موسوعة التفسير قبل عهد التدوين

محمد عمر الحاجى

القسم الأول تفسير القرآن الكريم في العهد النبوي

القسم الأول تفسير القرآن الكريم في العهد النّبويّ

الباب الأول مع القرآن الكريم

الباب الأول مع القرآن الكريم

تمهيد

بسم الله الرّحمن الرّحيم تمهيد الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام أجمعين، ومن سار على هذا الدرب إلى يوم الدين، وبعد: فقد أرسل الله رسوله بمهمة تفصيل وتبيان ما أجمل في القرآن الكريم، كما في قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (¬1). وقوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (¬2). وجاء في القرآن الكريم توجيهات دقيقة تبين مدى ارتباط القرآن الكريم بالسنّة النبوية، وذلك من خلال ربط طاعة الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (¬3). ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) النحل: 64. (¬3) النساء: 80.

وقوله: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) (¬1). لكن الطاعة لا تكون باللسان فحسب، إنما يتعدى ذلك إلى كل جزئيات حركة الإنسان، (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (¬2). وهكذا، فمن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتبّع ما تحدّث به عن القرآن، أي ما فسره الرسول من القرآن، ذلك لأن أفضل ما يفسّر القرآن القرآن ذاته، ثم ما يفسره رسول الله. وهذا التفسير النبوي ليس إلا وحيا من الله، وكما قال العلماء: القرآن وحي مجمل والسنة وحي مفصّل، ولا غنى لأحدهما عن الآخر: وحي بتفصيل ووحي مجمل ... تفسيره ذاك وحي ثان وعلى هذا المنوال عاش الرعيل الأول من هذه الأمة مع القرآن وتفسير رسول الله لما أبهم وأجمل وأشكل منه، ولم يعرف عن أحد منهم تفسيره بالرأي، ولم يؤثر عن أحدهم أن له تفسيرا للقرآن الكريم. ودار الزمن دورته، وإذا بين أيدي المسلمين طائفة كبيرة من كتب التفاسير، زاد بعضها عن عشرات المجلدات، ويتساءل العاقل: كيف حدث هذا التضخّم؟ وماذا حشيت هذه المجلدات؟! صحيح أن بعضها- وهي القلة- يحوي زبدة الأحكام والقضايا المهمة، لكن الكثير منها يحوي الغث والسمين، ودخلت الإسرائيليات والموضوعات والبدع فيها، واختلط الحابل بالنابل، حتى ضاع الكلم الطيب في هذا الزحام. ¬

_ (¬1) النساء: 64. (¬2) النساء: 65.

والطامة الكبرى أن الأمة ابتليت بمن تصدّى لتفسير الكتاب العزيز، وهو لا يرقى إلى فهم مقطوعة من النثر أو الشعر العربي، وفسروا القرآن بعيدا عن السنة، فكان ما كان، ورحم الله القائل: تصدّر للتأليف كل مهوّس ... جهول يسمى بالفقيه المدرّس وحقّ لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى استامها كل مفلس لكن العودة إلى سنة رسول الله لنلتقط منها ما صحّ عن رسول الله في مجال تفسير كتاب الله هو الضابط لكل ما يدور في هذا الحقل، وكان هذا الكتاب المتواضع، سائلا الله القبول والعفو، إنه هو السميع المجيب. ***

الفصل الأول الفرق بين التفسير والتأويل

الفصل الأول الفرق بين التفسير والتأويل على الرغم من أن العرب الذين أنزل فيهم القرآن الكريم، كانوا على مستوى رفيع من التذوّق اللغوي، وذلك من خلال اهتمامهم بالشّعر والبلاغة ونحو ذلك، على الرغم من ذلك فإنما احتيج إلى شرح وتأويل للقرآن الكريم، قال الإمام السيوطي: (إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق معانيه، فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر، كسؤالهم لما نزل قوله: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (¬1). فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟! ففسّره النبي صلى الله عليه وسلم، واستدلّ عليه بقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬2). وكسؤال عائشة رضي الله عنها عن الحساب اليسير، فقال: «ذلك العرض». وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك، مما سألوا عن آحاد منه، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه، ¬

_ (¬1) الأنعام: 82. (¬2) لقمان: 13.

وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشدّ الناس احتياجا إلى التفسير، ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة، وكشف معانيها، وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض) (¬1). وهكذا فمسألة تفسير القرآن وتأويله شرف كبير يؤتيه الله من شاء من خلقه، دليل ذلك قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (¬2). وفسّر الحكمة حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه بقوله: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. ومن طريق آخر قال ابن عباس: يعني تفسير القرآن، فإنه قد قرأه البرّ والفاجر. وزاد أبو الدرداء فقال: الحكمة هي: قراءة القرآن والفكرة فيه. قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك أن شرف الصناعة إمّا بشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة، وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة الكناسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح، وإما لشدّة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام ¬

_ (¬1) الإتقان في علوم القرآن: 4/ 170. (¬2) البقرة: 269.

صلاح أحوال الدنيا والدين، بخلاف الطب، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. وعلق الحافظ السيوطي على ذلك بقوله: إذا عرف ذلك، فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث، أما من جهة الموضوع، فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه، وأما من جهة الغرض، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقة التي لا تفنى، وأما من جهة شدة الحاجة، فلأن كل كمال ديني أو دنيوي، عاجلي أو آجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتابة الله تعالى (¬1). واختلف العلماء في التفسير والتأويل، فمنهم من قال: إنها بمعنى واحد، ومنهم من قال: بل إنهما مختلفان في المعنى. قال العلامة ابن منظور: (الفسر) البيان، فسر الشيء يفسر بالكسر ويفسره بالضم فسرا، وفسره: أبانه، والتفسير مثله. ثم قال: الفسر: كشف المغطى، والتفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل (¬2). وفي الاصطلاح: عرّفه العلامة الزركشي (ت: 794 هـ) بقوله: هو علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه (¬3). ¬

_ (¬1) للتوسّع يراجع: الإتقان في علوم القرآن: 4/ 173. (¬2) لسان العرب: 6/ 361. (¬3) البرهان في علوم القرآن: 2/ 287.

وعرفه بعضهم بأنه: علم نزول الآيات، وشئونها، وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسّرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها (¬1). وأما التأويل فعرّفه ابن منظور بقوله: الأول: الرجوع، آل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع، وأول الشيء: رجعه، وألت عن الشيء: ارتددت، وفي الحديث الشريف: «من صام الدهر فلا صام ولا آل» أي ولا رجع إلى خير .... ثم قال: وأوّل الكلام وتأوّله: دبره وقدره، وأوله: فسّره (¬2). أما عن الفرق بين التفسير والتأويل: ففي ذلك اختلاف وجهات نظر: قال بعضهم: التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق بالدراية (¬3). وقال الراغب الأصفهاني: التفسير أعمّ من التأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، كتأويل الرؤيا. والتأويل يستعمل أكثره في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها، والتفسير أكثره يستعمل في مفردات الألفاظ، والتأويل أكثره يستعمل في الجمل. فالتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ كالبحيرة والسائبة ¬

_ (¬1) الإتقان في علوم القرآن: 2/ 174. (¬2) لسان العرب: 13/ 34. (¬3) الإتقان: 2/ 173.

والوصيلة، أو في تبيين المراد وشرحه، كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (¬1). وإما في كلام مضمن بقصة لا يمكن تصوره إلا بمعرفتها، نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (¬2) وقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (¬3). وأما التأويل: فإنه يستعمل مرة عاما، ومرة خاصا، نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود الباري خاصة. والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة، وفي تصديق دين الحق تارة، وإما لفظ مشترك بين معان مختلفة، نحو لفظ وجد، المستعمل في الجدة والوجد والوجود (¬4). وقال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأي وهو المنهي عنه، والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله (¬5). وعلّل الزركشي سبب الاختلاف فقال: وكان السبب في اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط، ليحيل على الاعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط (¬6). ... ¬

_ (¬1) البقرة: 43. (¬2) التوبة: 37. (¬3) البقرة: 189. (¬4) مفردات ألفاظ القرآن: 402. (¬5) للتوسع يراجع: الإتقان 2/ 173. (¬6) البرهان للزركشي: 2/ 291.

الفصل الثاني لماذا العودة إلى العهد الأول؟

الفصل الثاني لماذا العودة إلى العهد الأول؟ في القاعة الأولى من مكتبة الأسد بدمشق، وفي قسم التفسير، يوجد كمية كبيرة من كتب التفسير، منها القديم ومنها الحديث، وفي كل عام تطالعنا المطابع بشيء جديد يتعلّق بأمور التفسير. ولو استعرضنا بعضا من هذه التفاسير، لرأينا أمرا عجبا!! فبعض هذه التفاسير تكلّمت عن كل شيء، جامعة أمورا كثيرة، لكن كما قال أحد العلماء: فيها كل شيء إلا تفسير القرآن الكريم!! لكن وقبل الدخول في الحديث التفصيلي عن الأمور التي حشي بها التفسير، نذكر بعض الموجود من التفاسير: تفسير الإمام الطبري، المسمى جامع البيان في تأويل القرآن، وهو مطبوع (12 مجلدا)، وإرشادات العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم للعلامة أبي السعود: (5 مجلدات)، وتفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للعلامة نظام الدين النيسابوري: (6 مجلدات)، والتفسير الكبير مفاتيح الغيب، للإمام الرازي: (34 مجلدا)، والتفسير الفريد للقرآن المجيد، لمحمد عبد المنعم الجمال: (16 مجلدا)، ومحاسن التأويل، للعلامة محمد جمال الدين القاسمي: (17 مجلدا)، وتفسير القرآن العظيم، للعلامة عماد الدين بن كثير: (7 مجلدات)، وتفسير القرآن وإعرابه وبيانه، لمحمد علي طه الدرة: (16 مجلدا)، الجامع لأحكام القرآن، للعلامة محمد أحمد الأنصاري القرطبي:

