو أنه ليس بخاتم النبيين .. أو يبغض شيئاً من الدين ولو عمل به. أو يعتقد أنه يجوز أن يُدعى مع الله غيره من مَلَك، أو نبي، أو شجر، أو حجر، أو جن، أو غير ذلك مما زينه الشيطان لكثير من بني آدم. أو يعتقد أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله. أو يعتقد أن أركان الإسلام غير واجبة. أو يعتقد أن الكفر والشرك والنفاق والظلم جائز لمن فعله.

أو يعتقد أن الربا والزنا والخمر والفواحش جائزة. أو يعتقد أن الماء والخبز حرام ونحو ذلك مما ثبت قطعاً وجوبه .. أو حله .. أو حرمته .. ومثله لا يجهله. فهذا كله كفر وردة عن الإسلام، وهو أعظم أنواع الردة. فمن اعتقد شيئاً من ذلك فهو كافر مرتد، وأعماله كلها باطلة، ومصيره إلى النار إن مات ولم يتب. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} [محمد: 25]. 3 - وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]. 2 - الردة بالشك: وتكون بما يلي: الشك فيما سبق كله أو بعضه .. كمن شك في تحريم الشرك والظلم .. أو تحريم الربا والزنا والخمر .. أو وجوب الصلاة والزكاة .. أو إباحة الماء والخبز .. أو شك في صحة كتب الله .. أو شك في صدق رسله .. أو شك في دين الإسلام وصلاحيته لكل زمان. والشك أن يقول مثلاً: أنا لا أدري هل الله حق أم لا؟ .. ولا أعلم هل الرسول حق أم لا؟ .. ولا أعلم

هل البعث سيقع أم لا؟ .. ولا أدري هل الجنة والنار حق أم لا؟ ولا أدري هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين أم لا؟ أو يقول: أنا أشك في الصلاة هل هي واجبة أم لا؟ أو أنا أشك في الربا هل هو حرام أم لا؟ ونحو ذلك. فهذه الشكوك كلها كفر أكبر، وردة عن الإسلام. فمن شك في شيء من ذلك فهو كافر مرتد، وأعماله كلها باطلة، ومصيره إلى جهنم يوم القيامة إن مات ولم يتب. أما الوسوسة العارضة والخطرت فإنها لا تضر إذا دفعها المسلم، ولم يسكن إليها، ولم تستقر في قلبه. وعليه أن يستعيذ بالله .. وينتهي عما يدور في نفسه .. ويقول آمنت بالله ورسله. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)} [التوبة: 45]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أوْ يَعْمَلُوا بِهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2528) , ومسلم برقم (127)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3276) , واللفظ له، ومسلم برقم (134).

4 - وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ الأَْرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ» أخرجه أحمد ومسلم (¬1). 3 - الردة بالقول: وتكون بما يلي: سب الله .. أو سب رسله .. أو سب ملائكته .. أو سب كتبه .. أو دعاء غير الله .. أو الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .. أو ادعاء النبوة .. أو تصديق من يدعيها .. أو الاستهزاء بالدين أو بشيء منه .. أو سب الصحابة أو أحداً منهم. أو أنكر تحريم شيء من المحرمات الظاهرة كالربا والزنا والخمر ونحوها. أو أنكر وجوب شيء من الواجبات الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها ومثله لا يجهله، ونحو ذلك. فمن قال هذه المقالات وأمثالها فهو كافر مرتد عن الإسلام، وقد حبط عمله، ومصيره إلى النار إذا مات ولم يتب. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (8376) , وهذا لفظه، ومسلم برقم (134).

3 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)} [يونس: 17]. 4 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)} [الزُّمَر: 32]. 5 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]. 4 - الردة بالفعل: وتكون بما يلي: السجود للأصنام من الأشجار والأحجار وغيرها، والسجود على القبور .. والطواف عليها .. والذبح لغير الله .. والاستهانة بالمصحف .. والقعود عليه مستهيناً به .. والحكم بغير ما أنزل الله .. والسحر تعلمه وتعليمه .. ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .. والإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به .. واستباحة المحرمات .. وترك الصلاة ونحو ذلك. فمن فعل هذه الأمور وأمثالها فهو كافر مرتد عن الإسلام، وقد حبط عمله، ومصيره إلى النار إن مات ولم يتب. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51].

4 - وقال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. 5 - وَعَنْ جَابِر بن عَبدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (¬1). - أعظم أقسام الردة: الردة تكون بالقول .. وتكون بالفعل .. وتكون بالاعتقاد .. وتكون بالشك .. وأعظمها وأخطرها ما جمع هذه المراتب، وهو أشدها جرماً، وأعظمها عقوبة. فمن اعتقد أو زعم أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره من الأصنام ونحوها فهو كافر .. فإن نطق لسانه بذلك صار كافراً بالقول والعقيدة جميعاً .. فإن عبد غير الله صار كافراً بالقول والعمل والعقيدة جميعاً. ومن ذلك ما يفعله عباد القبور من دعاء الأموات، وطلب المدد منهم، وما يقوله جهلة المسلمين عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقولهم: يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله انصرنا على أعدائنا. وبعضهم ينادي من مكان بعيد في بلاده ويقول: يا رسول الله أغثني يا رسول الله مدد .. مدد. ورسول الله بشر لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فكيف يملك لغيره. فهذا كله من الشرك الاعتقادي، القولي، العملي، نسأل الله السلامة والعافية. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (82).

1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف: 188]. - ما يفعل بالمرتد: من ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل دعي إليه، ورُغِّب فيه، وعُرضت عليه التوبة لعله يتوب، فإن تاب فهو مسلم. وإن لم يتب، وأصر على كفره وردته، فإنه يقتل بالسيف كفراً لا حداً. 1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). - صفة توبة المرتد: من كانت ردته بجحد شيء من الدين فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، والتزامه جميع أحكام الإسلام. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3017). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7157) , واللفظ له، ومسلم برقم (1824) في الإمارة.

- أحكام المرتد: 1 - المرتد أغلظ كفراً من الكافر الأصلي؛ لأنه عرف الحق ثم تركه. 2 - الردة كفر مخرج من الملة، ومحبط للأعمال، وموجب للخلود في النار إن لم يتب قبل الموت. 3 - إذا قُتل المرتد أو مات ولم يتب فهو كافر لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له. 4 - يفرق بين المرتد وزوجته المسلمة؛ لأنها لا تحل لكافر، وإذا ارتدت الزوجة فارقها؛ لأن المسلم لا يمسك بِعِصَم الكوافر. وللمرتد مراجعة زوجته بعد التوبة ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة ولم يراجعها ملكت نفسها، فلا تحل له إلا برضاها بعقد ومهر جديدين. 5 - يُمنع المرتد من التصرف في ماله في مدة استتابته، فإن أسلم فهو له، وإن أصر على ردته فماله فيء يصرف في مصالح المسلمين. 6 - المرتد كافر لا يرث أقاربه المسلمين، وهم لا يرثونه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} [النساء: 137]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة: 84].

4 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221]. 5 - وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية قتل المرتد: الإسلام منهج كامل للحياة، ونظام شامل لكل ما يحتاجه البشر، موافق للفطرة والعقل، قائم على الدليل والبرهان، وهو أكبر النعم. ومن دخل فيه ثم ارتد عنه فقد انحط إلى أسفل الدركات، ورد ما رضيه الله لخلقه من الدين، وخان الله ورسوله، وكفر بنعمة الله، فيجب قتله؛ لأنه أنكر الحق، ورد الخير، الذي لا تستقيم الدنيا والآخرة إلا به. - صفات المرتد: الإنسان متى فعل ناقضاً من نواقض الإسلام .. أو بدل الشرع المجمع عليه .. أو حلل الحرام المجمع عليه .. أو حرم الحلال المجمع عليه .. أو حكم بغير ما أنزل الله .. فهو كافر مرتد ولو كان يقر بالشهادتين. فإن المنافقين يشهدون كذباً هذه الشهادة، ويصلون ويصومون، ومع ذلك فهم في الدرك الأسفل من النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) , ومسلم برقم (1614).

الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. - حكم التكفير: التكفير: هو الحكم على الإنسان بالكفر. والتكفير حق لله، فلا يجوز أن نكفر أحداً إلا من كفره الله ورسوله. ومن كَفَّرَنا فلا نكفره، فمن كذب على أحد، أو زنى بأهله، فليس له أن يكذب عليه، أو يزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله. وكذلك التكفير حق لله، فلا نكفِّر إلا من كفَّر الله ورسوله. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} [النساء: 94]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيُّمَا رَجُلٍ قال: لأخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أحَدُهُمَا». متفق عليه (¬1). - أنواع التكفير: التكفير له ثلاث صور: تكفير بالعموم .. وتكفير أوصاف .. وتكفير أشخاص. الأولى: تكفير العموم: وهو تكفير الناس كلهم عالمهم وجاهلهم، والمتأول منهم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6104) , واللفظ له، ومسلم برقم (60).

وغير المتأول، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم. وهذه من أكبر الكبائر، وهي طريقة أهل البدع والجهل بأحكام الله. الثانية: تكفير أوصاف: كقول أهل العلم: من سب الله ورسوله كفر .. ومن كذّب بالبعث كفر .. ومن ترك الصلاة كفر .. ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم كفر. فهذا الفعل كفر مخرج من الملة، والتكفير بالوصف المخرج من الملة مشروع، أما فاعله فلا يكفر حتى تتوفر الشروط، وتنتفي الموانع. فلا يلزم من كون الفعل كفراً أن يكون فاعله كافراً. الثالثة: تكفير الأشخاص: وهو تكفير الشخص الذي وقع في أمر مخرج من الإسلام. فهذا لا يكفر حتى تتوفر الشروط، وتنتفي الموانع. - شروط التكفير: يشترط للتكفير شرطان: الأول: أن يقوم الدليل على أن هذا العمل مما يكفر به صاحبه. الثاني: أن ينطبق الحكم على من فعل ذلك، بأن يكون عالماً بذلك، قاصداً له، مختاراً له. فإن قام به مانع من موانع التكفير كالجهل، أو الخطأ، أو الإكراه، أو التأويل المعتبر فلا يكفر. ولا يجوز أن نحكم على معين بالكفر إلا بعد قيام الحجة عليه، وإصراره على الكفر الذي وقع منه.

5 - البدعة

5 - البدعة - البدعة: هي كل ما أُحدث في الدين من غير دليل. فكل ما فعله الإنسان على سبيل القربة إلى الله مما لم يكن له أصل في الشرع فهو بدعة كالاحتفال بالمولد النبوي، والإسراء والمعراج ونحو ذلك. والبدع بريد الشرك، وأول ما دخل الشرك على الناس هو بسبب الغلو في الأنبياء والصالحين. - خطر البدع: البدعة هي الزيادة في الدين بعد كماله. ومن طبيعة البدعة بأنواعها التمدد والتفجر والانتشار. تنتقل من شخص إلى شخص، ومن جماعة إلى جماعة، ومن بلد إلى بلد، على سبيل العدوى والتقليد. وأكثر من يشيدها وينشرها علماء السوء القاصرة أفهامهم، والناقصة عقولهم وعلومهم وورعهم، مما يجعل العامة يغترون بهم، ويقتدون بفعلهم ولو كان باطلاً مردوداً. وباستمرار فعل هؤلاء العلماء للبدع يستقر في نفوس العامة فضلها أو فرضها، حتى تصبح ديناً يواظبون عليه، ويتقربون إلى الله به. تبدأ على سبيل الاستحسان، ثم تقود إلى ما هو شرمنها من الشرك. وأول من ابتدع بدعة المولد النبوي هم الفاطميون في مصر لما رأوا النصارى يعظمون مولد المسيح، ويجعلون لهم عيداً يعطلون به المتاجر

والأعمال، اقتدوا بهم فابتدعوا بدعة تعظيم المولد النبوي مضاهاة للنصارى. ثم اشتهرت وانتشرت بدعة المولد في البلدان بسبب الجهل والعدوى والتقليد الأعمى. وقد نشأ عن هذه البدعة ما هو شر منها من الغلو والإطراء والنياحة، وضرب الدفوف، وشرب الخمور، واختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك من الكبائر. وما أحدث قوم بدعة إلا رُفع مثلها من السنَّة. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} [الأنعام:144]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف:33]. 2 - أسباب ظهور البدع: 1 - الجهل بأحكام الدين: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)} [الأعراف: 179]. 2 - التشبه بالكفار: قال الله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ

مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)} [الأعراف: 138 - 139]. - وجوه اجتماع البدع والمعاصي: البدع من جملة المعاصي، فكلٌّ منهما منهي عنه، فكل بدعة معصية، وليس كل معصية بدعة. والبدع والمعاصي مؤْذِنة باندراس الشريعة، وذهاب السنة. فكلما قويت السنن ضعفت البدع والمعاصي، وكلما كثرت البدع والمعاصي ضعفت السنن ثم زالت. والبدع والمعاصي متفاوتة، فكما أن المعاصي تنقسم إلى ما يكفر به الإنسان وما لا يكفر به، وإلى كبائر وصغائر، فكذلك البدع مثلها. فهذه وجوه اجتماع البدعة والمعصية. - الفرق بين البدع والمعاصي: 1 - مستند النهي عن المعصية غالباً هو الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة، أما البدعة فمستند النهي عنها الأدلة العامة. 2 - المعصية مخالفة المشروع في الدين بترك مأمور، أو فعل محظور، أما البدعة فهي مضاهية للمشروع، تضاف إلى الدين وتُلحق به. 3 - المعصية جرم عظيم؛ لما فيها من عدم توقير الله، وتجاوز حدوده، بخلاف البدعة؛ فإن صاحبها يرى أنه موقِّر لله، معظم لدينه، ممتثل لأمره. 4 - صاحب المعصية يرى أنه مبتلى بها، مقر بمخالفته لحكم الله ورسوله. أما البدعة فهي جرم عظيم؛ لما فيها من مجاوزة حدود الله بالتشريع، ورمي الشرع بالنقص، وأنه يكمله بهذه البدع.

5 - صاحب المعصية يحدِّث نفسه دائماً بالتوبة من المعصية، وصاحب البدعة لا يحدث نفسه بالتوبة من البدعة، لكونه يرى عمله قربة إلى الله. فالبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها غالباً. 6 - جنس البدعة أعظم من جنس المعصية، ذلك أن فتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة العاصي في الشهوات. - الأصول الجامعة للابتداع: 1 - الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع. فمن تقرب إلى الله بما لم يشرعه الله ورسوله فقد ابتدع. 2 - الأصل الثاني: الخروج على حكم الله ورسوله. فمن أعطى غير شريعة الإسلام حق الانقياد والطاعة فقد ابتدع. 3 - الذرائع المفضية إلى البدع: فكل عمل ولو كان مشروعاً يفضي إلى الإحداث في الدين، فهو ملحق بالبدعة إن لم يكن بدعة، وكل ما أدى إلى الممنوع فهو ممنوع. وقد نهى الله عن سب آلهة المشركين مع كونه من مقتضيات الإيمان بالله؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يسبوا الله عَدْواً بغير علم كما قال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)} [الأنعام: 108]. وصلاة ركعتين قبل الجمعة جائز، لكن إن أدى هذا إلى اعتقاد العامة أنها سنة راتبة للجمعة قبلها، فهذا الاعتقاد بدعة، يجب التنبيه عليه، وعدم

المداومة على تلك الصلاة. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). - حكم سد الذرائع المفضية إلى البدع: ينبغي لأهل الإيمان -خاصة العلماء المقتدى بهم- سد الذرائع المفضية إلى البدع، وذلك بترك الأمور الجائزة أو المستحبة إذا ترتب على فعلها بدعة. كاعتقاد العوام ما ليس بفريضة فريضة .. وما ليس بسنة سنة .. وما ليس بمشروع أنه مشروع. وهذا فساد عظيم في جسد الدين وروحه. فظهور البدع ضرب من تبديل الشريعة، وخروج على أحكامها. ويعظم خطب البدع، ويشتد خطرها إذا نشأ عليها الصغار .. وتعلق بها الكبار .. وأسلم عليها الكفار .. وتعلمها أهل البادية .. وحملها الناس من بلد إلى بلد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , واللفظ له، ومسلم برقم (1718).

قواعد معرفة البدع جميع البدع سواء كانت قولاً، أو فعلاً، أو اعتقاداً، تندرج تحت ثلاث قواعد كلية هي: التقرب إلى الله بما لم يشرع .. والخروج على أحكام الدين .. والذرائع المفضية إلى البدع. 1 - فالتقرب إلى الله بعبادة لا بد فيه من أمرين: الأول: ثبوت أصل العبادة بدليل شرعي صحيح. الثاني: اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كيفيتها. فمخالفة الأصل الأول تحصل بما يلي: أن تستند العبادة إلى حديث مكذوب .. أو إلى قولِ مَنْ ليس قوله حجة .. أو تكون العبادة مخالفة للسنة .. أو مخالفة لعمل السلف .. أو مخالفة لقواعد الشريعة. 1 - كل عبادة مبنية على حديث مكذوب فهي بدعة؛ لأنها تشريع لم يأذن به الله. 2 - وكل عبادة تستند إلى الرأي المجرد والهوى فهي بدعة ضلالة. فالكتاب والسنة هما جهة العلم عن الله، ومعرفة أحكام الله وشرعه. فكل عبادة لا تستند إلى كتاب أو سنة فهي بدعة ضلالة. وما ابتدع عالم رباني قط، ولكن الناس استفتوا مَنْ ليس بعالم، فَضَلّ، وأضل، وهدم. عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

يَقُولُ: «إنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا». متفق عليه (¬1). وإذا ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئاً مع وجود المقتضي له، وانتفاء المانع، فَفِعْله بدعة، كالتلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة، والأذان للعيدين، وصلاة ركعتين عقب السعي بين الصفا والمروة. وَتَرْكُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فِعْل أمر من الأمور لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى: أن يتركه - صلى الله عليه وسلم - لعدم وجود المقتضي له كتركه قتال مانعي الزكاة، فهذا الترك لا يكون سنة. الثانية: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له لقيام مانع يمنعه من فعله، كتركه - صلى الله عليه وسلم - قيام رمضان جماعة خشية أن يُكتب قيامه على الأمة فتعجز عنه. فهذا الترك لا يكون سنة، فلما زال المانع بموته - صلى الله عليه وسلم - كان فِعْل ما تَرَكه مشروعاً، وعُمل بسنته كما جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح. الثالثة: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له، وانتفاء المانع منه، فيكون تَرْك ذلك سنة، كتركه - صلى الله عليه وسلم - الأذان لغير الصلوات الخمس كصلاة التراويح والعيدين ونحوهما. وكل عبادة ترك السلف فعلها مع وجود المقتضي، وزوال المانع، ففعلها بدعة، كصلاة الرغائب، والاحتفال بالمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية، وليلة الإسراء والمعراج ونحو ذلك، فكل ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - من العبادات إنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (100)، واللفظ له, ومسلم برقم (2673).

تركها الصحابة بعد وفاته فهذا دليل قاطع على أن فعلها بدعة، وإن فعلها الصحابة بعد وفاته علمنا أنه تركها لأجل مانع كتركه صلاة التراويح جماعة خشية أن تفرض على الأمة. فكل عبادة لم يتعبد بها أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز التعبد بها، وكل عبادة اتفق على تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة من بعده فهي بلا شك بدعة ضلالة. - كل عبادة مخالفة لقواعد الشريعة ومقاصدها فهي بدعة، وذلك مثل صلاة الرغائب. فإن النوافل في الأصل فِعْلها في البيوت أولى من فعلها في المساجد، وفِعْلها منفرداً أولى من فعلها جماعة إلا ما خصه الشرع كالتراويح. وكذا الأذان لصلاة التطوع كالعيدين، والاستسقاء ونحوهما. فإن الأذان يشرع للفرائض فقط دون النوافل. - كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات لم يشرعه الله ورسوله فهو بدعة. مثل التقرب إلى الله بالصمت الدائم .. أو القيام في الشمس .. أو اتخاذ لبس الصوف والمرقعات عبادة وطريقة إلى الله .. أو حرمان النفس من الأكل والشرب والجماع. 1 - عَنِ ابنِ عبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ

صَوْمَهُ» أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (¬2). - وكل تقرب إلى الله بفعل ما نهى الله ورسوله عنه فهو بدعة. وذلك مثل من يتقرب إلى الله بمشابهة الكفار .. أو بسماع الملاهي، والرقص ونحو ذلك، وهذه بدعة من جهة أصلها، ومن جهة وصفها. فهي تَقَرُّب إلى الله بما لم يشرعه مما نهى عنه .. وهي خروج عن منهج الدين بموافقة أعداء الله .. وهي ذريعة إلى أن يعتقد فيها أنها من الدين إذا فعلها أهل العلم والدين .. وهذه هي أصول البدعة. - وكل عبادة جاءت في الشرع على صفة مقيدة فتغيير هذه الصفة بدعة. فكل عبادة لها زمان، ومكان، وجنس، ومقدار، وكيفية. فالزمان كصلاة التراويح في رمضان، وفعلها في غير رمضان بدعة. والمكان كالاعتكاف في المسجد وجعل الاعتكاف في غير المسجد بدعة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6704). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401).

والجنس كالأضحية ببهيمة الأنعام، والأضحية بما سواها بدعة. والمقدار كالصلوات المفروضة خمس, وزيادة صلاة سادسة بدعة. والكيفية كالوضوء الشرعي مرتباً، والبدء بغسل الرجلين ثم اليدين بدعة. - كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام، فإن تقييدها بزمان، أو مكان أو نحوهما بدعة. وذلك كصلاة النوافل .. وصوم التطوع ونحوهما. فالصوم في الجملة مندوب إليه، لم يخصه الشرع بوقت دون وقت، فإذا خص الإنسان صوم يوم بعينه كالأربعاء أو أياماً من الشهر كالخامس والعاشر مثلاً، أو خص الأيام الفاضلة بعبادة لم تشرع فيها خاصة كتخصيص يوم كذا بصدقة أو طعام أو صيام .. وتخصيص ليلة كذا كتخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فهذا كله وأمثاله بدعة ضلالة. - حكم الغلو: الغلو في العبادة بالزيادة فيها على القدر المشروع بدعة. كالتقرب إلى الله بقيام الليل كله دائماً .. أو بصوم الدهر كله .. أو باعتزال النساء وترك الزواج .. ورمي الجمار في الحج بالأحجار الكبار ونحو ذلك. والوسوسة في الوضوء والغسل، والتعمق والتشدد في الوضوء والغسل والنظافة ونحو ذلك. والغلو في الدين يقع في بابين: الأول: باب العبادات، ويكون بجعل ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة

الواجب والمستحب كصيام الدهر، وقيام الليل كله. الثاني: باب المعاملات، ويكون بجعل ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه كترك الكسب والنكاح وأكل الطيبات. 2 - الأصل الثاني: الخروج على منهج الدين في أصوله وأحكامه. ويندرج تحت هذا الأصل ست قواعد: الأولى: كل ما كان من الاعتقادات والآراء والعلوم معارضاً لنصوص الكتاب والسنة، أو مخالفاً لإجماع سلف الأمة فهو بدعة. الثانية: كل خصومة أو جدال أو مراء في الدين فهو بدعة. كالسؤال عن المتشابهات مثل السؤال عن كيفية أسماء الله وصفاته .. وامتحان المسلمين بما ليس في الكتاب والسنة من المسائل .. والتعصب للآراء والأشخاص والمذاهب .. ونحو ذلك مما يوجب الفرقة، ويوقع الشك في القلوب. الثالثة: إلزام المسلمين بفعل شيء، وجَعْل ذلك كالشرع الذي لا يخالَف بدعة. كإلزام المسلمين بدفع الضرائب المختلفة، وجعل ذلك كالدين الذي يعاقب على تركه .. وتقديم الجهال على العلماء .. وتولية المناصب العليا وغيرها من لا يصلح لها بطريق الوراثة .. وسَنّ عقوبات على الجرائم التي لم يشرعها الله ولا رسوله. فهذا وأمثاله كله خروج على منهج الدين، وذلك بجعل هذه العادات والمعاملات والقوانين فرضاً محتوماً على الناس بمنزلة فرائض الدين. الرابعة: الخروج على الأوضاع الدينية الثابتة بدعة كالحيل الباطلة التي يحصل

بها تحليل المحرمات، أو إسقاط الواجبات، مثل استحلال الربا ببيع العينة، ورد المطلقة ثلاثاً بنكاح التحليل، وإسقاط فرض الزكاة بالهبة المستعارة، وتغيير الحدود والمقدرات الشرعية بدعة. كأحكام الجنايات والحدود .. وأنصبة المواريث .. ومقادير الزكاة .. ومقادير الكفارات .. ونحو ذلك مما قدره الشرع. الخامسة: مشابهة الكفار فيما كان من خصائصهم من عبادة، أو عادة، بدعة. فمخالفة الكفار أمر مقصود شرعاً، ليكون الدين كله لله. فاليهود عُرفوا باستحلال المحرمات بالحيل الباطلة، والنصارى عُرفوا بالغلو والزيادة في الدين على الحد المشروع، ومشابهتهم فيما أحدثوه في الدين مما ليس في دينهم بدعة. السادسة: كل فعل من أعمال الجاهلية لم يقره الإسلام فهو بدعة. عَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - الأصل الثالث: الذرائع المفضية إلى البدعة. والذرائع المفضية إلى البدعة تدخل فيما يلي: الواجبات والمندوبات .. والمباحات والمكروهات .. والمعاصي والمحرمات .. ويندرج تحت هذا خمس صور: 1 - إذا فعل الإنسان ما هو مطلوب شرعاً على وجه يوهم خلاف المقصود، فهو ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (934).

ملحق بالبدعة. ويتضمن ذلك خمس صور: الأولى: أن يوهم فعل النافلة المطلقة أنها سنة راتبة، مثل إقامة النافلة جماعة في المسجد. الثانية: أن يوهم فعل السنة أنها فريضة، كالتزام قراءة سورة السجدة والدهر في صلاة فجر كل يوم جمعة. الثالثة: أن يوهم فعل العبادة الموسعة أنها مخصصة بزمان أو مكان. الرابعة: أن يلتصق بالعمل المشروع عمل زائد حتى يصير وصفاً لهذا العمل كقراءة القرآن في الطواف. الخامسة: كل اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأيام أو الأعوام غير الاجتماعات المشروعة كصلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين ونحوها؛ وذلك لما فيه من مضاهاة الاجتماعات المشروعة. 2 - إذا فعل المسلم ما هو جائز شرعاً على وجه يعتقد فيه أنه مطلوب شرعاً فهو ملحق بالبدعة. وذلك مثل فرش المساجد وتبليطها. 3 - إذا عمل بالمعصية العلماء الذين يقتدى بهم على وجه الخصوص، وظهرت من جهتهم حتى اعتقدها العامة من الدين. فهذا ملحق بالبدعة .. ومن هنا نستشنع زلة العالم. 4 - إذا عمل بالمعصية عامة الناس، ولم ينكرها العلماء القادرون، حتى اعتقد العامة أن هذه المعصية مما لا بأس به. فهذا ملحق بالبدعة كالتعامل بالربا، واقتناء ما يحرم من الآلات والصور.

5 - كل ما بني على المحدث فهو محدث مردود، وكل ما بني على باطل فهو باطل. فكل ما يترتب على فعل البدع المحدثة في الدين من الإتيان ببعض الأمور التعبدية أو العادية فهو ملحق بالبدعة. مثل ما يحصل في الأعياد والاحتفالات المبتدعة من التوسع في الطعام واللباس واللعب، فكل ذلك آثامه تابعة لذلك العيد المبتدع. - حكم البدع: كل محدث في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة محرمة مردودة، وكل ضلالة في النار. وتحريم البدع متفاوت بحسب نوع البدعة. فمن البدع ما هو كفر صراح كالطواف بالقبور، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وتقديم الذبائح والنذور لهم. ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور، والصلاة عندها، ودعاء الله عندها متوسلاً بأصحابها. ومنها ما هو فسق اعتقادي كالبدع المخالفة للأدلة الشرعية. ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل، والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع. ويجب على العلماء بيان السنن لتزول البدع، والتحذير من البدع وأهل البدع؛ لئلا يغتر بهم المسلمون. ويجب على ولاة المسلمين منع البدع، والأخذ على أيدي المبتدعة، وردعهم عن شرهم؛ لئلا يفسدوا الدين ويقضوا على السنن.

1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718).

الباب السادس عشر كتاب الكبائر

الباب السادس عشر كتاب الكبائر ويشتمل على ما يلي: 1 - تعريف الكبيرة والصغيرة. 2 - الكبائر التي نصت عليها السنة. 3 - الفرق بين الكبائر والصغائر. 4 - درجات الكبائر. 5 - حكمة التكليف بالأمر والنهي. 6 - آثار الكبائر والمعاصي. 7 - أقسام الكبائر. 8 - حكم من اقترف الكبائر. 9 - شروط تكفير الصغائر. 10 - أهمية معرفة الكبائر. 11 - أنواع الكبائر: 1 - كبائر القلوب. 2 - كبائر الجوارح: وتشتمل على ما يلي: 1 - كبائر العلم. 2 - كبائر العبادات. 3 - كبائر المعاملات. 4 - كبائر المعاشرات. 5 - كبائر الأخلاق. 12 - أسباب سقوط العذاب في الآخرة.

1 - تعريف الكبيرة والصغيرة

1 - تعريف الكبيرة والصغيرة - الكبيرة: هي كل معصية فيها حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة، أو جاء فيها وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب، أو لَعَن الله ورسوله فاعلها. - الصغيرة: هي كل ما سوى الكبيرة من صغائر الذنوب كالَّلمم. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} ... [النجم: 31 - 32]. وقد تكفل الله لمن اجتنب الكبائر أن يكفر عنه الصغائر ويدخله الجنة. قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [النساء: 31]. 2 - الكبائر التي نصت عليها السنة الكبائر والصغائر لا حصر لها. والكبائر التي وردت في السنة بالنص الصريح ثلاث عشرة كبيرة، وهي: الإشراك بالله .. وعقوق الوالدين .. وشهادة الزور .. وقتل النفس بغير حق .. والسحر .. وأكل مال اليتيم .. وأكل الربا .. والتولي يوم الزحف .. وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .. واليمين الغموس .. وشتم الرجل والديه .. وقتل الولد .. والزنا بزوجة الجار.

3 - الفرق بين الكبائر والصغائر

وأما الذنوب التي لم يُنص عليها في آية أو حديث صحيح أنها من الكبائر فكثيرة جداً، وأكثرها قائم على تصور مفاسدها، أو قياسها على الكبائر المنصوص عليها، أو على كل وعيد أو لعن ونحوهما مما نهى الله ورسوله عنه. 3 - الفرق بين الكبائر والصغائر إذا أراد المسلم معرفة الفرق بين الكبائر والصغائر فليعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها. فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو زادت عليها فهي من الكبائر. ولا يمكن ضبط المفاسد والمصالح إلا بالتقريب والموازنة والنظر، فمن سب أو شتم الرب أو الرسول، أو استهان بالرسل، أو كذّب واحداً منهم، أو ضمخ الكعبة بالعذرة، أو ألقى المصحف في القاذورات والمزابل، فهذا من أكبر الكبائر، ولم ينص الشرع على أنه كبيرة. ومن أمسك مسلماً لمن يقتله، أو امرأة محصنة لمن يزني بها، فهذا لم يُنص عليه، مع أن مفسدته أعظم من مفسدة أكل مال اليتيم، مع كونه من الكبائر. ومن دل الكفار على عورات المسلمين مع علمه أنهم يقتلون المسلمين، ويَسْبون نساءهم وأطفالهم، ويخربون ديارهم، ويأخذون أموالهم، فهذه المفاسد التي حصلت بفعله أعظم من تولِّيه يوم الزحف مع كونه من الكبائر. وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم من الكبائر، فإن وقعا في مال كبير فهذا ظاهر، وإن وقعا في مال حقير فهذا مشكل، لكنْ جُعِل من الكبائر فطاماً

4 - درجات الكبائر

للنفوس عن هذا الخلق البذيء. والحكم بغير الحق كبيرة، وشاهد الزور متسبب، فإذا كان التسبب كبيرة فالحكم بغير الحق أكبر من تلك الكبيرة. فالذنوب تختلف بحسب الشدة والخفة، وبحسب المضرة والمفسدة، وبحسب الإثم والعقوبة. 4 - درجات الكبائر الكبائر درجات متفاوتة في الإثم والعقوبة، وبعضها أشد من بعض، وأكبر الكبائر وأعظمها الكفر والشرك بالله، فالكفر بالله أعظم من الشرك، والشرك أعظم من القتل، والقتل أعظم من الزنا، والزنا أعظم من القذف ... وهكذا. وكل كبيرة تنقسم إلى كبير وأكبر، وعظيم وأعظم، وفاحش وأفحش. فالكفر بالملائكة أو الكتب أو الرسل أو اليوم الآخر من أعظم الكبائر، فإذا قرن مع ذلك الكفر بالله كان أكبر وأعظم وأفحش. والشرك في عبادة الله أكبر الكبائر، فإذا جعل مع الله شريكاً في الخلق والأمر كان أفحش وأعظم وأكبر. وقتل النفس بغير حق من الكبائر المهلكات، فإن قتل أصلاً أو فرعاً، أو ذا رحم كان أعظم وأفحش، فإن كان القتل في الحرم وفي شهر حرام فهو أشد فاحشة وإثماً. والزنا من كبائر الذنوب، فإن كان بذات محرم أو بحليلة جاره كان أفحش وأعظم، فإن كان في نهار رمضان، أو في الحرم، أو جاهر به فهو أشد فاحشة وإثماً.

5 - حكمة التكليف بالأمر والنهي

وشرب الخمر من الكبائر، فإن كان في نهار رمضان، أو في الحرم أو جاهر به فهو أشد فحشاً .. وهكذا. والكذب من الكبائر، فإن كان كذباً على الأمة فهو أشد وأفحش، فإن كان كذباً على الله ورسوله فهو أشد فحشاً وإثماً ... وهكذا. 5 - حكمة التكليف بالأمر والنهي اقتضت حكمة الرب العزيز العليم أن يجعل الإنسان مكلفاً مختاراً. ولما كان التكليف يستلزم طريقين ليتم الاختيار، فقد أمر الله العبد بأشياء، ونهاه عن أشياء، ابتلاءً في الطاعة. وفِعْل الأمر، واجتناب النهي، كلاهما طاعة وقربة. وترك الأمر، وفعل النهي، كلاهما معصية. لهذا جعل الله عز وجل كمال العبودية يقوم على أصلين هما: فعل الأوامر .. واجتناب النواهي. واجتناب النهي أشد على النفس من فعل الأمر؛ لأن النهي لم يرخَّص في ارتكاب شيء منه؛ لعظيم ضرره، بينما الأمر قيد الله فعله بالاستطاعة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [الأحزاب: 72]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288) , واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

6 - آثار الكبائر والمعاصي

6 - آثار الكبائر والمعاصي فعل الأوامر والطاعات محبوبة للرب، وبها تصلح دنيا العبد وآخرته. وفعل الكبائر والمعاصي مبغوض للرب، وبها تفسد دنيا العبد وآخرته. ونفع الطاعات للقلوب أعظم من نفع الأغذية للأجساد. وضرر الكبائر والمعاصي على القلوب أشد من ضرر السموم على الأبدان. ولما كان شر الذنوب يفسد على العباد دينهم ودنياهم وآخرتهم بيَّنها الله ورسوله؛ ليتمكن العباد من معرفتها واجتنابها والحذر منها، لئلا يقعوا فيما يُسخط الله، ويكون سبباً في عقوبتهم وهلاكهم. فما في الدنيا والآخرة من شر وداء وبلاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي. فما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومقته أكبر المقت، فلبس لباس الكفر والفسوق والعصيان، وصار قوّاداً لكل كافر وفاسق ومجرم إلا ارتكاب النهي، ومخالفة الأمر. فالكبائر والمعاصي والذنوب أدواء مهلكة مدمرة للأمم والأفراد. فبسبب الذنوب أغرق الله المكذبين من قوم نوح - صلى الله عليه وسلم -. وسلط الله الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى في عهد هود - صلى الله عليه وسلم -. وأرسل الله الصيحة على قوم ثمود فماتوا عن آخرهم في عهد صالح - صلى الله عليه وسلم -. وأمر الله جبريل فرفع قرى قوم لوط، ثم قلبها عليهم، ثم أتبعها بحجارة أمطرها عليهم، فهلكوا جميعاً في عهد لوط - صلى الله عليه وسلم -.

وأرسل الله على قوم شعيب سحائب العذاب، فأمطرتهم ناراً، فهلكوا في عهد شعيب - صلى الله عليه وسلم -. وأغرق الله فرعون وقومه في البحر فهلكوا جميعاً في عهد موسى - صلى الله عليه وسلم -. وسلط الله على بني إسرائيل أنواع العقوبات قتلاً وسبياً ومسخاً وتخريباً للبلاد لمّا خالفوا أمر الله. وخسف الله بقارون وماله وداره لما عصى الله ورسوله. وبطش الله بقريش في بدر فقتل كبارهم، ومزق شملهم، وأجلى اليهود عن المدينة، وفرق شملهم، وأورث المسلمين أرضهم وديارهم، ومزق ملك كسرى وقيصر في عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم. 1 - قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} ... [هود: 102]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)} ... [البقرة: 34 - 35]. 3 - وقال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت: 40].

7 - أقسام الكبائر

7 - أقسام الكبائر تنقسم الذنوب والمعاصي إلى كبائر وصغائر. والكبائر تنقسم باعتبار مكانها إلى قسمين: كبائر القلوب كالشرك والكبر ونحوهما .. وكبائر الجوارح كالزنا والسرقة ونحوهما. وتنقسم الكبائر باعتبار مصدرها إلى ثلاثة أقسام: 1 - كبائر القلوب كالشرك ونحوه. 2 - كبائر الأقوال كالغيبة والنميمة ونحوهما. 3 - كبائر الأفعال كالقتل والزنا ونحوهما. وتنقسم الكبائر باعتبار أنواعها إلى قسمين: الأول: كبائر القلوب كالكفر والشرك والنفاق ونحوها. الثاني: كبائر الجوارح، وهي خمسة أقسام: 1 - كبائر العلم والجهاد. 2 - كبائر العبادات. 3 - كبائر المعاملات. 4 - كبائر المعاشرات. 5 - كبائر الأخلاق. وتنقسم كبائر الجوارح باعتبار مصدرها إلى ستة أقسام: 1 - كبائر اللسان كالغيبة والنميمة وشهادة الزور ونحو ذلك.

8 - حكم من اقترف الكبائر

2 - كبائر الأذن كسماع الغناء والفواحش ونحوها. 3 - كبائر العين كالنظر إلى النساء الأجنبيات ونحوها من المحرمات. 4 - كبائر اليد كالقتل والضرب والسرقة ونحو ذلك. 5 - كبائر البطن كأكل السم وشرب الخمر ونحو ذلك. 6 - كبائر الفرج كالزنا وعمل قوم لوط ونحوهما. 8 - حكم من اقترف الكبائر من ارتكب من المؤمنين كبيرة من الكبائر كالقتل والزنا والسرقة ونحوها غير الكفر والشرك فإنه لا يكفر، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، فإن تاب قبل الموت سقطت عقوبته في الآخرة، وإن مات مصراً على الكبيرة فهو تحت مشيئة الله: إن شاء الله تعالى عفا عنه، وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه، ثم أدخله الجنة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 9 - شروط تكفير الصغائر يكفر الله الصغائر عن العبد، ويدخله الجنة بأمرين: الأول: اجتناب الكبائر. قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [النساء: 31].

10 - أهمية معرفة الكبائر

الثاني: فعل الطاعات. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ ا? - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ». أخرجه مسلم (¬1). 10 - أهمية معرفة الكبائر كبائر الذنوب ضررها عظيم، وعقابها أليم. والكبائر والمعاصي التي ذكرها الله ورسوله كثيرة جداً، منها ما تقدم ذكره في أبواب الكتاب السابقة. وقد ذكرنا هنا أهم الكبائر والمعاصي التي تتعلق بالقلوب والجوارح. ولشدة خطر الكبائر في الدنيا والآخرة، فالواجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها، ليتقيها ويحذرها، ويحذِّر المسلمين منها؛ ليسلموا من شرها وعقوبتها في الدنيا والآخرة، وهذا أوان بيانها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (233).

11 - أنواع الكبائر

11 - أنواع الكبائر 1 - كبائر القلوب أعظم كبائر القلوب ما يلي: - الكفر: وهو إنكار الخالق سبحانه، أو جحد أسمائه وصفاته، أو تكذيب كتبه ورسله، أو إنكار الملائكة واليوم الآخر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} ... [البقرة: 161 - 162]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} ... [النحل: 106]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء: 136]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا

مُهِينًا (151)} [النساء: 150 - 151]. - الشرك: وهو أن يجعل لله شريكاً في الخلق والأمر، أو يعبد معه غيره من جماد، أو نبات، أو حيوان، أو ملك، أو نبي، أو شيخ، أو غير ذلك. والكفر والشرك أكبر الكبائر، فمن مات كافراً أو مشركاً فهو مخلد في النار. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البينة: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} ... [المائدة: 72]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6857) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87).

- الاستكبار: وهو الاستكبار عن عبادة الله وطاعته. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)} [النساء: 172 - 173]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34]. 4 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ألا أخْبِرُكُمْ بِأهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ. ألا أخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». متفق عليه (¬1). - النفاق: وهو أن يظهر العبد الإسلام، ويبطن الكفر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} ... [التوبة: 68]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6071) , واللفظ له، ومسلم برقم (2853).

3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة: 73]. - الرياء: وهو كل عبادة أو قربة يقصد بها الله والناس. والرياء شرك أصغر محبط للعمل الذي يقارنه. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلََكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2985).

إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلََكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - السحر: وهو عُقَد ورقى شيطانية يتوصل بها الساحر إلى ما يريد. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. 1 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬2). - الطيرة: وهي التشاؤم ببعض الأسماء، أو الأشخاص، أو الأشياء، أو الأماكن، أو الأيام، أو الليالي، أو الأشهر، أو الجهات، أو الأرقام، أو الألوان، أو الأحوال ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)} [يس: 18 - 19]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثلاَثاً» وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللهَ يُذهِبُهُ بالتَّوَكُّلِ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1905). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6857) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3910) , وأخرجه الترمذي برقم (1614).

2 - كبائر الجوارح

2 - كبائر الجوارح تنقسم كبائر الجوارح إلى ما يلي: 1 - كبائر العلم والجهاد - تعلم العلم لغير وجه الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلََكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلََكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1905).

- كتمان العلم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} ... [البقرة: 159 - 160]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)} [البقرة: 174 - 175]. 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - الكذب على الله ورسوله: 1 - قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)} ... [الأنعام: 144]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)} [النحل: 116 - 117]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3658) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2649). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (110) , ومسلم برقم (3)، واللفظ له.

- انتقاص العلماء: 1 - قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} ... [التوبة: 65 - 66]. 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا». أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬1). - عدم العمل بما علم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. 2 - وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أتَيْتَ فُلاناً فَكَلَّمْتَهُ، قال: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إِلا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ، دُونَ أنْ أفْتَحَ بَاباً لا أكُونُ أوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلا أقُولُ لِرَجُلٍ أنْ كَانَ عَلَيَّ أمِيراً: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أيْ فُلانُ مَا شَأْنُكَ؟ ألَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قال: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6733) , وهذا لفظه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (363). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3267) , واللفظ له، ومسلم برقم (2989).

- ترك الدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 104 - 105]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} ... [محمد: 38]. - ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1 - قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)} ... [المائدة: 78 - 80]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 104 - 105]. - ترك الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [التوبة: 38 - 39].

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَىَ شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». أخرجه مسلم (¬1). - التولي يوم الزحف: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} ... [الأنفال: 15 - 16]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬2). - القتال تحت راية عُمِّيَّة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً، وَمَنْ خَرَجَ عَلَىَ أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬3). - موالاة المشركين والاستعانة بهم في القتال: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1910). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1848).

إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)} ... [التوبة: 23]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمّا كَانَ بِحَرّةِ الوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ، قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: جِئْتُ لأَتّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». قَالَتْ: ثُمّ مَضَى، حَتّى إذَا كُنّا بِالشّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلِقْ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1817).

2 - كبائر العبادات

2 - كبائر العبادات - عدم التنزه من البول: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ». ثُمَّ قال: «بَلَى، كَانَ أحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قال: «لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا. أوْ: إلَى أنْ يَيْبَسَا». متفق عليه (¬1). - ترك الصلاة: 1 - قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} ... [مريم: 59]. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ». أخرجه مسلم (¬2). - التخلف عن الصلاة مع الجماعة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (216) , واللفظ له، ومسلم برقم (292). (¬2) أخرجه مسلم برقم (82).

بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أحَدُهُمْ: أنَّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً، أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ». متفق عليه (¬1). - مسابقة الإمام في الصلاة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي صَلاتِهِ قَبْلَ الإمَامِ، أنْ يُحَوِّلَ اللهُ صُورَتَهُ فِي صُورَةِ حِمَارٍ». متفق عليه (¬2). - المرور بين يدي المصلي: عَنْ أبِي جُهَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْه». قال أبُو النَّضْرِ: لا أدْرِي، أقَالَ أرْبَعِينَ يَوْماً، أوْ شَهْراً، أوْ سَنَةً. متفق عليه (¬3). - منع الزكاة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} [آل عمران: 180]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} ... [التوبة: 34 - 35]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (644) , واللفظ له، ومسلم برقم (651). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (691) , ومسلم برقم (427)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510) , ومسلم برقم (507).

3 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أوْ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ -أوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ، أوْ بَقَرٌ، أوْ غَنَمٌ، لا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلا أتِيَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، أعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلا أحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». أخرجه مسلم (¬2). - ترك الصيام: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة: 183]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بُنِىَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ البَيْتِ». متفق عليه (¬3). - ترك الحج: 1 - قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران: 97]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1460) , واللفظ له، ومسلم برقم (990). (¬2) أخرجه مسلم برقم (987). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16) (22)، واللفظ له.

2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه (¬1). - ترك ذكر الله: 1 - قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)} [الأعراف: 205]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8) , واللفظ له، ومسلم برقم (16). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9580) , وأخرجه الترمذي برقم (3380)، وهذا لفظه.

3 - كبائر المعاملات

3 - كبائر المعاملات - الحكم بغير ما أنزل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة:45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} ... [المائدة:47]. 4 - وَعَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬1). - غش الإمام رعيته: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)} ... [الشورى: 42]. 2 - وقال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 3 - وَعَنْ مَعْقِل بْن يَسَارٍ المُزنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1151)، واللفظ له، ومسلم برقم (142).

«مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬1). - أكل أموال الناس بالباطل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} ... [البقرة: 188]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29]. - أكل الربا: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} ... [البقرة: 278 - 279]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} ... [آل عمران: 130 - 131]. 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». أخرجه مسلم (¬2). - أكل مال اليتيم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150)، ومسلم برقم (1420)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1598).

نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). - الميسر والقمار: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. - شهادة الزور: 1 - قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} ... [الحج: 30]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬2). - التحايل على شرع الله: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ يَهُودَ، حُرِّمَتْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6857) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87).

عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وَأكَلُوا أثْمَانَهَا». متفق عليه (¬1). - بيع الحر وأكل ثمنه: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أجْرَهُ». أخرجه البخاري (¬2). - ادعاء ما ليس له: عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالكُفْرِ، أوْ قال: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلا حَارَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬3). - غش الناس: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2224) , واللفظ له، ومسلم برقم (1583). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2227). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3508) , ومسلم برقم (61)، واللفظ له.

فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه مسلم (¬1). - إنفاق السلع بالحلف الكاذب: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} ... [آل عمران: 77]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أعْطَى بِهَا أكْثَرَ مِمَّا أعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللهُ: اليَوْمَ أمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ». متفق عليه (¬3). 4 - وعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَاراً، قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (102). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2369) , واللفظ له، ومسلم برقم (108). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2087) , واللفظ له، ومسلم برقم (1606). (¬4) أخرجه مسلم برقم (106).

- احتكار أقوات الناس: عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْداللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحْتَكِرُ إلاّ خَاطِىءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - اليمين الغموس: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} ... [آل عمران: 77]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي أمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «وَإنْ قَضِيباً مِنْ أرَاكٍ». أخرجه مسلم (¬3). - الكتمان والكذب في البيع: 1 - عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1605). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2356) , واللفظ له، ومسلم برقم (138). (¬3) أخرجه مسلم برقم (137). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2082) , واللفظ له، ومسلم برقم (1532).

2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (¬1). - التجارة في المحرمات: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)} [لقمان: 6]. 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالأصْنَامِ». فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقال: «لا، هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأكَلُوا ثَمَنَهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). - أخذ الشيء ظلماً: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)} [الفرقان: 19]. 2 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ ظَلَمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (101). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2236) , واللفظ له، ومسلم برقم (1581). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3674) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3380).

مِنَ الأَرْضِ شَيْئاً طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أرَضِينَ». أخرجه البخاري (¬2). - كتمان الشهادة: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} ... [البقرة: 283]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 228]. - تغيير منار الأرض: عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيّرَ مَنَارَ الأَرْضِ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2452) , واللفظ له، ومسلم برقم (1610). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2454). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1978).

4 - كبائر المعاشرات

4 - كبائر المعاشرات - ظلم الرعية: 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬2). - عقوق الوالدين: 1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23 - 24]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ (ثَلاثاً) الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، (أوْ قَوْلُ الزُّورِ»). وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1828). (¬2) أخرجه مسلم برقم (142). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , ومسلم برقم (87)، واللفظ له.

3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أكْبَرِ الكَبَائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قال: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ». متفق عليه (¬1). - قطع الأرحام: 1 - قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} [محمد: 22 - 23]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ». متفق عليه (¬3). - الطعن في الأنساب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11]. 2 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5973) , واللفظ له، ومسلم برقم (90). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5989) , ومسلم برقم (2555)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5984) , ومسلم برقم (2556)، واللفظ له.

وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (¬1). - هجر المسلم بلا سبب: 1 - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَبي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬4). - التنابر بالألقاب: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (934). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6077) , ومسلم برقم (2560)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2565). (¬4) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17935) وأخرجه أبو داود برقم (4915). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6044) , ومسلم برقم (64).

3 - وَعَنْ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ، فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلا فَعَيَّرْتُهُ بِأمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بِأمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعِينُوهُمْ». متفق عليه (¬1). - الإساءة إلى الجار: 1 - عَنْ أبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَهُ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». أخرجه مسلم (¬3). - أذى الناس: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} ... [البروج: 10]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 58]. 3 - وَعَنْ هِشَام أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ، وَقَدْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30) , واللفظ له، ومسلم برقم (1661). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6016). (¬3) أخرجه مسلم برقم (46).

أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الزَّيْتُ، فَقَالَ: مَا هَذَا قِيلَ؟ يُعَذَّبُونَ فِي الخَرَاجِ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه مسلم (¬1). - الكلام بما يسخط الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} ... [التوبة: 65 - 66]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». متفق عليه (¬2). - تكفير المسلم: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 58]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالفُسُوقِ، وَلا يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6478) , واللفظ له، ومسلم برقم (2988). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6045) , واللفظ له، ومسلم برقم (61).

- سؤال الناس من غير حاجة: 1 - عَنْ عَبْدَاللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْألُ النَّاسَ، حَتَّى يَأتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَألَ النَّاسَ أمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً، فَإِنَّمَا يَسْألُ جَمْراً، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِر». أخرجه مسلم (¬2). - نشوز الزوجة: 1 - قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء: 34]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! تَصَدَّقْنَ وَأكْثِرْنَ الإِسْتِغْفَارَ، فَإنِّي رَأيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأةٌ مِنْهُنَّ، جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ، قال: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ». متفق عليه (¬4). - ظلم الرجل زوجته: 1 - قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1474) , واللفظ له، ومسلم برقم (1040). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1041). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237) , ومسلم برقم (1436)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (304) , ومسلم برقم (79)، واللفظ له.

تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} ... [النساء: 129]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». أوْ قال: «غَيْرَهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآْخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أمْراً فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً». متفق عليه (¬2). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). - التبتل والخصاء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)} ... [المائدة: 87]. 2 - وَعَنْ أنَسِ ابْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْألُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، قال أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أتَزَوَّجُ أبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أمَا وَاللهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وَأفْطِرُ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1469). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5186) , ومسلم برقم (1468)، واللفظ له. (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2133) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1141).

وأُصَلِّي وَأرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ. أخرجه البخاري (¬2). - امتناع المرأة من فراش زوجها: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا». أخرجه مسلم (¬4). - نكاح المتعة: عَنِ الرَّبِيع بن سَبْرَةَ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُتْعَةِ، وَقَالَ: «ألا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أعْطَى شَيْئاً فَلا يَأْخُذْهُ». أخرجه مسلم (¬5). - الخلوة بالمرأة الأجنبية: 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَرَأيْتَ الحَمْوَ؟ قال: «الحَمْوُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5063) , واللفظ له، ومسلم برقم (1401). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5071). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5194) , واللفظ له، ومسلم برقم (1436). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1436). (¬5) أخرجه مسلم برقم (1406).

المَوْتُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ المَرْأةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتِكَ». متفق عليه (¬2). - عدم العدل بين الأولاد: عَنِ النّعْمَان بن بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ أُمّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ المَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لاِبْنِهَا، فَالتَوَى بِهَا سَنَةً، ثُمّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَا وَهَبْتَ لاِبْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ أُمّ هَذَا، بِنْتَ رَوَاحَةَ، أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الّذِي وَهَبْتُ لاِبْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُلّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَلاَ تُشْهِدْنِي إذاً فَإنّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». متفق عليه (¬3). - ذو الوجهين: 1 - قال الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} ... [النساء: 108]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5232)، ومسلم برقم (2172). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3006) , ومسلم برقم (1341)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2587) , ومسلم برقم (1623)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6058) , واللفظ له، ومسلم برقم (2526).

5 - كبائر الأخلاق

5 - كبائر الأخلاق - الكذب: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)} [العنكبوت: 68]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». متفق عليه (¬2). - قذف المحصنات: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} ... [النور: 23]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور: 4]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6094) , ومسلم برقم (2607)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33) , ومسلم برقم (59).

حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). - الغيبة والنميمة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} ... [الحجرات: 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} [القلم: 10 - 13]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟». قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ». متفق عليه (¬3). - الخيانة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} ... [الأنفال: 27]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2589). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6056) , ومسلم برقم (105)، واللفظ له.

كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (¬1). - اللعن: 1 - عَنْ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلامِ فَهُوَ كَمَا قال، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِناً فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬3). - سب الصحابة: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَن البَرَاء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ فِى الأَنْصَارِ: «لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ». متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) , واللفظ له، ومسلم برقم (58). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6047) , ومسلم برقم (2110)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (2598). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2540). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3783) واللفظ له، ومسلم برقم (75).

- السخرية والاستهزاء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} ... [الحجرات: 11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)} ... [التوبة: 65 - 66]. - البغي: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)} ... [الشورى: 42]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33]. 3 - وَعَنْ أَبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ ذنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - الظلم والعدوان: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4902) , وأخرجه الترمذي برقم (2511)، وهذا لفظه.

لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} ... [الكهف: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق: 24 - 26]. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬2). - الجدل والمراء: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)} [الحج: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} ... [النساء: 115]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّ أبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4686) , واللفظ له، ومسلم برقم (2583). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2578). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2457) , ومسلم برقم (2668).

- السب والشتم: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 58]. 2 - وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». متفق عليه (¬1). - الحسد: 1 - قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} ... [البقرة: 109]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ! إِخْوَاناً». متفق عليه (¬2). - الكبر والفخر: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} ... [لقمان: 18]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (48)، ومسلم برقم (64). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6064) , ومسلم برقم (2563)، واللفظ له.

كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قال رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قال: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الخُزَاعِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ: كُلُّ عُتُلٍّ، جَوَّاظٍ، مُسْتَكْبِرٍ». متفق عليه (¬2). - العجب: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬3). - الشح والبخل: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} [آل عمران: 180]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بالبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بالقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بالفُجُورِ فَفَجَرُوا». أخرجه أبو داود (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (91). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4918) , واللفظ له، ومسلم برقم (2853). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5789) , ومسلم برقم (2033). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1698).

- الغلو: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)} ... [المائدة: 77]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ العَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: «هَاتِ القُطْ لِي» فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: «بأَمْثالِ هَؤُلاَءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ». أخرجه أحمد والنسائي (¬1). - الغلول: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران: 161]. 2 - وَعَنْ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَلا، إنِّي رَأيْتُهُ فِي النَّارِ، فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أوْ عَبَاءَةٍ». أخرجه مسلم (¬2). - الغدر: 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَمَعَ اللهُ الأَوّلِينَ وَالآخرينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (1851) , وأخرجه النسائي برقم (3057)، وهذا لفظه. (¬2) أخرجه مسلم برقم (114).

فُلاَنٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِكُلّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلاَ وَلاَ غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْراً مِنْ أَمِيرِ عَامّةٍ». أخرجه مسلم (¬2). - المكر والخديعة: 1 - قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)} [فاطر: 10]. 2 - وقال الله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ... [فاطر: 43]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} ... [النساء: 142]. 4 - وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « ... وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً، وَالخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ». وَذَكَرَ البُخْلَ أَوِ الكَذِبَ «وَالشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3188) , ومسلم برقم (1735)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1738). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2865).

- قتل النفس بغير حق: 1 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء: 93]. 2 - وَقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} ... [الفرقان: 68 - 70]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). - الانتحار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} ... [النساء: 29 - 30]. 2 - وَعَنْ جُنْدَب بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأخَذَ سِكِّيناً فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قال اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3463) , واللفظ له، ومسلم برقم (113).

- الإسراف: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} ... [الأعراف: 31]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)} [غافر: 43]. - التبذير: 1 - قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} ... [الإسراء: 26 - 27]. 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ. قَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلاَ مُبَاذِرٍ وَلاَ مُتَأَثِّلٍ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - الطغيان: 1 - قال الله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)} ... [ص: 55 - 56]. 2 - وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)} [النازعات: 37 - 39]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)} [النبأ: 21 - 22]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2872) , وأخرجه النسائي برقم (3668)، وهذا لفظه.

- التجسس: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} ... [الحجرات: 12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ! إِخْوَاناً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». أخرجه البخاري (¬2). - الغضب: 1 - قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)} [الأعراف: 200]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أوْصِنِي، قَالَ: «لا تَغْضَبْ». فَرَدَّدَ مِرَاراً، قال: «لا تَغْضَبْ». أخرجه البخاري (¬3). 3 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2563). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7042). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6116).

فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». فَقَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ؟. متفق عليه (¬1). - الفحش: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} ... [الأعراف: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} ... [النحل: 90]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ». فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حِينَ رَأيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشاً، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ». متفق عليه (¬2). - الأمن من مكر الله: 1 - قال الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} [الأعراف: 99]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3382) , ومسلم برقم (2610)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6032) , واللفظ له، ومسلم برقم (2591).

2 - وقال الله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل: 45 - 47]. - اليأس من رحمة الله: 1 - قال الله تعالى: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف: 87]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)} ... [الإسراء: 83]. - القنوط من رحمة الله: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. 2 - وقال الله تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)} ... [الحجر: 55 - 56]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)} [فصلت: 49]. - سوء الظن: 1 - قال الله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} ... [الفتح: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا

جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} ... [فصلت: 22 - 23]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ». متفق عليه (¬1). - المن بالمال أو العمل: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)} ... [البقرة: 264]. 2 - وَعَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَاراً، قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬2). - معاداة أولياء الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} ... [البروج: 10]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6066) , ومسلم برقم (2563). (¬2) أخرجه مسلم برقم (106).

كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - موالاة أعداء الله: 1 - قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} [المجادلة: 22]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51]. - الإلحاد في الحرم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} ... [الحج: 25]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6502). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6882).

- نقض العهد: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} [البقرة: 27]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} ... [الرعد: 25]. 3 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} ... [المائدة: 13]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً، وَمَنْ خَرَجَ عَلَىَ أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬1). - السَّكَر: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1848).

2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، عَهْداً، لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬2). - الزنا: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [الإسراء: 32]. 2 - وقال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3]. 3 - وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2]. - عمل قوم لوط: 1 - قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2002). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) , واللفظ له، ومسلم برقم (2003).

الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)} ... [الأعراف: 80 - 84]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - السرقة: 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبْصَارَهُمْ، حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ». متفق عليه (¬3). - قطع الطريق: قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4462) , وأخرجه الترمذي برقم (1456). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475) , واللفظ له، ومسلم برقم (57). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6783) , ومسلم برقم (1687).

- وسم الدابة في الوجه: 1 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الضّرْبِ فِي الوَجْهِ، وَعَنِ الوَسْمِ فِي الوَجْهِ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَرّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: «لَعَنَ الله الّذِي وَسَمَهُ». أخرجه مسلم (¬2). - الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة: 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ، فَإِنّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَاراً مِن جَهَنّمَ». أخرجه مسلم (¬4). - لبس الرجال الحرير والذهب: 1 - عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ، فَإِنّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬5). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2116). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2117). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) , واللفظ له، ومسلم برقم (2067). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2065). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5834) , ومسلم برقم (2069)، واللفظ له.

يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرّجُلِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ، وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬1). - من أشار إلى أخيه بحديدة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ». أخرجه مسلم (¬2). - من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم: عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ، فَالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». متفق عليه (¬3). - سماع المعازف: 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)} ... [لقمان: 6]. 2 - وَعَنْ أبي مَالِكٍ الأشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري معلقاً وأبو داود (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2090). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2616). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6766) , واللفظ له، ومسلم برقم (63). (¬4) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) ووصله أبو داود برقم (4039).

- الجلوس على القبر: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ». أخرجه مسلم (¬1). - الإسبال: 1 - عَنْ أبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ». قال فَقَرَأهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مِرَار، قال أبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «المُسْبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ». أخرجه البخاري (¬3). - تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال: 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ». قال: فَأخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فُلاناً، وَأخْرَجَ عُمَرُ فُلاناً. أخرجه البخاري (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (971). (¬2) أخرجه مسلم برقم (106). (¬3) أخرجه البخاري برقم (5787). (¬4) أخرجه البخاري برقم (5885). (¬5) أخرجه البخاري برقم (5886).

- قضاء الحاجة في الظل والطريق: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أوْ فِي ظِلِّهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). - حبس الحيوان حتى يموت: عَنْ عَبْدِاللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عُذّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرّةٍ سَجَنَتْهَا حَتّىَ مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ». متفق عليه (¬2). - اتخاذ الحيوان غرضاً: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَرّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطّيْرِ كُلّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ الله مَنْ فَعَلَ هَذَا، إنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ مَنِ اتّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرّوحُ غَرَضاً. متفق عليه (¬3). - اقتناء الكلاب من غير حاجة: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (269). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3318) , ومسلم برقم (2242)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5515) , ومسلم برقم (1958)، واللفظ له. (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5481) , ومسلم برقم (1574)، واللفظ له.

- أكل الميتة والدم وكل محرم: قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ... [المائدة:3].

12 - أسباب سقوط العذاب في الآخرة

12 - أسباب سقوط العذاب في الآخرة - فقه التكليف: الله عز وجل هو الملك الغني، الذي له الغنى التام من كل وجه، والخلق كلهم فقراء إليه من كل وجه. فهم فقراء إلى ربهم في خلقهم .. وبقائهم .. وإمدادهم .. وهدايتهم. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر:15]. وحين يكلف الله عباده بالدين فذلك من أجل تحصيل مصالح يعود نفعها كله إليهم، فالله غني لا تنفعه طاعات الطائعين، ولا تضره معاصي العاصين، كما قال سبحانه: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)} ... [العنكبوت: 6]. وحاجة العباد إلى دين الله فوق كل حاجة، فلا صلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان بالله، والعمل بشرعه. وقد خلق الله الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له. ومن أجل تحقيق هذه العبودية أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. وهذا التوحيد يقتضي من الخلق حقوقاً كثيرة يجمعها أمران هما: فعل الأوامر .. واجتناب النواهي.

وقد حث الله عباده المؤمنين على القيام بهذه الحقوق، ورغبهم سبحانه في امتثالها، وحذرهم من مخالفتها بأساليب شتى، أظهرها وأشهرها أسلوب الوعد والوعيد. فالوعد نوعان: الأول: وعد بخير الدنيا، كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55]. الثاني: وعد بخير الآخرة، كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72]. والوعيد نوعان: الأول: وعيد بشر الدنيا، كما قال سبحانه: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} ... [التوبة: 39]. الثاني: وعيد بشر الآخرة، كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].

موانع إنفاذ الوعيد موانع إنفاذ الوعيد متعددة، ويمكن حصرها في ثمانية موانع. ويمكن تقسيمها باعتبار مصدرها إلى ثلاثة أقسام: الأول: موانع من المذنب نفسه، وهي: التوبة .. والاستغفار .. والحسنات الماحية. الثاني: موانع من إخوانه المؤمنين، وهي: دعاء المؤمنين .. إهداء القربات .. الشفاعة. الثالث: موانع من الله عز وجل، وهي: العفو الإلهي .. والمصائب المكفرة. وهذا تفصيل الموانع بالأدلة الشرعية: الأول: الموانع التي من العبد نفسه: 1 - مانع التوبة: التوبة مانع شامل يمنع من إنفاذ وعيد جميع الذنوب، الكفر فما دونه من المعاصي. وهذا الشمول مختص بهذا المانع، فليس شيء يغفر الله به جميع الذنوب إلا التوبة النصوح. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ

غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} [المائدة: 39]. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - مانع الاستغفار: 1 - الاستغفار مانع من إنفاذ الوعيد على كل ذنب دون الكفر. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110]. 2 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - الاستغفار لا يمكن أن يمنع إنفاذ وعيد الكفر لمن مات عليه. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 3 - الاستغفار لعموم المؤمنين مشروع مأمور به، حتى أهل الكبائر؛ لأن المغفرة ترجى لهم. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2759). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2749).

4 - الاستغفار سبب مقتضٍ للمغفرة، وقد يقترن به ما يقوي اقتضاءه من حيث صيغة الاستغفار، والمداومة عليه، وهيئة العبد، وحضور القلب وانكساره، وموافقة وقت الإجابة. 2 - مانع الحسنات الماحية: 1 - الحسنات الماحية: هي الطاعات المقبولة عند الله عز وجل، وهي كل ما ندب الله إليه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأعمال والأخلاق. 2 - فعل الحسنات يمكن أن يمنع إنفاذ وعيد السيئات في الدنيا والآخرة. وفعل الحسنات يقوم على ركنين، هما: الإيمان، والعمل الصالح. 1 - قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - الإيمان على درجتين: كامل .. وناقص. فالإيمان الكامل مانع من دخول النار أصلاً. والإيمان الناقص مانع من وعيد الخلود في النار دون الدخول فيها. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. 4 - شهادة التوحيد سبب لدخول الجنة والنجاة من النار. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (29).

ولحصول هذا الأثر لا بد من أمرين: تحقق الشروط .. وانتفاء الموانع. 1 - فلحصول الأثر بسبب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) لا بد من سبعة شروط: العلم بمدلول شهادة التوحيد .. واليقين عليها .. والصدق في قولها .. والإخلاص لله .. والمحبة لها .. والقبول لها .. والانقياد لحقوقها بالإيمان والعمل الصالح. 2 - ولا بد كذلك من زوال المانع ليحصل أثرها. فأنواع الكفر كالشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، وكراهية الدين أو شيء منه ونحو ذلك، فكل هذه موانع تمنع من حصول أثرها. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد: 8 - 9]. فالإيمان سبب مقتض لدخول الجنة إذا تمت شروطه، وانتفت موانعه. 5 - العمل الصالح يمكن أن يمنع اقتضاء أثر الوعيد على فعل السيئات. قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. ولا يقوى العمل الصالح على منع وعيد الكفر؛ لأن الكفر محبط لجميع

الأعمال. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} [المائدة: 5]. 6 - الطاعات العظيمة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والعتق والصدقات ونحوها تكفر الكبائر والصغائر. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْراً بِبَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟». قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قال: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه (¬3). 7 - الإيمان الخالص مع العمل الصالح ولو كان يسيراً يكفر جميع الذنوب. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقال: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأ خُفَّهُ ثُمَّ أمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». قالوا: يَا رَسُولَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (528) , ومسلم برقم (667)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (38) , واللفظ له، ومسلم برقم (759). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1521) , واللفظ له، ومسلم برقم (1350).

اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أجْراً؟ قال: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ». متفق عليه (¬1). - ضوابط إحباط العمل: إحباط العمل قسمان هما: إحباط كلي .. وإحباط جزئي. 1 - الإحباط الكلي نوعان: الأول: إحباط جميع الحسنات. وهذا لا يكون إلا بسيئة واحدة، وهي الردة عن الإسلام إذا مات الإنسان على ذلك. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217]. الثاني: إحباط جميع السيئات. وهذا لا يكون إلا بحسنة واحدة، وهي حسنة التوبة النصوح. قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. 2 - الإحباط الجزئي، وهو نوعان: الأول: إحباط بعض الحسنات ببعض السيئات، كإحباط الصدقة بالمن والأذى. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ... [البقرة: 264]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2363) , واللفظ له، ومسلم برقم (2244).

2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} ... [الحجرات: 2]. الثاني: إحباط بعض السيئات ببعض الحسنات. قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. فهذه الموانع الثلاثة (التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية) من العبد نفسه. الثاني: الموانع التي من إخوانه المؤمنين: 1 - مانع الدعاء: 1 - يسن للمؤمن الدعاء لإخوانه المؤمنين بالمغفرة والرحمة، وهذا يدل قطعاً على انتفاع المدعو له بدعاء إخوانه المؤمنين، واستغفارهم له. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر: 10]. 3 - وَعَنْ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلا خَيْراً

مِنْ أهْلِهِ وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ (أوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ»). قال: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنْ أكُونَ أنَا ذَلِكَ المَيِّتَ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - الدعاء بالمغفرة والرحمة لا يجوز لمن لقي الله كافراً، ولا يمنع إنفاذ وعيد الله فيه، ولا أثر له البتة. 1 - قال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)} [المنافقون: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)} [التوبة: 80]. 3 - وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113]. 3 - الدعاء لأهل الكبائر بالمغفرة والرحمة من جملة الأمور التي يمكن أن تمنع إنفاذ الوعيد الذي استحقوه على فعل السيئات. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} ... [النساء: 48]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلا شُفِّعُوا فِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - مانع إهداء القربات: القربات الشرعية: هي كل ما يُقرِّب العبد من رضى الله ومحبته. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (963). (¬2) أخرجه مسلم برقم (947).

1 - الثواب والعقاب مبني على عمل الإنسان من خير وشر، وعلى ما هو من آثار عمله. فأما ترتب جزاء الإنسان على عمله فكما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. وأما ترتب الجزاء على آثار العمل، وهي الأعمال التي خلَّفها الإنسان من بعده، فيجازى بها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)} [يس: 12]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - الإنسان ليس له إلا سعيه، فلا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه. كما قال سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم: 39 - 41]. أما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه، لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2674). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1631).

بسعي غيره وعمله، كما أنه سبحانه يرحم عباده بأسباب أخرى. والانتفاع بعمل الغير له حالتان: الأولى: الانتفاع بنفس العمل، بأن يكون كأنه الذي قام بنفس العمل. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةً أتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ: «أرَأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟». قَالَتْ: نَعَمْ، قال: «فَدَيْنُ اللهِ أحَقُّ بِالقَضَاءِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم (¬2). الثانية: الانتفاع بأثر العمل. 1 - الدعاء بالمغفرة وغيرها ينتفع العبد بأثره لا بثوابه. أما نفس الدعاء وثوابه فللداعي؛ لأنه شفاعة، أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أوْ بِعُسْفَانَ، فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ! انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ، قال: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أرْبَعُونَ؟ قال: نَعَمْ، قال: أخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1953) , ومسلم برقم (1148)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1149).

جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلا، لا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - إهداء القربات يكون من المسلم الحي إلى المسلم الميت؛ لأنه أحوج من الحي، والدعاء للميت بالمغفرة والرحمة أفضل من إهداء القربات له؛ لأن الانتفاع بالدعاء متفق عليه، وإهداء القربات متفق على أصله. وإهداء القربات لا يمكن أن يمنع إنفاذ وعيد الكفر؛ لأن الكافر لا يمكن أن ينتفع بما يهدى إليه من قربات؛ لفقده شرط الإيمان. فوعيد كل من لقي الله كافراً لا يمكن أن يغفر، لا بسبب منه، ولا بسبب من العباد، ولا بمحض المشيئة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} ... [النساء: 48]. - أنواع القربات: القربات التي تكفر الصغائر والكبائر نوعان: قربات علمية .. وقربات عملية. 1 - القربات العلمية كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكل ما يتعين على العبد أن يفعله بنفسه كالوضوء والصلاة ونحوها. فهذه لا يمكن إهداء ثوابها البتة؛ لأنها لا تقبل النيابة مطلقاً. 2 - القربات العملية، وهي ثلاثة أنواع: 1 - قربات بدنية محضة كالصوم. 2 - قربات مالية محضة كالصدقة والعتق ونحوهما. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (948).

3 - قربات مركبة منهما كالحج ونحوه. فهذه الأنواع الثلاثة يجوز إهداء ثوابها للميت، ويصله ثوابها، وينتفع بذلك. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أتَتْهُ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قال: فَقَالَ: «وَجَبَ أجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ المِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفَأصُومُ عَنْهَا؟ قال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أفَأحُجُّ عَنْهَا؟ قال: «حُجِّي عَنْهَا». أخرجه مسلم (¬2). ومغفرة ما دون الكفر قد تكون بسبب من العبد كالاستغفار .. وقد تكون بسبب من الخلق كإهداء ثواب بعض الأعمال .. وقد تكون بمحض مشيئة الله. 3 - مانع الشفاعة: الشفاعة: هي طلب حصول الخير للغير. والشفاعة من حيث المشفوع عنده نوعان: شفاعة عند الله .. وشفاعة عند الناس. 1 - الشفاعة عند الله نوعان: 1 - شفاعة في الدنيا كشفاعة المؤمنين للميت بالصلاة عليه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , ومسلم برقم (1147)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1149).