(10 مجلدات)، والتفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج للدكتور وهبة الزحيلي، (17 مجلدا)، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل، للعلامة عبد الله النسفي، (4 مجلدات)، وتفسير البحر المحيط، للعلامة أبي حيان الأندلسي: (9 مجلدات)، ومعالم التنزيل، للعلامة أبي محمد الحسين الفراء البغوي: (4 مجلدات)، والتفسير الحديث، لمحمد عزة دروزة، (12 مجلدا)، الدر المنثور في التفسير المأثور، للحافظ السيوطي: (8 مجلدات)، زاد المسير في علم التفسير، للعلامة ابن الجوزي: (8 مجلدات)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي: (14 مجلدا)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للعلامة الآلوسي: (17 مجلدا)، مجمع البيان في تفسير القرآن، للعلامة الطبرسي: (10 مجلدات)، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للإمام الشوكاني (6 مجلدات)، التبيان في تفسير القرآن، لأبي جعفر الطوسي: (10 مجلدات)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للعلامة الشنقيطي: (9 مجلدات)، تفسير التحرير والتنوير، للعلامة محمد الطاهر عاشور: (15 مجلدا)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل، للعلامة الزمخشري (6 مجلدات)، إضافة إلى تفسيرات كثيرة، وخاصة التي تتحدث عن موضوع ما، أو سورة ما، أو زاوية فقهية ما.!! إذا: لماذا العودة إلى التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته والتابعين، بعد ما رأينا هذا الكمّ الهائل من كتب التفسير في هذه الأيام؟! وفي الجواب نقول بحول الله وقوته: إن في كتب التفاسير بدعا وموضوعات وإسرائيليات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يحتجّ بها واحد من أنصاف المتعلمين، على أن هذه

ليست إلا روايات مبثوثة في كتب التاريخ والتفسير لا تقدّم ولا تؤخر. ذلك لأن الواقع قد أثبت بما لا شك فيه أبدا أن لهذه الموضوعات والبدع والإسرائيليات آثارا مدمرة فتاكة، بحيث كان لها الدور الكبير في تمزيق المجتمع المسلم إلى أحزاب وفرق وشيع، من حيث الجدل العقيم الذي دار بين المسلمين حول الجبر والقدر والاختيار والحاكمية ونحو ذلك، وما قضية خلق القرآن عن الباحثين ببعيد!! إضافة إلى تشويش الحركة الثقافية الإسلامية، بحيث أوردها أناس كبار علماء في كتبهم وتفسيراتهم، واحتجّوا بها في محاضراتهم وعلى المنابر وفي مسائل الوعظ، فتلقّفها الناس وخاصة العوام، على أساس أنها من المسلّمات التي لا غبار عليها، وهي في واقع الحال كذب وبدع!! وكان نتيجة ذلك تراكمات في كتب التفسير، واضطر علماء التفسير إلى نقل بعضها، أو الردّ على بعضها، أو التبرير لبعضها، مما أبعد كتب التفسير عمّا أوجدت من أجله، فأصبح بعضها- كما قيل- يحوي كل العلوم عدا تفسير القرآن الكريم!! وهكذا فتح باب الدسّ على مصراعيه، لينقضّ المستشرقون والحاقدون على هذا الدين؛ رافعين ألوية التشكيك وزعزعة الثقة بأمثال هذه الكتب، فراحوا يشوهون حقائق الدين مستدلين بأقوال بعض هؤلاء المفسرين- سامحهم الله-. ثم تلقّف هذه القضية بعض جهلة المسلمين- والذين لا يميّزون بين الغثّ والسمين- فسلّطوا الأضواء الكاشفة على بعض هذه البدع ليستخفّوا من خلالها بما جاء به الإسلام، وليقولوا للناس: إن هذا الدين يخالف المنطق والعقل والعلم!! أجل: فقد كان لهذه البدع والإسرائيليات والموضوعات أثر عظيم

في تأخّر المسلمين وتخلفهم، وذلك من خلال انشغال كثير من علمائهم بالرد على هذا الهراء، وتبيان الحقيقة الساطعة من خلال الرجوع إلى علوم مضبوطة: كالجرح والتعديل، وروايات التاريخ، وتبيان الصحيح من الموضوع في كتب الأحاديث النبوية، ونحو ذلك. من هنا نقول: ما هي الفائدة المرجوة من هذه النقولات الكبيرة والكثيرة، وهي محض افتراء وكذب؟ ولماذا شغل أولئك المفسرون أنفسهم بأمثال هذه الإسرائيليات والبدع في التفاسير والموضوعات، ثم شغلوا من بعدهم بها أيضا؟! ورحم الله المفسر الكبير أبا حيان الأندلسي الغرناطي (ت: 754 هـ) عند ما قال عن كتب التفاسير: وكذلك ذكروا ما لا يصحّ من أسباب النزول، وأحاديث في الفضائل، وحكايات لا تناسب، وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير (¬1). ثم ما هي الفائدة من ذكر طائفة كبيرة من الروايات- كما في تفسير الطبري- قد يكون بعضها غير صحيح، على الرغم من أنه رحمه الله تعالى ذكر أسانيد الروايات؟! ما دام أنه لم يبين المجروح من رجال السند ولا المعدّل منهم، فكيف- ونحن في عصر قلّت فيه الخبرة لدى الناس في أمثال هذه العلوم- يتعرّف القارئ في تفسير الطبري على الرواية السقيمة من الرواية الصحيحة؟! ألا يكفي لمستشرق أو حاقد أو جاهل أن يقول أمرا غير صحيح؟! ألا يكفيه أن يسند رأيه بتفسير جليل لإمام كبير هو تفسير الطبري؟! ¬

_ (¬1) البحر المحيط في التفسير: 1/ 5.

1 - قصة مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم،

أليس في كتب التراث مرويات صحيحة وحسنة تغني عن أمثال هذه البدع والإسرائيليات؟ ورحم الله الحافظ ابن كثير عند ما قال: وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الضالين، وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد، والحفاظ الجياد الذين دوّنوا الحديث وحرروه، وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه، من منكره، وموضوعه ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضّاعين والكذابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي، خاتم الرسل سيد البشر صلى الله عليه وسلم، أن ينسب إليه كذب، أو يحدّث عنه بما ليس منه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم (¬1). وإتماما للفائدة، وتنبيها لبعض ما وقع فيه علماء التفسير، سواء كان ذلك عن عمد أو غيره، أسوق بعض الإسرائيليات والموضوعات والبدع، ناقلا إياها من كتب التفسير المطبوعة، راجيا الله تعالى أن يسامح كل من نقل الإسرائيليات والبدع، ولا يتسع المجال لسرد تلكم القصص والخرافات، لذلك سأشير إلى بعض الأماكن التي وردت فيها، وسأنقل بعضها: 1 - قصة مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حتما من الإسرائيليات التي أوردها الحافظ السيوطي في تفسيره (الدر المنثور): 1/ 97 - 103. ¬

_ (¬1) عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير: اختصار وتحقيق أحمد شاكر، ط 1956 دار المعارف: 1/ 16 - 17.

2 - قصة المسخ:

وهي قصة يرفضها العقل السليم، ويرفضها النقل الدقيق، لذلك حكم السيوطي بوضعها في كتابه: اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: 1/ 82، وكذلك فعل ابن كثير في البداية والنهاية: 1/ 37. والقصة جاءت في تفسير قوله تعالى: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (¬1). لكن العجيب من واحد كالعلامة الحافظ السيوطي- وهو من هو من العلم والتمحيص والتحقيق- كيف يقبل وضع هذه القصة في تفسيره دون أن يعلّق عليها ولو بكلمة!! 2 - قصة المسخ: ينقل الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور: 1/ 103 - 105 رواية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسوخ، فقال: هم ثلاثة عشر: الفيل، والدب، والخنزير، والقرد، والجريث، والضب، والوطواط، والعقرب، والدعموص، والعنكبوت، والأرنب، والزهرة، وسهيل. فقيل: يا رسول الله! وما سبب مسخهن؟ فقال: أما الفيل: فكان رجلا جبارا لوطيا، لا يدع رطبا ولا يابسا، وأما الدب: فكان مؤنثا يدعو الناس إلى نفسه، وأما الخنزير: فكان من النصارى الذين سألوا المائدة، فلما نزلت كفروا، وأما القردة: فيهود اعتدوا في السبت، وأما الجريث: فكان ديوثا، يدعو الرجال إلى حليلته، وأما الضب: فكان أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه، وأما ¬

_ (¬1) البقرة: 102.

3 - بناء الكعبة:

الوطواط فكان رجلا يسرق الثمار من رءوس النخل، وأما العقرب: فكان رجلا لا يسلم أحد من لسانه، وأما الدعموص: فكان نماما يفرّق بين الأحبّة، وأما العنكبوت: فامرأة سحرت زوجها، وأما الأرنب: فامرأة الزهرة: فكانت لا تطهر من حيضها، وأما سهيل: فكان عشارا باليمن، وأما الزهرة: فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت!! فهل يقبل مسلم أن تحشى كتب التفسير بأمثال هذه الخرافات وهذا الهراء؛ الذي لا يرقى إلى درجة الخيال العلمي؟! والعجيب أن الحافظ السيوطي ذكر هذه القصة من غير سند، ولم يعلّق عليها بكلمة استنكار!! 3 - بناء الكعبة: نقل المفسرون في قضية بناء الكعبة أمورا تشبه الأساطير، وللتوسع يراجع: كتاب الدر المنثور للسيوطي: 1/ 125 - 137. ومن ذلك ما رواه ابن جرير الطبري: عن عطاء بن أبي رباح قال: لما أهبط الله آدم من الجنة: كان رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء (¬1) يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها، وفي صلاتها، فوجه إلى مكة، فكان ¬

_ (¬1) رحم الله ابن جرير، كيف لم يحدثنا في هذه الرواية بشكل تفصيلي!! هل كانت رجلاه في الأرض: أهذه هي الأرض التي نعيش عليها؟ ورأسه في السماء: في أي سماء هو؟ في الأولى أم السابعة، وكيف كان وضعه خلال دوران الكواكب والأفلاك؟ مع العلم أن المسافة بين الشمس والمريخ مثلا- (228) مليون كم، وبين بلوتو والشمس (4000) مليون ميل، وهكذا في هذا الكون الفسيح، حيث قدّر العلماء أن النور يستغرق (مائة ألف سنة ضوئية) ليصل بين طرفي المجرة اللبنية!! وللتوسّع في ذلك يراجع كتاب (تفكّر ساعة): للمؤلف.