2 - شفاعة في الآخرة كشفاعة الأنبياء والمؤمنين يوم القيامة. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّى اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ القِيَامَةِ فَهِىَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). 2 - الشفاعة عند الناس، وهي شفاعات الناس بعضهم لبعض فيما ينوبهم من الأمور. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء: 85]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ». متفق عليه (¬2). - أقسام الشفاعة: الشفاعة من حيث حصولها نوعان: شفاعة منفية .. وشفاعة مثبتة. 1 - الشفاعة المنفية نوعان: الأول: الشفاعة في أهل الشرك الذين ماتوا عليه، فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين. قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} ... [المدثر: 48]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6304) , ومسلم برقم (199)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , واللفظ له، ومسلم برقم (2627).

ويستثنى من هذا شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويحميه. عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬1). الثاني: الشفاعة الشركية، وهي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك لمعبوداتهم، يعتقدون أنها تشفع لهم عند الله، وهذا كله باطل. قال الله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} [الزخرف: 86]. 2 - الشفاعة المثبتة، وهي ثلاثة أنواع: الأول: الشفاعة العظمى: وهي شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل الموقف ليفصل الله بينهم، وهي المقام المحمود له. 1 - قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -في حديث الشفاعة- وفيه أن بعض الناس يَقولُ: « .. ائْتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونِي فَأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فَيُقال: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3883) , ومسلم برقم (209)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3340) , واللفظ له، ومسلم برقم (194).

الثاني: الشفاعة في أهل الجنة، وهي ثلاثة أنواع: 1 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في أهل الجنة ليدخلوها. 2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في رفع درجات أهل الجنة. 3 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في بعض المؤمنين ليدخلوا الجنة بلا حساب ولا عذاب. الثالث: الشفاعة لأهل الكبائر، وهي نوعان: 1 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فيمن استحق النار من أهل الكبائر أن لا يدخلها. 2 - شفاعته - صلى الله عليه وسلم - فيمن دخل النار من أهل الكبائر أن يخرج منها. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬1). - أحوال المشفوع له: الشفاعة يمكن أن تمنع انفاذ الوعيد على ما دون الكفر، ولا تمنع إنفاذ وعيد الكفر؛ لأنه يستحيل قبولها فيمن لقي الله مشركاً، فالشفاعة خاصة بأهل التوحيد. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقال: «لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (200). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6570).

- شروط الشفاعة النافعة عند الله: الشفاعة النافعة هي التي تحقق فيها ثلاثة شروط: الأول: إذن الله في الشفاعة. الثاني: رضاه عن المشفوع له. الثالث: رضاه عن الشافع. 1 - قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)} [طه: 109]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)} ... [النجم: 26]. فهذه الموانع الثلاثة (دعاء المؤمنين، وإهداء القربات، والشفاعة) هي التي من الخلق. الثالث: الموانع التي من الله عز وجل: المصائب المكفرة .. والعفو الإلهي. 1 - مانع المصائب المكفرة: المصائب: هي كل ما يصيب الإنسان من مكروه في نفس، أو مال، أو أهل. والمصائب مكفرات للذنوب، والثواب إنما يحصل للعبد إذا صبر عليها؛ لأن المصائب ليست من فعل العبد، وإنما هي من فعل الله بالعبد، فإذا صبر عليها نال ثواب الصبر. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا

كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)} ... [التوبة: 120]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أذىً وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». متفق عليه (¬2). - أقسام المصائب القدرية: المصائب القدرية تنقسم من حيث المكان الذي تقع فيه إلى ثلاثة أقسام: الأول: مصائب في الدنيا كالأمراض، والخوف، والجوع، ونقص الأموال، والأنفس والثمرات. الثاني: آلام في البرزخ، وهي ما يكون في القبر من الفتنة، والضغطة، والروعة. الثالث: آلام في الآخرة، وهي ما يكون في عرصات القيامة من الأهوال والكرب والشدائد. فالمصائب الدنيوية أخفها، والبرزخية أشد منها، والأخروية أشدها وأعظمها. وجميع الآلام التي تحصل للعبد بسببها هي مما يكفِّر الله بها الخطايا التي تحصل من العبد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2572). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5641) , واللفظ له، ومسلم برقم (2573).

- أقسام الآلام الشرعية: تنقسم الآلام الشرعية إلى ثلاثة أقسام: القصاص .. والحدود .. والتعزيرات. وهي زواجر وجوابر معاً، فهي زواجر للعباد عن ارتكاب المحظورات، وترك المأمورات. 1 - قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179]. 2 - وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} ... [النور: 2]. وهي كذلك جوابر، فالعقاب عليها مكفر للذنب. عَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً، وَهُوَ أحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيكُمْ وَأرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». بَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (18) , واللفظ له، ومسلم برقم (1709).

- ما تكفره المصائب: المصائب يمكن أن تمنع إنفاذ الوعيد في الآخرة على كل ما دون الكفر، لكنها لا تمنع إنفاذ وعيد الكفر؛ لأن من لقي الله كافراً فيستحيل أن يتخلف وعيده. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - العفو الإلهي: وهو صفح الرب عن ذنوب العبد، وترك مجازاة المسيء. والله عز وجل عفو غفور يتجاوز عما يستحقه المذنبون من العقاب. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} [الشورى: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} [الحج: 60]. 1 - العفو الإلهي مانع من موانع إنفاذ الوعيد في الآخرة على الكبائر والصغائر، ولا يمكن أن يمنع إنفاذ وعيد الكفر قطعاً، فالله أخبر عن نفسه أنه لا يغفر لمن لقيه كافراً أو مشركاً. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)} ... [الرعد 6]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأى فِي نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ، قال: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}». متفق عليه (¬1). 2 - كل ما وقع فيه بعض المسلمين من الذنوب بسبب من اليهود أو النصارى أو غيرهم، فالله يغفر لهؤلاء الضحايا بتوبة منهم أو غيرها، وتوضع أوزارهم على من أضلهم. 1 - قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} [النحل: 25]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجِبَالِ فَيَغْفِرُهَا اللهُ لَهُمْ، وَيَضَعُهَا عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى». أخرجه مسلم (¬2). 3 - العقوبات الشرعية في الآخرة نوعان: الأول: عقوبة تُسْتَحق على طريق الدوام والأبد، وهي عقوبة الكفار والمشركين. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} [النساء: 168 - 169]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2441) , واللفظ له، ومسلم برقم (2768). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2767).

2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} ... [الأحزاب: 64 - 65]. الثاني: عقوبة تُسْتَحق على طريق الانقطاع، وهي عقوبة العصاة والفساق من المسلمين. وهؤلاء تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم بقدر جرمهم، ثم أخرجهم من النار. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71، 72]. 4 - جميع أهل التوحيد الواقعين في كبائر الذنوب من أهل الجنة إما حالاً، وإما مآلاً، فلا يخلد أحد من أهل التوحيد في النار. وأهل الكبائر لا يعذبون كلهم، ولا يُغفر لهم كلهم، بل بعضهم يدخل الجنة ابتداء من غير عقوبة، وبعضهم يدخلون النار، فإذا تطهروا من ذنوبهم أُدخلوا الجنة بشفاعة الشافعين، أو بعفو أرحم الراحمين. وقد قسم الله أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات. ثم وعد الجميع بدخول الجنة. 1 - قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 32 - 33].

2 - وَعَنْ أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: «أتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام، فَبَشَّرَنِي أنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ؟ قال: وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ». أخرجه مسلم (¬1). 5 - كل من لقي الله من أهل التوحيد مصراً غير تائب من الكبائر التي استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عذبه .. وإن شاء غفر له. والله حكيم عليم لا يضع الثواب والعقاب إلا في محلهما اللائق بهما. قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)} [التوبة: 106]. 6 - نصوص الوعيد يقال بموجبها على الإطلاق والعموم دون أن يعين الشخص، فيقال: من فعل كذا فهو متوعَّد بكذا، ولا يعيَّن الشخص فيقال مثلاً: هذا في النار، أو هذا ملعون، أو هذا مغضوب عليه. وذلك للأسباب الآتية: إمكان أن يتوب المذنب فيتوب الله عليه .. أو يستغفر الله فيغفر الله له .. أو تكون له حسنات تمحو سيئاته .. أو تُقبل فيه شفاعة مسلم .. أو يُبتلى بما يكفِّر عنه سيئاته .. أو يتجاوز الله عنه. فلا نلعن المعين ما دام حياً، سواء كان مسلماً أو كافراً؛ لاحتمال تخلف شرط الوعيد، أو وجود مانعه. ويجوز لعن من مات على الكفر. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (94).

وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 2 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَاللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَاراً، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأتِيَ بِهِ يَوْماً فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فقال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللهُمَّ العَنْهُ، مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ». أخرجه البخاري (¬2). ففي الحديث الأول لعن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شارب الخمر على وجه العموم، وفي الثاني نهى عن لعن مدمن الخمر المعين، لقيام مانع من موانع إنفاذ الوعيد وهو حبه لله ورسوله .. وهكذا. - فضل الله على العباد: 1 - الله عز وجل عفو كريم يحب العفو والإحسان والمغفرة. ولذلك فتح سبحانه باب التوبة أمام جميع المذنبين، ووعدهم بقبول التوبة منهم كما قال سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} [الزمر: 53 - 54]. وحث سبحانه عباده المؤمنين على الاستغفار، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم كما قال سبحانه: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} ... [المزمل: 20]. 2 - جعل الله سبحانه لسيئات المؤمنين ما يوجب تكفيرها وإن لم يحصل من العبد توبة أو استغفار. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3674) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (3380). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6780).

وهذه المكفرات على نوعين: الأول: نوع من كسب العبد، وهي الحسنات. قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} ... [هود: 114]. الثاني: نوع من غير كسب العبد، وهي المصائب. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - لم يَحْرم الله العبد من الأجر بعد وفاته، بل فتح له الكريم بعد الموت أبواباً متعددة من الخير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - تفضل سبحانه بقبول الشفاعة في المذنبين في الدنيا والآخرة، بل يعفو عن المذنبين بفضله من غير سبب من العباد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} ... [الشورى: 25]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2572). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1631).

الباب السابع عشر كتاب القصاص والديات

الباب السابع عشر كتاب القصاص والديات ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الجنايات والعقوبات. 2 - أقسام الجنايات، ويشمل ما يلي: 1 - الجناية على النفس، وتشمل: 1 - قتل العمد. • القصاص في النفس. 2 - قتل شبه العمد. 3 - قتل الخطأ. 2 - الجناية على ما دون النفس، وتشمل: 1 - قطع العضو. 2 - ذهاب المنفعة. 3 - جرح العضو. 4 - كسر العظم. • القصاص فيما دون النفس. 3 - أقسام الديات: وتشمل: 1 - دية النفس. 2 - الدية فيما دون النفس، وتشمل: 1 - دية الأعضاء ومنافعها. 2 - دية الشجاج والجروح. 3 - دية العظام.

1 - أحكام الجنايات والعقوبات

1 - أحكام الجنايات والعقوبات - الجنايات: جمع جناية. والجناية: هي كل فعل محرم شرعاً زجر الله عنه بحد أو تعزير. وأصل الجناية الاعتداء على النفس، أو البدن، أو العرض، أو العقل، أو المال، بما يوجب قصاصاً، أو حداً، أو مالاً. وتطلق الجريمة على الجناية، والجناية على الجريمة. - أسباب الجرائم: حرَّم الله عز وجل على الإنسان أن يعتدي على غيره في نفسه، أو بدنه، أو عرضه، أو ماله. ومن رحمة الله أنْ جعل الإيمان بالله يمنع الإنسان من ارتكاب المحرمات والكبائر والصغائر، وكلما زاد الإيمان ازدادت قوة الامتناع عن الجريمة. ولا يعتدي الإنسان على غيره إلا إذا ضعف عنده الإيمان الذي يدفعه لطاعة الله، ويحجزه عن محارم الله. فيندفع إلى الشر والجريمة: إما بسبب الشيطان الذي يزين له ويغريه بكل محرم، أو بسبب نفسه الأمارة بالسوء، أو بسبب قرين سوء يحرِّضه على الجريمة، أو بسبب مجتمع فاسد يهيء له سهولة ارتكاب الجريمة، أو بسبب الحسد والحقد الذي يدعوه للتشفي، أو بسبب الغضب والسكر الذي يجعله لا يبالي بمن أمامه. أو بسبب الهموم والغموم التي لا يطيق الصبر عليها، ونحو ذلك من

الأسباب التي تبعث على الجريمة، وتستخف بالدين والأخلاق. ومن رحمة الله بعباده أن جعل لكل جريمة عقوبة رادعة تقطع دابرها، وتطفئ نارها، وتغسل آثارها. ومن أفلت من العقاب في الدنيا فلن يفلت في الآخرة. - أعظم الذنوب: أعظم الذنوب ثلاثة: الشرك .. والقتل .. والزنا. فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله نداً. وأعظم أنواع القتل أن يقتل الإنسان ولده خشية أن يَطْعم معه. وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره. فهذه أمهات الجرائم على الترتيب. ففي الشرك فساد الأديان .. وفي القتل فساد الأنفس .. وفي الزنا فساد الأنساب. فهذه كلها جنايات محرمة؛ لما فيها من الفساد والضرر وتعدي الحدود. ومن اقترف منها شيئاً فقد جنى على نفسه العقوبة، وجنى على غيره الضرر، وتجاوز العدل والإحسان والرحمة إلى الظلم والإساءة والقسوة. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا

فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)} ... [الفرقان: 68 - 71]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه (¬2). - حفظ الضروريات الخمس: اعتنى الإسلام أعظم عناية بحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، وهي: حفظ الدين .. والنفس .. والعِرض .. والعقل .. والمال. وجعل الإسلام التعدي عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، وبحفظ هذه الضروريات يسعد المجتمع، ويطمئن كل فرد فيه. - عقاب المعرضين عن الإسلام: سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة باتباع شريعة الله؛ لأن الهدى محصور فيها، وغير موجود في غيرها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) , واللفظ له، ومسلم برقم (86).

وشقاء الإنسان في الدنيا والآخرة بالإعراض عن شريعة الله عز وجل. وكل من أعرض عن شريعة الله من الأمم والأفراد عاقبه الله في الدنيا بنوعين من العقاب: الأول: عقاب يصيب كل من أعرض أو انحرف عن شريعة الله من العصاة. وأشكال هذا العقاب مختلفة بحسب حجم الجريمة. فقد يكون بهلاك الأمة .. أو بتسلط أعدائها عليها .. أو تسلط الظلمة والطغاة على الناس .. أو إصابة الناس بالشدة والضيق وغلاء الأسعار .. أو النقص في الأموال والأنفس والثمرات .. أو الخوف وقلة الأمن .. أو انتشار الأمراض. وكل ذلك سنة ماضية من الله في خلقه. وهذا النوع من العقوبات إذا نزل بالأمة أصاب الطالح والصالح الذي لم ينكر. 1 - قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت:40]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} ... [الأنفال: 25]. 3 - وَعَنْ زينب عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ، بِيَدِهِ عَشَرَةً. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ

وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». متفق عليه (¬1). الثاني: عقوبات شرعية نصت عليها الشريعة، وأمرتْ بتنفيذها في حق كل من ارتكب ما حرمَتْه، أو ترك ما أوجَبَتْه كقتل الجاني، وقطع يد السارق، وتعزير الخائن. وأما العقاب في الآخرة فهو الأصل، ويكون بخلود الكفار في جهنم، وتعذيب عصاة المؤمنين بقدر ذنوبهم ثم إخراجهم منها. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 71 - 72]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} ... [ق: 24 - 26]. - أقسام الجنايات: 1 - تنقسم الجرائم بالنظر إلى نوع عقوبتها إلى ثلاثة أقسام: الأول: جرائم القصاص: وهي جرائم قتل النفس، وجرح البدن، وقطع الأطراف. وفي عَمْد هذه الجرائم القصاص، وهو أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، فإن اختاروا الدية فلهم ذلك. الثاني: جرائم الحدود: وهي جرائم القذف والزنا والسرقة ونحوها. والحد: عقوبة مقدرة شرعاً وجبت لحق الله تعالى، صيانة للمجتمع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3346)، ومسلم برقم (2880)، واللفظ له.

الثالث: جرائم التعزير: وهي كل جناية ليس فيها حد كالخلوة بالأجنبية، وأكل الربا ونحو ذلك. والتعزير: هو تأديب على معاص لم تُشرع فيها عقوبات مقدرة ابتداء، يقدرها القاضي. 2 - تنقسم الجنايات من حيث نوعها إلى قسمين: الأول: جناية على النفس بالقتل. الثاني: جناية فيما دون النفس بالجرح أو القطع أو الضرب. - شروط اعتبار الفعل جريمة: يكون الفعل جريمة بثلاثة شروط: 1 - أن يكون الفعل أو الترك مما نهى الله ورسوله عنه. 2 - أن يكون الفعل أو الترك محرماً من الله ورسوله. 3 - أن يكون للفعل عقوبة في الشرع: مقدرة في الشرع: كالقصاص والحدود .. أو مفوضة إلى القاضي: كالتعزير. وأساس اعتبار الفعل جريمة هو ما فيه من الأضرار والمفاسد والشرور للأفراد والجماعات والأمم. - حكمة مشروعية العقوبات: شرع الله العقوبات في الإسلام لما يلي: رحمة العباد .. وتحقيق المصلحة لهم .. ودرء المفسدة عنهم. وبذلك يحصل لهم كل خير، ويندفع عنهم كل شر، وتحصل الحياة والسعادة في الدنيا والآخرة.

فأحكام الشريعة الإسلامية كلها مبنية على جلب المصالح، ودرء المفاسد في الدنيا والآخرة، وهي عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه. فكل حادثة أو مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى القسوة، ومن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الإسلام. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل:90]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179]. - أصول العقوبات الشرعية: العقوبات في الإسلام مبنية على الأصول الآتية: 1 - رحمة العباد والإحسان إليهم بكف الشر عنهم. 2 - المساواة بين الجريمة والعقوبة فلا ظلم ولا جور. 3 - المساواة بين الناس، فيعاقب كل مجرم، سواء كان حاكماً أو محكوماً، غنياً أو فقيراً، شريفاً أو وضيعاً، رجلاً أو امرأة. 4 - كفاية العقوبة للردع والزجر لقطع دابر الشر. 5 - أن العقوبة لا يؤاخَذ بها إلا من ارتكب موجبها. 6 - إذا ثبتت الجريمة وجب على ولي الأمر تنفيذ عقوبتها؛ إقامة للعدل. 7 - أن تكون العقوبة مشروعة من الله ورسوله بحد أو تعزير. - أقسام العقوبات الشرعية: 1 - تنقسم العقوبات من حيث النوع إلى قسمين:

الأول: عقوبة أصلية: وهي العقوبة المقدرة شرعاً لكل جريمة كقتل الجاني، وقطع يد السارق. الثاني: عقوبة بدلية: وهي العقوبة التي تكون بدلاً عن العقوبة الأصلية إذا امتُنع تطبيقها لمانع شرعي كالتعزير. 2 - تنقسم العقوبات من حيث تقديرها إلى قسمين: الأول: عقوبات مقدرة كالجلد في الزنا، والقطع في السرقة ونحوهما. الثاني: عقوبات غير مقدرة كعقوبات التعزير التي يقدرها القاضي بحسب الحال. 3 - تنقسم العقوبات من حيث المحل الذي تصيبه إلى أربعة أقسام: 1 - عقوبة بدنية تصيب جسم الجاني كالقتل، والقطع، والجلد. 2 - عقوبة مالية تصيب مال الجاني كالديات. 3 - عقوبة مقيَّدة للحرية كالحبس. 4 - عقوبة نفسية تسبب له ألماً نفسياً كالتوبيخ. 4 - تنقسم العقوبات من حيث نوع الجرائم إلى ثلاثة أقسام: 1 - عقوبات القصاص والديات: وهي العقوبات المفروضة على جرائم الاعتداء على النفس أو ما دون النفس. 2 - عقوبات الحدود: وهي العقوبات المفروضة على جرائم الحدود كالزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها. 3 - عقوبات التعزير:

وهي العقوبات المفروضة على جرائم التعازير، وهي كل ما سوى جرائم القصاص والحدود، مثل جريمة الخلوة بالأجنبية، وأكل الربا، والغش، والخيانة ونحو ذلك. 5 - تنقسم العقوبات من حيث تنفيذها إلى ثلاث: الأول: عقوبة أصلية: وهي عقوبة كل جريمة. الثاني: عقوبة تبعية: وهي التي تصيب الجاني تبعاً للحكم عليه بالعقوبة كحرمان القاتل من الميراث. الثالث: عقوبة تكميلية: لتحقيق قوة الردع، كتعليق يد السارق في رقبته، وصلب قاطع الطريق بعد قتله. فما أجمل أحكام هذه الشريعة المبنية على العدل والإنصاف، المشتملة على الرحمة والإحسان، المتميزة بالكمال والتمام. 1 - قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115]. 2 - وقال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} ... [المائدة: 50]. - حكم إقامة العقوبات الشرعية: شرع الله عز وجل العقوبات لتنفذ إذا وجد موجبها؛ حفظاً للأمة، وصيانة لها من الشرور والمفاسد. فإذا ثبتت الجريمة على أحد وجب على ولي الأمر تنفيذ عقوبتها، ولا يجوز لأحد أن يشفع لمجرم لإسقاط عقوبة الحد عنه، ولا يجوز لولي الأمر أو

غيره أن يأخذ من المجرم مالاً لإسقاط الحد عنه، سواء كان المال له، أو لبيت المال. فتعطيل حدود الله يوجب سخطه، وفساد المجتمع، واضطراب الأمن، وحصول الخوف، وتوالي النقم. فيجب على ولاة أمور المسلمين أن يقيموا حدود الله في عباده، ولا تأخذهم لومة لائم؛ طاعة لله ورسوله، ورحمة بالعباد، وإحساناً إليهم، لكف الناس عن المنكرات، وزجرهم عن الفواحش، وتخليصهم من الإثم والخطيئة، ولا يجوز أن يكون قصدهم من إقامتها إشفاء غيظ قلوبهم، ولا إرادة العلو والفساد. إن ولي الأمر بمنزلة الوالد الذي يؤدب ولده رحمة به وإصلاحاً له. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} ... [المائدة: 49]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّتْهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قال: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788) , واللفظ له، ومسلم برقم (1688).

2 - أقسام الجنايات

2 - أقسام الجنايات 1 - الجناية على النفس - أقسام القتل: ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام: قتل العمد .. قتل شبه العمد .. قتل الخطأ. 1 - قتل العمد قتل العمد: هو أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به. - صور قتل العمد: قتل العمد له صور كثيرة منها: 1 - أن يجرح الجاني أحداً بمالَهُ نفوذ في البدن كسكين، وبندقية، فيموت بسبب ذلك. 2 - أن يدهسه بسيارة، أو يلقي عليه حائطاً، أو يضربه بحجر كبير، أو عصاً غليظة، فيموت بسبب ذلك. 3 - أن يلقيه بما لا يمكنه التخلص منه كأن يلقيه في ماء فيغرق، أو نار فيحترق، أو يسجنه ويمنعه الطعام والشراب فيموت بسبب ذلك. 4 - أن يلقيه بزبية أسد، أو يُنهشه حية، أو يُمسكه لكلب عقور فيموت بسبب ذلك. 5 - أن يسقيه سماً لا يعلم به شاربه فيموت.

6 - أن يخنقه أو يشنقه بحبل أو غيره، أو يسد فمه فيموت. 7 - أن يلقيه من شاهق كرأس جبل أو حائط عال فيموت. 8 - أن يصعقه بالكهرباء فيموت بسبب ذلك. 9 - أن يقتله بسحر يقتل غالباً، أو يكرر فعلاً يؤدي إلى الوفاة. 10 - أن يشهد رجلان على أحد بما يوجب قتله فيُقتل، ثم يقولان عمدنا قتله فيُقتص منهما. ونحو ذلك من الصور التي يكون فيها قتل العمد جلياً. - أركان القتل العمد: أركان قتل العمد ثلاثة: الأول: أن يكون القتيل آدمياً حياً معصوم الدم. الثاني: أن يموت بسبب فعل الجاني. الثالث: أن يقصدا لجاني موت المجني عليه. - الآثار المترتبة على قتل العمد: القتل العمد يوجب أموراً ثلاثة: 1 - الإثم العظيم الموجب لغضب الله ولعنته. 2 - القود، أو العفو إلى الدية، أو العفو مطلقاً وهو أفضل. 3 - الحرمان من الميراث والوصية. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ... [النساء: 93].

2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة: 178]. - حكم قتل النفس عمداً: قتل النفس المعصومة عمداً من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وجريمة قتل العمد ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاّ اللهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ، المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أوْ قال: وَشَهَادَةُ الزُّورِ». متفق عليه (¬2). - حكم قتل الإنسان نفسه متعمداً: يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه، وهو ذنب عظيم موجب للخلود في النار. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6871) , واللفظ له، ومسلم برقم (88).

فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جُنْدَب بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأخَذَ سِكِّيناً فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قال اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). - حكم قتل الغِيْلة: قتل الغيلة: هو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل. كمن يخدع إنساناً ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد ثم يقتله. فهذا القتل غيلة من كبائر الذنوب، يُقتل فيه القاتل حداً لا قصاصاً، مسلماً كان القاتل أو كافراً، ولا يصح فيه العفو من أحد، ولا خيرة فيه لأولياء الدم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أفُلانٌ؟ أفُلانٌ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأوْمَأتْ بِرَأْسِهَا، فَأخِذَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778) , واللفظ له، ومسلم برقم (109). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3463) , واللفظ له، ومسلم برقم (113).

اليَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. متفق عليه (¬1). - حكم قتل الصائل: الصائل: هو من يعتدي على نفس الغير، أو عرضه، أو ماله. ويجوز للمصول عليه أن يدافع عن نفسه بما يرد شره عنه. ويشترط لدفع الصائل بقتله: 1 - أن يعتدي الصائل في وقت لا يجد فيه المصول عليه فرصة لإبلاغ الجهات الأمنية التي تقوم بحمايته ودفع الصائل عنه. 2 - أن يدفعه بالأسهل، فإن لم يندفع فله قتله إن رآه جازماً على قتله. ويجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه أي اعتداء إزالة للمنكر، ونصرة للمظلوم. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِماً أوْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2413) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672). (¬2) أخرجه مسلم برقم (140). (¬3) أخرجه مسلم برقم (49).

مَظْلُوماً». قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُوماً، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِماً؟ قال: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». أخرجه البخاري (¬1). - كيفية دفع الصائل: يجب على المصول عليه أن يدفع الصائل بأيسر ما يندفع به؛ لأن الإذن له بالدفاع عن نفسه إنما أبيح للضرورة، فيقدَّر بقدْرها. فيدفعه أولاً بالكلام اللين والتخويف بالله .. ثم بالاستغاثة بغيره إن أمكن .. ثم إذا لم يندفع ضَرَبه بيده أو أمسكه .. فإن لم يندفع جرحه في بدنه .. فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله .. فإن قتله الصائل وهو يدافعه فهو شهيد. - أقسام القتل العمد: ينقسم القتل العمد إلى قسمين: قتل مباشر .. وقتل بالسبب. 1 - القتل المباشر: وهو أن يباشر القاتل إزهاق الروح بنفسه كما لو طعنه بسكين أو مسدس فمات. والقتل المباشر ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يقتله بآلة جارحة لها نفوذ في البدن كالسكين والسيف ونحوهما. الثاني: أن يقتله بغير محدد كأن يضربه بعصاً أو حجر فيموت. 2 - القتل بالسبب: وهو أن لا يكون هو القاتل المباشر، ولكن يتسبب في القتل. والقتل بالسبب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: سبب حسي: كالإكراه على القتل. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2444).

الثاني: سبب شرعي: كأن يشهد زوراً على بريء بالقتل. الثالث: سبب عرفي: كتقديم طعام مسموم لمن يريد قتله، وحَفْر بئر في الطريق ليقع به من يريد قتله، أو يُنهشه حية، أو يجمعه مع أسد في قفص، أو ألقاه في نار فاحترق، أو رماه في ماء فغرق، أو أدخله في آلة ففرمته وقطعته ونحو ذلك. وقد تجتمع السببية والمباشرة، كما لو أكره إنساناً على قتل غيره، وهدده بالقتل إن لم يقتله. وإذا اجتمعت السببية والمباشرة أوجبت القصاص إما على الإثنين كما إذا كانا مكلفين بالغين عاقلين. وإما على أحدهما دون الآخر كمن أعطى سلاحاً لصغير أو مجنون وأمره بقتل آخر، فلا يُقتل القاتل؛ لأنه غير مكلف، ويُقتص من الآمر بالقتل، لأنه ألجأه إلى القتل. - صور السببية والمباشرة: السببية والمباشرة في القتل لها ثلاث صور: الأولى: تقديم المباشرة على السببية، كما لو ألقاه من شاهق، وقبل وصوله الأرض ضربه آخر بمسدس أو سيف، فالقاتل صاحب السيف أو المسدس لا المردي. الثانية: تقديم السببية على المباشرة، كما لو شهد شهود على محصن بالزنا فرجم، ثم رجع الشهود عن الشهادة، ويقولون نحن تعمدنا قتله، فيقتل الشهود.

الثالثة: أن تجتمع السببية والمباشرة، كما لو هدد أحداً وقال: إن لم تقتل فلاناً قتلتك فقتله، فيُقتص منهما معاً. أما الآمر فلأنه أكره المأمور على القتل، وأما المأمور فلأنه فدى نفسه بقتل غيره. - أحكام الآمر بالقتل والمباشر له: لذلك عدة صور: الأولى: إذا أمر الإمام أو نائبه أحداً بقتل إنسان فقتله، ثم تبين أن المقتول بريء. فإن كان المأمور يعلم أن المأمور بقتله معصوم الدم يحرم قَتْله فَقَتله فالقصاص عليه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وإن كان لا يعلم بذلك، ولكن قَتَله تنفيذاً لأمر السلطان فالقصاص على الآمر دون المأمور؛ لوجوب طاعة الإمام في غير معصية، ولأن الأصل أن الحاكم لا يأمر إلا بالحق. الثانية: إذا أمر السيد عبده أن يقتل شخصاً فقتله. فإن كان العبد يعلم أن المأمور بقتله معصوم الدم فالقصاص عليه، ويؤدَّب سيده. وإن كان لا يعلم بذلك فالقصاص على سيده؛ لوجوب طاعة سيده في غير معصية الله. الثالثة: إذا أمر أحد صبياً أو مجنوناً بقتل شخص فقتله فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور كالآلة بيد الآمر، لأنه غير مكلف. الرابعة: إذا أمر أحد شخصاً أن يقتل إنساناً فقتله فالقصاص على المأمور لا على

الآمر؛ لأنه لا تلزمه طاعته، ولا عذر له في الجرأة على قتله. الخامسة: إذا أمر أحد غيره ليقتله فقتله، فلا قصاص على القاتل لوجود الشبهة. السادسة: إذا أمسك أحد شخصاً فقتله الآخر، فالقصاص على القاتل والممسك له ليقتله، وإن لم يعلم الممسك أن القاتل يريد أن يقتله فلا شيء عليه. - القسامة: هي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. - حكم القسامة: تشرع القسامة في القتيل إذا وُجِد ولم يُعلم قاتله، واتُهم به قوم أو شخص ولم تكن بينة، وقامت القرائن على صدق المدعي. - شرط القسامة: يشترط للقسامة ما يلي: وجود العداوة .. أو كون المتهم من المعروفين بالقتل .. أو وجود السبب البيِّن كالتفرق عن قتل .. واللطخ وهو التكلم في عرضه .. وأن يتفق الأولياء في الدعوى .. وأن يكون المدعى عليه مكلفاً قادراً على القتل. - صفة القسامة: 1 - يُحضر القاضي المدعين والمدعى عليهم. 2 - يبدأ القاضي بالمدعين فيحلف خمسون رجلاً خمسين يميناً أن فلاناً هو الذي قتله، فيثبت بذلك القصاص. 3 - إذا امتنع أولياء الدم عن الحلف، أو لم يكمِلوا الخمسين يميناً، حلف المدعى عليهم خمسين يميناً إن رضوا، فإذا حلفوا برئ. 4 - إذا امتنع أولياء الدم عن الأيمان، ولم يرضوا بأيمان المدعي عليهم، فدى

الإمام القتيل بالدية من بيت المال؛ لئلا يضيع دم المعصوم هدراً. عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنّ عَبْداللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ، مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَىَ مُحَيّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنّ عَبْدالله بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ، فَأَتَىَ يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاللهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمّ أَقْبَلَ حَتّىَ قَدِمَ عَلَىَ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيّصَةُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُالرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيّصَةُ لِيَتَكَلّمَ، وَهُوَ الّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُحَيّصَةَ: «كَبّرْ، كَبّرْ» (يُرِيدُ السّنّ) فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ، ثُمّ تَكَلّمَ مُحَيّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إمّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» فَكَتَبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيّصَةَ وَعَبْدِالرّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟» قَالُوا: لا، قَالَ: «فَتَحْلِفُ لَكُمُ يَهُودُ؟» قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ نَاقَةٍ حَتّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمُ الدّارَ، فَقَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ. متفق عليه (¬1). - حكم الإكراه على القتل: إذا أكره أحد شخصاً إكراهاً ملجئاً بأن هدده بالقتل إن لم يقتل فلاناً فقتله بغير وجه حق فيجب القصاص عليهما، الآمر المُكْرِه، والمباشر المُكْرَه؛ لأنهما بمنزلة الشريكين في الجريمة. الآمر بقصده الكامل للقتل العمد، والمأمور بمباشرته القتل، واستبقاء حياته بقتل غيره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7192) , ومسلم برقم (1669)، واللفظ له.

- آجال الخلق: المقتول ظلماً أو قصاصاً كغيره من الموتى، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يتأخر أحد عن أجله. بل سائر النباتات والحيوانات لها آجال مقدرة، فلا يتقدم أحد، ولا يتأخر عن أجله، والله عَلِم ذلك وكتبه. فالله وحده يعلم أن هذا يموت بالهدم، أو الغرق، أو الحرق، ويعلم أن هذا يموت مقتولاً بالسم، أو السيف، أو الرصاص، ويعلم أن هذا يموت على فراشه .. وهذا يموت بسبب .. وهذا يموت في المرض .. وهذا يموت فجأة. فهي آجال مضروبة .. وآثار مكتوبة .. وأنفاس معدودة. 1 - قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} ... [الأعراف: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)} [المنافقون:11]. - حكم القتل بالسحر: يحرم قتل الآدمي بغير حق، بأي وسيلة. فإنْ قَتَله بالسحر فمات وجب القصاص على من سحره، كأن يسحره سحراً يمنعه من الأكل والشرب حتى يموت. أو يسحره سحراً يمنعه من النوم حتى هلك، أو يسحره سحراً يجعله يعتدي على نفسه فيقتلها ونحو ذلك.

فإذا ثبت ذلك على الساحر أو اعترف به حكم القاضي بالقصاص عليه. - حكم توبة القاتل عمداً: كل كافر أو مشرك أو مجرم أو مسلم إذا تاب تاب الله عليه. والقاتل عمداً إذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ولكن لا تعفيه توبته من عقوبة القصاص، فالقتل العمد يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل .. وحق للمقتول .. وحق لولي الدم. فإذا سلَّم القاتل نفسه طوعاً إلى الولي، نادماً على ما فعل، وتاب توبة نصوحاً، سقط حق الله بالتوبة، وسقط حق الولي بالقصاص، أو الدية، أو العفو. وبقي حق المقتول ظلماً، وشرط سقوطه استحلاله، وهو هنا متعذر، فيبقى تحت مشيئة الله. قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. - الحكم إذا اشترك في القتل من لا يقتص منه: إذا قام بأحد المشتركين في القتل العمد مانع من القصاص فلا قصاص عليهم، وإنما تجب عليهم الدية بالسوية. فإذا ثبت أن اشتراك من قام فيه المانع بتدبير من القاتل الآخَر لينجو من القصاص، فإنه يجب عليه القصاص؛ رداً لقصده السيء. ومثاله: أن يشترك صبي أو مجنون مع بالغ عاقل في قتل إنسان.

- عقوبات قتل العمد: لقاتل النفس عمداً ثلاث عقوبات في الدنيا: عقوبة أصلية وهي القصاص .. وعقوبة بدلية وهي الدية إذا عفا الولي عن القصاص .. وعقوبة تبعية وهي الحرمان من الميراث والوصية.

القصاص في النفس

القصاص في النفس - القصاص: هو أن يُفعل بالجاني كما فعل. وقد رخص الله لهذه الأمة ثلاث مراتب: القصاص .. أو أخذ الدية .. أو العفو. والأفضل منها يكون بحسب المصلحة: فإن كانت المصلحة تقتضي القصاص فهو أفضل، وإن كانت المصلحة تقتضي أخذ الدية فهي أفضل، وإن كانت المصلحة تقتضي العفو فهو أفضل. فالله قد أوجب القصاص والديات والحدود بما يحقق المصلحة، ويقطع دابر الشر، وأمر بالعفو ورغَّب بالإحسان لتأليف القلوب. - حكمة مشروعية القصاص: خلق الله الناس، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ليقوموا بعبادة الله وحده لا شريك له، ووعد الله من آمن بالجنة، وتوعد من كفر بالنار. وفي الناس من لا يستجيب لداعي الإيمان لضعف في عقيدته، أو يستهين بالحاكم لضعف في عقله، فيقوى عنده داعي ارتكاب الكبائر والمحرمات، فيحصل منه تعد على الآخرين في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم. فَشَرع العزيز الرحيم عقوبات القصاص والحدود لتمنع الناس من اقتراف هذه الجرائم، لأن مجرد الأمر والنهي لا يكفي بعض الناس عن الوقوف عند حدود الله.

وفي إقامة الحدود والقصاص الأمن العام، وصون الدماء، وحماية الأنفس، وزجر الجناة. وفي تنفيذ القصاص كف للقتل، وصيانة للمجتمع، وزجر عن العدوان، وحفظ للحياة، وشفاء لما في صدور أولياء المقتول، وتحقيق للأمن والعدل، وردع للقلوب القاسية الخالية من الرحمة والشفقة، وحفظ للأمة من وحشي يقتل الأبرياء، ويبث الرعب في البلاد، ويتسبب في حزن الأهل، وترمّل النساء، ويتم الأطفال. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179]. - حكم القصاص: القصاص من الجاني حق واجب لأولياء القتيل، والقصاص من القاتل أو العفو عنه يكفِّر إثم القتل؛ لأن الحدود كفارات لأهلها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} [البقرة: 178]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ الله، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ، المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.

مِنْ أصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ، وَلا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيكُمْ وَأرْجُلِكُمْ، وَلا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». بَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك. متفق عليه (¬1). - ثبوت القصاص: يثبت القصاص بواحد من أمرين: الأول: الاعتراف بالقتل. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أفُلانٌ أوْ فُلانٌ، حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أقَرَّ بِهِ، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالحِجَارَةِ. متفق عليه (¬2). الثاني: شهادة رجلين عدلين: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةَ الأَصْغَرَ أَصْبَحَ قَتِيلاً عَلَى أَبْوَاب خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ برُمَّتِهِ». أخرجه النسائي (¬3). - أركان القصاص: أركان ثبوت القصاص ثلاثة: الأول: الجاني: وهو من قام بالجناية. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (18) , واللفظ له، ومسلم برقم (1709). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6876) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672). (¬3) حسن/ أخرجه النسائي برقم (4720).

الثاني: المجني عليه: وهو الشخص المعتدى عليه. الثالث: الجناية: وهي فعل الجاني الموجب للقصاص. - أقسام القصاص: ينقسم القصاص إلى قسمين: الأول: قصاص في النفس. الثاني: قصاص فيما دون النفس كالجراح وقطع الأعضاء. - شروط وجوب القصاص في النفس: يشترط لوجوب القصاص في النفس شروط: منها ما يتعلق بالقاتل .. ومنها ما يتعلق بالمقتول .. ومنها ما يتعلق بالقتل .. ومنها ما يتعلق بولي القتيل. 1 - شروط القاتل: يشترط في القاتل الذي يُقتص منه ما يلي: 1 - أن يكون بالغاً عاقلاً. 2 - أن يكون متعمداً القتل. فلا قصاص على صغير ولا مجنون، ولا على من قتل غيره خطأً. 2 - شروط المقتول: يشترط في المقتول الذي يثبت به القصاص ما يلي: 1 - أن يكون المقتول إنساناً حياً. 2 - أن يكون مكافئاً للقاتل في الدين، فلا يُقتل مسلم بكافر.

3 - أن يكون المقتول معصوم الدم. 3 - شروط القتل: يشترط في القتل الذي يثبت به القصاص ما يلي: 1 - أن يكون القتل فعلاً للجاني كأن يذبحه بسيف أو مسدس، أو نتيجة لفعله كأن يحبسه ويمنعه الطعام حتى يموت. 2 - أن تزهق روح القتيل بسبب الجناية سواء باشر الفعل كأن يذبحه، أو تسبب في قتله كأن يشهد عليه زوراً فيُقتل. 4 - شروط ولي القتيل: يشترط في ولي القتيل إذا كان أكثر من واحد أن يتفقوا جميعاً على القصاص. - الفرق بين قتل القصاص والحرابة: 1 - أن قتل القصاص يُرجع فيه إلى أولياء القتيل، فلا يقتل الإمام القاتل إلا بطلب أولياء القتيل وإذنهم؛ لأن الحق لهم. 2 - أما في قتل الحرابة فلا يَرجع الإمام إلى أولياء القتيل ولا يستأذنهم؛ لأن الحق لله، وصيانة للأنفس والأموال من العابثين. - حكم قتل الصبي والمجنون: من قَتل صبياً أو مجنوناً قُتل به قصاصاً. وإذا قتل الصبي أو المجنون أحداً فلا يقاد به، ولكن تجب عليه الدية؛ لأن القاتل مرفوع عنه القلم، وغير مكلف، وغير مؤاخذ. وهكذا لو أن غير المكلف قطع عضواً، أو ضرب شخصاً فأتلف عضواً، فإنه

يجب ضمان هذه الجناية، ولا يجب عليه القصاص. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - عصمة الإنسان: يكون الإنسان معصوم الدم بأحد أمرين: الإيمان .. والأمان. فالمسلم إيمانه قد عصم دمه وماله. وأما العصمة بالأمان فهي نوعان: الأول: أمان مؤبد، وهذا هو عقد الذمة. الثاني: أمان مؤقت وهذا هو المستأمن. وهذا الأمان بنوعيه يعقده الإمام مع غير المسلمين، فيصبح الذمي بعقد الذمة من مواطني دار الإسلام لا يجوز الاعتداء عليه. والأمان المؤقت يمنحه الإمام لمن أراد دخول دار الإسلام لحاجة، ثم يخرج إلى بلده، فهذا يحرم الاعتداء عليه. قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]. - أصناف غير المعصومين: 1 - الكافر الحربي: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940) , وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا لفظه.

فلا قصاص على من قتله، سواء قتله في داره، أو في دار الإسلام إذا دخلها متلصصاً بغير أمان؛ لأنه مهدَر الدم. 2 - المستأمن الذمي: وهو الكافر الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان إذا ارتكب جرماً صيَّره مهدَر الدم. 3 - المرتد عن الإسلام: فمن قتل المرتد عن الإسلام لا قصاص عليه، لكن يعاقب تعزيراً؛ لافتياته على السلطة العامة. 4 - القاتل عمداً: فالقاتل عمداً مهدَر الدم، فمن قتله من أولياء القتيل لا قصاص عليه؛ لأن الحق لهم فقط، ومن قتله من غيرهم فعليه القصاص. 5 - قاطع الطريق: فلا قصاص على من قتل قطاع الطريق، لكن يعزر، لافتياته على الحاكم، لأن إقامة الحدود عن طريق الحاكم. 6 - الباغي: وهو من يخرج على الإمام العادل من البغاة بقوة السلاح، وله شوكة ومَنَعة، فيُقتل الباغي بالعادل، ولا يُقتل العادل بالباغي؛ لأن الباغي مهدَر الدم. 7 - الزاني المحصن: فلا قصاص ولا دية ولا كفارة على من قتل الزاني المحصن؛ لأنه مباح الدم كالمرتد، ولكن يعزر؛ لافتياته على الحاكم.

- أولياء القتيل: أولياء الدم الذين لهم أن يقتصوا أو يعفو هم جميع ورثة المقتول من الرجال والنساء، والكبار والصغار. فإن اختاروا كلهم القصاص وجب القصاص، وإن عفا أحدهم سقط القصاص أيضاً ولو لم يعف الباقون، وتعيَّن لمن لم يعف نصيبه من الدية. وإن كثر التحيل لإسقاط القصاص، وخيف اختلال الأمن بكثرة العفو، اختص العفو بالعصبة من الرجال دون النساء. والحكم يدور مع علته، والضرورة تقدَّر بقدرها. - أحكام القصاص: 1 - يُقتل المسلم إذا قتل مسلماً .. ويقتل الكافر إذا قتل مسلماً أو كافراً .. ولا يُقتل المسلم إذا قتل كافراً؛ لعدم المكافأة في الدين. 2 - يُقتل الكافر الذمي بالكافر الذمي، سواء اتفق دينهما أو اختلف .. ولا يُقتل كافر ذمي بكافر حربي؛ لأنه مباح الدم، فلا عصمة له. 3 - يُقتل الكافر المستأمن بالكافر المستأمن؛ للمساواة بينهما. 4 - يُقتل الحر بالعبد .. والعبد بالحر .. والسيد بعبده .. والعبد بسيده .. والذكر بالأنثى .. والأنثى بالذكر. 5 - تُقتل الجماعة بالواحد, ويُقتل الواحد بالجماعة؛ سداً للذرائع، ودفعاً للشر. وإن طلب بعضهم القصاص، وبعضهم الدية، فيُقتل الجاني لمن أراد القصاص، ويعطى أولياء القتلى الآخرون الديات من مال الجاني؛ لأن لكل نفس معصومة حق مستقل.

- كيفية تعيين القاتل إذا تعدد الجناة: إذا اعتدى الجناة على أحد ثم مات فلذلك صور: الأولى: إذا فوَّت الأول الحياة على المجني عليه فهو القاتل، كما لو شق بطنه وأخرج ما فيه، ثم جاء آخر فأجهز عليه، فالقاتل الأول؛ لأنه لا يبقى مع جنايته حياة. الثانية: إذا ألقى أحد شخصاً من شاهق، ثم تلقاه آخر بسيف أو رصاصة فقتله، فالقاتل الثاني؛ لأنه فوت عليه حياته، لأن الإلقاء يجوز أن يسلم منه. الثالثة: إذا قطع شخص يد المجني عليه من الكوع، ثم جاء آخر فقطعها من المرفق، ثم مات المجني عليه، فالقصاص عليهما معاً، وإن عفا الأولياء إلى الدية فعليهما معاً دية واحدة. الرابعة: إذا اجتمع جماعة على إنسان فقال أحدهم: أنا أمسكته ليُقتل، والثاني ذبحه، والثالث بقر بطنه، والرابع أشعل فيه النار، فيقتص منهم جميعاً؛ لاشتراكهم جميعاً في تنفيذ الجريمة. - حكم سراية الجناية: إذا اعتدى إنسان على آخر فقطع أصبعه، ثم سرت الجناية إلى بدنه فمات. فهذه السراية لها ثلاثة أحوال: 1 - إن كانت السراية بسبب إهمال المجني عليه حيث لم يذهب إلى الطبيب حتى تسمم الجرح، فالضمان عليه لا على الجاني. 2 - إن كانت السراية بسبب إهمال الطبيب أو تجاوزه، فالضمان على الطبيب؛ لأنه يضمن إذا قصر أو اعتدى.

3 - إن كانت السراية بسبب الجناية، فالمجني عليه حضر للطبيب، والطبيب بذل ما في وسعه، ولكن المرض استفحل، فالضمان على الجاني. - وظيفة الطب: الطب في الإسلام له جانبان، إن خرج عنهما فليس بطب: الأول: إصلاح الفاسد في الجسد، وهي الأمراض والأسقام التي تصيب الأبدان. الثاني: بذل الأسباب التي تَحُول بين الإنسان وبين الوقوع في المرض. فالأول يسمى الطب العلاجي .. والثاني يسمى الطب الوقائي. فإن فعل الطبيب بالآدمي غير هذين فقد خرج عن الإذن الشرعي، فلا دخل للطبيب في الحياة والموت والشفاء. إن أمكنه أن يداوي فليفعل ما في وسعه، وإن لم يمكنه فليقف ولا يتدخل بين المخلوق وخالقه، فالله أرحم بعباده من كل رحيم، يرحم سبحانه بهذه الأمراض من يشاء .. ويرفع درجاتهم .. ويعظ آخرين .. ويزيد في حسنات آخرين .. ويكفِّر سيئات آخرين .. ويبتلي آخرين .. والله حكيم عليم. - حكم إنهاء حياة المريض: إذا كان المريض ميئوساً من علاجه، فلا يجوز لأحد أن يعطيه إبرة تقضي على حياته ليرتاح من عذاب المرض. والبعض يسمي هذا قتل الرحمة، وهو في الحقيقة ظلم وعدوان، وقتل عمد فيه القصاص. ومثل ذلك حقن المواد السامة في جسم المجنون أو المشلول ونحوهما، ليرتاح مما نزل به، ويرتاح منه أهله.

فهذا كله وأمثاله من قتل العمد الذي يوجب القصاص، ومن التعدي على حدود الله بقتل خلقه. 1 - قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} ... [المائدة: 32]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاّ اللهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، إلاّ بِإِحدَى ثَلاَثٍ: الثّيّبُ الزَّانِي، وَالنّفْسُ بِالنّفْسِ، وَالتّارِكُ لِدِينِهِ، المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». متفق عليه (¬1). - حكم إسقاط الجنين: لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي. 1 - فإن كان الحمل في مدة الأربعين الأولى، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقَّع، جاز إسقاطه. 2 - لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة، إلا إذا قررت لجنة طبية موثوقة أن في بقائه خطر على سلامة أمه. 3 - بعد الطور الثالث بعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاط الحمل بحال، إلا إذا قررت تلك اللجنة أن في بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها؛ دفعاً لأعظم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878) , ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.

الضررين بأخفهما. 4 - إذا ثبت أن الجنين مشوه تشويهاً غير قابل للعلاج، وأنه إذا ولد ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله، وكان ذلك قبل تمام أربعة أشهر، وطلب والديه إسقاطه، جاز ذلك للضرورة. - شروط استيفاء القصاص: يشترط لاستيفاء القصاص ما يلي: 1 - أن يكون ولي الدم بالغاً عاقلاً حاضراً. فإن كان صغيراً أو غائباً حُبس الجاني حتى يبلغ الصغير، ويقدم الغائب، ثم إن شاء اقتص، أو أخذ الدية، أو عفا وهو الأفضل. أما المجنون فلا يُنتظر، لأنه لا يرجى زوال جنونه، فيقوم وليه مقامه. 2 - اتفاق جميع أولياء الدم على استيفائه، فإن عفا أحد الأولياء عن القصاص سقط، وتعينت الدية. 3 - أن يؤمن عند الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل. فإذا وجب القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع ولدها، وتسقيه اللبأ، فإن وجد من يرضعه وإلا أُمهلت حتى تفطمه، ثم اقتص منها. - من يستوفي القصاص: ولي المقتول هو الذي له الحق في استيفاء القصاص. 1 - إن كان ولي الدم واحداً فقط، وكان بالغاً عاقلاً قادراً على استيفاء القصاص بنفسه، مكَّنه الحاكم منه؛ لأنه حقه، وإن لم يتمكن بنفسه استوفى القصاص الحاكم نيابة عنه.

2 - إن كان مستحق القصاص جماعة فلهم أن يوكلوا واحداً منهم في استيفاء القصاص، ولهم أن يفوضوا الحاكم باستيفائه نيابة عنهم. 3 - إن كان مستحق القصاص صغيراً أو مجنوناً، انتظر بلوغ الصغير؛ لأن الحق له، أما المجنون فيقوم وليه مقامه. وإن قَتل الصغير أو المجنون الجاني القاتل فقد استوفى حقه. 4 - إن كان من له القصاص جماعة، وفيهم صغير أو غائب، انتظر بلوغ الصغير، وقدوم الغائب. 5 - إذا قتل أحد أولياء الدم الجاني بلا إذن الباقين فلا يجب عليه القصاص، لكن يضمن من الدية حصة شريكه إن اختار الدية، ويدفعها له من ماله. 6 - إذا لم يكن للمقتول وارث فالسلطان وليه في استيفاء القصاص. 7 - يجب استئذان الإمام في استيفاء القصاص، ولا يشترط حضور الإمام عند الاستيفاء، وإن حضر فهو أحسن؛ منعاً للجور، وإظهاراً لجدية ولي الأمر في تنفيذ أحكام الله، وإذا لم يحضر الإمام أقام من ينوب عنه. قال الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} ... [الإسراء: 33]. - حكم تأجيل استيفاء القصاص: 1 - يجوز لولي المقتول تأجيل استيفاء القصاص بعد ثبوته؛ لأن الحق له. ولا يجوز إجباره على سرعة الاستيفاء؛ لاحتمال أن يعفو عن القصاص، أو أخذ الدية. 2 - إذا وجب القصاص على امرأة حامل أُمهلت حتى تضع ولدها وترضعه حتى

تفطمه إن لم يوجد من يرضعه. فإنْ قتلها ولي الدم وهي حامل فهو آثم، وعليه دية الجنين غُرّة عبد أو أمة. 3 - يُحبس القاتل عند تأخر الاستيفاء؛ حفظاً لحق مستحق القصاص، وإن أحضر القاتل كفيلاً لم يُقبل منه؛ لأنه لا يمكن الاستيفاء من الكفيل إذا هرب القاتل. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزّنَى. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ الله أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيّ. فَدَعَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إلَيْهَا. فَإذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَشُكّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمّ صَلّىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلّي عَلَيْهَا يَا نَبِيّ الله وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله تَعَالَىَ؟». أخرجه مسلم (¬1). - مكان استيفاء القصاص: يُستوفى القصاص في الأماكن العامة، والساحات الواسعة، ويقتص من الجاني ولو كان في الحرم. فإن التجأ الجاني إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، أو غيره من المساجد، أُخرج منه وقتل؛ صيانة للمساجد من التلوث. - وقت استيفاء القصاص: يستوفى القصاص من الجاني في أي وقت في النهار أو الليل، وفي الحر أو ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1696).

البرد، وفي حال الصحة أو المرض. والمرأة الحامل لا يقتص منها حتى تضع ولدها كما سبق. ولا يستوفى القصاص إلا بإذن الإمام أو نائبه. عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أفُلانٌ؟ أفُلانٌ حَتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فَأوْمَأتْ بِرَأْسِهَا، فَأخِذَ اليَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. متفق عليه (¬1). - حكم أخذ الدية بدل القصاص: يجوز أخذ الدية بدل القصاص في قتل العمد، ويجوز لولي الدم أخذها في قتل شبه العمد والخطأ، فتؤخذ وتوزع على ورثة القتيل. 1 - إذا كان القاتل غنياً لا تهمه الدية، وهناك فقراء وضعفاء في قرابة المقتول، فأحب وليه أن يأخذ الدية، ويتصدق بها على الفقراء من أقاربه، فهذا فيه ثواب عظيم، وإحسان بالصدقة على ذوي رحمه. 2 - إن كان أولياء القاتل ضعفاء وفقراء لا يستطيعون تحمل الدية، أو يكون القاتل عمداً فقيراً لا يستطيع حمل الدية فهنا العفو أفضل وأحسن. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)} ... [البقرة: 178]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} ... [التغابن: 14]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2413) , واللفظ له، ومسلم برقم (1672).

- كيفية استيفاء القصاص: 1 - إقامة القصاص إذا ثبت واجبة على الإمام أو نائبه إذا طلب أولياء القتيل ذلك من الإمام. 2 - يُستوفى القصاص بإذن الإمام أو نائبه، ويحسن حضوره أو من ينيبه. 3 - الأصل في القصاص أن يُقتل الجاني بمثل ما قَتل به المجني عليه. فلو قتله الجاني بالسيف، أو الرصاص، أو الحجر، أو النار، أو أغرقه، أو جوَّعه، أو دفنه فمات، فلولي القتيل قتل الجاني بمثل ما قَتل به. ويجب استيفاء القصاص بآلة ماضية من سيف ونحوه. 4 - يجب على ولي المقتول أن يحسن إلى الجاني عند استيفاء القصاص، فيقتص منه بآلة حادة لا يتعذب بها الجاني. 5 - يسن تذكير الجاني بالتوبة النصوح، وصلاة لم يؤدها، وديوناً لم يقضها، والوصية بما له وما عليه. 6 - يجب الرفق بالجاني عند سَوْقه إلى مكان الاستيفاء، وستر عورته. 7 - من قتل غيره بمحرم كزنا، أو فِعْل فاحشة قوم لوط، أو شُرب خمر، فلا يقتص منه بمثل فعله، ولكن يقتل بالسيف. 8 - لا يجوز أن يعطى الجاني المخدِّر عند القتل، قصاصاً أو حداً، أو عند القصاص في الأطراف؛ لأن المجني عليه تألم وتضرر، فيجب أن يتألم الجاني ويتضرر؛ ليتحقق العدل، ويحصل الروع. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} ... [النحل: 126].

2 - وقال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة: 194]. 3 - وَعَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إنّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ، فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ، وَلْيُحِدّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم سب الجاني بعد قتله: لا يجوز لأحد أن يسب الجاني بعد قتله قصاصاً، أو يشتمه، أو يلعنه، وكذا من أقيم عليه حد الزنا، أو القذف، أو الجلد؛ لأن الله أقامهم أمام العباد اعتباراً، ولم يُقمهم شماتة، فلا يحل لأحد أن يسبهم أو ينتقصهم. والجاني إذا كان مسلماً واقتص منه يغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين. عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قصةِ مَاعِز -وفيه- قَالَ: فَجَاءَتِ الغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدَّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً، فَوَالله إِنّي لَحُبْلَى. قَالَ: «إِمّا لاَ، فَاذْهَبِي حَتّى تَلِدِي» فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدَتْ. قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ». فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ الصّبِيّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1955).

رَأْسَهَا. فَتَنَضّحَ الدّمُ عَلىَ وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبّهَا. فَسَمِعَ نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبّهُ إِيّاهَا. فَقَالَ «مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ». ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَصَلّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم التمثيل بجثث القتلى: التمثيل بجثث القتلى له حالتان: الأولى: إذا كان التمثيل على وجه القصاص فلا يجوز. الثانية: إذا كان على وجه العقوبة والنكاية كمن عَظُم جرمه في المسلمين فهذا جائز. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]. 2 - وَعَنْ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً اجْتَوَوْا فِي المَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ، يَعْنِي الإِبِلَ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ، فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإِبِلَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. متفق عليه (¬2). - حكم سراية الجناية والقصاص: 1 - سراية الجناية مضمونة بقصاص أو دية، وسراية القصاص مهدرة. فلو قطع الجاني رِجْل أحد ثم مات فعليه القصاص، ومن اقتُص منه بقطع ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1695). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5686) , واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

يده ثم مات فلا قصاص ولا دية؛ لأنه استوفى حقه، فلا يضمن ما سواه. 2 - من مات في حد كالقطع في السرقة، والجلد في الزنا، أو في قصاص في الأطراف فديته من بيت المال. 3 - إذا قطع أصبعاً عمداً فعفا عنها المجني عليه، ثم سرت إلى الكف أو النفس، وكان العفو على غير شيء، فلا قصاص ولا دية. وإن كان العفو على مال فله تمام الدية. - سقوط القصاص: يسقط القصاص عن الجاني بما يلي: 1 - فوات محل القصاص بموت الجاني، وتتعين الدية في مال القاتل؛ لأنه إذا فات القصاص بقي الواجب الآخر وهو الدية. 2 - العفو عن القاتل ممن له حق العفو. 1 - إن عفا عنه ثم قتله من عفا فعليه القصاص؛ لأنه قتل معصوم الدم. 2 - إذا وجب القصاص على أكثر من واحد فله أن يعفو عن واحد، ويقتص من الآخر؛ لأن لولي القتيل حق مستقل على كل واحد. 3 - إذا عفا أحد أولياء القتيل سقط القصاص عن القاتل، وانقلب نصيب الآخر دية بحسب نصيبه من الدية. 4 - إن قَتَل الجاني أكثر من واحد فعفا ولي أحدهما عن القصاص، فللآخر أن يقتص من القاتل؛ لأن له حقاً مستقلاً فيأخذه. 5 - إن عفا المجني عليه قبل موته ثم مات صح عفوه. 6 - إذا كان القاتل جماعة فعفا عنهم ولي الدم إلى الدية فعليهم دية واحدة، وإن

عفا عن بعضهم فعلى كل واحد من المعفو عنهم قسطه من الدية. 3 - الصلح مع القاتل بمثل الدية أو أكثر أو أقل. فإذا تصالحوا على مال بدل القصاص جاز، وإن كانوا أكثر من واحد فصالح بعضهم سقط القصاص، وانقلب نصيب الآخر مالاً. 4 - الإرث: فيسقط القصاص بالإرث، كأن يجب القصاص لشخص فيموت فيرثه القاتل. كما لو قتل أخ أخاه، وللمقتول ابن فمات؛ فورثه عمه القاتل، فيسقط القصاص عنه.

2 - قتل شبه العمد

2 - قتل شبه العمد قتل شبه العمد: هو أن يقصد إنساناً معصوم الدم فيقتله بجناية لا تقتل غالباً ولم يجرحه بها، فيموت بها المجني عليه. - صور قتل شبه العمد: أن يضرب أحد شخصاً في غير مقتل بعصاً صغيرة أو بسوط، أو لَكَزه بيده ونحو ذلك. فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فسمي شبه عمد. - الفرق بين قتل العمد وشبه العمد: قتل العمد وشبه العمد يشتركان في قصد الجناية، وتغليظ الدية، والعفو. ويختلفان فيما يلي: 1 - العمد فيه القصاص، وشبه العمد لا قصاص فيه. 2 - دية العمد على القاتل، ودية شبه العمد على العاقلة. 3 - العمد ليس فيه كفارة، وشبه العمد فيه كفارة. 4 - دية العمد تكون حالَّة، ودية شبه العمد مؤجلة على ثلاث سنين. - حكم قتل شبه العمد: قتل شبه العمد من كبائر الذنوب؛ لأنه اعتداء على نفس معصومة بغير حق، وفيه الدية مغلظة على العاقلة. عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى أنَّ

دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه (¬1). - ما يجب بقتل شبه العمد: تجب في قتل شبه العمد والخطأ الدية مع الكفارة. أما الدية فعلى العاقلة، وأما الكفارة فلمحو الإثم الحاصل بسبب التفريط في قتل نفس معصومة. أما قتل العمد العدوان فلا كفارة له؛ لأن إثمه عظيم، لا يرتفع بالكفارة؛ لشدته وشناعته. ويجب في قتل شبه العمد ما يلي: 1 - الدية المغلظة: وهي مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، وتتحمل العاقلة هذه الدية، وتكون مؤجلة على ثلاث سنين. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ يَوْمَ الفَتْحِ بمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثلاَثاً ثمَّ قَالَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلاَ إِنَّ كُلَّ مَأْثرَةٍ كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ تُذكَرُ وَتُدْعَى مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الحَاجِّ وَسِدَانَةِ البَيْتِ» ثمَّ قَالَ: «أَلاَ إِنَّ دِيَةَ الخَطَإِ شِبْهِ العَمْدِ مَا كَانَ بالسَّوْطِ وَالعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإبلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِ أَوْلاَدِهَا». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). 2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1681). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4547) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2628).

مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92]. ويستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، فإن عفو سقطت، وإن عفا بعضهم فللباقي نصيبه من الدية بحسب ميراثه، أما الكفارة فهي لازمة للجاني. - سر تنوع أحكام القتل: وجب القصاص في العمد؛ لأن الجاني قصد القتل وفعله. ولم يجب القصاص في شبه العمد؛ لأن الجاني لم يقصد القتل، ووجبت الدية لضمان النفس المتلَفة. وجُعلت الدية مغلظة؛ لوجود قصد الاعتداء، وجُعلت على العاقلة؛ لأنهم أهل الرحمة والنصرة. ولزمت الكفارة الجاني خاصة -عتقاً أو صياماً- لمحو الإثم عنه؛ لأن الكفارة حق لله تعالى، فهي عبادة يُلزم بها القاتل لا غيره. - عقوبات قتل شبه العمد: عقوبات قتل شبه العمد ثلاثة أنواع: 1 - عقوبة أصلية: وهي الدية المغلظة، والكفارة. 2 - عقوبة بدلية: وتكون بالتعزير إذا سقطت الدية بسبب ما، والصوم في الكفارة إذا عجز عن عتق الرقبة. 3 - عقوبة تبعية: الحرمان من الميراث والوصية. وقتل النفس من الكبائر التي لا يمحو ذنبها إلا التوبة النصوح.

3 - قتل الخطأ

3 - قتل الخطأ قتل الخطأ: هو أن يفعل الإنسان ما له فعله فيصيب آدمياً معصوم الدم لم يقصده فيقتله. مثل أن يرمي صيداً أو هدفاً فيصيب إنساناً فيقتله. - أقسام قتل الخطأ: قتل الخطأ نوعان: الأول: أن يفعل فعلاً لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، مثل أن يقصد رمي صيد فيصيب بفعله إنساناً، أو يقصد رجلاً غير معصوم فيصيب غيره. الثاني: أن يقتل من يظنه مرتداً، أو كافراً حربياً، فإذا هو مسلم، فالأول خطأ في نفس الفعل، والثاني خطأ في ظن الفاعل. وهذا وهذا، كلاهما قَتْل خطأ، تجب فيه الدية والكفارة، ولا قصاص فيه. - ما يُلحق بقتل الخطأ: يُلحق بقتل الخطأ ما يلي: 1 - ما هو في معنى الخطأ من كل وجه، وهو ما كان عن طريق المباشرة، كأن ينقلب النائم على إنسان فيقتله بثقله. 2 - ما هو في معنى الخطأ من وجه دون وجه، وهو ما كان عن طريق التسبب، كما لو حفر حفرة في طريق عام، فسقط فيها إنسان فمات. 3 - عمد الصبي والمجنون؛ لأن المجنون لا قصد له، والصغير وهو من دون البلوغ غير مكلف.

4 - السكران إذا شرب الخمر ليقتل؛ لأنه قَصَد الجناية قبل أن يسكر. - ما يجب بقتل الخطأ: قتل الخطأ ينقسم إلى قسمين: الأول: تجب فيه الكفارة على القاتل، والدية المخففة على العاقلة، وهو قتل المؤمن خطأ في غير صف القتال، أو كان القتيل من قوم بيننا وبينهم ميثاق، وتكون هذه الدية مؤجلة على ثلاث سنين. عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الإبلِ ثلاَثونَ بنْتَ مَخَاضٍ وَثلاَثونَ بنْتَ لَبُونٍ وَثلاَثونَ حِقَّةً وَعَشَرَةُ بَنِي لَبُونٍ ذكَرٍ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). الثاني: تجب فيه الكفارة فقط، وهو المسلم الذي يقتله المسلمون بين الكفار في بلادهم يظنونه كافراً. فهذا لا دية على قاتله، وإنما عليه الكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92]. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4541) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2630).

- ما يترتب على قتل الخطأ: يترتب على قتل الخطأ ما يلي: 1 - الدية على العاقلة مؤجلة ثلاث سنين. 2 - الكفارة على القاتل خاصة. وتسقط الكفارة إذا لم يفرط القاتل، كمن حفر في ملكه بئراً للشرب، فسقط فيها أحد فمات فلا دية عليه ولا كفارة. وإذا رمى المسلم صف الكفار فقتل مسلماً سقطت الدية، ولزمته الكفارة. - عقوبة قتل الخطأ: لا قصاص في قتل شبه العمد والخطأ. وإنما قتل الخطأ له عقوبتان: 1 - أصلية: وهي الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل. 2 - تبعية: وهي الحرمان من الميراث والوصية. - الفرق بين قتل العمد والخطأ: 1 - العمد فيه قصاص، والخطأ لا قصاص فيه. 2 - العمد فيه إثم عظيم، والخطأ لا إثم فيه. 3 - العمد ديته مغلظة، والخطأ ديته مخففة. 4 - العمد لا كفارة فيه، والخطأ فيه كفارة. 5 - العمد ديته على القاتل، والخطأ ديته على العاقلة.

- الفرق بين قتل شبه العمد والخطأ: قتل شبه العمد والخطأ يتفقان فيما يلي: أن الدية تكون مؤجلة .. وتكون على العاقلة .. وجوب الكفارة .. العفو. ويختص شبه العمد أن فيه قصد الاعتداء، وتجب فيه الدية مغلظة، وفيه الإثم. ويختص قتل الخطأ بعدم قصد الاعتداء، وتجب فيه الدية مخففة، ولا إثم فيه. - عاقلة الإنسان: عاقلة الإنسان: هم الذكور من عصبته كلهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، ويدخل فيهم أصوله وفروعه، وهم الآباء والأبناء الذكور، والإخوة لغير أم وأبناؤهم، والأعمام وأبناؤهم، يبدأ بالأقرب فالأقرب، ويأخذ الأسهل عليه. فهؤلاء الذكور أحق العصبات بميراث الجاني، فكانوا أولى الأقارب بنصرته ومواساته وتحمُّل ديته. - من لا عقل عليه من الأقارب: لا تؤخذ الدية من فقير من العاقلة، ولا من أنثى، ولا من غير مكلف كالصغير والمجنون، ولا من مخالف لدين الجاني، ولا رقيق؛ لأن تحمل الدية للنصرة والمواساة، والفقير لا يقدر على المواساة، وغيره ليس من أهل النصرة، والرقيق ماله لسيده.

- ما لا تتحمله العاقلة: تحمل العاقلة الدية في جناية شبه العمد والخطأ. ولا تحمل العاقلة دية العمد المحض .. ولا تحمل دية العبد جانياً أو مجنياً عليه؛ لأنه كالمال المتلَف، فضمانه على القاتل. ولا تحمل العاقلة صلحاً عن دعوى قتلٍ أنكره المدعى عليه. ولا تحمل العاقلة اعترافاً من الجاني لم تصدقه به، ولا قيمة متلف. ولا تحمل العاقلة ما دون ثلث الدية التامة، وهي مائة من الإبل. فتحمل العاقلة كل دية كاملة في جناية شبه العمد والخطأ. وتحمل كل دية بلغت ثلث الدية الكاملة فما فوقها، ولا تحمل ما دونها؛ لأنه قليل لا يشق على الجاني تحمله. - حكم من لا عاقلة له: تجب دية جناية شبه العمد والخطأ على عاقلة الجاني، فإن لم يكن له عاقلة فتجب على الجاني نفسه، فإن لم يكن قادراً فتؤدى من بيت مال المسلمين. فالدية حق واجب بسبب الجناية، فيجب ضمانه وأداؤه لمستحقه إلا أن يعفو فيسقط. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ، سَقَطَ مَيّتاً، بِغُرّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمّ إنّ المَرْأَةَ الّتِي قُضِي عَلَيْهَا بِالغُرّةِ تُوُفّيَتْ. فَقَضَىَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنّ مِيرَاثَهَا لزوجها وَبَنِيهَا، وَأَنّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6740) , ومسلم برقم (1681)، واللفظ له.

- حكم الصيام عن الميت: من مات وعليه صيام واجب كرمضان أو صوم شهرين متتابعين كفارة، أو صوم نذر فلا يخلو من حالين: الأولى: أن يكون قادراً على الصيام فلم يصم. فهذا يصوم عنه وليه أو أولياؤه، يتقاسمون الأيام بشرط التتابع في صيام الكفارة، فيصوم الأول ثم الثاني .. وهكذا حتى تنتهي الأيام. الثاني: أن يكون معذوراً بمرض ونحوه لم يتمكن معه من الصيام. فهذا لا يلزم عنه الإطعام ولا الصيام؛ لأنه معذور. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». متفق عليه (¬1). - حكم تشريح جثة الإنسان: يجوز تشريح جثة الميت عند الضرورة لكشف الجريمة، ومعرفة سبب الوفاة، صيانة لحق الميت وحق الجماعة من داء الاعتداء. كما يجوز عند الضرورة تشريح جثث الموتى من الكفار، لمعرفة المرض، والتعلم والتعليم في مجال الطب. - أهم وسائل النقل: أنعم الله على عباده بنوعين من وسائل النقل: الأول: ما خلقه الله وسخره لخدمة الإنسان من الحيوان كالإبل والخيل والبغال والحمير. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952) , ومسلم برقم (1147).

الثاني: ما هدى الله الإنسان لصناعته والانتفاع به، وهي وسائل النقل الحديثة في البر والبحر والجو كالسيارات والسفن والطائرات والقطارات. قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)} ... [النحل: 8 - 9]. - حكم قيادة السيارة: ينقسم الناس في استخدام السيارات إلى ثلاثة أقسام: 1 - من يجيد قيادة السيارة، ويعرف واجباتها، ويفهم أنظمة السير. فهذا يجوز له قيادة السيارة، لأنه أهل لذلك. 2 - من لا يجيد قيادة السيارة، ولا يعرف أنظمة السير. فهذا مفرط لا يجوز له قيادة السيارة، لئلا يهلك نفسه ويضر غيره. 3 - من يجيد القيادة، ويعرف أنظمة السير، ولكنه لا يطبقها، ويعمد إلى مخالفتها. فهذا جان على نفسه وعلى غيره فيما خالف فيه. - أحكام حوادث السيارات: الإصابة بحوادث السيارات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون الإصابة في أحد ركاب السيارة. ولهذا القسم أربعة أحوال: الأول: أن يكون السائق مفرطاً في عدم غلق باب السيارة، وعدم تفقد عجلاتها ونحو ذلك.