4 - في هجران المرأة الناشز:

موضع قدمه قرية، وخطوه مفازة حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن فلم يزل يطوف به، حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إبراهيم عليه السلام، فبناه، فذلك قوله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) (¬1). لكن ابن جرير ساق القصة دون أي تعليق، أو تبيان لدرجة الوضع!! ورحم الله الحافظ ابن كثير عند ما قال: ولم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام، ومن تمسك في هذا بقوله: (مَكانَ الْبَيْتِ) فليس بناهض ولا ظاهر، لأن مراده: مكان المقدر في علم الله تعالى، المقرر في قدرته، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم (¬2). 4 - في هجران المرأة الناشز: في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (¬3)، يقول أحد المفسّرين: معنى (وَاهْجُرُوهُنَّ): أكرهوهن على الجماع واربطوهن، من هجر البعير إذا شدّة بالهجار!! ويعلّق الزمخشري على ذلك بقوله: وهذا من تفسير الثقلاء (¬4). وهذا أمر من الغرابة بمكان!! فإذا كانت الزوجة ناشزا عاصية زوجها، فكيف يقال له أن يكرهها على الجماع، فإذا أبت وعاندت، فعليه أن يربطها؟! إنه مخالف لأبسط قواعد الشريعة، والتي أمرت الزوج أن يرسل ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 1/ 428، والآية من سورة الحج: 26. (¬2) البداية والنهاية: 2/ 299. (¬3) النساء: 34. (¬4) الكشاف: 2/ 70.

5 - قصة القوم الجبارين:

رسولا إلى زوجته قبل أن يواقعها: من كلمة جميلة، وابتسامة بريئة، أو هدية ما أو قبلة ونحو ذلك، وبالتالي فهو مخالف للغة العربية وسياق المناسبة. فلو قرأ أمثال هذا الهراء مستشرق أو حاقد أو جاهل، أفعليه وزر إن ضرب زوجته أو عدّها في عداد الحيوانات؟! ومن هنا نفهم السرّ وراء الحملات المسعورة والتي توجّه ضد هذا الدين، وتتهمه في مسألة ظلم المرأة، وللمسلمين دور كبير- وللأسف- في ترويج ذلك كله!! 5 - قصة القوم الجبّارين: في تفسير قوله تعالى: (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) (¬1) أورد المفسرون إسرائيليات وبدعا وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان، من ذلك ما أورده السيوطي عن أبي ضمرة قال: استظل سبعون رجلا من قوم موسى في خفّ رجل من العماليق!! (¬2) وما أورده ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال: أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين، فسار بمن معه، حتى نزل قريبا من المدينة، وهي (أريحاء) فبعث إليهم اثني عشر نقيبا، من كل سبط منهم عين، ليأتوه بخبر القوم، فدخلوا المدينة، فرأوا أمرا عظيما من هيبتهم، وجسمهم وعظمهم، فدخلوا حائطا- بستانا- لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجني الثمار، فنظر إلى آثارهم فتبعهم، فكلما أصاب واحدا منهم أخذه، فجعله في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم، فنثرهم بين يديه، فقال الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، اذهبوا فأخبروا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوه من أمرهم، فقال: اكتموا ¬

_ (¬1) المائدة: 22. (¬2) الدر المنثور: 1/ 27.

عنا، فجعل الرجل يخبر أخاه وصديقه، ويقول: اكتم عني، فأشيع في عسكرهم، ولم يكتم منهم إلّا رجلان: يوشع بن نون، وطالب بن يوحنا، وهما اللذان أنزل الله فيهما: (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) (¬1). ثم ينقل ابن جرير عن مجاهد أن عنقود عنبهم لا يحمله إلا خمسة أنفس، بينهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس وأربعة!! (¬2) ويلحق في هذا قصة محشوة بالأباطيل والإسرائيليات، وهي قصة: عوج بن عوق. ذكر المفسرون: أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع، وأنه كان يمسك الحوت، فيشويه في عين الشمس، وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه، وأنه امتنع عن ركوب السفينة مع نوح، وأن موسى كان طوله عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع، ووثب في الهواء عشرة أذرع، فأصاب كعب عوج فقتله، فكان جسرا لأهل النيل سنة و .. !!! فهل يسمى هذا تفسيرا للقرآن وهو يخالف القرآن ذاته؟! وذلك كلام الله في القرآن وهو يحدثنا عن دعاء نوح على قومه: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (¬3) ثم يحدثنا عن مصارع الكافرين جميعا: (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) (¬4). ومعلوم أن الله أغرق ابن نوح لأنه عاند وتكبّر ورفض الركوب مع المؤمنين، وهذا ما أكّده القرآن في عدة مواضع، منها قوله تعالى: ¬

_ (¬1) المائدة: 23. (¬2) تفسير الطبري: 6/ 112. (¬3) نوح: 26. (¬4) الشعراء: 119 - 120.

6 - خرافات في بعض القصص المتعلقة بالأنبياء عليهم السلام:

(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (¬1). فكيف يغرق ابن نوح، وينجو بطل هذه القصة الخرافية وهو عوج بن عوق؟! ثم من قام بحساب طوله هذا (3000 ذراع)؟! علما أن هذا يخالف الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن». ورحم الله ابن كثير، فقد ردّ على أمثال هذه الخرافات والبدع ردا قويا، واعتبرها كذبا وافتراء (¬2). 6 - خرافات في بعض القصص المتعلقة بالأنبياء عليهم السلام: مثال ذلك ما أورده البغوي وابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (¬3). قال ابن جرير: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم، وكفروا، وكانوا اثني عشر سبطا، تبرأ سبط منهم مما صنعوا، واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم، ففتح الله لهم نفقا في الأرض، فساروا، حتى خرجوا من وراء الصين، فهم هنالك حنفاء مسلمون، يستقبلون قبلتنا!! (¬4). وقال البغوي: هم قوم خلف الصين بأقصى الشرق على نهر مجرى ¬

_ (¬1) هود: 42 - 43. (¬2) للتوسع يراجع تفسير القرآن العظيم: 3/ 115. (¬3) الأعراف: 159. (¬4) تفسير الطبري: 8/ 189.

الرمل يسمى نهر الأردن، ليس لأحد منهم مال دون صاحبه، يمطرون بالليل ويسقون بالنهار ويزرعون، لا يصل إليهم منا أحد وهم على دين الحق، وذكر أن جبرائيل عليه السلام ذهب بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إليهم، فكلمهم، فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا، فقال لهم: هذا محمد النبي الأمين فآمنوا به، فقالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا أن من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه مني السلام، فرد النبي صلى الله عليه وسلم على موسى وعليهم، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، وأمرهم بالصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون، فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت، وقيل: هم الذين أسلموا من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أصحّ!! (¬1). ورحم الله الدكتور محمد أبو شهبة عند ما علّق على هذه الخرافة بقوله: وأما ما ذكروه: فليس هناك ما يشهد له من عقل، ولا نقل صحيح، بل هو يخالف الواقع الملموس، والمشاهد المتيقن، وقد أصبحت الصين وما وراءها معلوما كل شبر فيها، فأين هم؟ ثم ما هذا النهر من الشهد؟! وما هذا النهر من الرمل؟! وأين هما؟! ثم أي فائدة تعود على الإسلام والمسلمين من التمسك بهذه الروايات التي لا خطام لها، ولا زمام!؟ وماذا يكون موقف الداعية إلى الإسلام في هذا العصر الذي نعيش فيه، إذا انتصر لمثل هذه المرويات الخرافية الباطلة؟! إن هذه الروايات لو صحت أسانيدها لكان لها بسبب مخالفتها للمعقول، والمشاهد الملموس ما يجعلنا في حل من عدم قبولها، فكيف وأسانيدها ضعيفة واهية؟! (¬2). ¬

_ (¬1) تفسير البغوي: 2/ 206. (¬2) الإسرائيليات: 208.

7 - قصة سفينة نوح عليه السلام:

7 - قصة سفينة نوح عليه السلام: في كتب التفاسير بدع وأباطيل وإسرائيليات، خلال الأحاديث عن سفينة نوح عليه السلام، إلى درجة أنه يخيّل للإنسان أن المفسرين كانوا من ركابها!! أخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الحسن، قال: كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع. وذكر ابن جرير عن ابن عباس قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة، فحدثنا عنها، فانطلق بهم، حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب بن حام بن نوح، فضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله- فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه؛ قد شاب، قال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟! قال: لا، مت وأنا شاب، ولكنني ظننت أنها الساعة قامت، فمن ثم شبت، قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، كانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثرت أرواث الدواب، أوصى الله إلى نوح: أن اغمز ذنب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزير وخنزيرة!! فأقبلا على الروث، فلما وقع الفأر يخرب السفينة بقرضه أوحى الله إلى نوح: أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنور، وسنورة، فأقبلا على الفأر فأكلاه!! وفي رواية أخرى: أن الأسد عطس، فخرج من منخره سنوران: ذكر وأنثى، فأكلا الفأر، وأن الفيل عطس، فخرج من منخره خنزيران، ذكر وأنثى فأكلا

أذى السفينة، وأنه لما أراد الحمار أن يدخل السفينة أخذ نوح بأذني الحمار، وأخذ إبليس بذنبه، فجعل نوح عليه السلام يجذبه، وجعل إبليس يجذبه، فقال نوح: ادخل شيطان- ويريد به الحمار- فدخل الحمار، ودخل معه إبليس، فلما سارت السفينة جلس إبليس في أذنابها يتغنى، فقال له نوح: ويلك من أذن لك؟! قال: أنت! قال: متى؟ قال: أنت قلت للحمار ادخل يا شيطان، فدخلت بإذنك. وزعموا أيضا: أن الماعز لما استصعبت على نوح أن تدخل السفينة فدفعها في ذنبها، فمن ثم انكسر، وبدا حياها، ومضت النعجة فدخلت من غير معاكسة، فمسح على ذنبها، فستر الله حياها- يعني فرجها-!! وزعموا أيضا: أن سفينة نوح عليه السلام طافت بالبيت أسبوعا! بل رووا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، وصلت عند المقام ركعتين». وزعموا أيضا: أنه لما رست السفينة على الجودي وكان يوم عاشوراء صام نوح، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله!!! (¬1). هل هذه القصة وأمثالها توضع في كتب تفسير كتاب الله تعالى؟! ثم ما هو الدليل على أمثال هذه التفاصيل حول طول وعرض سفينة نوح، ثم من الذي نقل ما جرى ضمن السفينة؟ وبالتالي ما هي الفائدة المرجوة من حشو كتب التفاسير بأمثال هذه ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 12/ 21 - 28، وكذلك الدر المنثور: 3/ 327 - 332.

8 - في قصة يوسف عليه السلام:

التفاهات والمغالطات والبدع التي لا ترقى إلى أن تكون قصة خيالية للأطفال؟! 8 - في قصة يوسف عليه السلام: في تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (¬1). أباطيل وإسرائيليات وبدع ساقها المفسرون، وهي لا توافق النقل الصحيح ولا العقل السليم، وتتنافى مع عصمة أنبياء الله عليهم السلام، وهذه من القضايا التي لا تتسامح الشريعة معها، إذ ليست المسألة متعلقة برجل عادي، إنما هي بنبي ابن نبي ابن نبي عليهم السلام، وسأنقل ما جاء في الدر المنثور لنرى إلى أي درجة وصل التهاون واللامبالاة أمام مقام المعصومين عليهم السلام: أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما همّت به، تزينت ثم استلقت على فراشها، وهمّ بها وجلس بين رجليها يحلّ تبانه، نودي من السماء: يا ابن يعقوب! لا تكن كطائر ينتف ريشه، فبقي لا ريش له، فلم يتعظ على النداء شيئا حتى رأى برهان ربه جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضا على إصبعيه، ففزع فخرجت شهوته من أنامله، فوثب إلى الباب فوجده مغلقا، فرفع رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له، واتبعته فأدركته، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه، فألفيا سيدها لدى الباب!! وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)، قال: طمعت فيه وطمع فيها، وكان ¬

_ (¬1) يوسف: 24.

من الطمع أن همّ بحل التكة، فقامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت، فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أي شيء تصنعين؟! فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف عليه السلام: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟! ثم قال لها: لا تنالينها مني أبدا، وهو البرهان الذي رأى!! وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: (وَهَمَّ بِها) قال: حلّ سراويله حتى بلغ ثنته، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، فمثل له يعقوب عليه السلام، فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال: رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على إبهامه، فأدبر هاربا وقال: وحقك يا أبت لا أعود أبدا!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله: (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال: حلّ السراويل وجلس منها مجلس الخاتن، فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه، فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله، فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا، إلا يوسف عليه السلام نقص بتلك الشهوة ولدا، ولم يولد له غير أحد عشر ولدا!!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله

عنه في قوله: (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال: رأى يعقوب عاضا على أصابعه يقول: يوسف يوسف!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال: تمثل له يعقوب فضرب في صدر يوسف، فطارت شهوته من أطراف أنامله، فولد لكل ولد يعقوب اثنا عشر ذكرا، غير يوسف لم يولد له إلا غلامان!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: رأى آية من آيات ربه، حجزه الله بها عن معصيته، ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضا على إصبعيه وهو يقول له: يا يوسف، أتهمّ بعمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فذلك البرهان، فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله!! وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرطي رضي الله عنه قال: البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام، ثلاث آيات من كتاب الله (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (¬1) وقول الله: (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (¬2) وقوله الله: (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (¬3). وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب قال: رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبا: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) (¬4). وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: ¬

_ (¬1) الانفطار: 10/ 12. (¬2) يونس: 61 - 62. (¬3) الرعد: 33. (¬4) الإسراء: 32.

لما خلا يوسف وامرأة العزيز، خرجت كف بلا جسد بينهما، مكتوب عليه بالعبرانية: (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (¬1) ثم انصرفت الكفّ وقام مقامها، ثم رجعت الكفّ بينهما، مكتوب عليها بالعبرانية: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (¬2) ثم انصرفت الكفّ وقاما مقامها، فعادت الكف الثالثة، مكتوب عليها: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا) (¬3) وانصرفت الكف وقاما مقامهما، فعادت الكف الرابعة، مكتوب عليها بالعبرانية: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (¬4) فولى يوسف عليه السلام هاربا!! وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قال: آيات ربه، رأى تمثال الملك!! (¬5). أهكذا تكون كتب تفسير كلام الله سبحانه، روايات أقرب إلى الخيال والمنامات، وتحليلات لا تليق برجل عادي، فكيف يقبلها الحفاظ والرواة والمفسرون والمحدّثون إذا ألصقت بنبي ابن نبي؟! ألا يحق للعاقل أن يتساءل: كيف تكتب آيات من القرآن باللغة العبرية قبل أن ينزل القرآن بآلاف السنين؟! وإذا كان يوسف المعصوم هرب عند ما رأى صورة أبيه، فماذا يفعل الرجل العادي؟! ثم ما هو فضله إذا كانت شهوته قد خرجت من إصبعه أو أنامل قدميه؟ ¬

_ (¬1) الرعد: 33. (¬2) الانفطار: 10 - 12. (¬3) الإسراء: 32. (¬4) البقرة: 281. (¬5) الدر المنثور: 4/ 521 - 524، جامع البيان للطبري: 12/ 183 - 191.

9 - في إفساد بني إسرائيل:

ثم كيف يروى: مرة أنه لم يبق له إلا أحد عشرا ولدا، ثم مرة أخرى غلامين اثنين؟! ثم أليس كلام المفسرين عن مراودته إياها يناقض القرآن الكريم وهو يحدثنا عن اعتراف زليخا بأنها هي التي راودته: (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (¬1) أو ليس الكلام الواضح في القرآن عن دخوله السجن يدل دلالة قاطعة على نزاهته وعصمته: (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (¬2). أجل!! إن أنبياء الله ورسله أعلى من أن يهمّ أحدهم بارتكاب الفاحشة- والعياذ بالله- فهم الصفوة المختارة، الذين عصمهم الله تعالى. وكان الأجدر بالأئمة الأعلام كالسيوطي والطبري والبغوي والواحدي والثعلبي وغيرهم أن ينزّهوا كتب التفسير عن أمثال هذه الخرافات والضلالات والإسرائيليات، وإلا ما الفائدة من أن يفرد الطبري قرابة ثماني صفحات في سرد أمثال هذا الهراء؟!! 9 - في إفساد بني إسرائيل: أطنب المفسرون في الحديث عن إفساد بني إسرائيل مرة تلو مرة، وذكروا ما أنزل الله بها من سلطان، وسردوا أسماء مسميات ونحو ذلك. ولدى البحث يتبين أن مردّ ذلك إلى الإسرائيليات والأباطيل!! فالإمام السيوطي واين جرير الطبري وغيرهم فصّلوا تفصيلات ¬

_ (¬1) يوسف: 51. (¬2) يوسف: 33 - 34.

10 - قصة أهل الكهف:

عجيبة (¬1)، لكن الحافظ ابن كثير ردّ ذلك كله، معتبرا إياه مع الموضوعات والكذب (¬2). وقد أورد القرآن الكريم الحكاية بشكل مجمل دون التعرّض لأمثال تلك التفصيلات، قال تعالى: (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (¬3). فأيهما أفضل: التوقّف عند المنقول الصحيح وعدم الدخول في هذه التفريعات والجزئيات، أو النقولات عن وهب بن منبه وأمثاله؟! وما هي الفائدة من سرد ثلاث صفحات من صفحات التفسير، والطبري ينقل لنا روايات وقصصا عجيبة تشبه الأساطير والخيال عن بخت نصّر وأفعاله؟! 10 - قصة أهل الكهف: قص البيان الإلهي القصص لهدف أسمى، وهو ما ذكره القرآن ذاته، قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (¬4). وأكد الهدف من تدرج الآيات وذكر القصص في القرآن، فقال ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 15/ 29، الدر المنثور للسيوطي: 4/ 163. (¬2) تفسير القرآن العظيم: 4/ 246. (¬3) الإسراء: 4 - 8. (¬4) هود: 120.

تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) (¬1). لكن مما يؤسف له أن غالبية كتب التفاسير تحدثت عن أمور فرعية ما أنزل الله بها من سلطان، واستفاض بعض المفسرين في نقل روايات تتحدث عن الأمر الذي ما ذكره القرآن أبدا!! ففي قصة أهل الكهف بدل أن يحدثنا المفسرون عن العبرة من ذكر الله لقصتهم في القرآن، وخاصة تركيز العقيدة في النفوس، من خلال التعلّق بالله وعدم الخوف ممن سواه، بدل ذلك أطنب واحد من المفسرين كالإمام السيوطي في نقل روايات تتحدث عن لون الكلب! واسمه! وعدد أهل الكهف! ومكانهم!!! والطامة الكبرى أنه نقل روايات بنى أصحابها على ذلك استنباطات لا ترقى إلى درجة جديرة لأن تكون من قصص الخيال للأطفال!! من ذلك ما رواه السيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى: (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) (¬2). قال: أنا من القليل، مكسلمينا وتمليخا، وهو المبعوث بالورق إلى المدينة، وعرطوس ونينوس ودردوتس وكفاشطهواس ونطفوا سيسوس، وهو الراعي، والكلب اسمه قطمير، دون الكردي وفوق القبطي الألطم، قال أبو عبد الرحمن: بلغني أن من كتب هذه الأسماء في شيء وطرحه في حريق سكن الحريق!!! وينقل الحافظ السيوطي أمثال هذه الرواية، وهي تتعلق بالأمور التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بعدم البحث عنها، مثال ذلك: ¬

_ (¬1) الفرقان: 32. (¬2) الكهف: 22.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (¬1). قال: اسم كلبهم قطمور! وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسم كلب أصحاب الكهف: قطمير! وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لرجل من أهل العلم: زعموا أن كلبهم كان أسدا، قال: لعمر الله ما كان أسدا، ولكنه كان كلبا أحمر خرجوا به من بيوتهم يقال له: قطمور! وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير النواء قال: كان كلب أصحاب الكهف أصفر!! وأخرج ابن أبي من طريق سفيان قال: قال رجل بالكوفة يقال له عبيد، وكان لا يتّهم بالكذب، قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر كأنه كساء أنبجاني!!! لكن، هل هكذا يفسّر القرآن الكريم؟! إن من العجب الذي لا ينتهي أن يلجأ مفسرون كبار إلى تسويد عدد لا بأس به من الصحف ضمن أمثال هذه القصص الخيالية. والأنكى من ذلك أن توثّق القصة بمصطلحات كبيرة (مثل: وكان لا يتهم بالكذب)، ثم ينقل لك أنه رأى كلب أهل الكهف أحمر اللون!! ألم يخطر ببال أولئك العمالقة: كيف عاش كلب أهل الكهف آلاف السنين؟! ¬

_ (¬1) الكهف: 18.