الثاني: أن يكون السائق متعدياً، كأن يسرع سرعة زائدة، أو يحمِّل السيارة فوق طاقتها، أو يلعب بفرامل السيارة أو مقودها، فيقع بسبب ذلك حادث. فهذا المفرط والمتعدي إذا مات معه أحد وجب على السائق ما يلي: 1 - كفارة قتل الخطأ وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. 2 - ضمان كل ما تلف بسبب الحادث من أموال. 3 - وجوب الدية على عاقلة السائق، مؤجلة على ثلاث سنين. الثالث: أن يكون الحادث بسبب من غير السائق. كأن ينكسر ذراع السيارة، أو ينفجر العجل، أو يهوي به جسر. الرابع: أن يتصرف السائق تصرفاً يريد به النجاة والسلامة. كأن تقابله سيارة مسرعة فينحرف عنها لئلا تصدمه، فتنقلب السيارة ويموت الركاب. فهذا السائق في الحالتين لم يتعد ولم يفرط، بل هو أمين قائم بما يجب عليه، فلا شيء على السائق. القسم الثاني: أن تكون الإصابة في غير ركاب سيارته: ولهذا القسم حالتان: الأولى: أن يكون المتسبب في الحادث المصاب نفسه. كأن يفاجئه إنسان فيرمي نفسه أمام سيارة، ولا يمكن تلافي خطره. فهذا لا يضمنه سائق السيارة؛ لأن المصاب هو الذي تسبب في إصابة نفسه أو قتلها. الثانية: أن يكون الحادث بسبب من السائق.

كأن يدهس إنساناً يسير أمامه، أو يصدم جداراً أو شجرة ونحوهما فيصيب إنساناً أو غيره، أو يرجع إلى الوراء فيدهس إنساناً. فهذا يجب عليه ما يلي: كفارة قتل الخطأ على السائق .. ضمان ما أتلفه من أموال .. الدية المخففة على عاقلة السائق مؤجلة على ثلاث سنين. - حكم التفحيط: التفحيط: هو العبث بالسيارة بسير غير سويّ. وحكم التفحيط محرم، ويجب أن يعزر من يفعله؛ لما يترتب على فعله من قتل الأنفس، وإتلاف الأموال، وإزعاج الناس، وتعطيل حركة السير. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29].

2 - الجناية على ما دون النفس

2 - الجناية على ما دون النفس - الجناية على ما دون النفس: هي كل أذى يقع على جسم الإنسان من غيره من دون أن يودي بحياته. - أقسام الجناية: تنقسم الجناية إلى قسمين: الأول: جناية على البهائم والجمادات بالغصب والإتلاف ونحوهما. الثاني: جناية على الإنسان، وهي نوعان: 1 - جناية على النفس بالقتل كما تقدم. 2 - جناية على ما دون النفس بالضرب، أو القطع، أو الجَرْح ونحو ذلك. وكل ذلك جناية محرمة يستحق فاعلها الإثم والعقوبة. - أقسام الجناية فيما دون النفس: الجناية فيما دون النفس لها أربع حالات: الأولى: أن تكون الجناية بإتلاف الطرف بقطع ونحوه، كقلع العين أو السن، وقطع الأذن أو اللسان أو اليد أو الأصبع ونحو ذلك. الثانية: أن تكون الجناية بإذهاب منفعة أحد الأعضاء، كإذهاب حاسة السمع، أو البصر، أو العقل، أو الكلام ونحو ذلك. الثالثة: أن تكون الجناية بجَرْح البدن، سواء كان الجرح في الرأس أو سائر البدن. الرابعة: أن تكون الجناية بكسر العظام، سواء كانت عظام الرأس، أو الظهر، أو

الصدر، أو الرقبة أو سائر عظام البدن. ولكل قسم من هذه الحالات أحكام في القصاص والديات. - حكم التعدي على ما دون النفس: يحرم التعدي على الأطراف بالجرح أو القطع كما يحرم التعدي على النفس، فإذا كان التعدي على ما دون النفس عمداً ففيه القصاص. وإن كان التعدي خطأ أو شبه عمد فلا قصاص فيه، وإنما تجب فيه الدية. ومن أقيد بأحد في النفس أقيد به في الطرف والجراح، ومن لا فلا كما سبق. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ». أخرجه مسلم (¬1). - طرق إثبات الجناية: تثبت الجناية بإحدى الطرق الآتية: الإقرار .. الشهادة .. القرائن .. النكول عن اليمين .. القسامة. 1 - الإقرار: هو الإخبار عن ثبوت حق الغير على نفسه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2564).

وهو حجة قاصرة على المقر لا يتعدى أثره إلى غيره. ويصح من كل بالغ عاقل مختار غير متهم في إقراره. ولا يجوز الرجوع عن الإقرار إلا في الحدود؛ لأنها تُدرأ بالشبهة. 2 - الشهادة: وهي إخبار صادق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء. وعدد الشهود اثنان إلا في الزنا فلا يُقبل فيه إلا أربعة شهود. ولا تقبل شهادة النساء مع الرجال في الجنايات والقصاص والحدود، بل لابدّ فيها من شهادة رجلين عدلين؛ لخطورتها، وضرورة التأكد من ثبوتها. 3 - القرينة: وهي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً فتدل عليه. ولا يُحكم بالقرائن في الحدود؛ لأنها تُدرأ بالشبهات، ولا في القصاص إلا في القسامة واللَّوْث؛ للاحتياط في أمر الدماء. 4 - النكول عن اليمين: هو الامتناع عن اليمين الموجهة إلى المدعى عليه من جهة القاضي. ولا يُقضى بالنكول في الحدود؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات. ولا يقضى به في القصاص، لكن يُحبس الجاني حتى يقرّ أو يحلف. 5 - القسامة: وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم لنفي التهمة، وهي خمسون يميناً. وإذا حلفها أولياء القتيل وجب القصاص في حال العمد، والدية في حال الخطأ وشبه العمد، وإذا حلفها أولياء القاتل برئ القاتل، فإن لم يكن للقاتل أولياء حلف الخمسين يميناً وبرئ.

- فضل العفو عن القصاص: يستحب العفو عن القصاص في الأطراف والجروح إلى الدية، وأفضل من ذلك العفو مجاناً، ويستحب طلبه ممن يملكه، ومن عفا وأصلح فأجره على الله. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ فِيهِ القِصَاصُ إِلاَّ أَمَرَ فِيهِ بالعَفْوِ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - ما لا ضمان فيه: كل جناية بسبب من الظالم المعتدي فهي هدر لا قصاص فيها ولا دية، ومن ذلك: 1 - من اطلع في دار أحد بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ أبُو القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أنَّ امْرَءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ». متفق عليه (¬2). 2 - من عض غيره بأسنانه، فنزع يده فسقطت أسنان العاض فلا قصاص عليه ولا دية؛ لأنه غير معتد. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فيِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يَعَضُّ أحَدُكُمْ أخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَكَ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4497) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2692)، وهذا لفظه. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6902) , واللفظ له، ومسلم برقم (2158). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6892) , واللفظ له، ومسلم برقم (1673).

3 - من قتل شخصاً أو حيواناً دفاعاً عن نفسه، أو عن نفس غيره، أو عرضه أو ماله أو مال غيره، إذا لم يندفع إلا بالقتل فلا قصاص عليه ولا دية. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - القصاص فيما دون النفس: إذا كانت الجناية عمداً فالقصاص فيما دون النفس نوعان: الأول: القصاص في الأطراف: فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والذكر، والخصية ونحوها، يؤخذ كل واحد من ذلك بمثله. الثاني: القصاص في الجروح: فإذا جرح أحد غيره عمداً فعليه القصاص، سواء انتهى الجرح بعظم كالذراع والساق ونحوهما، أو لم ينته بعظم كجرح البطن. 1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} ... [المائدة: 45]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (140).

2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا العَفْوَ فَأبَوْا، فَأتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقال أنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقال: «يَا أنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ». فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ، مَنْ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ». متفق عليه (¬1). - شروط القصاص في الأطراف والجراح: يشترط لثبوت القصاص في الأطراف والجراح ما يلي: عصمة المجني عليه .. أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً .. المكافأة في الدين، فلا يُقتل مسلم بكافر أو يقتص منه، أن تكون الجناية عمداً. - شروط استيفاء القصاص في الأطراف والجراح: إذا ثبت القصاص وجب استيفاء القصاص إذا توفرت الشروط الآتية: 1 - الأمن من الحيف: بأن يكون القطع من مفصل، أو له حد ينتهي إليه. 2 - المماثلة في الاسم: فتؤخذ العين بالعين مثلاً، ولا تؤخذ يمين بشمال، ولا خنصر ببنصر وهكذا ... 3 - الاستواء في الصحة والكمال فلا تؤخذ يد أو رجل صحيحة بشلّاء، ولا عين صحيحة بعين لا تبصر، ويؤخذ عكسه ولا أرش. فإذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص. وإن لم تتحقق سقط القصاص، وتعينت الدية. 4 - إذا كان القصاص في الجروح، فيشترط استيفاء القصاص من غير حيف ولا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1675).

زيادة، فإن لم يمكن سقط القصاص، وتعينت الدية. - حكم سراية الجناية: 1 - سراية الجناية مضمونة بقود أو دية في النفس فما دونها، فلو قطع الجاني أصبعاً فتآكلت حتى سقطت اليد، وجب القود في اليد، وإن سرت الجناية إلى النفس فمات المجني عليه وجب القصاص. 2 - لا يقتص من طرف أو عضو أو جرح قبل برئه؛ لاحتمال سراية الجناية في البدن، ولا يطلب له دية حتى يبرأ؛ لاحتمال السراية إلى غيره. 3 - إذا قطع أصبعاً عمداً فعفا عنها المجني عليه، ثم سرت إلى الكف أو النفس، وكان العفو على غير شيء فلا قصاص ولا دية، وإن كان العفو على شيء فعليه دية ما تلف. 4 - من مات في حد كالجلد والسرقة ونحوهما، أو في قصاص في الأطراف والجراح فلا قصاص، ولكن تجب ديته في بيت مال المسلمين؛ لأن سراية القصاص والحدود مهدرة. - حكم اشتراك الجماعة في القطع أو الجرح: إذا اتفق جماعة فقتلوا نفساً معصومة فعليهم جميعاً القصاص. وإذا اتفقوا فقطعوا طرفاً كيد أو رجل، أو جرحوا جرحاً يوجب القود، فعليهم جميعاً القصاص في الطرف أو الجرح، فكما نقتل خمسة تعمدوا قتل واحد، كذلك نقطع أو نجرح خمسة تعمدوا قطع أو جرح واحد. - حكم العدل في القصاص: العدل في القصاص واجب بحسب الإمكان، فمن ضرب غيره بيده، أو

بعصاً، أو بسوط، أو لَكَزه، أو لَطَمه، أو سبه اقتُص منه، وفُعل بالجاني كما فَعل به. فضربة بضربة، ولطمة بلطمة، في محلها بالآلة التي لطمه بها أو مثلها إلا أن يعفو. ويشترط في السب خاصة ألا يكون محرم الجنس، فليس له أن يكفِّر من كفَّره، أو يكذب على من كذب عليه، أو يلعن أب من لعن أباه؛ لأن ذلك محرم. ومن أتلف مالاً، أو أفسد شيئاً ضمن مثله، متعمداً أو مخطئاً، فإن عدم المثل ضمن قيمته. 1 - قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)} [البقرة: 194]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} ... [الشورى: 40 - 41]. - حكم من اجتمع عليه قصاص طرف ونفس: من وجب عليه قصاص طرف ونفس وجب تقديم قصاص الطرف على القتل؛ لأجل إمكان الاستيفاء. فإذا قلع الجاني عيناً، أو قطع يداً أو رجلاً، ثم قتل نفساً، فإنه يقتص لكل عضو منه وجب فيه القصاص، ثم يقتل، سواء تقدم قتل النفس على الجناية على الأطراف أم تأخر، وسواء كانت الجناية على شخص أو أشخاص.

- وقت القصاص فيما دون النفس: وقت الحكم بالقصاص فيما دون النفس بعد بُرء المجني عليه؛ لاحتمال سراية القطع أو الجرح إلى النفس. وإذا استوفى المجني عليه القصاص دون انتظار، ثم مات بسبب السراية، فلا قصاص؛ لأنه استوفى حقه من قبل. - حكم الجناية على الجنين: إذا ضرب أحد امرأة حاملاً فأجهضت وألقت ما في بطنها: فإن ألقت الجنين ميتاً، فعقوبة الجاني هي دية الجنين غُرَّة عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل، وهي نصف عشر الدية. فإن كانت الجناية عمداً وجبت حالَّة في مال الجاني، وإن كانت الجناية خطأ أو شبه عمد وجبت الدية على العاقلة، وتتعدد الغرة بتعدد الأجنة، ولا يرث الضارب منها شيئاً، وإن انفصل الجنين حياً ثم مات بسبب الجناية فتجب الدية كاملة، فإن ماتت الأم من الضرب بعد موت الجنين فعلى الضارب ديتان للأم والجنين، ولا يرث منها شيئاً. وتجب الكفارة في الإجهاض على الضارب، سواء ألقت الجنين حياً أو ميتاً؛ لأنه نفس معصومة مضمونة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} ... [النساء: 92]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه (¬1). - عقوبة الجناية على ما دون النفس خطأً: عقوبة الجناية بقطع أو جرح خطأً هي الدية أو الأرش، فإن كان القطع لِمَا في الإنسان منه شيء واحد كاللسان والذَّكَر ونحوهما ففيه الدية كاملة مائة من الإبل. وإن كان القطع لِمَا في الإنسان منه اثنان كالعين أو الأذن فأرشه نصف الدية وهكذا .. وتتحمل العاقلة الدية في الخطأ وشبه العمد إذا بلغت ثلث الدية فأكثر. - حكم نقل الدم من إنسان لآخر: 1 - يجوز عند الضرورة نقل الدم من إنسان لآخر، إذا قام به طبيب ماهر، ولم يوجد بديل مباح عنه، وغلب على الظن نفع التغذية به، ورضي المأخوذ منه مع عدم تضرره، وقَبِل ذلك المضطر إليه. فيجوز التغذية به بقدر ما ينقذ المريض من الهلكة. أما نقل الأعضاء من إنسان حي لآخر حي فلا يجوز، بخلاف الدم فإنه ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1686).

متجدد يمكن تعويض بدله بالتغذية. 2 - يجوز جمع الدم في (بنوك الدم) تحسباً لوجود المضطر، ومفاجأة الأحوال من حوادث، وحالات ولادة، وحالات نزيف الدم ونحو ذلك. 3 - لا يجوز بيع الدم ولا شراؤه إلا لمضطر لم يجد من يبذله له. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء: 29].

3 - أقسام الديات

3 - أقسام الديات 1 - دية النفس - الدية: هي المال المؤدى إلى المجني عليه أو ورثته بسبب الجناية. - أقسام الدية: تنقسم الدية إلى قسمين: دية النفس ... دية ما دون النفس. - حكمة مشروعية الدية: الدية جزاء يجمع بين العقوبة والتعويض. ففيها من الزجر والردع ما يكف الجناة، ويحمي الأنفس. وفيها من جهة أخرى تعويض لما فات من الأنفس أو الأعضاء بالمال الذي يأخذه المجني عليه أو ورثته. - حكم الدية: 1 - الدية واجبة في قتل الخطأ وشبه العمد إلا أن يعفو عنها أولياء المقتول. وتجب في قتل العمد إذا مات الجاني أو عفا الأولياء عن القصاص إلى الدية. 2 - تجب الدية على كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب، سواء كان الجاني صغيراً أو كبيراً، عاقلاً أو مجنوناً، متعمداً أو مخطئاً. وسواء كان التالف مسلماً أو كافراً ذمياً، مستأمناً أو معاهداً. 3 - إن كانت الجناية عمداً، ولم يكن قصاص، وجبت الدية حالَّة من مال الجاني. وإن كانت الجناية شبه عمد أو خطأ وجبت على عاقلة الجاني مؤجلة ثلاث سنين.

1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} ... [النساء: 92]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: «إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي، فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أنْ يُفْدَى وَإِمَّا أنْ يُقْتَلَ». متفق عليه (¬1). - شروط وجوب الدية: يشترط لوجب الدية ما يلي: أن يكون المجني عليه معصوم الدم، سواء كان مسلماً أو ذمياً، فلا دية في قتل الحربي، ولا المرتد، ولا الباغي؛ لفقد العصمة. ولا يشترط الإسلام، ولا البلوغ، ولا العقل في إيجاب الدية، لا في جانب القاتل، ولا في جانب المقتول، فإذا قتل صبي أو مجنون معصومَ الدم وجبت الدية. وإذا قتل بالغ عاقل صبياً أو مجنوناً وجبت عليه الدية. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6880) , ومسلم برقم (1355)، واللفظ له.

- حكم قتل الذمي: يحرم قتل الذمي مستأمناً أو معاهداً، ومن قتله فقد ارتكب إثماً عظيماً، وتجب عليه ديته، وعلى الحاكم تعزيره. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَامًا». أخرجه البخاري (¬1). - أصل دية المسلم: أصل دية المسلم مائة من الإبل، والأصل في الدية الإبل، والأجناس الأخرى أبدال عنها، وإذا غَلَت الإبل أخذ بدلها. 1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ -وفيه-: وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الإبلِ. أخرجه النسائي والدارمي (¬2). 2 - وَعَنْ عَمرو بنِ شُعيبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدهِ قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمَانَ مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ ثمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أَهْلِ الكِتَاب يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ المُسْلِمِينَ، قَالَ: فَكَانَ ذلِكَ كَذلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ الإبلَ قَدْ غَلَتْ قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذهَب أَلفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ اثنَيْ عَشَرَ أَلفاً وَعَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ قَالَ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3166). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853)، وأخرجه الدارمي برقم (2277). (¬3) حسن، أخرجه أبو داود برقم (4542) , وأخرجه البيهقي برقم (1671).

- أصناف الدية: الأصل في الدية هو الإبل، ويجوز أخذها من الأجناس الأخرى إذا غلت الإبل أو عُدمت. وأجناس الدية ستة: مائة من الإبل وهي الأصل .. ألف مثقال من الذهب .. اثنا عشر ألف درهم من الفضة .. مئتا بقرة .. ألفا شاة .. مئتا حلة (إزار ورداء). فالأصل الإبل، فإذا أحضر ما سواها فلا بد من موافقة من هي له. ولولي الأمر أن يجعل الديات من أي صنفٍ من هذه الأصناف إذا رأى فيه المصلحة واليسر على الناس. مثقال الذهب = 4.25 غرام، فتكون الدية بالغرام = 1000 × 4.25 = 4250 غرام ذهب. وجنيه الفضة = 8 مثاقيل، فتكون الدية بالجنيه =12000 ÷ 8 = 1500 جنيه فضة. - أقسام دية النفس: تنقسم دية النفس إلى قسمين: الأول: الدية المغلظة: في قتل العمد وشبه العمد. الثاني: الدية المخففة: في قتل الخطأ. فالدية المغلظة نوعان، والتغليظ في الإبل فقط كما يلي: 1 - تجب أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض .. وخمس وعشرون بنت لبون .. وخمس وعشرون حقة .. وخمس وعشرون جذعة.

2 - تجب أثلاثاً: ثلاثون حقة .. وثلاثون جذعة .. وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وللإمام أن يعيِّن منهما ما يحقق المصلحة. والدية المخففة تجب أخماساً: عشرون بنت مخاض .. وعشرون بنت لبون .. وعشرون حقة .. وعشرون جذعة .. وعشرون ابن مخاض. ولا تعتبر القيمة في ذلك، بل تعتبر الصحة والسلامة. - مقادير ديات النفوس: 1 - دية الرجل المسلم الحر: مائة من الإبل. 2 - دية المرأة المسلمة الحرة نصف دية الرجل: خمسون من الإبل. 3 - دية الكافر سواء كان كتابياً كاليهود والنصارى، أو غير كتابي كالمجوس وعباد الأصنام، وسواء كان ذمياً مستأمناً أو معاهداً نصف دية المسلم: خمسون من الإبل. 4 - دية نساء الكفار نصف دية رجالهم: خمس وعشرون من الإبل. 5 - دية العبد الرقيق قيمته، سواء كان ذكراً أو أنثى، وسواء كان كبيراً أو صغيراً. 6 - دية الجنين عشر دية أمه: خمس من الإبل، سواء كان ذكراً أم أنثى، فإن سقط الجنين حياً ثم مات ففيه الدية كاملة. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6910) , واللفظ له، ومسلم برقم (1681).

2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَقَالَ: «لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ المُسْلِمِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬1). - حكم الدية إذا مات الجاني: من قتل شخصاً عمداً ثم مات الجاني سقط القصاص، وبقي حق أولياء المقتول في الدية، فتؤخذ من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى ورثته، فإن لم يكن له ورثة أخذت من بيت مال المسلمين. - موجب دية النفس: تجب الدية بما يلي: 1 - القتل عمداً إذا عفا ولي الدم عن القصاص. 2 - القتل خطأ أو شبه عمد. - من تجب عليه الدية: الدية يتحملها أحد ثلاثة، وهم: 1 - القاتل: وتجب في ماله خاصة في قتل العمد إذا تنازل أولياء المقتول عن القصاص. 2 - العاقلة: وتجب عليهم الدية في قتل شبه العمد والخطأ. 3 - بيت المال: وتجب الدية من بيت المال إذا لم يكن للقاتل مال ولا عاقلة موسرة ونحو ذلك. - الحقوق التي يتحملها بيت المال: يتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية: ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6692) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1413).

1 - إذا مات أحد المسلمين وعليه دين، ولم يكن له مال ولا وارث يؤدي عنه. 2 - إذا قتل أحد خطأ أو شبه عمد ولم تكن له عاقلة موسرة أخذت الدية من الجاني، فإن كان معسراً أخذت من بيت المال. 3 - كل مقتول لم يُعلم قاتله كمن مات في زحام، أو طواف أو نحوهما فديته من بيت المال. 4 - إذا وجبت الدية في خطأ ولي الأمر فيما هو من اختصاص وظيفته. 5 - إذا حكم القاضي بالقسامة، ونكل الورثة عن حلف الأيمان، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه، فداه الإمام من بيت المال. - من تلزمه الدية في الحوادث: 1 - إذا انقلبت سيارة، أو اصطدمت مع غيرها، وكان ذلك ناتجاً عن تعد أو تفريط من السائق، فإنه يضمن كل ما نتج عن ذلك، وإن مات أحد في ذلك الحادث لزمته الدية والكفارة بعدد من مات. 2 - وإن وقع الحادث بغير تعد منه ولا تفريط، كما لو كانت عجلة السيارة سليمة ثم انفجرت فلا دية عليه ولا كفارة. - وقت أداء الدية: 1 - دية قتل العمد عند العفو عن القصاص تجب معجلة في مال الجاني، والواجب غير محدود، بل ما يتم التراضي عليه بين الجاني وولي الدم، سواء كان مائة من الإبل أو أكثر أو أقل. 2 - تجب دية قتل شبه العمد والخطأ على العاقلة مؤجلة على ثلاث سنين، تخفيفاً على العاقلة.

- حكم أخذ الدية: يجوز أخذ الدية بدل القصاص في قتل العمد. ويجوز لولي الدم أخذها في قتل شبه العمد والخطأ، فتؤخذ وتوزع على الورثة. والقصاص، وأخذ الدية، والعفو، يكون بحسب ما يحقق المصلحة العامة والخاصة، وذلك هو الأفضل. - حكم من قتل بعد أخذه الدية: إذا أخذ ولي الدم الدية فلا يحل له أن يقتل القاتل. وإذا قتله فهو ظالم، وأمره إلى الحاكم يصنع فيه ما يرى، مما يحقق المصلحة، ويقطع دابر الشر. - أسباب نقص الدية: دية الرجل الحر المسلم مائة من الإبل. ولنقص الدية أربعة أسباب: الكفر .. والرق .. والجنين .. والأنوثة. فالكفر يردها إلى النصف .. والأنوثة تردها إلى النصف .. والرق يردها إلى القيمة .. وقتل الجنين يردها إلى غرة عبد أو أمة؛ لأنه غير مكتمل. - الأحوال التي تسقط فيها الدية: هي كل حالة أذن الشرع فيها لجلب مصلحة، أو درء مفسدة، فلا إثم ولا دية فيما يترتب على التأديب المأذون فيه؛ لأن الإذن بالشيء يسقط تبعته. ومن التأديب المشروع:

تأديب الحاكم رعيته .. وتأديب المعلم طلابه .. وتأديب الرجل ولده .. وتأديب الزوج زوجته. فهؤلاء وأمثالهم يريدون الخير لمن يؤدبونه، ويسعون في مصلحته، ولذلك لا ضمان عليهم، فالتعليم والتأديب مقصود شرعاً. - شروط التأديب الذي لا يضمن ما تلف به: يشترط للتأديب المشروع خمسة شروط: أن يكون المؤدَّب قابلاً للتأديب .. وأن يكون مستحقاً له .. وأن يكون المؤدِّب له ولاية التأديب .. وأن يكون قصده التأديب لا الانتقام .. وأن لا يسرف في الضرب والتأديب. - حكمة مشروعية الكفارة: الكفارة هي: عمل صالح يمحو أثر الذنب عن فاعله. والغرض من الكفارة: إزالة إثم المعصية بتكليف المسلم بما يزيل إثم معصيته عنه بإلزامه بأشياء، وهي بذاتها قربة وعبادة كعتق رقبة مؤمنة، أو صيام، أو إطعام. وكفارة قتل الخطأ وشبه العمد عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. - القتل الذي تجب فيه الكفارة: الكفارة عبادة تجب على القاتل المسلم في قتل الخطأ وشبه العمد، سواء قتل مسلماً أو كافراً معصوم الدم، ولا كفارة في قتل العمد. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا

خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92]. - أنواع الكفارات: الكفارات خمسة أنواع: 1 - كفارة قتل الخطأ: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين. 2 - كفارة الجماع في نهار رمضان متعمداً من غير عذر: وهي عتق رقبة، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً. 3 - كفارة الظهار: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يستطع يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، فإذا كفَّر حلت له امرأته. 4 - كفارة اليمين: وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة. 5 - كفارة جزاء الصيد: عليه أن يكفِّر عن إثمه بالصيد: بمثله، أو يقوِّمه بمال، أو عدل ذلك صياماً.

2 - الدية فيما دون النفس

2 - الدية فيما دون النفس - الدية فيما دون النفس: هي المال الذي يلزم الجاني أو عاقلته دفعه إلى المجني عليه مقابل الاعتداء عليه. ويسمى بالأرش أحياناً. فإن كان الشرع قد حدد مقداره ابتداء فهو الأرش المقدر، وإن ترك الشرع تقديره للقاضي عن طريق حكومة العدل، فهو الأرش غير المقدر. - أنواع الجنايات على ما دون النفس: الجناية على ما دون النفس أربعة أنواع: الأول: قطع الأطراف كاليد والرجل والأصبع واللسان ونحوها. الثاني: إذهاب منافع الأطراف كإذهاب البصر مع بقاء العين، وإذهاب السمع مع بقاء الأذن، وشل الرجل مع بقائها. الثالث: جرح البدن كجرح اليد أو الصدر أو البطن. الرابع: كسر العظام ككسر عظم اليد أو الساق ونحوهما. عقوبة الخطأ وشبه العمد الدية، وعقوبة جناية العمد القصاص، أو الدية إذا عفا المجني عليه. - حكم الدية فيما دون النفس: 1 - إذا كانت الجناية فيما دون النفس عمداً ففيها القصاص، وإن عفا المجني عليه إلى الدية أو أكثر منها، أو عفا مطلقاً فله ذلك.

دية الأعضاء ومنافعها

2 - إن كانت الجناية خطأ أو شبه عمد ففيها الدية ولا قصاص. 1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} ... [المائدة: 45]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا العَفْوَ فَأبَوْا، فَأتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقال أنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقال: «يَا أنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ». فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ». متفق عليه (¬1). - أقسام الدية فيما دون النفس: تنقسم الدية فيما دون النفس إلى ثلاثة أقسام: الأول: دية الأعضاء ومنافعها: 1 - ما كان في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية النفس كاملة، وهو الأنف، واللسان، واللحية، والذكر، والصلب، والجلد. وتجب الدية كاملة في ذهاب منفعة العضو كالسمع، والبصر، والكلام، والعقل، وشل العضو كاليد والرجل كما لو ضرب عينه فذهب بصره، أو ضرب يده فشلَّت ونحو ذلك. 2 - ما كان في الإنسان منه شيئان، ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفيهما معاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2703) , واللفظ له، ومسلم برقم (1675).

الدية كاملة. وما في الإنسان منه شيئان هو: العينان، والأذنان، والشفتان، واليدان، والرجلان، والحاجبان، واللَّحْيان، والأليتان، والخصيتان، والثديان، وأسكتا المرأة ونحو ذلك. ومن كان له عضو واحد من هذه الأعضاء كفاقد إحدى عينيه أو يديه أو رجليه، فإنه يستحق الدية الكاملة بإتلاف العضو الباقي. وإذا ذهبت منفعة أحد العضوين ففيه نصف الدية، وإن ذهبت منفعتهما معاً وجبت الدية كاملة. 3 - ما كان في الإنسان منه أربعة أشياء كأجفان العينين، ففي كل واحد إذا قطع ربع الدية، وفي جميعها الدية كاملة. 4 - ما كان في الإنسان منه عشرة كأصابع اليدين، وأصابع الرجلين. ففي كل أصبع عُشر الدية: عَشر من الإبل، وفي العشرة جميعاً الدية كاملة. وفي أنملة كل أصبع ثلث دية الأصبع، وفي أنملة الإبهام نصف ديته. وإذا ذهبت منفعة الأصابع ففيها الدية كاملة، وإذا ذهبت منفعة أصبع ففيه عشر الدية. 5 - الأسنان: أسنان الإنسان اثنان وثلاثون سناً: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب، وعشرون ضرساً، في كل جانب عشرة، خمسة أعلى، وخمسة أسفل. فيجب في إتلاف كل سن من هذه الأسنان خمس من الإبل، وإذا أتلف

الأسنان كلها وجب عليه أكثر من دية النفس، مائة وستون من الإبل. 6 - تجب الدية كاملة في كل واحد من الشعور الأربعة إذا ذهبت، وهي: شعر الرأس .. وشعر اللحية .. وشعر الحاجبين .. وأهداب العينين، وفي الحاجب الواحد نصف الدية، وفي الهدب الواحد ربع الدية. - كل عضو أشل فليس فيه دية، بل فيه حكومة إلا الأنف والأذن. وكل من جنى على عضو فأشله فعليه دية ذلك العضو إلا الأنف والأذن؛ لأن جمالهما باق ولو شُلّا. - في قطع اليد نصف الدية، سواء قطعها من الكف، أو المرفق، أو الكتف. - في قطع الرجل نصف الدية سواء قطعها من الكعبين، أو الركبة، أو الورك. - العضو الباطن كالعضو الظاهر في وجوب الدية ففي الكبد الدية كاملة، وفي الكليتين الدية كاملة، وفي الكلية الواحدة نصف الدية. - في المنخرين ثلثا الدية، وفي الحاجز بينهما ثلث الدية. - في كل حاسة دية كاملة، وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس. فإذا جنى على أحد فصار لا يسمع، أو لا يبصر، أو لا يشم، أو لا يذوق، أو لا يحس باللمس فعليه دية كاملة. - تجب في عين الأعور الدية كاملة؛ لذهاب منفعة البصر، وإذا قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص، وإن قلع الصحيح عين الأعور الصحيحة عمداً فعليه القصاص، وإن كان خطأ أو شبه عمد فعليه الدية كاملة.

دية الشجاج والجروح

- إذا سرت الجناية فمات المجني عليه، ففيه دية النفس مائة من الإبل. الثاني: دية الشجاج والجروح: الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة. والجروح سواء كانت في البدن أو الرأس عشر: خمس فيها دية شرعية مقدرة .. وخمس فيها حكومة. 1 - الخمس التي فيها حكومة، هي على الترتيب: 1 - الحارصة: وهي التي تحرص الجلد وتشقه ولا يظهر منه دم. 2 - البازلة: وهي التي يسيل منها الدم القليل. 3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم. 4 - المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم. 5 - السمحاق: وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة تسمى السمحاق. فهذه الشجاج الخمس ليس فيها دية مقدرة شرعاً، بل فيها حكومة. والحكومة: كل ما لا قصاص فيه من الجناية فيما دون النفس، وليس له أرش مقدر مثل كسر السن إلا العظم. والحكومة: أن يُقوِّم أهل الخبرة والمعرفة المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوَّم وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية. كأن تكون قيمته قبل الجناية عشرة آلاف، وقيمته بعد البرء من الجناية تسعة آلاف، فديته العشر من كامل ديته. 2 - أما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي على الترتيب: 1 - الموضحة: وهي التي وصلت إلى العظم وأوضحته.

دية العظام

وديتها المقدرة شرعاً خمس من الإبل. 2 - الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه، وفيها عشر من الإبل. 3 - المنقِّلة: وهي التي تهشم العظم وتنقله، وفيها خمس عشرة من الإبل. 4 - المأمومة: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية. 5 - الدامغة: وهي التي تخزق جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية أيضاً. والجرح إذا وصل إلى باطن الجوف أو الظهر أو الصدر أو الحلق ففيه ثلث الدية، ويسمى الجائفة، وإن لم يصل الجرح إلى الباطن ففيه حكومة. الثالث: دية العظام: تجب الدية في كسر العظام كما يلي: 1 - الضلع: إذا كُسر ثم جُبر مستقيماً، فديته بعير. 2 - الترقوة: إذا كسرت ثم جبرت مستقيمة، ففيها بعير، وفي الترقوتين بعيران. 3 - الذراع، أو العضد، أو الساق، أو الفخذ: إذا كُسر ثم جَبر مستقيماً بعيران، وإذا لم تنجبر العظام السابقة مستقيمة ففيها حكومة. 4 - الصلب: إذا كسر ثم جبر مستقيماً فيه حكومة، وإذا لم ينجبر ففيه الدية كاملة. 5 - بقية العظام ليس فيها شيء مقدر بل فيها حكومة. 1 - قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45]. 2 - وَعَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَث بهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ اليَمَنِ هَذِهِ نُسْخَتُهَا مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شُرَحْبيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ وَالحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ قَيْلِ ذِيِ رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ أَمَّا بَعْدُ وَكَانَ فِي كِتَابهِ أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ المَقْتُولِ وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الإبلِ وَفِي الأَنْفِ إِذا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلب الدِّيَةُ وَفِي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ الوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي المَأْمُومَةِ ثلُث الدِّيَةِ وَفِي الجَائِفَةِ ثلُث الدِّيَةِ وَفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإبلِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابعِ اليَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإبلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ وَفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإبلِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بالمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذهَب أَلفُ دِينَارٍ. أخرجه النسائي والدارمي (¬1). - مقدار دية المرأة: دية المرأة إذا قُتلت خطأ أو شبه عمد نصف دية الرجل. ودية أطرافها وجراحاتها على النصف من دية الرجل وجراحاته فيما زاد عن ثلث دية الرجل، ويستوي الرجل والمرأة فيما دون الثلث. عَنْ شُريحٍ قَالَ: أَتاني عُروةَ البَارِقي مِن عِندِ عُمرَ: أَنَّ جراحاتِ الرِّجالِ وَالنِّساءِ تَستَوي في السِّنِّ وَالموضِّحةِ، وَمَا فَوقَ ذَلكَ فَديَةُ المَرأةِ عَلى النِّصفِ مِن دِيةِ الرَّجُلِ. أخرجه ابن أبي شيبة (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853) , وأخرجه الدارمي برقم (2277). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» برقم (27487) , انظر «إرواء الغليل» رقم (2250).

- ما تحمله العاقلة من الدية فيما دون النفس: إذا بلغ أرش الجناية فيما دون النفس ثلث الدية الكاملة حملته العاقلة، ويكون مؤجلاً على ثلاث سنين كما في دية النفس، وإن كان الأرش أقل من ثلث الدية فيحمله الجاني وحده. - مقدار الدية فيما دون النفس: دية الأطراف والجراح تقدَّر من دية الرجل أو المرأة، والمسلم وغير المسلم. فالمرأة ديتها نصف الرجل، ودية الكافر نصف دية المسلم، ونساء الكفار ديتهن نصف دية رجالهم. ويتساوى الرجال والنساء فيما دون الثلث في دية ما دون النفس، وتقدَّر الدية حسب المجني عليه.

الباب الثامن عشر كتاب الحدود

الباب الثامن عشر كتاب الحدود ويشتمل على ما يلي: 1 - أحكام الحدود. 2 - أقسام الحدود: وتشمل: 1 - حد الزنا. 2 - حد القذف. 3 - حد الخمر. 4 - حد السرقة. 5 - حد قطاع الطريق. 6 - حد البغاة. 3 - حكم المرتد. 4 - حكم التعزير.

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا أَخَذَ عَلَى النّسَاءِ: أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِالله شَيْئاً، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا، وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضاً. «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدّاً فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى الله، إنْ شَاءَ عَذّبَهُ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3893) , ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.

1 - أحكام الحدود

كتاب الحدود 1 - أحكام الحدود - الحدود: جمع حد. والحد: عقوبة مقدرة شرعاً على معصية لأجل حق الله تعالى، لتمنع من الوقوع في مثلها. - أقسام الذنوب من حيث الكفارة وعدمها: الذنوب ثلاثة أقسام: 1 - قسم فيه الحد فقط بلا كفارة: فهذا لم تشرع فيه الكفارة؛ اكتفاء بالحد الشرعي وهي الحدود كحد الزنا، والسرقة ونحوهما. 2 - قسم فيه الكفارة ولا حد فيه: كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام، وقتل الخطأ، والحنث في اليمين ونحو ذلك. 3 - قسم لم يرتب عليه حد ولا كفارة، وهو نوعان: أحدهما: ما كان الوازع عنه طبيعياً كأكل العذرة، وشرب البول ونحوهما. الثاني: ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رُتب عليه الحد كالنظر، والقبلة، واللمس، والمحادثة المُريبة للمرأة الأجنبية ونحو ذلك، فهذا فيه التعزير.

- أنواع الكفارات: شرع الله الكفارات في ثلاثة أنواع: الأول: ما كان مباح الأصل، ثم فُرض تحريمه بسبب، فَفَعله في الحالة التي عَرَض فيها التحريم كالوطء في الإحرام والصيام، والوطء حال الحيض والنفاس. الثاني: ما عقد لله من نذر، أو بالله من يمين، أو حرمه الله ثم أراد حله، فشرع الله حله بالكفارة، وسماها تَحِلّة. الثالث: ما تكون فيه الكفارة جابرة لما فات ككفارة قتل الخطأ، وإن لم يكن هناك إثم، وكفارة قتل الصيد. فالأول من باب الزواجر، والثالث من باب الجوابر، والأوسط من باب التحِلَّة لما منعه العقد. ولا يجتمع الحد والتعزير في معصية، بل إن كان فيها حد اكتفي به، وإلا اكتفي بالتعزير. ولا يجتمع الحد والكفارة في معصية، بل كل معصية فيها حد، فلا كفارة فيها، وما فهي كفارة لا حد فيه. - أقسام العقوبات: تنقسم العقوبات على الذنوب إلى قسمين: عقوبات قدرية .. وعقوبات شرعية. 1 - العقوبات القدرية: هي الآثار المذمومة والمؤلمة التي تحصل للعبد بسبب انتهاك حرمات الله، وارتكاب معاصيه، والعقوبات القدرية نوعان:

الأول: عقوبات على القلوب والنفوس، كظلمة القلب وضعفه وضيقه وحزنه، وزوال أنسه بالله، والوحشة منه، والطبع والرَّيْن على قلبه، وحرمان حلاوة الطاعة، وبغض وكره الله وملائكته وعباده له، والغفلة عن الله والآخرة ونحو ذلك، وهذا أشد العقوبات. الثاني: عقوبات على الأبدان والأموال، كنقصان الرزق، وارتفاع النعم، وحلول النقم، وحدوث الآفات والأمراض في الأبدان والثمار، وتسلط الرعاة والظلمة على الناس ونحو ذلك، وهذه العقوبات تصيب العاصي وحده إذا لم يجاهر بها. فإذا جاهر المذنبون بمعاصيهم، ولم ينكر المسلمون عليهم، عمت العقوبة العاصي وغيره. وعقوبة القلب أشد العقوبتين، وهي أصل عقوبة الأبدان. وترتب العقوبات على الذنوب كترتب الإحراق على النار، والغرق على الماء، وفساد البدن على السموم. والعقوبة قد تقارن الذنب .. وقد تتأخر عنه إما يسيراً أو مدة، كما يتأخر المرض عن سببه أو يقارنه. 2 - العقوبات الشرعية، وهي نوعان: 1 - عقوبات مقدرة: وهي القصاص .. والديات .. والحدود .. والكفارات التي نص عليها الشرع. 2 - عقوبات غير مقدرة: وهي التعازير التي يقدرها القاضي في كل جناية لا قصاص فيها ولا حد. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا

يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]. - أقسام الحدود: تنقسم الحدود في الإسلام إلى ستة أقسام هي: حد الزنا .. حد القذف .. حد الخمر .. حد السرقة .. حد قطاع الطريق .. حد البغاة. ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة مقدرة شرعاً. - حكمة مشروعية الحدود: أمر الله عز وجل بعبادته وطاعته، وفِعْل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وحد حدوداً لمصالح عباده، ووعد من أطاعه السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. وتوعد من عصاه بالشقاء في الدنيا، والنار في الآخرة. فمن قارف الذنب فقد فتح الله له باب التوبة والاستغفار، فإن أصر على معصية الله، وأبى إلا أن يغشى حماه، ويتجاوز حدوده بالتعدي على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم، فهذا لا بد من كبح جماحه بإقامة حدود الله التي تردعه وتردع غيره، وتحفظ الأمة من الشر والفساد في الأرض. والحدود كلها رحمة من الله، ونعمة على الجميع. فهي للمحدود طهرة من إثم المعصية، وكفارة عن عقابها الأخروي، وهي له ولغيره رادعة عن الوقوع في المعاصي، وهي ضمان وأمان للأمة على

دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وبإقامتها يصلح الكون، ويسود الأمن والعدل، وتحصل الطمأنينة. 1 - قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه: 123 - 127]. 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا أَخَذَ عَلَى النّسَاءِ: أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئاً، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ أَوْلاَدَنَا، وَلاَ يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضاً. «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدّاً فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ عَذّبَهُ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ». متفق عليه (¬1). - أنواع حدود الله: حدود الله تعالى ثلاثة أنواع: الأول: حدود الله التي نهى عن تعديها. وهي كل ما أذن الله تعالى بفعله على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة، والاعتداء فيها يكون بتجاوزها ومخالفتها، وهي التي أشار الله إليها بقوله سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} [البقرة: 229]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3893) , ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.

الثاني: المحارم التي نهى الله عنها وهي المحرمات التي نهى الله عن فعلها كالزنا وهي التي أشار الله إليه بقوله سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة: 187]. الثالث: الحدود المقدرة الرادعة عن محارم الله كعقوبة الرجم والجلد والقطع ونحوها. فهذه يجب الوقوف عندما قدر فيها بلا زيادة ولا نقصان، وهي المقصودة هنا. - الفرق بين القصاص والحدود: 1 - جرائم القصاص الحق فيها لأولياء القتيل، أو المجني عليه إن كان حياً .. وذلك من حيث استيفاء القصاص، والحاكم منفذ لطلبهم. أما الحدود فأمرها إلى الحاكم، فلا يجوز إسقاطها بعد أن تصل إليه. 2 - جرائم القصاص قد يُعفى عنها إلى بدل كالدية، أو يعفى عنها بلا مقابل؛ لأنها حق آدمي. أما الحدود فلا يجوز العفو عنها، ولا الشفاعة فيها مطلقاً، بعوض أو بدون عوض؛ لأنها حق لله تعالى. - الفرق بين الحدود والتعازير: 1 - عقوبات جرائم القصاص والحدود مقدرة ابتداء في الشرع. أما عقوبات التعزير فيقدرها القاضي بما يحقق المصلحة حسب حجم الجريمة ونوعها. 2 - يجب على الإمام تنفيذ الحدود، والقصاص إذا لم يكن عفو من ولي الدم. أما التعزير فإن كان حقاً لله تعالى وجب تنفيذه، ويجوز العفو والشفاعة إن

رُئي في ذلك مصلحة، وإن كان حقاً للأفراد فلصاحب الحق أن يتركه بعفو أو غيره. 3 - عقوبة القصاص والحدود محددة معينة، أما التعزير فيختلف بحسب اختلاف الجريمة، واختلاف الجاني والمجني عليه. - أهداف العقوبة في الإسلام: العقوبات على الجرائم في الإسلام شرعت لتحقق ما يلي: 1 - زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة لها. 2 - صيانة المجتمع من الفساد، ومنع وقوع الجريمة أو تكرارها. 3 - زجر المتهم عن الوقوع في الجريمة مرة أخرى. 4 - إصلاح الجاني وتهذيبه لا تعذيبه. 5 - قطع دابر الجريمة، وعدم إشاعة الفاحشة. 6 - منع عادة الأخذ بالثأر التي تُوسِّع رقعة انتشار الجريمة. 7 - إطفاء نار الحقد والغيظ المضطرمة لدى المعتدى عليه أو أقاربه. 8 - حصول الأمن وتحقيق العدل في شعب الحياة كلها. 1 - قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} ... [البقرة: 179]. 2 - وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة: 15 - 16].

- مبادئ العقاب في الإسلام: اشتملت الشريعة الإسلامية على أحسن المبادئ والعقوبات التي تكفل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهي: رحمة الجاني والمجتمع الذي يعيش فيه .. والعدل بين الناس حتى لا تضطرب الأمور .. وحماية الكرامة الإنسانية .. ورعاية المصالح العامة والخاصة حفظاً للأمن .. والمساواة بين الجريمة والعقوبة .. ولا يعاقب أحد بجرم لم يصدر منه .. وعدم الحرص على إيقاع العقوبة؛ ليتمكن المخطئ من إصلاح عيوب نفسه .. والستر على المخطئ غير المجاهر ونصحه .. وتجوز الشفاعة في الحدود قبل بلوغها الحاكم، وتحرم الشفاعة وقبولها بعد بلوغها الحاكم .. ولا تُوْقع عقوبة إلا بعد انتفاء الشبهات .. ولصاحب الحق الخاص كالقصاص العفو عن القاتل أو المخطئ .. والعفو يكون بالاختيار والرضا لا بالإكراه. 1 - قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} ... [الأنعام: 54]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} ... [النحل: 90]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} ... [الشوى: 40]. - حفظ الضرورات الخمس: مقاصد الإسلام الكبرى محصورة في خمسة أمور هي:

حفظ الدين .. وحفظ النفوس .. وحفظ النسل .. وحفظ المال .. وحفظ العقل. فإذا حفظت الأمة هذه الأصول سعدت في الدنيا والآخرة، وإذا ضيعت هذه الأصول شقيت في الدنيا والآخرة. وبإقامة الحدود والقصاص يتم حفظ هذه الضرورات وحمايتها، فبالقصاص تصان الأنفس .. وبإقامة حد الزنا والقذف تصان الأعراض .. وبإقامة حد السرقة تصان الأموال .. وبإقامة حد الخمر تصان العقول .. وبإقامة حد الحرابة يصان الأمن. وبإقامة الحدود كلها يصان الدين كله، والحياة كلها. - كيفية حفظ الضرورات الخمس: حفظ الضرورات الخمس هي مقومات بقاء وسعادة الأمم وهي: 1 - حفظ الدين: فالدين عماد صلاح أمر الدنيا والآخرة. والدين مبني على أمرين: فعل الأوامر .. واجتناب المناهي. 2 - حفظ النفوس: وحفظ النفس أمر مقصود لذاته؛ لأن الله خلق الإنسان لعبادته سبحانه، فيجب المحافظة على هذه النفس التي تعبد الله، وتقوم بالخلافة في الأرض. 3 - حفظ النسل: وحفظ النسل من أعظم أسباب البقاء، ومن أسباب عمارة الأرض. وحفظ النسل يتم بأمرين:

الأول: وجودي: وذلك بالترغيب بما يحصل به استمرار النسل وبقاؤه، وهو النكاح الشرعي. الثاني: عدمي: وذلك بتحريم الزنا والمعاقبة عليه، وتحريم مقدماته من النظر والخلوة، وتحريم القذف بالزنا أو فاحشة اللواط، والمعاقبة على ذلك، وتحريم السفور والتبرج، وعدم سفر المرأة بلا محرم، وعدم اختلاطها بالرجال الأجانب، والأمر للرجال والنساء بغض البصر صيانة للعرض. 4 - حفظ العقل: العقل من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، فلولا العقل لصار الإنسان كالبهيمة. والعقل مناط التكليف؛ لأن الإنسان يميز به بين المصالح والمفاسد، لذلك كله حرم الله كل ما يفسد العقل أو يضره. ومفسدات العقل نوعان: الأول: مفسدات حسية: كالخمور والمخدرات التي هي مفتاح كل شر وبلاء. الثاني: مفسدات معنوية: كالأفكار والتصورات والمبادئ الفاسدة التي تجر الإنسان إلى المعاصي والردة والكفر. 5 - حفظ المال: المال من الضروريات التي لا تتم مصالح الناس إلا بها، فقد جعله الله سبباً لحصول المنافع للعباد. وحفظ المال في الإسلام بأمرين: الأول: وجودي: وذلك بالحث على الكسب الحلال، والإنفاق في الوجه الحلال. الثاني: عدمي: وذلك بتحريم الاعتداء على المال أو إضاعته، ومعاقبة سارقه،

وتحريم الغش والظلم والخيانة في كل معاملة. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام: 104]. - فقه اجتناب المحرمات: الكف عن المحرمات، واجتناب قربها، ينشأ من أمور هي: علم العبد بأن الله يراه .. وأنه يعلم نيته وأفعاله .. وعلم العبد بقبح المحرمات .. وأن الله حرمها صيانة للعبد من الرذائل .. والعلم بعقوبتها القاسية. ومنها الحياء ممن تتقلب في نعمه .. والخوف من العزيز الجبار الذي لا يعجزه شيء. ومنها محبة الله، فالمحب يصبِّر نفسه على مراد محبوبه ونحو ذلك مما يحمل العاقل على تركها ولو لم يَرِد على فعلها وعيد. - فضل الستر على النفس والغير: يستحب لمن أتى ذنباً، أو اقترف إثماً، أن يستر نفسه، ويتوب إلى الله. ويستحب لمن علم به أن يستر عليه ما لم يعلن بفجوره، حتى لا تشيع الفاحشة في الأمة، وعليه أن ينصحه ويرغبه في التوبة. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ

يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم التثبت في الأمور: يجب على الإنسان أن يحسن الظن، ولا يصدق بكل ما يسمع حتى يثبت؛ لئلا يضر نفسه، ويضر غيره، ويتعرض لسخط الله. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ... [الحجرات: 12]. - ما يفعله المسلم عند سماع الشائعات: يجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، ويستر زلاتهم، ويقيل عثراتهم، فإذا رُميت أمامه عفيفة بالزنا، أو أمين بالسرقة، أو تقي بفجور، أو عالم بمسبة، أو عادل بمظلمة، ونحو ذلك من قالة السوء. فإذا سمع بذلك أحسن الظن بإخوانه وستر عليهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6069) , واللفظ له، ومسلم برقم (2990). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2699).

1 - قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} [النور: 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} [النور: 16]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور: 19]. - حكم من آوى محدثاً: من آوى قاتلاً أو سارقاً أو محارباً أو غيرهم ممن وجب عليه حد أو حق لله تعالى أو لآدمي، ومَنَعه أن يستوفى منه الواجب، فهو شريكه في الجرم والإثم، وقد لعنه الله ور سوله، وللإمام عقوبته بما يردعه. أما لو كان الإنسان أو المال مطلوباً بباطل فإنه لا يجوز الإعلام به. بل يجب الدفاع عنه، ونصره على من ظلمه. 1 - عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيّرَ مَنَارَ الأَرْضِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا». فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أفَرَأيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قال: «تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1978). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6952).

- حكم لعن الإنسان: لا يجوز للمسلم لعن أحد بعينه، مسلماً كان أو كافراً أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، كفرعون، أو يموت عليه كإبليس. أما اللعن بالوصف فجائز، كلعن آكل الربا، والمصورين، والظالمين، والكافرين ونحو ذلك. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّاناً». أخرجه مسلم (¬1). - حكم التحايل على حدود الله: يحرم التحايل على حدود الله كما يحرم انتهاك حدود الله، والتحايل أعظم، فإن بني إسرائيل لما فعلوا الحرام لم يقع عليهم المسخ، وإنما العقوبات الحسية والمعنوية، كما قال سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)} ... [النساء: 160]. ولما وقع منهم التحايل على صيد السمك يوم السبت مسخهم الجبار جل جلاله قردة وخنازير، كما قال سبحانه في عقوبة احتيالهم على ما حرم الله: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} ... [الأعراف: 166]. - حكم إقامة الحدود: يجب إقامة الحد إذا ثبت على من اقترفه؛ صيانة للأمن، ودفعاً للفساد، وحماية للحقوق، وزجراً للمجرمين. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2597).

اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} ... [المائدة: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. - شروط من يقام عليه الحد: يقام الحد إذا ثبت على كل بالغ، عاقل، متعمد، ذاكر، عالم بالتحريم، ملتزم لأحكام الإسلام، من مسلم وذمي. 1 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، قال: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُل قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قُولُوا، سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَسَلَّمْنَا». قال، فَألقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ) {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940) , وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا لفظه.

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ) {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ). أخرجه مسلم (¬1). - من يتولى إقامة الحدود: يتولى إقامة الحد إمام المسلمين، أو من ينيبه، بحضرة طائفة من المؤمنين، فلا يجوز لفرد أن يتولى إقامة الحد بنفسه، إلا السيد فيجوز له أن يقيم حد الجلد على مملوكه. 1 - عَنْ ابنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمّداً - صلى الله عليه وسلم - بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرّجْمِ. قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ، مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوْ الإِعْتِرَافُ. متفق عليه (¬2). 2 - وعن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا زَنَتِ الأمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَليَجْلِدْهَا وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَليَجْلِدْهَا وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَليَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». متفق عليه (¬3). - آداب إقامة الحد: ينوي الإمام بإقامة الحد ثلاثة أمور هي: ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (126). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2462) , ومسلم برقم (1691)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2152) , واللفظ له، ومسلم برقم (1703).

1 - امتثال أمر الله في إقامة الحدود، لا التشفي والانتقام. 2 - دفع الفساد عن الخلق. 3 - إصلاح الخلق. - مكان إقامة الحدود: يجوز إقامة الحد في أي مكان إلا المسجد؛ لئلا يتقذر. فيقام حسب المصلحة في مكان عام، أو في مكان العمل ونحو ذلك بشرط أن يحضره طائفة من المؤمنين، ويقام في بلده سواء كانت مكة أو غيرها. ولكن الأفضل والأولى أن تقام الحدود في الأماكن العامة التي يأتي إليها كل أحد، ليحضرها أكبر عدد من المؤمنين، وبذلك يحصل الردع للجاني وغيره. قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} ... [النور: 2]. - أنواع الجلد في الحدود: أكثر الجلد في الحدود جلد الزنا .. ثم جلد القذف .. ثم جلد السكر .. ثم التعزير. - صفة الجلد في الحدود: 1 - يُضرب الرجل في الحد قائماً بسوط لا جديد ولا خَلِق، ولا يمد على الأرض، ولا يربط على جدار أو عامود، ولا يجرد من ثيابه، ويفرَّق الضرب على بدنه كالظهر والأليتين والفخذين والساقين، ولا يبالغ في الضرب بحيث

يشق الجلد. ويتقي أثناء الجلد أربعة أشياء: الرأس .. والوجه .. والفرج .. والمقاتل. 2 - المرأة كالرجل في الجلد، إلا أنها تُضرب جالسة، وتشد عليها ثيابها، وتُمسَك يداها عند الحاجة؛ لئلا تنكشف. - حكم من اجتمعت عليه حدود: إذا اجتمعت على الجاني حدود لله تعالى فلها ثلاث حالات: 1 - إذا اجتمعت عليه حدود من جنس واحد، بأن زنا مراراً، أو سرق مراراً ونحوهما، فهذه تتداخل فلا يُحدّ إلا مرة واحدة. 2 - إن وجبت عليه حدود لله من أجناس مختلفة كبكر زنا وسرق وشرب الخمر فلا تتداخل، فتقام عليه كلها. يُبدأ بالأخف، فيُجلد للشرب، ثم يُجلد للزنا، ثم يُقطع للسرقة. 3 - إن وجبت عليه حدود لله، وحدود خالصة للآدمي كما لو قذف وسرق وقتل. فهذه تستوفى كلها، ويُبدأ بالأخف فالأخف، فيُحد للقذف، ثم يُقطع، ثم يُقتل؛ لأنها حقوق لله وللآدميين فلا بد من استيفائها. - حكم تأخير إقامة الحدود: يجوز تأخير إقامة الحدود لعارض يترتب عليه مصلحة الإسلام كما في الغزو. أو لعارض يترتب عليه مصلحة المحدود ذاته كما في شدة حر أو برد أو مرض، أو لمصلحةِ مَنْ تعلَّق به كالحمل والرضاع ونحوهما.

عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ الغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدَّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً، فَوَاللهِ إِنّي لَحُبْلَى. قَالَ: «إِمّا لاَ، فَاذْهَبِي حَتّى تَلِدِي» فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدَتْ. قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ». فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا، يَا نَبِيّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ الصّبِيّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا. أخرجه مسلم (¬1). - حكم الشفاعة في الحدود: يجب على الحاكم إقامة الحد على من وجب عليه، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان شريفاً أو وضيعاً، وسواء كان قريباً أو بعيداً. وإذا بلغت الحدود الحاكم حَرُم أن يشفع في إسقاطها أحد، أو يعمل على تعطيلها. ويحرم على الحاكم قبول الشفاعة إذا بلغه الحد، ولا يجوز له أخذ المال من الجاني ليُسقط عنه الحد. ومن أخذ المال من الزاني أو السارق أو شارب الخمر ونحوهم ليعطل حدود الله فقد جمع بين فسادين عظيمين: أكل السحت .. وتعطيل الحد .. وترك الواجب .. وفعل المحرم. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1695).

فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قال: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا». متفق عليه (¬1). - حكم توبة الجاني: إذا تاب الجاني قبل القدرة عليه، وقبل بلوغ الحاكم الأمر، سقط عنه الحد الواجب لله، ولزمه الحق الواجب للآدمي من قصاص أو مال مسروق، أو قذف، أو دية ونحو ذلك؛ لأن التوبة تَجُبّ ما قبلها من حقوق واجبة لله تعالى. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} ... [المائدة: 33 - 34]. 2 - وعَنْ عَمْرو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لهُ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا؟ وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟». أخرجه مسلم (¬2). - حكم الصلاة على المقتول: المقتول قصاصاً، أو حداً، أو تعزيراً إن كان مسلماً يغسَّل، ويكفَّن، ويُصلى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788) , واللفظ له، ومسلم برقم (1688). (¬2) أخرجه مسلم برقم (121).

عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه مسلم، وإقامة الحد كفارة لذنبه. وإن كان المقتول كافراً كالمرتد والذمي فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، بل يلف بثيابه، ويحفر له حفرة في الأرض ويوارى فيها؛ لأنه كافر. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزّنَى. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ الله أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيّ. فَدَعَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيّهَا، فَقَالَ: «أَحْسِنْ إلَيْهَا. فَإذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَشُكّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمّ صَلّىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلّي عَلَيْهَا يَا نَبِيّ الله وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَل وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَىَ؟». أخرجه مسلم (¬1). - حكم من مات في الحد: من مات في حد الجلد أو القطع ونحوهما فالحق قتله؛ لأن كل ما ترتب على الحق المأذون فيه فليس بمضمون، لكن بشرط عدم التعدي في إقامة الحد على الجاني بزيادة في الكم أو الكيف. - الفرق بين حق الله وحق الآدمي: 1 - حق الله: هو كل ما ليس للعبد إسقاطه كحد الزنا والسرقة ونحوهما. وحق العبد: هو كل ما للعبد إسقاطه كالقصاص والدية. 2 - حق الله: أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه وتكاليفه. وما من حق للعبد إلى وفيه حق لله تعالى. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1696).

والحقوق في الشرع ثلاثة أنواع: 1 - حق الله تعالى فقط كالإيمان والتوحيد والعبادة. 2 - حق العباد فقط كالديون وأثمان الأشياء ونحو ذلك. 3 - حق مشترك لله وللعبد كحد القذف. وهذا أوان البدء في بيان أقسام الحدود وأحكامها.

2 - أقسام الحدود

2 - أقسام الحدود 1 - حد الزنا - الزنا: هو فعل الفاحشة في قبل امرأة لا تحل له. - حكم الزنا: الزنا حرام، وفاحشة عظيمة، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق. والزنا درجات متفاوتة في الشناعة والقبح. فالزنا بامرأة عفيفة ذات زوج من أعظم الفواحش .. والزنا بحليلة الجار أعظم .. والزنا بذات محرم كالأم والأخت أشد وأعظم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [الإسراء: 32]. 2 - وقال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} ... [الفرقان: 68 - 70].

4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: «أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه (¬1). - فضل ترك الفواحش: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} ... [الشورى: 37]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ». أخرجه البخاري (¬3). - مفاسد وأضرار الزنا: مفاسد الزنا من أعظم المفاسد وأشدها وأخطرها. فالزنا مناقض لصلاح العالم في حفظ الأنساب والأعراض والفروج. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6811) , واللفظ له، ومسلم برقم (86). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (660) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6474).

والزنا يجمع خلال الشر كلها، ويفتح على العبد أبواب المعاصي كلها، من ظلم الخلق، وإضاعة أهله وأمواله، وقطيعة الأرحام، وكسب الحرام، ويولِّد الأمراض النفسية والقلبية، ويورث الفقر والمسكنة. والزنا يولِّد سيماء السواد والفساد في وجه فاعله، ويورث نفرة الناس ووحشتهم منه، وسقوطه من أعينهم. والزنا يسبب ظلمة القلب، ويولد رائحة كريهة بغيضة في البدن. وللزنا عقوبات شديدة: أما في الدنيا فبالرجم للمحصن، والجلد لغير المحصن، مع العار والفضيحة. وأما في الآخرة فالزاني إن لم يتب يُجمع في تنور في نار جهنم مع الزناة والزواني عراة. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} ... [الفرقان: 68 - 70]. 2 - وَعَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «إِنَّهُ أتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي» -وفيه: أنَّهُمَا قَالا- «وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7047) , واللفظ له، ومسلم برقم (2275).

- سبل الوقاية من الزنا: دعا الإسلام إلى الزواج، ورغَّب فيه الرجال والنساء. ونظم الإسلام بالنكاح الشرعي وملك اليمين أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وحِفظ النسل. ومَنَع الإسلام أي تصرف في غير هذا الطريق المشروع. فأمر بالحجاب، وغض البصر عن الحرام، ومداومة الطاعات. ونهى عن التبرج، والسفور، والاختلاط .. وخلو الرجل بالمرأة الأجنبية .. وسفر المرأة بلا محرم .. وضرب النساء الأرض بالأرجل .. ومصافحة الرجال .. والخضوع بالقول .. وإظهار الزينة .. والرقص والصور والغناء .. ونحو ذلك من كل ما من شأنه أن يثير الغريزة، أو يدعو إلى الفحش. وذلك كله من أجل ألا يقع الرجل والمرأة في فاحشة الزنا. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} ... [الأحزاب: 59]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ

مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} ... [النور: 30 - 31]. 3 - وقال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب: 32 - 33]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَالعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلاَمُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالقَلبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ». متفق عليه (¬1). - أقسام الزناة: الزاني إما أن يكون محصَناً، أو غير محصَن. والمحصن: من وطئ امرأته المسلمة أو الكتابية في نكاح صحيح، وهما بالغان، عاقلان، حران، مختاران. وغير المحصن: من فقد أحد هذه الشروط الستة. - خصائص حد الزنا: خص الله سبحانه حد الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص: الأولى: القتل فيه بأبشع القتلات، وهي الرجم بالحجارة للمحصن. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6243) , ومسلم برقم (2657)، واللفظ له.

وحيث خففه كما في حد غير المحصن جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة. الثانية: نهي المؤمنين أن تأخذهم رأفة بالزناة تمنعهم من إقامة الحد عليهم؛ لأن الله أرحم بعباده حيث شرع هذه العقوبة. الثالثة: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ليحصل الردع والزجر. قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2]. - الشبهات الدارئة لحد الزنا: الشبهة التي تدرأ الحد ثلاثة أنواع: 1 - شبهة في الفاعل: كأن يطأ مطلقته ثلاثاً ما دامت في العدة ظاناً بقاء حلها، وكأن يطأ المطلقة البائن على مال أو المختلعة ما دامت في العدة ظاناً حلها. 2 - شبهة في الموطوءة: كوطء الشركاء الجارية المشتركة. 3 - شبهة في السبب المبيح للوطء: كالنكاح بلا ولي، ونكاح الأخت في عدة أختها البائن، ونكاح الخامسة في عدة المرأة الرابعة البائن. - حكم من أقر بالحد ولم يبينه: من أقر بحد عند الإمام ولم يبينه، فالسنة للإمام أن يستر عليه ولا يسأله عنه، وإن صرح به عرَّض له بما يدرؤه عنه. 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ رَجُلٌ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أصَبْتُ حَدّاً، فَأقِمْهُ عَلَيَّ، قال: وَلَمْ يَسْألهُ عَنْهُ، قال:

وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أصَبْتُ حَدّاً، فَأقِمْ فِيَّ كتاب اللهِ، قال: «ألَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا». قال: نَعَمْ، قال: «فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ، أوْ قال: حَدَّكَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا أتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلتَ، أو ْغَمَزْتَ، أوْ نَظَرْتَ». قال: لا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «أنِكْتَهَا». لا يَكْنِي، قال: فَعِنْدَ ذَلِكَ أمَرَ بِرَجْمِهِ. متفق عليه (¬2). - عقوبة الزاني: 1 - عقوبة الزاني المحصن: هي أن يُرجم بالحجارة حتى يموت، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو كافراً، ولا جلد مع الرجم؛ لأنه منسوخ. 2 - عقوبة الزاني غير المحصن: هي أن يُجلد الحر مائة جلدة، ويغرَّب سنة، رجلاً كان أو امرأة، ولا تغرَّب المرأة إلا إذا وُجِد لها مَحْرم متبرع بالسفر معها، فإذا لم يوجد حُبست سنة في مكان آمن في بلدها. 3 - الرقيق حده أن يجلد خمسين جلدة، رجلاً كان أو امرأة، ويغرَّب نصف سنة. 1 - قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ... [النساء: 25]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6823) , واللفظ له، ومسلم برقم (2764). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6824) , واللفظ له، ومسلم برقم (1693).

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَنَادَاهُ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أبِكَ جُنُونٌ». قال: لا، قال: «فَهَل أحْصَنْتَ». قال: نَعَمْ، فقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا عَنّي، خُذُوا عَنّي، قَدْ جَعَلَ الله لَهُنّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثّيِّبُ بِالثّيِّبِ، جَلدُ مِائَةٍ وَالرّجْمُ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - إذا مات الزاني ولم يتب حشر في جهنم في تنور الزناة مع أمثاله. عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -في حديث الرؤيا مع الملكين، وفيه فقال الملكان-: «وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي». متفق عليه (¬3). - شروط ثبوت حد الزنا: يشترط لثبوت حد الزنا ما يلي: 1 - أن يكون الزاني بالمرأة بالغاً، عاقلاً، حراً، مختاراً، عالماً بالتحريم، مع انتفاء الشبهة. 2 - تغييب حشفته الأصلية كلها في قبل امرأة. 3 - انتفاء الشبهة، فلا حد على من وطئ امرأة ظنها زوجته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6815) , واللفظ له، ومسلم برقم (2691). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1690). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7047) , واللفظ له، ومسلم برقم (2275).

4 - ثبوت الزنا، ويثبت الزنا بما يلي: 1 - الإقرار: بأن يقر بالزنا من عُرف بالعقل مرة واحدة، ويقرّ به أربع مرات مَنْ كان متَّهماً في ضعف عقله. وفي كليهما يصرح بحقيقة الوطء، ويستمر في إقراره إلى إقامة الحد عليه. 2 - الشهادة: بأن يشهد عليه بالزنا أربعة رجال مسلمين عدول. 3 - الحمل: بأن تحمل من لا زوج لها ولا سيد. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: قالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كتاب اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللهُ، ألا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كَانَ الحَبَلُ أوِ الاعْتِرَافُ ألا وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلا مِنْ أسْلَمَ جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أبِكَ جُنُونٌ». قال: لا، قال: «آحْصَنْتَ». قال: نَعَمْ، فَأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. فقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْراً، وَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه البخاري (¬2). - حكم الرجوع عن الإقرار: إذا اعترف الزاني بالزنا عند القاضي، ثم رجع عن إقراره بعد الحكم بالحد، أو بعد إقامة بعض الحد، أو هرب، فإنه يسقط عنه الحد؛ لأن الرجوع شبهة، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1691). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6820).

والحدود تُدرأ بالشبهات. - من يقام عليه حد الزنا: 1 - يقام حد الزنا على الزاني إذا كان مكلفاً، مختاراً، عالماً بالتحريم، بعد ثبوته عند الحاكم بإقرار، أو شهادة، أو حمل، مع انتفاء الشبهة. 2 - إذا زنا المحصن بغير المحصنة فلكلٍ حده من رجم، أو جلد وتغريب. 3 - إذا زنا الحر بأمة، أو عكسه بأن زنت حرة بعبد فلكل واحد حكمه في الحد. 4 - يقام حد الزنا على الزاني، سواء كان مسلماً أو كافراً؛ لأنه حد ترتب على وصف، فثبت على من قام به. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: لَمَّا أتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلتَ، أو ْغَمَزْتَ، أوْ نَظَرْتَ». قال: لا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «أنِكْتَهَا». لا يَكْنِي، قال: فَعِنْدَ ذَلِكَ أمَرَ بِرَجْمِهِ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. متفق عليه (¬2). - حكم الزوجية بعد الزنا: إذا زنا رجل متزوج فلا تَحرُم عليه زوجته، وإذا زنت امرأة متزوجة فلا تَحرُم على زوجها، لكنهما ارتكبا إثماً عظيماً، فعليهما التوبة والاستغفار. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6824) , واللفظ له، ومسلم برقم (1693). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329) , واللفظ له، ومسلم برقم (1699).

اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 68 - 70]. - أشد أنواع الزنا: مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما انتهكه الزاني من الحق. فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثماً وعقوبة من التي لا زوج لها؛ لما فيه من انتهاك حرمة الزوج، وإفساد فراشه، وتعليق نسبٍ إليه لم يكن منه. فإن كان زوجها جاراً له فذلك أشد وأعظم البوائق. فإن كان الجار أخاً أو قريباً من أقاربه اجتمع مع ذلك قطيعة الرحم، فيتضاعف الإثم عليه. فإن كان الجار غائباً في طاعة الله كطلب العلم، أو الحج، أو الدعوة، أو الجهاد، تضاعف له الإثم. فإن اتفق أن تكون المرأة رحماً منه، انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها. فإن كانت خالته أو عمته، أو أخته أو بنته، فذلك أشد وأعظم وأقبح، نسأل الله السلامة والعافية. فإن اتفق أن يكون الزاني محصناً كان الإثم والعقوبة أعظم. فإن كان الزاني شيخاً كبيراً كان أعظم إثماً. فإن اقترن بذلك أن يكون الزنا في شهر حرام، أو بلد حرام، أو وقت حرام كالصيام والحج، أو وقت معظم كأوقات الصلوات الخمس والجمعة تضاعف الإثم.

ولهذه المفاسد الكبرى وأمثالها حرَّم الله الزنا، وأغلق جميع الأبواب الموصلة إليه، ونفى كمال الإيمان عمن فعله. 1 - قال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} [الإسراء: 32]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: «أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» .. متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ». متفق عليه (¬2). - حكم من زنا بذات محرم: من زنا بذات محرم كأخته، وبنته، وامرأة أبيه، وهو عالم بتحريم ذلك، وجب قتله محصناً كان أو غير محصن. عَن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَهُ. أخرجه أحمد وأبو داود (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6811) , ومسلم برقم (86)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6810) , واللفظ له، ومسلم برقم (57). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (18620) وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (4456).

- حكم من أُكره على الزنا: من أَكره امرأة على الزنا فزنا بها وجب عليه الحد، والمرأة ليس عليها حد؛ لأنها مكرهة. ومن أَكره رجلاً على الزنا بامرأة فزنا بها فلا حد عليه؛ لأنه مكره، لكن يعزَّر من أكرهه ولا يُحد؛ لأنه لم يزن. - صفة إقامة حد الرجم على الزاني: يقيم حد الرجم على الزاني الإمام أو نائبه في أي مكان عام إلا المسجد، بحضور طائفة من المؤمنين. أما الحفر للمرجوم فهو راجع إلى الإمام، إن شاء حفر له، وإن شاء ترك، لكن المرأة تشد عليها ثيابها؛ لئلا تنكشف، ومن وجب عليه حد الرجم فلا جلد عليه. يرجم الرجل قائماً، وترجم المرأة قاعدة، المسلم والكافر في ذلك سواء. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ قالَ: إِنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأةً زَنَيَا، فقال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ». فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قال عَبْدُاللهِ ابْنُ سَلامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فقال لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، فَرَأيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأةِ،

يَقِيهَا الحِجَارَةَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالا: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنْشُدُكَ اللهَ إِلا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أفْقَهَ مِنْهُ، فقال: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قُل». فقال: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا فِي أهْلِ هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّي سَألتُ رِجَالاً مِنْ أهْلِ العِلمِ، فَأخْبَرُونِي أنَّ عَلَى ابْنِي جَلدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأنَّ عَلَى امْرَأةِ هَذَا الرَّجْمَ، فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، المِائَةُ وَالخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَيَا أنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأةِ هَذَا فَسَلهَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. متفق عليه (¬2). - ما يُرجم به الزاني: يقام حد الرجم على الزاني المحصن بالضرب بالحجارة المعتدلة بملء الكف، لا بحصيات خفيفة؛ لئلا يطول تعذيبه، ولا بصخرات كبيرة تقضي عليه بسرعة؛ لئلا يفوت التنكيل المقصود. عَنْ شَدّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إنّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ، فَإذَا قَتَلتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذّبْحَ، وَليُحِدّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6841) , واللفظ له، ومسلم برقم (1699). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6859) , واللفظ له، ومسلم برقم (1697). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1955).

- ما يُفعل بالمرجوم إذا مات: إذا مات المرجوم بعد الرجم: فإن كان مسلماً يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين. وإن كان كافراً يلف في ثيابه، ويوارى بالتراب في مكان من الأرض. عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلا مِنْ أسْلَمَ، جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أبِكَ جُنُونٌ». قال: لا، قال: «آحْصَنْتَ». قال: نَعَمْ، فَأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. فقال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). - حكم تشبه الرجال بالنساء وعكسه: المخنثون من الرجال هم الذين يتشبهون بالنساء في حركاتهم ومشيهم ولباسهم وكلامهم ونحو ذلك. والمترجلات من النساء هن المتشبهات بالرجال في كلامهن وحركاتهن ولباسهن ونحو ذلك. وقد برزت هذه الظاهرة من مزاحمة النساء للرجال في المكاتب والشركات. وهذا التشبه من المحرمات، ومن كبائر الذنوب؛ لأن اللعنة لا تلحق إلا صاحب كبيرة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6820) , واللفظ له، ومسلم برقم (1691).

وَالمُتَرَجِّلاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). - حكم عمل قوم لوط: عمل قوم لوط: هو فعل الفاحشة في الدبر، والاستغناء بالرجال عن النساء. وعمل قوم لوط من أكبر الجرائم المفسدة للخُلُق والفطرة، وعقوبته أغلظ من عقوبة الزنا؛ لغلظ حرمته، وشناعته، وقبحه. وهو شذوذ جنسي خطير، حرمه الإسلام لما يسببه من الأمراض والأضرار النفسية والبدنية الخطيرة. وقد خسف الله بمن فعله وهم قوم لوط، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، وطمس أعينهم، ولهم النار يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} ... [الأعراف: 80 - 81]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} ... [هود: 82 - 83]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)} ... [القمر: 37]. - عقوبة عمل قوم لوط: عمل قوم لوط من كبائر الذنوب. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5886).

وعقوبته: أن يُقتل الفاعل والمفعول به، محصناً كان أو غير محصن، مسلماً كان أو كافراً، إذا كان بالغاً، عاقلاً، مختاراً، عالماً بالتحريم. فيقتله الإمام بما يراه رادعاً له ولغيره من قتلٍ بالسيف، أو رجم بالحجارة، بمحضر من المؤمنين. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بهِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - مفاسد فاحشة عمل قوم لوط: فاحشة عمل قوم لوط لها آثار سيئة على الأمة كلها. فهو من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم. وهو موجب للعنة الله ومقته وعقوبته، وجناية شنيعة على المفعول به وأسرته، بل على المجتمع كله. وهو يُحدث الهم والغم وسواد الوجه في الفاعل والمفعول به، ومُذهب للغيرة والحياء، مولِّد للنفرة والبغض الشديد بين الفاعل والمفعول به، مسبب لنفرة الناس منهما. وعمل قوم لوط يحيل الطباع عما ركبها الله إلى طبع منكوس لا يشتهيه حتى الحيوان، وإذا انتكس الطبع انتكس القلب، فاستطاب كل شر وخبيث، ويورث من المهانة والحقارة والسفال ما لا يورثه غيره، ويكسو العبد حلة المقت والبغضاء، واحتقار الناس له. وهذا الفعل القبيح يفسد حال الفاعل والمفعول به، ويَذهب بمحاسنهما ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4462) , وأخرجه الترمذي برقم (1456).

ومودتهما، ويبدلها تباغضاً وتلاعناً. وعمل قوم لوط يسبب الإصابة بالأمراض الخطيرة كالإيدز المهلك، ويقطع النسل، ويفوِّت حق المرأة في الوطء الحلال. وإذا كان الله قد حرم الوطء في الفرج من أجل الحيض العارض، فكيف بالحش الذي هو محل الأذى اللازم. فالدبر محل الأذى والقذر والنجو، فكيف يشتهيه الإنسان مع نفرة الحيوان منه. فليس من المعاصي أعظم من هذه المفسدة التي تلي مفسدة الكفر. ولم يسبق قوم لوط في فعلها أحد من العالمين. قال الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} ... [الأعراف: 80 - 81]. - حكم الاستمناء: الاستمناء: هو إنزال المني بشهوة من غير جماع، بيد أو نحوها، من رجل أو امرأة. والاستمناء محرم؛ لما فيه من التعدي، وصرف الشيء في غير موضعه، وفي الصوم وقاية منه لمن لم يستطع الزواج. وقد أمر الله بحفظ الفروج إلا في الزواج وملك اليمين، فبقي ما سواهما محرماً. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا

مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} ... [المؤمنون: 5 - 7]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَليَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أغَضُّ لِلبَصَرِ، وَأحْصَنُ لِلفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه (¬1). - حكم السحاق: السحاق: هو إتيان المرأة المرأة. وحكم السحاق محرم، ولا حد فيه، وإنما فيه التعزير. عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا المَرْأةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلا تُفْضِي المَرْأةُ إِلَى المَرْأةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ». أخرجه مسلم (¬2). - حكم إتيان البهيمة: إتيان البهيمة: هو فعل الفاحشة في فرج البهيمة. ووطء البهيمة محرم، وهو جناية قبيحة؛ لأن الطبع السليم يأبى هذا الوطء. وعقوبة هذا الوطء أن يعزَّر فاعله بما يراه الإمام رادعاً من ضربٍ، أو قتلٍ، أو سجن ونحوها. وأما البهيمة الموطوءة فتذبح ولا تؤكل، وإن كانت لغيره ضمن قيمتها لصاحبها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066) , ومسلم برقم (1400)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (338).

2 - حد القذف

2 - حد القذف - القذف: هو الرمي بزنا أو لواط، أو نفي نسب، موجب للحد فيهما. - أنواع القذف: القذف نوعان: الأول: قذف يُحد عليه القاذف، وهو رمي المحصن بالزنا أو اللواط، أو نفي نسبه. الثاني: قذف يعاقب عليه بالتعزير، وهو الرمي بما ليس صريحاً في ذلك. - حكم القذف: القذف محرم، وهو من الكبائر الموبقة الموجبة للعقوبة في الدنيا والآخرة. فيحرم القذف إن كان كاذباً. ويجب القذف إذا رأى امرأته تزني في طهر لم يجامعها فيه، ثم تلد ما يمكن أن يكون من الزنا، فيجب قذفها، ونفي ولدها. والقذف مباح إذا رأى زوجته تزني، ولم تلد ما يلزمه نفيه، فهذا مخير بين فراقها وقذفها، وفراقها أولى من قذفها؛ لأنه أستر لها. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [النور: 4 - 5]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} ... [النور: 23].

3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ». قالوا: يَا رَسُولَ ا?، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِا?، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأكْلُ الرِّبَا، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ». متفق عليه (¬1). - مقدار حد القذف: مقدار حد القذف ثمانون جلدة، سواء كان القاذف حراً أو عبداً، وسواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان مسلماً أو كافراً. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} ... [النور: 4]. - حكمة مشروعية حد القذف: حث الإسلام على حفظ الأعراض عما يدنِّسها ويَشِينها، وأمر بالكف عن أعراض الأبرياء، وحرَّم الوقوع في أعراضهم بغير حق؛ وذلك صيانة للأعراض من الدنس، وحماية لها من التلوث. وبعض النفوس تُقْدم على ما حرم الله من قذفٍ وتدنيسٍ لأعراض المسلمين لنوايا مختلفة. ولما كانت النوايا من الأمور الخفية كُلِّف القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف ثمانين جلدة. - ألفاظ القذف: تنقسم ألفاظ القذف إلى قسمين: الأول: القذف الصريح، وهو كل لفظ لا يحتمل غير معناه كأن يقول لغيره يا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766) , واللفظ له، ومسلم برقم (89).

زاني، يا لوطي ونحوهما، أو يصرح بنفي نسبه. الثاني: القذف بلفظ الكناية بما يحتمل هذا وهذا، القذف وغيره، كأن يقول يا قَحْبة، يا فاجرة، يا خبيثة ونحو ذلك. فإن قصد الرمي بالزنا حُدّ للقذف وإن لم يأت ببينة. وإن لم يقصده لم يُحدّ وعُزِّر. وكذلك التعريض كأن يقول له عند المنازعة: لست بزان ولا أمي زانية ونحو ذلك. - شروط وجوب حد القذف: يشترط لوجوب حد القذف ما يلي: 1 - شروط القاذف: أن يكون القاذف بالغاً، عاقلاً، مختاراً، عالماً بالتحريم، ملتزماً بأحكام الإسلام، ولم يثبت قذفه. 2 - شروط المقذوف: أن يكون المقذوف محصناً، وأن يكون معلوماً، وأن يطالب بالحد. والمحصن هنا: هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله، ولا يشترط بلوغه. 3 - شروط القذف: أن يقذفه بالزنا أو اللواط، أو بنفي نسبه. - ثبوت حد القذف: يثبت حد القذف بواحد مما يلي:

إذا أقر القاذف على نفسه بالقذف .. أو شهد عليه رجلان عدلان بالقذف. - الآثار المترتبة على حد القذف: إذا ثبت حد القذف ترتب عليه ما يلي: 1 - جلد القاذف ثمانين جلدة. 2 - عدم قبول شهادته بعد جلده حتى يتوب. 3 - الحكم عليه بأنه فاسق إلا إذا تاب. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [النور: 4 - 5]. - حكم من قذف غيره بغير الزنا أو اللواط: إذا قذف الإنسان غيره بغير الزنا أو اللواط وهو كاذب فقد ارتكب محرماً، ويعزر بما يراه الحاكم رادعاً له ولغيره، ولا يُحد حد القذف كأن يرمي شخص أحداً بالكفر أو النفاق أو السرقة أو السكر أو الخيانة ونحو ذلك. - من يملك حد القذف: حد القذف حق للعبيد، وفيه حق لله تعالى؛ لأن القذف جناية على عِرض المقذوف، وعِرضه حقه، وعقوبة القذف يملكها المقذوف كالقصاص. وكذلك القذف جريمة تمس الأعراض، وفي إقامة الحد على القاذف تصان مصالح العباد، ويُدفع عنهم الفساد. إلا أن حق المقذوف أقوى، فيصح للمقذوف ولو بعد رفع الأمر إلى الحاكم إسقاط الحد، والعفو عن القاذف، والصلح بعوض أو بدون عوض؛ لأنه

حقه فيملك التصرف فيه، فيجب على المسلم حفظ لسانه عما يضره. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} ... [الإسراء: 36]. - حكم قذف الواحد للجماعة: إذا قذف الإنسان جماعة من الناس: فإن قذفهم بكلمة واحدة كأن يقول: يا زناة، فيُحد للقذف مرة واحدة. وإن قذف كل واحد بكلمة، كأن يقول لكل واحد: يا زاني، فهذا عليه حد لكل واحد منهم بعدد ما قذف؛ لأن الحد يتعدد بتعدد القذف، ومن أسقط حقه منهم سقط. - حكم تكرار القذف: إذا قذف الإنسان أحداً أكثر من مرة فعليه حد واحد إذا لم يُحد لواحد منها، فإن كان قد حُدّ وعاد إلى القذف حُدّ مرة ثانية؛ لأن الحد يتعدد بتعدد القذف. - حكم تحليف القاذف: إذا لم يأت المقذوف ببينة على القذف، وطلب المقذوف من القاضي أن يستحلف القاذف أنه لم يقذفه، فللقاضي أن يُحلفه، ولا ترد اليمين إذا نكل على المقذوف. - ما يفعله القاضي لإثبات القذف: إذا رُفعت دعوى القذف إلى القاضي فإما أن ينكر القاذف أو يقر، فإن أقر القاذف، أو أقام المقذوف البينة على صدور القذف منه أقام حد القذف على

القاذف. وإن أنكر القاذف طلب من المقذوف أن يُحضر البينة على صحة القذف وصدوره منه، ويمهله ثلاثة أيام، فإن أحضرها أقام حد القذف على القاذف. وإن لم يأت ببينة سقط الحد عن القاذف. - ما يُسقط حد القذف: يَسقط حد القذف بأحد أربعة أمور: الأول: إثبات الزنا على المقذوف بالبينة أو بإقراره به. الثاني: عفو المقذوف عن القاذف. الثالث: اللعان بين الزوجين. الرابع: تصديق المقذوف للقاذف فيما رماه به. - صفة توبة القاذف: من قذف غيره بالزنا أو اللواط كذباً وأقيم عليه حد القذف: فهذا القذف يتعلق به حقان: الأول: حق الله، وتوبته منه باستغفاره من ذنبه، وندمه على ما فعل، وعزمه ألا يعود إليه. الثاني: حق العبد، وتوبته منه أن يكذِّب نفسه فيما رمى به غيره. فإذا تاب من هذا وهذا قُبلت شهادته وتوبته. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} ... [النور: 4 - 5].

3 - حد الخمر

3 - حد الخمر - الخمر: اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من مأكول أو مشروب ونحوهما. - حقيقة السكر: السكر الذي يجب به الحد هو اللذة والنشوة التي يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، فإذا علم ما يقول خرج عن حد السكر. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. - سبب تسمية المسكر خمراً: سمي المسكر خمراً لأنها تُغطَّى حتى تدرك وتغلي .. ولأنها تستر العقل وتغطيه .. ولأنها تخامر العقل وتخالطه. فالخمر تركت، وخمرت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته وسترته وغطته. - أسباب السكر: قد يكون سبب السكر تناول الخمر، وقد يكون سببه ألم شديد يغيب معه العقل، وقد يكون سببه أمر مَخُوف عظيم هجم عليه فغاب عقله، وقد يكون سببه فرح شديد، أو غضب شديد، أو عشق، أو يأس، أو سماع شيطاني ونحو ذلك مما يغيب به العقل.

- أنواع الخمر: الخمر هي كل ما خامر العقل وغطاه من مأكول أو مشروب أو مشموم، سواء اتُّخذ من التمر أو العنب أو العسل أو الحنطة أو الشعير أو غيرها من النباتات والمركبات الكيميائية المخدرة. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَامَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: أمَّا بَعْدُ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ البِتْعِ، وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وَكَانَ أهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». متفق عليه (¬2). - سد الذرائع الموصلة إلى تناول الخمر: سد الإسلام كل ذريعة توصل إلى الخمر، ومن ذلك: تحريم القطرة من الخمر .. وإمساكها لاتخاذها خلاً .. النهي عن الانتباذ فوق ثلاث .. النهي عن شرب العصير بعد ثلاث .. النهي عن الخليطين .. النهي عن الانتباذ في بعض الأوعية كالقرع ونحوه. 1 - عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جدِّه عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». أخرجه أحمد والنسائي (¬3). 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الخَمْرِ تُتّخَذُ خَلاّ؟ فَقَالَ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5581) , واللفظ له، ومسلم برقم (3032). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5586) , واللفظ له، ومسلم برقم (2001). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6674) , والنسائي برقم (5607).

«لاَ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، ثُمّ رَجَعَ وَقَدْ نَبَذَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَنَاتِمَ وَنَقِيرٍ وَدُبّاءٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُهَرِيقَ، ثُمّ أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ، فَجُعِلَ مِنَ اللّيْلِ فَأَصْبَحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَيْلَتَهُ المُسْتَقْبِلَةَ، وَمِنَ الغَدِ حَتّىَ أَمْسَى، فَشَرِبَ وَسَقَى، فَلَمّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهَرِيقَ. أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزّبِيبُ وَالتّمْرُ، وَالبُسْرُ وَالتّمْرُ. متفق عليه (¬3). 5 - وَعَنْ زَاذَان قَالَ: قُلتُ لاِبْنِ عُمَرَ: حَدِّثنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ، وَفَسّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا، فَإِنّ لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الحَنْتَمِ، وَهِيَ الجَرّةُ، وَعَنِ الدّبّاءِ، وَهِيَ القَرْعَةُ، وعَنِ المُزَفّتِ، وَهُوَ المُقَيّرُ، وَعَنِ النّقِيرِ، وَهِيَ النّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً، وَتُنْقَرُ نَقْراً، وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الأَسْقِيَةِ. أخرجه مسلم (¬4). - حكم شرب الخمر للدواء: يحرم التداوي بشرب الخمر؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، فهي داء وليست بدواء. عَنْ وَائِلٍ الحَضْرَمِيّ أَنّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الجُعَفِيّ سَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنّمَا أَصْنَعُهَا لِلدّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1983). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2004). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5601) , ومسلم برقم (1986)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (1997).

وَلَكِنّهُ دَاءٌ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الخمر: الخمر كله قليله وكثيره محرم، والخمر أم الخبائث، وهو من الكبائر الموجبة للعقاب في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (¬3). - حكمة تحريم الخمر: الخمر أم الخبائث، وقد حرم الإسلام قليلها وكثيرها. وتحريم المحرمات على هذه الأمة هو تحريم حفظٍ وصيانة، لا تحريم عقوبة وحرمان. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1984). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2003). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6772) , واللفظ له، ومسلم برقم (57).

ولمَّا كانت الخمر تغطي عقل شاربها، فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح، والمال والولد، والعرض والشرف، والفرد والمجتمع ونحو ذلك من المفاسد المترتبة على زوال العقل، ولِمَا تسببه من الأمراض والضغط والبَلَه والجنون، ولِمَا تسببه من العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله والصلاة، وتعطيل العمل، وانتهاك الحرمات والمحرمات. ولِمَا في تناولها من الجناية على العقل الذي شرَّف الله به الإنسان على غيره، ولِمَا فيها من الخبث والضرر على القلب والعقل والدماغ والكبد. فلهذه الأسباب وغيرها حرم الله الخمر من كل وجه تناولاً، أو تجارة فيها، أو زراعة لها، صيانة للعقول من الفساد، وحفظاً للأموال والأعراض والنفوس والأخلاق من التلف والهلاك. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} ... [المائدة: 90 - 91]. - ثبوت حد الخمر: يثبت حد الخمر بأحد أمرين: الأول: إقرار الإنسان بأنه شرب الخمر. الثاني: شهادة شاهدين عدلين. - مقدار حد الخمر: حد الخمر أربعون جلدة، وللإمام أن يبلغ به الثمانين تعزيراً إن رأى انهماك

الناس في الشراب. 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ، نَحْوَ أَرْبَعِينَ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَدَ فِى الخَمْرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالقُرَى، قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِى جَلدِ الخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الحُدُودِ. قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ. متفق عليه (¬2). - شروط إقامة حد الخمر: يشترط لإقامة حد الخمر ما يلي: البلوغ .. والعقل .. والاختيار .. والعلم بأنه خمر. ويُجلد شاربها مسلماً كان أو كافراً، حراً أو عبداً. - عقوبة شارب الخمر: 1 - إذا شرب الإنسان الخمر فحده أربعون جلدة، وللإمام أن يزيده إلى ثمانين جلدة إن رأى المصلحة. 2 - من أصر على شرب الخمر جُلد في المرة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فإن شرب رابعة فللإمام حبسه أو قتله تعزيراً؛ قطعاً لدابر الشر وأهله. 3 - من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها لم يشربها في الآخر. ولا يدخل الجنة مدمن خمر، ومن شربها وسكر لم تقبل له صلاة أربعين ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1706). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6776)، ومسلم برقم (1706)، واللفظ له.

يوماً، ومن كرر شربها سقاه الله يوم القيامة من عصارة أهل النار، ومن تاب تاب الله عليه. 4 - للإمام كسر أواني الخمر، وتحريق أماكن الخمَّارين، بحسب المصلحة التي تردع عن شربها. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} ... [الزمر: 53]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى الله، عَزّ وَجَلّ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه أمَرَ عَبدَاللهِ بن جَعفَرٍ أنْ يَجْلِدَ الوَليد بن عُقبةَ فِي الخَمرِ، فلمَّا جَلدَهُ أرْبَعِينَ، قَالَ عَلِيٌ: أمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) , واللفظ له، ومسلم برقم (2003). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2002). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1707).

5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه النسائي (¬1). 6 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). - أنواع العقوبات التعزيرية لشارب الخمر: يجوز للإمام أن يزيد في حد الخمر تعزيراً إذا رأى تهالك الناس، واستهانتهم بحدها. ومن تلك العقوبات التعزيرية: 1 - مضاعفة الحد من أربعين إلى ثمانين تعزيراً. 2 - القتل لمدمن الخمر المصر عليها. 3 - التعزير بالنفي. 4 - التعزير بالحبس. 5 - التعزير بالتشهير. 6 - تكسير دِنَان الخمر. 7 - إحراق محلات بيع الخمر. ونحو ذلك مما يراه الإمام محققاً للمصلحة، ودافعاً للمفسدة، وذلك ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (5661). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4917) , والترمذي برقم (1862)، وهذا لفظه.

يختلف في كل زمان ومكان، ويختلف بحسب أرباب الجرائم. - حكم الدعاء على من أقيم عليه حد الخمر: لا يجوز الدعاء على من أقيم عليه حد الخمر، وإنما يناصح ويدعى له بالهداية. 1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَاللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فقال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللهُمَّ العَنْهُ، مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَكْرَانَ، فَأمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قال رَجُلٌ: مَا لَهُ أخْزَاهُ اللهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أخِيكُمْ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة: لا يقام حد الخمر بالرائحة إلا إذا انضم إليها ما ينفي الشبهة، فيقام الحد بالرائحة والقيء في الأحوال الآتية: 1 - أن يكون من وجدت منه الرائحة مشهوراً بإدمان شرب الخمر. 2 - أن يوجد مع الرائحة عوارض السكر والقيء. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6780). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6781).

3 - أن يوجد جماعة بعضهم قد سكر، وبعضهم تنبعث منه الرائحة ونحو ذلك. - الأحكام المتعلقة بالخمر: يتعلق بالخمر الأحكام الآتية: 1 - يحرم شرب قليل الخمر وكثيرها إلا عند الضرورة لزوال عطش وغصة. 2 - لا يجوز التداوي بالخمر؛ لأنها داء. 3 - يحرم بيعها وشراؤها والتجارة فيها. 4 - يجب على ولي الأمر إتلافها. 5 - يُحد شاربها حَد الخمر. - حكم المخدرات: المخدرات: مواد مركبة تفسد الجسم، وتورثه الخدر والفتور، وتؤثر على العقل بالتغطية أو الإزالة. والمخدرات داء عضال تسبب الشرور والأمراض المهلكة، فيحرم تعاطيها، وتهريبها، وترويجها، والتجارة فيها؛ لعظيم ضررها وإثمها. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة: 2]. - عقوبة أهل المخدرات: يجب على إمام المسلمين عقوبة كل من يتعاطى أو يتاجر في المخدرات بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة من سجن، أو جلد، أو قتل، أو غرامة. وذلك لخطرها العظيم، وشرها المستطير، قطعاً لدابر الشر والفساد، وحفظاً للأنفس والأموال والأعراض والعقول.

وتختلف عقوبة أهل المخدرات بحسب شدة جرمهم كما يلي: 1 - مهرب المخدرات عقوبته القتل؛ لعظيم شره وضرره. 2 - مروِّج المخدرات بالبيع والشراء، أو الإهداء، أو التصنيع، أو الاستيراد: في المرة الأولى يعزر تعزيراً بليغاً بالحبس، أو الجلد، أو الغرامة المالية، أو بها كلها حسب رأي الحاكم بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة. وإن تكرر منه ذلك يعزر بما يقطع شره عن الأمة، حتى ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا من المفسدين في الأرض. - أنواع المخدرات: المخدرات والمسكرات أنواع متعددة، وكلها تغطي العقل، وتفسد الجسم. وكلها محرمة؛ لما فيها من الضرر المؤكد الحصول. ومن أشهر أنواع المخدرات: الحشيش، والأفيون، والكوكايين، والمورفين، والبرش، ونحو ذلك مما يغطي العقل، ويخدر البدن، ويورث الفتور والكسل، ويفسد الجسم. 1 - عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ مُخْمِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِراً بُخِسَتْ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابعَةَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ». قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيراً لاَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3681) , والترمذي برقم (1865).

يَعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ». أخرجه أبو داود (¬1). - حكم المفتِّرات: المفترات: هي كل ما يورث الفتور في البدن، والخدر في الأطراف. والمفترات سواء كانت نباتية كالقات، أو مصنَّعة كالجراك ونحو ذلك مما لا يصل إلى حد الإسكار، ولا يغيب العقل، كل ذلك محرم، ولا يجوز تعاطيه ولا شربه، لعظيم ضرره. فالمسكرت والمخدرات والمفترات كلها محرمة؛ لمخامرتها العقل، وتغطيتها له. وفي المخدرات والمفترات مفاسد الخمر ومضاره، بل هي أكثر ضرراً، وأعظم فساداً من الخمر؛ لأنها تضر الأمة ضرراً بليغاً، أفراداً وجماعات، وتضر دينهم وأبدانهم وصحتهم وعقولهم، وتعطل أعمالهم، وتفسد أموالهم، وتمزق شملهم، وتأكل أوقاتهم، وتفسد حياتهم. وكل ما يزعمونه في تلك المحرمات من مصالح ومنافع فهي وهمية خادعة. والإسلام يحرم المفاسد والمضار، ويبيح المصالح والمنافع. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3680)، انظر الصحيحة رقم (2039).

- عقوبة المفترات: المفترات بأنواعها كلها ضارة ومفترة، وكثيرها مخدر. فيحرم تناولها أو التجارة فيها؛ لأن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وكل ما يؤدي إلى المعصية فهو معصية، والوسائل لها أحكام المقاصد. والمفترات كالمخدرات لها عقوبات تعزيرية يقدرها الإمام بما يحقق المصلحة، ويقطع دابر الشر والفساد. - حكم الدخان: التبغ: شجرة خبيثة يدخنها الإنسان زاعماً أنها تريح بدنه وأعصابه. وحكم الدخان محرم؛ لأنه من الخبائث الضارة .. مضر بالأبدان .. مؤذ برائحته المدخن ومن حوله من الملائكة والناس .. مضر بالمال لما فيه من التبذير .. مفسد لأعضاء الإنسان كالقلب والحلق والفم .. مفسد لطبيعة الإنسان ومزاجه. وأعظم من ذلك أنه مضر بدين صاحبه، قاطع له عن الطاعات، محرك له إلى المعاصي، مفسد لأخلاقه، موجب لسخط الله، وبغض عباده وكراهيتهم له. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

4 - حد السرقة

4 - حد السرقة - السرقة: هي أخذ مال محترم لغيره، لا شبهة فيه، من موضع مخصوص، بقدر مخصوص، على وجه الخفية. - أنواع الاعتداء على الأموال: الاعتداء على الأموال له حالات هي: السرقة .. أو الغصب .. أو الاختلاس .. أو النهب .. أو الطَّر .. أو الخيانة .. أو الجحد. فالسرقة: أخذ مال الغير المحترم خفية من حرزه. والغصب: أخذ المال علانية قهراً بغير حق. والاختلاس: أخذ المال بصفة لا يشعر بها المسروق منه. والنهب: أخذ المال مغالبة والناس ينظرون. والطَّرَّار: هو النَّشَّال الذي يسرق من جيب الإنسان أو كمه. والنَّبَّاش: هو من ينبش القبر لأخذ ما فيه. والخائن: هو الغادر الجاحد للمال. والجاحد: هو المنكِر ما عنده لغيره. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]. 2 - وَعَنْ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلاَ مُنْتَهِبٍ وَلاَ

مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - أنواع السرقة: السرقة نوعان هي: 1 - ما يوجب الحد: وهي السرقة التي توفرت لها شروط إقامة الحد. 2 - ما يوجب التعزير: وهي كل سرقة لم تكتمل فيها شروط إقامة الحد. والسرقة التي عقوبتها الحد نوعان: الأول: سرقة كبرى: وهي أخذ المال على سبيل المغالبة وتسمى الحِرَابة، ويجب فيها قطع اليد والرجل من خِلاَف. الثاني: سرقة صغرى: وهي السرقة التي يجب فيها قطع اليد، وهذه هي المقصودة في هذا الباب. - صفة العمل مع المتهمين في السرقة: المتهمون في السرقة أو غيرها ثلاثة أصناف: الأول: معروف بالدين والورع، وليس من أهل التهم، فهذا يخلَّى سبيله. الثاني: مجهول الحال، فهذا يحبس حتى ينكشف أمره. الثالث: معروف بالفجور والفسق، فهذا يُمتحن بالضرب حتى يقر بالجناية. - حكم السرقة: السرقة محرمة، وهي من كبائر الذنوب؛ لأنها أكل لأموال الناس بالباطل، واعتداء على أموالهم بغير حق. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4391) , وأخرجه الترمذي برقم (1448)، وهذا لفظه.

1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} ... [البقرة: 188]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». متفق عليه (¬2). - عقوبة السارق: 1 - إذا ثبتت السرقة على أحد قُطعت يده اليمنى من مفصل الكف، فإن سرق ثانية قُطعت رجله اليسرى. فإن سرق بعد ذلك فلا قطع، بل يكون التعزير والنكال بما يراه الحاكم رادعاً لعدوانه من حبسٍ، أو جلدٍ، أو بهما معاً. 2 - السارق آخذ لمال غيره بغير حق، ولهذا لعنه الله، وتوعده بالنار يوم القيامة إن لم يتب ويردّ ما أخذ. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} [المائدة: 38 - 39]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4406) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475) , واللفظ له، ومسلم برقم (57).

2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} ... [النساء: 14]. 3 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية حد السرقة: صان الله الأموال بإيجاب قطع يد السارق، فإن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم. وفي قطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر السرقة عبرة لمن تحدثه نفسه بسرقة أموال الناس، وتطهير للسارق من ذنبه، وحفظ لأموال الأمة، وإرساء لقواعد الأمن والطمأنينة في المجتمع. وقطع يد السارق كفيل بقطع دابر السرقة وتقليلها، وحفظ للسارق أن ينال كسبه من السحت الحرام، ورسالة مكشوفة تردع الصائل، وتكف الباغي. والسارق هو الذي جلب الشر لنفسه، فقُطع لمصلحة نفسه ومصلحة غيره. - شروط إقامة حد السرقة: يجب القطع في حد السرقة إذا توفرت الشروط الآتية: 1 - أن يكون السارق بالغاً، عاقلاً، مختاراً، مسلماً كان أو كافراً. 2 - أن يكون المسروق مالاً محترماً، فلا قطع بسرقة آلة لهو، أو خمر ونحوهما. 3 - أن يبلغ المال المسروق نصاباً، وهو ربع دينار من الذهب فصاعداً. 4 - أن يأخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاغتصاب، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6799) , واللفظ له، ومسلم برقم (1687).

والاختلاس، والانتهاب ونحوها، وإنما فيها التعزير. 5 - أن يأخذ المال من حرزه كالدكان والدار ونحوهما. 6 - انتفاء الشبهة، فلا قطع على الأب والأم، والابن والبنت، ولا على من وجبت عليه نفقته، ولا على من سرق في المجاعة. 7 - ثبوت السرقة. وتثبت السرقة بأحد أمرين: 1 - الإقرار: بأن يقر السارق على نفسه بالسرقة. 2 - الشهادة: بأن يشهد عليه رجلان عدلان بأنه سرق، ولا تقبل شهادة النساء في الحدود. فإذا تمت هذه الشروط وجب القطع، وإن اختل شرط منها سقط القطع، وللإمام التعزير بما يراه مناسباً. - من لا قطع عليه في السرقة: 1 - الأصول كالأب والأم، والفروع كالابن والبنت؛ لشبهة الإنفاق والتبسط. 2 - لا يُقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر؛ لشبهة النفقة والتبسط. 3 - سرقة العبد من مال سيده، والسيد من مال مالكه؛ لشبهة النفقة والتبسط. 4 - السرقة من بيت المال؛ لشبهة حقه في بيت المال. 5 - الفقير إذا سرق من غَلَّة وقفٍ على الفقراء؛ لشبهة استحقاقه منها. 6 - السرقة من مال له فيه شراكة؛ لأن له نصيباً فيه. وللإمام أن يعزر من شاء بما يكف شر هذه الجريمة، ويردع السارق وغيره.

- مقدار نصاب السرقة: نصاب السرقة الذي تقطع فيه اليد ربع دينار من الذهب فصاعداً، أو عرض يساويه. والدينار يساوي مثقال، والمثقال يساوي أربعة غرامات تقريباً، فيكون ربع الدينار يساوي غراماً واحداً. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». متفق عليه (¬1). - حِرْز الأموال والأشياء: حرز المال: هو المكان الذي يُحفظ فيه عادة بقفل ونحوه. والحرز يختلف باختلاف الأموال، والأشياء، والبلدان، وعدل السلطان وجوره، وقوته وضعفه. فحرز الأموال والجواهر في المصارف، والدكاكين، والبيوت، والصناديق ونحو ذلك مما جرى به العرف. وحرز الأقمشة والأواني والآلات في الدكاكين، والمستودعات، والبيوت، وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة. وحرز ما يباع في السوق من الفواكه والخضار ونحوها وراء الشبك أو القماش إذا كان للسوق حارس. وحرز الخشب والحطب في الحظائر والمستودعات. وحرز البهائم والمواشي والطيور في أماكن تربيتها في البيوت أو المشاريع، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6789) , واللفظ له، ومسلم برقم (1684).

وحرزها في المرعى بالراعي المكلف، ونظره إليها غالباً ونحو ذلك مما جرت به عادة الناس. فمن سرق من هذه الحروز قطع، ومن سرق من غير حرز لم يقطع، ويعزر ويرد ما أخذ أو قيمته أو بدله. - صفة حد السرقة: حد السرقة حق خالص لله تعالى. فإذا ثبت الحد عند الحاكم لم يجز العفو عنه، ولا الإبراء منه، ولا الشفاعة فيه؛ لأنه حق لله، فيجب تنفيذه على من سرق. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} ... [المائدة: 38 - 39]. 2 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ نَائِماً فِي المَسْجِدِ عَلَيَّ خَمِيصَةٌ لِي ثمَنُ ثلاَثِينَ دِرْهَماً فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي فَأُخِذ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بهِ لِيُقْطَعَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلتُ: أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثلاَثِينَ دِرْهَماً أَنَا أَبيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثمَنَهَا. قَالَ: «فَهَلاَّ كَانَ هَذا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بهِ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - مكان القطع في حد السرقة: مكان القطع في حد السرقة في اليد اليمنى إن وجدت، من مفصل الكف، من الكوع الذي يلي إبهام اليد؛ لأنها آلة الأخذ غالباً. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4394) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (4884).

وإن تكررت منه السرقة قُطع من مفصل القدم اليسرى، من مفصل العقب، ويبقى العقب وهو العرقوب مؤخر القدم الذي تحت الكعب. ولا يجوز أن يُخَدَّر مكان القطع؛ لأن تأديبه وإيلامه مطلوب. فإذا تم القطع وجب حسم مكان القطع؛ لئلا ينزف الدم فيموت. ويكون الحسم بما يوقف الدم بغمسها بزيت يغلي، أو جراحة، أو كيّ بنار ونحو ذلك مما يوقف نزيف الدم. ويجوز للإمام أن يعلق يده على صدره، أو على خشبة؛ تعزيراً، حسب حجم السرقة، وجناية السارق، وردعاً لغيره. - ما يترتب على ثبوت السرقة: يترتب على ثبوت السرقة ما يلي: 1 - رد المسروق إن وُجد، أو مثله إن فُقد، أو قيمته إن كان تالفاً. 2 - قطع اليد اليمنى من مفصل الكف وحسمها. 3 - إذا عاد السارق مرة أخرى قُطعت رجله اليسرى من مفصل القدم. 4 - إن عاد مرة ثالثة حُبس وعُزِّر ولا يُقطع. - حكم إعادة العضو المقطوع: 1 - يجوز إعادة العضو المقطوع في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو التنفيذ. 2 - لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع حداً؛ لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً للعقوبة المقررة، وزجراً عن الجريمة، وحذراً من مصادمة حكم الشرع في الظاهر.

- حكم المال المسروق: إذا كان المال المسروق موجوداً رده السارق لصاحبه، وإن كان تالفاً ضمن بدله، فإن لم يوجد ضمن قيمته، فإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة. وقَطْع اليد لا يمنع ضمان رد المسروق؛ لأن الضمان حق الآدمي، والقطع يجب لحق الله، فلا يمنع أحدهما الآخر كالدية والكفارة. - حكم من سرق من بيت المال: بيت المال فيه حق لعموم المسلمين، والسرقة منه أعظم إثماً من غيره. والسارق من بيت المال يعزر بما يراه الإمام، ويُلزم برد ما أخذه، ولا يُقطع؛ لأن له نصيباً منه، ومثله في الحكم من سرق من الغنيمة أو الخمس. - حكم أخذ الثمر من مال الغير: أخذ الثمر من ملك الغير له ثلاث حالات: الأولى: أن يمر الإنسان المحتاج بالثمر على رؤوس النخل، أو الثمر في الشجر، أو بماشية فيها لبن، فهذا له أن يأكل ويشرب بقدر حاجته فقط بعد أن يستأذن صاحبه، فإن لم يجده أكل حاجته من غير أن يحمل شيئاً. الثانية: أن يأخذ من ذلك ويذهب به معه من دون إذن، فهذا محرم؛ لأنه أخذ مال غيره بدون إذنه ولا رضاه، فعليه الغرامة بالمثل أو القيمة، وعليه التعزير بدون قطع؛ لأنه لم يأخذ مالاً من حرزه. الثالثة: أن يأخذ الطعام من الجَرِين أو البَيْدر أو مستودع الطعام. فهذا إن بلغ ما أخذ نصاباً فعليه حد القطع؛ لأنه أخذ المال من حرزه. قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا

مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38]. - حكم الاشتراك في السرقة: إذا اشترك جماعة في سرقة، فإن بلغ لكل واحد منهم نصاب، فعلى كل واحد منهم القطع. وإن كان المسروق كله نصاباً، واشترك جماعة في سرقته، فلا يُقطع كل واحد منهم، لكن يعزرهم الحاكم، لأن كل واحد منهم لم يسرق نصاباً يوجب القطع. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْطَعُ السّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً. متفق عليه (¬1). - حكم جاحد العارية: العارية: أن تعطي أحداً شيئاً لينتفع به لمدة شهر أو سنة مثلاً ثم يرده لك. والوديعة: أن تعطي أحداً مالاً ليحفظه لك مدة معلومة وليست الخيانة في العارية كالخيانة في الوديعة. فيُقطع جاحد العارية؛ لأنه قبضها لمصلحة نفسه، ولا يُقطع جاحد الوديعة؛ لأنه قبضها لمصلحة مالكها. وإذا قُطع جاحد العارية امتنع الناس من جحدها، وإذا لم تقطع تجرأ الناس على جحدها، وفي هذا سد لباب المعروف بين الناس. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيّةِ الّتِي سَرَقَتْ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلّمُ فِيهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِىءُ عَلَيْهِ إلاّ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6789) , ومسلم برقم (1684)، واللفظ له.

أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَكَلّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُود اللهِ؟». ثُمّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النّاسُ إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه (¬1). - حكم توبة السارق: لتوبة السارق ثلاث حالات: 1 - أن يتوب مَنْ عليه حد السرقة أو غيرها قبل القدرة عليه. فهذا يسقط عنه الحد، ولا يشرع له كشف نفسه بعد أن ستره الله، لكن يجب عليه رد ما أخذ من مال، وضمانه إن كان تالفاً. 2 - أن يتوب بعد القدرة عليه. فهذا لا يسقط عنه الحد بالتوبة؛ لأن الحد تجب إقامته بعد بلوغه الإمام. 3 - أن يتوب بعد إقامة حد القطع عليه. فهذا من شرط صحة توبته رد ما سرق إن كان موجوداً، وضمانه لربه إن كان تالفاً. والله عز وجل يقبل التوبة النصوح، لكن لا بد من إقامة الحدود إذا بلغت الحاكم، ورد ما أخذ لمالكه. قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3475) , ومسلم برقم (1688)، واللفظ له.

عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)} ... [المائدة: 38 - 39]. - ما يسقط به حد السرقة بعد وجوبه: يسقط الحد بعد وجوبه بواحد مما يلي: تكذيب المسروق منه السارق .. تكذيب المسروق منه من شهد معه .. رجوع السارق عن الإقرار بالسرقة؛ لأن الرجوع عن الإقرار يُقبل في الحدود، ولا يُقبل في المال؛ لأن الحد يسقط بالشبهة.

5 - حد قطاع الطريق

5 - حد قطاع الطريق - قطاع الطريق: هم الذين يَعْرِضون للناس بالسلاح، ويقطعون الطريق عليهم جهراً بنهب أو قتل. وقطاع الطريق يسمون مُحَارِبين؛ لأنهم محاربون للناس والدين. - أقسام قطاع الطريق: قطاع الطريق: هم كل من أشهر السلاح، وأخاف الطريق، وله قوة بنفسه أو بغيره. وقطاع الطرق عصابات مختلفة كعصابة القتل .. وعصابة خطف الطائرات .. وعصابة اللصوص التي تسطو على البيوت والمتاجر والبنوك .. وعصابة خطف البنات للفجور بهن .. وعصابة خطف الأطفال لبيعهم أو فعل الفاحشة بهم .. وعصابة قتل الدواب والمواشي أو أخذها .. وعصابة خطف الوجهاء والأغنياء. فهؤلاء وأمثالهم يسمون قطاع الطريق؛ لإخافتهم الناس في طرقهم جهاراً بالسلاح. - صفة قطاع الطريق: 1 - قطاع الطريق يشبهون البغاة، فقطاع الطريق محاربون بغير تأويل، والبغاة محاربون بتأويل. 2 - قطع الطريق يشبه السرقة، فقطع الطريق أخذ المال جهراً من الناس، سراً عن الإمام، ويسمى سرقة كبرى؛ لأن فيه ضرراً على أصحاب الأموال والناس، ولهذا غُلِّظ فيه الحد.

والسرقة أخذ المال خفية، وتسمى سرقة صغرى؛ لأن ضررها يخص أهل الأموال، ولهذا كانت عقوبتها أخف، وقطع الطريق أخذ المال أو غيره جهراً بتهديد، والسرقة أخذ المال خفية بلا تهديد. - حكم قطع الطريق: الحرابة: هي التعرض للناس وتهديدهم بالسلاح في الصحراء أو البنيان، في البيوت أو وسائل النقل، من أجل سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، أو غصب أموالهم ونحو ذلك. ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل، والسيارات والقطارات، والسفن والطائرات، سواء كان تهديداً بالسلاح، أو زرعاً للمتفجرات، أو نسفاً للمباني، أو حرقاً بالنار، أو أخذاً لرهائن. وكل ذلك محرم، ومن أعظم الجرائم؛ لما فيه من ترويع الناس، والاعتداء على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق. ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى

مَاتُوا. متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا». متفق عليه (¬2). - شروط وجوب الحد على قطاع الطريق: 1 - أن يكون قاطع الطريق بالغاً عاقلاً، سواء كان مسلماً أو كافراً، ذكراً أو أنثى. 2 - أن يكون المال المأخوذ محترماً مملوكاً لغيره. 3 - أن يأخذ المال من حرز، قليلاً كان أو كثيراً. 4 - ثبوت قطع الطريق بإقرار أو شهادة رجلين عدلين. 5 - انتفاء الشبهة كما ذكر في السرقة. 6 - التهديد بالسلاح جهراً في الصحراء أو العمران. فإذا تمت هذه الشروط أقيم عليه حد الحرابة. وإن اختل شرط منها عزرهم الإمام بما شاء مما يحقق المصلحة، ويدفع شرهم عن الناس. - عقوبة قطاع الطريق: عقوبة قطاع الطريق لها أربع حالات: 1 - إذا قَتلوا وأخذوا المال، قُتلوا وصُلبوا. 2 - إذا قَتلوا ولم يأخذوا المال، قُتلوا ولم يُصلبوا. 3 - إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قُطع من كل واحد يده اليمنى من مفصل الكف، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802) , واللفظ له، ومسلم برقم (1671). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6874) , ومسلم برقم (98).

ورجله اليسرى من مفصل العقب. 4 - إذا لم يقتلوا ولم يأخذوا المال، لكن أخافوا السبيل، فهؤلاء يُنفون من الأرض. وللإمام أن يجتهد في شأنهم بما يراه رادعاً لهم ولغيرهم؛ قطعاً لدابر الشر والفساد. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} ... [المائدة: 33 - 34]. 2 - وعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. متفق عليه (¬1). - ما يُفعل بقطاع الطريق بعد القتل: إذا جمع قطاع الطريق بين القتل وأَخْذ المال قُتلوا ثم صُلبوا على جدار أو عامود، وللإمام إن رأى المصلحة صَلْب قاطع الطريق، ثم قَتْله وهو مصلوب. وكيفية الصلب: أن يعلَّق الجاني، وتربط يديه بالعامود من أعلى، ويترك بقدر ما يشتهر أمره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802) , واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

والقتل يكون بالسيف ونحوه مما يسرع في إزهاق الروح. وقطاع الطريق إذا قتلوا يُغسَّلون، ويكفنون، ويصلى عليهم، ويدفنون مع المسلمين؛ لأنهم مسلمون. أما الكافر فلا يغسل، ولا يصلى عليه، فيوارى بثيابه في حفرة من الأرض. - كيفية نفي قطاع الطريق: قطاع الطريق إذا أخافوا الناس ولم يقتلوا ولم يأخذوا المال فإنهم يُنفون من الأرض؛ إتقاء لشرهم، حتى تظهر توبتهم، فإن لم يندفع شرهم حبسهم الإمام؛ لأن هذا أقرب إلى دفع شرهم، لأن الحبس هو سجن الدنيا، فالمسجون ليس في الدنيا مع الناس، وليس في الآخرة مع الأموات، فهو منفي من الأرض. - حكم حد قطاع الطريق: حد قطاع الطريق من حقوق الله الخالصة له، فإذا بلغ الحاكم أمرهم وجب تنفيذ الحد فيهم، ولا يجوز العفو عنهم ولا الإبراء، ولا الصلح ولا الشفاعة لإسقاط الحد عنهم. وما أخذوه من المال إن كان موجوداً رُدَّ إلى مالكه، وإن كان مفقوداً رُدَّ مثله، فإن لم يوجد مثله رد قيمته إن كان موسراً، فإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة. لأن الحد والغُرْم حقان واجبان، الحد لله، والغُرْم للآدمي، فيجب أداؤهما معاً كالصيد المملوك في الحرم يجب فيه الجزاء للفقراء، والقيمة لمالكه. - حكم توبة قطاع الطريق: التوبة: هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته.

1 - من تاب من قطاع الطريق قبل القدرة عليه فإن الله يغفر له ما قد سلف، ويسقط عنه ما وجب لله من نفي، وقطع، وصلب، وتحتم قتل. ويؤخذ بما للآدميين من قتل نفس، أو قطع طرف، أو أخْذ مال، إلا أن يُعفى له عنها؛ لأن هذا من باب القصاص، لا من باب الحرابة، وللمجني عليه حق في القصاص أو الدية أو العفو. 2 - إن قُبض على قطاع الطريق قبل التوبة أقيم عليهم حد قطاع الطريق، ووجب عليهم رد ما أخذوه لمالكه؛ لئلا تُتخذ التوبة ذريعة لتعطيل حدود الله، ولأن توبتهم بعد القدرة عليهم خوفاً من النكال والعقوبة، فلهذا لا تقبل توبتهم. 3 - أما الكافر فتقبل توبته وإسلامه ولو بعد القدرة عليه، فيُرفع عنه القتل، ويلزمه رد ما أخذ لغيره من مال. 4 - جميع الحدود إذا تاب الإنسان منها قبل القدرة عليه سقطت عنه؛ لأن جميع حقوق الله مبنية على المسامحة، فتسقط بالتوبة، فإن طالب الجاني بإقامتها عليه، فللإمام أن يقيمها عليه، وإن رجع عن طلب الإقامة بالقول أو الفعل ارتفعت عنه العقوبة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} ... [المائدة: 33 - 34]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال: 38].

3 - وَعَنْ أسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَكَفَّ الأنْصَارِيُّ عنه، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أقَتَلتَهُ بَعْدَ مَا قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ». قُلتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. متفق عليه (¬1). - صفة توبة قطاع الطريق: تقوم توبة قطاع الطريق على أمرين: الأول: أن يتوبوا توبة نصوحاً فيما بينهم وبين الله عز وجل. بأن تكون توبتهم خالصة لله تعالى .. وأن يندم الواحد على ما فعل .. ويقلع عن الذنب بتركه .. ورد ما أخذ لصاحبه أو استحلاله .. والعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب .. وأن تكون التوبة قبل حضور الأجل .. وقبل طلوع الشمس من مغربها، فهذه الخمسة شروط التوبة النصوح. الثاني: أن يُلقي قطاع الطريق السلاح، ويجيئوا إلى الإمام تائبين معتذرين، إما جميعاً، أو يرسلوا رسولاً منهم معه تعهد منهم بتوبتهم، وندمهم على ما فعلوا. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)} [النساء: 17]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4269) , واللفظ له، ومسلم برقم (96).

أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النساء: 18]. 3 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} [غافر: 84 - 85]. - ما يسقط به حد قطاع الطريق: يسقط حد قطاع الطريق بعد وجوبه بواحد مما يلي: 1 - تكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره. 2 - رجوع القاطع عن إقراره. 3 - تكذيب المقطوع عليه البينة. 4 - توبة القاطع قبل القدرة عليه. - ما يترتب على سقوط الحد: إذا سقط حد قطاع الطريق بتوبة أو فوات شرط: فإن كان ما أخذوه من مال موجوداً وجب رده إلى صاحبه، وإن كان تالفاً وجب ضمانه. وإن قتلوا أحداً بسلاح وجب القصاص إلا أن يعفوا أولياء القتيل، أو يأخذوا الدية. وإن جرحوا وجب القصاص في الطرف إلا أن يعفو المجني عليه، أو يأخذ الدية. - حكم توبة الزنديق: الزنديق: هو من يظهر الإسلام، ويبطن الكفر.

والزنديق محارب لله ورسوله ودينه، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه، فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان؛ لأنه منافق. فإن تاب الزنديق قبل القدرة عليه فتُقبل توبته، ويُحقن دمه، وأما بعد القدرة عليه فلا تقبل توبته، بل يقتل حداً من غير استتابة، إلا إن علمنا صدق توبته فتقبل توبته ولا نقتله. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146]. - حكم الصائل: الصائل: هو من وثب على غيره واستطال عليه بغير حق في نفسه، أو عرضه، أو ماله. والصائل معتد على غيره بغير حق، والاعتداء على الغير بغير حق محرم. فيجب دفع الصائل حفظاً للنفوس من الهلاك، والأعراض من الانتهاك، والأموال من التلف. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

- كيفية دفع الصائل: من صال على نفسه وأهله أو ماله آدمي أو بهيمة دَفَعه بأسهل ما يغلب على الظن اندفاعه به. فإن كان يندفع بالتهديد فلا يضربه .. وإن لم يندفع إلا بالضرب باليد فليضربه .. وإن لم يندفع إلا بالضرب بالعصا فليضربه بالعصا .. يضربه بالأسهل فالأسهل. وإن لم يندفع إلا بالقتل فليقتله، ولا ضمان عليه؛ لأنه مأذون له بذلك، وكل ما ترتب على المأذون فليس بمضمون. وإن كان يمكنه دفعه بلا قتل فقتله فإنه يضمنه؛ لأنه دفعه بأكثر مما يجب. وكذلك يجب دفع الصائل على غيره مع ظن السلامة. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلهُ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ». قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا». فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أفَرَأيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قال: «تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم قتل الصائل: إذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل فللمجني عليه قتله، فإن طالب أولياء المقتول ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (140). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6952).

بالقصاص نظرنا في الأمر والقرائن: فإن كان المقتول معروفاً بالشر والفساد، والقاتل معروفاً بالخير والصلاح، فالقول قول القاتل، ولا ضمان عليه، ولكن لا بد أن يحلف؛ لأن اليمين تكون في جانب أقوى المدَّعين، ولا يصلح أمر الناس إلا بهذا؛ لأن إقامة البينة متعسر بل متعذر. وأما إذا كان المصول عليه غير معروف بالصلاح فقتله فعليه القصاص إن لم يُقم البينة على أن المقتول صال عليه. أما البهيمة كجمل أو أسد أو ذئب: فإذا صال عليه، ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله، ولا ضمان عليه؛ لأن الصائل مؤذ لا حرمة له. والمؤذي إن كانت طبيعته الأذى قُتل وإن لم يَصُلْ كالحية والأسد، وإن لم تكن طبيعته الأذى قُتل حال أذىته كالجمل والفرس ونحوهما. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

6 - حد البغاة

6 - حد البغاة - البغاة: هم قوم لهم شوكة ومَنَعة يخرجون على إمام المسلمين بتأويل سائغ، فيشقون عصا الطاعة له. - أصناف البغاة: البغاة هم كل طائفة منعت الحق الذي عليها .. أو تميزت عن إمام المسلمين بحال أو مكان .. أو خلعت طاعته .. أو خرجت عليه تريد خلعه .. ولهم شوكة ومنعة. فهؤلاء وأمثالهم بغاة ظلمة. والخارجون عن طاعة إمام المسلمين ثلاثة أصناف: إما أن يكونوا قطاع طريق .. أو يكونوا بغاة .. أو يكونوا خوارج. فهؤلاء من مات منهم فحكمه حكم عصاة الموحدين. - صفة الخوارج: الخوارج قوم خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه، واستحلوا دمه ودماء المسلمين وأموالهم، وسبيَ نسائهم، وكفَّروا أصحاب رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وهؤلاء يكفِّرون مرتكب الكبيرة، ويرون أنه مخلد في النار. ويسمّون الحَرُوريّة، وقد ظهروا بالعراق، وكانوا متشددين في الدين بلا فقه، فقاتلهم الإمام علي رضي الله عنه. 1 - عَنْ عَلِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأنْ أخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ، أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أنْ أقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُل، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي

وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أحْدَاثُ الأسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي القِدْحِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الفُوقِ». متفق عليه (¬2). - حكم الخروج على إمام المسلمين: نَصْب الإمام من أعظم واجبات الدين، وبوجوده يتحقق الأمن، وتأمن السبل، ويطمئن الناس على أنفسهم وأموالهم. فتحرم معصيته والخروج عليه ولو جار وظلم، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، سواء ثبتت إمامته بإجماع المسلمين .. أو بعهدٍ من الإمام الذي قبله، أو باجتهاد أهل الحل والعقد .. أو بقهره للناس حتى أذعنوا له ودَعَوه إماماً. ولا يُعزل بفسقه حتى يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، ومن خرج ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5057) , ومسلم برقم (1066)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5058) , واللفظ له، ومسلم برقم (1064).

عليه فيجب قتاله. عَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسّيْفِ، كَائِناً مَنْ كَانَ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يجب على إمام المسلمين: إمام المسلمين يجب أن يكون رجلاً مسلماً. ويلزم الإمام الحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .. وحفظ الدين .. وتنفيذ أحكام الله .. وإقامة الحدود .. وجباية الصدقات .. والحكم بالعدل .. وحماية بلاد الإسلام .. وتحصين الثغور .. وجهاد الأعداء .. وتعليم أحكام الإسلام .. والدعوة إلى الله .. ونشر الإسلام .. والنصح للرعية .. والرفق بهم .. وعدم غشهم. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 2 - وَعن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7151) , ومسلم برقم (142)، واللفظ له.

اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ». متفق عليه (¬1). - ما يجب على الأمة: يجب على الأمة أن تطيع إمام المسلمين في غير معصية الله، ولا تنزع يداً من طاعة، وتناصحه بالمعروف، وتصبر على جَوره. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السّمْعُ وَالطّاعَةُ، فِيمَا أَحَبّ وَكَرِهَ، إلاّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬3). - موانع التكفير: لا يجوز لأحد أن يكفِّر أحداً قام به مانع من موانع التكفير. وموانع التكفير أربعة، وهي: 1 - الجهل: كحديث عهد بالإسلام، أو كان في مكان يُعذر فيه كبعض الأماكن النائية في البر والبحر. 2 - الخطأ: كمن حكم بغير ما أنزل الله وهو لا يدري، أو فعل شيئاً من الشرك أو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150) , واللفظ له، ومسلم برقم (142). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2955) , ومسلم برقم (1839)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (55).

المحرمات يظنه جائزاً. فهذا مخطئ لا يكفر حتى تقام عليه الحجة، ويصر على فعله. 3 - التأويل المعتبر: وهو صرف اللفظ عن ظاهره إلى ما يخالفه لدليل منفصل عنه، وهو كل ما كان مبنياً على شبهة، وخلصت نية صاحبه لله. 4 - الإكراه: من أُكره على الكفر، بأن ضُرب وعُذب ليرتد عن الإسلام، أو يسب الإسلام. فهذا لا يكفر إذا فعل ذلك؛ لأنه مكره. 1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106]. - كيفية معاملة البغاة: 1 - إذا لم يكن للبغاة منعة فللإمام أن يأخذهم ويحبسهم حتى يتوبوا. 2 - إن تأهب البغاة للقتال، وكان لهم شوكة ومنعة، فعلى الإمام أن يراسلهم، ويسألهم ما ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها، وإن طالبوا بحق أعطاهم إياه. 3 - ثم يدعوهم إلى التزام الطاعة، ولزوم جماعة المسلمين، فإن رجعوا وتابوا فقد انتهى الأمر. 4 - إن لم يرجعوا وعظهم وخوَّفهم القتال، فإن أصروا استعان بالله وقاتلهم، وعلى الرعية أن يعينوا الإمام عليهم حتى يندفع شرهم، وتطفأ فتنتهم.

5 - إذا قاتلهم الإمام فلا يقتلهم بما يعمّ كالقذائف المدمرة، والقنابل المحرقة. ولا يجوز قتل مُدْبرهم، وذريتهم، ومن ترك القتال منهم، ولا الإجهاز على جريحهم، ومن أُسر منهم حُبس حتى تخمد الفتنة، ولا تُغنم أموالهم، ولا تُسبى ذراريهم؛ لأنهم مسلمون. 6 - بعد انقضاء القتال، وخمود الفتنة، ما تلف من أموالهم حال الحرب فهو هدر، ومن قُتل منهم فهو غير مضمون، وهم لا يضمنون أنفساً ولاأموالاً تلفت حال الحرب. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)} [الأعراف: 153]. - ما يجب فعله عند اقتتال طائفتين من المؤمنين: إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى. ولا تكفران بهذا القتال؛ لأن قتال المؤمن أو قتله ليس كفراً مخرجاً من الملة. ويجب الإصلاح بينهم؛ حقناً لدمائهم، وحفظاً لأموالهم وذرياتهم، مع مراعاة العدل والإحسان في الصلح. فإن لم يستجيبوا قاتل الإمام الباغية منهما حتى تفيء إلى أمر الله؛ قطعاً لدابر الشر، وإخماداً لنار الفتنة. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا

بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} ... [الحجرات: 9]. 2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم (¬1). - الحكم إذا لم يستجب الإمام لمطالب البغاة: للبغاة مع الإمام ثلاث حالات: 1 - أن يكف البغاة عن القتال إذا بيَّن لهم الإمام الأمر، فنكف عنهم. 2 - أن يستمروا في القتال والخروج بعد بيان الأمر لهم. فهؤلاء يجب قتالهم؛ لإخماد فتنتهم. 3 - إذا لم يكشف لهم الإمام الشبهة، ولم يُزل المظلمة، فليس لهم الخروج عليه، ولا يجوز لهم قتاله، وعليهم أن يصبروا. 1 - عن حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ الله إِنّا كُنّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَل مِنْ وَرَاءِ هَذَا الخَيْر شَرّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلتُ: هَل وَرَاءَ ذَلِكَ الشّرّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلتُ: فَهَل وَرَاءَ ذَلِكَ الخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنّونَ بِسُنّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إنْسٍ» قَالَ قُلتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ يَا رَسُولَ الله إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطعْ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أمِيرِهِ شَيْئًا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1847).

فَليَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». متفق عليه (¬1). - الفرق بين البغاة والمحاربين: 1 - المحارب أو قاطع الطريق يخرج فسقاً وعصياناً على غير تأويل، بل فساداً في الأرض. أما الباغي فهو الذي يحارب على تأويل فيَقتل ويأخذ المال. 2 - إذا أُخذ قاطع الطريق ولم يتب فإنه يقام عليه حد الحرابة، ويَرد ما أَخذ من مال. أما الباغي إذا أُخذ ولم يتب فلا يقام عليه حد الحرابة، ولا يؤخذ منه ما أَخذ من مال إلا إن كان موجوداً بعينه فيرده إلى صاحبه. 3 - البغاة جماعة لهم شوكة ومنعة، وأما قطاع الطريق فليس لهم شوكة فقد يكونوا واحداً أو أكثر. - الفرق بين قتال البغاة وقتال المشركين: أن يقصد الإمام بقتال البغاة ردعهم لا قتلهم .. ويكف عن مُدْبرهم .. ولا يُجْهز على جريحهم .. ولا يقتل أسراهم .. ولا يَغْنم أموالهم .. ولا تُسْبى ذراريهم .. ولا يُقذفون بما يهلكهم .. ولا تُحرق بيوتهم ومزارعهم إلا إن فعلوا ذلك بالمسلمين. أما المشركون فللإمام أن يقاتلهم بمثل ما قاتلوه به؛ لأن البغاة مسلمون بخلاف الكفار. قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053) , واللفظ له، ومسلم برقم (1849).

يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190]. - حكم الصلاة على مَنْ قُتل من البغاة: البغاة من المسلمين خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، فمن قُتل منهم فهو مسلم، يغسّل، ويكفّن، ويصلى عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين.

3 - حكم المرتد

3 - حكم المرتد - الردة: هي الرجوع من الإسلام إلى الكفر. والمرتد: هو من كفر بعد إسلامه طوعاً. - أقسام الردة: الردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام. وتنقسم الردة إلى أربعة أقسام، وهي: ردة بالاعتقاد .. وردة بالشك .. وردة بالقول .. وردة بالفعل. 1 - الردة بالاعتقاد: كأن يعتقد الإنسان وجود شريك مع الله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو يجحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته. أو يعتقد تكذيب رسل الله، أو جحد كتب الله المنزلة، أو ينكر البعث، أو الجنة، أو النار، أو يبغض شيئاً من الدين ولو عمل به. أو يعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، أو يعتقد أن الربا والزنا ونحوهما من محرمات الدين الظاهرة حلال، أو يعتقد أن الصلاة والزكاة ونحوهما من واجبات الدين الظاهر غير واجبة ونحو ذلك مما ثبت وجوبه أو حِلّه أو حُرْمته قطعياً، ومثله لا يجهله، فإنْ جَهِله فلا يكفر، وإن كان يجهله وعرَّفناه حكمه وأصر على اعتقاده كَفَر. 2 - الردة بالشك: وتكون بالشك فيما سبق، كمن شك في تحريم الكفر والشرك، أو شك في

تحريم الربا والزنا، أو شك في حل الماء والخبز، أو شك في الرسل، أو الكتب، أو دين الإسلام ونحو ذلك. 3 - الردة بالقول: كأن يسب الله، أو رسله، أو ملائكته، أو كتبه المنزلة. وكأن يدعي النبوة، أو يدعو مع الله غيره، أو قال إن لله زوجة وولداً. وكأن ينكر تحريم شيء من المحرمات الظاهرة كالزنا وشرب الخمر ونحوهما. وكأن ينكر وجوب الصلاة والزكاة ونحوهما من الواجبات الظاهرة. أو يستهزئ بالدين أو شيء منه كوعد الله ووعيده والجنة والنار. أو يسب الصحابة رضي الله عنهم أو أحداً منهم من أجل دينهم، أو قَذَف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كذَّب بصريح القرآن. 4 - الردة بالفعل: كأن يسجد لصنم من شجر أو حجر، أو يسجد لغير الله، أو يسجد على القبور، أو يذبح لأهلها. أو يُعرض عن دين الإسلام لا يتعلمه، ولا يعلِّمه، ولا يعمل به، أو يحكم بغير ما أنزل الله، أو يتعلم السحر ويعلِّمه، أو يظاهر المشركين ويعاونهم على المسلمين ونحو ذلك. - أسباب الردة: يمكن حصر أسباب الردة في ثلاثة أمور: الأول: الكفر بالله والتحلل من الإسلام بسب الله، أو سب نبي، أو سب كتب الله،

أو سب الدين، أو الاستهزاء بشيء من ذلك. الثاني: إنكار حكم مجمع عليه في الإسلام، كإنكار وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، وإنكار تحريم الخمر والربا ونحوهما. الثالث: فعل بعض أفعال الكفر كإلقاء مصحف في القاذورات، وكالسجود لصنم ونحو ذلك. - حكم المرتد: الردة كفر مخرج من الإسلام، وموجب للخلود في النار إن مات ولم يتب منها. والمرتد أغلظ كفراً من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر لم يعرف الحق، والمرتد عرف الحق وخرج عنه إلى الباطل. وإذا قُتل المرتد أو مات قبل أن يتوب فهو كافر لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. فالردة أفحش الكفر، وأغلظه حكماً، ومحبطة للعمل إن مات ولم يتب منها. 1 - قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة: 217]. 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3017).

- حكمة مشروعية قتل المرتد: الإسلام هو الدين الكامل، والنظام الشامل لكل ما يحتاجه البشر، موافق للفطرة والعقل، قائم على الدليل والبرهان. والإسلام من أكبر نعم الله على خلقه، وبه تحقق سعادة الدنيا والآخرة. ومن دخل فيه ثم ارتد عنه فقد انحط إلى أسفل الدركات، وردّ ما رضيه الله لنا من الدين، وخان الله ورسوله. فهذا يجب قتله؛ لأنه أنكر الحق الذي لا تستقيم الدنيا والآخرة إلا به، وصرف غيره عن الدخول فيه. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]. - ما يُفعل بالمرتد: من ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل مختار دُعي إليه، ورُغِّب فيه، وعُرضت عليه التوبة لعله يتوب، فإن تاب فهو مسلم، وإن لم يتب وأصر على ردته قُتل بالسيف كفراً لا حداً. عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أبِي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قالَ: أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قالَ: لا أجْلِسُ حَتَّى أقْتُلَهُ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7157) , واللفظ له، ومسلم برقم (1824) كتاب الإمارة.

- أحكام المرتد: 1 - المرتد عن الإسلام يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب قُبل منه، وإن أبى وجب على إمام المسلمين قتله. 2 - يُمنع المرتد من التصرف في ماله في مدة استتابته، فإن أسلم فهو له، وإن أصر على ردته فماله فيء لبيت مال المسلمين. 3 - يُفرّق بين المرتد وزوجته المسلمة؛ لأنها لا تحل لكافر. 4 - المرتد كافر لا يرث أقاربه المسلمين ولا يرثونه. 5 - المرتد كافر، إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، فيوارى في التراب في أي مكان. - حكم زوجة المرتد: إذا ارتد الزوج فلا تحل له زوجته المسلمة، ويجوز له مراجعتها بعد التوبة مادامت في العدة، فإن خرجت من العدة ولم يراجعها مَلَكت نفسها، فإن رضيت به تزوجها بعقد ومهر جديدين، وإن شاءت تزوجت غيره. وإن ارتدت الزوجة، فإن تابت فهي زوجته، وإن أصرت على ردتها فهي كافرة لا تحل له. - صفة توبة المرتد: توبة المرتد وكل كافر هي أن يسلم، والإسلام أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، نطقاً باللسان، واعترافاً بالقلب، وعملاً بالجوارح. ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به.

فالكافر الأصلي إسلامه يكون بالشهادتين. والمرتد إسلامه بالشهادتين، وأن يتوب مما كان سبباً في الحكم عليه بالردة، سواء كان جحد فرض، أو جحد محرم مجمع على تحريمه، أو جحد مُحَلَّل مجمع على حله ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} ... [التوبة: 5]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الإسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). - حكم توبة من سب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: من سب الله بأن طعن في حكمته، أو في صفة من صفاته، أو في شرعه، أو قال إن الله مفتقر للزوجة والولد ونحو ذلك من النقائص التي ينزَّه الله عنها فهو مرتد يجب قتله إن لم يتب، فإن تاب قُبلت توبته، وحكمنا بإسلامه. ومن سب رسول اللهِ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأن وصفه بما هو نقص في حقه بأن قال إنه كاذب، أو ساحر، أو يخدع الناس ونحو ذلك، فهو مرتد يجب قتله إن لم يتب، فإن تاب قُبلت توبته، وحكمنا بإسلامه. وكذا من سب الصحابة أو أحداً منهم طاعناً في إيمانهم، فإنه يجب قتله إن لم يتب، فإن تاب قُبلت توبته وحكمنا بإسلامه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (25) , واللفظ له، ومسلم برقم (22).

1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} ... [التوبة: 100]. 4 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَلَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ». متفق عليه (¬1). - حكم من تكررت ردته: من تكررت ردته إذا علمنا صدق توبته قبلناها ولو تكررت؛ لأن الله يقبل التوبة من كل تائب. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3673) , واللفظ له، ومسلم برقم (2541).

بِالذَّنْبِ اعْمَل مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ». متفق عليه (¬1). - حكم السحر: السحر: عُقد ورقى يُتوصل بها إلى إيقاع الضرر بالمسحور. ويحرم تعلم السحر، وتعليمه، وفعله، والدلالة عليه. والسحر من الكبائر، ولا يمكن أن يحصل إلا بمعونة الشياطين، فإن الساحر يطيعهم في الكفر، فيقضون حاجته، والساحر كافر مرتد، فيستتاب، فإن تاب وإلا قُتل مرتداً؛ قطعاً لدابر الشر والمشعوذين والدجالين. قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7507) , ومسلم برقم (2758)، واللفظ له.

4 - حكم التعزير

4 - حكم التعزير - التعزير: هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة. فالتعزير كل ما يحصل به الأدب، والأدب هو تقويم الأخلاق، أو فِعل ما يحصل به التقويم. - الفرق بين الحد والتعزير: 1 - الحد يختص بما يلي: أنه مقدر .. والناس فيه سواء .. وإقامته واجبة .. وتنفيذه مختص بالإمام .. ويُدرأ بالشبهة .. ولا تجوز الشفاعة فيه بعد بلوغه الإمام. 2 - التعزير يختص بما يلي: أنه غير مقدر .. ويختلف باختلاف الفاعل .. ويقام مع وجود الشبهة .. ومقداره ونوعه حسب اجتهاد الإمام .. ويقيمه الإمام أو غيره ممن له حق التأديب كالوالد والزوج والمعلم .. وتجوز الشفاعة فيه ولو بلغ الإمام. وكلٌّ من الحد والتعزير عقوبة على معصية أو جناية. - أنواع العقوبات على المعاصي: العقوبات على المعاصي ثلاثة أنواع: الأول: ما فيه حد مقدر كالزنا والسرقة، فهذا لا كفارة فيه ولا تعزير. الثاني: ما فيه كفارة ولا حد فيه كالجماع حال الإحرام، وفي نهار رمضان، والقتل خطأ. الثالث: ما ليس فيه حد ولا كفارة، فهذا فيه التعزير.

- حكم التعزير: التعزير يكون على كل معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة. ويقام بحسب اجتهاد الإمام بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة، سواء كان على ترك الطاعات، أو على فعل المحرمات، وسواء كان حقاً لله كاستمتاع لا حد فيه، وسرقة لا قطع فيها، أو كان حقاً للآدمي كجناية لا قود فيها، لكن ما ورد به النص من التعزير فلا بد من تنفيذه، ومن ارتكب جناية لا حد فيها، ثم جاء تائباً نادماً فإنه لا يعزر. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)} ... [الأعراف: 153]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرُو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ضَالَّةُ الإبلِ المَكْتُومَةُ غَرَامَتُهَا وَمِثلُهَا مَعَهَا». أخرجه أبو داود (¬2). 4 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِنِ امْرَأةٍ قُبْلَةً، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ فَأنْزَلَ اللهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألِي هَذَا؟ قال: «لِجَمِيعِ أمَّتِي كُلِّهِمْ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (495) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (407). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1718). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (526) , واللفظ له، ومسلم برقم (2763).

- حكمة مشروعية التعزير: شرع الله عز وجل عقوبات مقدرة لا يزاد عليها ولا يُنقص منها، على جميع الجرائم المخلة بمقومات الأمة من حفظ الدين، والنفس، والعِرض، والعقل، والمال. وشَرع من أجل حِفظ ذلك عقوبات وحدوداً زاجرة لتنعم الأمة بالأمن والطمأنينة. ولهذه الحدود شروط وضوابط قد لا يثبت بعضها، فتتحول العقوبة من عقوبة محددة إلى عقوبة غير محددة يراها الإمام، تحقق المصلحة، وتدرأ المفسدة، وهي التعزير. - أقسام التعزير: التعزير ينقسم إلى قسمين: الأول: تعزير التأديب والتربية، كتأديب الوالد لولده، وتأديب الزوج لزوجته، وتأديب السيد لعبده، وتأديب المعلم لتلاميذه، فهذا لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط. عَنْ أبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أسْوَاطٍ إِلا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ». متفق عليه (¬1). الثاني: تعزير على المعاصي، إما ترك واجب، أو فعل محرم. فهذا تجوز فيه الزيادة للحاكم بحسب المصلحة والحاجة، وبحسب حجم المعصية وفحشها، وقلتها وكثرتها وضررها، وليس لها حد معين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6850) , واللفظ له، ومسلم برقم (1708).

لكن إن كانت المعصية في عقوبتها مقدرة من الشارع كالزنا والسرقة ونحوهما، فلا يبلغ بالتعزير الحد المقدر، وإن لم تكن مقدرة اجتهد الحاكم في عقوبة تحقق المصلحة وتدفع المفسدة عن العباد والبلاد. - شروط وجوب التعزير: من ارتكب جناية ليس لها حد مقدر في الشرع فيعزر، ويشترط العقل فقط لوجوب التعزير، فيعزر كل إنسان عاقل، ذكراً كان أو أنثى، مسلماً كان أو كافراً، بالغاً أو صبياً عاقلاً، لأن هؤلاء غير الصبي من أهل العقوبة، أما الصبي فيعزر تأديباً لا عقوبة بما يصلحه. فكل من ارتكب منكراً أو آذى غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة فللإمام تعزيره بما يصلحه ويردع غيره. - صفة التعزير: التعزير حق واجب لله تعالى إذا رآه الإمام؛ لأنه زاجر عن المعاصي. فإن تعلق به حق لآدمي وجب على الإمام إقامته؛ لأن حقوق العباد ليس للحاكم إسقاطها إلا عند العفو، وإن كان حقاً لله تعالى فهو موكول إلى اجتهاد الإمام، إن ظهرت له المصلحة أقامه، وإن ظهر له عدم المصلحة تركه. 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ، قَالَ: «هَل حَضَرْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا؟». قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «قَدْ غُفِرَ لَكَ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6823) , واللفظ له، ومسلم برقم (2764).