10 - في قصة يأجوج ومأجوج:

وكيف رآه رجل في العصر الأموي أو العباسي ولم يره أحد من الصحابة الكرام؟! علما أن سياق القصة في القرآن أشارت إلى عدم ابتداع أمثال هذه الأمور، فلا فائدة من البحث في عدد أهل الكهف: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (¬1). وحتما كانت الفائدة أكبر لو ذكر لنا السيوطي وابن جرير وغيرها الهدف من القصة، وحصروا الأمر بما جاء في القرآن الكريم، لكن وللأسف!! (¬2). 10 - في قصة يأجوج ومأجوج: خلط المفسرون في سياق تفصيلات وتعريفات هذه القصة خلطا كبيرا، وتكلموا عن: عددهم، وطولهم، وطريقة أكلهم، ونحو ذلك، والنقل الصحيح والعقل السليم يكذب ذلك كله، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! (¬3). 11 - قصة بلقيس ملكة سبأ: وقد ذكرها القرآن الكريم بشكل تفصيلي، كما في سورة النمل:/ 32 - 44/. وكالعادة سوّد المفسرون صحائف عديدة وهم يتحدثون عن الهدية التي أرسلتها إلى النبي سليمان! وتكلموا عن عدد الجواري والغلمان الذين حملوا الهدية!! ¬

_ (¬1) الكهف: 22. (¬2) للتوسع: الدر المنثور 4/ 211، جامع البيان للطبري: 15/ 133. (¬3) للتوسع: الدر المنثور: 4/ 251.

ثم أكثروا من الروايات في اسم الذي جاء بعرشها إلى المكان الذي يجلس فيه سليمان، مثال ذلك ما أورده الحافظ السيوطي: أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) (¬1) قال: عظيم كأنه جبل! وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم عن شعيب الجبائي قال: كان اسم العفريت كوزن! وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال: اسمه كوزي! وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان في قوله تعالى: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (¬2). قال: هو آصف بن برخيا، وكان صدّيقا يعلم الاسم الأعظم! وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد: كان اسمه أسطوم! وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة قال: هو الخطر! وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال: هو رجل من الإنس يقال له: ذو النور! وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: هو آصف بن برخيا بن مشعيا بن منكيل، واسم أمه باطورا من بني إسرائيل! أما كيف استطاع هذا العملاق أن ينقل عرش بلقيس، فإليك بقية الحكاية: أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء، ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان!! وهكذا يفصّل المفسرون هذه القصة تفصيلا غريبا، بحيث يضعون ¬

_ (¬1) النمل: 39. (¬2) سورة النمل: 40.

12 - قصة داود عليه السلام:

لكل جزئية روايات عدة حتى إذا ما انتهت القصة، أرادوا أن يثبتوا لك صحتها وصدقها فقالوا: عن الأوزاعي قال: كسر برج من أبراج تدمر، فأصابوا فيه امرأة حسناء دعجاء مدمجة كأن أعطافها طيّ الطوامير، عليها عمامة طولها ثمانون ذراعا، مكتوب على طرف العمامة بالذهب: (بسم الله الرحمن الرحيم) أنا بلقيس ملكة سبأ زوجة سليمان بن داود، ملكت الدنيا كافرة ومؤمنة، ما لم يملكه أحد قبلي ولا يملكه أحد بعدي، صار مصيري إلى الموت فأقصروا يا طلّاب الدنيا (¬1). بعد ذلك كله نقول: ألم يكن الأجدر بكتب التفسير أن تنزّه عن مثل هذا اللغط واللغو والإسرائيليات والموضوعات؟ أو كان ينقص المسلمين أمثال هذا الترف في القول والكتابات؟ ولماذا لم توجّه طاقات المفسرين والعلماء إلى البحث في كل ما يفيد من قرآن وسنة ونحو ذلك؟! 12 - قصة داود عليه السلام: والتي ذكرها القرآن بشكل تفصيلي، كما في سورة ص: / 21 - 25/ لكن التوسع كان في قضايا هامشية، بل فيها طعن بعصمة أنبياء الله عز وجل بحيث تصوّر الروايات مكر نبي الله داود، فلما أمات النبيّ داود زوج المرأة الجميلة تزوجها داود، ولما ندم داود على فعله، هبط عليه ملك من ملائكة الله، فسجد، ومكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه، وهو يقول في سجوده: ربّ زلّ داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب!! (¬2). ¬

_ (¬1) للتوسع يراجع: الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 6/ 348 - 367. (¬2) للتوسع يراجع الدر المنثور: 7/ 245.

13 - قصة أيوب عليه السلام:

وحاشا أن يتم ذلك مع نبي معصوم. 13 - قصة أيوب عليه السلام: تحدث المفسرون عن المرض الذي أصابه، وبالغوا في ذلك، حتى ذكروا أمورا لا دليل عليها، وبالتالي تنافي مهام النبي وعصمته ومقامه المحمود، من ذلك ما رواه الإمام السيوطي عن قتادة في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) (¬1). قال: ذهاب الأهل والمال، والضر الذي أصاب في جسده، قال: ابتلى سبع سنين وأشهرا، فألقي على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن!! (¬2) هل تقبل هذه الرواية المتعلقة بنبي معصوم، حتى لو رواها قتادة أو أبوه أو ما إلى هنالك؟! إننا لا نقبلها لعالم أو صالح، فكيف نقول إن نبيا معصوما له مهمة تبليغ الناس رسالة الله، كيف يقال: إنه ألقي على القمامة سنوات، وأن الدود والدواب كانت تأكل من جسده، وأن الناس ابتعدوا عنه؟! فكيف يبلغ رسالة الله للناس وهو على ذلكم الحال الذي لا يطاق ولا يتصوّر؟! وهكذا الحال في كثير من القصص التي رواها المفسرون، ومن أراد التوسّع فليرجع إلى ما كتبوا حول: قصة إرم ذات العماد، أو بما يتعلّق بعمر الدنيا وبدء الخلق، وخلق الشمس والقمر، وبعض الظواهر الكونية كالرعد والبرق والصواعق، والحديث عن جبل ق المحيط بالكون كله وما إلى هنالك!! ¬

_ (¬1) ص: 41. (¬2) للتوسع: الدر المنثور: 7/ 263.

إذا: إذا كانت غالبية كتب التفاسير مليئة بالإسرائيليات والموضوعات والخرافات والقصص الخيالية، أليس الأجدر بنا أن نعود إلى المفسّر الأول للقرآن الكريم وهو خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام؟ نعم، فالعودة إلى الأصول من الأصول، وليس أخبر بكتاب الله بعد الله غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. من هنا كانت فكرة إظهار التفسير النبوي الصحيح، حيث الاعتماد محصور بما ورد من أحاديث صحيحة، بعيدا عن الحشو والتضخيم. ولعل من المفيد أن نتّبع التسلسل القرآني، موردين ذلك شرحا وحفظا، معترفين أن هذا العمل لا يناسب الكثيرين، لكن ما دام العمل مبنيا على النحو الذي قال نبي الله شعيب عليه السلام وهو يخاطب قومه الذين رفضوا مقولاته: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (¬1). معتذرا من ساداتنا العلماء المفسرين، والذين تعبوا كثيرا من أجل جمع هذه المعلومات حول ما يتعلق بكتاب الله، سائلا من الله أن يسامحني إن أخطأت، وأن يجعل الرحمات تتبع كل العلماء العاملين المخلصين. ... ¬

_ (¬1) هود: 88.

الفصل الثالث هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟

الفصل الثالث هل فسّر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟ أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه تعهّد الله بحفظه وبيانه، قال الله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (¬1). وفي القرآن الكريم بيان واضح لإحدى وظائف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تبيين معاني القرآن الكريم، قال تعالى: (* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (¬2) وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (¬3). وبالتالي فالسنة النبوية شقيقة القرآن الكريم، فما جاء مجملا في القرآن فصّلته السنّة، وما جاء عاما خصصته السنة، وما جاء مطلقا قيدته السنة، وهكذا. فالقرآن الكريم وحي من الله تعالى، بنصّه ومعانيه، أمّا السنة فهي وحي من الله من جهة معانيها، بينما نصوصها فهي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ ¬

_ (¬1) القيامة: 17 - 19. (¬2) المائدة: 67. (¬3) النحل: 44.

يُوحى) (¬1) وقول رسول الله فيما رواه الإمام مسلم: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد». وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه». ويفهم من هذا الحديث وغيره أن الله تعالى أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وأذن له في شرح ما في هذا القرآن وتفصيله، وعلق الإمام القرطبي على هذا الحديث بقوله: فقوله: «أوتيت الكتاب ومثله معه» معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، وأوتي من البيان مثله، أي أذن أن يبين ما في الكتاب، فيعم ويخص، ويزيد عليه، ويشرح ما في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن. ويحتمل وجها آخر: وهو أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو، مثل ما أعطي من الظاهر المتلو، كما قال تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (¬2). وأما قوله: «يوشك رجل شبعان ... إلخ» فالمقصود منه التحذير من مخالفة السنّة التي سنّها الرسول صلى الله عليه وسلم وليس لها ذكر في القرآن، كما هو مذهب الخوارج والروافض الذين تعلّقوا بظاهر القرآن، وتركوا السنن التي ضمنت بيان الكتاب فتحيّروا وضلّوا. ¬

_ (¬1) النجم: 3 - 4. (¬2) النجم: 3 - 4.

روى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضره جبريل بالسنّة التي تفسير ذلك. وروي عن مكحول قال: القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى القرآن (¬1). لكن: هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟ هناك جدل بين العلماء في هذه المسألة، وقد أراحنا الشيخ محمد حسين الذهبي في البحث عن ذلك، حيث قال: اختلف العلماء في المقدار الذي بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن لأصحابه: فمنهم من ذهب إلى القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه كل معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية (¬2). ومنهم من ذهب إلى القول: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبيّن لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل، وعلى رأس هؤلاء: الخويّيّ (ت: 637 هـ) والسيوطي (ت: 911 هـ) (¬3). وقد استدلّ كل فريق على ما ذهب إليه بأدلة نوردها ليتضح لنا الحق، ويظهر الصواب. - أدلة من قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن كل معاني القرآن: ¬

_ (¬1) للتوسع يراجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 38 - 39. (¬2) قال في الصفحة التاسعة من كتابه مقدمة في أصول التفسير: يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه. (¬3) قال الإمام الخويّيّ: أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل، وللتوسّع في ذلك يراجع البرهان للزركشي: 1/ 17. وقرر السيوطي مثل ذلك بقوله: الذي صح من ذلك قليل جدا بل أصل المرفوع منه في غاية القلة. للتوسع يراجع الإتقان في علوم القرآن: 2/ 228.

أولا: قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (¬1). والبيان في الآية يتناول بيان معاني القرآن، كما يتناول بيان ألفاظه، وقد بين الرسول ألفاظه كلها، فلا بدّ أن يكون قد بيّن كل معانيه أيضا، وإلا كان مقصرا في البيان الذي كلف به من الله. ثانيا: ما روي عن أبي عبد الرحمن السلمي (ت: 72 هـ-) أنه قال: (حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن، كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا). ولهذا كانوا يبقون مدة طويلة في حفظ السورة، وقد ذكر الإمام مالك في الموطأ: أن ابن عمر أقام على حفظ البقرة ثماني سنوات، والذي حمل الصحابة على هذا، ما جاء في كتاب الله تعالى من قوله: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) (¬2) وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن. وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (¬3) وعقل الكلام متضمن لفهمه، ومن المعلوم أن كل كلام يقصد منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، والقرآن أولى بذلك من غيره. فهذه الآثار تدل على أن الصحابة تعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني القرآن كلها، كما تعلموا ألفاظه. ثالثا: قالوا إن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) ص: 29. (¬3) يوسف: 2.

أو الحساب ولا يشرحوه، فكيف بكتاب الله الذي فيه عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة؟ رابعا: ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها: وهذا يدل بالفحوى على أنه يفسر لهم كل ما نزل، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية، لسرعة موته بعد نزولها، وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه (¬1). - أدلة من قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبيّن لأصحابه إلا القليل من معاني القرآن: استدلّ أصحاب الرأي بما يأتي: أولا: ما أخرجه البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسّر شيئا من القرآن إلّا آيا بعدد، علّمه إياهن جبريل (¬2). ثانيا: قالوا إن بيان النبي صلى الله عليه وسلم لكل معاني القرآن متعذر ولا يمكن ذلك إلا في آي قلائل، والعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل، ولم يأمر الله نبيّه بالتنصيص على المراد في جميع آياته لأجل أن يتفكر عباده في كتابه (¬3). ثالثا: قالوا: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه كل معاني القرآن، لما كان لتخصيصه ابن عباس رضي الله عنهما بالدعاء له بقوله: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» فائدة، لأنه يلزم من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كل معاني القرآن استواؤهم في معرفة تأويله، ولا معنى لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء؟ (¬4). ¬

_ (¬1) للتوسّع يراجع: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2/ 205. (¬2) للتوسّع يراجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 31، تفسير الطبري: 1/ 21. (¬3) للتوسّع يراجع: الإتقان للسيوطي: 2/ 175. (¬4) للشيخ محمد متولي شعراوي في كتابه: الإسلام عقيدة وشريعة: 19 - 20 كلام رائع: (لم يفسّر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، لأنه لو فسره لكان يجب أن يفسّره بما-

- مغالاة الفريقين:

- مغالاة الفريقين: ومن يتأمّل فيما تقدم من أدلة الفريقين يتضح له أنهما على طرفي نقيض، ورأيي أن كل فريق منهم مبالغ في رأيه، وما استند إليه كل فريق من الأدلة يمكن مناقشته بما يجعله لا ينهض حجة على المدعي. مناقشة أدلة الفريق الأول: فاستدلال ابن تيمية ومن معه على رأيهم بقوله تعالى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل: 44] استدلال غير صحيح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم- بمقتضى كونه مأمورا بالبيان- كان يبيّن لهم ما أشكل عليهم فهمه من القرآن، لا كل معانيه ما أشكل منها وما لم يشكل. وأما استدلالهم بما روي عن عثمان وابن مسعود وغيرهما من أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم يجاوزها حتى يتعلموا ما فيها، فهو استدلال لا ينتج المدعي، لأن غاية ما يفيده، أنهم كانوا لا يجاوزون ما تعلموه من القرآن حتى يفهموا المراد منه، وهو أعم من أن يفهموه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من إخوانهم الصحابة، أو من تلقاء أنفسهم، حسبما يفتح الله به عليهم من النظر والاجتهاد. وأما الدليل الثالث: فكل ما يدل عليه هو أن الصحابة كانوا يفهمون القرآن ويعرفون معانيه، شأن أي كتاب يقرؤه قوم، ولكن لا يلزم منه ¬

_ - تطيقه عقول معاصريه، ولو فسّره بالأشياء التي ستوجد في القرن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين لتعجب معاصروه أيما تعجب، ولاستعظموه أيما استعظام، لأنه للآن ما زال أناس ينكرون أن الأرض كروية، ولو أنه صلى الله عليه وسلم فسّره على قدر عقل معاصريه ومعلوماتهم الكونية لحجّر علينا ولجمد القرآن، لأنه من يتصدر لتفسير القرآن بعد ذلك سيواجه بأن الرسول فسّره هكذا، وعليك ألا تزيد عن ذلك، ولذلك فرسول الله ترك تفسير القرآن حتى تأخذ كل مرحلة فكرية من لمحات القرآن بقدر ما تستطيع، وذلك في أمور الكونيات، أما المطلوب من الأحكام فقد بينها صلوات الله عليه وأوضحها للناس).

مناقشة أدلة الفريق الثاني:

أن يكونوا قد رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل لفظ منه. وأما الدليل الرابع: فلا يدل أيضا، لأن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبيّن لهم آية الربا لا تدل على أنه كان يبيّن لهم كل معاني القرآن، فلعل هذه الآية كانت مما أشكل على الصحابة، فكان لا بد من الرجوع فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم شأن غيره من مشكلات القرآن. مناقشة أدلة الفريق الثاني: وأما استدلال أصحاب الرأي الثاني بحديث عائشة رضي الله عنها، فهو استدلال باطل، لأن الحديث منكر غريب، لأنه من رواية محمد بن جعفر الزبيدي، وهو مطعون فيه. قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث، وقال فيه ابن جرير الطبري: إنه ممن لا يعرف في أهل الآثار. وعلى فرض صحة الحديث فهو محمول- كما قال أبو حيان- على مغيبات القرآن. وتفسيره لمجمله، ونحوه مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله، وفي معناه ما قاله ابن جرير وابن عطية (¬1). وأما الدليل الثاني: فلا يدل أيضا على ندرة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، إذ أن دعوى إمكان التفسير بالنسبة لآيات قلائل، وتعذره بالنسبة للكل غير مسلمة، وأما ما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالتنصيص على المراد في جميع الآيات لأجل أن يتفكر الناس في آيات القرآن، فليس بشيء، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بالبيان، وقد يشكل الكثير على أصحابه فيلزمه البيان، ولو فرض أن القرآن أشكل كله على الصحابة ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمتنع عن بيان كل آية منه، بمقتضى أمر ¬

_ (¬1) للتوسّع: البحر المحيط: 1/ 13، الجامع لأحكام القرآن: 1/ 31.

اختيارنا في المسألة:

الله له في القرآن (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (¬1). وأما الدليل الثالث: فلو سلمنا أنه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر كل معاني القرآن، فلا نسلّم أنه يدل على أنه فسّر النادر منه كما هو المدعى. اختيارنا في المسألة: والرأي الذي تميل إليه النفس- بعد أن اتضح لنا مغالاة كل فريق في دعواه وعدم صلاحية الأدلة لإثبات المدعى- هو أن نتوسط بين الرأيين فنقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن الكثير من معاني القرآن لأصحابه، كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبين كل معاني القرآن، لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهالته كما صرح بذلك ابن عباس بقوله: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العلماء من كلامها، وتفسير لا يعلمه إلا الله (¬2). وبدهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفسر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولم يفسر لهم ما تتبادر الأفهام إلى معرفته وهو الذي لا يعذر أحد بجهله، لأنه لا يخفى على أحد، ولم يفسر لهم ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وحقيقة الروح، وغير ذلك من كل ما يجري مجرى الغيوب التي لم يطلع الله عليها نبيّه، وإنما فسّر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض المغيبات التي أخفاها الله عنهم وأطلعه عليها وأمره ببيانها لهم، وفسّر لهم أيضا كثيرا مما يندرج تحت ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) جامع البيان للطبري: 1/ 26.