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ». متفق عليه (¬1). - أنواع العقوبات التعزيرية: التعزير عقوبة تختلف باختلاف الناس، واختلاف المعصية، واختلاف الزمان، واختلاف المكان. والعقوبات التعزيرية أنواع منها: 1 - ما يتعلق بالجاه كالتوبيخ، والتشهير، والعزل عن المنصب. 2 - ما يتعلق بتقييد الإرادة كالحبس والنفي. 3 - ما يتعلق بالأموال كالإتلاف والغرامة ومنع التصرف. 4 - ما يتعلق بالأبدان كالقيد والجلد والقتل. 5 - ما يتعلق بالأبدان والأموال كجلد السارق من غير حرز مع إضعاف الغُرْم عليه. والتعزير يكون بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، ولكل شخص تعزير يؤدبه ويردعه. ويجوز التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به، مثل قَتْل المفرِّق لجماعة المسلمين، والداعي إلى غير الكتاب والسنة، والداعي للبدعة، والجاسوس ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (644) , ومسلم برقم (651)، واللفظ له.

مسلماً كان أو كافراً. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ». فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. متفق عليه (¬1). - اختيار العقوبة التعزيرية: التعزير مجموعة من العقوبات تختلف باختلاف الأشخاص، وجنس المعصية، وحجمها، وتكرارها. وهي على وجه العموم تبدأ بالنصح، والوعظ، والهجر، والتوبيخ، والتهديد، والإنذار، والعزل عن العمل، والتشهير، والغرامة، والنفي ونحو ذلك. وتنتهي بأشد العقوبات كالحبس والجلد، وقد تصل إلى حد القتل إذا رأى الإمام ذلك كأصحاب الجرائم الخطيرة. - مقدار عقوبة التعزير: عقوبة التعزير غير مقدرة. وللحاكم أن يختار العقوبة التي تناسب الجاني وحجم الجناية، بشرط ألا تخرج عما أمر الله به، أو نهى الله عنه، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والأماكن والأزمان. ولا حد لأقل التعزير، ولا لأكثر التعزير، بل هو مفوَّض إلى رأي الحاكم حسب المصلحة، وحسب حجم الجريمة. لكن ما ورد به النص من التعزير يجب تنفيذه، ولا خيار للحاكم فيه كتحريق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3051) , واللفظ له، ومسلم برقم (1754).

رحل الغال، وكتم الضالة ونحوهما. - أسباب التعزير: أسباب التعزير كثيرة، يجمعها فِعل كل معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا كفارة. وأسباب التعزير نوعان: 1 - أسباب التعزير على فعل المحرمات. كالجناية التي لا قود فيها .. والسرقة التي لا قطع فيها .. واستمتاع محرم لا حد فيه .. والغصب والانتهاب والاختلاس .. وبيع المحرمات كالخمور والمخدرات ونحوهما .. والرشوة .. وشهادة الزور .. وتزوير الأوراق والصكوك والوثائق والتوقيعات ونحوها .. وإتيان المرأة المرأة .. والقذف بغير الزنا واللواط كقوله: ياحمار يا كلب ونحوهما .. ولعب الميسر والقمار .. ومشاهدة وتداول الأشرطة والأفلام الخبيثة ونحو ذلك من منكرات الأقوال والأفعال والأخلاق. 2 - أسباب التعزير على ترك الواجبات. كالإخلال بالواجبات الشرعية .. والتهاون في أداء الصلاة .. وتأخير الصلاة المفروضة عن وقتها .. وعدم سداد الغني الدَّين .. وترك الأمر بالمعروف .. وترك النهي عن المنكر .. وحلق اللحى .. وعدم طاعة الوالدين .. وعدم طاعة الزوجة لزوجها ونحو ذلك. - من يملك حق التعزير: التعزير كالحدود والقصاص منوط بالإمام أو نائبه، وليس لأحد حق التعزير

إلا لمن له ولاية التأديب مطلقاً كالأب .. والزوج .. والسيد .. والحاكم .. والمعلم. فالأب له تأديب ولده الصغير، وتعزيره للتعلم والتخلق بأحسن الأخلاق، وزجره عن سيئها، وأمره بالصلاة، وضربه عند الحاجة، والأم كالأب في أثناء الحضانة. وللزوج تأديب زوجته وتعزيرها في أمر النشوز وأداء حق الله تعالى كإقامة الصلاة، وأداء الصيام، والبعد عن المحرمات، أداء لواجب القوامة عليها، ونصحاً لها. والسيد يعزر رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى مِنْ تركِ واجب، أو فِعل محرم. والمعلم يؤدب تلاميذه بما يصلح أحوالهم، ويحسِّن أخلاقهم. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء: 34]. 2 - وَعَنِ عَبْدَاللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». قال: وَحَسِبْتُ أنْ قَدْ قال: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أبِيه وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ

رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفق عليه (¬1). - الأحوال التي يشرع فيها الحبس: يشرع الحبس فيما يلي: 1 - حبس الجاني لغَيْبة المجني عليه حفظاً لمحل القصاص. 2 - حبس الممتنع عن دفع الحق إلجاءً إليه. 3 - حبس الآبق سَنَة رجاء أن يُعرف صاحبه. 4 - حبس من أشكل أمره في العسر واليسر ليتبين أمره. 5 - حسب الجاني تعزيراً وردعاً عن المعاصي. 6 - حبس من أقر بمجهول حتى يعيِّنه. 7 - حبس من امتنع من التصرف الواجب في حقوق العباد كحبس من أسلم وتحته أختان، أو امرأة وابنتها، وامتنع من تعيين واحدة، ونحو ذلك من الحالات التي فيها حفظ الحقوق. 1 - عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬2). 2 - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِه أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَبَسَ رَجُلاً فِي تُهْمَةٍ ثمَّ خَلَّى عَنْهُ. أخرجه الترمذي والنسائي (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893) , واللفظ له، ومسلم برقم (1829). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3628) , وأخرجه النسائي برقم (4689). (¬3) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1417) , وأخرجه النسائي برقم (4876)، وهذا لفظه.

- أقسام العقوبات المالية: تنقسم العقوبات المالية إلى ثلاثة أقسام: الإتلاف .. والتغيير .. والتمليك. 1 - الإتلاف: كإتلاف محل المنكرات، كتكسير الأصنام وتحريقها، وتحطيم آلات اللهو، وتكسير وإحراق وإراقة أوعية الخمر، وإتلاف البضاعة المغشوشة من أي نوع. وهذا التعزير يقوم به الإمام؛ لأنه يحتاج إلى قوة وسلطة. 2 - التغيير: ويكون بتغيير صورة الشيء المحرم. كقطع رأس التمثال حتى يكون كالشجرة، وقطع الستر الذي فيه صورة ليكون وسائد توطأ، وفك آلات اللهو وما يستعمل في محرم لاستعماله في مباح بعد تغيير صورته. وهذا التعزير يقوم به الإمام أو نائبه. 3 - التمليك: كمن سرق من التمر المعلق، عليه جلدات نكال، وغُرْمه مرتين، ومن سرق من الماشية قبل أن تُؤوى إلى المراح، عليه جلدات نكال، وغُرْمه مرتين، ومصادرة الأموال المأخوذة من كسب غير مشروع، ويصرفها الإمام فيما فيه مصلحة. وهذا التعزير يقوم به الإمام أو نائبه. 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاثُ مِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ

وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}. {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)}. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً عِنْد اللهِ يَوْمَ القيَامَةِ، الّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلقِ اللهِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. متفق عليه (¬2). - طرق إثبات جرائم التعزير: تثبت الجريمة الموجبة للتعزير بواحد مما يلي: الإقرار ... أو البينة. فالإقرار أن يقر على نفسه بالجناية والمعصية. والبينة أن يشهد عليه رجلان عدلان، وتُقبل فيه شهادة النساء مع الرجال. - حكم من مات في التعزير: إذا عزر الإمام أحداً أو حَدَّه فمات بسبب التعزير أو الحد فلا ضمان عليه؛ لأن التعزير عقوبة مشروعة للردع والزجر والتأديب فلم يضمن مَنْ تلف بها كالحد، ولأن الإمام مأذون له في التعزير، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، لكن بشرط عدم التعدي. - صفة الجلد في التعزير: أشد الجلد جلد التعزير، ثم يليه جلد الزنا، ثم يليه جلد السكر، ثم يليه جلد القذف. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4287) , واللفظ له، ومسلم برقم (1781). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5954) , ومسلم برقم (2107)، واللفظ له.

فالتعزير أشد الضرب؛ لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف، وذلك لئلا يؤدي إلى فوات المقصود منه وهو التأديب والردع والزجر.

الباب التاسع عشر كتاب القضاء

الباب التاسع عشر كتاب القضاء ويشتمل على ما يلي: 1 - معنى القضاء وحكمه 2 - فضل القضاء 3 - خطر القضاء 4 - أحكام القضاء 5 - صفة الدعوى 6 - صفة الحكم 7 - طرق إثبات الدعوى 1 - الإقرار 2 - الشهادة 3 - اليمين 8 - الأيمان 1 - معنى اليمين وحكمها 2 - أقسام اليمين 3 - أحكام اليمين 9 - النذر 1 - معنى النذر وحكمه 2 - أقسام النذر 3 - أحكام النذر

1 - معنى القضاء وحكمه

كتاب القضاء 1 - معنى القضاء وحكمه - القضاء: هو تبيين الحكم الشرعي الذي يفصل الخصومة، والإلزام به. وسمي القضاء حكماً؛ لما فيه من الإحكام، ولما فيه من الحكمة لكونه يكف الظالم عن ظلمه. - حكم القضاء: القضاء فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين. ولمّا كان الظلم متأصلاً في النفس البشرية، فلا بد من حاكم يُنصف المظلوم من الظالم. لذا يجب على إمام المسلمين أن ينصب للناس قاضياً أو أكثر في كل إقليم أو بلد، حسب الحاجة، لفصل الخصومات، وإقامة الحدود، والحكم بالحق والعدل بين الناس. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} ... [ص: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105]. 3 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ

يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49]. 4 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ ا? - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ». متفق عليه (¬1). - حكمة مشروعية القضاء: شرع الله عز وجل القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وفصل الخصومات والمنازعات، وصيانة الأنفس والأعراض والأموال. ولما كانت تجري بين الناس كثير من المعاملات كالبيع والشراء والإجارة ونحوها كالنكاح والطلاق ونحوها من العقود والحقوق، فقد وضع الشرع لذلك قواعد وشروطاً تحكم التعامل بين الناس؛ ليسود العدل والأمن بينهم. ولكن قد تحدث بعض المخالفات لتلك الشروط والقواعد إما عمداً، أو جهلاً، أو نسياناً، أو إكراهاً، فتحدث المشاكل، ويحصل النزاع والشقاق والعداوة. وقد تصل الحال إلى إزهاق الأرواح، ونهب الأموال، وتخريب الديار، واضطراب الأمن. فشرع الله الحكيم العليم بمصالح عباده القضاء بشرع الله، لإزالة تلك الخصومات، وحل المشكلات، والقضاء بين العباد بالحق والعدل. قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352) , واللفظ له، ومسلم برقم (1716).

- كمال الشريعة الإسلامية: الله عز وجل أنزل إلينا الدين الكامل. فأنزل الكتاب الذي فصّل فيه الأحكام والشرائع. وأنزل الميزان وهو العدل الذي يمثل القوة القضائية. وأنزل الحديد الذي يمثل القوة التنفيذية المؤيد للأحكام الشرعية. قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} [الحديد: 25].

2 - فضل القضاء

2 - فضل القضاء - فضل القضاء: القضاء بين الناس وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وحسن القضاء نعمة من الله، وله فضل عظيم لمن قوي عليه، وأمن على نفسه من الظلم والحَيف. والقضاء عبادة لله عز وجل، وهو من أفضل القربات؛ لما فيه من الإصلاح بين الناس، وإنصاف المظلوم، ورد الظالم، وإقامة الحدود، وأداء الحقوق إلى أهلها، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحكم بالقسط والعدل. فلهذه الأمور العظيمة جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط إثم الخطأ إذا وقع باجتهاد، فإذا أصاب القاضي فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وهو أجر الاجتهاد، ولا إثم عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} ... [المائدة: 42]. 2 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْد اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73)، ومسلم برقم (816)، واللفظ له.

الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقالَ: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ». متفق عليه (¬3). - منزلة القضاء: القضاء بين الناس والحكم بينهم بالعدل منصب شريف، ومقام رفيع؛ لما فيه من النفع العام والخاص، والإحسان إلى الخلق، وإقامة الحق والعدل. ولهذا تولاه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وأول من تولاه في الإسلام رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وخلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1827). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423) , واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352) , ومسلم برقم (1716).

3 - خطر القضاء

3 - خطر القضاء - خطر القضاء: 1 - القضاء موضوعه الحكم بين الناس بالحق والعدل، فلذلك خطره عظيم جداً؛ لأنه يُخشى حصول ميل من القاضي على أحد الخصمين، فيحكم له بغير الحق، إما لكونه قريباً له، أو صديقاً له، أو صاحب جاه تُرجى منفعته، أو صاحب رئاسة تُخاف سلطته ونحو ذلك، فيجور في الحكم متأثراً بما سبق. 2 - القاضي يبذل جهداً كبيراً في معرفة الحكم الشرعي، والبحث في الأدلة، وهذا الجهد ينهك بدنه، ويرهقه، ويضعفه. 3 - القاضي بشر يضعف إيمانه فيجور إما لهوى، أو لعصبية، أو لعداوة، أو لمحبة، أو لانتقام، أو لطمع. والله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار وَكَلَه إلى نفسه، وعذبه في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 2 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبحَ بغَيْرِ سِكِّينٍ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3572) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2308).

- أقسام القضاة: القضاة ثلاثة أصناف: الأول: قاض عرف الحق والحكم الشرعي فقضى به، فهذا من أهل الجنة. الثاني: قاض عرف الحق، ولهواه حكم بغير الحق، فهذا في النار. الثالث: قاض لم يعرف الحق، ولم يفهم الحكم الشرعي، فقضى بجهل، فهذا في النار، سواء أصاب في حكمه أو أخطأ. عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «القُضَاةُ ثلاَثةٌ، اثنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فَقَضَى بهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). - خطر الحكم بغير ما أنزل الله: يجب على القاضي أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من الشريعة. والشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق مصالح الخلق في الدنيا والآخرة، وهي كفيلة بإصلاح أحوال البشرية في جميع المجالات. لهذا يجب على القاضي النظر في جميع ما يرد إليه من القضايا مهما كانت، والحكم فيها بما أنزل الله، فدين الله كامل كاف شاف. ولا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله مهما كانت الأحوال؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3573) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2315)، وهذا لفظه.

[المائدة: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة: 47]. - حكم طلب القضاء: طلب الولايات من قضاء وغيره له حالتان: الأولى: أن يطلب القضاء أو الولاية لأنها متعينة عليه، لكونه لا يوجد من هو أهل لها غيره، وإذا تركها تولاها من لا يحسن القيام بها، فيطلبها بهذه النية الحسنة، وفيه قوة وأمانة، كما طلبها يوسف - صلى الله عليه وسلم -، فهذا مثاب مأجور معان عليها. 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55]. 2 - وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْألِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وائْتِ الذي هوَ خَير». متفق عليه (¬1). الثانية: أن يقصد من الحصول عليها الجاه، أو الرئاسة أو المال، أو يكون ضعيفاً ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7146) , واللفظ له، ومسلم برقم (1652).

لا يستطيع أن يقوم بحقها، أو ليس أهلاً لها، فهذا طلبه لها مذموم، ويجب منعه منها. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَر إنّكَ ضَعِيفٌ، وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ أَبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلتُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ بَنِى عَمِّى، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ لاَ نُوَلِّى عَلَى هَذَا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬3). - حكم قبول القضاء: إذا اختار إمام المسلمين أحداً للقضاء، ولم يكن في البلد أحد يصلح غيره، لزمه قبوله، فإن امتنع فهو عاص، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه وحكمه ونظره. وإن وُجد في البلد عدد يصلح للقضاء، فمن وجد في نفسه القدرة فالقبول ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7148). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1825). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2261) , ومسلم برقم (1824)، واللفظ له.

أفضل، ومن يعرف من نفسه عدم القدرة فالترك أفضل؛ لما في القضاء من الخطورة. ويستحب قبول وطلب القضاء لعالم يرجو به نشر علمه بين الناس، ولمن يرجو بعمله إحقاق الحق، ومنع ضياع الحقوق، وتدارك جور بعض القضاة، وعجزهم عن إيصال الحقوق لأهلها، ولمن يريد جزيل الثواب؛ لأن القضاء عبادة لمن حكم بالعدل. ويكره قبول القضاء لمن يخاف العجز عنه، أو لا يأمن على نفسه الحيف فيه، حتى لا يعرِّض نفسه للعقوبة. عَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1827).

4 - أحكام القضاء

4 - أحكام القضاء - الفرق بين القاضي والمفتي: 1 - القاضي يبين الحكم الشرعي ويُلزِم به، والمفتي يبينه فقط. 2 - المفتي أوسع دائرة من القاضي؛ لأنه يفتي في الخصومات وغيرها، والقاضي يختص حكمه في الأمور المتنازَع عليها بين الناس. 3 - القاضي له ثلاث صفات: فهو من جهة بيان الحكم مفت .. ومن جهة الإلزام بالحكم ذو سلطان .. ومن جهة الإثبات شاهد. - محل القضاء: القضاء يكون في جميع الحقوق والواجبات، سواء كانت حقوقاً لله كالحدود والفرائض الواجبة لله، أو كانت حقوقاً للبشر كالقصاص، والمعاملات كالبيع والإجارة والنكاح ونحو ذلك مما يجري بين الناس. فالإسلام دين كامل شامل، وفيه وحده حل جميع المسائل والمشاكل في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ

يُوقِنُونَ (50)} ... [المائدة: 49 - 50]. - شروط القاضي: يشترط في القاضي أن يكون رجلاً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، سميعاً، متكلماً، عالماً بما يقضي به. والأفضل أن يكون القاضي مع هذا بصيراً، كاتباً، حراً ونحو ذلك من صفات الكمال. وعلى إمام المسلمين أن يختار لمنصب القضاء الأفضل علماً، وورعاً، وإخلاصاً، وصدقاً، وأمانة، وتقوى. وشروط القاضي حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل. ولا يقضي بين الناس إلا من كان عالماً بالكتاب والسنة، فقيهاً في دين الله، قادراً على معرفة الحق من الباطل، بريئاً من الجور والظلم، بعيداً عن الهوى والتعصب. - آداب القاضي: 1 - يسن أن يكون القاضي قوياً من غير عنف؛ لئلا يطمع فيه الظالم، ليناً من غير ضعف؛ لئلا يهابه صاحب الحق. 2 - ينبغي أن يكون حليماً؛ لئلا يغضب من كلام الخصم، فتأخذه العجلة وعدم التثبت. 3 - ينبغي أن يكون ذا فطنة؛ لئلا يخدعه بعض الخصوم، وأن يكون بصيراً بأحكام القضاة قبله؛ ليسهل عليه الحكم. 4 - ينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء والعلماء، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه.

5 - أن يكون عفيفاً نزيهاً في نفسه وماله عن الحرام، أميناً مخلصاً في عمله لله عز وجل، يبتغي بذلك الأجر والثواب، ولا يخاف في الله لومة لائم. 6 - أن يكون رحيماً؛ لئلا ينفر منه الناس. 7 - يجب على القاضي أن يسوِّي بين الخصوم في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهم، والاستماع لهم، والحكم بينهم بما أنزل الله. 8 - يجب أن يكون القاضي حين الدعوى مطمئناً هادئاً، فلا يقضي بين الخصوم وهو غضبان، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس ونحو ذلك مما يشغل عن فهم الخصومة، ويصرفه عن إصابة الحق، فإن خالف وأصاب الحق نفذ حكمه. 9 - يسن للقاضي أن يتخذ كاتباً مسلماً، مكلفاً، عدلاً، يكتب له الوقائع والأحكام والوثائق ونحو ذلك. 10 - يحرم على القاضي كغيره قبول رشوة، كما لا يقبل هدية من أحد الخصوم؛ لأن هدايا العمال غلول. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ». متفق عليه (¬1). - ما يجب على القاضي معرفته: القاضي يحتاج عند الحكم إلى معرفة ثلاثة أمور: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7158) , واللفظ له، ومسلم برقم (1717).

معرفة الأدلة .. معرفة الأسباب .. معرفة البينات. فالأدلة: معرفة الحكم الشرعي. والأسباب: معرفة ثبوته في هذا المحل أو انتفاؤه عنه. والبينات: معرفة طريق الحكم عند التنازع. فمن أخطأ واحداً من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم. - صفة حكم القاضي: قضاء القاضي يَنْفذ ظاهراً لا باطناً، فحكم القاضي لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً، فمن كسب القضية بباطل كشهادة زور، لحقه الإثم والتبعة وإن حكم له القاضي. والقاضي مجتهد في حكمه، إن أصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ الحق الذي هو مراد الله تعالى فهو مجتهد مخطئ، وله أجر واحد، لاجتهاده في معرفة الحق وحرصه عليه. ولا إثم عليه، فله أجر اجتهاده؛ لأن الاجتهاد في طلب الحق عبادة، وفاته أجر الإصابة. 1 - عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إنّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإنّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقّ مُسْلِمٍ فَإنّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النّارِ، فَليَحْمِلهَا أَوْ يَذَرْهَا». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2458) , ومسلم برقم (1713)، واللفظ له.

2 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ». متفق عليه (¬1). - صلاحيات القاضي: القاضي ينظر في جميع الأمور، والأحوال، والقضايا. فيفصل بين المتخاصمين إما بصلح، أو حكم نافذ .. وقمع الظالمين والمعتدين .. ونصرة المظلومين .. وإيصال الحقوق إلى أهلها، والنظر في الدماء والجراح، والأوقاف والوصايا والمواريث، والأموال .. وإقامة الحدود .. والقيام بحقوق الله تعالى .. وعقود النكاح والفسوخ والطلاق ونحوها .. والنظر في مصالح المسلمين العامة .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا ازدحمت الدعاوي، وكثرت المشاكل، فلا مانع من التخصص، فيكون لكل قاض نوع من القضايا كالحدود وأمور النكاح، والمواريث ونحوها. - واجبات القضاة: يجب على القضاة ما يلي: 1 - القضاء في كل حادثة بما يثبت عنده أنه حكم الله تعالى، إما بدليل قطعي من القرآن والسنة، أو بدليل ظاهر موجب للعمل منهما، أو بإجماع، أو قياس. فإن لم يجد الحكم فيما سبق من المصادر اجتهد وعمل بما أدى إليه اجتهاده، وإن لم يكن مجتهداً اختار قول الأفقه والأورع من المجتهدين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352) , ومسلم برقم (1716).

2 - يجب على القاضي أن يحكم بما ثبت عنده بطرق الإثبات الشرعية، وهي: الإقرار، والبينة، واليمين. 3 - يجب على القاضي نحو المقضي له ألا يكون ممن لا تجوز شهادته لهم كالأبوين، وأولاده، وزوجته، وشريكه في المال؛ لوجود التهمة. 4 - يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لَحْظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه. - حكم القضاء بين الكفار: القاضي يحكم بين الناس بشرع الله عز وجل. وإذا تحاكم الكفار إلى قضاة المسلمين جاز للقاضي أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وبما يقضي به بين المسلمين. قال الله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. - حكم تولي المرأة القضاء: الولايات العامة والقضاء من مناصب الرجال دون النساء، فالرجال قوامون على النساء بالرعاية والحماية والولاية والكفاية، والرجال أقدر على الكسب والتحمل والتصرف في الأمور، ولكمال استعداد الرجال في الخَلْق والفطرة كانت فيهم النبوة والإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان، والخطبة، وإمامة الصلاة وغيرها، فلا تصح ولاية المرأة في هذه الأمور، والأمة التي توليها لن تفلح في دينها ولا دنياها ولا أخراها؛

لمصادمتها الفطرة، ولكن للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل، وعليها من الواجبات مثل ما عليه، كل بحسبه وطاقته. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71]. 3 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أنْ ألحَقَ بِأصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً». أخرجه البخاري (¬1). - حكم شفاعة القاضي: يستحب للقاضي أن يشفع الشفاعة الحسنة، فيطلب من المتخاصمين أن يصطلحوا، أو يتنازل أحدهم عن بعض حقه. ويسن أن يرغِّبهم في الصلح والعفو والتسامح؛ لتدوم المودة بين الخصوم، وتصفو النفوس من الغل، وتسلم من التقاطع. فإن اتضح الحكم الشرعي حكم به. 1 - قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء: 114]. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (4425).

2 - وقال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور: 22]. 3 - وَعَنْ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: «يَا كَعْبُ». قالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا». وَأوْمَأ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قال: لَقَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: «قُمْ فَاقْضِهِ». متفق عليه (¬1). - وقت انتهاء ولاية القاضي: كل ما تنتهي به الوكالة تنتهي به ولاية القضاء كالعزل، والموت، والجنون، وكل ما تزول به الأهلية. ولا ينعزل القاضي بموت إمام المسلمين أو ترك منصبه، وللقاضي أن يعزل نفسه؛ لأنه كالوكيل عن الإمام. - من يعزل القاضي: يجوز لإمام المسلمين عزل القاضي فيما يلي: إذا أخل القاضي بواجبه .. أو كثرت الشكاوي عليه أو منه .. أو وجد من هو أفضل منه .. أو كان في عزله مصلحة للمسلمين ونحو ذلك من الأسباب. فإن لم يكن شيء مما سبق حرم عزله؛ لأنه عبث منهي عنه. وينعزل القاضي بنفسه بأحد ثلاثة أسباب: 1 - الردة بخروجه عن الإسلام؛ لأنه يكون كافراً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (457) , واللفظ له، ومسلم برقم (1558).

2 - الفسق وهو من يخل بأحكام الشريعة والآداب العامة. 3 - زوال الأهلية بجنون أو إغماء أو تخريف ونحو ذلك. - حكم الشفاعة: الشفاعة قسمان: 1 - الشفاعة الحسنة: وهي الشفاعة والتوسط للناس ابتغاء مرضاة الله في جلب نفع لهم، أو دفع ضر عنهم، في غير معصية الله، ولا حد من حدود الله، ولا إبطال حق، ولا إحقاق باطل. فهذه الشفاعة حسنة محمودة مندوب إليها، وفيها أجر عظيم. ومن أمثلة الشفاعة الحسنة: التوسط لقضاء حاجات الناس، وتفريج كربات المحتاجين، وقضاء حاجات الضعفاء والعاجزين، والتوسط في تخفيف الدين عن المدينين أو إسقاطه أو قضائه، والتوسط في فعل الخير. 1 - قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} ... [النساء: 85]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلتُؤْجَرُوا، وَليَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ». متفق عليه (¬1). 2 - الشفاعة السيئة: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) , ومسلم برقم (2627)، واللفظ له.

وهي محرمة كالشفاعة مقابل رشوة، أو السعي في إسقاط حد، أو السعي في الإثم والعدوان، أو السعي في إحقاق باطل أو إبطال حق، أو تقديم من لا يستحق التقديم، أو الوساطة التي تؤدي إلى تأخير مستحق أو حرمانه ونحو ذلك مما يضر بمصلحة المسلمين. - حكم الحِيَل: الحيل: هي التحول من حال إلى حال بطرق خفية. والحيل تنقسم إلى قسمين: 1 - حيل محمودة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض محمود، أو النجاة من الهلاك، كمن احتال لصيد الطير أو النجاة من العدو، أو احتال لدفع مفسدة عظيمة، أو احتال لتحصيل مصلحة جائزة ونحو ذلك. 2 - حيل مذمومة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض ممنوع شرعاً، كالحيل لإفساد البيع، أو إسقاط الميراث، أو إسقاط الحدود، أو إسقاط الحقوق، أو إسقاط الزكاة، أو تحليل ما حرم الله ونحو ذلك. وهذه الحيل كلها محرمة، بل هي من كبائر الذنوب. - حكم التورية: التورية: أن يأتي الإنسان بكلام يحتمل معنيين، ويقصد المعنى الخفي. والتورية جائزة؛ للمصلحة والحاجة كأن يسألك العدو: من أين أنت؟ فتقول: من ماء، وتقصد أنك مخلوق من ماء، وهو يظن أنك من موضع يقال له ماء ونحو ذلك. ولا ينبغي الإكثار منها؛ لئلا يظن الناس به الكذب والاحتيال.

5 - صفة الدعوى

5 - صفة الدعوى - الدعوى: هي طلب المدعي من القاضي حقاً عند غيره بقول أو كتابة. - البينة: هي كل ما يُبِيْن الحق من شهود، أو يمين، أو قرائن الأحوال ونحوها. - أركان الدعوى: أركان الدعوى ثلاثة: الأول: المدعي: وهو الذي يطالِب بالحق. الثاني: المدعى عليه: وهو المطالَب بالحق. الثالث: المدعى به: وهو الشيء أو الحق المطالَب به. فالمدعي إذا سكت عن المطالبة بالحق تُرك، والمدعى عليه إذا سكت لم يُترك. والمدعي هو الذي يُكلَّف بإقامة الدليل والبينة على صدق دعواه؛ لأن الأصل في المدعى عليه براءة ذمته. - شروط صحة الدعوى: يشترط لصحة الدعوى ما يلي: 1 - أن يكون كلٌّ من المدعي والمدعى عليه جائز التصرف، وهو الحر البالغ العاقل الرشيد؛ لأن الدعوى يترتب عليها حكم شرعي، فلم تصح من غير جائز التصرف. 2 - أن يبيِّن المدعي دعواه بالتفصيل أمام القاضي، ويحررها ذاكراً جنسها

وقَدْرها وصنفها وكل ما يميزها؛ لأن الحكم مرتَّب عليها. 3 - أن تكون معلومة المدعى به، وأن يصرح المدعي بطلب الحق أو العين. 4 - أن يكون المدعى به حالاًّ إن كان ديناً. 5 - أن يكون المدعى عليه معلوماً، حاضراً، أو غائباً، أو ميتاً. - إقامة الدعوى: تقام الدعوى في بلد المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته. فإذا ماطل المدعى عليه، أو هرب، أو تأخر عن الحضور، من غير عذر، ألزمه القاضي بالحضور وأدبه. - إثبات الدعوى: لا تثبت دعوى أحد على غيره إلا بدليل يستبين به الحق ويظهر، ويحرم على الإنسان أن يدعي ما ليس له. 1 - عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لاَدّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنّ اليَمِينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ الأَشْعَث بْن قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أرْضٌ بِاليَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «هَل لَكَ بَيِّنَةٌ؟». فَقُلتُ: لا، قال: «فَيَمِينُهُ». قُلتُ: إذَنْ يَحْلِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عِنْدَ ذَلِكَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. متفق ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4552) , ومسلم برقم (1711)، واللفظ له.

عليه (¬1). - أحوال المدعى به: إذا ادعى المدعي والمدعى عليه عيناً فلا تخلو من ست حالات: الأولى: إن كانت العين في يد أحدهما فهي له مع يمينه إن لم يكن للخصم بينة، فإن أقام كلٌّ منهما بينة فهي لمن هي في يده مع يمينه. الثانية: أن تكون العين في يديهما ولا بينة، فيتحالفان وتقسم بينهما. الثالثة: أن تكون العين بيد غيرهما ولا بينة لهما، فيقترعان عليها، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها. الرابعة: ألا تكون العين بيد أحد، ولا بينة لأحدهما، فيتحالفان ويتناصفاها. الخامسة: أن يكون لكل واحد بينة، وليست في يد واحد منهما، فهي بينهما على السوية. السادسة: إذا تنازعا دابة أو سيارة، وأحدهما راكب عليها، والآخر آخذ بزمامها، فهي للراكب بيمينه إن لم تكن بينة. - حكم كتاب القاضي إلى القاضي: يُقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لآدمي في الأموال كالبيع، والإجارة، والوصية ونحوها عند الحاجة. وفي الحقوق كالنكاح، والطلاق، والجنايات، والقصاص ونحوها. ولا ينبغي أن يكتب القاضي إلى القاضي في الحدود الواجبة لله كحد الزنا، والسكر ونحوهما؛ لأنها مبنية على الستر، والدرء بالشبهات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2356) , ومسلم برقم (138)، واللفظ له.

6 - صفة الحكم

6 - صفة الحكم - أقسام الناس في التهم: الناس في التهم ثلاثة أصناف: 1 - أن يكون المتَّهَم معروفاً عند الناس بالدين والورع. فهذا لا يحبس ولا يضرب، ويؤدب من يتهمه. 2 - أن يكون المتَّهَم مجهول الحال. فهذا يحبس حتى تنكشف حاله، حفظاً للحقوق. 3 - أن يكون المتَّهَم معروفاً بالفجور والإجرام، ومثله يقع في الاتهام. فهذا يُحبس ويُمتحن بالضرب إذا قامت القرائن حتى يقر؛ حفظاً لحقوق العباد. - صفة الحكم: 1 - إذا حضر عند القاضي خصمان قال: أيكما المدعي؟ وللقاضي أن يسكت حتى يبدأ أحدهما، فمن سبق بالدعوى قدَّمه، فإن أقر له خصمه حكم له عليه، وإن أنكر الخصم قال القاضي للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها، فإن أحضرها سمعها وحكم بموجبها، ولا يحكم القاضي بعلمه إلا في حالات خاصة ستأتي إن شاء الله. 2 - إذا قال المدعي ليس لي بينة أَعْلمه القاضي أن له اليمين على خصمه، فإن طلب المدعي إحلاف خصمه أحلفه القاضي، وخلى سبيله. 3 - إذا نكل المدعى عليه عن اليمين، وأبى أن يحلف، قضى عليه بالنكول وهو

الامتناع والسكوت؛ لأنه قرينة ظاهرة على صدق المدعي. وللقاضي أن يرد اليمين على المدعي إذا امتنع عنها المدعى عليه، لا سيما إذا قوي جانب المدعي، فإذا حلف قضى له. 4 - إذا حلف المنكِر، وخلى القاضي سبيله، ثم أحضر المدعي بينة، حكم بها القاضي؛ لأن يمين المنكِر مزيلة للخصومة، لا مزيلة للحق. ولا يُنقض حكم القاضي إلا إذا خالف الكتاب أو السنة أو إجماعاً قطعياً. - حكم وعظ الخصوم قبل الحكم: يستحب للقاضي ترغيب الخصوم في الصلح والعفو. ويستحب له كذلك وعظهم قبل الحكم، وبيان أن حكم القاضي لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} [الحجرات: 10]. 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». متفق عليه (¬1). - متى يقضي القاضي بعلمه: لا يقضي القاضي بعلمه في القضية؛ لأن ذلك يفضي إلى تهمته، بل يقضي على نحو ما يسمع من البينات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7169) , واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

ويجوز للقاضي أن يقضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، أو يكون الأمر قد تواتر عنده وعند غيره، وتواترت به الأخبار، واشترك في العلم به هو وغيره كزواج فلان أو وفاته، أو احتراق دار فلان ونحو ذلك مما يشتهر عادة. - حكم القضاء على الغائب: يجوز للمدعي أن يدعي على الغائب الذي لا وكيل له. ويجوز للقاضي أن يحكم عليه إذا ثبتت الدعوى؛ لأن الامتناع من القضاء عليه فيه إضاعة للحقوق، وتفويت للمصالح. فإن حضر فحجته قائمة، ويُعمل بها ولو أدى إلى نقض الحكم الأول؛ لأن الحكم يزيل الخصومة، ولا يفوِّت الحق. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لاَ يُعْطِينِي مِنَ النّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، إلاّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلمِهِ، فَهَل عَلَيّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ». متفق عليه (¬1). - حكم التناقض: ينقسم التناقض إلى قسمين: 1 - تناقض الشهود: فإذا أدى الشهود الشهادة ثم رجعوا عنها، أو تناقضوا فيها: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2211)، ومسلم برقم (1714)، واللفظ له.

فإن كان ذلك قبل حكم القاضي تكون شهادتهم لاغية ويعزرون، وإن رجعوا عن الشهادة بعد الحكم فلا يُنقض الحكم، ويضمن الشهود ما يترتب على الحكم من ضرر؛ لأن شهادتهم شهادة زور. 2 - تناقض المدعي: إذا سبق من المدعي كلام مناقض لدعواه بطلت الدعوى، كأن يقر بمال لغيره، ثم يدعي أنه له، فهذا الادعاء مبطل لدعواه، ومانع من قبولها. - حكم نقض بينة المدعي: يحق للمدعى عليه أن يقدِّم بينة يُثبت بها براءة ذمته، ويَدفع بها دعوى المدعي. فإن لم تكن له بينة جاز له أن يقدِّم بينة تشهد بالطعن في عدالة الشهود، وتجرح بينة المدعي. - حكم الإكراه: الإكراه: هو حمل الغير على ما يكره بالقوة والتهديد. وينقسم الإكراه إلى قسمين: 1 - إكراه على الكلام: وهذا الإكراه لا يجب به شيء؛ لأن المكرَه غير مكلف، فإذا نطق بكلمة الكفر فإنه لا يؤاخذ، وإذا أقر بشيء فإنه لا يؤخذ بإقراره، وإذا عقَد عَقْد بيع أو زواج أو طلّق فإنه لا ينعقد. قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ

عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} ... [النحل: 106]. 2 - إكراه على الفعل: الإكراه على الفعل قسمان: 1 - إكراه تبيحه الضرورة: كالإكراه على أكل الميتة، أو شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير ونحو ذلك كالإكراه على الإفطار في رمضان، أو السجود لصنم، أو أكل مال الغير. فهذا إذا لم يكن له خلاص إلا به، ولا ضرر فيه على أحد، فله فعله ولا إثم عليه مادام مكرهاً عليه، وهو كاره له. قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]. 2 - إكراه لا تبيحه الضرورة: كالإكراه على القتل، والضرب، وإفساد المال، والزنا ونحوه. فهذا لا يجوز له الإقدام على قتل غيره ولا انتهاك حرمته، ويصبر على البلاء، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره. - حكم الحبس: الحبس أو السجن جائز عند الحاجة والضرورة؛ لحفظ حقوق الناس، وحمايتهم من المجرمين، وحفظ الجناة المنتهكين للمحارم، ومنعهم من الإضرار بالناس. ولا يجوز للإمام أن يحبس أحداً إلا بحق، وإذا حبسه بحق وجب عليه المسارعة بالنظر في أمره:

فإن كان مذنباً أُخذ بذنبه، وإن كان بريئاً أُطلق سراحه، ويحرم ضرب المتهم إلا إذا قامت القرائن على فجوره، فيُضرب ليقر بما فعل. - أنواع الحبس: الحبس نوعان: حبس عقوبة .. وحبس استظهار. فالعقوبة تكون في كل واجب من الحقوق مَنَعه. والاستظهار ليستكشف به عما وراءه. وينبغي أن يكون السجن واسعاً، وأن يعطى كل واحد من المساجين كفايته من الطعام واللباس، ويحرم إذلال السجين وإهانته بقول أو فعل؛ لما فيه من إهدار كرامته. ومنع السجين ما يحتاج إليه من الطعام واللباس ونحوها من الحقوق جَور يعاقِب الله عليه مَنْ فَعَله حتى ولو كان حيواناً. 1 - عَنْ عَبْداللهِ بنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عُذّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرّةٍ سَجَنَتْهَا حَتّىَ مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الاَْرْضِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: مَرَّ هِشَام بْن حَكِيم بْنِ حِزَام بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الزَّيْتُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِي الخَرَاجِ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2365) , ومسلم برقم (2242)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (118) (2613).

- حكم حبس المدين: إذا ثبت الدين على أحد فله ثلاث حالات: 1 - أن يكون المدين معسراً أو معدماً لا مال له. فهذا لا يحكم القاضي بحبسه؛ لأن حبسه ظلم لا فائدة منه، وإنما يُترك ليسعى في الأرض ويكتسب؛ ليتمكن من سداد الدين أو بعضه. قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} ... [البقرة: 280]. 2 - أن يكون مشكوكاً في أمر المدين، هل هو موسر أم معسر. فهذا يحبسه القاضي لاختباره، بطلب غرمائه، ويفرج عنه إذا تبين عسره، أو سدد ما عليه. 3 - إذا ثبت يسار المدين، وامتنع عن وفاء الدين أو تأخر. فهذا يأمره القاضي بأداء الدين أو الحق المستحق عليه لصاحبه، فإن أعطاه صاحبه خلى سبيله، وإن امتنع جاز حبسه مدة بحسب المصلحة حتى يسدد ما عليه؛ لأنه مماطل. وإذا لم يفلح الحبس في دفعه إلى الوفاء بدينه حَجَر عليه القاضي، ويباع ماله جبراً، ثم يُقسم بين غرمائه. عَنْ الشَّرِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَبيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). ¬

(¬1) حسن، أخرجه أبو داود برقم (3628) , والنسائي برقم (4689).

7 - طرق إثبات الدعوى

7 - طرق إثبات الدعوى تثبت الدعوى بواحد مما يلي: الإقرار ... الشهادة ... اليمين. 1 - الإقرار - الإقرار: هو إظهار مكلف مختار ما وجب عليه. والإقرار سيد الأدلة، ويسمى بالشهادة على النفس. وهو حجة مطلقة؛ لأن الإنسان غير متهم بالإقرار على نفسه كاذباً، وهو من أقوى الأدلة لإثبات دعوى المدعي عليه. - حكم الإقرار: الإقرار هو الاعتراف بالحق، والحكم به واجب، إذا كان المقر مكلفاً مختاراً. والإقرار حجة قاصرة لا تتعدى غير المقر، فلو أقر على غيره لم يُقبل، بخلاف البينة فإنها حجة متعدية إلى الغير، والإقرار لا يلزم إلا من أقر، ويحكم به القاضي في الدماء، والحدود، والأموال، والحقوق. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} ... [النساء: 135].

2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أعْرَضَ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: «هَل بِكَ جُنُونٌ؟ هَل أحْصَنْتَ». قال: نَعَمْ، فَأمَرَ بِهِ أنْ يُرْجَمَ بِالمُصَلَّى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ بِالحَرَّةِ فَقُتِلَ. متفق عليه (¬1). - شروط صحة الإقرار: يصح الإقرار من كل بالغ، عاقل، مختار، جائز التصرف. فلا يصح إقرار الصغير، والمجنون، والمكره، والمحجور عليه، ولا يصح الإقرار بما يحيله العقل أو العادة؛ لأنه كذب، ولا يحل الحكم بالكذب. - أحوال الإقرار: إقرار الإنسان على نفسه له حالتان: 1 - إقرار واجب: وهو إذا كان في ذمة الإنسان حق لله كالزكاة ونحوها، أو حق لآدمي كالدَّين ونحوه. 2 - إقرار جائز: وهو إذا كان على المكلف حد من حدود الله تعالى كالزنا والسرقة ونحوهما، والستر على نفسه والتوبة من ذلك أولى. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحّىَ تِلقَاءَ وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ، فَلَمّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ الله ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5270) , واللفظ له، ومسلم برقم (1691).

- صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَل أَحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». متفق عليه (¬1). - حكم الرجوع عن الإقرار: إذا صح الإقرار وثبت: فإن كان متعلقاً بحق من حقوق الآدميين فلا يجوز الرجوع عنه، ولا يُقبل منه. وإن كان متعلقاً بحق من حقوق الله كحد الزنا، أو الخمر، أو السرقة ونحوها، فإنه يجوز الرجوع عنه؛ لأن الحدود تُدرأ بالشبهات، وحقوق الله مبنية على التسامح والعفو. - حكم الإقرار بالدين: 1 - إذا أقر الإنسان لأحد ورثته بدين، فإن كان في مرض موته فلا يصح الإقرار إلا إذا صدَّقه باقي الورثة؛ لاحتمال حرمان باقي الورثة، وإن كان الإقرار في حال الصحة جاز. 2 - إذا أقر الإنسان في مرض موته لأجنبي فإقراره صحيح، سواء أقر بدين أو عين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5271) , ومسلم برقم (1691)، واللفظ له.

2 - الشهادة

2 - الشهادة - الشهادة: هي الإخبار بما علمه الإنسان بلفظ أشهد، أو رأيت، أو سمعت ونحو ذلك. - حكم الشهادة: الشهادة مشروعة لإثبات الحقوق وحفظها. وتحمُّلها وأداؤها عبادة يؤجر عليها الشاهد؛ لما يضمنه من بيان الحق، وحفظ الحقوق. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} [النساء: 135]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)} [الطلاق: 2]. 3 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشّهَدَاءِ؛ الّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا». أخرجه مسلم (¬1). - شروط من تُقبل شهادته: يشترط فيمن تُقبل شهادته ما يلي: 1 - أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا تقبل شهادة الصبيان إلا فيما بينهم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1719).

2 - الكلام، فلا تقبل شهادة الأخرس إلا إذا أداها بخطه. 3 - الإسلام، فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا في الوصية أثناء السفر إذا لم يوجد مسلم. 4 - الحفظ، فلا تقبل الشهادة من مغفل. 5 - عدم التهمة، فلا تقبل شهادة من يجلب إلى المشهود له نفعاً، أو يدفع عنه ضرراً، أو يجلب تهمةمن زوج، أو والد، أو ولد، أو شريك. 6 - العدالة، والعدالة في كل زمان ومكان بحسبها، ويُعتبر لها شرطان: 1 - الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض، واجتناب الكبائر. 2 - المروءة، وهي فعل ما يجمِّله كالكرم وحسن الخلق ونحوهما، واجتناب ما يدنِّسه من الرذائل والشعوذة ونحوهما. 1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ... [البقرة: 282]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} ... [النور: 4]. 4 - وقال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. - حكم أداء الشهادة: 1 - تحمل الشهادة فرض كفاية إذا كانت في حقوق الآدميين، وأداؤها فرض عين

على من تحمَّلها إن كانت في حقوق الآدميين، وخيف ضياع الحق بعدم أدائها، ولم يحصل بها ضرر للشهود. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)} [البقرة: 283]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة: 282]. 3 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشّهَدَاءِ؛ الّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - أداء الشهادة مباح إذا كان في حق الله تعالى كالحدود من زنا، أو سرقة ونحوهما، وتركها أفضل وأولى؛ لاستحباب الستر على المسلم. فإن كان الجاني مجاهراً بالفسق، معروفاً بالفساد، فأداؤها أفضل؛ لقطع دابر الفساد والمفسدين. عَنْ عَبْداللهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ ن وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). 3 - لا يجوز لأحد أن يشهد على شيء إلا بعلم، والعلم يحصل بالرؤية، أو السماع، أو الاستفاضة وهي الشهرة كزواج أحد أو موته ونحو ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1719). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2442) , واللفظ له، ومسلم برقم (2580).

قال الله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} [الزخرف: 86]. - أحوال البينة: 1 - البينة هي الشهادة، وهي تارة تكون بشاهدين، وتارة بشهادة رجل وامرأتين، وتارة بثلاثة شهداء، وتارة بأربعة شهداء، وتارة بشاهد ويمين المدعي. 2 - يشترط في الشهادة عدالة البينة، ويحكم القاضي بموجبها، وإن علم خلاف ما شهدت به لم يجز له الحكم بها، ومن جُهلت عدالته يُسأل عنه. وإن جرح الخصمُ الشهود كُلِّف البينة، وأُنظر مدة حسب الحال، فإن لم يأت ببينة حكم عليه القاضي. 3 - إذا جهل القاضي حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم بشاهدين عدلين. - حكم قبول الشهادة على الشهادة: تقبل الشهادة على الشهادة في كل شيء إلا في الحدود؛ لأنها مبنية على الستر. فإذا تعذرت شهادة الأصل بموت، أو مرض، أو غَيبة، قَبِل الحاكم والقاضي شهادة الفرع إذا أنابه بقوله: اشهد على شهادتي ونحوه. - موانع الشهادة: الموانع التي تمنع من قبول الشهادة هي: 1 - قرابة الولادة: وهم الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا. فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض؛ للتهمة بقوة القرابة، وتُقبل عليهم، وأما بقية القرابة كالإخوة والأعمام ونحوهم فتقبل لهم وعليهم.

2 - الزوجية: فلا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر؛ للتهمة، وتُقبل عليه. 3 - من يجر إلى نفسه نفعاً كشهادته لشريكه، أو رفيقه ونحوهما. 4 - من يدفع عن نفسه ضرراً بتلك الشهادة. 5 - العداوة الدنيوية، فلا تقبل شهادته على من يضمر له عداوة وبغضاء؛ لوجود العداوة والتهمة. 6 - من شهد عند القاضي ثم ردت شهادته لخيانة ونحوها. 7 - العصبية، فلا تقبل شهادة من عُرف بالعصبية على غيره؛ للتهمة. 8 - المملوك والخادم، فلا تقبل شهادة المملوك لسيده، ولا الخادم لمن استخدمه؛ لوجود التهمة. - أقسام الشهود: ينقسم الشهود بالنسبة للمشهود به إلى قسمين: الأول: الشهادة في حقوق الله تعالى، وهي ثلاثة أقسام: 1 - ما لا يُقبل فيه أقل من أربعة شهود عدول من الرجال، وهو الزنا. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} [النور: 4]. 2 - ما يُقبل فيه اثنان من الرجال العدول، وهو كل ما سوى الزنا من الحدود. 3 - ما يُقبل فيه شاهد واحد، وهو هلال دخول رمضان أو غيره. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ بصِيَامِهِ. أخرجه أبو داود (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2342).

الثاني: الشهادة في حقوق الآدميين، وهي أربعة أقسام: 1 - إذا ادعى من عُرف بالغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة. فهذا لا بد أن يأتي بثلاثة رجال عدول يشهدون بِصِدقه ليعطى. عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الهِلالِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَحَمَّلتُ حَمَالَةً، فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسْألُهُ فِيهَا، فَقَالَ: «أقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا». قال: ثُمَّ قال: «يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ المَسْألَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ). وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ المَسْألَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ (أوْ قال سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ) فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسْألَةِ، يَا قَبِيصَةُ! سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - ما لا يُقبل فيه إلا شهادة رجلين عدلين، وهو كل ما لا يُقصد منه المال، ويطلع عليه الرجال غالباً، كالقصاص والتعزير ونحوهما. 3 - ما يقبل فيه شهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين المدعي، وهو كل ما كان القصد منه المال كالبيع، والإجارة، والرهن ونحو ذلك، والحقوق كالنكاح، والطلاق، والرجعة ونحو ذلك من كل ما سوى القصاص والحدود. ويقبل في الأموال خاصة رجل ويمين المدعي إذا تعذر إتمام الشهود. 1 - قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1044).

وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]. 3 - وَعَنِ الأشْعَثِ بْنِ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أخرجه مسلم (¬2). 4 - ما يقبل فيه شهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، ويجوز مع اليمين من رجل عدل أو امرأة عدل، وهو كل ما لا يطلع عليه الرجال غالباً كالحيض، والرضاع، والولادة ونحو ذلك. - حكم الرجوع عن الشهادة: الرجوع عن الشهادة أن يقول الشاهد: رجعت عما شهدت به. ولا يصح الرجوع إلا في مجلس القضاء؛ لأنه فَسْخ للشهادة، وإثبات الشهادة وفسخها لا يكون إلا في المحكمة. ولا يصح الرجوع عن الشهادة بعد صدور الحكم من القاضي، وإذا رجعوا لم ينتقض الحكم، ويلزمهم ضمان المال أو التلف الذي تسببوا في إلحاقه بالمشهود عليه من مال، أو دية، أو قذف، ويعزرهم القاضي بما يؤدبهم. وإن رجع الشهود عن الشهادة قبل الحكم ألغي، فلا حكم ولا ضمان، لكن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2356) , ومسلم برقم (138)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1712).

إن رجعوا عن شهادة في زنا حُدُّوا حد القذف. - حكم شهادة غير المسلمين: شهادة غير المسلمين لها حالتان: الأولى: شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض. فتقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]. الثانية: شهادة غير المسلمين على المسلمين. فهذه لا تقبل فيها شهادة الكفار على المسلمين إلا عند الضرورة، إذا لم يوجد غيرهم، حضراً وسفراً. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)} [المائدة: 106]. - حكم شهادة الزور: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب. فهي سبب في أكل أموال الناس بالباطل، وسبب لإضاعة الحقوق، وسبب لإضلال الحكام والقضاة ليحكموا بغير الحق، فيجب اجتنابها. 1 - قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} [الحج: 30].

2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ». ثَلاثًا، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (¬1). - عقوبة شاهد الزور: إذا أقر الإنسان أنه شهد زوراً عند القاضي فهو فاسق ترد شهادته. وللإمام تعزيره بما يردعه بالضرب، أو الحبس، أو التوبيخ، أو يشهِّر به في الأسواق أو بين قومه، ليعرفه الناس ويحذروه. يفعل القاضي ما يحقق المصلحة، بحسب الناس، وحجم القضية. وشاهد الزور إذا مات ولم يتب فيعذب في النار بقدر جرمه وكذبه. عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقاً، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّاباً». متفق عليه (¬2). - حكم الرشوة: الرشوة: هي ما يعطيه الإنسان لحاكم أو غيره ليحكم له، أو يقدمه على غيره، أو يعطيه حق غيره. والرشوة حرام، سواء كانت للحاكم، أو المسؤول، أو العامل، أو غيرهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) , واللفظ له، ومسلم برقم (87). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6094) , ومسلم برقم (2607)، واللفظ له.

وهي حرام على المعطي والآخذ والوسيط، فكل هؤلاء آثمون، وعليهم العقاب في الدنيا والآخرة. فالرشوة تفسد القلوب، وتسبب الشحناء بين الناس، وتزيد الظلم والجور، وتطمس معالم العدالة والحق. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [البقرة: 188]. 2 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيّةِ عَلَى الصّدَقَةِ، فَلَمّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِد الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمّهِ حَتّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ، وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً إلاّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2597) , ومسلم برقم (1832)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3580) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1336).

3 - اليمين

3 - اليمين - اليمين: هي الحلف بالله، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته. - حكم اليمين: 1 - تشرع اليمين في دعوى حقوق الآدميين خاصة، فهي التي يُستحلف فيها. أما حقوق الله تعالى كالعبادات والحدود فلا يُستحلف فيها، فلا يُستحلف إذا قال دفعت زكاة مالي، أو صليت ونحوهما. ولا يستحلف منكر لحد من حدود الله كالزنا وشرب الخمر؛ لأنه يستحب سترها، والتعريض بالرجوع عنها. 2 - إذا عجز المدعي بحق على آخر عن البينة، وأنكر المدعى عليه، فليس له إلا يمين المدعى عليه، وهذا خاص في الأموال والحقوق، ولا يجوز في دعوى القصاص والحدود. 1 - قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لاَدّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنّ اليَمِينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنِ الأشْعَثِ بْنِ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2514) , ومسلم برقم (1711)، واللفظ له.

فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ». متفق عليه (¬1). - حقيقة اليمين: النية في اليمين لها حالتان: الأولى: اليمين الموجهة من القاضي لفصل الخصومة والنزاع تكون على نية المستحلِف وهو القاضي، فلا يصح فيها التورية أو الاستثناء. الثانية: إذا حلف الإنسان باختياره، أو طلبها شخص منه دون أن يكون له عليه حق اليمين، فهذه تكون على نية الحالف في كل الأحوال، ويجوز للحالف التورية في يمينه، وله نيته. 1 - عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ». أخرجه مسلم (¬3). - صيغة اليمين: صيغة اليمين أن يقول الحالف: والله، أو وبالله، أو تالله، أو ورب العالمين، أو والحي الذي لا يموت ونحو ذلك من أسماء الله عز وجل، وهي التي يُحلف بها غالباً. أو يحلف بصفة من صفات الله عز وجل فيقول الحالف: وعظمة الله، أو وعزة الله، أو ورحمة الله، أو وقدرة الله، أو وكبريائه، أو ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2356) , ومسلم برقم (138)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6689) , واللفظ له، ومسلم برقم (1907). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1653).

وكلامه، أو ومشيئته ونحو ذلك. أو يحلف بكتاب الله، أو القرآن، أو المصحف، أو يحلف بالتوراة والإنجيل والزبور؛ لأنها كلام الله عز وجل، وكلامه سبحانه صفة من صفاته. - شروط اليمين: يشترط في اليمين في مجلس القضاء ما يلي: 1 - أن يكون الحالف بالغاً عاقلاً مختاراً. 2 - أن يكون المدعى عليه منكراً حق المدعي. 3 - أن يطلب الخصم اليمين من القاضي، فيطلبها القاضي من الخصم. 4 - ألا تكون في الحقوق الخالصة لله كالعبادات والحدود. 5 - أن تكون في الحقوق التي يجوز الإقرار بها. 6 - أن يعجز المدعي عن إحضار البينة. - صفة اليمين: اليمين تقطع الخصومة ولا تُسقط الحق، فمن حكم له القاضي بحق غيره فلا يحل له، وهو عليه حرام. والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر. ويجوز للقاضي أن يُحَلِّف المدعى عليه، أو يُحَلِّف المدعي، حسب ما يراه. واليمين مشروعة في أقوى الجانبين؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا ببينة، فإذا لم تكن اكتفى منه باليمين. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لاَدّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنّ اليَمِينَ عَلَى المُدّعَى عَلَيْهِ». متفق

عليه (¬1). - أنواع اليمين: تنقسم اليمين في مجلس القضاء إلى ثلاثة أنواع: الأول: يمين الشاهد: وهي اليمين التي يحلفها الشاهد قبل أداء الشهادة للاطمئنان إلى صدقه، ويلجأ إليها القاضي أحياناً بدلاً من تزكية الشاهد عند ضعف الوازع الديني. الثاني: يمين المدعى عليه: وهي التي يحلفها المدعى عليه بطلب المدعي؛ لتأكيد جوابه عن الدعوى. الثالث: يمين المدعي: وهي التي يحلفها المدعي لدفع التهمة عنه، أو لإثبات حقه، أو لرد اليمين عليه. وهي ثلاثة أنواع: 1 - اليمين الجالبة: وهي التي يحلفها المدعي لإثبات حقه إما مع شهادة شاهد واحد، وهي اليمين مع الشاهد، وإما بسبب نكول المدعى عليه عن اليمين الأصلية، وردها القاضي إلى المدعي ليحلف، وهي اليمين المردودة. وإما لإثبات الجناية على القاتل، وهي أيمان القسامة، وإما لنفي حد القذف عنه، وهي أيمان اللعان، وإما لتأكيد نفي الأمانة، فالقول قول الأمين مع يمينه كالوديع والوكيل ونحوهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4552) , ومسلم برقم (1711)، واللفظ له.

2 - يمين التهمة: وهي اليمين التي تُطلب من المدعي بقصد رد دعوى غير محقَّقة على المدعى عليه. 3 - يمين التوثق والاستظهار: وهي التي يحلفها المدعي بطلب القاضي مع الأدلة لدفع التهمة عنه، يلجأ إليها القاضي عادة إذا كانت الدعوى بحق على ميت أو غائب، لاحتمال أنه قد استوفى الدَّين أو أبرأه منه. فيحلف المدعي، ويأخذ ما ادعاه بالبينة واليمين، لوجود الشك. - الآثار المترتبة على اليمين: اليمين إما أن تكون من المدعي أو المدعى عليه. فإذا أدى المدعي اليمين مع الشاهد ثبت للمدعي الحق المحلوف عليه. ويترتب على حلف اليمين من المدعى عليه سقوط الدعوى، وانتهاء النزاع بين المتداعيين، وعدم المطالبة في الحال. فإن تمكن المدعي من إحضار بينة فيما بعد حَكَم له القاضي بعد ثبوت دعواه؛ لأن اليمين تزيل الخصومة، ولا تزيل الحق. - أنواع الحقوق التي تجوز فيها اليمين: 1 - يجوز الحلف نفياً أو إثباتاً، في الأموال، وما يؤول إلى الأموال، وفي الحقوق التي بين العباد كالجنايات ونحوها. 2 - لا يجوز الحلف في حقوق الله المحضة، سواء كانت حداً كالزنا والسرقة ونحوهما، أو كانت عبادة كالصلاة والصوم ونحوهما؛ لأن الحدود تدرأ

بالشبهات، والعبادات علاقة بين العبد وربه، فلا يتدخل فيها أحد. - حكم القضاء بالنكول: إذا امتنع المدعى عليه من اليمين فإنه لا يُقضى عليه بالنكول، ولكن تُردّ اليمين على المدعي في جميع الحقوق إلا الجنايات والحدود، فيحلف المدعي، ويقضي له القاضي بما ادعاه، فإن امتناع المدعى عليه عن اليمين أو سكوته قرينة على عدم صدقه، ودليل على صدق المدعي، وردها إلى المدعي أقوى في إثبات الحق؛ لأنها تشرع في أقوى الجانبين. - حكم القضاء بشاهد ويمين: 1 - إذا قدَّم المدعي شاهدين على دعواه، وقُبلت شهادتهما، حكم له القاضي بما ادعاه. 2 - إذا عجز المدعي عن البينة، وطلب تحليف المدعى عليه: 1 - إن حلف المدعى عليه رُفضت دعوى المدعي عليه. 2 - إن نكل المدعى عليه أو سكت، فلا يقضى عليه بالنكول، ولكن ترد اليمين على المدعي فيحلف ثم يأخذ حقه. 3 - إذا أقام المدعي شاهداً، وعجز عن تقديم شاهد آخر، فله أن يحلف مع الشاهد في الأموال، وما يؤول إلى الأموال، ما عدا القصاص والحدود. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1712).

- خطر اليمين الكاذبة: يحرم على الإنسان أن يحلف يميناً كاذبة، ليقتطع بها مال أخيه بغير حق، وهي اليمين الفاجرة، وذلك ظلم موجب لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة. 1 - عَنْ أبِي أمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «وَإنْ قَضِيبًا مِنْ أرَاكٍ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وعن عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ، مُسْلِمٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآيَةَ. متفق عليه (¬2). - حكم تغليظ اليمين: اليمين تكون بأن يقسم الحالف بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، وبهذه اليمين تثبت الحقوق، سواء كانت من مسلم أو كافر. ويجوز للقاضي تغليظ اليمين فيما له خطر مما ليس بمال، ولا يقصد به المال كنكاح، وطلاق، ولعان، وجناية ونحو ذلك. والتغليظ يكون مثلاً بزيادة اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، كأن يقول المسلم: أقسم بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر والعلانية ونحو ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (137). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2356) , واللفظ له، ومسلم برقم (138).

ويقول اليهودي: أحلف بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ونجاه ومن معه من الغرق. ويقول النصراني: أحلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ونحو ذلك. ومن أبى التغليظ لم يكن ناكلاً، ويكفيه الحلف بالله، والتغليظ يكون في الزمان: بعد صلاة العصر، ويكون في المكان: في مكة بين الركن والمقام، وفي المدينة عند منبر رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وفي سائر البلدان عند منبر المسجد. وإن كان على القاضي حرج أَحْلف الخصم في مجلس القضاء. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)} [المائدة: 106]. 2 - وَعَنْ ابنِ عُمَر رَضيَ اللهُ عَنهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَليَحْلِفْ بِاللهِ أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬1). - حكم الحلف بالطلاق: اليمين بالطلاق لإثبات الحقوق وإنهاء الخصومات حرام، سواء كانت أمام القاضي أو غيره، ولو كان الحالف لا ينزجر إلا بها؛ لأن اليمين لا تكون إلا بالله أو أسمائه أو صفاته، ولأن القسم لتعظيم المقسَم به، ولا يجوز تعظيم غير الله، ولما في ذلك من تمزيق شمل الزوجية، والاستخفاف بالعقود. وإذا طلب الخصم هذا الحلف لم يُجبه القاضي؛ لأنه حرام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2679) , واللفظ له، ومسلم برقم (1646).

8 - الأيمان

8 - الأيمان 1 - معنى اليمين وحكمها - الأيمان: جمع يمين. واليمين: هي توكيد الأمر المحلوف عليه بذكر الله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، على وجه مخصوص. وتسمى القَسَم، أو الحَلِف، أو اليمين. - أنواع اليمين: اليمين إما أن تكون بطلب من القاضي كما سبق بيان أنواعها وأحكامها. وإما أن تكون صادرة من الإنسان بلا طلب من القاضي، وهي المرادة هنا. - صفة اليمين المنعقدة: اليمين التي تنعقد وتجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته. كأن يقول: والله، وبالله، وتالله، والرحمن، وعظمة الله، ورحمة الله ونحو ذلك. فإن برّ بيمينه فلا شيء عليه، وإن حنث فعليه الكفارة.

- حكم اليمين: لليمين خمسة أحكام: 1 - يمين واجبة: وهي التي ينقذ بها إنساناً معصوماً من هَلَكة. 2 - يمين مستحبة: كالحلف عند الإصلاح بين الناس. 3 - يمين مباحة: كالحلف على فعل مباح أو تركه، أو توكيد أمر ونحو ذلك. 4 - يمين مكروهة: كالحلف على فعل أمر مكروه، أو ترك مندوب، والحلف في البيع والشراء. 5 - يمين محرمة: كمن حلف كاذباً متعمداً، أو حلف على فعل معصية، أو ترك واجب ونحو ذلك. - حفظ اليمين: حفظ اليمين يكون بثلاثة أمور: عدم كثرة الحلف .. عدم الحنث إلا فيما كان واجباً .. إخراج الكفارة بعد الحنث. قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} ... [المائدة: 89]. - حكمة مشروعية اليمين: شرع الله عز وجل اليمين لتأكيد الأمر المحلوف عليه، وذلك لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف، أو لتقوية الطلب من المخاطب، وحثه على فعل شيء أو تركه، أو لتقوية عزم الحالف نفسه على فعل شيء يخشى إحجامها عنه، أو ترك شيء يخشى إقدامها عليه.

2 - أقسام اليمين

2 - أقسام اليمين - أقسام اليمين: تنقسم اليمين إلى ثلاثة أقسام: اليمين اللغو .. اليمين الغموس .. اليمين المنعقدة. 1 - اليمين اللغو: هي الحلف من غير قصد اليمين، كقول الإنسان في حديثه لا والله، وبلى والله، أو والله لتأكلن ونحو ذلك مما لا يقصد به اليمين. أو أن يحلف على أمر ماض يظن صِدْق نفسه فبان بخلافه. فهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة لها، ولا يؤاخذ بها الحالف. 1 - قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ... [البقرة: 225]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. 2 - اليمين الغموس: وهي أن يحلف على أمر ماض كاذباً عالماً، وهي محرمة. وهي من أكبر الكبائر؛ لأن بها تُهضم الحقوق، وتؤكل الأموال بغير حق، ويُقصد بها الفسق والخيانة. وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار. وهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة فيها، وتجب المبادرة بالتوبة منها.

1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)} [النحل: 94]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} ... [آل عمران: 77]. 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - اليمين المنعقدة: وهي أن يحلف على أمر مستقبل قاصداً اليمين، توكيداً لفعل شيء أو تركه. وهذه اليمين تنعقد، فإن بر بيمينه فلا شيء عليه، وإن حنث فعليه الكفارة. قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]. - شروط اليمين المنعقدة: يشترط لصحة اليمين التي تجب بها الكفارة ما يلي: 1 - أن يكون الحالف بالغاً، عاقلاً، متعمداً، مختاراً، ذاكراً. 2 - أن يكون قاصداً اليمين. 3 - أن يكون الحلف على أمر مستقبل ممكن. 4 - تجب الكفارة إذا حنث في يمينه بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، فإن لم يحنث فلا شيء عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6675).

3 - أحكام اليمين

3 - أحكام اليمين - حكم تكرار اليمين: 1 - إذا كرر اليمين على جنس واحد كأن يقول: والله لا آكل هذا التمر، والله لا آكل هذا التمر، فهذه يمين واحدة، ولا تجب بها إلا كفارة واحدة إذا حنث. 2 - إذا كرر اليمين على أشياء مختلفة كأن يقول: والله لا آكل هذا اليوم، والله لا أسافر هذا اليوم، فهذا عليه بكل يمين كفارة إن حنث بها. 3 - إذا عقد يميناً واحدة على أشياء مختلفة كأن يقول: والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست، فهذا عليه كفارة واحدة إذا حنث، فإنه بفعل واحد منها يحنث، وتنحلّ اليمين. - حكم كفارة اليمين: الكفارة: سميت بذلك لأنها تغطي الإثم وتستره. وهي ما يخرجه الحانث في يمينه من إطعام، أو كسوة، أو عتق رقبة، أو صيام، تكفيراً لحنثه في يمينه. وهي واجبة فيمن حنث في يمينه، وتسقط عنه إذا عجز عنها؛ لأن الواجب يسقط بالعجز عنه. - كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين ما يلي: 1 - إطعام عشرة مساكين، لكل واحد نصف صاع من قوت البلد، وهو يساوي كيلو وربع من بر أو أرز أو تمر ونحوها، وإن غدى العشرة مساكين أو

عشاهم جاز. 2 - كسوة عشرة مساكين مما يُلبس عادة. 3 - عتق رقبة مؤمنة. وهو مخير في هذه الثلاثة، فإن لم يجد أحدها صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام مع القدرة على أحد الثلاثة السابقة. والكافر يكفِّر بأحد الثلاثة الأولى، لأن الصوم عبادة فلا يصح من كافر. قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. - حكم تقديم كفارة اليمين: يجوز تقديم كفارة اليمين على الحنث، ويجوز تأخيرها عنه. فإن قدم الكفارة كانت محلِّلة لليمين، وإن أخرها كانت مكفرة له. 1 - عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: « ... وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6622) , واللفظ له، ومسلم برقم (1652). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6622) , واللفظ له، ومسلم برقم (1652).

- حكم الحنث في اليمين: 1 - يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، فمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير، ويكفِّر عن يمينه. 2 - يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب، كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم، كمن حلف ليشربن الخمر. فهذا الحالف يجب عليه نقض اليمين، ويكفِّر عنها. 3 - يباح نقض اليمين إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفِّر عن يمينه. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)} [البقرة: 224]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لاَ يَأْكُلُ، مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَىَ يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَليَأَتِهَا، وَليُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم من حَرَّم على نفسه الحلال: لا يجوز للإنسان أن يُحرِّم على نفسه ما أحله الله له. 1 - من حرم على نفسه حلالاً مما أباح الله من طعام، أو شراب، أو لباس، أو فعل، لم يَحْرم عليه، ويجب عليه إن فعله كفارة يمين. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1650).

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم: 1 - 2]. 2 - من حرم على نفسه زوجته فقال: أنت علي حرام، فإن نواه ظهاراً أو طلاقاً أو يميناً فهو بحسب نيته، وإن لم ينو شيئاً فهو يمين. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة: 3 - 4]. 2 - وَعَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه (¬1). - حكم مَنْ فَعَل ما حلف عليه ناسياً أو مخطئاً: إذا حلف الإنسان لا يفعل هذا الشيء، ففعله ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، لم يحنث، ولا كفارة عليه، ويمينه باقية. وإذا حلف على إنسان قاصداً إكرامه، لا يحنث مطلقاً، فإن كان قاصداً إلزامه ولم يفعل فإنه يحنث، وتلزمه الكفارة، ومن حق المسلم على المسلم إبرار قسمه إذا أقسم عليه إذا لم يكن فيه معصية، أو ضرر عليه. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، قال: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

يَدْخُل قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قُولُوا، سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَسَلَّمْنَا». قال، فَألقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ) {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ) {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ). أخرجه مسلم (¬1). - حكم الاستثناء في اليمين: من حلف واستثنى في يمينه لم يحنث، فإذا قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو لأتركن كذا إن شاء الله، فهذا لا يحنث في يمينه إن فعل المحلوف عليه أو تركه. ويصح الاستثناء في اليمين بثلاثة شروط: 1 - أن يقصد تعليق المحلوف عليه بمشيئة الله لا مجرد التبرك. 2 - أن يتصل الاستثناء باليمين معاً. 3 - أن يكون الاستثناء لفظاً ونطقاً، فلا ينفعه الاستثناء بقلبه. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قالَ سُلَيْمَانُ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُل إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُل إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إِلا امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قال: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أجْمَعُونَ». ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (126).

متفق عليه (¬1). - المعتبر في اليمين: من حلف على شيء وورَّى بغيره فالعبرة بنيته لا بلفظه، وإنما تعتبر نية الحالف إذا لم يُستحلف، وإذا استحلف القاضي أو غيره أحداً فاليمين على نية المستحلِف. 1 - عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ القَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي فَخَلَّى سَبيلَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ القَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي، قَالَ: «صَدَقْتَ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ». أخرجه مسلم (¬3). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اليَمِينُ عَلَى نِيّةِ المُسْتَحْلِفِ». أخرجه مسلم (¬4). - حكم الإصرار على اليمين: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فلا يصر عليها، بل يفعل ما هو خير، ويكفِّر عن يمينه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6639) , واللفظ له، ومسلم برقم (1654). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3256) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2119). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1653). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1653).

1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)} ... [البقرة: 224]. 2 - وَعنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «وَالله لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدالله مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفّارَتَهُ الّتِي فَرَضَ الله». متفق عليه (¬1). - منزلة الحلف بالله: يجب حفظ الأيمان وعدم الاستهانة بها، وعدم الاحتيال للتخلص من حكمها. وأصل الحلف توكيد الأمر المحلوف عليه بالله العظيم جل جلاله. فيجب على من أراد أن يحلف أن يصدق، ولا يكثر من تكرار الأيمان؛ تعظيماً لله، إلا فيما ورد كأيمان اللعان. ويجب على من حُلِف له بالله أن يرضى ويسلم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)} [القلم: 10]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَحْلِفُ بأَبيهِ، فَقَالَ: «لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ باللهِ فَليَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ باللهِ فَليَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ باللهِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ». أخرجه ابن ماجه (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَأى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلا يَسْرِقُ، فَقال لَهُ: أسَرَقْتَ؟ قال: كَلا، وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فَقال عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6625) , ومسلم برقم (1655)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (2101). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3444) , واللفظ له، ومسلم برقم (2368).

- أنواع اليمين: تنقسم اليمين من حيث المحلوف به إلى قسمين: الأول: الحلف بالله، أو بأسمائه، أو بصفاته، وهذا جائز. الثاني: الحلف بمخلوق من المخلوقات كالحلف بالأصنام، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو السماء، أو الكعبة ونحو ذلك. وهذا النوع لا كفارة فيه لو فَعَل ما حلف على تركه، أو تَرَك ما حلف على فعله؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا بالحلف بالله. وهو محرم وشرك، لا تكفِّره إلا التوبة النصوح، والنطق بكلمة التوحيد. - حكم الحلف بغير الله: الحلف بغير الله شرك أصغر، وهو محرم؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، والتعظيم لا يكون إلا لله العلي العظيم، والحلف بغير الله كأن يقول مثلاً: والنبي .. وحياتك .. والقمر .. والكعبة .. والأمانة .. والآباء .. والأوثان ونحو ذلك. وقد يكون الحلف بغير الله شركاً أكبر، وذلك بحسب ما يقوم بقلب الحالف من تعظيم المحلوف به. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَليَحْلِفْ بِاللهِ أوْ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3251) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1535).

لِيَصْمُتْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه (¬2). - كفارة الحلف بغير الله: من حلف بغير الله عالماً متعمداً فقد أتى شركاً، وفَعَل محرماً، فعليه أن يتوب إلى الله، ويأتي بكلمة التوحيد، ويتفل عن شماله ثلاثاً، ويتعوذ بالله من الشيطان. 1 - قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} ... [هود: 114]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللاَّتِ وَالعُزَّى، فَليَقُل: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَليَتَصَدَّقْ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالعُزَّى، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: قَدْ قُلتَ هُجْراً. فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ العَهْدَ كَانَ حَدِيثاً، وَإِنِّي حَلَفْتُ بِاللاَّتِ وَالعُزَّى. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ ثَلاَثاً، وَاتْفُل عَنْ شِمَالِكَ ثَلاَثاً، وَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلاَ تَعُدْ». أخرجه أحمد وابن ماجه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2679) , واللفظ له، ومسلم برقم (1646). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2697) , ومسلم برقم (1718). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4860) , واللفظ له، ومسلم برقم (1647). (¬4) صحيح/أخرجه أحمد برقم (1622) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (2097).

9 - النذر

9 - النذر 1 - معنى النذر وحكمه - النذر: هو إلزام مكلفٍ نفسه شيئاً لله غير لازم بأصل الشرع بكل قول يدل عليه. - صفة النذر: ليس للنذر صيغة معينة، وإنما ينعقد بكل قول يدل على الالتزام كأن يقول: لله عليَّ نذر .. أو لله عليَّ عهد .. أو لله عليَّ أن أفعل كذا .. أو لله عليَّ أن أترك كذا ونحو ذلك. ويصح النذر منَجَّزاً ومعلَّقاً. فالمنجَّز أن يقول مثلاً: لله عليَّ أن أصوم ثلاثة أيام. والمعلَّق أن يقول مثلاً: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أتصدق بألف ريال. - حكم النذر: 1 - النذر مشروع في حق مَنْ يعلم مِن نفسه القدرة على الوفاء به، وهذا النذر عبادة؛ لأن الله أمر بالوفاء به، ومدح الموفين به. 2 - النذر مكروه في حق مَنْ يعلم مِن نفسه عدم القدرة على الوفاء به. فالنذر لا تحمد عقباه، فإن الناذر قد لا يفي، وقد يتعذر الوفاء به، وقد يفعله كارهاً مستثقلاً له، فيلحقه الإثم.

والنذر إذا تعلق به نفع للناذر لم يقع طاعة خالصة، فكأن الناذر يشارط الله ويعاوضه على حصول مطلوبه، والله غني عن العباد وطاعاتهم. فهذا النذر لا يأت بخير، وليس فيه فائدة شرعية ولا قدرية، لا شرعية فهو لا يأت بخير، ولا قدرية فهو لا يرد قدراً. 1 - قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)} ... [الإنسان: 7]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَليُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (¬1). 4 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «النّذْرُ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئاً، وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَنْذِرُوا، فَإنّ النّذْرَ لاَ يُغْنِي مِنَ القَدَرِ شَيْئاً، وَإنّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ». متفق عليه (¬3). - من يصح منه النذر: يصح النذر من كل بالغ، عاقل، مختار، مسلماً كان أو كافراً، فلا يقع من صغير، ولا مجنون، ولا مكرَه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاَثةٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَكْبُرَ». أخرجه ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6696). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6692) , ومسلم برقم (1639)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6694) , ومسلم برقم (1640)، واللفظ له.

2 - أقسام النذر

أبو داود والنسائي (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ عُمَرَ سَألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ؟ قال: «فَأوْفِ بِنَذْرِكَ». متفق عليه (¬2). 2 - أقسام النذر - أقسام النذر: ينقسم النذر إلى ستة أقسام: الأول: نذر الطاعة: وهو نوعان كلاهما صحيح. سواء كان مطلقاً كقوله: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو لله علي أن أتصدق بمائة ريال، وهو أفضل أنواع النذر. أو كان النذر معلقاً كقوله: إن شفى الله مرضي فلله علي أن أتصدق بكذا، أو أصوم شهراً، أو أعتمر ونحو ذلك. فإذا وُجد الشرط لزمه الوفاء به. والنذر المطلق عبادة وطاعة وقربة يجب الوفاء به، وقد مدح الله الموفين به، ومن عجز عنه فعليه كفارة يمين. 1 - قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)} [الإنسان: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) , وهذا لفظه، والنسائي برقم (3432). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2032) , واللفظ له، ومسلم برقم (1656).

وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)} [البقرة: 270]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَليُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ». أخرجه البخاري (¬1). الثاني: نذر المباح: كأن يقول: لله عليّ أن ألبس هذا الثوب، أو أركب هذه السيارة، أو أصعد هذا الجبل. فهذا فِعْل مباح، يستوي فِعله وتركه، فيخير بين فعله وبين كفارة يمين. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَفّارَةُ النّذْرِ كَفّارَةُ اليَمِينِ». أخرحه مسلم (¬2). الثالث: نذر المكروه: كأن يقول: لله عليّ أن آكل هذا الثوم ونحو ذلك من المكروهات. فهذا يستحب له أن يكفر عن يمينه، ولا يفعل ما نذر. عَنْ عَدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى اليَمِينِ، فَرَأَى خَيْراً مِنْهَا، فَليُكَفّرْهَا، وَليَأْتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ». أخرجه مسلم (¬3). الرابع: نذر المعصية: وهو نذر فعل محرم، كأن يقول: لله علي أن أقتل فلان، أو لله علي أن أشرب الخمر، أو أصوم يوم العيد، أو أصلي بلا وضوء ونحو ذلك. فهذا النذر محرم ولا يصح، ويحرم الوفاء به، وعليه أن يكفِّر عنه كفارة ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6696). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1645). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1651).

يمين. 1 - عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ العَبْدُ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ نَذرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). الخامس: نذر اللجاج والغضب: وهو أن يعلق نذره بشرط بقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كأن يقول: إن كلمت فلاناً فلله علي صيام شهر، أو يقول: إن لم أفعل كذا فما لي كله هبة، أو عبيدي أحرار، أو يقول مؤكداً لِصِدقه: لله علي إن كان كلامي كذباً أن أصوم شهراً، أو يكذِّب أحداً ويقول: إن كان ما تقوله صدقاً فعبيدي أحرار. فهذا النذر بمعنى اليمين، إن شاء فَعَل ما نذر، وإن شاء كفَّر عنه كفارة يمين. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَفّارَةُ النّذْرِ كَفّارَةُ اليَمِينِ». أخرجه مسلم (¬3). السادس: النذر المطلق: وهو النذر الذي لم يعيَّن فيه شيء، كأن يقول: لله علي نذر، ولم يسم شيئاً. فهذا الناذر تلزمه كفارة يمين، ويتحلل مِنْ نذره. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَفّارَةُ النّذْرِ كَفّارَةُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1641). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3290) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1525). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1645).

3 - أحكام النذر

اليَمِينِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - أحكام النذر - أنواع النذر: النذر من حيث صفته نوعان: الأول: نذر إنشائي، ويسمى النذر المطلق، كأن يقول مثلاً: لله علي أن أنحر بدنة وأطعمها الفقراء، أو يقول: لله علي أن أصوم شهراً، أو أتصدق بكذا، فهذا النذر عبادة، وقد مدح الله الموفين به. الثاني: نذر معلق أو مقيد بمصلحة للناذر، كقوله: لله علي كذا إن شفى الله مرضي، أو ربح مالي، أو قدم أخي، فهذا النذر مكروه كما سبق. - حكم النذر فيما يشق على الإنسان: يكره النذر في كل ما يشق على الإنسان من الأعمال والطاعات. فمن نذر نذراً لا يطيقه، ويلحقه به مشقة كبيرة، كمن نذر أن يقوم الليل كله، أو يصوم الدهر كله، أو يتصدق بماله كله، أو يحج ماشياً ونحو ذلك. فهذا لا يجب عليه الوفاء بهذا النذر، وعليه كفارة يمين. 1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن: 16]. 2 - وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1645). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6047) , ومسلم برقم (110)، واللفظ له.

3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ شَيْخاً يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ، يَتَوَكّأُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا شَأْنُ هَذَا؟» قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ، فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْكَبْ أَيّهَا الشّيْخُ فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم الحنث في اليمين: إذا خالف الحالف مقتضى اليمين بفعل ما حلف على تركه، أو تَرْك ما حلف على فعله، فقد حنث. ويختلف حكم الحنث باختلاف الفعل المحلوف عليه كما يلي: 1 - إذا حلف على ترك واجب كالصلاة، أو فعل محرم كالزنا. فهذا يجب عليه أن يفعل الواجب، ويترك المحرم، ويكفِّر عن يمينه. 2 - إذا حلف على ترك مستحب كالسواك، أو فعل مكروه كالتخصر في الصلاة. فهذا يستحب له أن يفعل المستحب، ويترك المكروه، ويكفِّر عن يمينه. 3 - إذا حلف أن يفعل الواجب كأن يصل رحمه، أو يترك المحرم كالزنا. فهذا يحرم عليه الحنث. 4 - إذا حلف على فعل مستحب، أو ترك مكروه، كما لو حلف أن يغتسل يوم الجمعة، فهذا يكره له الحنث، فيبر بيمينه. 5 - إذا حلف على فعل مباح أو تركه، كما لو حلف أن يشتري هذه السيارة مثلاً. فهذا مخير، إن شاء حنث فلا يشتريها، وعليه كفارة يمين، وإن شاء اشتراها، والأوْلى أن يفعل الأحسن والأنفع له. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1643).

- حكم من عجز عن الوفاء بالنذر: من نذر فعل طاعة من صلاة أو صدقة أو صيام ونحو ذلك، ثم عجز عن الوفاء بما نذر لكبر أو مرض فإن كان يرجى زوال عجزه انتظر زواله، وإن كان لا يرجى زواله فلا يلزمه الوفاء به؛ لعجزه، وعليه كفارة يمين. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَفّارَةُ النّذْرِ كَفّارَةُ اليَمِينِ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم من خلط في نذره طاعة ومعصية ومشقة: من خلط في نذره طاعة بمعصية أو مشقة، لزمه فعل الطاعة، وترك المعصية والمشقة، ولا كفارة عليه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَألَ عَنْهُ فَقَالُوا: أبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ وَلا يَقْعُدَ، وَلا يَسْتَظِلَّ، وَلا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرْهُ فَليَتَكَلَّمْ وَليَسْتَظِلَّ وَليَقْعُدْ، وَليُتِمَّ صَوْمَهُ». أخرجه البخاري (¬2). - حكم من نذر أن يصوم أياماً فوافق يوم عيد: من نذر أن يصوم أياماً فوافق ذلك يوم عيد الفطر أو الأضحى، فلا يجوز له صوم يوم العيد، ولا كفارة عليه. عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَألَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أنْ أصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا اليَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أمَرَ اللهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ، لا يَزِيدُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1645). (¬2) أخرجه البخاري برقم (6704).

عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). - مصرف النذر: مصرف النذر بحسب نية صاحبه في حدود الشرع، فإن نوى بالمنذور من طعام أو غيره الفقراء فلا يجوز أن يأكل منه، وإن نوى بنذره أهل بيته، أو رفقته، أو أصحابه، جاز له أن يأكل كواحد منهم. - حكم من نذر ثم مات: من نذر نذراً، ثم مات قبل أن يقضيه: فإن تمكن من القضاء ولم يقضه، قضاه عنه وليه إن كان مما تدخله النيابة كالصوم، والصدقة ونحوهما كالحج، والعمرة. وإن لم يتمكن من القضاء حتى مات، فلا قضاء عليه ولا كفارة. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمّهِ، تُوُفّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَاقْضِهِ عَنْهَا». متفق عليه (¬2). - حكم النذر لغير الله: النذر عبادة من العبادات، فلا يجوز صرفه لغير الله؛ لأنه يتضمن تعظيم المنذور له، والتقرب إليه بالمنذور، فمن نذر لغير الله من قبر، أو صنم، أو مَلَك، أو نبي، أو ولي، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، وارتكب محرماً عظيماً، ووَضَع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وهو الله عز وجل المستحق للعبادة وحده. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6706) , واللفظ له، ومسلم برقم (1139). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6698) , ومسلم برقم (1638)، واللفظ له.

وهذا النذر باطل يحرم الوفاء به، ولا ينعقد. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163]. - حكم من نذر ثم جُنَّ: إذا نذر الإنسان نذراً معيناً بيوم أو شهر، ثم جُنَّ قبل أن يصل ذلك اليوم فلا قضاء عليه بالنسبة للعبادات البدنية؛ لأنه مرفوع عنه القلم. وأما العبادات المالية كالصدقة فيلزم أهله إخراجها من ماله؛ لأنها متعلقة بالمال لا بصاحبه، فلو قال: إن قدم زيد فعلي أن أتصدق بكذا، فقدم زيد وهو مجنون فتلزمه. - حكم تعليق النذر بالمشيئة: إذا علق النذر بالمشيئة كأن يقول: لله علي نذر أن أفعل كذا إن شاء الله تعالى. ففي النذر الذي حكمه حكم اليمين ليس عليه حنث. وإن نذر فعل طاعة، فإن كان قصده التعليق فلا شيء عليه، وإن كان قصده التحقيق أو التبرك، وجب عليه أن يفعل حسب نيته.

الباب العشرون كتاب الخلافة

الباب العشرون كتاب الخلافة ويشتمل على ما يلي: 1 - معنى الخلافة. 2 - أحكام الخلافة. 3 - أحكام الخليفة. 4 - طرق انعقاد الخلافة. 5 - البيعة. 6 - واجبات الخليفة. 7 - واجبات الأمة. 8 - نظام الحكم في الإسلام. 9 - حكم الخروج على الأئمة. 10 - انتهاء ولاية الحاكم.

1 - معنى الخلافة

1 - معنى الخلافة - الخليفة: هو الإمام الذي يحمل كافة الأمة على مقتضى الشرع، في أمر الدين والدنيا. ويسمى خليفة الله؛ لأن الله استخلفه في عباده ليقيم شرعه وعدله فيهم. ويسمى خليفة رسول الله، لأنه خَلَف رسول الله في أمته في العلم، والعبادة، والدعوة، والسياسة ونحو ذلك. وسمي خليفة؛ لأنه خَلَف مَنْ قبله في الحكم. - أسماء الخليفة: الخليفة هو الإنسان الذي له السلطة العليا في الدولة، وله أسماء متعددة تختلف باختلاف البلاد مثل: الخليفة .. إمام المسلمين .. أمير المؤمنين .. الملك .. الرئيس .. السلطان .. الحاكم. والخليفة هو الذي يعيِّن الولاة والأمراء والقضاة في مناطق دولته. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} ... [البقرة: 124]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}

[المائدة: 20]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ ثلاَثونَ سَنَةً ثمَّ يُؤْتِي اللهُ المُلكَ أَوْ مُلكَهُ مَنْ يَشَاءُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - مَنْ بيده الملك: الذي بيده الملك هو الله وحده، يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء، سواء كان مسلماً أو كافراً. 1 - قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} ... [آل عمران: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)} [المائدة: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} [البقرة: 258]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1835). (¬2) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (4646) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (2226).

2 - أحكام الخلافة

2 - أحكام الخلافة - حكم نصب الخليفة: 1 - نَصْب الإمام للمسلمين واجب؛ للحكم بينهم بما أنزل الله، وتدبير أحوال الناس، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحماية بيضة الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وتعليم أحكام الدين، ودفع ضرر الفوضى. فلا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين، ويحكم بالعدل، وينصف المظلومين من الظالمين. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} ... [المائدة: 49]. 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً». أخرجه مسلم (¬1). 2 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحكم بين الناس بما أنزل الله، فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - بايع أبا بكر ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1851).

بالخلافة، ثم استخلَف أبو بكر عمر رضي الله عنهما، ثم استخلَف عمر أحد الستة الذين اختاروا عثمان رضي الله عنه. ثم بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه بايع الصحابة رضي الله عنهم علياً رضي الله عنه بالخلافة. - من يقوم باختيار الخليفة: يقوم باختيار ومبايعة الخليفة أهل الحل والعقد من العلماء الربانيين، والرؤساء، ووجوه الناس، فيختارون الإمام نيابة عن الأمة، كما اختار المهاجرون والأنصار الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وعلى من يختارونه لهذا المنصب أن يسمع ويطيع، ويَحْكمهم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. والخلافة فرض كفاية، مخاطَب بها فريقان من الناس: أهل الشورى ليختاروا الإمام .. ومن يصلح للإمامة حتى ينتصب للإمامة. وإذا لم يصلح للإمامة إلا واحد تعيَّن عليه طلبها إن لم يبتدؤه، إن كان الدافع له مصلحة المسلمين. 1 - قال الله تعالى حكاية عن يوسف - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى: 38]. - مقاصد الخلافة: الخلافة والإمامة والحكم في الإسلام وسيلة لا غاية، والخلافة من أعظم

العبادات لمن قام بحقها؛ لما يتحقق بها من المقاصد الكبرى. وأعظم هذه المقاصد إقامة أمر الله عز وجل على الوجه الذي شرع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ونشر الخير، والقضاء على كل فساد. ويجمع هذه المقاصد مقصدان كبيران هما: إقامة الدين .. وسياسة الدنيا به. 1 - إقامة الدين الحق وهو الإسلام تتمثل في أمرين: الأول: حفظ القرآن والسنة، والعمل بموجبهما، وحَمْل الناس عليهما؛ ليبقى الدين صافياً محفوظاً منيعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويتم ذلك بنشره والدعوة إليه بالقلم واللسان والسنان، من الإمام ورعيته معاً. وصيانة الدين عن كل ما يسيء إليه بدفع الشبه، ومحاربة البدع والأباطيل التي يروِّجها أعداء الإسلام. وتوفير الأمن لعموم المسلمين بتحصين الثغور، وحماية البيضة، ليعيش الناس في أمن وسلام على دينهم، وأرواحهم، وأموالهم. الثاني: تنفيذ الأحكام والحدود الشرعية في الأمة في جميع مجالات الحياة، لتصلح أحوالهم، وحَمْل الناس على الدين الحق بالترغيب والترهيب، واللين والشدة، بحسب اختلاف مقامات الناس. 2 - سياسة الدنيا بالدين: ويتم ذلك بالحكم بين الناس بما أنزل الله في جميع جوانب الحياة، فالإسلام دين كامل شامل، وهو وحده سبيل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

ومن المقاصد الكبرى إقامة العدل، ورفع الظلم، وجمع كلمة المسلمين، وعدم الفرقة، وعمارة الأرض، واستغلال خيراتها في مصالح المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. 3 - وقال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. - حكم سياسة الدنيا بغير الدين: يجب على إمام المسلمين أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من القرآن والسنة. ولا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله من حاكم أو غيره، فالحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق. ولا يجتمع الإيمان والتحاكم إلى غير شرع الله في قلب عبد أصلاً، فأحدهما ينافي الآخر، فلا إيمان حقاً إلا بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45].

3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة: 47]. 4 - وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} ... [النساء: 65]. 5 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} ... [النساء: 60]. - حكم الجاهلية: كل من حكم بغير ما أنزل الله فقد حكم بحكم الجاهلية، ويشمل كل من استولى على مقاليد الحكم من الطغاة، وتَرَك حكم الله ورسوله، وجَعَل حكم الجاهلية شِرعة ومنهاجاً، وألزم الناس بالتحاكم إليه. والواقع في هذا الجرم العظيم أربعة أصناف، وهم: 1 - المشرِّع: وهو الذي يسن القوانين التي يحكم بها الناس. 2 - المدافع: وهو الذي ينفذها ويدافع عنها. 3 - الحاكم: وهو الذي يحكم بها بين الناس. 4 - المحكوم: إذا رضي وتابع. 1 - قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} ... [المائدة: 50]. 2 - وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ

وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». أخرجه مسلم (¬1). - أهل الخلافة: الخلافة في قريش، والناس تبع لقريش. 1 - عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لا يُعَادِيهِمْ أحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أقَامُوا الدِّينَ». أخرجه البخاري (¬2). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لا يَزَالُ هَذَا الأمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ». متفق عليه (¬4). - شروط أهل الحل والعقد: يشترط فيمن يختار الإمام نيابة عن الأمة ما يلي: 1 - العدالة التي تحمل صاحبها على المروءة والتقوى، بفعل المأمورات الشرعية، واجتناب المناهي. 2 - العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة. 3 - الحكمة والرأي السديد المؤديان إلى اختيار الأصلح للإمامة، والأعرف ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1854). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7139). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3501) , واللفظ له، ومسلم برقم (1820). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3495) , واللفظ له، ومسلم برقم (1818).

والأقوى على تدبير المصالح. 4 - أن تثق الأمة بهم، وتحترم ذواتهم، وتثق بنصحهم، وحسن اختيارهم. وتنعقد البيعة للإمام بأي عدد منهم. - وظيفة أهل الحل والعقد: وظيفة أهل الحل والعقد مقصورة على الترشيح والترجيح وفق المصلحة والعدل. فيتصفحون من يصلح للإمامة من المسلمين، ثم يقدمون بيعة أكثرهم فضلاً، وأكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعته. فإذا اختاروا واحداً عرضوا عليه الإمامة، فإن أجاب إليها بايعوه عليها، وانعقدت بيعتهم له، ولزم كافة الأمة الدخول في بيعته، والانقياد لطاعته. وإن امتنع من الإمامة، لم يُجبر عليها، وعُدل عنه إلى سواه ممن يستحقها. وإن تكافأ للإمامة اثنان قُدِّم الأكبر، والأعلم، والأشجع، ويُختار ما يوجبه حكم الوقت، وظروف البلاد، وحاجة الأمة. - ما تُنال به الإمامة: الإمامة الكبرى والصغرى تُنال بالإيمان والعمل الصالح، والصبر، واليقين. 1 - قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا

بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. - حكم استعمال الموالي: الإمامة العظمى لا يتولاها إلا الحر من الرجال، أمّا ما دونها من المناصب فيجوز للإمام استعمال الموالي والعبيد فيها. 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ وَأصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأبُو سَلَمَةَ وَزَيْدٌ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «اسْمَعُوا وَأطِيعُوا، وَإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ، كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7175). (¬2) أخرجه البخاري برقم (693).

3 - أحكام الخليفة

3 - أحكام الخليفة - شروط الخليفة: يشترط في الخليفة الذي يتولى أمور المسلمين ما يلي: 1 - الإسلام، فلا تنعقد إمامة الكافر على المسلمين. 2 - البلوغ، فلا تصح إمامة الصغير. 3 - العقل، فلا تنعقد الإمامة لمجنون. 4 - الحرية؛ لأن العبد لا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له ولاية على غيره. 5 - العلم، فلا تصح ولاية جاهل بأحكام الله. 6 - العدالة، فلا تنعقد الولاية لفاسق. 7 - الذكورية، فلا تنعقد ولاية المرأة؛ لضعفها ونقصان دينها وعقلها. 8 - حصافة الرأي في القضايا المختلفة من حاجات الأمة. 9 - صلابة الصفات الشخصية كالجرأة، والشجاعة، والعدل، والغيرة على المحارم، والعزيمة على تنفيذ أحكام الله. 10 - الكفاية الجسدية، وهي سلامة البدن والأعضاء والحواس التي يؤثر فقدها على الرأي والعمل. 11 - عدم الحرص على الولاية، فلا يولَّى من سألها وحرص عليها. 12 - القرشية، فقريش أفضل قبائل العرب، والإمامة فيهم ما أقاموا الدين، ويُلحق بها مَنْ كلمته نافذة، ومتبوع من الكثرة الغالبة، ليكون مطاعاً مرضياً عنه، وتحصل به الوِحدة، وتزول الفرقة.

فإن تولى الإمامة أحد بطريق الغلبة، وخُشيت الفتنة، فتجب طاعته في غير معصية الله. - حكم تولية المرأة الحكم: كل أمر انعقد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولم يفعلوه، مع إمكانية فعله، فهو بدعة لا يجوز فعله، ولا إقراره، ولا العمل به. فمن رخَّص للمرأة أن تكون ملكة أو رئيسة أو أميرة على الرجال، أو وزيرة أو قاضية أو عضواً في مجلس الشورى، أو غيرها من الولايات العامة التي هي من خصائص الرجال، وتضطر فيها للاختلاط بالرجال، فقد خالف شرع الله، وأحدث في الدين ما ليس منه، وشرع ما لم يأذن به الله. وقد كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مجلس شورى، ولم يكن من بينهم امرأة واحدة، مع رجحان عقول كثير منهن، خاصة أمهات المؤمنين. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ أيَّامَ الجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً». أخرجه البخاري (¬1). - حكم طلب الإمارة: 1 - لا يجوز لأحد أن يسأل الإمارة، أو يحرص عليها، ومن سألها فإنه لا يُعطاها. 1 - عَنْ عَبدِالرَّحمنِ بنِ سَمرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ ِلي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7099).

عبدَالرّحمنِ ابنَ سَمرةَ، لا تسْأل الإِمارةَ، فإنْ أُعطيتَها عَن مسْألةٍ وُكلتَ إليهَا، وإنْ أُعطيتَها عَنْ غيِر مسْألةٍ أُعنتَ علَيها». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَا وَرَجُلانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «إِنَّا لا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَألَهُ، وَلا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ». متفق عليه (¬3). 2 - يجوز للقادر الأمين طلب الإمارة إذا لم يعرف أفضل منه، كما طلبها يوسف - صلى الله عليه وسلم - من ملك مصر. قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55]. - اجتناب الضعفاء الولايات: الولاية أمانة، والضعيف لن يقوم بحقها، فالأولى له اجتنابها؛ ليسلم من حسابها. عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَر إنّكَ ضَعِيفٌ، وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7147) , واللفظ له، ومسلم برقم (1652). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7148). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7149) , ومسلم برقم (1733) كتاب الإمارة.

يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». أخرجه مسلم (¬1). - وظيفة الخليفة: 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49]. - فضيلة الإمام العادل: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحجرات: 9]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1825). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031).

3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهًما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزّ وَجَلّ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». أخرجه مسلم (¬1). - عقوبة الإمام الجائر: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)} ... [الفرقان: 19]. 2 - وَعَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ المُزنِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬2). - خيار الأئمة وشرارهم: عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ، وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ». أخرجه مسلم (¬3). - بطانة الإمام وأهل مشورته: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1827). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150) , واللفظ له، ومسلم برقم (142). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1855).

وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى». أخرجه البخاري (¬1). - الحكم إذا بويع لخليفتين في بلد واحد: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا». أخرجه مسلم (¬2). - حكم غلول الحكام وغيرهم: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)} [آل عمران: 161]. 2 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أمْرَهُ، قَالَ: «لا ألفِيَنَّ أحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أبْلَغْتُكَ وَعَلَى، رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أبْلَغْتُكَ، أوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أغِثْنِي، فَأقُولُ: لا أمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أبْلَغْتُكَ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْروَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقال لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ فِي النَّارِ». فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7198). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1853). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3073) , واللفظ له، ومسلم برقم (1831). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3074) , واللفظ له، ومسلم برقم (2476).

- ما يفعله الخليفة إذا وجَّه أميرين إلى موضع: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا». متفق عليه (¬1). - حكم هدايا العمال: 1 - عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيّةِ، فَلَمّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَهَلاّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمّكَ حَتّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟» ثُمّ خَطَبَنَا فَحَمِدالله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «أَمّا بَعْدُ، فَإِنّي أَسْتَعْمِلُ الرّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمّا وَلاّنِي الله، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمّهِ حَتّى تَأْتِيهُ هَدِيّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، وَالله لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقّهِ إِلاّ لَقِيَ الله تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعِرُ»، ثُمّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «اللهم هَل بَلّغْتُ؟» بَصُرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَدِيّ بْنِ عَمِيرَةَ الكِنْدِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7172) , واللفظ له، ومسلم برقم (1733). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1500) , ومسلم برقم (1832)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (6833).

4 - طرق انعقاد الخلافة

4 - طرق انعقاد الخلافة - طرق ثبوت ولاية الإمام: تثبت ولاية إمام المسلمين بواحد مما يلي: 1 - أن يُختار بإجماع المسلمين، ويتم نصبه بمبايعة أهل الحل والعقد من العلماء والصالحين، ووجوه الناس وأعيانهم. 2 - أن تكون ولايته بنص الإمام الذي قبله. 3 - أن يحصل الأمر شورى في عدد معين محصور من الأتقياء، ثم يتفقون على أحدهم. 4 - أن يتولى على الناس قهراً بقوته حتى يذعنوا له، ويَدْعوه إماماً، فيلزم الرعية طاعته في غير معصية الله. - طرق تولية الخلفاء الراشدين: تولى الخلفاء الراشدون الخلافة بطريقتين: الأولى: الاختيار: والذي يقوم بالاختيار هم أهل الحل والعقد، وهذه الطريقة تمت بها تولية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وهذه هي الطريقة الأصل لاختيار الإمام في الإسلام. الثانية: الاستخلاف: فإذا أحس الخليفة بقرب أجله، وأراد أن يستخلف على الناس، شاور أهل الحل والعقد، فإذا وقع رأيه على من يصلح لهذا المنصب، عهد إليه

بالخلافة من بعده، سواء كان واحداً بعينه كما استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما بمشاورة كبار المهاجرين والأنصار، أو كان واحداً من مجموعة محصورة متكافئة كما عَهِد عمر إلى الستة المبشرين بالجنة أن يختاروا أحدهم، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. وقد اختاروا بعد المشاورة عثمان رضي الله عنه. 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَاباً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ فَقَالََ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). 3 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْتَدُوا باللَّذيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5666) , ومسلم برقم (2387)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17144) وأخرجه الترمذي برقم (2676)، وهذا لفظه. (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23245) وأخرجه الترمذي برقم (3662).

- فضائل الخلفاء الراشدين: 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَبَكَى، فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ المُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ، لاَ تُبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنُخَيِّرُ أبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عَنهُ. أخرجه البخاري (¬3). 4 - وَعَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ، فَقَالَ: أنَا أتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ فِي صَبَاحِهَا، قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، أوْ قالَ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3904) , ومسلم برقم (2382)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3469) واللفظ له, ومسلم برقم (3469). (¬3) أخرجه البخاري برقم (3655).

يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ». فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقالوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّايَةَ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3702)، واللفظ له, ومسلم برقم (2407).

5 - البيعة

5 - البيعة - البيعة: هي إعطاء العهد من المبايع للخليفة على السمع والطاعة في غير معصية الله. والخلافة تنعقد بأحد أمرين: الاختيار .. أو الاستخلاف لمن بعده. وكلٌّ منهما لا بد فيه من البيعة من قِبَل أهل الحل والعقد، ثم من قِبَل عموم المسلمين الذين يتيسر حضورهم. - صفة البيعة: أهم الأمور التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عليها خمسة: الأول: البيعة على الإسلام: وهي آكد أنواع البيعة وأوجبها وأعظمها. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} ... [الممتحنة: 12]. 2 - وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2157)، واللفظ له, ومسلم برقم (56).

الثاني: البيعة على النصرة والمَنَعة: كما بايع وفد الأنصار رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على أن يمنعوه وينصروه، وهي بيعة العقبة الثانية في منى. الثالث: البيعة على الجهاد: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} ... [التوبة: 111]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} ... [الفتح: 18 - 19]. الرابع: البيعة على الهجرة: وكانت فرض عين على من أسلم، ثم انتهت بعد فتح مكة، والمراد بالهجرة الهجرة من مكة إلى المدينة، وهذه قد انقطعت، أما الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فهي باقية إلى قيام الساعة. عَنْ مُجَاشِع بن مَسْعُودٍ السّلَمِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جِئْتُ بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الفَتْحِ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله بَايِعْهُ عَلَى الهِجْرَةِ، قَالَ: «قَدْ مَضَتِ الهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا» قُلتُ: فَبِأَيّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: «عَلَى الإِسْلاَمِ وَالجِهَادِ وَالخَيْرِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2962)، ومسلم برقم (1863)، واللفظ له.

الخامس: البيعة على السمع والطاعة: وهذه هي التي تعطى للأئمة عند تعيينهم خلفاء للمسلمين، وهي المقصودة في هذا الباب. 1 - عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق عليه (¬2). - أسباب البيعة: الأحوال التي تؤخذ فيها البيعة هي: 1 - موت الخليفة، فتؤخذ للخليفة من بعده. 2 - خلع الخليفة بسبب، فتبايع الأمة بعده إماماً يقوم بأمورها. 3 - بيعة الخليفة المعهود إليه بعد وفاة العاهد. 4 - أَخْذ الخليفة البيعة على الناس لمن يكون خليفة بعده. 5 - إذا خرجت ناحية من البلاد عن الطاعة، فيوجِّه إليهم من يأخذ له البيعة عليهم، لينقادوا لأمره. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7199) , ومسلم برقم (1709)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.

- أقسام البيعة: البيعة للخليفة قسمان: الأولى: بيعة الانعقاد: وهي التي يقوم بها أهل الحل والعقد، وبموجبها يكون الشخص المبايع له خليفة للمسلمين، ويكون له حق الطاعة والانقياد، كما فعل كبار الصحابة في سقيفة بني ساعدة، وبايعوا أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة. الثانية: البيعة العامة: وهي البيعة التي يؤديها من تيسر من المسلمين بعد بيعة الانعقاد، كما بايع الصحابة أبا بكر رضي الله عنه في المسجد بعد أن بايعه أهل الحل والعقد قبل في سقيفة بني ساعدة. ومثل بيعة أبي بكر بقية الخلفاء الراشدين، ثم مَنْ بعدهم من أئمة المسلمين. - شروط صحة البيعة: يشترط لصحة البيعة ما يلي: 1 - أن يكون المتولي لعقد البيعة أهل الحل والعقد. 2 - أن تحقق شروط الإمامة فيمن تؤخذ له البيعة. 3 - أن يقبل المبايع له البيعة، فلو امتنع لم تنعقد إمامته. 4 - أن تكون البيعة لواحد بعينه، فلا تنعقد البيعة لأكثر من واحد. 5 - أن تكون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بالعمل بموجبهما، وحمل الناس عليهما. 6 - حرية المبايعة، فيبايع كل إنسان باختياره، ولا يكرَه أحد.

هذه أهم شروط صحة البيعة، فإذا تمت فالبيعة صحيحة، وإن اختل منها شيء لم تنعقد البيعة. - من يأخذ البيعة: الذي يأخذ البيعة من المسلمين هو الخليفة بنفسه، والأقاليم البعيدة: له أن يأخذها منهم بنفسه، أو ينيب عنه من ولاته من يقوم بها. - صور البيعة: للبيعة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة صور منها: 1 - المصافحة والكلام، كما فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيعة الرضوان. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10]. 2 - الكلام بدون مصافحة، وهذه عادته - صلى الله عليه وسلم - في مبايعته النساء، لأنه لا يجوز للمسلم مس يد المرأة الأجنبية. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إِلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} قال عُرْوَةُ: قالتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ، قال لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ بَايَعْتُكِ». كَلامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ. متفق عليه (¬1). 3 - الكتابة، كما بايع النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2713)، واللفظ له, ومسلم برقم (1866).

- حكم من بايع الخليفة من أجل الدنيا: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَاهُ، إِنْ أعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، فَأخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». متفق عليه (¬1). - كيف يبايع الناس الإمام: 1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: «فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». متفق عليه (¬3). - حكم نكث البيعة: يجب الوفاء بالعهود والعقود، سواء كانت بين المسلمين، أو بين المسلمين والكفار، أو بين الأفراد. والبيعة بجميع أنواعها داخلة في هذه العقود والعهود. 1 - البيعة على الإسلام إذا نقضها المبايع يكون كافراً مرتداً عن الإسلام. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7212)، واللفظ له, ومسلم برقم (108). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم في الإمارة برقم (1709)، واللفظ له. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7204)، واللفظ له, ومسلم برقم (56).

والبيعة على الإسلام خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبايع - صلى الله عليه وسلم - جميع المسلمين على الإسلام، فإن منهم من أسلم ولم يره، وكثير منهم أسلم ولم يضع يده في يده - صلى الله عليه وسلم -. 2 - البيعة على الهجرة انقطعت بعد فتح مكة. 3 - نكث البيعة على النصرة أو الجهاد، أو السمع والطاعة، دون مبرر شرعي، فهذا مرتكب لكبيرة من الكبائر، وأشدها نكث البيعة على السمع والطاعة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10]. 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَليَصْبِرْ، فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيّةٌ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللهِ البَجَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053)، ومسلم برقم (1849)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1851).

6 - واجبات الخليفة

6 - واجبات الخليفة يجب على خليفة المسلمين ما يلي: 1 - إقامة الدين: ويتم ذلك بحفظه، والعمل به، والدعوة إليه، وتعليمه، ودفع الشبه عنه، وحمل الناس عليه، وتنفيذ أحكامه وحدوده، والجهاد في سبيل الله، والحكم بين الناس بما أنزل الله. 1 - قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} ... [ص: 26]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} ... [النساء: 58]. 2 - اختيار الأكفاء للمناصب والولايات: 1 - قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} ... [القصص: 26]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7198).

3 - تفقد أحوال الرعية، وتدبير أمورها: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ، وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ، وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ». متفق عليه (¬1). 4 - الرفق بالرعية، والنصح لهم، وعدم تتبع عوراتهم: 1 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ المُزنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ». متفق عليه (¬3). 3 - وَعَنْ مَعْقِل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ». أخرجه مسلم (¬4). 5 - أن يكون قدوة حسنة لرعيته: 1 - قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (55). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150)، ومسلم برقم (142)، واللفظ له. (¬4) أخرجه مسلم برقم (142).

2 - وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. 3 - وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]. 6 - محاسبة الولاة والعمال فيما وكَّلهم فيه: عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلا مِنَ الأَزْدِ، يُقال لَهُ ابْنُ اللتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أهْدِيَ لِي. قالَ: «فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ أوْ بَيْتِ أمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ». ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ». متفق عليه (¬1). 7 - استيفاء الحقوق المالية لبيت المال، وصرفها في مصارفها الشرعية: مثل الزكاة، والجزية، والخراج، والفيء، والغنائم ونحوها من الموارد كالبترول والمعادن ونحوها. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} [التوبة: 103]. 8 - الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: 1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2597)، واللفظ له, ومسلم برقم (1832).

2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]. 9 - رعاية مصالح الأمة الداخلية والخارجية. قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128]. 10 - مشاورة الإمام أهل الشورى: ليجمع الرأي السديد، ويطيِّب قلوب من يشاور، ويستفيد من طاقتهم لمصلحة الأمة. قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} ... [آل عمران: 159]. 11 - عدم موالاة الكفار: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} ... [المائدة: 51]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)} ... [المائدة: 57]. 3 - وقال الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} ... [النساء: 138 - 140].

7 - واجبات الأمة

7 - واجبات الأمة يجب للإمام على الرعية ما يلي: 1 - السمع والطاعة للإمام في غير معصية الله: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59]. 2 - وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه (¬1). 2 - عدم نزع طاعته، فلا يطاع في المعصية، ولا تُنزع طاعته في غيرها: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ جَيْشاً وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَاراً، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الآخرونَ: إنّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ، لِلّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَوْلاً حَسَناً، وَقَالَ: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ الله، إنّمَا الطّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». متفق عليه (¬2). 3 - المناصحة بتقديم النصح له، والدعاء له، ومن لا يستطيع الوصول إليه يُبلِّغ من يُوصِل إليه النصيحة من العلماء والوجهاء: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7144)، واللفظ له, ومسلم برقم (1839). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4340)، ومسلم برقم (1840)، واللفظ له.

1 - قال الله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)} ... [الأعراف: 68]. 2 - وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - نصرة الإمام ومؤازرته في الحق: قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2]. 5 - عدم الغش والخيانة لهم ولغيرهم: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} ... [الأنفال: 27]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». أخرجه مسلم (¬2). 3 - وَعَنْ زَيْد بن ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا: إِخْلاَصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ». أخرجه أحمد وابن حبان (¬3). 6 - لزوم الصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم: 1 - عَنْ أسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ قال: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلتَ فُلانًا؟ قال: «سَتَلقَوْنَ بَعْدِي أثرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (55). (¬2) أخرجه مسلم برقم (101). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (21590)، وابن حبان برقم (67).

تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَليَصْبِرْ، فَإنّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيّةٌ». متفق عليه (¬2). 7 - طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق: عَنْ سَلَمَة بن يَزِيد الجُعْفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلتُمْ». أخرجه مسلم (¬3). 8 - لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن وفي كل حال: 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشّرّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله إنّا كُنّا فِي جَاهِلِيّةٍ وَشَرِّ، فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَل بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ شَرّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الشّرّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنّونَ بِغَيْرِ سُنّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلتُ: هَل بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3792)، ومسلم برقم (1849)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053)، واللفظ له, ومسلم برقم (1849). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1846).

«نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلدَتِنَا، وَيَتَكَلّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا» قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَرَى إنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ» فَقُلتُ: فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنّي وَلَسْتُ مِنْهُ». أخرجه مسلم (¬2). 9 - الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا: عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، مَا صَلّوْا». أخرجه مسلم (¬3). 10 - عدم الخروج عليهم، وعدم كشف عوراتهم أمام الناس، بل يناصحهم سراً، ولا يجوز التشهير بهم على المنابر وفي الصحف ونحوها؛ لما في ذلك من الفتنة: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج: 10]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3606)، ومسلم برقم (1847)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1848). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1854).

2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم (¬1). 11 - البقاء في الحكم مدة صلاحيته للإمامة حتى ينتهي أجله، أو يفقد قدرته وطاقته، ليأمن المِلَق والنفاق: كما بقي رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مات، وبقي خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم إلى أن ماتوا. - عقوبة طاعة الخلفاء في المعصية: إذا أطاع الناس حكامهم فيما يبتدعون لهم من البدع، أو فيما يأمرونهم به من المعاصي، خوفاً على ذهاب دنياهم ومصالحهم، أخرج الله من قلوبهم الإيمان، وأسكنها الرعب، وأورثهم الفقر وشدة الأحوال. فإن تابوا ورجعوا إلى ربهم بدَّل الله أحوالهم أمناً وإيماناً، وطمأنينة وسعادة وغنى. 1 - قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)} [الطلاق: 8 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} ... [الأنعام: 54]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852).

الْكَافِرِينَ (32)} ... [آل عمران: 32]. - حكم هجر الإمام أهل المعاصي: الإمام مسؤول عن رعيته، وله تأديبهم بما يُصلحهم، وذلك يختلف باختلاف المعاصي والمعصية، وباختلاف الإيمان والعلم، والجهل والنسيان والإصرار. عَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قال: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قال: لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَذَكَرَ حَدِيثَهُ، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا. متفق عليه (¬1). - حكم ذي الوجهين: لا يجوز لأحد أن يثني على الحاكم في مجلسه، وإذا خرج سبه، فهذا نفاق، وشر الناس ذو الوجهين. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ أُنَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلطَانِنَا، فَنَقُولُ لَهُمْ خِلافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ، قال: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7225)، واللفظ له, ومسلم برقم (2796). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7179)، واللفظ له, ومسلم برقم (2526). (¬3) أخرجه البخاري برقم (7178).

8 - نظام الحكم في الإسلام

8 - نظام الحكم في الإسلام - أقسام الخلفاء في الحكم: ينقسم الخلفاء إلى ثلاثة أقسام: الأول: الإمام العادل المقسط: فهذا تجب طاعته، ويحرم الخروج عليه. الثاني: الحاكم الكافر والمرتد: فهذا يجب الخروج عليه، ومنابذته، وعزله؛ لأنه لا ولاية لكافر على المسلمين. الثالث: الإمام الفاسق، فهذا له حالتان: 1 - إن تعدى فسقه إلى غيره، ونَشَر الفساد في الأمة، ودعا إليه، فهذا يجب عزله، وتولية من هو أصلح للمؤمنين منه. 2 - إن اقتصر فسقه على نفسه، وغلب على الظن حصول الفتنة بالخروج عليه، فهذا لا يجوز الخروج عليه؛ دفعاً للفتنة وإيغار الصدور. - سياسة الإمام العادل: السياسة: هي سلوك كل ما يصلح به الخلق في الدين والدنيا. والسياسة إما داخلية ... وإما خارجية. فالداخلية: أن يَسُوس الإمام رعيته بالعدل، وعدم الجور، أما السياسة الخارجية: فهي معاملة غير المسلمين. وللإمام العادل مع غير المسلمين أربع مقامات: المعاهدون .. المستأمنون .. الذميون .. الحربيون. 1 - المعاهدون: الذين عُقد بيننا وبينهم عهد ألا يعتدوا علينا ولا نعتدي عليهم.

فهؤلاء إن استقاموا على العهد وجب علينا أن نستقيم لهم، وإن خانوا ونقضوا العهد انتقض عهدهم وصاروا حربيين، وإن لم ينقضوا العهد، ولكن صرنا لا نأمنهم، فهؤلاء نَنبذ إليهم عهدهم. 2 - المستأمنون: الذين طلبوا الأمان على أنفسهم مدة معينة. فهؤلاء لا يجوز لأحد الاعتداء عليهم. 3 - الذميون: وهم كل من التزم بدفع الجزية. وهؤلاء لا يجوز لأحد الاعتداء عليهم، وتوفَّى لهم حقوقهم. 4 - الحربيون: وهم الكفار المحاربون للمسلمين. وهؤلاء يجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله بأن يسلموا، أو يدفعوا الجزية. أما سياسة الخليفة الداخلية فيخْلُف رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في أربعة أمور: 1 - العلم، فيكون عالماً بشرع الله، فإن عجز اتخذ بطانة ذات علم بشرع الله، عالمة بأحوال العصر. 2 - العبادة، بأن يكون قدوة صالحة في عمله، وعبادته، وأخلاقه؛ ليكون أسوة لغيره. 3 - الدعوة، بأن يدعو إلى الله، ويكاتب ملوك الأرض ويدعوهم إلى الإسلام، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. 4 - السياسة، بأن يسوس الناس بالعدل.

- قواعد نظام الحكم في الإسلام: مبادئ نظام الحكم في الإسلام هي: 1 - الشورى: فيشاور الإمام بطانته وأهل مشورته في القضايا الدينية والدنيوية. 1 - قال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} ... [آل عمران: 159]. 2 - العدل بين الناس كلهم، مسلمهم وكافرهم: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. 3 - المساواة بين الناس في الحقوق: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأةٍ، فقال: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الحَدَّ عَلَى الوَضِيعِ وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». متفق عليه (¬1). 4 - حماية كرامة الإنسان: فلا يجوز إهدار كرامة أحد، ولا إباحة دمه إلا بحق، سواء كان مسلماً أم كافراً؛ لأن العقاب إصلاح وزجر، لا تنكيل وإهانة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6787)، واللفظ له, ومسلم برقم (6688).

1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]. 2 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في حجة الوداع: «إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا». متفق عليه (¬1). 5 - الحرية الإنسانية: فالحرية ملازمة للكرامة الإنسانية، فلا إكراه في الدين، وقد رغَّب الإسلام في حرية الفكر والقول السديد، وحرية الرأي والنقد الهادف. 1 - قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس: 101]. 6 - رقابة الأمة للحاكم، ورقابة الحاكم للولاة والرعية: فالخليفة يخضع لرقابة الأمة التي ولَّته، فإن قادهم بكتاب الله وسنة رسوله وجبت طاعته، وإن زاغ خُلع ووُلِّي غيره، والإمام راع، ومسؤول عن رعيته. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} ... [الأنفال: 27]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67)، واللفظ له, ومسلم برقم (1679).

- أقسام الولايات في الإسلام: تنقسم الولايات إلى أربعة أقسام: 1 - أهل الولايات العامة في الأعمال العامة، وهم الوزراء. 2 - أهل الولايات العامة في الأعمال الخاصة، وهم أمراء المناطق؛ لأن ولايتهم عامة، لكن تخص بلدهم فقط. 3 - أهل الولاية الخاصة في الأعمال العامة، كرئيس القضاة، أو رئيس جباة الصدقات ونحوهم. 4 - أهل الولاية الخاصة في الأعمال الخاصة كقاضي بلد، أو جابي صدقاته. - وظائف الولاة: تنقسم وظائف الولاة إلى قسمين: الوزارة .. وإمارة الأقاليم. 1 - الوزارة: وتنقسم إلى قسمين: 1 - وزارة تفويض: وهي من يفوِّض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه، وهي تشبه رئاسة الوزارة اليوم، وهي أعظم منصب بعد الخلافة؛ لما فيها من كبير الصلاحيات. 2 - وزارة التنفيذ: وهي أقل مرتبة من وزارة التفويض؛ لأن الوزير ينفذ رأي الإمام وتدبيره، وهو وسط بينه وبين الرعية والولاة. 2 - إماراة الأقاليم: وهو من يفوِّض إليه الإمام تدبير أمور بلدٍ ما في مملكته.

9 - حكم الخروج على الأئمة

9 - حكم الخروج على الأئمة - حكم الخروج على الإمام العادل: لا يجوز لفرد أو جماعة الخروج على الإمام العادل، ومن خرج عليه وجب قتاله وقمعه، ورد شره وبغيه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} ... [الحجرات: 9]. 2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَىَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أحْدَاثُ الأسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه (¬2). - حكم الخروج على الإمام الجائر: لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف، ما لم يصل بهم ظلمهم ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3611)، ومسلم برقم (1066)، واللفظ له.

وجورهم إلى الكفر البواح، وترك الصلاة، أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، إذا كان غالب الظن القدرة عليهم. ويجب على الأمة الصبر على ظلم الحكام والبغاة، وترك الخروج عليهم، إلى أن يستريح بَرّ، أو يُستراح من فاجر، وذلك خشية الفتنة، وإراقة الدماء، وتمزيق الشمل، فيناصَحُون ويوعظون، ويطاعون في غير معصية الله، ولا تنزع الطاعة لهم. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأى مِنْ أمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَليَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكَ السّمْعُ وَالطّاعَةُ، فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ». أخرجه مسلم (¬3). 4 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7143)، واللفظ له, ومسلم برقم (1849). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7144)، واللفظ له, ومسلم برقم (1839). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1836).

لاَئِمٍ. متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلتَ فُلاَناً؟ فَقَالَ: «إنّكُمْ سَتَلقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتّى تَلقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه (¬2). 6 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: يَا نَبِيّ الله أَرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمّ سَأَلَهُ فِي الثّانِيَةِ أَوْ فِي الثّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمّلتُمْ». أخرجه مسلم (¬3). 7 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ، وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ». أخرجه مسلم (¬4). 8 - عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهُ قَالَ: «إنّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِىءَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7199)، ومسلم برقم (1709)، واللفظ له - كتاب الإمارة. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3792)، ومسلم برقم (1845)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (1846). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1855).

مَا صَلّوْا». أخرجه مسلم (¬1). - أنواع الخروج على الأئمة: الخروج على الحاكم له أحوال متفاوتة: فقد يكون الخروج بعدم الإقرار بإمامة الخليفة، وقد يكون بالتحذير منه، ومن طاعته، ومساعدته، والدخول عليه، وقد يكون بمنابذته ومقاتلته بالسيف. وهذا الأخير هو المراد، سواء كان الخارجون على الإمام خوارج، أو بغاة، أو قطاع طريق، أو أهل عدل خرجوا على إمام جائر لم يرتكب ما يوجب الخروج عليه. فلا يجوز الخروج على الإمام المسلم، سواء كان عادلاً، أو فاسقاً، أو جائراً، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1854). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم في الإمارة برقم (1709)، واللفظ له.

10 - انتهاء ولاية الحاكم

10 - انتهاء ولاية الحاكم - انتهاء ولاية الحاكم: تنتهي ولاية الحاكم بأحد ثلاثة أمور هي: 1 - موت الخليفة؛ لأن مدة استخلافه مؤقتة بمدة حياته. 2 - خلع الخليفة نفسه، فلا يكرَه أحد على البقاء في منصبه، ويقوم خلعه لنفسه مقام موته. 3 - عزله لتغيُّر حاله، والذي يَخرج به عن الإمامة شيئان: جرح في عدالته، ونقص في بدنه. فجرح العدالة بالفسق، وهو ارتكاب المحرمات، والإقدام على المنكرات، والانقياد للشهوات المحرمة. وأما نقص البدن فهو نقص الحواس كزوال العقل، والإغماء والشلل ونحو ذلك مما يؤثر على الرأي أو العمل. - أسباب عزل الخليفة: يُعزل الإمام إذا اتصف بإحدى الصفات التالية: الكفر والردة عن الإسلام .. وترك الصلاة .. وترك الدعوة إليها .. ترك الحكم بما أنزل الله .. نقص الكفاءة بعجز عقلي أو جسدي له تأثير على الرأي والعمل كزوال العقل، والشلل والصمم والخرس ونحو ذلك.

- طريقة عزل الإمام العاجز أو المنحرف: لعزل الإمام عدة وسائل: الأولى: إما أن يعزل الإمام نفسه إذا أحس بعدم القدرة على القيام بأعباء الخلافة، وتصريف أمور الدولة. الثانية: أن يتقدم أهل الحل والعقد إلى الإمام الذي انحرف، وينذرونه مغبة انحرافه لعله يرجع. فإن أصر على انحرافه عزلوه بكل وسيلة ممكنة، بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر من المفسدة المرجو إزالتها. ولا يواجَه الإمام المنحرف بالسيف والقتال؛ لما يسببه ذلك من حصول الفتن، وسفك الدماء، واضطراب حبل الأمن.

الباب الحادي والعشرون كتاب الدعوة إلى الله

الباب الحادي والعشرون كتاب الدعوة إلى الله ويشتمل على ما يلي: 1 - كمال دين الإسلام. 2 - حكمة خلق الإنسان. 3 - حاجة البشرية إلى الإسلام. 4 - عموم دين الإسلام. 5 - أحكام الدعوة إلى الله. 6 - أحكام الدعاة إلى الله. 7 - أحكام المدعوين. 8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل.

1 - كمال دين الإسلام

1 - كمال دين الإسلام - السنن الكونية: الله جل جلاله خلق الكون بقدرته، وسيَّره بسنته، وستر قدرته بسنته. فخلق سبحانه هذا الكون العظيم، وجعل لكل مخلوق فيه سنة يسير عليها، وبها يتحقق مراد الله منه بالسمع والطاعة والمنفعة. فالشمس لها سنة .. والقمر له سنة .. والليل له سنة .. والنهار له سنة .. والنبات له سنة .. والحيوان له سنة .. والرياح لها سنة .. والمياه لها سنة .. والبحار لها سنة .. والجبال لها سنة .. والكواكب لها سنة .. والسحب لها سنة .. وهكذا كل مخلوق له سنة من ربه يسير عليها، ويعبد الله بها، ولا تتبدل إلا بأمر الله وحده. 1 - قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [يس: 36 - 40]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} ... [الحج: 18]. 3 - وقال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ

بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44]. 4 - وقال الله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)} [الفتح: 23]. - السنن الشرعية: خلق الله الإنسان بيده، وكرَّمه وفضَّله على كثير ممن خلق. والإنسان كذلك مخلوق من مخلوقات الله، وهو محتاج إلى سنة يسير عليها في جميع أحواله، ليسعد في الدنيا والآخرة. وهذه السنة هي الدين الذي أكرمه الله به، ورضيه له، ولا يقبل منه غيره. وجعل سبحانه سعادة الإنسان وشقاءه مرتبط بمدى تمسكه بهذا الدين أو إعراضه عنه، وجعله مختاراً في قبوله أو رده. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ... [الكهف: 29]. 3 - وقال الله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة: 38 - 39]. - فضل الله على البشرية: لما خلق الله الإنسان، سخر له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه، وأنزل عليه الكتب، وأرسل إليه الرسل، وزوده بآلات العلم والمعرفة

كالسمع والبصر والعقل، ليتشرف مختاراً بعبادة الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} [لقمان: 20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} ... [النحل: 78]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36]. - أعظم النعم: امتن الله عز وجل على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى. وأصول هذه النعم ثلاث هي: نعمة الإيجاد .. ونعمة الإمداد .. ونعمة الهداية. وأعظم هذه النعم وأجلها نعمة الإسلام الذي بعث الله به رسله على مر القرون، وختمهم ببعثة سيد المرسلين إلى الناس كافة. وكل رسول، وكل نبي، أرسله الله لبيان ثلاثة مقاصد: الأول: تعريف الناس بربهم وخالقهم ورازقهم ليعبدوه ويعظموه ويشكروه. الثاني: تعريف الناس بالطريق الموصل إلى ربهم وهو الدين. الثالث: تعريف الناس بما لهم بعد القدوم عليه، الجنة لمن آمن، والنار لمن كفر. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ

كَفَّارٌ (34)} ... [إبراهيم: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53]. - كمال دين الإسلام: الإسلام هو الدين الذي أرسل الله به رسله إلى خلقه. والدين الذي أرسل الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كلها هو الإسلام الكامل، الشامل؛ العام، الدائم، الصافي. فكماله؛ لأنه جمع بين الجلال والجمال، وجمعت أحكامه بين العدل والإحسان والتمام. وشموله؛ لأنه يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وعمومه؛ لأنه رحمة للعالمين، وللناس كافة. ودوامه؛ لأنه باقٍ إلى يوم القيامة. وصفاؤه؛ لأن الله تكفل بحفظه، فسلم من التغيير والتبديل، ومن الزيادة والنقصان. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فصلت: 30 - 32].

3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} ... [آل عمران: 164]. 4 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} ... [سبأ: 28]. 5 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107]. 6 - وقال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} ... [الحجر: 9]. - مظاهر الكمال في دين الإسلام: الإسلام دين كامل يغطي جميع جوانب الحياة، ويفي بجميع الحاجات: 1 - فهو الدين الحق الذي ينظم علاقة الإنسان مع ربه بعبادته وتوحيده، وتعظيمه، وطاعته، وشكره، والتوجه إليه في جميع أموره. 2 - وهو الدين الذي يملأ القلب بالإيمان بالله، والحب له، والتوكل عليه، والخوف منه، والرجاء له، والاستعانة به، والافتقار إليه، والذل له. 3 - وهو الدين الذي يفتح للعقل أبواب معرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة النفس البشرية، ومعرفة الدنيا والآخرة، ومعرفة أحكام الشريعة، والعمل بموجب ذلك. 4 - والإسلام ينظم علاقة الإنسان مع رسل الله، ويدعو الإنسان للاقتداء بهم. وينظم علاقة الإنسان بأفضل رسل الله وسيدهم وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيأمر الناس بمحبته، وطاعته، وتوقيره، واتباع سنته، وتصديق ما جاء به، والاقتداء به، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

5 - وينظم الإسلام علاقة الإنسان مع غيره من مسلم وكافر، وحاكم ومحكوم، وعالم وجاهل، وغني وفقير، وصديق وعدو، وقريب وبعيد، ويعطي على ذلك الأجر الجزيل. 6 - وينظم الإسلام معاملات الإنسان المالية بكسب الحلال، وتجنب الحرام، وعدم الغش والخداع. ويدعو إلى السماحة في البيع والشراء، والإنفاق في وجوه البر والإحسان، وتحري الصدق، وتجنب الكذب والربا، ويبين كيفية توزيع الصدقات، وقسمة المواريث ونحوها. 7 - وينظم الإسلام حياة الرجل والمرأة في حال السراء والضراء، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والحضر والسفر، والأمن والخوف. وينظم حياة الإنسان الزوجية بالعدل والإحسان، وحسن تربية الأولاد، وصيانة الأسرة من الفساد، وحسن معاشرة الزوج والزوجة، ويعطي على ذلك الثواب العظيم. 8 - وينظم الإسلام سائر العلاقات على جسور متينة من أحسن الأخلاق كالحب في الله، والبغض في الله، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، كالكرم والجود، والعفو والصفح، والحلم والحياء، والصدق والبر، والعدل والإحسان، والرحمة والشفقة، واللطف واللين ونحو ذلك، ويعطي على ذلك الأجر العظيم. 9 - وينظم الإسلام طريقة الحياة بالأمر بكل خير، والنهي عن كل شر وفساد وظلم وطغيان، كالشرك بالله، والقتل بغير حق، والزنا، والكذب والكبر، والنفاق والخداع، والمكر والكيد، والعداوة والحسد، والغيبة والنميمة،

والغصب والسرقة، والسحر والخمر، وأكل أموال الناس بالباطل ونحو ذلك من الفواحش والمحرمات والكبائر التي تفسد الفرد والمجتمع، ويعاقب على ذلك بما يرفع الظلم. 10 - وينظم الإسلام بعد ذلك كله حياة الإنسان في الآخرة، ويجعلها مبنية على حياته في الدنيا. فمن جاء بالإيمان والأعمال الصالحة سعد في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة. ويجازي الله العباد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها. 1 - قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} ... [المائدة: 15 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} ... [النساء: 13 - 14].

2 - حكمة خلق الإنسان

2 - حكمة خلق الإنسان - حكمة خلق الكائنات: خلق الله عز وجل هذا الكون العظيم ليدل به عباده على كمال علمه وقدرته وعظمته، وجعل كل شيء فيه يسبح بحمد ربه. وإذا عرف الإنسان ذلك، أقبل على عبادة ربه وحده لا شريك له، وحقق مراد الله منه بطاعته وطاعة رسله، وشارك المخلوقات الأخرى في كمال العبودية والطاعة. 1 - قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} ... [الطلاق: 12]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} ... [الذاريات: 56 - 58]. - المراحل والدُّور التي يمر بها الإنسان: خلق الله الإنسان وجعله يمر بمراحل وأزمنة وأمكنة وأحوال ثم ينتهي بالقرار والخلود إما في الجنة أو النار. والمراحل والدُّور التي يمر بها الإنسان أربع: الأولى: بطن الأم: وهي أول مرحلة يمر بها الإنسان، وأول دار يسكنها، وإقامته فيها تسعة أشهر، هيأ الله العليم القدير له في هذه الدار المظلمة كل ما يحتاجه من

الطعام والشراب، وما يناسبه من السكن والمأوى. وهو في هذه الدار غير مكلف بعمل؛ لعجزه وضعفه. والحكمة من وجوده في هذه الدار أمران: تكميل الأعضاء الداخلية .. وتكميل الأطراف الخارجية. ثم يخرج إلى الدنيا بعد اكتمال خلقه ظاهراً وباطناً. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 12 - 14]. الثانية: دار الدنيا: وهذه الدار أوسع من بطن الأم، وهي بالنسبة إليها كالذرة بالنسبة للجبل، والإقامة فيها أكثر مدة من بطن الأم. وقد هيأ الله للإنسان في هذه الدار كل ما يحتاجه من النعم، وزوده بالعقل والسمع والبصر، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمره بالإيمان به وطاعته، ونهاه عن الكفر والمعاصي، ووعد المؤمنين به الجنة، وتوعد الكفار بالنار. والحكمة من وجود الإنسان في هذه الدار أمران: تكميل الإيمان .. وتكميل الأعمال الصالحة. ثم يخرج الإنسان مع عمله من هذه الدار إلى الدار التي تليها. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ

نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} ... [لقمان: 20]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} ... [البقرة: 21 - 22]. الثالثة: دار البرزخ: دار البرزخ في القبر، والقبر أول منازل الآخرة. ويبقى الإنسان فيه حتى يكتمل موت الخلائق، وتقوم الساعة. وإقامة الإنسان فيه أكثر من إقامته في دار الدنيا، والأنس والبؤس فيه أوسع وأكمل من دار الدنيا، والجزاء فيه بحسب عمل الإنسان في الدنيا، فهو إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. يبدأ فيه الجزاء، ثم ينتقل منه إلى دار الخلود إما في الجنة أو النار. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32]. الرابعة: الدار الآخرة: وفي هذه الدار تكون الإقامة المطلقة، وهي دار القرار. فمن أكمل في الدنيا ما يحب الله من الإيمان والأعمال والأخلاق، أكمل الله

له يوم القيامة ما يحب من الخلود والنعيم، مما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر. ومن اشتغل بما يسخط الله من الكفر والشرك والمعاصي فجزاؤه جهنم خالداً فيها. والداران الأُوليان من عالم الشهادة، والأُخريان من عالم الغيب، وكلٌّ حق، وكلٌّ سيراه الإنسان ويعلمه. وكلما خرج المؤمن من دار زهد فيما كان عليه أولاً، حتى يستقر في الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} ... [التوبة: 72]. - كمال نعيم القلب: خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه على كثير من خلقه، وجعل لكل عضو من أعضائه كمالاً يسعد به. فجعل كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق .. وهكذا. وإذا عدمت هذه الأعضاء كمالها حصل لها الألم والنقص والقلق. وكذلك جعل الله كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وطمأنينته في معرفة

ربه، ومحبته، وعبادته، والأنس به، والتوكل عليه، والاستعانة به، وطاعته، والعمل بما يرضيه. وإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذاباً واضطراباً من العين التي فقدت النور، والأذن التي فقدت السمع. ومن جهل ربه وما يجب له، فهو في عذاب دائم؛ لأنه محروم مما يشتهي ويحب، فالقلب السليم يبصر الحق كما تبصر العين الشمس، ويتلذذ بالإيمان والعمل الصالح كما يلتذ الجسم بالطعام والشراب. وقد خلق الله الإنسان ليكون عبداً، وهو مخير: فإما أن يكون عبداً لله، أو يكون عبداً للشيطان. فالله يأمر بالإيمان والطاعات والخير، والشيطان يأمر بالكفر والمعاصي والشر. فمن وجد نفسه في الإيمان والطاعات فهو عبد لله. ومن وجد نفسه في الكفر والمعاصي فهو عبد للشيطان. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} ... [فاطر: 6].

- فقه العبادة والعبودية: العبادة جسد، والعبودية روح. والعبادة لها بداية ونهاية كالصلاة والصوم والحج ونحوها. والعبودية عمل قلبي لا ينفك عن العبد، شعور دائم أنك عبدٌ لله. وروح العبادة العبودية، وهي الافتقار الدائم لله. وروح الكفر الطغيان الاستغناء عن الله. والله يريد منا تكميل العبودية، وكمالها بأمرين: العبودية المطلقة .. والعبادة المشروعة. وتحصل الرغبة في طاعة الله بأربعة أشياء: اليقين على الله وأسمائه وصفاته .. واليقين على خزائنه .. واليقين على وعده .. واليقين على وعيده. فإذا جاء الشك في ذلك أو بعضه أحجمت النفس عن الطاعات، وأقبلت على المعاصي، وقعدت على موائد الشيطان. 1 - قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} ... [الأنعام: 102]. 2 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].

3 - حاجة البشرية إلى الإسلام

3 - حاجة البشرية إلى الإسلام - حاجة الخلق إلى الدين: حاجة الناس إلى الدين أعظم من حاجتهم للطعام والشراب، بل لا نسبة بينهما؛ لأنهم بدون الدين يخسرون الدنيا والآخرة، وبدون الطعام يخسرون الدنيا فقط. فالدين حياة، ونور، وهدى، وشفاء، وسعادة، وأمن، وفوز، وفلاح، ونجاة. والناس بدون الدين يكونون كالأنعام، والسباع، والشياطين. فالأنعام ترتع في شهواتها، ولا تبالي بغيرها. والسباع تفترس مَنْ دونها بلا رحمة. والشياطين ليس لها عمل إلا نشر الشر والفساد. ولرفع البشرية من هذه الدركات لا بد من الدعوة إلى الله، وبها يرتفع الناس إلى الأفق السامق الذي يحبه الله ويرضاه كما في حياة الأنبياء والرسل. 1 - قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام: 122]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} ... [محمد: 12]. 3 - وقال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ

حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه: 123 - 127]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} ... [فاطر: 6]. - فقه الدنيا والآخرة: جعل الله عز وجل لكل شيء زينة ومقصداً. فالنباتات لها زينة، وهي الأوراق والأزهار، ولكن المقصد الحبوب والثمار. والثياب لها زينة وهي الألوان، ولكن المقصد الوقاية وستر العورة. وكذلك الدنيا زينة، وكل ما عليها زينة لها، ولكن المقصود من الدنيا الإيمان، والعمل الصالح. فالدنيا زينة، والمقصد الآخرة، وكل من نسي المقصد تعلق بالزينة، واشتغل بالمخلوق عن الخالق. والأنبياء والرسل وأتباعهم يشتغلون في دنياهم بالمقاصد الكبرى، وهي الإيمان، والعمل الصالح، وأهل الدنيا يشتغلون بالزينات، واللهو، واللعب. والله سبحانه أمرنا أن نأخذ من الدنيا بقدر الحاجة، ونعمل للآخرة بقدر الطاقة، وكل ما أعان من الدنيا على الدين فهو عبادة. وإذا تعارضت في حياتنا الأشياء والزينات مع المقصد الأعظم، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وطاعة الله ورسوله، ونشر دينه وإبلاغه، قدَّمنا ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه النفس، وقدمنا حاجات الدين على حاجات الدنيا.

ومَنْ أكمل محبوبات الرب في الدنيا من الإيمان والعمل الصالح، أكمل الله محبوباته في الآخرة بكمال النعيم والخلود في الجنة مع رؤية الرب ورضوانه. 1 - قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص: 77]. 2 - وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 20 - 21]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف: 7]. - قيمة الدنيا بالنسبة للآخرة: الدنيا بالنسبة للآخرة كالذرة بالنسبة للجبل، وكالقطرة بالنسبة للبحر، والدنيا فانية، والآخرة باقية. وقد بين الله ورسوله قيمة الدنيا بالنسبة إلى الآخرة بياناً شافياً كافياً كما يلي: 1 - قيمة الدنيا الذاتية: قال الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} ... [العنكبوت: 64].

2 - قيمة الدنيا الزمنية: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة: 38]. 3 - قيمة الدنيا بالكيل: عَنِ المُسْتَوْرِد أَخَا بَنِي فِهْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟». أخرجه مسلم (¬1). 4 - قيمة الدنيا بالدراهم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ العَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ: «فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ». أخرجه مسلم (¬2). 5 - قيمة الدنيا بالمساحة: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2858). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2957). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3250) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881).

6 - قيمة الدنيا المتعية: قال الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء:77]. 7 - قيمة الدنيا التجارية: قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} ... [آل عمران: 196 - 197]. - عقوبة الإعراض عن الدين: من ترك ما ينفعه ابتلي بما يضره: فسنة الله جارية على أن كل من ترك ما ينفعه، ابتلي بما يضره، وحُرِم الأول. فالكفار والمشركون لما زهدوا في عبادة الرحمن ابتلوا بعبادة الأوثان. ولما استكبروا عن الانقياد للرسل ابتلوا بالانقياد لكل مارج العقل والدين. ولما تركوا اتباع الكتب المنزلة لهداية الناس ابتلوا باتباع أرذل الكتب وأخسها وأضرها للعقول. ولما تركوا إنفاق أموالهم في طاعة الرحمن ابتلوا بإنفاقها في طاعة النفس والشيطان. والأمم السابقة لما كذبوا الرسل، وأعرضوا عن الدين، واستغنوا عنه بغيره من الأسباب، دمرهم الله وأهلكهم. وكان يقين الأمم السابقة ثمانية أنواع: يقين قوم نوح على الكثرة .. وقوم عاد على القوة .. وقوم ثمود على الصناعة .. وقوم شعيب على التجارة .. وقوم سبأ على الزراعة .. وفرعون

على الملك .. وقوم عيسى على الطب .. وقارون على المال. فكلاً أخذه الله بذنبه. فأغرق الله قوم نوح وفرعون وقومه، وأهلك عاداً بالريح، وأخذ قوم ثمود بالرجفة والصيحة والصاعقة، وقَلَب الديار على قوم لوط، ورجمهم بالحجارة، وخسف بقارون الأرض، وأمطر قوم شعيب بنار من السماء. 1 - قال الله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} ... [العنكبوت: 40]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)} ... [الفرقان: 37]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)} [هود: 94]. 4 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} ... [هود: 102 - 103]. 5 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)} ... [هود: 96 - 99]. 6 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ

سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} ... [النساء: 115]. - سبيل الفوز والفلاح: جعل الله عز وجل سعادة الإنسان وشقاءه بحسب ما يصدر منه من الإيمان والأعمال الصالحة، أو ضدها من الكفر والأعمال السيئة. فمن آمن وعمل صالحاً سعد في الدنيا، ثم زادت سعادته عند الموت بملائكة تبشره بما يسره، ثم زادت سعادته إذا أدخل القبر، فيجده روضة من رياض الجنة، ثم تزداد سعادته عند البعث والحشر، ثم تزيد سعادته وتبلغ كمالها في الجنة. وهكذا إذا كفر الإنسان، وساءت أعماله، شقي في الدنيا، ثم ازداد هذا الشقاء عند الموت، ثم زاد في القبر حيث يجده حفرة من حفر النار، ثم زاد الشقاء والألم عند البعث والحشر، ثم زاد وبلغ كماله في النار. ومن تنوعت أعماله المرضية لله، المحبوبة له في الدنيا، تنوعت الأقسام التي يتلذذ بها في الجنة، وكثرت بحسب كثرة أعماله الصالحة. ومن تنوعت أعماله المسخوطة لله، المبغوضة له في هذه الدار، تنوعت الأقسام التي يتألم بها في النار، وكثرت بحسب كثرة أعماله السيئة. 1 - قال الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه: 123 - 127].

2 - وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)} ... [طه: 74 - 76].