القسم الثالث، وهو ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم كبيان المجمل، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل، وما إلى ذلك من كل ما خفي معناه والتبس المراد به. هذا، وإن مما يؤيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسّر كل معاني القرآن، أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقع بينهم الاختلاف في تأويل بعض الآيات، ولو كان عندهم فيه نصّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وقع هذا الاختلاف، أو لارتفع بعد الوقوف على النص (¬1). إذا: ثبت من ناحية النقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفسّر القرآن كله. وأما من ناحية العقل، فالعقل يتساءل: إذا كان الرسول قد فسّر القرآن كله، فأين هذا التفسير. والباحث يعلم أن كل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وحركاته وما إلى هنالك ضبطت في كتب السيرة والسنة والأحاديث الشريفة، ولم ينقل لنا أحد تفسيرا كاملا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإلى هذا الرأي الوسط ذهب جماعة من العلماء القدامى والمحدثين، من ذلك مثلا: قال الإمام ابن جزي الكلبي رحمه الله تعالى: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته، لأن قوله عليه السلام مقدّم على أقوال الناس (¬2). وقال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسّر القرآن كله: إن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه على التنصيص على المراد (¬3). ¬

_ (¬1) للتوسع يراجع: التفسير والمفسرون: 1/ 48 - 54. (¬2) التسهيل لعلوم التنزيل: 1/ 7. (¬3) البرهان في علوم القرآن: 1/ 15.

لكن ما هي أوجه بيان السنة للقرآن الكريم؟

ومن المحدثين تحدّث- كما مر قبل قليل- الشيخ الذهبي عن المسألة بتفصيل سهل يسير، ومنهم أيضا- الدكتور عبد الله شحاتة حيث قال: والحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن الكثير من معاني القرآن لأصحابه كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبيّن كل معاني القرآن (¬1). ... لكن ما هي أوجه بيان السنة للقرآن الكريم؟ هناك بحوث وكتب في هذا المجال، لكن الشيخ الذهبي اختصر الموضوع بقوله: الوجه الأول: بيان المجمل في القرآن، وتوضيح المشكل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق. فمن الأول- بيانه عليه الصلاة والسلام لمواقيت الصلوات الخمس، وعدد ركعاتها، وكيفيتها، وبيانه لمقادير الزكاة، وأوقاتها، وأنواعها، وبيانه لمناسك الحج، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وقد روى ابن المبارك عن عمران بن حصين أنه قال لرجل: إنك رجل أحمق، أتجد الظهر في كتاب الله أربعا لا يجهر فيها بالقراءة؟ ثم عدّد عليه الصلاة، والزكاة، ونحو ذلك، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسّرا؟ إن كتاب الله تعالى أبهم هذا، وإن السنّة تفسر هذا (¬2). ومن الثاني: تفسيره صلى الله عليه وسلم للخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله ¬

_ (¬1) علوم التفسير: 12 - 13. (¬2) للتوسع يراجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 40.

تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (¬1) بأنه بياض النهار والسواد الليل. ومن الثالث: تخصيصه صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (¬2) بالشرك، فإن بعض الصحابة فهم أن الظلم مراد منه العموم، حتى قال: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس بذلك، إنما هو الشّرك». ومن الرابع: تقييده اليد في قوله تعالى: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (¬3) باليمنى. الوجه الثاني: بيان معنى لفظ أو متعلقه، كبيان المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى، وكبيان قوله تعالى: (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) (¬4) بأنهما مطهرة من الحيض والبزاق والنخامة، وكبيان قوله تعالى: (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (¬5): بأنهم دخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعيرة. الوجه الثالث: بيان أحكام زائدة على ما جاء في القرآن الكريم، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وصدقة الفطر، ورجم الزاني المحصن، وميراث الجدّة، والحكم بشاهد ويمين، وغير هذا كثير يوجد في كتب الفروع. الوجه الرابع: بيان النسخ، كأن يبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية كذا نسخت بكذا، أو أن حكم كذا نسخ بكذا، فقوله عليه الصلاة ¬

_ (¬1) البقرة: 178. (¬2) الأنعام: 82. (¬3) المائدة: 38. (¬4) البقرة: 25. (¬5) البقرة: 58 - 59.

لكن ما هي مصادر التفسير النبوي؟

والسلام: «لا وصية لوارث» بيان منها أن آية الوصية للوالدين والأقربين منسوخ حكمها وإن بقيت تلاوتها، وحديث: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» بيان منه أيضا لنسخ حكم الآية الكريمة: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (¬1) وغير هذا كثير. الوجه الخامس: بيان التأكيد، وذلك بأن تأتي السنّة موافقة لما جاء به الكتاب، ويكون القصد من ذلك تأكيد الحكم وتقويته، وذلك كقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه» فإنه يوافق قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (¬2). وقوله عليه السلام: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» فإنه موافق لقوله تعالى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (¬3). ... لكن ما هي مصادر التفسير النبوي؟ لدى تتبع ما جاء في بطون أمهات الكتب تبين أن أهم مصادر التفسير النبوي هي: 1 - كتب الأحاديث الشريفة: ذلك لأن علماء الحديث كانوا يجمعون الأحاديث النبوية كلها، ولا يفرقون بين الأحاديث التي تتحدث عن التفسير عن الأحاديث العامة، وعند ما صنّفت وبوّبت، وضعت الأحاديث المتعلقة تحت باب مستقل يسمّى باب التفسير، ولو نظرنا ¬

_ (¬1) النساء: 15. (¬2) النساء: 29. (¬3) النساء: 19، وللتوسّع يراجع التفسير والمفسرون: 1/ 57 - 58.

- مثلا- في صحيح البخاري لوجدنا بابا مستقلا يدعى باب التفسير، وفيه (548) خمسمائة وثمان وأربعون حديثا شريفا. لكن يمكن تقسيم كتب الأحاديث إلى طبقات وذلك حسب منهج المحدثين، وذلك: الطبقة الأولى: في صحيحي البخاري ومسلم وموطأ مالك، وهذه المصنفات فيها الأحاديث المتواترة والحسنة. الطبقة الثانية: وفيها بعض الأحاديث التي لم ترق إلى مقام ما أورده البخاري ومسلم، مثالها: سنن الترمذي، ومسند أحمد. والطبقة الثالثة: وفيها الشاذ والمنكر والمضطرب، مثال ذلك: مسند ابن أبي شيبة، ومعاجم الطبراني، وسنن البيهقي. الطبقة الرابعة: وفيها ما جمع من أفواه الوعاظ والقصّاص ونحو ذلك، ومثالها ما صنفه أبو الشيخ وابن مردويه. 2 - كتب التفسير: وخاصة المشهورة منها، وأهمها: تفسير الطبري، وبحر العلوم للسمرقندي، ومعالم التنزيل للبغوي، وزاد المسير لابن الجوزي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والتفسير الكبير للرازي، وأمثالهم. 3 - كتب التاريخ والسير والمغازي: ولعل أهمها السيرة النبوية لابن هشام، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الأمم والملوك للطبري وغيرهم. 4 - كتب علوم القرآن وأسباب النزول: مثل كتاب البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، وأسباب النزول للسيوطي، وأسباب نزول القرآن للواحدي. لكن الإشكاليات هنا تدور حول الكذب والوضع على النبي صلى الله عليه وسلم في أبواب تفسيراته له. ونرى ذلك بوضوح فيما يتعلّق بمسألة فضائل القرآن الكريم وسوره:

فالمحققون من العلماء وجدوا أن فضائل القرآن سورة سورة، جمع في حديث أو أكثر ونسب إلى رسول الله كذب وموضوع، وهذا ما ذهب إليه ابن الصلاح، وابن تيمية، والزركشي، والسيوطي، وعيرهم (¬1). مثال ذلك ما أورده الزركشي: عن نوح بن أبي مريم أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة!! ومن الأمثلة على الأحاديث الموضوعة التي نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أورده الواحدي بالسند المتصل إلى أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر بعدد من صدّق بزكريا وكذّب به، وبيحيى، وعيسى، وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب وإسماعيل، عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولدا، وبعدد من لم يدع له ولدا)!! (¬2) لكن لا يعني هذا أن كل ما ورد من أحاديث في فضائل السور فهو موضوع!! أبدا، فهناك طائفة من الأحاديث الصحيحة تتحدث عن فضائل بعض السور وبعض الآيات (¬3). إضافة إلى أن بعض علماء التفسير قد انتهجوا نهجا رائعا، حيث رفضوا كل أمثال تلك الأحاديث الموضوعة وبينوا بطلانها، مثال ذلك: التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي الأندلسي (ت: 741 هـ)، ¬

_ (¬1) للتوسع: مقدمة ابن الصلاح: 112، مقدمة في أصول التفسير: 31، البرهان: 1/ 432، الإتقان 20/ 198. (¬2) الوسيط: 2/ 139. (¬3) للتوسع يراجع: صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: 3/ 159.

وفتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان (ت: 1307 هـ). إذا: اعتمد المسلمون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسيرهم للقرآن على أربعة مصادر: 1 - القرآن الكريم: حيث نبّه رسول الله في كثير من الأحايين إلى فكرة تفسير القرآن بالقرآن، مثال ذلك ما رواه أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ذكر الله الطلاق مرتين، فأين الثالثة؟ فقال: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (¬1). 2 - الرسول صلى الله عليه وسلم: وسيأتي بيان تفصيلي لهذا الأمر. 3 - الاجتهاد وقوة الاستنباط: وذلك إذا لم يجدوا في القرآن تفسيرا، ولم ينقل إليهم حديث نبوي في ذلك. 4 - أهل الكتاب من اليهود والنصارى: على أساس أن لديهم آثارا من الكتب السماوية السابقة، ولعل هذا الأمر هو الذي أدى إلى إدخال الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير!. وهكذا نستطيع القول بلا ريب أبدا: إن المفسرين قدموا عناية فائقة بما ورد من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الوضوح في ذلك من خلال: كثرة الاستشهاد بها، والاكتفاء بذلك دون غيره في تفسير الآيات، وترجيح التفسير النبوي على غيره من التفسير المأثور، ورد بعض تفسيرات السلف الصالح إذا كانت مخالفة للمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أراد التوسع فليراجع كتب التفاسير. ... وفي نهاية المطاف ننقل بعض أقوال الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ) ¬

_ (¬1) البقرة: 229، وللتوسع: الإتقان للسيوطي: 2/ 246.