4 - عموم دين الإسلام

4 - عموم دين الإسلام - الإسلام دين البشرية إلى يوم القيامة: الإسلام هو دين الله للأولين والآخرين، امتن الله به على خلقه أجمعين، وجعله رحمة للعالمين، وبعث به رسله أجمعين، وأكمله على يد سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّف أمته بالعمل به، والدعوة إليه إلى يوم الدين. 1 - فالله رب الناس، وليس لهم رب سواه، والله مَلِك الناس، وليس لهم مَلِك سواه، والله إله الناس، وليس لهم إله سواه. قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس: 1 - 6]. 2 - أنزل الله القرآن هدىً للناس. قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ... [البقرة: 185]. 3 - أرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - كافة للناس. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} ... [سبأ: 28]. 4 - جعل الله الكعبة أول بيت وضع للناس. قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}

[آل عمران: 96]. 5 - اصطفى الله هذه الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس. قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ... [آل عمران: 110]. 6 - الله رب العالمين، أرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين. 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2]. 2 - وقال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان:1]. 7 - شرَّف الله هذه الأمة بالدعوة إلى هذا الدين العظيم إلى يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} ... [يوسف: 108]. 2 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52]. 8 - أول نداء في القرآن موجه لكل الناس ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} [البقرة: 21]. 9 - هذه الأمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد لا يقبل الله غيره. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء: 92]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا

الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} ... [آل عمران: 19]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لا يَسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). 10 - سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ثم يعود غريباً كما بدأ. 1 - عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ... ». أخرجه مسلم (¬2). 2 - وَعَن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ الله بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ الله هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِْسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ». أخرجه أحمد والحاكم (¬3). 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (153). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2889). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17082) , وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (8326). (¬4) أخرجه مسلم برقم (146).

- بقاء الإسلام إلى يوم القيامة: الإسلام باق إلى يوم القيامة، فقد أنزل الله القرآن، وتكفل بحفظه، تقوم به في الحياة الدنيا الطائفة المنصورة، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} ... [الحجر: 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} ... [فصلت: 41 - 42]. 3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتّىَ يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النّاسِ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (71) , ومسلم في كتاب الإمارة برقم (174) (1037)، واللفظ له.

5 - أحكام الدعوة إلى الله

5 - أحكام الدعوة إلى الله - أهمية الدعوة إلى الله: حاجة الأمة للدين كحاجة الجسد إلى الروح، فكما أنه إذا خرجت الروح فسد الجسد، فكذلك الأمة إذا فقدت الدين فسدت دنياهم وأخراهم، وبقدر حجم الجسد ينتشر الفساد والنتن في العالم. والإنسان بلا دين كالعلبة الفارغة لا قيمة له. وإذا حُرِم الناس من الدين الحق صاروا كالحيوانات يرتعون في الشهوات، وكالسباع في الفساد، وكالشياطين في الشر والمكر والكيد. ولهذا احتفى الله بهذا الإنسان، وكرمه على غيره فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وزوده بآلات العلم وهي السمع والبصر والعقل، وجعله خليفة في الأرض. ورغَّب المسلم ليدعو غير المسلم ليكون مسلماً، ليكون الدين كله لله، وليعبد الناس كلهم ربهم وحده لا شريك له. ومن أجل أهمية الدعوة إلى الله فصَّلها الله في القرآن الكريم تفصيلاً وافياً كاملاً. ففصَّل سيرة الأنبياء في الدعوة إلى الله على مر القرون، وذَكَر قصص الأنبياء مع أقوامهم بالتفصيل، فذكر قصة نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، ولوط، وشعيب، ويوسف وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والدعوة أم الأعمال، ولأهيمة الدعوة لم يفصِّل الله عبادات الأنبياء، لا صلاة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ولا حج آدم - صلى الله عليه وسلم -، ولا صيام داود - صلى الله عليه وسلم -، لكنه أخبر بها إجمالاً. فالله سبحانه لم يبين كيفية عبادة نبي واحد في القرآن، ولكنه بيَّن في القرآن بالتفصيل دعوة الأنبياء إلى الله، وذكر سيرتهم وجهدهم في إبلاغ دين الله إلى الناس؛ وذلك لأن هذه الأمة مبعوثة بالدعوة إلى الله، وقدوتها الأنبياء والرسل، لتسير على هديهم في إبلاغ دين الله إلى الناس كافة إلى يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36]. - منزلة الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله يتحقق بها مقصود الله من خلقه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. فالدعوة أم الأعمال، وبها تحيا الفرائض والسنن والآداب، وبها يحيا الدين كله في العالم كله، فالدعوة إلى الله أعظم الوظائف، والعبادة أعظم الأعمال. ووظيفة الدعوة إلى الله كوظيفة الملك، وبقية الوظائف كوظيفة مَنْ دونه من العمال والخدم.

وكثير من الناس اشتغل بوظيفة الخدم، وترك وظيفة الأنبياء والمرسلين من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. - حكم الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بحسب علمه وقدرته، ليكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا. فهي مسؤولية الأمة جميعاً، وهي كذلك حاجة الأمة جميعاً؛ لأن الدعوة من أعظم أسباب الهداية، وزيادة الإيمان، وكثرة الأعمال. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} ... [يوسف: 108]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125]. 3 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104]. 4 - وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي حِجةِ الوَداعِ: « .. إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) , واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

5 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - تقرير وجوب الدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. فهذا النص عام مطلق في الزمان ليلاً ونهاراً .. ومطلق في المكان شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً .. ومطلق في الجنس العرب والعجم .. ومطلق في النوع الرجال والنساء .. ومطلق في السن الكبار والصغار .. ومطلق في اللون الأبيض والأسود .. ومطلق في الطبقات السادة والعبيد، والأغنياء والفقراء. 2 - قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52]. فالدعوة لهؤلاء الناس واجبة؛ لأن هذا الدين لكل الناس، والدعوة من هؤلاء إذا أسلموا واجبة؛ لأنهم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه. 3 - على كل أحد مسؤولية نشر الدين كلٌّ بحسبه، وأقل نصاب الدعوة حِفظ آية أو سنة، فمن حفظها لزمه إبلاغها. 4 - المسلمون قسمان: 1 - عالم يبين الحق بنفسه، ويدعو الناس إلى اتباعه، كما قال مؤمن آل فرعون: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَاقَوْمِ إِنَّمَا ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3461).

هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} [غافر: 38 - 39]. 2 - مسلم لكنه غير عالم، فهذا يدعو الناس إلى اتباع الرسل والعلماء، كما قال الله عزوجل عن صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)} [يس: 20 - 21]. فالكل يقوم بالدعوة إلى الله: العالم يبين الحق بنفسه، وغير العالم يرشد الناس إلى اتباع الرسل والعلماء الذين هم أعرف الخلق بالله. 5 - الدعوة واجبة على كل أحد كلٌّ بحسبه؛ لأنها أَمْر الله، كما أن الصلاة واجبة على كل أحد؛ لأنها أمر الله. وكانت العبادة والدعوة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة على كل الأمة، ثم صارت العبادة على الأمة، والدعوة على بعض أفراد الأمة، فضعفت العبادة، وبدأ الناس يخرجون من الدين، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها. فالعبادة والدعوة أمران واجبان على كل واحد من هذه الأمة بعينه: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125]. 6 - الدعوة إلى الله مسؤولية كل الأمة، وحاجة كل فرد من الأمة، فبها تحصل الهداية، ويزيد الإيمان، ويزيد المؤمنون.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت: 69]. 7 - أمر الله المسلمين جميعاً بالاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحواله في الدعوة والعبادة والأخلاق وغيرها. 1 - قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158]. 8 - الله سبحانه اجتبي هذه الأمة من بين الأمم، وتوَّجها بتاج الأنبياء، وهو الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} ... [آل عمران: 110]. 9 - هناك فاصل زمني بين الإيمان ونزول الأحكام، وليس هناك فاصل بين الإيمان والدعوة إلى الله؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء للدعوة إلى الله، وقد قام أوائل الصحابة رضي الله عنهم بالدعوة من أول يوم، وكان كل نبي يعلِّم أمته الإيمان ثم الأحكام، وأمر الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يعلِّم أمته الإيمان، ثم الدعوة، ثم الأحكام التي نزلت في المدينة؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء. 10 - الله عز وجل وكَّلنا بنشر الحق في العالم، كما وكَّل الشمس بالإنارة، ووكَّل

السحب بتوزيع الماء، ووكَّل الأرض بالإنبات. وهذه الثلاثة أدت الأمانة، فاستقامت الحياة الدنيا للخلق. ونحن إذا أدينا أمانة الدعوة إلى الله للبشرية استقامت دنياهم وأخراهم. فالنور للعالم كله، والماء للعالم كله، والنبات للعالم كله، والحق للعالم كله، والقرآن للعالم كله، والإسلام للعالم كله. قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52]. - فضائل الدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت: 69]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬1). 5 - وَعَنْ سَهْل بن سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2674).

يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». متفق عليه (¬1). - ثمار الدعوة إلى الله: يكرم الله عز وجل كل من يقوم بالدعوة إلى الله على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأجور العظيمة، والثمار الكبيرة، فبسبب الدعوة تحصل للداعي الهداية والاستقامة، وزيادة الإيمان، وزيادة العمل الصالح، وحسن العمل، وتنوع العمل، وكثرة العمل، وكمال اليقين، ويحصل للداعي من الأجر بقدر مَنْ دعاه من الناس، وله مثل أجر من اهتدى بسببه. ويكرم الله كل داع إلى الله بأمور، منها: أن الله يعزه وإن لم تكن عنده أسباب العزة كما أعز بلالاً وسلمان رضي الله عنهما. ويجعل الله أعمال الدين كلها محبوبة لديه، يقوم بها، ويدعو إليها. ويجعل الله له محبة في قلوب الخلق وهيبة وإجلالاً. ويطوي بساط الباطل من حوله، ويؤيده بنُصرة غيبية من عنده، ويستجيب دعاءه، ويرزقه الجنة في الآخرة. فالدعوة إلى الله جمعت المحاسن كلها، والأجور كلها، والفضائل كلها. ولأهمية الدعوة إلى الله قام الله بها، وشرَّف رسله بالقيام بها، وامتن على هذه الأمة حين كلفهم بها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4210) , ومسلم برقم (2406).

1 - قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} [يونس: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. - أصول الدعوة إلى الله: كما أن للعبادة أصولاً فكذلك للدعوة أصول أهمها: 1 - إخلاص العمل لله، والدعوة إلى الله على طريقة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - دعوة الناس جميعاً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مع حسن القول، وحسن العمل، وإنزال الناس منازلهم. 3 - دعوة الناس إلى الإسلام في كل مكان، في المدن والقرى والأسواق والبيوت وغيرها. 4 - القيام بالدعوة إلى الله في كل وقت من ليل أو نهار، فالعبادة كالصلاة والصيام لها أوقات، لكن الدعوة مشروعة في كل وقت، وفي كل مكان. 5 - القيام بالدعوة في جميع الأحوال، حال الأمن والخوف، وحال الشدة والرخاء، وحال الغنى والفقر .. وهكذا. 6 - عدم أخذ الأجر على الدعوة؛ لأن أجر الداعي على الله. 7 - نقوم بالدعوة بصفة الإحسان، ولا نسأل الناس أجراً، كالشمس طبعها النور والعموم وتنير للناس بلا أجر.

8 - يكون الداعي قدوة حسنة للناس في سيرته وسريرته وصورته. 9 - عرض الدين على الناس بالرفق واللين والرحمة والتواضع، مع الدعاء لهم بالهداية، وعدم احتقار أحد من الناس، ونتحمل منهم كل أذى في سبيل الله. ومن أعظم أصول الدعوة: دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان وعبادة الله وحده لا شريك له، ونفي تأثير المشاهدات، وتصديق الغيبيات، ونفي المخلوق، وإثبات الخالق، وتجاوز الخلق إلى الخالق، والصور إلى المصور. ونفي جميع الطرق، وإثبات طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأحوال. وتوجيه الناس من الدنيا إلى الآخرة .. ومن العادات إلى السنن النبوية .. ومن تكميل الأموال والشهوات إلى تكميل الأيمان والأعمال الصالحة .. ومن محبوبات النفس إلى محبوبات الرب .. ومن جهد غير الرسول إلى جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله بهذه الأصول تعرض للابتلاء والأذى، فعليه أن يصبر ويعفو ويستغفر، ويلين ولا يكون فظاً غليظاً؛ لئلا ينفِّر الناس. 1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125]. 2 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} ... [آل عمران: 159]. 3 - وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا

يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60]. - حكمة بعثة الأنبياء والرسل: بعث الله الأنبياء والرسل بثلاثة أشياء: بالدعوة إلى الله .. وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان ما للناس بعد القدوم عليه. فالأول بيان التوحيد والإيمان .. والثاني بيان أحكام الشرع. والثالث بيان اليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، والجنة والنار. 1 - الدعوة إلى الله تكون أولاً بتعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكمال عظمته وقدرته، وجميل إحسانه إلى خلقه. فنبين للناس أن الله هو العظيم وحده ليعظموه، وأنه الكبير وحده ليكبروه، وأنه القوي وحده ليخافوه، وأنه الكريم وحده ليحبوه، وأنه المعطي وحده ليسألوه، وأن خزائنه مملؤة ليقفوا ببابه وحده .. وهكذا. ونبين أنه سبحانه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، وهو المالك وما سواه مملوك، وهو الرازق وما سواه مرزوق، وهو الغني وما سواه فقير إليه .. وهكذا. ونبين أن الله وحده بيده كل شيء، وكل ما سواه ليس بيده شيء، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وهو على كل شيء قدير. ونبين للناس أن الله وحده هو المستحق للعبادة وحده دون سواه. وإذا عرف الناس كمال أسماء الله وصفاته، وكمال عظمته وقدرته، وسعة رحمته وعلمه، وعظمة آياته ومخلوقاته، وجزيل نعمه، آمنوا بالله وعظموه

وأحبوه وأقبلوا على طاعته وعبادته. ثم نبين بقية أركان الإيمان كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل ليقوى التصديق بالغيب. فهذه أول المراتب وأعظمها وأحسنها، وأعلاها. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر: 22 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. 2 - ثم يلي الدعوة إلى الله الدعوة لبيان اليوم الآخر وما فيه من البعث والحشر، والصراط والميزان، والجنة والنار؛ ليرغَب الناس في الإيمان والطاعات، ويتركوا الكفر والمعاصي، ويتنافسوا في الأعمال الصالحة. 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ

أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} ... [التوبة: 72]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} ... [التوبة: 68]. 3 - ثم يلي ذلك الدعوة لبيان أحكام الدين وشرائعه، ببيان الحلال والحرام، والواجبات والسنن، والعبادات والمعاملات، والحقوق والحدود. وهذا كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة. ففي مكة كانت الدعوة إلى الله وإلى اليوم الآخر، ومكارم الأخلاق، وبيان أحوال الرسل مع أممهم. وفي المدينة أكمل الله الدين بالأحكام الشرعية، فتقبَّلها من آمن بالله واليوم الآخر، وشَرِق بها الكافر والمنافق، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً، وكمل الدين. 1 - قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:1 - 3]. - كيفية الدعوة إلى الله: يَعْرض الداعي نفسه على الناس وما يحمله من الحق بما يلي: الهدوء والتدرج .. والتيسير والتبشير .. والرفق واللين .. والمحبة والرحمة .. والبساطة والإلفة .. والدعوة والدعاء .. وطلب رضا الله .. والعزة والتواضع ..

والصبر والحلم .. وحسن الظن، لأن سوء الظن يولِّد تسعة أضرار كلها شرور، وهي التجسس، ثم التحسس، ثم الغيبة، ثم النميمة، ثم الشحناء، ثم البغضاء، ثم التقاطع، ثم التدابر. ونؤلف قلوب الناس بالثناء عليهم، وذكر محاسنهم، وإنزالهم منازلهم، ونحترمهم ونوقرهم، ونكرمهم ونهدي إليهم ما يحبون مما أحل الله. وبذلك يحبوننا، ويسمعون كلامنا، ويتأثرون بحسن أخلاقنا، ويرغبون في ديننا، ويدخلون في رحمة الله. ثم نبين لهم عظمة الله، وعظمة أسمائه وصفاته ليعظموه. ثم نبين كثرة نعمه، وجميل إحسانه إلى عباده، خاصة بهذا الدين؛ ليشكروه ويطيعوه ليزيدهم من فضله. ثم نطلب منهم توحيد الله بالعبادة والخَلْق والأسماء والصفات، وتوحيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع، فلا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع بحق إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم نبين حاجة الناس إلى ربهم، وحاجتهم للدين، ليسعدوا في الدنيا والآخرة. ثم نبين فضائل الإيمان، وفضائل الأخلاق، وفضائل الأعمال الصالحة. ثم نبين لهم ما أعد الله للمؤمنين من الجنة وما فيها من النعيم المقيم، وما أعد الله للكفار من النار وما فيها من العذاب. وإذا عرف الناس ذلك جاءت عندهم الرغبة في الدين، والعمل بالدين، والدعوة إلى الدين، وهان عليهم الصبر على ذلك.

ونبذل كل ما نملك من أجل نشر الدين، وإعلاء كلمة الله، فنضحي من أجل نشر الحق بأنفسنا، وأموالنا، وأوقاتنا، وأهلنا، وديارنا، وشهواتنا، وبكل ما نملك كما فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى أظهر الله دينه، وبذلك نحصل على رضوان الله، والسعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} ... [التوبة: 100]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)} [التوبة: 88 - 89]. 3 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159]. 4 - وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} ... [الأنعام: 102]. 5 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21]. - وقت الدعوة إلى الله: الإسلام دين كامل جاء بتنظيم الأفكار والأعمال والأوقات. فكل عبادة لها وقت ومناسبة، ولها بداية ونهاية كالصلاة والصيام والحج ونحوها.

أما الدعوة إلى الله ففي كل وقت، وفي كل حال، وفي كل مكان. فعلى المسلم أن يقضي وقته على الكيفية التي قضاها رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليكون من أتباعه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم. فيؤدي فرائض الله، ويمتثل أمر ربه في كل حال، ويصرف جزءاً يسيراً من وقته في أمور الكسب والمعاش، ويصرف جلّ وقته في الدعوة على الله، كي يعبد الناس ربهم وحده لا شريك له. فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يدعوه تزوَّد من العلم، أو علَّم غيره من المسلمين أحكام الدين، ليتعلم ويرفع الجهل عنه وعن غيره. فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يعلِّمه أو يتعلم منه، اشتغل بخدمة إخوانه المسلمين، وقضاء حاجاتهم، والإحسان إلى الخلق، والتعاون على البر والتقوى. فإذا فرغ أو لم يتيسر له أن يقوم بذلك اشتغل بنوافل العبادات كالسنن المطلقة والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها من القُرَب والأعمال الصالحة. ويُقدِّم في كل حال ما نفعه أعم للمسلمين وغيرهم في كل حال. فالمسلم دائم العمل في إصلاح نفسه وإصلاح غيره. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} ... [النساء: 103]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79].

4 - وقال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص: 77]. 5 - وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3]. - عقوبة ترك الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله أعظم الوظائف، وفي تركها أعظم العقوبات. 1 - عقوبات ترك الدعوة كثيرة، ومنها: 1 - الاستبدال: قال الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} ... [محمد: 38]. 2 - اللعن والحرمان من رحمة الله: قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} ... [المائدة: 78 - 79]. 3 - العداوة والبغضاء: قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [للمائدة: 14].

4 - التدمير والهلاك: قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} ... [الأنعام: 44 - 45]. 5 - الفرقة والخلاف والعذاب في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 104 - 105]. 2 - وإذا تركت الأمة الدعوة إلى الله أصابها ثلاث آفات: الأولى: العناية بالدنيا، وإهمال الآخرة. الثانية: صرف الأموال والأوقات والأفكار في غير مصلحة الدين. الثالثة: الاقتداء بالكفار في طريقة الحياة، والتعلم لديهم، لنقل طريقة حياتهم إلى بلاد المسلمين. 3 - إذا قامت الدعوة إلى الله فُتحت أبواب الخير كلها، فيدخل الإيمان والأعمال الصالحة في حياة الناس، وتدخل الأخلاق الحسنة من الصبر والعفو والإحسان والرحمة في حياتهم، ويدخل الكفار في الدين، ويدخل العصاة في الطاعات. وإذا لم نقم بالدعوة إلى الله فُتحت أبواب الشر كلها، ودخل كل شر، وخرج كل خير. وإذا خرج الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، دخل مكانها الكفر

والعمل الفاسد، والأخلاق السيئة، ثم في النهاية يخرج الناس من دين الله أفواجاً، كما دخلوه أفواجاً، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} ... [الأعراف: 96]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 100 - 101]. 3 - وقال الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123]. - نواقض الدعوة: كما أن للإسلام نواقض، فكذلك للدعوة نواقض منها: الرياء وعدم الإخلاص .. وأكل الدنيا بالدين .. وبيع كلام الله ورسوله بالأجرة .. والدعوة إلى النفس وحب الشهرة .. والدعوة إلى حمية الجاهلية والعصبية كمن يدعو إلى حزب أو طائفة أو جماعة ولا يقبل الدعوة من غيره، والله أمرنا أن ندعو إليه، ولا ندعو إلى غيره. وكل من ترك أصول الدعوة، ودعا على هواه، ابتلي بآفات كثيرة منها: تزكية النفس .. والعجب والكبر .. والحرص على الجاه والمنصب .. واحتقار الآخرين .. والنظر في عيوب الدعاة إلى الله .. والإنفاق على شهواته، وترك الإنفاق على الدين .. وثقلت عليه الفرائض والأعمال الصالحة .. وتوسع في المباحات .. وهانت عليه إضاعة الأوقات في الجدل والشهوات.

1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام: 44 - 45]. - مراتب الدعوة إلى الله: جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق. والناس ثلاثة أقسام: الأول: من إذا عُرض عليه الحق اعترف به واتبعه. فهذا يدعى بالحكمة بحسن بيان الحق، ومقاصد الشرع، وسماحة الإسلام. الثاني: من إذا سمع الحق اعترف به، لكنه لا يسرع لقبوله والعمل به. فهذا يحتاج مع البيان إلى الموعظة الحسنة، بالتذكير بفضل الله على عباده، والترغيب في الجنة، والتحذير من النار، ليعلم ثواب الطاعات فيُقبل عليها، ويعلم عقوبة المعاصي فيحذر منها، وينشرح صدره للعمل الصالح. الثالث: من إذا عُرض عليه الحق لا يعترف به، ولا يقبله، بل يرده بالشبهات. فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، وتُضرب له الأمثلة الحسية والعقلية حتى يقتنع، وتزول شبهته. وقد بين الله ذلك كله بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].

- مراحل الدعوة إلى الله: مرت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام بثلاث مراحل: الأولى: مرحلة النشر والبلاغ: وفي هذه المرحلة دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد والإيمان، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأوثان، وبيان قصص الأنبياء مع أممهم، وذكر أحوال اليوم الآخر، وصفة الجنة والنار، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال. وقد بدأت هذه المرحلة في مكة، واستمرت إلى أن توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، ثم سار عليها أصحابه رضي الله عنهم من بعده. الثانية: مرحلة البناء والتكوين: وفي هذه المرحلة اعتنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن أسلم من الصحابة، ورباهم في دار الأرقم بمكة، وزكاهم بالإيمان ومكارم الأخلاق، حتى جاء عندهم الاستعداد للعمل بالدين، والدعوة إليه، فلما كمل استعدادهم، أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة. الثالثة: مرحلة الاستخلاف والتمكين: وهذه كانت حين هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، وفي المدينة نزلت الأحكام الشرعية كلها، حين كمل إيمان الصحابة، واستعدوا لامتثال جميع أوامر الله في جميع الأحوال. فلما جاء فيهم الإيمان والتقوى والعمل الصالح مكَّن الله لهم في الأرض، وقامت الخلافة الإسلامية في المدينة، وانتشر الدين، وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعوثه

وأمراءه في أنحاء الأرض يدعون إلى الله، ويحكمون بالإسلام، ثم توفاه الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)} ... [الأحزاب: 45 - 48]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100]. 3 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].

6 - أحكام الدعاة إلى الله

6 - أحكام الدعاة إلى الله - أقسام الناس: الناس في العمل قسمان: فمنهم من اجتهد على الدنيا ثم راح وتركها وهم الكفار. ومنهم من اجتهد على الآخرة ثم مات فوجدها وهم المؤمنون. والمؤمنون الذين اجتهدوا على الآخرة قسمان: الأول: من اشتغل بالعبادة فقط، فهذا ينقطع عمله بعد موته، وتغلق صحائف عمله. الثاني: من اشتغل بالعبادة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعلُّم وتعليم شرع الله، والإحسان إلى الخلق. فهذا بأرفع المنازل وأعلاها، وعمله مستمر، وصحائفه مفتوحة تُملأ بالأجور والحسنات كل يوم. 1 - قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} ... [التوبة: 19 - 22]. 2 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -

فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم (¬2). - وظيفة الأمة: الدعوة إلى الله وظيفة كل الأمة، فهي واجبة على جميع المسلمين، لدعوة غير المسلمين إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله هي التي تحل العقدة الكبرى، عقدة الكفر والشرك في البشرية، وإذا انحلت هذه العقدة انحلت العقد كلها. أما الفتاوى في مسائل الأحكام، فهذا خاص بأهل العلم، فمن علم الحكم أفتى به، ومن جهله دل المستفتي على العلماء الذين اختصهم الله بمزيد من العلم والفقه، والفهم والحفظ، والدال على الخير كفاعله. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتدافعون الفتوى فيما بينهم، والمفتون فيهم قلة كعلي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم. فالفتوى ليست مباحة لكل أحد، لئلا يقول الناس على الله غيرالحق، فالعلماء والفقهاء هم أهل الفتوى كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} ... [النحل: 43]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1893). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2674).

أما الدعوة فكلٌّ يدعو إلى الله بحسب ما عنده من العلم وما يعرفه من القرآن، وأقله آية. فالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أعمال واجبة على الأمة كلها. وقد قام بها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول يوم، قبل نزول أحكام الصلاة والزكاة وغيرها. وقد اجتبى الله هذه الأمة كما اجتبى الأنبياء للدعوة إلى الله، وشرفها وكلفها بالدعوة إلى الله إلى يوم القيامة. 1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} ... [آل عمران: 104]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71]. 3 - وقال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} ... [آل عمران: 110]. - واجب المسلم والمسلمة: على كل مسلم ومسلمة واجبان: الواجب الأول: العمل بالدين، بعبادة الله وحده لا شريك له، وطاعة الله ورسوله،

وفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه. 1 - قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} ... [الأنفال: 20]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} ... [الحشر: 7]. الواجب الثاني: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. 1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (¬2). - أحوال الداعي إلى الله: الداعي إذا قام بالدعوة إلى الله جاءت عليه حالتان: الأولى: حالة إقبال الناس عليه، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين استقبله أهل المدينة، وفرحوا بقدومه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3461). (¬2) أخرجه مسلم برقم (49).

الثانية: حالة إدبار الناس عنه، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين رده زعماء أهل الطائف، وأغْرَوا به السفهاء والصبيان حتى ضربوه بالحجارة. فالله عز وجل لا يُسْلِم أولياءه لأعدائه، ولكنه حكيم عليم يربي الداعي أحياناً، ويربي به أحياناً. وحالة الإقبال على الداعي أشد وأخطر، فقد يدخله الغرور، وتُعْرَض عليه المناصب، فيكون عرضة للفتنة بالدنيا. وتلك محاولة الشيطان لسرقة الداعي من الدين، وشغله عن الدين بالدنيا والأموال والأشياء والمناصب. أما حالة الإدبار والإعراض عنه فهي أحسن وأقوى تربية له. إذ بها يزداد توجه الداعي إلى الله، والإقبال عليه، والقرب منه، فتأتي بسبب ذلك نصرة الله عز وجل، كما حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما طرده أهل الطائف دعا الله فأيده بجبريل وملك الجبال، ثم يسر له دخول مكة عزيزاً، ثم أكرمه بالإسراء والمعراج، ثم يسر له الهجرة إلى المدينة، ثم ظهور الإسلام والتمكين في الأرض. 1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 2 - 3]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلاّ

بِقَرْنِ الثّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنّ الله عَزّ وَجَلّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلّمَ عَلَيّ. ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ! إنّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُد الله وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». متفق عليه (¬1). - عدة الداعي إلى الله: أساس الدين أمران: كمال اليقين على الحق .. وكمال الرحمة للخلق. فقوة اليقين على الحق سبحانه تمنع عن الداعي شر المخلوقات. وقوة رحمته للخلق تمنعه أن يضر المخلوقات. فَنَسْلم من شر الناس كلهم بقوة اليقين، ويَسْلم أهل الشر من الداعي بقوة الرحمة لهم، وبذلك تحصل الهداية والخير، وتجتمع القلوب على الدين. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 3]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231) , ومسلم برقم (1795)، واللفظ له.

3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107]. 4 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ. قال جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ». ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬1). فقوة يقين الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ربه منعت الأعرابي أن ينال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر، وقوة الرحمة للأعرابي من رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَلِمَ بسببها من القتل، وكانت سبباً لهدايته وهداية قومه. - نية الداعي إلى الله: هذا الدين رحمة للعالمين، وأجر كل داع إليه بحسب سعة نيته، وقد قام - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله وعبادة الله، مبتدئاً بنفسه، ثم أهله، ثم عشيرته الأقربين، ثم قومه، ثم أهل مكة وما حولها، ثم العرب قاطبة، ثم الناس كافة، مبيناً أنه رسول الله إلى الناس كافة، وأنه رحمة للعالمين، فدخل الناس في دين الله أفواجاً. ونية الداعي لها ثمان درجات: 1 - أن يبدأ بنفسه. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4135) , واللفظ له، ومسلم برقم (843).

عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} ... [التحريم: 6]. 2 - ثم يدعو أهله. قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه:132]. 3 - ثم يدعو عشيرته الأقربين. قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} ... [الشعراء: 214]. 4 - ثم يدعو قومه إلى الله. قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} [السجدة: 3]. 5 - ثم يدعو أهل بلده وما حولها. قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} ... [الشورى: 7]. 6 - ثم يدعو العرب قاطبة. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} ... [الجمعة: 2]. 7 - ثم يدعو الناس كافة. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} ... [سبأ: 28]. 8 - ثم يدعو العالم كله من الناس، والجن إن حضروا لديه.

1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} [الجن: 1 - 2]. - مسؤولية الداعي إلى الله: أمر الله عز وجل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأربعة أشياء: أن يتعلم الوحي .. وأن يعمل به .. وأن يعلِّمه الناس .. وأن يقيم الناس عليه. وهذه المسؤوليات انتقلت إلينا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -. فالدين خطوتان، خطوة للعبادة، وخطوة للدعوة، وحركة في إصلاح النفس، وحركة في إصلاح الغير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والواجب على المسلم أن يتعلم شيئين: جهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الدعوة .. وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي الدين الكامل. وإذا كانت الدعوة موجودة في الأمة، وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست موجودة، فلا يكون في الدعوة فلاح ولا نجاة، ولا تنزل هداية ولا نصر، ولا يحصل تمكين ولا استخلاف، ولا تتحقق عزة ولا أمن. وقد اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه حتى جاء فيهم أمران: إقامة الدين في حياتهم .. وإقامة الدين في حياة الناس. فكل مسلم مسؤول سوف يحاسبه الله على العمل الانفرادي، وهو العبادة، وعلى العمل الاجتماعي وهو الدعوة إلى الله، وسوف يسأل الله كلاً من الداعي والمدعو يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا. 1 - قال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)

فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} ... [الأعراف: 6 - 9]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3]. - جهد الداعي إلى الله: ينقسم جهد الداعي إلى الله إلى قسمين: الأول: جهد على النفس: ويكون بحمل النفس على طاعة الله، والاستقامة على العبادة، والطاعة حتى الممات. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت: 69]. الثاني: جهد على الغير، وهو ثلاثة أنواع: 1 - جهد على الكافر لعله يهتدي كما قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)} ... [السجدة: 3]. 2 - جهد على العاصي ليكون مطيعاً، وعلى الجاهل ليكون عالماً، وعلى الغافل ليكون ذاكراً، كما قال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]. 3 - جهد على الصالح ليكون مصلحاً، وعلى العالم ليكون معلِّماً، وعلى الذاكر

ليكون مذكِّراً. 1 - قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)} ... [الغاشية: 21]. - أسباب الهداية: دخل الناس في الإسلام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - متأثرين بأسباب كثيرة أهمها: 1 - حسن الأخلاق: قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ... [القلم: 4]. 2 - الدعوة باللسان: كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وخديجة وعلياً وغيرهم رضي الله عنهم فأسلموا. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 3 - التعليم: كما أسلم بعض الصحابة في دار الأرقم بمكة، وكما أسلم أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ في حلقة التعليم التي أقامها مصعب بن عمير في المدينة. 4 - العبادة: كما أسلمت هند بنت عتبة لما رأت المسلمين يصلون عام الفتح في المسجد الحرام. وكما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه في المسجد النبوي متأثراً بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبادته. 5 - البذل والعطاء: كما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح صفوان بن أمية، ومعاوية بن

أبي سفيان من الغنائم فأسلموا. وكما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً غنماً بين جبلين فأسلم، وبإسلامه أسلم قومه. وغير ذلك من الأسباب التي جعلها الله أسباباً للهداية. - أفضل الدعاة إلى الله: القائمون بالدعوة ثلاثة أقسام: الأول: مِن الناس مَنْ يقوم بالدعوة لأنه تأثر بأخلاق الدعاة إلى الله، وإذا حصل له مشكلة مع أحد الدعاة ترك الدعوة، وعادى الدعاة إلى الله. فهذا صرفه الله لنقص مقصده. الثاني: من يقوم بالدعوة لأنه وجد فيها حل مشاكله، وتحقيق رغباته، ولما حسنت أحواله، وزادت دنياه، انشغل بذلك عن الدعوة إلى الله. فهذا صرفه الله؛ لأنه دخل في الدعوة بمقصد ناقص. الثالث: من يقوم بالدعوة لأن فيها حسنات وأجوراً، فهو يريد تحصيل الأجور، فمقصده لنفسه فقط. فهذا إذا وجد الحسنات في غير الدعوة أسهل وأيسر ترك الدعوة إلى الله. الرابع: من يقوم بالدعوة إلى الله لأنها أَمْر الله الذي أوجبه على كل مسلم. فهو يقوم بالعبادة لأنها أمر الله، ويقوم بالدعوة لأنها أمر الله. فهذا مقصده كامل، وبسبب فهمه وكمال نيته يثبته الله ويعينه، ويفرِّغه لهداية البشرية، وتنفيذ أوامر الله، والدعوة إلى الله. فهذا بأشرف المنازل وأعلاها، وهو خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم الذين هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21]. - مراحل دعوة الأنبياء والرسل: يمر كل داع إلى الله بأربع مراحل هي: 1 - فترة الدعوة: وفي هذه المرحلة يقوم الداعي بالدعوة إلى الله بين الناس، ويضحي في سبيل ذلك بنفسه، وماله، ووقته، وشهواته، وأهله، وبلده. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ... [العنكبوت: 69]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)} ... [التوبة: 88 - 89]. 2 - فترة التربية: وفي هذه الفترة يبتلي الله الداعي، ويربيه بما يصلحه، ليمتحن صبره وصدقه، وينشأ عنده الاستعداد لتحمل الشدائد، ورحمة الخلق، والتسليم الكامل للحق، فيبتلى بالخير والشر، والغنى والفقر، والأمن والخوف. 1 - قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} ... [العنكبوت: 2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء:

35]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]. 3 - فترة ظهور النصرة: فإذا صبر الداعي على الابتلاء، وقام بالدعوة مع شدة الأحوال، وقلة المعين، وكثرة المعادين، كان الله معه يؤيده وينصره، ويستجيب دعاءه، ويدافع عنه، ويحفظه، ويخذل أعداءه. 1 - قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 40]. 2 - وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف: 110]. 4 - فترة العزة والتمكين: فإذا قام الداعي بالدعوة إلى الله، وقام بعبادة الله، وتحمَّل كل شيء من أجل الله، وبذل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الله. فهذا إما من الأنبياء والرسل، أو من ورثة الأنبياء والرسل، يمكِّن الله له في الأرض، ويعزه في الدنيا، ويدخله الجنة في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا

عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج: 40 - 41]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} ... [التوبة: 100]. - سيرة الأنبياء وأتباعهم في الدعوة إلى الله: 1 - أعمال الأنبياء، وأخلاق الأنبياء، تؤخذ من سِيَرهم. فالأنبياء قطعوا المسافات في سبيل الدعوة إلى الله .. واغبرت أقدامهم في سبيل الله .. وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله .. وعرق جبينهم لإحياء أوامر الله .. وتشققت أقدامهم من أجل نصر دين الله. لقد ابتُلوا في سبيل إيصال الحق إلى الناس .. وأُوذوا وهاجروا .. وأُخرجوا .. وقاتلوا وقُتلوا .. وزُلزلوا وطُردوا .. وشُتموا وعُيِّروا .. وكُذِّبوا واتُّهِموا .. وضُربوا .. فرحموا وصبروا حتى نصرهم الله، وأهلك أعداءهم. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} ... [الأنعام: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف: 110].

2 - والأنبياء، والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يسيرون في الأرض، يذكرون الله ويعبدونه، ويَحْملون للناس التوحيد والإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة. وكانت أشواقهم إلى رؤية ربهم .. إلى رضوان الله .. إلى قصور الجنة .. إلى نعيم الجنة. وقد جاهدوا، وصَدَقوا، وبلَّغوا، وصبروا، فرضي الله عنهم ورضوا عنه، وعقباهم الجنة، وهم قدوة كل داع إلى الله عز وجل. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} ... [الأحزاب: 39]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} ... [التوبة: 100]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} ... [الأحزاب: 21]. 3 - جميع الأنبياء والمرسلين دعوا إلى لا إله إلا الله. فدعوا الناس من الشرك إلى التوحيد .. ومن الكفر إلى الإيمان .. ومن اليقين على المخلوق إلى اليقين على الخالق .. ومن التعلق بالأموال والأشياء إلى الإيمان والأعمال الصالحة .. ومن عادات القبيلة إلى آداب الشريعة .. ومن طاعة النفس والشيطان إلى طاعة الله ورسوله .. ومن دار الفناء إلى دار البقاء. فهذا عمل الأنبياء والرسل في الدعوة وتعليم الشريعة، فعلينا الاقتداء بهم في إيصال الحق إلى البشرية.

1 - قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} [الأنعام: 89]. 2 - وقال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} ... [الأنعام: 90]. - عوائق الداعي إلى الله: يعرض لكل داع إلى الله عقبات تعوقه، أو تثبطه، أو تقطعه عن سيره إلى الله وإبلاغ دينه، فلا بد من معرفتها، ومعرفة علاجها، والحذر منها. وهي خطوات الشيطان التي يسلكها ليضل الخلق عن الحق، ويصرفهم عن الدين. 1 - إذا قام المسلم بالدعوة إلى الله جاءه العدو الألد (اليأس) ففتت من همته، لما يراه من سعة مساحة الكفر والفساد، وكثرة العصاة والطغاة. وعلاجه بقوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)} ... [الحديد: 17]. 2 - ثم يشن (حب الظهور) هجومه، فيهوي بضرباته على رأس الهمة، فتسقط على الأرض، فيحترق العمل؛ لفقده الإخلاص. وعلاجه بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} ... [المائدة: 8]. 3 - ثم يبرز إلى الميدان مفسد الأعمال، وهادم البنيان (داء الاستعجال) فتنقلب الأعمال على عقبيها، لعدم استوائها، ووضْعها في غير محلها. وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا

وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200]. 4 - ثم يتصدى للدعوة (الرأي الشخصي المستبد) وعدم الشورى، فيبدد الأعمال، ويسبب رَفْع نصرة الله، وتمكين الأعداء من إذلال المسلمين. وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ... [الشورى: 38]. 5 - ثم يبرز (الفكر في النفس فقط) فيهتم بنفسه، ويهمل غيره، فلا يتماسك له بناء، ولا تثمر له شجرة، وإنما خير الناس أنفعهم للناس. وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2]. 6 - ثم يخرج إلى الساحة عدو آخر ماكر وهو (التقليد) فيجد الفرصة سانحة لتقليد الكسالى والقاعدين، وبه يقصم ظهر الهمة، فيكثر القاعدون، ويزيد الجهل، وتنبت البدع، وتختفي السنن. وعلاجه بقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41]. 7 - ثم يلوح العدو الغدار وهو (التسويف) الناجم عن العجز والكسل، فيؤجل الأعمال الصالحة من اليوم إلى الغد، ثم ينسيه الشيطان إياها، ثم يشغله بضدها. وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} [آل عمران: 133]. 8 - ثم يدخل الساحة العدو الملحد وهو (التدخل فيما هو موكول أمره إلى الله) فيتهدم البنيان، ويسقط الأعلى على الأسفل، ويتأمر العبد على سيده.

وعلاج ذلك بقوله سبحانه: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} [الشورى: 15]. 9 - ثم يقبل داء (حب الراحة) الذي هو أم المصائب، وسوق الخسائر. وعلاجه بقوله سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} ... [النجم: 39 - 41]. 10 - ثم يبرز داء (الكبر والاستغناء)، وبه يطرد الإنسان نفسه من الدين، ويغشى الكبائر المهلكة. وعلاجه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} [الحديد: 16]. - ما يقوله الداعي إذا لم يُتَّبع: قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: 129]. - ما يفعله الداعي إذا ضاق صدره: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97 - 99].

7 - أحكام المدعوين

7 - أحكام المدعوين - أقسام البشر: ذكر الله في القرآن ثلاثة أجناس من البشر، وهم: المؤمنون .. والكفار .. والمنافقون. 1 - فالمؤمنون يسعون لزيادة الإيمان والأعمال الصالحة، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} ... [الأنفال: 2 - 4]. فهؤلاء في أعلى المراتب، فلهم السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. 2 - والكفار يعملون لزيادة الكفر والمعاصي، والتمتع بالشهوات، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} ... [محمد: 12]. فهؤلاء في أخس المراتب، ولهم جميعاً الشقاء في الدنيا، والنار في الآخرة. 3 - والمنافقون، وهؤلاء أخطر من الكفار، فهم مع المسلمين بألسنتهم، ومع الكفار بقلوبهم، يكيدون للإسلام وأهله من الداخل، كما قال سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)} [المنافقون: 4]. فهؤلاء في النار في أسفل سافلين، وفي الدنيا في شقاء ورعب، يحسبون كل

صيحة عليهم. قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145]. والمطلوب أن يجتهد القسم الأول بالدعوة إلى الله على القسمين الآخرين. - المعارضون للدعوة إلى الله: ابتلى الله تبارك وتعالى عباده الذين يدعون إليه بثلاثة أصناف من الناس، وكل صنف له أتباع، وله من الكلام والمعاملة والدعوة ما يناسبه. الأول: من عرف الحق فعاداه حسداً وبغياً كاليهود، أو عرف الحق وضل عنه كالنصارى، كما قال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} [البقرة: 109]. الثاني: الرؤساء وأهل الأموال، الذين فتنتهم دنياهم وشهواتهم، لما يعلمون أن الدين يقيدهم بأوامره، ويمنعهم من كثير مما أحبوه وأَلِفوه من المعاصي، كما قال سبحانه: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص: 50]. الثالث: الذين نشأوا في باطل وجدوا عليه أسلافهم، يظنون أنهم على حق وهم على باطل. وهؤلاء هم الأكثرون كما قال سبحانه: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)} ... [الصافات: 69 - 70].

وهؤلاء مقلدون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} ... [البقرة: 170]. - ميادين الدعوة إلى الله: جميع طبقات البشرية محتاجون إلى الدعوة إلى الله: 1 - فالكفار والمشركون يُدعون إلى الدخول في الإسلام، والخروج من الكفر، ويُلحق بهم كل من فسد فكره من اليهود والنصارى وغيرهم. 2 - والمبتدعة يُدعون إلى الله ببيان أحكام الدين الصحيحة، ليعبدوا الله على بصيرة، وحسن اتباع. 3 - والعصاة ومن فسدت أخلاقهم يُدعون إلى الله بوعظهم بذكر عظمة الله ليعظموه، وذكر نعمه ليشكروه، وذكر سعة رحمته ليتوبوا إليه، وترغيبهم في الجنة ليطيعوه، وترهيبهم من النار حتى لا يعصوه. 4 - وأهل العبادة محتاجون إلى الدعوة؛ ليزيد إيمانهم، ولتحسن أعمالهم، ولتتحرك نفوسهم لدعوة غيرهم، ليجمعوا بين الصلاح والإصلاح. 5 - والعلماء محتاجون إلى الدعوة؛ ليعملوا بعلمهم، وينشروا علمهم بين الناس. 6 - وعامة المسلمين يُدعون إلى الله؛ ليزيد إيمانهم، وتحسن أعمالهم، ويتوبوا من ذنوبهم. فليس أحد يستغني عن الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوعظ والتذكير، والنصح والإرشاد، لا المؤمن ولا الكافر، ولا المطيع ولا العاصي، ولا العالم ولا الجاهل. وكلٌّ يدعو بحسب حاله .. وكلٌّ يُدعى بحسب حاله.

1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. - أصناف المدعوين، وكيفية دعوتهم: الناس مختلفون في الفكر والعمل، وبحسب اختلافهم تختلف أحكام دعوتهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر كما يلي: 1 - من عنده نقص في الإيمان، وجهل بالأحكام: فهذا نصبر على جهله، وندعوه ونعلمه بالرفق واللين، ونرشده إلى الأحسن بلطف، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابي الذي بال في المسجد. عَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ. قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ». فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ». أوْ كَمَا قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. متفق عليه (¬1). 2 - من عنده نقص في الإيمان، وعلم بالأحكام: فهذا يدعى إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتُضرب له الأمثال الحسية ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (219) , ومسلم برقم (285)، واللفظ له.

والدلائل العقلية، ويدعى له بزيادة الإيمان، ليستقيم على طاعة الله ورسوله. عَنْ أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ القَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: «ادْنُهْ»، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُخَوَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لاَ، وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ»، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قال: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. أخرجه أحمد (¬1). 3 - من عنده قوة في الإيمان، وجهل بالأحكام: فهذا يدعى مباشرة ببيان الحكم الشرعي، وبيان خطر اقتراف المعاصي، وإرشاده لإزالة المنكر الذي وقع فيه. عَنْ عَبْدالله بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَىَ خَاتِماً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرّجُلِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لاَ، وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَداً، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22564) , انظر «السلسلة الصحيحة» رقم (370). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2090).

4 - من عنده قوة في الإيمان، وعلم بالأحكام: فهذا ليس له عذر، فينكر عليه بقوة، ويعامل معاملة أشد مما سبق؛ لئلا يكون قدوة لغيره في المعصية، كما اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك خمسين ليلة، وأمر الناس بهجرهم لما تركوا الخروج مع الرسول والناس لغزوة تبوك مع كمال إيمانهم وعلمهم ولا عذر لهم، ثم تاب الله عليهم، وهم هلال بن أمية، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم. والقصة مفصلة في الصحيحين (¬1). قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)} ... [التوبة: 118]. 5 - من عنده جهل بالإيمان، وجهل بالأحكام: وهؤلاء هم أكثر الناس من الكفار في أنحاء الأرض. فهؤلاء يُدعون إلى الإيمان بالله، ويُعَرَّفون بالله وأسمائه وصفاته، وسعة رحمته، وعظيم نعمه، ويُذَكَّرون بوعد الله ووعيده، ويُرَغَّبون في الجنة، ويُحَذَّرون من النار، فإذا استقر الإيمان في قلب أحدهم عَرَّفناه بالأحكام تدريجياً، الصلاة وما يلزم لها من الطهارة والوضوء، ثم الزكاة .. وهكذا. 1 - قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418) , ومسلم برقم (2769).

2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى اليَمَنِ، قال: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأخْبِرْهُمْ: أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أمْوَالِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ». متفق عليه (¬1). - ثواب مَنْ قَبِل الإسلام: 1 - قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} ... [البقرة: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} ... [الكهف: 107 - 108]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32]. - عقوبة من لم يقبل الإسلام: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1458) , واللفظ له، ومسلم برقم (19).

الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. 2 - وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} ... [آل عمران: 85]. 4 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأَمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ». أخرجه مسلم (¬1). - أحوال الناس بعد الدعوة: الناس بعد الدعوة إلى الله إما أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا: 1 - فمن آمن بالله امتحنه الله عز وجل، وابتلاه بالسراء والضراء، ويعاديه الناس ويؤذونه؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق. قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} ... [العنكبوت: 2 - 3]. 2 - من لم يؤمن يعاقبه الله بما يؤلمه أعظم وأدوم. فلا بد من حصول الألم لكل نفس، سواء آمنت أو كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم في البداية، ثم تكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة. والكافر تحصل له السعادة الوهمية في البداية، ثم تكون له العاقبة السيئة في ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (153).

الدنيا، ثم يصير إلى الألم المؤبد في النار في الآخرة. 1 - قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} ... [آل عمران: 196 - 197]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].

8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل

8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل هذه أصول من دعوة الأنبياء والرسل، ليقتدي بها كل داع إلى الله عز وجل: - الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله وعبادته وحده لا شريك له: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} ... [الأنبياء: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 1 - 4]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ... [النحل: 36]. - إبلاغ دين الله إلى الناس، والنصح لهم: 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} ... [الأحزاب: 39]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67]. 3 - وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52]. - دعوة الناس وغشيانهم في المدن والقرى والبيوت والأسواق: 1 - قال الله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ

طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} ... [طه: 42 - 46]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. 3 - وكان - صلى الله عليه وسلم - يطوف على الناس في مكة في موسم الحج ويقول لهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله تُفْلِحُوا». أخرجه أحمد (¬1). 4 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ حِمَاراً، عَلَيْهِ إكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ، وَذَاكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتّىَ مَرّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ. فِيهِمْ عَبْدالله بْنُ أُبَيٍّ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدالله بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدّابّةِ، خَمّرَ عَبْدالله بْنُ أُبَيّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ. ثُمّ قَالَ: لاَ تُغَبّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلّمَ عَلَيْهِمُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمّ وَقَفَ فَنَزَلَ. فَدَعَاهُمْ إلَى الله وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ. متفق عليه (¬2). - دوام الثناء على الله، وذكره واستغفاره في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} ... [إبراهيم: 39]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16603). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5663) , ومسلم برقم (1798)، واللفظ له. (¬3) أخرجه مسلم برقم (373).

3 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (¬1). - الدعوة إلى الله، وإلى الطريق الموصل إليه، وما وعد الله به الناس يوم القيامة: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]. 2 - وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} ... [النحل: 125]. 3 - وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} ... [الشورى: 7]. - التوازن بين العبادة والدعوة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل: 1 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} ... [المدثر: 1 - 5]. - التوازن بين العلم والعمل والتعليم: 1 - قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2702).

2 - وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزمر: 9]. 3 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف: 170]. - دعوة الناس بلغتهم: قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} ... [إبراهيم: 4]. - الكتابة إلى ملوك الكفار بالدعوة إلى الله: 1 - قال الله تعالى حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} [النمل: 29 - 31]. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإلَى النّجَاشِي، وَإلَى كُلّ جَبّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى. أخرجه مسلم (¬1). - ذكر أحوال الأمم مع الأنبياء للعظة والاعتبار: 1 - قال الله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)} [هود: 120]. 2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1774).

لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف: 111]. 3 - وقال الله تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} [الأعراف: 176]. - الاستمرار بالدعوة، وعدم الالتفات إلى المعارضين: 1 - قال الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)} ... [الحجر: 94 - 96]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} [المائدة: 67]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)} [القصص: 87]. 4 - وقال الله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} ... [الفرقان: 52]. - مداراة الكفار عند الخوف والخطر: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران: 28]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].

- رحمة الناس واللين لهم، والعفو والصفح عنهم: 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ... [الأنبياء: 107]. 2 - وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159]. 3 - وقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} ... [الأعراف: 199]. 4 - وقال الله تعالى لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 43 - 44]. 5 - وقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} [الحجر 85]. - الرأفة والحرص والشفقة على الخلق: قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} ... [التوبة: 128]. - الصدق في جميع الأمور: 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)} [الزمر:33]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)} ... [مريم: 41]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119].

- الصبر في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} ... [النحل: 127 - 128]. - الإخلاص في جميع الأمور: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} ... [الزمر: 2 - 3]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر: 65]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5]. - الجود والخدمة والتواضع: 1 - قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} ... [الذاريات: 24 - 27]. 2 - وقال الله تعالى حكاية عن موسى - صلى الله عليه وسلم - مع المرأتين: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا

نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} [القصص: 23 - 24]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} [الكهف: 28]. 4 - وَعَنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا تُطْرُونِي كَمَا أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». أخرجه البخاري (¬1). - الإعراض عن زينة الحياة الدنيا: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [طه: 131 - 132]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)} ... [القصص: 60]. - المسارعة إلى فعل الخيرات: 1 - قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} ... [آل عمران: 133 - 134]. 2 - وقال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3445).

أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد: 21]. 3 - وقال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} ... [الأنبياء: 90]. - الترغيب في الطاعات، والترهيب من المعاصي: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 13 - 14]. 2 - وقال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} ... [الأنعام: 160]. 3 - وقال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} ... [الزلزلة: 7 - 8]. - المجاهدة بالنفس والمال لإعلاء كلمة الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} ... [الحجرات: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)} ... [التوبة: 88]. - الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي

سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)} [آل عمران: 146]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} ... [التوبة: 73]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} ... [البقرة: 193]. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1 - قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} ... [الأعراف: 157]. - البشارة والنذارة: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} ... [الأحزاب: 45 - 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [الكهف: 56]. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، إذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ: «بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرِوا، وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا».

أخرجه مسلم (¬1). - ربط قلوب المؤمنين بربهم، ووعدهم بالخير والجنة إذا آمنوا واستقاموا: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} ... [فصلت: 30 - 32]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ وَإِذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). 3 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ». أخرجه البخاري (¬3). - الغلظة والشدة على الكفار والمنافقين المعاندين: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} [التوبة: 123]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1732). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2669) , وأخرجه الترمذي برقم (2516). (¬3) أخرجه البخاري برقم (6474).

وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة: 73]. - عدم سؤال أو طلب المال على الدعوة: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)} ... [سبأ: 47]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)} ... [الشعراء: 109]. - طلب العلم وتعليمه الناس: 1 - قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)} [طه: 114]. 2 - وقال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} ... [الجمعة: 2]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79]. - تطهير النفس، وتقوية الروح والبدن بدوام العبادة والذكر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97 - 99]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} [الأحزاب: 41 - 42]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خَادِماً، وَشَكَتِ العَمَلَ، فَقَالَ: «مَا أَلْفَيْتِيهِ عِنْدَنَا» قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعاً

وَثَلاَثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ». متفق عليه (¬1). - الدعاء على من اشتد أذاه للمسلمين: 1 - قال الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)} [يونس: 88 - 89]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} ... [نوح: 26 - 27]. 3 - وَعَنْ عَبْدَاللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ وَأبُو جَهْلٍ وَأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إذْ قال بَعْضُهُمْ لِبَعْض: أيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأنَا أنظُر لا أُغِيّرُ شَيْئاً، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قال: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قالَ: «الَّلهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ». ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: «الَّلهُمَّ عَلَيْكَ بِأبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ» وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ نحْفَظهْ، قال: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرْعَى فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3113) , ومسلم برقم (2728)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (240) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794).

- الدعاء للكفار والمشركين بالهداية: 1 - قال الله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [الأعراف: 89]. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْساً قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهِمْ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا اليَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ». فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِراً بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى البَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ! يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ البَابَ، ثُمَّ قَالَتْ، يَاأَبَا هُرَيْرَةَ! أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ! فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْراً. أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ عَبْداللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2937)، ومسلم برقم (4524)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2491).

يَحْكِي نَبِيّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «رَبّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ». متفق عليه (¬1). - القيام بالدعوة في جميع الأوقات والأحوال: 1 - قال الله تعالى عن نوح - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)} ... [نوح: 5 - 10]. 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: «إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». متفق عليه (¬2). - الشورى: 1 - قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [[آل عمران: 159]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. - قوة اليقين على الله، والتوكل عليه وحده: 1 - قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2477) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7055، 7056) , واللفظ له، ومسلم برقم (1709).

عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة:40]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} ... [الشعراء: 61 - 63]. - الدعاء والفزع إلى الصلاة في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)} ... [القمر: 9 - 13]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} ... [الأنفال: 9]. 3 - وقال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} ... [البقرة: 45]. 4 - وَعَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). - تقديم الشكوى والسؤال إلى الله في جميع الأحوال: 1 - قال الله تعالى عن يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} [يوسف: 86]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أحمد برقم (23688) , وأخرجه أبو داود برقم (1319).

مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83 - 84]. 3 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} ... [الأنبياء: 89 - 90]. - لزوم البيئة الصالحة، وهجر بيئة السوء: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)} ... [الكهف: 28]. 3 - وقال الله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)} [القصص: 20 - 21]. 4 - وقال الله تعالى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} ... [الأنعام: 68]. - الاعتماد على الله وحده، ونفي النفس، مع فعل الأسباب المشروعة: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} ... [الأعراف: 188].

2 - وقال الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)} [الأنفال: 17]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ، أعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الاحْزَابَ وَحْدَهُ فَلا شَيْءَ بَعْدَهُ». متفق عليه (¬1). - امتثال أوامر الله عز وجل وإن كانت على خلاف العقل: كما صنع نوح - صلى الله عليه وسلم - السفينة على اليابسة، وترك إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - زوجته وولده بواد غير ذي زرع، وأمر الله موسى - صلى الله عليه وسلم - بأخذ الحية، وضَرْب البحر فَفَعل. 1 - قال الله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)} ... [هود: 38]. 2 - وقال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} ... [إبراهيم: 37]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)} ... [طه: 17 - 21]. 4 - وقال الله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} ... [الشعراء: 63]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4114) , ومسلم برقم (2724).

- تحمل الأذى والطرد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} ... [البقرة: 214]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)} [إبراهيم: 12]. 3 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} ... [الأنفال: 30]. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قال: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِيَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلا وَأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ. متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثلاَثونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذو كَبدٍ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بلاَلٍ». أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). - الصبر على الاتهام والتعيير والاستهزاء: 1 - قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3231) , واللفظ له، ومسلم برقم (1795). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2472) , وهذا لفظه، وأخرجه ابن ماجه برقم (151).

أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)} ... [الذاريات: 52 - 53]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)} ... [الأنعام: 10]. 3 - وقال الله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)} ... [الأنبياء: 5]. 4 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} ... [الحجر: 97 - 99]. - إظهار العزة والجَلَد أمام الكفار المعاندين: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} [الأنعام: 161]. 2 - وقال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ... [الممتحنة: 4]. 3 - وقال الله تعالى عن سحرة فرعون لما آمنوا: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)} ... [طه: 72 - 73]. - التوكل على الله، والشجاعة والثبات أمام الأعداء وإن كثروا: 1 - قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)} [يونس: 71].

2 - وقال الله تعالى عن هود - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} ... [هود: 54 - 56]. - الاستفادة من قدرة الله لكشف الكربات، وقضاء الحاجات: 1 - قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} ... [الأنبياء: 87 - 88]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} ... [البقرة: 60]. - العناية بذوي المكانة من الناس: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)} ... [غافر: 23 - 24]. 2 - وقال الله تعالى لموسى - صلى الله عليه وسلم -: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 42 - 44]. 3 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ لآمَنَ بِي اليَهُودُ». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3941) , واللفظ له، ومسلم برقم (2793).

- الاستقامة على الدين ظاهراً وباطناً: 1 - قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)} [هود: 112]. 2 - وقال الله تعالى عن شعيب - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود: 88]. - حسن الكلام مع الناس: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} ... [الأحزاب: 70]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)} [البقرة: 83]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)} [الإسراء: 53]. 4 - وقال الله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 43 - 44].

الباب الثاني والعشرون كتاب الجهاد في سبيل الله

الباب الثاني والعشرون كتاب الجهاد في سبيل الله ويشتمل على ما يلي: 1 - معنى الجهاد وحكمه. 2 - فضائل الجهاد في سبيل الله. 3 - أقسام الجهاد في سبيل الله. 4 - أحكام الجهاد في سبيل الله. 5 - أحكام المجاهدين في سبيل الله. 6 - آداب الجهاد في سبيل الله. 7 - أحكام القتال في سبيل الله. 8 - أحكام الشهداء في سبيل الله. 9 - أحكام الأسرى والسبي. 10 - أحكام الغنائم والأنفال. 11 - انتهاء الحرب بالإسلام أوالمعاهدات. 12 - أحكام غير المسلمين: ويشمل: 1 - أهل الذمة. 2 - أهل الهدنة. 3 - أهل الأمان. 13 - أحكام الرجوع من الجهاد. 14 - فضل الحمد والشكر. 15 - فضل التوبة والاستغفار.

1 - معنى الجهاد وحكمه

1 - معنى الجهاد وحكمه · الجهاد في سبيل الله: هو بذل الطاقة والوسْع في قتال الكفار، ابتغاء وجه الله. · حقيقة الجهاد في سبيل الله: الجهاد لا يسمى جهاداً حقيقياً إلا إذا قُصد به وجه الله، وأريد به إعلاء كلمة الله، وبذل النفس في مرضاة الله، ورفع راية الحق، ومطاردة الباطل. فإذا أراد به الإنسان شيئاً من حظوظ الدنيا، فإنه لا يسمى جهاداً شرعياً ينال به الأجر، فمن قاتل ليظفر بمغنم، أو يُظهر شجاعة، أو ينال شهرة، أو يحظى بمنصب، فإنه لا نصيب له في الأجر، ولا حظ له في الثواب. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (¬1). · منزلة الجهاد في سبيل الله: الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام؛ لما فيه من المصالح العظيمة في حفظ الإسلام وأهله، ودفع عدوان المعتدين. ولمكانة الجهاد وعظيم منزلته تمنى أفضل المجاهدين في سبيل الله محمد ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2810) , واللفظ له، ومسلم برقم (1904).

- صلى الله عليه وسلم - أن يحوز درجة الشهداء في سبيل الله. 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي، بِيَدِهِ لَوْلا أنَّ رِجَالاً مِنَ المُؤْمِنِينَ، لا تَطِيبُ أنْفُسُهُمْ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلا أجِدُ مَا أحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا، ثُمَّ أقْتَلُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَىَ». متفق عليه (¬2). · مراحل تشريع الجهاد: مر تشريع الجهاد في سبيل الله بأربع مراحل: الأولى: لما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إلى الله في مكة ظهر له أعداء عادوه وآذوه، وكان توجيه الله له بالصبر والعفو والصفح، وجهادهم بالدعوة، والقرآن، والحجة. 1 - قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [الجاثية: 14]. 2 - وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2797) , واللفظ له، ومسلم برقم (1876). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2785) , ومسلم برقم (1878)، واللفظ له.

يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)} [الحجر: 85]. 4 - وقال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 51 - 52]. الثانية: لما اشتد الأذى على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم، أذن الله له أن يهاجر من مكة إلى المدينة، ويأمر أصحابه بالهجرة إليها، وذلك بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة. 1 - قال الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} ... [الأنفال: 30]. 2 - وقال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة:40]. الثالثة: ثم أذن الله للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بالقتال في المدينة بعد الهجرة، حين أطبق عليهم الأعداء، وظلموا المؤمنين بالاعتداء عليهم، وإخراجهم من ديارهم بغير حق. وأذن الله لهم بالقتال دفاعاً عن النفس، وتأميناً للدين، ودفعاً للظلم والعدوان. 1 - قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ

لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} ... [الحج: 39 - 40]. 2 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} ... [البقرة: 193]. 3 - وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190]. الرابعة: ثم أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بقتال الكفار كافة؛ ليكون الدين كله لله، ولتفتح الأبواب لكل من رغب في الإسلام. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} ... [التوبة: 36]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الإسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). · حكم الجهاد في سبيل الله: فرض الله عز وجل القتال في سبيل الله في السنة الثانية من الهجرة. والجهاد في سبيل الله فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (25) , واللفظ له، ومسلم برقم (22).

الباقين، بشرط أن يكون عند المسلمين قوة وقدرة يستطيعون بها القتال. 1 - قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [التوبة: 122]. 3 - وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن: 16]. 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثاً إلَىَ بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ: «لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا». أخرجه مسلم (¬1). · الأحوال التي يكون فيها الجهاد فرض عين: يكون الجهاد فرض عين على كل مستطيع في الأحوال الآتية: 1 - إذا حضر المسلم صف القتال: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} [الأنفال: 45]. 2 - إذا حصر بلده عدو: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1896).

فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} [التوبة: 123]. 3 - إذا استنفر الإمام الناس، أو أحداً بعينه: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} ... [التوبة: 38 - 39]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا». متفق عليه (¬1). 4 - إذا دعت الحاجة إليه نفسه في القتال كطبيب وطيار ورام ونحوهم: قال الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41]. · حكمة مشروعية الجهاد في سبيل الله: 1 - شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لما يلي: لتكون كلمة الله هي العليا .. ويكون الدين كله لله .. وإخراج الناس من الظلمات إلى النور .. وفتح أبواب الدعوة إلى الله .. وإقامة العدل .. ومنع الظلم .. وحماية المسلمين .. ورد كيد الأعداء والمفسدين. 2 - شرع الله الجهاد ابتلاءً واختباراً لعباده، ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وليعلم المجاهد والصابر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2783) , واللفظ له، ومسلم برقم (1353).

3 - ليس قتال الكفار لإلزامهم بالإسلام، بل لإلزامهم بالخضوع لأحكام الإسلام، حتى يكون الدين كله لله. 4 - الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة، يُذهب الله به الهم والغم، وتُنال به الدرجات العلى من الجنة، وتُغفر به الذنوب والآثام، وتحصل به محبة الله للعبد. · شروط وجوب الجهاد في سبيل الله: يشترط لوجوب الجهاد على الإنسان ما يلي: الإسلام .. والعقل .. والبلوغ .. والذكورية .. والصحة .. ووجود النفقة. فلا يجب الجهاد على غير المسلم، ولا على الصبي، ولا على المجنون، ولا على المريض، ولا على المرأة، ولا على العاجز عن النفقة. فلا حرج على واحد من هؤلاء في التخلف عن الجهاد؛ لعذره. 1 - قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة: 91]. 2 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)} ... [الفتح: 17]. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: عَرَضَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ فِي القِتَالِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2664) , ومسلم برقم (1868)، واللفظ له.

4 - وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفَلا نُجَاهِدُ؟ قال: «لا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1520).

2 - فضائل الجهاد في سبيل الله

2 - فضائل الجهاد في سبيل الله - فضل الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} ... [التوبة: 111]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4]. 3 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} ... [التوبة: 20 - 22]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأنْ يَتَوَفَّاهُ: أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ». متفق عليه (¬1). 5 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2787) , واللفظ له، ومسلم برقم (1876).

قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه (¬1). - فضل الغدوة والروحة في سبيل الله: 1 - عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ أَبي أَيّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ وَغَرَبَتْ». أخرجه مسلم (¬3). - فضل من أراد الجهاد فحبسه مرض أو عذر: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (¬4). - فضل من جهز غازياً في سبيل الله: عَنْ زَيْد بن خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». متفق عليه (¬5). - فضل من بذل نفسه وماله في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26) , واللفظ له، ومسلم برقم (83). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2792) , واللفظ له، ومسلم برقم (1880). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1883). (¬4) أخرجه البخاري برقم (2839). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2843) , واللفظ له، ومسلم برقم (1895).

وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة: 120 - 121]. 2 - وَعَنْ أبي عَبْسٍ رََضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ». أخرجه البخاري (¬1). - فضل النفقة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)} [البقرة: 261]. 2 - وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)} ... [البقرة: 262]. 3 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ». أخرجه مسلم (¬2). 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بابٍ: أيْ فُلُ هَلُمَّ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (907). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1892). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2841) , ومسلم برقم (1027).

- فضل من خرج إلى الجهاد في سبيل الله ثم مات أو قُتل: 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء: 100]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} ... [آل عمران: 157 - 158]. - فضل من قُتل في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران: 169 - 171]. 2 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنّ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلاّ الدّيْنَ، فَإنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ قَالَ لِي ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1885).

- فضل الصيام في سبيل الله: عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً». متفق عليه (¬1). - فضل من احتبس فرساً في سبيل الله: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ، إِيمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الغزو في البحر: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قالتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟. قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكاً عَلَى الأسِرَّةِ، أوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأسِرَّةِ» - شَكَّ إِسْحَاقُ- قالتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ». كَمَا قال فِي الأوَّلِ، قالتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قالَ: «أنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ». فَرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840) , واللفظ له، ومسلم برقم (1153). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2853).

حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ. متفق عليه (¬1). - فضل الحراسة في سبيل الله: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ». أخرجه البخاري (¬2). - فضل الخدمة في سبيل الله: عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأبْنِيَةِ وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأجْرِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2788) , واللفظ له، ومسلم برقم (1912). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2887). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3890) , واللفظ له، ومسلم برقم (1119).

3 - أقسام الجهاد في سبيل الله

3 - أقسام الجهاد في سبيل الله - أقسام الجهاد في سبيل الله: ينقسم الجهاد في سبيل الله إلى قسمين: الأول: الجهاد بالنفس والمال واللسان، وهو جهاد الدعوة إلى الله بين الناس، حتى يكون الدين كله لله. وهذا أعظم أنواع الجهاد، وأعظم من قام به الأنبياء والرسل، وهو جهاد حسن لذاته، وهو مقصد بعثة الأنبياء والرسل، وبسببه يؤمن الناس، ويعبدون ربهم وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 51 - 52]. 2 - وقال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} ... [الحج: 78]. الثاني: القتال في سبيل الله، وهو بذل النفس والمال من أجل إعلاء كلمة الله، حتى لا تكون فتنة, ويكون الدين كله لله. ولم يُفرض هذا الجهاد على جميع الأنبياء، وإنما فُرض على بعضهم كداود وسليمان وموسى عليهم الصلاة والسلام. وأفضل من جاهد هذا الجهاد سيد الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه

رضي الله عنهم، وهو المقصود هنا. وهذا الجهاد حسن لغيره؛ لأنه يفتح أبواب الدعوة، والدعوة تفتح أبواب الهداية، وكلاهما يفتح أبواب الجنة. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} [البقرة: 193]. 2 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} ... [البقرة: 190]. - أحوال الجهاد في سبيل الله: للجهاد في سبيل الله أربع حالات: 1 - جهاد النفس: وهو جهاد النفس على تعلم الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} ... [العصر: 1 - 3]. 2 - جهاد الشيطان: وهو جهاد الشيطان على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشهوات. قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} ... [فاطر: 6]. 3 - جهاد أصحاب الظلم والبدع والمنكرات: ويكون باليد إذا قدر، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب، ويكون بالحكمة حسب الحال والمصلحة حتى لا تحصل فتنة.

1 - قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125]. 2 - وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - جهاد الكفار والمنافقين: ويكون بالقلب واللسان والنفس والمال، وهو المقصود هنا. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 15]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)} ... [التحريم: 9]. - أنواع الجهاد في سبيل الله: 1 - جهاد ضد الكفار والمشركين: وهو أمر لازم لحفظ المسلمين من شرهم، ولازم لنشر الإسلام بينهم، ويخيرون فيه على الترتيب بين الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال. 1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (49).

2 - وعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً. وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - جهاد ضد المرتدين عن الإسلام: ويخيرون على الترتيب بين العودة إلى الإسلام، أو القتال. عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري (¬2). 3 - جهاد ضد البغاة: وهم الذين يخرجون على إمام المسلمين، ويثيرون الفتنة، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1731). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3017).

فإن رجعوا وإلا قاتلهم، لتخمد فتنتهم. قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحُجُرات: 9]. 4 - جهاد ضد قطاع الطريق: وهم المفسدون في الأرض. وعقوبتهم حسب جريمتهم بما يراه الإمام من قَتْل، أو صلب، أو قَطْع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، أو نفيهم من الأرض كما سبق. قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة: 33 - 34].

4 - أحكام الجهاد في سبيل الله

4 - أحكام الجهاد في سبيل الله - الجهاد أفضل أنواع التطوع: الجهاد في سبيل الله أفضل أنواع التطوع، فهو أفضل من تطوع الحج والعمرة، ومن تطوع الصلاة والصيام؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله، وحفظ الإسلام والمسلمين، وقمع المعتدين، وإزالة الفتن. وهو من أفضل العبادات؛ لِمَا فيه من رفعة الدرجات، ولِمَا فيه من الزهد في الدنيا، وهجر الرغبات، ومفارقة الأهل والدار، والتضحية بالنفس والمال. 1 - قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} ... [النساء: 95 - 96]. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَيّ النّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ» قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعَابِ، يَعْبُد الله رَبّهُ، وَيَدَعُ النّاسَ مِنْ شَرّهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2786) , ومسلم برقم (1888)، واللفظ له.

كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ الله، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَىَ». متفق عليه (¬1). - حكم الدعوة قبل القتال: تجب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال لمن لم تبلغهم الدعوة، فإن انتشر الإسلام، وعرفه الناس، فالدعوة مستحبة؛ تأكيداً للإعلام والإنذار، وليست بواجبة. ولا يجوز قتال الكفار إلا بشرطين: 1 - إبلاغهم الدعوة إلى الإسلام إذا كانت لم تبلغهم. 2 - أن يكونوا حربيين غير مستأمنين، ولا معاهدين، ولا أهل ذمة؛ لأن دماء هؤلاء مصونة معصومة. فإذا توفر هذان الشرطان جاز قتالهم من دون إنذار سابق. 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلّى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2785) , ومسلم برقم (1878)، واللفظ له.

فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أغَارَ عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ. متفق عليه (¬2). - حكم القتال قبل الدعوة: لا يجوز قتال من لم تبلغهم الدعوة إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام، فإن أبوا يطالَبون بدفع الجزية، فإن أبوا جاز قتالهم، ويجوز قتال من بلغتهم الدعوة بدون سابق إنذار، فإن مقصد الجهاد في الإسلام إزالة الكفر والشرك، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونشر العدل، ورفع الظلم، وإزالة الفتن، وإزاحة من يقوم في وجه من يبلغ الإسلام وينشره. فإذا حصلت هذه المقاصد العظيمة بدون قتال لم يُحتج إلى القتال. فالله خلق بني آدم لعبادته، فلا يجوز قتل أحد منهم إلا من آذى وعاند وأصر على الكفر، أو ارتد، أو ظلم الناس، أو منع الناس من الدخول في الإسلام، أو منع الدعاة من الدعوة إلى الله. وما قاتل رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قوماً قط إلا دعاهم إلى الإسلام. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْماً قَطُّ إِلاَّ دَعَاهُمْ. أخرجه أحمد والدارمي (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1731). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2541) , ومسلم برقم (1730). (¬3) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2105) , وهذا لفظه، وأخرجه الدارمي برقم (2444).

- حكم حفظ حدود البلاد: يجب على إمام المسلمين حفظ حدود بلاد المسلمين من الكفار، إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال، حسب ما تقتضيه المصلحة والحال. قال الله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)} ... [النساء: 102]. - فضل الرباط في سبيل الله: توجد على حدود بلاد الإسلام منافذ قد يتسلل منها العدو إلى داخل البلاد. وقد رغَّب الإسلام في حفظ هذه الثغور بإعداد الجنود الذين يحرسون هذه الثغور، ويرابطون فيها، وأفضل الرباط ما كان بأشد الثغور خوفاً، وأعظمها منفعة. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200]. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوِ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2892) , واللفظ له، ومسلم برقم (1881).

وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَىَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتّانَ». أخرجه مسلم (¬1). - حكم قصد المشقة في العمل: السنة للمسلم أن يقصد العمل الذي يَعْظُم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل كالجهاد والحج مثلاً. فإنْ قَصَد نفس المشقة فقد خالف الشرع؛ لأن الله لا يقصد بالتكليف نفس المشقة. ولا يجوز التقرب إلى الله بالمشاق؛ لأن القُرَب كلها تعظيم للرب سبحانه، وليس عين المشاق تعظيماً ولا توقيراً. والأجر على قدر منفعة العمل، لا على قدر المشقة والتعب. وكثرة الثواب مع المشقة لا لأن المشقة مقصودة لذاتها، بل لأن العمل مستلزم للمشقة. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج: 78]. 2 - وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: «انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1913). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1787) , واللفظ له، ومسلم برقم (1211).

- حكم من حبسه العذر عن الغزو: عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري (¬1). - وقت الخروج للجهاد في سبيل الله: السنة أن يخرج الإمام بالجيش يوم الخميس، فإن كانت مصلحة أو حاجة أو عذر خرج بهم بحسبها في أي يوم. عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ. متفق عليه (¬2). - حكم توديع المجاهدين في سبيل الله: من السنة توديع المسافرين والمجاهدين في سبيل الله. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ، وَقال لنا: «إِنْ لَقِيتُمْ فُلاناً وَفُلاناً -لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا- فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ». قالَ: ثُمَّ أتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ. فَقالَ: «إِنِّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تُحَرِّقُوا فُلاناً وَفُلاناً بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلاّ اللهُ، فَإِنْ أخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2839). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2950) , واللفظ له، ومسلم برقم (716). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2954).

5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله

5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله - أحوال المجاهدين في سبيل الله: المجاهد في سبيل الله له ثلاث حالات: 1 - المسلم القادر مالياً وبدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه وماله. 2 - القادر بدنياً، العاجز مالياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه فقط. 3 - القادر مالياً، العاجز بدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بماله دون نفسه. 4 - العاجز بدنياً ومالياً، فهذا لا يجب عليه الجهاد، فعليه بالدعاء للمسلمين المجاهدين. 1 - قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)} ... [البقرة: 193]. 2 - وقال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} ... [التوبة: 91]. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). - درجات المجاهدين في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2504) , وهذا لفظه، وأخرجه النسائي برقم (3096).

اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء: 95 - 96]. 2 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلانِي دَاراً هِيَ أحْسَنُ وَأفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». متفق عليه (¬2). - حكم جهاد النساء: القتال في سبيل الله، والإغارة والكر والفر والضرب بالسيوف من خصائص الرجال، ويجوز عند الحاجة خروج النساء مع الرجال لخدمة المجاهدين، ومداواة الجرحى، وسقي الماء ونحو ذلك، مع الاحتشام وعدم الخلوة. 1 - قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ... [النساء: 14]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2790). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2791) , واللفظ له، ومسلم برقم (2275).

أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ... [النور: 30 - 31]. 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِأُمّ سُلَيْمٍ، وَنِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إذَا غَزَا. فَيَسْقِينَ المَاءَ وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى. متفق عليه (¬1). - حكم استئذان الوالدين في الجهاد: 1 - لا يجاهد المسلم تطوعاً إلا بإذن والديه؛ لأن الجهاد فرض كفاية، وبر الوالدين فرض عين في كل حال. أما إذا وجب الجهاد كما سبق فيجاهد بلا إذنهما. 2 - كل تطوع فيه منفعة للإنسان، ولا ضرر على والديه فيه، فلا يُحتاج إلى إذنهما فيه كقيام الليل، وصيام التطوع ونحوهما. فإن كان فيه ضرر على الوالدين أو أحدهما كجهاد التطوع فلهما منعه، ويجب عليه أن يمتنع؛ لأن طاعة الوالدين في غير معصية الله واجبة، والتطوع ليس بواجب. 1 - قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3811) , ومسلم برقم (1810)، واللفظ له.

2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا». قَالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ». قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (¬1). 3 - وَعَنْ عَبْداللهِ بن عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمُا قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقالَ: «أحَيٌّ وَالِدَاكَ». قالَ: نَعَمْ، قالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». متفق عليه (¬2). - حكم استئذان صاحب الدَّين: لا يتطوع بالجهاد مَدِين لا وفاء له، إلا أن يستأذن من صاحب الدين، أما إذا وجب الجهاد فيخرج بلا إذنه. عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ: «أَنّ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالإِيمَانَ بِالله أَفْضَلُ الأَعْمَالِ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ» ثُمّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟» قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفّرُ عَنّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلاّ الدّيْنَ، فَإنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ قَالَ لِي ذَلِكَ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الكافر إذا قَتل المسلم ثم أسلم وقُتل: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5970) , واللفظ له، ومسلم برقم (85). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3004) , واللفظ له، ومسلم برقم (2549). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1885).

رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أحَدُهُمَا الآخَرَ، يَدْخُلانِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ». متفق عليه (¬1). - عقوبة ترك الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [التوبة: 38 - 39]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} ... [البقرة: 195]. 3 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: إِذَا -يَعْنِي ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ- وَتَبَايَعُوا بِالعِيْنِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ البَقَرِ، وَتَرَكُوا الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَنْزَلَ الله بِهِمْ بَلاَءً، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ. أخرجه أحمد (¬2). 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدّثُ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَىَ شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الاستعانة بالفجار والكفار في الجهاد: الجهاد في سبيل الله عبادة من العبادات، فلا يصح إلا من مسلم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2826) , واللفظ له، ومسلم برقم (1890). (¬2) حسن/ أخرجه أحمد برقم (4825). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1910).

وتجوز الاستعانة بالمنافقين والفساق على قتال الكفار، وقد كان عبد الله بن أُبي ومن معه من المنافقين يخرجون للقتال مع رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وأما قتال الكفار مع المسلمين ضد أعدائهم فلا يجوز إلا بثلاثة شروط: 1 - أن تدعو الحاجة إلى ذلك كقلة المسلمين، وكثرة الكفار. 2 - أن يُعلم من الكفار حسن رأيٍ في الإسلام وميل إليه. 3 - أن يكون الأمر والتدبير بيد المسلمين. ومتى استعان بهم إمام المسلمين أسهم لمن شارك معه من الغنيمة كالمسلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعان بصفوان بن أمية وهو مشرك، وأعطاه من الغنيمة وأكثر، فكان ذلك سبباً في إسلامه. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} ... [المائدة: 51]. 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمّا كَانَ بِحَرّةِ الوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ، قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: جِئْتُ لأَتّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ». قَالَتْ: ثُمّ مَضَى، حَتّى إذَا كُنّا بِالشّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوّلَ مَرّةٍ «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلِقْ». أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1817).

- ما يجب على قائد جيش المسلمين: يجب على إمام المسلمين أو من ينوب عنه ما يلي: 1 - أن يتفقد الجيش والأسلحة عند المسير إلى العدو. 2 - أن يرغِّب الناس في الجهاد، ويمنع المخذِّل والمُرْجف، وكل من لا يصلح للجهاد، ولا يستعين بكافر إلا لضرورة. 3 - أن يُعدّ الزاد وما يحتاجه في الجهاد، ويسير بالجيش برفق، ويطلب لهم أحسن الطرق والمنازل. 4 - أن يمنع الجنود من الفساد والمعاصي، ويحدِّثهم بما يقوي نفوسهم، ويرغِّبهم في الشهادة، ويأمرهم بالصبر والاحتساب، والمحافظة على الطاعات. 5 - أن يقسم الجيش، ويعيِّن عليهم العرفاء والحراس، ويعقد الألوية والرايات، ويسبقهم إلى العدو عند الفزع. 6 - أن يشاور في أمور الجهاد أهل الدين والرأي والخبرة. 7 - أن يبث العيون على الأعداء؛ ليعرف عددهم وأخبارهم. 8 - أن يوصي جنوده بالتوكل على الله، وكثرة ذكره، والثناء عليه، ولزوم الاستغفار، والرحمة فيما بينهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولزوم تقوى الله عز وجل. 9 - أن يكون قدوة حسنة للمجاهدين معه، وينزلهم منازلهم، ولا يستأثر عليهم بشيء، ولا يأمرهم بمعصية الله. 10 - أن يزور مرضاهم، ويواسي مصابهم، ويجازي المحسن، ويعاقب المسيء،

ويحسن إلى الضعيف. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)} [الصف: 10 - 11]. 2 - وقال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} ... [المائدة: 2]. 3 - وَعَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ المُزَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيّتِهِ، إلاّ حَرّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنّةَ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ وَأشْجَعَ النَّاسِ وَأجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ، وَقالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْراً». متفق عليه (¬2). - ما يجب على المجاهدين في سبيل الله: يجب على المسلمين المجاهدين في سبيل الله ما يلي: 1 - طاعة الإمام أو نائبه في غير معصية الله. 2 - الصبر على تحمل المشاق في سبيل الله، وعدم الفرار من الزحف، والثبات أمام العدو. 3 - الإخلاص في العمل، ولزوم التقوى. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7151)، ومسلم برقم (1829) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2820) , واللفظ له، ومسلم برقم (2307).

4 - التعاون على البر والتقوى، وإظهار القوة والجَلَد أمام الأعداء، والتراحم فيما بينهم. 5 - اجتناب المعاصي، فإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله. 6 - الاستعانة بالله وحده في جميع الأمور مع الأخذ بالأسباب المشروعة. 7 - الاستعداد لامتثال جميع أوامر قائد الجيش المشروعة ليحصل له جزيل ثوابها. 8 - عدم الحمل على العدو إلا بإذن القائد، وإن فاجأ المسلمين عدو يخافون شره فلهم أن يدافعوا عن أنفسهم. 9 - الاشتغال بالطاعات من ذكر وصلاة وتلاوة قرآن، وخدمة المجاهدين، والنصح لهم. 10 - اجتناب الغيبة والنميمة، والقيل والقال، والإشاعات والإرجاف، وإساءة الظن ونحو ذلك مما يقلب الأمور. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال:45 - 46]. 3 - وقال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ... [الفتح: 29]. 4 - وَعَنْ أبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً وَأبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ، قالَ:

«يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا». متفق عليه (¬1). - حكم من هاجم العدو وحده: من ألقى نفسه في أرض العدو، أو اقتحم في جيوش الكفار المعتدين، بقصد التنكيل بالأعداء، وزَرْع الرعب في قلوبهم، خاصة مع اليهود المعتدين، ثم قُتل، فقد نال أجر الشهداء الصادقين، والمجاهدين الصابرين. وهذا أقل خسارة، وأكثر نكاية بالأعداء. ومن خشي الأسر من المسلمين، ولا طاقة له بعدوه، فله أن يُسلِّم نفسه، ويجعل الله له فرجاً، وله أن يقاتل حتى يُقتل أو يغلب، وذلك يختلف باختلاف الإيمان والقدرة. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} ... [النساء: 74]. - نوم المجاهد بجوار سلاحه: عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ، فَقال: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً، فَقال: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: «اللهُ -ثَلاثاً-». وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3038) , واللفظ له، ومسلم برقم (1733). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2910) , واللفظ له، ومسلم برقم (843).

6 - آداب الجهاد في سبيل الله

6 - آداب الجهاد في سبيل الله - آداب الجهاد في الإسلام: أهم آداب الجهاد في الإسلام: 1 - التوكل على الله، وحسن تقواه، وطلب النصر منه وحده. 2 - الدعاء والصبر والإخلاص لله في العمل، وذكر الله وتكبيره. 3 - اجتناب المعاصي، فهي أعظم سبب لتسلط الكفار على المسلمين. 4 - عرض الإسلام على الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا حل قتالهم. 5 - البعد عن الفخر والعجب والرياء. 6 - سؤال الله العافية، وعدم تمني لقاء العدو، والصدق في القتال. 7 - عدم تحريق الآدمي والحيوان بالنار. 8 - عدم الغدر، وعدم قتل النساء والأطفال والشيوخ الكبار والرهبان إذا لم يقاتلوا، وكل من اجتنب الحرب لا يحل قتله. فإن قاتلوا، أو حرَّضوا، أو كان لهم رأي وتدبير في الحرب قُتلوا. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال: 9 - 10]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} ... [آل عمران: 160].

3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} ... [الأنفال: 45 - 47]. 4 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (¬1). 5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1731). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3015) , واللفظ له، ومسلم برقم (1744).

6 - وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ فَقالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاناً وَفُلاناً فَأحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ». ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ: «إِنِّي أمَرْتُكُمْ أنْ تُحْرِقُوا فُلاناً وَفُلاناً، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخاري (¬1). 7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً أهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى: أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». متفق عليه (¬2). 8 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: حَرَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ. متفق عليه (¬3). - ما يقوله المسلم إذا خاف العدو: 1 - «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ». أخرجه مسلم (¬4). 2 - وَعَنْ أَبي بُرْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذ بكَ مِنْ شُرُورِهِمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3016). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1496) , واللفظ له، ومسلم برقم (19). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3021) , واللفظ له، ومسلم برقم (1746). (¬4) أخرجه مسلم برقم (3005). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (19958) , وأخرجه أبو داود برقم (1537).

- الاستنصار بالضعفاء: 1 - عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأى سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». أخرجه البخاري (¬1). 2 - وَفي لفظ: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بضَعِيفِهَا بدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ». أخرجه النسائي (¬2). 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ». أخرجه مسلم (¬3). - حكم الخدعة والكذب في الحرب: يجوز في الحرب الخداع والكذب من أجل تضليل العدو، بشرط ألا يشتمل على نقض عهد، أو إخلال بأمان. ومن الخداع أن يوهم العدو بأن جنود المسلمين كثرة كاثرة، وأسلحته قوة لا تقهر. ومن الخداع أن الإمام إذا أراد غزو بلد في الشمال مثلاً، أظهر أنه يريد الجنوب، فالحرب خدعة. وفي هذا الفعل فائدتان: الأولى: أن خسائر الأموال والأرواح تقل بين الطرفين، فتحل الرحمة محل القسوة. الثانية: توفير طاقة جيش المسلمين لمعركة لا تجدي فيها الخدعة. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2896). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (3178). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2622).

1 - عَنْ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ، لِيَتَأهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ. متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الحَرْبُ خَدْعَةٌ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَكَانَتْ مِنَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، اللاَّتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْراً وَيَنْمِي خَيْراً». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ، الحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ المَرْأَةِ زَوْجَهَا. متفق عليه (¬3). - ترغيب المجاهدين في قتال العدو: 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)} ... [الأنفال: 65]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الخَنْدَقِ، فَإِذَا ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2948) , واللفظ له، ومسلم برقم (2769). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3030) , واللفظ له، ومسلم برقم (1739). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2692) , ومسلم برقم (2605)، واللفظ له.

المُهَاجِرُونَ وَالأنصار يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ، عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالجُوعِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ». فَقالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدَا. متفق عليه (¬1). - فضل الطليعة في الحرب: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ». يَوْمَ الأحْزَابِ، قال الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قالَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ». قال الزُّبَيْرُ: أنَا، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيّاً، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ». متفق عليه (¬2). - فضل الجهاد على الخيل: عَنْ عُرْوَةَ البَارِقِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ الأَجْرَ وَالمَغْنَمَ». متفق عليه (¬3). - حكم البيعة عند القتال: من السنة أن يبايع الإمام المجاهدين على الصبر أو الموت؛ تشجيعاً لهم، وتقوية لمعنوياتهم. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)} [الفتح: 10]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2834) , واللفظ له، ومسلم برقم (1805). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2846) , واللفظ له، ومسلم برقم (2415). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2852) , واللفظ له، ومسلم برقم (1873).

2 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} ... [الفتح: 18]. 3 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ: عَلَى أيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ. متفق عليه (¬1). - ما يقوله إذا رأى ملامح النصر: 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)} [الصافات: 171 - 177]. 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهَا لَيْلاً، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْماً بِلَيْلٍ لا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ. فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4169) , واللفظ له، ومسلم برقم (1860). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2945) , واللفظ له، ومسلم برقم (1365).

7 - أحكام القتال في سبيل الله

7 - أحكام القتال في سبيل الله - أثر اليقين والصبر في النصر: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين. فإذا قام المسلم بالحق .. وكان قيامه بالله .. ولله، لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض وما فيهن لكفاه الله مؤنتها. وإنما يؤتى العبد من تفريطه أو تقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في بعضها. 1 - من قام في باطل لم يُنصر، وإن نُصر فلا عاقبة له، فهو مذموم مخذول. قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} ... [الإسراء: 22]. 2 - إن قام في حق، لكن لم يقم لله، وإنما قام لطلب الجاه والحمد من الناس، فهذا لا يُنصر؛ لأن النصر لمن جاهد لتكون كلمة الله هي العليا. وإن نُصر فبحسب ما معه من الحق والصبر، فالصبر منصور أبداً: فإن كان الصابر محقاً كانت له العاقبة الحسنة، وإن كان مبطلاً لم تكن له عاقبة. قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24]. 3 - إن قام بالحق معتمداً على غير الله من الأسباب لم يُنصر. قال الله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)} [التوبة: 25].

- أقسام القتال: ينقسم القتال بين الناس إلى ثلاثة أقسام: قتال بين المسلمين والكفار ... وقتال بين المسلمين مع بعضهم .. وقتال بين الكفار مع بعضهم. 1 - فإذا كان القتال بين المسلمين والكفار، نَصَر الله المسلمين على الكفار بعد استكمال ما يستطيعون من قوة مقرونة بالإخلاص والتوكل على الله وحده. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} ... [محمد: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} ... [الحج: 40 - 41]. 2 - أما قتال المؤمنين مع بعضهم، فيجب الإصلاح بينهم، فإن لم يمكن الصلح قاتلْنا الفئة الباغية لتعود إلى الحق. قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} [الحجرات: 9]. 3 - أما قتال الكفار مع بعضهم، فهؤلاء يهلك الله الظالم بالظالم، ويَكِلهم إلى أسبابهم، وينصر الدولة الكافرة العادلة على الظالمة، ويسلط بعضهم على بعض، وقتلاهم في النار. قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} ... [النساء: 76].

- وقت القتال في سبيل الله: أفضل أوقات القتال أول النهار، فإن لم يكن فبعد زوال الشمس، أما إذا فاجأ العدو المسلمين، وأغار عليهم، فيجب رده وصده في أي وقت أغار فيه. عَنْ النُّعْمَان بن مُقَرِّنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَخَّرَ القِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). - حكم الإغارة ليلاً: تجوز الإغارة على الكفار ليلاً، ويجوز قتل الكفار مع صبيانهم ونسائهم في حال البَيَات، ولا يجوز قتل النساء والصبيان حال التميُّز، أما النساء فلضعفهن، وأما الصبيان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعاً من الانتفاع بهم إما بالرق، أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به. عَنِ الصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الذّرَارِيّ مِنَ المُشْرِكِينَ يُبَيّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ». متفق عليه (¬2). - حكم القتال في الأشهر الحُرم وعند المسجد الحرام: لا يجوز أن نبدأ الكفار بالقتال في الأشهر الحرم، ولا عند المسجد الحرام، إلا عند الحاجة، فإن قاتلونا فيهما قاتلناهم. والأشهر الحرم أربعة هي: (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب). 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2655) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3021) , ومسلم برقم (1745)، واللفظ له.

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} ... [التوبة: 36]. 2 - وقال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)} ... [البقرة: 191]. - حكم الدعاء عند القتال: السنة أن يستغيث المجاهدون بربهم، ويسألونه النصر، لأنه الناصر الذي يملك النصر وحده. 1 - قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال:9 - 10]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} ... [البقرة: 186]. 3 - وَعَنْ عَبْدالله بْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَعْضِ أَيّامِهِ الّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوّ، يَنْتَظِرُ حَتّى إِذَا مَالَتِ الشّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيّهَا النّاسُ لاَ تَتَمَنّوْا لِقَاءَ العَدُوّ وَاسْأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنّ الجَنّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السّيُوفِ». ثُمّ قَامَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا

عَلَيْهِمْ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بكَ أَحُولُ وَبكَ أَصُولُ وَبكَ أُقَاتِلُ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). - فضل الرمي في سبيل الله: 1 - عَنْ سَلَمَةَ بن الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، ارْمُوا وَأنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ». قالَ: فَأمْسَكَ أحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ». قالوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأنْتَ مَعَهُمْ، قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْمُوا فَأنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ». أخرجه البخاري (¬3). 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلاَ إِنّ القُوّةَ الرّمْيُ، أَلاَ إِنّ القُوّةَ الرّمْيُ، أَلاَ إنّ القُوّةَ الرّمْيُ». أخرجه مسلم (¬4). 3 - وَعَن أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِصْنَ الطَّائِفِ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فَلَهُ دَرَجَةٌ فِي الجَنَّة»،ِ قَالَ: فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْماً، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2966) , ومسلم برقم (1742)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3953) , وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (3584). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2899). (¬4) أخرجه مسلم برقم (1917). (¬5) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (17022) وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (3965).

- أسباب النصر على الأعداء: كتب الله على نفسه النصر لأوليائه، ولكنه ربط هذا النصر بأمور: 1 - كمال حقيقة الإيمان بالله في قلوب المجاهدين في سبيل الله. قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم: 47]. 2 - استيفاء مقتضيات الإيمان في حياتهم، وهي الأعمال الصالحة. قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} ... [الحج:40 - 41]. 3 - استكمال عدة الجهاد التي يستطيعونها. قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)} ... [الأنفال: 60]. 4 - بذل الجهد الذي في وسعهم، وبحسب كمال الإيمان يكون كمال الجهد وكمال النصر. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} ... [العنكبوت: 69]. 5 - الثبات، وكثرة ذكر الله، وطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع، ولزوم الصبر. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ

رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 45 - 46]. 6 - اجتناب المعاصي، وعدم العجب والبطر والرياء. 1 - قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} ... [آل عمران: 152]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)} [الأنفال: 47]. 7 - كمال اليقين على أن النصر بيد الله وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} [آل عمران: 160]. 2 - وقال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال: 9 - 10]. 8 - كمال اليقين على أن الله لا ينصر الكفار على المسلمين أبداً. 1 - قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141]. 2 - وقال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [الروم: 47].

- أسباب إبطاء النصر: قد يؤخر الله النصر للمؤمنين لأسباب لا بد من توفرها منها: 1 - أن تكون بُنْية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد، ولم تحشد بعد طاقتها اللازمة. 2 - وقد يبطئ النصر حتى يبذل المؤمنون آخر ما في وسعهم من طاقة وقوة، فلا يبقى عزيز ولا غالٍ إلا بَذَلته رخيصاً في سبيل الله. 3 - وقد يتأخر النصر حتى تجرب الأمة آخر ما في طوقها من قوة، لتدرك أن قوتها وحدها لا تكفل النصر بدون سند من الله. 4 - وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله. 5 - وقد يبطئ النصر لأن في الشر الذي يكافحه المؤمنون بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ثم يهلكه. 6 - وقد يبطئ النصر لأن المؤمنين لم يتجردوا بإخلاص في بذلهم وتضحياتهم لله ولدعوته. 7 - وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي يحاربه المؤمنون لم ينكشف زيفه للناس، ولم يقتنعوا بعد بفساده. 8 - وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير، فيبقى الصراع قائماً، حتى تتهيأ النفوس لاستقباله ونحو ذلك من الأسباب. - روح القتال في سبيل الله: القتال تكرهه النفوس، ولكن النفوس المؤمنة تستلذه إذا كان في سبيل الله؛ لما فيه إحقاق الحق، ودفع الباطل، ورفع الظلم، وحفظ الأمة، وإقامة العدل، ولما فيه من الثواب العظيم، ورضوان الله، ومحبة الله.

1 - قال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} ... [النساء: 74]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} ... [التوبة: 111]. 3 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} ... [آل عمران: 169]. 4 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4]. - حكم الفرار من الزحف: يجب على المسلم الثبات أمام الكفار عند القتال. وإذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين: التحرف للقتال .. والتحيز إلى فئة. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} ... [الأنفال: 15 - 16].

- حكم التدمير والتخريب لممتلكات الأعداء: يجوز عند الضرورة أو الحاجة أو المصلحة إحراق حصون الأعداء بالنار، وتخريب بيوتهم وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم، وإفساد زروعهم؛ لما في ذلك من كسر شوكتهم، وتوهين عزيمتهم، وتفريق جمعهم. ويجوز ضرب الكفار بالسلاح ولو تترسوا بالمسلمين؛ للضرورة، وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم. 1 - قال الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} ... [الحشر: 5]. 2 - وقال الله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ (2)} ... [الحشر: 2]. - الراية التي يقاتل المسلم تحتها: لا يجوز للمسلم أن يقاتل الكفار إلا تحت راية إمام المسلمين، فإن وُسِّد الأمر إلى غير أهله، وحَكَم المسلمين كافر، ولم توجد راية شرعية قادرة على النكاية بالعدو، فلا حرج من القتال تحت راية ذلك الحاكم الكافر؛ لصد عدوان الكفار، وحماية بلاد المسلمين، وحفظ دينهم وأعراضهم. وتجوز مناصرة المسلمين لدولة كافرة على دولة أخرى كافرة إذا كان في ذلك مصلحة راجحة للإسلام والمسلمين، ودرء الشر عنهم، يقدِّرها أهل العلم والورع منهم. فالشرع قد جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وفعل خير الخيرين، وأهون الشرين، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ

تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} ... [النساء: 59]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} ... [آل عمران: 139]. 3 - وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8]. 4 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أجْراً، وَإِنْ قال بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». متفق عليه (¬1). - الاستعداد لمواصلة الغزو: ينبغي للمسلم أن يكون مستعداً للقتال كل وقت، ولو كان حديث عهد به. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الغُبَارُ، فَقال: وَضَعْتَ السِّلاحَ، فَوَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَأيْنَ». قال: هَا هُنَا، وَأوْمَأ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قالتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2957) , واللفظ له، ومسلم برقم (1841). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2813) , واللفظ له، ومسلم برقم (1769).

- قتال اليهود: سيقاتل المسلمون اليهود، ويهزمونهم كما هزمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2946) , واللفظ له، ومسلم برقم (2922).

8 - أحكام الشهداء في سبيل الله

8 - أحكام الشهداء في سبيل الله - عدد الشهداء في سبيل الله: 1 - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». متفق عليه (¬2). 3 - وَعَنْ جَابر بن عَتِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى القَتْلِ فِي سَبيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، المَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الهَدَمِ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذاتِ الجَنْب شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الحَرَقِ شَهِيدٌ وَالمَرْأَةُ تَمُوتُ بجُمْعٍ شَهِيدَةٌ». أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 4 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). - فضل الشهادة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2829) , واللفظ له، ومسلم برقم (1914). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2830) , واللفظ له، ومسلم برقم (1916). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3111) , وأخرجه النسائي برقم (1846)، وهذا لفظه. (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4772) , وأخرجه الترمذي برقم (1421)، وهذا لفظه.

يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} ... [آل عمران: 169 - 171]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} [النساء: 74]. 3 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ». متفق عليه (¬1). 4 - وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلاَّ الشَّهِيدَ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أخْرَى». متفق عليه (¬2). - كرامات الشهداء في سبيل الله: 1 - عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدالله (هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عَنْ هَذِه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} قَالَ: أَمَا إِنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمّ تَأْوِي إلَىَ تِلْكَ القَنَادِيلِ، فَاطّلَعَ إلَيْهِمْ رَبّهُمُ اطّلاَعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2817) , واللفظ له، ومسلم برقم (1877). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2795) , واللفظ له، ومسلم برقم (1877).

وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا أَنّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتّىَ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرّةً أُخْرَىَ، فَلَمّا رَأَىَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى». أخرجه البخاري (¬2). 3 - وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خِصَالاً: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيْمَانِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذاب القَبْرِ، وَيَأْمَنُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ؛ اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إنْسَاناً مِنْ أَقَارِبهِ». أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في «شعب الإيمان» (¬3). 4 - وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُغْفَرُ لِلشّهِيدِ كُلّ ذَنْبٍ، إلاّ الدّيْنَ». أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1887). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2809). (¬3) صحيح/ أخرجه سعيد بن منصور برقم (2562)، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» برقم (3949)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (3213)،. (¬4) أخرجه مسلم برقم (1886).

5 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي، جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ». متفق عليه (¬1). - أحكام الشهداء في سبيل الله: الشهداء في سبيل الله قسمان: الأول: من قُتِل في سبيل الله أمام العدو، فهذا لا يغسل، ويكفن في ثيابه التي استُشهد فيها، ويستحب تكفينه بثوب أو أكثر فوق ثيابه. وشهداء المعركة في سبيل الله الإمام مخير فيهم: إن شاء صلى عليهم صلاة الجنازة، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، والسنة دفنهم في مصارعهم، كما فعل رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في شهداء بدر وأحد. الثاني: كل ما سوى الشهيد في المعركة في سبيل الله كالغريق، ومن مات دفاعاً عن ماله ونحوهم من الشهداء في ثواب الآخرة، فهؤلاء الشهيد منهم يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين كغيره من الأموات. - فضل الجرح في سبيل الله: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يُكْلَمُ أحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1244) , واللفظ له، ومسلم برقم (2471). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2803) , واللفظ له، ومسلم برقم (1876).

- حكم نقل الأعضاء من إنسان لآخر: 1 - إذا احتاج حي من مجاهد وغيره إلى نقل عضو أو جزء من إنسان حي: 1 - إن كان النقل يؤدي إلى ضرر بالغ كقطع يد أو كِلْية، فهذا محرم. 2 - إن كان النقل يؤدي إلى الموت كنزع القلب أو الرئة، فهذا قتل للنفس، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله. 2 - إن كان النقل من ميت لإنسان حي: فهذا إن كانت مصلحة الحي ضرورية تتوقف حياته عليها كنقل القلب، أو الرئة، أو الكِلْية، فهذا يجوز عند الضرورة إذا أذن الميت قبل وفاته، ورضي المنقول إليه، وانحصر التداوي به، وقام بذلك طبيب ماهر. - حكم نقل الدم: يشرع للمسلم بذل الدم لأخيه المسلم المحتاج إليه بدون عوض، وفي ذلك أجر وثواب؛ لما فيه من نفع المحتاج إليه. وقد يكون فيه إنقاذ لحياة مسلم من موت محقق كما يحصل في الحروب من نزيف الدماء بسبب الجراح، وعند ولادة النساء ونحو ذلك. وقد يكون في خروجه من جسمه عاقبة حميدة له. وبيع الدم وأخذ ثمنه حرام، فإن أعطى المتبرع هدية مجازاة على معروفه وإحسانه فلا بأس بأخذها.

9 - أحكام الأسرى والسبي

9 - أحكام الأسرى والسبي - الأسرى: هم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأَسْرهم أحياء. - السبي: هم نساء وصبيان الكفار إذا ظفر بهم المسلمون أحياء. - أقسام الأسرى: أسرى الحرب من الكفار من جملة الغنائم، وهم على قسمين: 1 - النساء والصبيان، وهؤلاء يُسترقّون بمجرد السبي، ويُقسمون مع الغنائم كما يُقسم المال. 2 - الرجال المقاتلون، وهؤلاء يخير فيهم الإمام بين أربعة أمور: المنّ عليهم .. أو الفداء بمال أو بأسرى .. أو قتلهم .. أو استرقاقهم. يفصل الإمام بما هو الأصلح والأنفع للإسلام والمسلمين. وتقدير المصلحة يتم بحسب ما يُرى في الأسير من قوة بأس، وشدة نكاية، أو أنه مرجو الإسلام، أو مأمون الخيانة، أو مطاع في قومه، أو أن المسلمين في حاجة إلى المال أو المهنة ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)} [الأنفال: 67]. 2 - وقال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} ... [محمد: 4].

- هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأسرى: فَعَل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى ما فيه المصلحة كما يلي: 1 - قَتَل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجال بني قريظة، وقَتَل بعض أسرى بدر، النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وقتل في أحد أبا عزة الجمحي؛ وذلك لشدة أذاهم وخطرهم على الإسلام وأهله. 2 - استرق - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق، واسترق هوازن، واسترق بعض أسرى بدر، وخيبر، وقريظة، وحنين، وكل ذلك تمت به مصالح عظيمة. 3 - فدى - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل، وفدى مسلمَيْن بمكة بامرأة من فزارة، وفدى بعض أسرى بدر بمال. 4 - منّ - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة عام الفتح، ومنّ على ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة فأسلم، ومنّ على بعض أسرى بدر وهو العاص بن الربيع، والمطلب ابن حنطب. عَنْ جُبَيْرٍ بِن مطعم رَضيَ اللهُ عَنهُ: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيّاً، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». أخرجه البخاري (¬1). - صفة معاملة الأسرى والأرقاء: الإسلام دين العدل والرحمة والإحسان، مع المسلم والكافر، فيجب الإحسان إلى الأسير، وإكرامه، والعناية به، وإطعامه، وعدم إهانته أو إذلاله، أو الإساءة إليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3139).

1 - قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)} ... [الإنسان: 8 - 9]. 2 - وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأسِيرَ، وَأطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ». أخرجه البخاري (¬1). 3 - وَعَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ، فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بِأمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعِينُوهُمْ». متفق عليه (¬2). - حكم الرق: جاء الإسلام وأبواب الرق مفتوحة، فأغلقها إلا باب الأسر في الحرب، وفتح أبواب العتق للتخلص من الرق في كفارة الظهار، واليمين، والفطر في رمضان بالجماع وغيرها. 1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} ... [المجادلة: 3 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3046). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (30) , واللفظ له، ومسلم برقم (1661).

الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)} [المائدة: 89]. 3 - وقال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد: 11 - 13]. 4 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتاً: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ» فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النّارُ، أَوْ لَمَسّتْكَ النّارُ». أخرجه مسلم (¬1). - ما يُفعل بجيف الكفار: عَنْ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلام، فَأخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الَّلهُمَّ عَلَيْكَ المَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ، الَّلهُمَّ عَلَيْكَ أبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أبِي مُعَيْطٍ، وأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أوْ: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ». فَلَقَدْ رَأيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ أوْ أُبَيٍّ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلاً ضَخْماً، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أوْصَالُهُ قَبْلَ أنْ يُلْقَى فِي البِئْرِ. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1659). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3185) , واللفظ له، ومسلم برقم (1794).

10 - أحكام الغنائم والأنفال

10 - أحكام الغنائم والأنفال - الغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفار عن طريق الحرب والقتال. - أنواع الغنائم: الغنائم التي يأخذها المسلمون من الكفار ثلاثة أنواع: 1 - الأموال المنقولة كالنقود والحيوان والطعام. 2 - الأسرى والسبايا كالنساء والأطفال. 3 - الأرض. وتسمى الأنفال؛ لأنها زيادة في أموال المسلمين. - حكم الغنائم: أحل الله الغنائم لهذه الأمة، ولم يحلّها للأمم السابقة؛ لأن الله عز وجل علم ضعفنا وعجزنا فطيَّبها لنا. 1 - قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} ... [الأنفال: 69]. 2 - وَعَنْ جَابِر بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أعْطِيتُ خَمْساً، لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (335) , واللفظ له، ومسلم برقم (521).

- مَنْ يُعطى من الغنيمة: الغنيمة لمن شهد الوقعة سواء قاتل أو لم يقاتل. ولا يُسهم من الغنيمة إلا لمن توفرت فيه خمسة شروط: الإسلام .. والبلوغ .. والعقل .. والحرية .. والذكورية. فإن اختل شرط رُضِخ له ولم يُسْهم؛ لأنه ليس من أهل الجهاد. سَاَلَ نَجْدَةُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنّ بِسَهْمٍ؟ .. فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنّ فَيُدَاوِينَ الجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ. أخرجه مسلم (¬1). - كيفية قسمة الغنائم: الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال، وكيفية قسمة الغنائم كما يلي: 1 - يُخرِج الإمام خمس الغنيمة، ويقسمه على خمسة، سهم لله ولرسوله يُصرف في مصالح المسلمين العامة كالفيء، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين آزروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وناصروه، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. 2 - الباقي من الغنيمة وهو أربعة أخماس يُقسم بين الغانمين، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه. 1 - قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1812).

الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)} [الأنفال: 41]. 2 - وَعَنْ عَبْدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ فِي النّفَلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرّجُلِ سَهْماً. متفق عليه (¬1). - حكم تنفيل بعض المجاهدين: النَّفَل: ما يعطاه المجاهد زيادة على سهمه تشجيعاً له. كأن يقول الإمام من قتل قتيلاً فله سلبه، أو من أصاب شيئاً فله ربعه، أو يقول للسرية: ما أصبتم فهو لكم. وذلك كله جائز؛ لما فيه من التحريض على القتال. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)} [الأنفال: 65]. - أنواع التنفيل: يكون التنفيل للمجاهدين بحسب المصلحة كما يلي: 1 - ما يعطيه الإمام لبعض الجيش كالربع بعد إخراج خمس الغنيمة في بداية الغزو. وفي الرجعة من الغزو الثلث بعد الخمس؛ لأن هؤلاء رجع عنهم الجيش فزيدوا، بخلاف البداية فإن الجيش يعاضدهم. عَنْ حَبيب بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بَعْدَ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2863) , ومسلم برقم (1762)، واللفظ له.

الخُمُسِ وَالثلُث بَعْدَ الخُمُسِ إِذا قَفَلَ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 2 - ما يعطيه الإمام من أظهر نكاية في العدو، أو حصل له بلاء في القتال من زيادة على سهمه بعد إخراج الخمس. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سِهَامُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً، أوْ أحَدَ عَشَرَ بَعِيراً، وَنُفِّلُوا بَعِيراً بَعِيراً. متفق عليه (¬2). 3 - الجُعْل كأن يقول الإمام: من قتل فلاناً فله سلبه ونحو ذلك. عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ». فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. متفق عليه (¬3). - حكم السَّلَب: السلب: هو ما وجد على المقتول من لباس وسلاح وعدة حرب. ويستحق القاتل سَلَب المقتول الكافر بدون تخميس إذا قتله وحده بمبارزة أو طلب ونحوهما. 1 - عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلاً مِنَ العَدُوّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِياً عَلَيْهِمْ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: «ادْفَعْهُ إلَيْهِ» فَمَرّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرّ بِرِدَائِهِ. ثُمّ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2749) , وأخرجه ابن ماجه برقم (2851). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3134) , واللفظ له، ومسلم برقم (1749). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3051) , واللفظ له، ومسلم برقم (1754).

قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتُغْضِبَ. فَقَالَ: «لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلاً أَوْ غَنَماً فَرَعَاهَا، ثُمّ تَحَيّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضاً، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدِرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدِرُهُ عَلَيْهِمْ». أخرجه مسلم (¬1). 2 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بالسَّلَب لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ. أخرجه أبو داود (¬2). - حكم الانتفاع بالطعام قبل قسمة الغنائم: يجوز للمجاهدين في سبيل الله أن يأكلوا من الطعام، ويعلفوا دوابهم، قبل الخمس والقسمة، ما داموا في أرض العدو. 1 - عَنْ عَبْدالله بْنِ مُغَفّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَبْتُ جِرَاباً مِنْ شَحْمٍ، يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَالتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لاَ أُعْطِي اليَوْمَ أَحَداً مِنْ هَذَا شَيْئاً، قَالَ: فَالتَفَتُّ فَإذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَبَسِّماً. متفق عليه (¬3). 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا العَسَلَ وَالعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلا نَرْفَعُهُ. أخرجه البخاري (¬4). - حكم الغَلول من الغنائم: الغلول: هو السرقة من الغنائم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1753). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2721). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3153) , ومسلم برقم (1772)، واللفظ له. (¬4) أخرجه البخاري برقم (3154).

والغلول محرم، وهو من كبائر الإثم، قَلَّ أو كثر؛ لأنه أكل لأموال المسلمين بالباطل، وإشغال للمقاتلين بالانتهاب عن القتال، وذلك يفضي إلى اختلاف الكلمة، ثم الهزيمة. ومَنْ غَلَّ من الغنيمة فللإمام أن يؤدبه بما يرى فيه المصلحة له ولغيره من ضربٍ، أو تحريقِ ما غَلَّ ونحو ذلك. 1 - قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)} ... [آل عمران: 161 - 162]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقال لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ، فَقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هُوَ فِي النَّارِ». فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. أخرجه البخاري (¬1). - مكان قسمة الغنائم: يَقسم الإمام الغنائم حسب المصلحة. فله أن يقسمها بين المسلمين المقاتلين في دار الحرب بعد انهزام العدو كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - غنائم بني المصطلق في بلادهم، وكما قسم غنائم خيبر فيها. وله أن يقسم الغنائم في طريقه إلى بلده كما قسم غنائم حنين في الجعرانة قرب مكة، وكما قسم الغنائم بذي الحليفة قرب المدينة. - حكم مال المسلم إذا وجده عند العدو: إذا استرد المسلمون أموالاً لهم بأيدي الأعداء فأربابها أحق بها، وليس ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3074).

للمقاتلين منها شيء؛ لأنها ليست من المغانم. وإذا أسلم الحربي وبيده مال مسلم رده إلى صاحبه. وإذا أسلم الحربي وهاجر إلى دار الإسلام، واستولى المسلمون على زوجته وذريته وأمواله، فليس للمسلمين قسمة ذلك مع الغنائم؛ لأن للمسلم حرمة نفسه وماله وأهله. 1 - عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا». أخرجه مسلم (¬2). - حكم استيلاء الكفار على أموال المسلمين: يملك الكفار أموال المسلمين إذا استولوا عليها بطريق القتال والقهر والغلبة؛ لأنه زال ملك المسلم عنها باستيلاء العدو عليها. ولا يثبت تملكهم لها إلا بإحرازها في دار الحرب، فإن تمكَّن المسلمون من غلبتهم، وأخذوا ما في أيديهم، فإنه يرد إلى أصحابه. - حكم وطء المسبيات: النساء المسبيات ينفسخ نكاحهن بمجرد السبي. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) , وأخرجه مسلم برقم (21)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1218).

ولا يجوز وطؤهن إلا بعد قسمتهن، ثم تُستبرأ الحامل بوضع الحمل، وغير ذات الحمل بحيضة واحدة، وذلك لتُعلم براءة رحمها. عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لاَ تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً». أخرجه أبو داود (¬1). - حكم الأرض المغنومة: إذا كانت الغنيمة أرضاً فتحها المسلمون عنوة، فيخير الإمام فيها بين أمرين: الأول: قَسْمُها بين الغانمين. عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفاً لِنَوَائِبهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفاً بَيْنَ المُسْلِمِينَ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْماً. أخرجه أبو داود (¬2). الثاني: أن يقفها على المسلمين، فيقرها بحالها، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يدوم نفعه للمسلمين، يؤخذ ممن هي بيده، يكون أجرة لها كل عام، كما فعل عمر رضي الله عنه بما فتحه من أرض الشام ومصر والعراق. عَنْ أسْلَم أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أنْ أتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّاناً لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2157). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3010). (¬3) أخرجه البخاري برقم (4235).

- حكم الفيء: الفيء: هو ما أخذ من الكفار بلا قتال كالجزية والخراج والعشر وما تركوه فزعاً ونحو ذلك مما لم يتعب المسلمون في تحصيله. ومصرف الفيء مصرف خمس الغنيمة، فيُصرف في مصالح المسلمين العامة، حسب المصلحة والحاجة؛ لأن نفعها عام. 1 - قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} ... [الحشر: 6].

11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات

11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات ينتهي القتال بين المسلمين والكفار بطرق متعددة منها: الدخول في الإسلام .. أو عقد الأمان .. أو عقد الهدنة .. أو عقد الذمة. 1 - انتهاء القتال بالإسلام: إذا دخل الكفار في الإسلام عُصمت دماؤهم وأموالهم، وصار لهم حكم المسلمين في كل شيء. وإعلان الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين بأن يقول الكافر: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ». متفق عليه (¬1). 2 - انتهاء القتال بالأمان: الأمان: عقد يفيد ترك القتال مع الحربيين. وفائدته ثبوت الأمن والطمأنينة للمستأمنين، فيحرم قتل رجالهم، وسبي ذراريهم، ويصح من كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، وفي الحرب لا يعقده إلا الإمام أو نائبه. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (25) , ومسلم برقم (22)، واللفظ له.

ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]. 2 - وَعَنْ عَبدِاللهِ بنْ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَة: «المُسْلِمُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 3 - انتهاء الحرب بالهدنة: الهدنة: هي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو بدون عوض. وتسمى الصلح أو الموادعة، ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، يعقدها مع الكفار حسب المصلحة والحاجة. والأمان والهدنة عقود أمان يترتب عليها انتهاء الحرب، وثبات الأمن والطمأنينة بين الطرفين، وقد رغب فيها الإسلام لما فيها من المصالح. قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} ... [الأنفال: 61]. 4 - انتهاء القتال بعقد الذمة: عقد الذمة: التزام إقرار الكفار في ديار المسلمين، وحمايتهم والدفاع عنهم مقابل الجزية التي تؤخذ منهم. ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ويحرم قتال أهل الذمة وقتلهم ما داموا ملتزمين بالعهد. 1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6797) , وهذا لفظه، وأخرجه أبو داود برقم (2751).

مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. 2 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. أخرجه مسلم (¬1). - حكم الهجرة من بلاد الكفر: المسلم المقيم في بلاد الكفر له ثلاث حالات: الأولى: من لا يمكنه إظهار دينه، ولا أداء واجباته، وهو قادر على الهجرة. فهذا تجب عليه الهجرة إلى بلاد الإسلام. الثانية: من يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته، وهو قادر على الهجرة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1731).

فهذا تستحب له الهجرة؛ لتكثير سواد المسلمين، والأمن من غدر الكفار، والسلامة من رؤية المنكرات. الثالثة: عاجز معذور بأسر أو مرض أو غيره. فهذا تجوز له الإقامة، ومتى تيسرت له الهجرة هاجر. 1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة:119]. 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال: 74].

12 - أحكام غير المسلمين

12 - أحكام غير المسلمين - أقسام الكفار: الكفار قسمان: أهل حرب .. وأهل عهد. وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة .. وأهل أمان .. وأهل هدنة. 1 - أهل الذمة: وهم الكفار المقيمون في دار الإسلام. ويُقَرُّون في دار الإسلام إذا دفعوا الجزية، والتزموا أحكام الإسلام. 2 - أهل الأمان: وهم الكفار الذين يَقْدمون إلى بلاد المسلمين من غير استيطان لها بقصد التجارة أو الزيارة. فهؤلاء وأمثالهم يُعرض عليهم الإسلام، فإن أجابوا وإلا وجب ردهم إلى مأمنهم. 3 - أهل الهدنة: وهم الكفار الذين في دارهم، وقد عاهدوا المسلمين وصالحوهم على ترك القتال مدة معلومة. وهذه أقسام الناس من غير المسلمين وأحكامهم.

1 - أهل الذمة

1 - أهل الذمة - عقد الذمة: هو إقرار الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الإسلام. - حكم عقد الذمة: عقد الذمة لا يعقده إلا الإمام أو نائبه. ويجوز عقد الذمة لليهود، والنصارى، والمجوس، وكل كافر أو مشرك. 1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} ... [التوبة: 29]. 2 - وَعَن المُغِيرَة بْن شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا - صلى الله عليه وسلم - أنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ أوْ تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ. أخرجه البخاري (¬1). - شروط عقد الذمة: يشترط لصحة عقد الذمة ما يلي: 1 - أن يكون المعقود لهم من الكفار. 2 - أن يكون العقد من الإمام الأعظم أو نائبه. 3 - أن يدفع الكفار الجزية. 4 - أن يلتزمون أحكام الإسلام. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3159).

فإذا توفرت هذه الشروط أعطاهم الإمام عهداً مستمراً للبقاء في دار الإسلام، أو البقاء في ديارهم، كما عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نصارى نجران في بلادهم. - كيفية التزام أهل الذمة بأحكام الإسلام: يتضمن هذا الالتزام خمسة أمور هي: 1 - الخضوع لولاية القضاء الإسلامي، والتحاكم إليه. 2 - التميز عن المسلمين بما يدل عليهم؛ لئلا يغتر بهم الناس، وللإمام الإلزام به أو تركه حسب المصلحة. 3 - اجتناب ما فيه غضاضة على المسلمين في دينهم كالتعرض لأحكام الإسلام، أو الرسول، أو القرآن، بالنقد أو السخرية أو الاستهزاء ونحو ذلك. 4 - اجتناب ما فيه ضرر على المسلمين كالاجتماع على قتال المسلمين، أو التجسس عليهم، أو الزنا، أو شرب الخمور ونحو ذلك. 5 - عدم إظهار المنكرات كإحداث البِيَع والكنائس، وإظهار الخمر والخنزير، والضرب بالناقوس، وتعلية البنيان على المسلم، والتعري وعدم الحشمة ونحو ذلك. - حكمة أخذ الجزية من الكفار: الجزية: هي المال المأخوذ من الكفار مقابل الكف عن قتالهم، أو إسكانهم دار الإسلام. فالذمي يتمتع بحماية الدولة الإسلامية له، ويُعفى من الخدمة العسكرية، ويَنْعم بأمن البلاد وخيراتها، مقابل استقراره في دار الإسلام، وحقن دمه،

والكف عن قتاله. وسر أخذ الجزية من الكفار وإقامتهم مع المسلمين، تهيئة الجو الإسلامي لهم، لعلهم يسلمون باختيارهم، ولهذا أوجب الإسلام حسن معاملتهم، والإحسان إليهم وعدم الإساءة إليهم. 1 - قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} ... [الممتحنة: 8]. 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬1). - مقدار الجزية: مقدار الجزية يفرضه الإمام أو نائبه حسب العسر واليسر، وحسب اختلاف المكان والزمان والبلاد. وتؤخذ من الذهب أو الفضة أو النقود أو غيرها من الأشياء المباحة كالثياب والطعام والحيوان وغيرها مما ينتفع به الإنسان في حياته مما أحله الله، وما بذلوه وجب قبوله، وتؤخذ من الذمي في نهاية العام. - من تجب عليه الجزية: تجب الجزية على كل من يجب قتله مقابل الكف عنه، وهو كل كافر، بالغ، عاقل، ذكر، حر، صحيح، قادر. وتسقط الجزية عن الكافر بإسلامه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3166).

- من لا تؤخذ منه الجزية: لا تؤخذ الجزية من الصبي، والمجنون، والمرأة، والرقيق، والمريض، والفقير، والأعمى، والهرم، والراهب ونحوهم ممن لا قدرة له على العمل. - أحكام أهل الذمة: 1 - إذا أدى أهل الذمة الجزية وجب قبولها منهم، وحرم قتالهم، أو إهانتهم، أو الإساءة إليهم. 2 - نظهر لهم عند استلام الجزية القوة والعزة، ونستلمها من أيديهم وهم صاغرون. 3 - نحترمهم، كلٌّ بحسبه؛ تأليفاً لقلوبهم. 4 - تجوز عيادتهم، وتعزيتهم، والإحسان إليهم؛ تأليفاً لقلوبهم، وطمعاً في إسلامهم. 5 - لا يجوز تصدير أهل الذمة في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بدئهم بالسلام، فإن سلموا علينا وجب الرد عليهم بقولنا: وعليكم. 6 - لا تجوز تهنئة أهل الذمة بأعيادهم، ولا حضور حفلاتهم. 7 - إجراء أحكام الإسلام عليهم في المعاملات والعقوبات الجنائية. 1 - قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]. 2 - وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} ... [الممتحنة: 8].

3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ تَبْدَؤُا اليَهُودَ وَلاَ النّصَارَىَ بِالسّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرّوهُ إِلَىَ أَضْيَقِهِ». أخرجه مسلم (¬1). 4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». متفق عليه (¬2). 5 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيباً مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ المَسْجِدِ. متفق عليه (¬3). 6 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ». فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري (¬4). - فضل مَنْ أسلم من أهل الكتاب وغيرهم: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)} [الكهف: 107]. 2 - وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ، آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إذَا أدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أمَةٌ يَطَؤُهَا، فَأدَّبَهَا فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2167). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6225) , واللفظ له، ومسلم برقم (2163). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1329)، واللفظ له, ومسلم برقم (1699). (¬4) أخرجه البخاري برقم (1356).

وَعَلَّمَهَا فَأحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أجْرَانِ». متفق عليه (¬1). - حكم بقاء الكفار في جزيرة العرب: لا يجوز إقرار اليهود والنصارى وسائر الكفار في جزيرة العرب للسكنى؛ لئلا يجتمع في جزيرة العرب دينان. أما استقدامهم للعمل فيجوز عند الضرورة والحاجة بشرط أن نأمن شرهم، فإذا زالت الحاجة أُخرجوا. عَنْ عُمَر بن الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لأُخْرِجَنّ اليَهُودَ وَالنّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، حَتّى لاَ أَدَعَ إِلاّ مُسْلِماً». أخرجه مسلم (¬2). - حكم دخول الكافر المسجد: 1 - لا يجوز للكفار دخول حرم مكة. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة: 28]. 2 - لا يجوز للكفار دخول بقية المساجد إلا بإذن مسلم لحاجة، أو مصلحة ترجى كإسلامه. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أطْلِقُوا ثُمَامَةَ». فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (97) , واللفظ له، ومسلم برقم (154). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1766).

قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. متفق عليه (¬1). - حكم بناء الكنائس والبِيَع: المساجد بيوت الإيمان، والكنائس والبِيَع بيوت الشرك والكفر. والمساجد بيوت عبادة الله للمسلمين، والكنائس والبِيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير الله. والأرض لله عز وجل، وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله عز وجل. ونهى سبحانه عن كل ما يُعبد فيه غير الله؛ لما فيه من إقرار بالباطل، وتهيئة الفرصة للقيام به، وغش الناس بوضعه بينهم. 1 - قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]. - الأشياء التي ينتقض بها عهد الذمي: ينتقض عهد الذمي بما يلي: 1 - الامتناع من بذل الجزية. 2 - عدم التزام أحكام الإسلام. 3 - أن يقاتل المسلمين، سواء كان منفرداً أو مع أهل الحرب. 4 - أن يلتحق الذمي بدار الحرب مقيماً بها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (462) , واللفظ له، ومسلم برقم (1764).

5 - أن يتجسس على المسلمين، وينقل أخبارهم إلى الأعداء. 6 - الزنا بالمرأة المسلمة. 7 - أن يذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - بسوء. وإذا انتقض عهد الذمي حَلّ دمه وماله، وصار حربياً يخير فيه الإمام بين: القتل .. أو الاسترقاق .. أو المَنّ بلا فدية .. أو الفداء. يفعل الإمام ما فيه المصلحة بحسب حجم الجريمة. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سَعْدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمّا دَنَا قَرِيباً مِنَ المَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيّدِكُمْ» (أَوْ خَيْرِكُمْ). ثُمّ قَالَ: «إنّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذُرّيّتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ الله». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3043)، ومسلم برقم (1768)، واللفظ له.

2 - أهل الهدنة

2 - أهل الهدنة - عقد الهدنة: هو عقد الإمام أو نائبه على ترك قتال العدو مدة معلومة. - حكم عقد الهدنة: عقد الهدنة عقد لازم بين الطرفين. ويسن هذا العقد عند المصلحة والحاجة، ولا يعقده إلا الإمام أو نائبه، وتجوز الهدنة بعوض أو بدون عوض. يعقده الإمام أو نائبه عند الحاجة، حيث جاز تأخير الجهاد لعذر كضعف المسلمين، أو تكالب الأعداء ونحو ذلك. - الأحوال التي يجب فيها عقد الهدنة: يجب عقد الهدنة في حالتين: الأولى: إذا طلب العدو عقد الهدنة أجبناه؛ حقناً للدماء، ورغبة في السلم، كما هادن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشركي قريش، ووادعهم في صلح الحديبية على ترك القتال عشر سنين. قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)} ... [الأنفال: 61 - 62]. الثانية: البدء بالقتال في الأشهر الحرم (ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب). فنعاهد العدو على ترك القتال في هذه الأشهر، فإن بدأ العدو بالقتال قاتلناه دفاعاً عن أنفسنا وديارنا، وكذا لو دخلت الأشهر والحرب قائمة، ولم

يستجب العدو للموادعة نقاتله. قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} [التوبة: 36]. - ما يترتب على عقد الهدنة: يترتب على عقد الهدنة ما يلي: إنهاء الحرب بين الطرفين المتحاربين .. أَمْن الناس على أنفسهم وأموالهم وأهلهم .. كف الأذى. - شروط صحة الهدنة: يشترط لصحة الهدنة ما يلي: 1 - أن يعقدها مع الأعداء الإمام أو نائبه. 2 - أن تُعقد لمصلحة إسلامية كضعف المسلمين، أو رجاء إسلام العدو. 3 - أن تكون مؤقتة بمدة معينة. وتنتقض الهدنة إذا نقضها العدو بقتال، أو بمناصرة عدو آخر، وبما ينتقض به عقد الذمة كما سبق. 1 - قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58]. 2 - وقال الله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)} [التوبة: 12].

- ما يفعله الإمام إذا علم بغدر المعاهدين: إذا علم إمام المسلمين خيانةً وغدراً من عاهدهم، فلا يحل له محاربتهم إلا بعد إعلامهم بنبذ العهد، حتى لا يؤخذوا على غِرّة. قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58].

3 - أهل الأمان

3 - أهل الأمان - الأمان: هو تأمين الكافر في دار الإسلام مدة محدودة. وهذا الأمان ليس عقداً؛ بل أمان فقط، حتى يبيع المستأمن تجارته في بلاد المسلمين ويرجع، أو حتى يشاهد بلاد المسلمين ويرجع، أو حتى يسمع كلام الله ويرجع. - من يصح منه الأمان: يصح الأمان من كل مسلم، بالغ، عاقل، مختار، سواء كان ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً. فيصح من الإمام لعموم الكفار، ويصح من المسلم للكافر، فيقول له: أنت آمن، أو لا بأس عليك، أو قد أجَرْناك ونحو ذلك. - حكم الأمان: يجوز الأمان من كل مسلم، سواء كان الإمام أو من آحاد الناس المسلمين. 1 - قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]. 2 - وَعَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْت أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ». فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «مَرْحَباً بِأمِّ هَانِئٍ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أمِّي، أنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ

أجَرْتُهُ، فُلانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ يَا أمَّ هَانِئٍ». قَالَتْ أمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحىً. متفق عليه (¬1). - حقوق المستأمن: المستأمن: هو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان. فهذا له حق الأمان بالمحافظة على نفسه وماله، وسائر حقوقه ومصالحه، مادام مستمسكاً بحكم الأمان. وعليه الالتزام بأحكام الإسلام في المعاملات، والخضوع لأحكام الإسلام في الجنايات والعقوبات. ويحرم على الناس أذاه، أو سبه، أو الإساءة إليه، أو قتله. 1 - عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أدْنَاهُمْ، فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ». متفق عليه (¬2). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَاماً». أخرجه البخاري (¬3). - حكم الوفاء بالعهود والعقود: يجب الوفاء بالعهود والعقود، وعدم الوفاء بها يستوجب مقت الله وغضبه، والوفاء بها خُلُق الأنبياء والمرسلين، سواء كانت مع مسلم أو كافر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (357) , واللفظ له، ومسلم برقم (336). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6755) , واللفظ له، ومسلم برقم (1370). (¬3) أخرجه البخاري برقم (3166).

1 - قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ... [المائدة: 1]. 2 - وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)} [الإسراء: 34]. 3 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 2 - 3]. 4 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عليه (¬1). - شروط العهود والعقود: يشترط في العهود والعقود التي يجب احترامها والوفاء بها ما يلي: 1 - ألا تخالف القرآن والسنة. 2 - أن تكون عن رضا واختيار بين الطرفين. 3 - أن تكون بينة واضحة، لا لبس فيها ولا غموض. - حكم نقض العهود والعقود: لا يجوز نقض العهد إلا في إحدى الأحوال الآتية: 1 - إذا كانت مؤقتة بوقت وانتهت مدتها. قال الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)} [التوبة: 4]. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) , واللفظ له، ومسلم برقم (58).

2 - إذا أخل العدو بالعهد. 1 - قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)} ... [التوبة: 7]. 2 - وقال الله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)} ... [التوبة: 13]. 3 - إذا ظهرت من العدو بوادر الغدر، ودلائل الخيانة. قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58].

13 - أحكام الرجوع من الجهاد

13 - أحكام الرجوع من الجهاد - ما يقوله إذا قفل من الغزو: 1 - عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعاً، فَاقْتَحَمَ أبُو طَلْحَةَ فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قالَ: «عَلَيْكَ المَرْأةَ». فَقَلَبَ ثَوْباً عَلَى وَجْهِهِ وَأتَاهَا فَألْقَاهُ عَلَيْهَا، وَأصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، قالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. متفق عليه (¬2). - ما يفعله عند القدوم من السفر: 1 - عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَاراً فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1797) , واللفظ له، ومسلم برقم (1344). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3085) , واللفظ له، ومسلم برقم (1345).

متفق عليه (¬1). 2 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَطْرُقُ أهْلَهُ، كَانَ لا يَدْخُلُ إِلا غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً. متفق عليه (¬2). - البشارة بالفتوح: عَنْ جَرِير بن عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ». وَكَانَ بَيْتاً فِيهِ خَثْعَمُ، يُسَمَّى كَعْبَةَ اليَمَانِيَةِ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أحْمَسَ، وَكَانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ، فَأخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي لا أثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأيْتُ أثَرَ أصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فَقال: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً». فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، فَأرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُهُ، فَقال رَسُولُ جَرِيرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأنَّهَا جَمَلٌ أجْرَبُ، فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. متفق عليه (¬3). - استقبال الغزاة: 1 - عَنِ السَّائِب بن يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ. أخرجه البخاري (¬4). 2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ، فَحَمَلَنِي ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4418) , ومسلم برقم (716)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1800) , واللفظ له، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (715). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3076) , واللفظ له، ومسلم برقم (2476). (¬4) أخرجه البخاري برقم (3083).

بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ، فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، قَالَ: فَأُدْخِلْنَا المَدِينَةَ، ثَلاَثَةً عَلَى دَابَّةٍ. أخرجه مسلم (¬1). - الطعام عند القدوم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ نَحَرَ جَزُوراً أوْ بَقَرَةً. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2428). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3089) , واللفظ له، ومسلم برقم (715).

14 - فضل الحمد والشكر

14 - فضل الحمد والشكر - نعم الله على العباد: نعم الله على الناس نوعان: نعم مادية .. ونعم روحية. 1 - النعم المادية: وهي كل ما خلقه الله في هذا الكون من أجل الإنسان. 1 - قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} [لقمان: 20]. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53]. 2 - النعم الروحية: وهي الدين الذي أرسل الله به رسله لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة، وهذه أجَلّ النعم وأعظمها وأكملها وأتمها. قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ... [المائدة: 3]. فلله الحمد والشكر على جميع نعمه المادية والروحية حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شاء الله من شيء بعد. {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} [الجاثية: 36].

- المستحق للحمد: الله وحده لا شريك له هو المستحق للحمد والشكر: فهو المحمود على كمال أسمائه وصفاته وحسن أفعاله. وهو المحمود على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. وهو المحمود على إكرامه لأهل الإيمان والعدل والإحسان. وهو المحمود على انتقامه من أهل الكفر والظلم والإساءة. وهو المحمود على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه ومغفرته. وهو سبحانه المحمود على قضاء حاجات العباد، وتدبير أمورهم، وإجابة دعائهم، وقسمة أرزاقهم. وهو سبحانه المحمود على جماله وجلاله، وعلى نعمه وآلائه، وعلى قضائه وقدره، وعلى دينه وشرعه، وعلى جميع أفعاله 1 - قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ... [الفاتحة: 2 - 4]. 2 - وقال الله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية: 36 - 37]. - أصول الشكر لله: أصول الشكر وقواعده التي لا يكمل إلا بها هي: خضوع الشاكر للمشكور سبحانه .. وحبه له .. واعترافه بنعمه .. وثناؤه عليه بها .. واستعمالها فيما يحب الله .. وعدم استعمالها فيما يكره. ومتى نقص منها واحدة اختلت قاعدة من قواعد الشكر للرب جل جلاله.

- أسباب الشكر ومنابعه: أسباب الشكر ومنابعه كثيرة: فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر .. والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر .. والعلم بعظيم حلم الله شكر .. والعلم بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر .. وقلة الاعتراض على قسمة الأرزاق شكر .. وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر .. واستعظام صغيرها شكر .. ووضعها في مكانها شكر .. وصرفها في طاعة الله شكر. 1 - قال الله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)} ... [إبراهيم: 34]. 2 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)} [لقمان: 12]. - أنواع تربية الله لخلقه: الله عز وجل هو المنعم بجميع النعم وحده، والنعم كلها من آثار رحمته. وتربية الله لخلقه نوعان: 1 - تربية عامة: وهي خلقه لجميع المرزوقين ورِزْقهم وهدايتهم لما فيه مصلحتهم في الدنيا. 2 - تربية خاصة: وهي تربيته سبحانه لأوليائه المؤمنين. فيربيهم سبحانه بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويكملهم به، ويدفع عنهم الصوارف التي تحول بينهم وبينه، بتوفيقهم لكل خير، وعصمتهم من كل شر.

فلله الحمد أولاً وآخراً، والحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} ... [الجاثية: 36 - 37]. {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر: 65]. «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». متفق عليه (¬1). «رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أحَقُّ مَا قال العَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ». أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1120) , واللفظ له، ومسلم برقم (769). (¬2) أخرجه مسلم برقم (477).

15 - فضل التوبة والاستغفار

15 - فضل التوبة والاستغفار - أعظم الأمانات: الدين هو الأمانة الكبرى التي تحمَّلها الإنسان. فالدين أمانة .. والعمل به أمانة .. وتعلمه وتعليمه أمانة .. والدعوة إليه أمانة .. والمحافظة عليه أمانة، وأعضاء الإنسان كلها أمانة. فاللسان أمانة .. والقلب أمانة .. والعقل أمانة .. والسمع أمانة .. والبصر أمانة .. واليد أمانة .. والرجل أمانة .. والفكر أمانة .. والوقت أمانة .. والمال أمانة .. وأحكام الدين كلها أمانة. فالطهارة أمانة .. والصلاة أمانة .. وفعل الواجبات أمانة .. وترك المنهيات أمانة .. والعدل أمانة .. والأخلاق أمانة. والله سبحانه أمرنا أن تؤدى الأمانات التي تحمَّلناها؛ لنَسْعد وتَسعد البشرية في الدنيا والآخرة، وبذلك يتحقق مراد الله من خلقه بعبادته وحده لا شريك له. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)} ... [الأحزاب: 72 - 73]. 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} ... [النساء: 58]. - أحوال الإنسان في الحياة: كل إنسان في هذه الحياة يتقلب بين خمسة أمور:

نعمة من الله يجب عليه شكرها .. وأمر من الله يجب عليه فعله .. ونهي يجب عليه اجتنابه .. وذنب يجب عليه الاستغفار منه .. ومصيبة يجب عليه الصبر عليها .. فهذه أصول واجبات الدين. وقد ابتلى الله سبحانه كل إنسان بالغفلة والنسيان، والنفس والشيطان، والجهل والخطأ، والعجز والكسل. والله عز وجل يريد تكميل محبوباته من الإيمان والطاعات .. والنفس تريد تكميل محبوباتها من الشهوات والملذات .. والرسل وأتباعهم يدعون الناس إلى عبادة الله وحده .. والشيطان يريد جر الناس إلى طاعته ليشتغلوا بمعصية الله ثم ينالوا عقابه. والحرب سجال .. ولا نجاة للعبد إلا بالإيمان بالله .. والتوكل عليه .. ولزوم عبادته وذكره .. ودوام التوبة والاستغفار .. والحذر من طاعة النفس والشيطان وجنوده. 1 - قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} [الشورى: 25]. 2 - وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} ... [النساء: 27 - 28]. 3 - وقال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117].

- حكم التوبة: التوبة من الذنوب والمعاصي واجبة على كل أحد، ومن تاب إلى الله فإن الله يتوب عليه. والناس رجلان: تائب وظالم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. 1 - قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} ... [النور:31]. 2 - وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ... [التحريم: 8]. 3 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11]. - وقت التوبة: وقت التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها. والتوبة التي يقبلها الله عز وجل من الإنسان هي ما كانت قبل معاينة الموت والعذاب المهلك. أما بعد حضور الموت فلا يُقبل من الكفار رجوع، ولا من العاصين توبة. 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} ... [النساء: 17 - 18]. 2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى

تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». أخرجه مسلم (¬1). - شروط التوبة: شروط التوبة: إن كانت المعصية بين العبد وربه فشروط التوبة منها خمسة: أن تكون التوبة خالصة لله .. وأن تكون في وقتها .. وأن يقلع عن المعصية .. وأن يندم على فعلها .. وأن يعزم ألا يعود إليها. فإن فقد أحد هذه الشروط لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فتزيد مع هذه شرطاً سادساً بأن يَبرأ من حق صاحبها باستحلاله أو رد حقه. والتوبة النصوح تتضمن ثلاثة أمور: التوبة من جميع الذنوب والمعاصي .. إجماع العزم على التوبة .. إخلاص التوبة لله. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)} [التحريم: 8]. - صفة توبة العبد من عمله: توبة المسلم من عمله تنقسم إلى قسمين: الأول: توبة العبد من حسناته، وهذه ثلاثة أضرب: 1 - أن يتوب ويستغفر من تقصيره في العبادة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2759).

2 - أن يتوب مما كان يظنه حسنات كحال أهل البدع. 3 - أن يتوب من إعجابه بعمله، ورؤيته أنه فَعَله بقوته وحوله. الثاني: توبة العبد من فعل السيئات، وهذه على ضربين: توبة من ترك مأمور .. وتوبة من فعل محظور. - أنواع التوبة: التوبة ثلاثة أنواع: الأول: التوبة الصحيحة: وهي أن يقترف العبد ذنباً، ثم يتوب منه بصدق. الثاني: التوبة الأصح: وهي التوبة النصوح، وعلامتها أن يكره العبد المعاصي، ويستقبحها فلا تخطر له على بال، وينزه قلبه عن الذنوب. الثالث: التوبة الفاسدة: وهي التوبة باللسان، مع بقاء لذة المعصية في القلب. - فضل التوبة والاستغفار: شرع الله التوبة والاستغفار في كل وقت وأكَّد عليها، ورغَّب في التوبة والاستغفار في خواتيم الأعمال الصالحة كالوضوء، والصلاة، وقيام الليل، والحج، ومجالس العلم والذكر، وختام المجلس، والجهاد، والدعوة إلى الله وغير ذلك. وجميع الناس محتاجون إلى التوبة والاستغفار: الأنبياء والمرسلون .. والمؤمنون المتقون .. والفجار والفاسقون .. والله يفرح بتوبة كل تائب مهما بلغ ذنبه ويتوب عليه. 1 - قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110]. 2 - وقال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ

اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53]. 3 - وقال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} ... [البقرة:37]. 4 - وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:1 - 3]. 5 - وقال آدم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} ... [الأعراف: 23]. 6 - وقال نوح - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح: 28]. 7 - وقال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} ... [البقرة: 127 - 128]. 8 - وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه البخاري (¬1). 9 - وَعَنِ الأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». أخرجه مسلم (¬2). 10 - وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أضَلَّهُ فِي أرْضِ فَلاةٍ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6307). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2702). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6309) , واللفظ له، ومسلم برقم (2747).

الخاتمة

الخاتمة يقول العبد الفقير إلى ربه ومولاه، كاتب هذه الأوراق، ومحرر هذه السطور، محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري. أحمد ربي وأشكره على عظيم نعمه، وجميل إحسانه، على ما وفقني إليه من الهداية للإسلام، ويسر لي تحرير هذه الموسوعة بمنه وفضله، وتوفيقه وعونه، أحمده سبحانه على نعمة البدء والختام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأله سبحانه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبلها، وأن ينفع بها المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وأستغفر الله وأتوب إليه، من كل زلل أو تقصير أو خطأ غير مقصود، وأسأله عز وجل أن يغفر لي، ولوالدي، وأهل بيتي، وجميع المسلمين والمسلمات. وأسأله العفو عن كل ما زل به اللسان، أو طغى به القلم. أحمد ربي وأشكره على تمام هذه النعمة، وأستغفره وأتوب إليه، وأصلي وأسلم على سيد الأنبياء والمرسلين، رسول رب العالمين إلى الخلق أجمعين، محمد - صلى الله عليه وسلم -، أفضل من عرف ربه، وأزكى من عبد مولاه وعلّم شرعه، ودعا إلى دينه، وبلّغ البلاغ المبين، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)} ... [آل عمران: 193]. {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} ... [آل عمران: 53].

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} [البقرة: 286]. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23]. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران: 147]. {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح: 28]. {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} [الأحقاف: 15]. «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّك أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». متفق عليه (¬1). «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». أخرجه أحمد والترمذي (¬2). {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182]. «سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ». متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834) , ومسلم برقم (2705)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (10420) , وأخرجه الترمذي برقم (3433)، وهذا لفظه. (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7563) , واللفظ له، ومسلم برقم (2694).

§1/1