رحمه الله تعالى من مقدمته في أصول التفسير، لما فيها من الإفادة والفائدة الشيء الكبير. فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، والباطل الواضح والحق المبين، والعلم إما نقل مصدّق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى ذلك فإما مزيّف مردود، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود. فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم- المفسرين- في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك، فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كاسم صاحب موسى أنه الخضر، فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب- كالمنقول عن كعب، ووهب، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم، ممن يأخذ عن أهل الكتاب- فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه» (¬1). وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض. ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي. ¬

_ (¬1) فتح الباري: 5/ 323، المسند: 4/ 136.

ويروى: ليس لها أصل، أي إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، والواقدي، ونحوهم من كتّاب المغازي. فإن قال قائل: فما أحسن الطرق للتفسير؟ فالجواب: إن أصحّ الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر. فإن أعياك ذلك فعليك بالسنّة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، ... ولهذا قال رسول الله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (¬1) يعني السنّة، والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي، وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة، ليس هذا موضع ذلك، والغرض: أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «بم تحكم؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: أجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» (¬2). ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود: 4/ 279، سنن ابن ماجة: 1/ 6. (¬2) مختصر سنن أبي داود: 5/ 212، سنن الدارمي: 1/ 60.

والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته، لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني! ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف لسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدّتهم، وعصا موسى- عليه السلام- من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام- وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة! ونوع الشجرة التي كلّم الله منها موسى عليه السلام، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره، والله سبحانه وتعالى أعلم (¬1). أجل! ففي هذه الرسالة اللطيفة من الفوائد الشيء الكثير، لذا على الدارس والباحث مراجعتها ليتوقف عند المنهج الذي كان يسير عليه علماء هذه الأمة، وخاصة فيما يتعلق بكتاب الله تعالى. ... ¬

_ (¬1) مقدمة في أصول التفسير، بتحقيق الدكتور عدنان زرزور، ط 1، 1971 م دار القرآن الكريم.

الباب الثاني التفسير النبوي الصحيح

الباب الثاني التفسير النبويّ الصّحيح مجموعة أحاديث نبوية صحيحة، تتحدث عن التفسير النبوي للقرآن الكريم، وكل سورة على حدة

الباب الثاني التفسير النبويّ الصّحيح وبمشيئة الله تتبعت ما ورد في كتب الصحاح والسنن من أحاديث نبوية تدور حول تفسير آيات القرآن، ثم انتقيت منها الصحيح، وقدّمت في ذلك ما ورد في صحيح البخاري، وجعلته الأساس، ثم قارنت ذلك بما ورد في صحيح مسلم وسنن الترمذي، وأحيانا أستأنس بغيرها مما ورد في السنن، وحتى فيما ورد في كتب أسباب النزل، خاصة في كتاب أسباب نزول القرآن للواحدي، وأسباب النزول للسيوطي. لكن أهم ما اعتمدت عليه صحيح البخاري لأنه أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى. ولعل في هذا العمل مزيدا من التعب والمشقة، لكن لا ضير في ذلك ما دام الهدف هو إبعاد كتب التفاسير عن الإسرائيليات والموضوعات والبدع ونحو ذلك، ولا يكون ذلك إلا بجمع الأحاديث النبوية، وخاصة الصحيحة منها، ليتكون لدينا التفسير الصحيح. وهي ليست إلا محاولات متواضعة، فإن أصبنا الهدف أو قاربنا فذلك من فضل الله ومنّته، وإلا فإن كان هناك ملاحظات أو أخطاء فمردّ ذلك إلى طبيعة الإنسان وهي النسيان، سائلين الله تعالى العفو والرحمة والقبول مستشفعين بقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا

1 - سورة الفاتحة

طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (¬1). مع ملاحظة أنني اعتمدت في تخريج أحاديث صحيح البخاري على أكثر من طبعة، فما كتب إلى جوارها: البغا، معنى ذلك أنها من أرقام طبعة الدكتور مصطفى البغا، وإلا فهي الطبعات العادية، والحمد لله رب العالمين. 1 - سورة الفاتحة عن أبي سعيد بن المعلّى قال: كنت أصلّي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه. فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (¬2)» ثم قال لي: «لأعلمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد»، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (¬3): هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته» (¬4). 2 - سورة البقرة - في قوله تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، ¬

_ (¬1) البقرة: 286. (¬2) الأنفال: 24. (¬3) الفاتحة: 1. (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4204).

قلت: ثم أيّ؟ قال: وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدّلوا، وقالوا: حطّة، حبّة في شعرة» (¬2). - وفي قوله تعالى: (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ). عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف (¬3)، فأتى النبي فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: «أخبرني بهن جبريل آنفا» قال: جبريل؟ قال: «نعم» قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت». قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله (¬4). - في قوله تعالى: (وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4207)، صحيح مسلم: رقمه (86). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4209). (¬3) أي: يجتني من ثمارها ويجمعها من أصولها. (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4210).

عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا» (¬1). - في قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الآية: 127. عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أن قومك بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم؟». فقلت: يا رسول الله، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال: «لولا حدثان قومك بالكفر» (¬2). - وفي قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) الآية: 136. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) (¬3). - وفي قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلّغ: ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4212). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4214). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4215).

(وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فذلك قوله جل ذكره: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) والوسط: العدل (¬1). - في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) الآية: 165. عن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة، وقلت أخرى، قال النبي: «من مات وهو يدعو من دون الله ندّا دخل النار» وقلت أنا: من مات وهو لا يدعو لله ندّا دخل الجنة (¬2). - وفي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) الآية: 178. عن أنس: أن الرّبيّع عمّته كسرت ثنيّة جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنيّة الربيّع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيّتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أنس كتاب الله القصاص» فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» (¬3). عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان عاشوراء يصومه أهل ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4217)، سنن الترمذي: 4/ 276 رقمه (2961). (¬2) صحيح البخاري: 3/ 73. (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4227).

الجاهلية، فلما نزل رمضان، قال: «من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه» (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال: لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار» (¬2). - في قوله تعالى: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) الآية: 196. عن كعب بن عجرة قال: حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟». قلت: لا، قال: «صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، واحلق رأسك» فنزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة (¬3). - في قوله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) الآية: 238. عن عليّ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: «حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا» (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4231). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4240)، صحيح مسلم: رقمه (1090). (¬3) صحيح البخاري: 3/ 75، صحيح مسلم: 2/ 900، سنن الترمذي: 4/ 281. (¬4) صحيح البخاري: 3/ 77، سنن الترمذي: 4/ 287.

3 - سورة آل عمران

- وفي قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) الآية: 260. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)» (¬1). - وفي قوله تعالى: (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) الآية: 273. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفّف» واقرءوا إن شئتم: (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (¬2). - وفي قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) الآية: 276. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يريبها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل» (¬3). 3 - سورة آل عمران - في قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ). عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، ثم قال: «يا عائشة، إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله، فاحذروهم» 1. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: 3/ 78. (¬2) صحيح البخاري: رقمه (1410)، صحيح مسلم: رقمه (1014)، سنن الترمذي: رقمه (661). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4273).

- وفي قوله تعالى: (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) الآية: 36. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسّه حين يولد، فيستهلّ: صارخا من مسّ الشيطان إياه، إلا مريم وابنها» ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (¬1). - وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ) الآية: 77. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك هذه الآية. قال: فدخل الأشعث بن قيس وقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: كذا وكذا، فيّ أنزلت، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بيمينك أو يمينه؟. فقلت: إذا يحلف يا رسول الله، فقال النبي: «من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان» (¬2). - وفي قوله تعالى: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) الآية: 92. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة نخلا، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحا، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما أنزلت هذه الآية، قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله، إن الله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4274)، صحيح مسلم: رقمه (2665). (¬2) صحيح البخاري: 3/ 79، سنن الترمذي: 4/ 292.

4 - سورة النساء

يقول: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وإن أحبّ أموالي إليّ بيرحا، وإنها صدقة لله، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (¬1). - في قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية: 128. عن الزهري قال: حدثني سالم عن أبيه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: «اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا» بعد ما يقول: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» فأنزل الله هذه الآية (¬2). - في قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الآية: 180. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالا لم يؤدّ زكاته مثّل له شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه- يعني بشدقيه- يقول: «أنا مالك أنا كنزك» ثم تلا هذه الآية (¬3). 4 - سورة النساء - في قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: 3/ 81، سنن الترمذي: 4/ 293. (¬2) صحيح البخاري: 3/ 81، سنن الترمذي: 4/ 296. (¬3) صحيح البخاري: 3/ 82، سنن الترمذي: 4/ 300.

5 - سورة المائدة

وما هنّ؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولّي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (¬1). وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ثلاثا: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئا فجلس فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت (¬2). - وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ) الآية: 163. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: أنا خير من يونس بن متى، فقد كذب» (¬3). 5 - سورة المائدة - في قوله تعالى: (ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا (¬4) يجرّ قصبه، وهو أول من سيّب السوائب» (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (2766)، صحيح مسلم: رقمه (89). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (5976)، صحيح مسلم: رقمه (87). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4328). (¬4) وهو عمرو بن عامر الخزاعي، والسائبة: هي الدابة التي كان أهل الجاهلية يسيّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء! (¬5) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4348).

6 - سورة الأنعام

- وفي قوله تعالى: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الآية: 117. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا، ثم قال: (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (¬1). ثم قال: ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم» (¬2). 6 - سورة الأنعام - في قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الآية: 59. عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمس: إن الله عند علم الساعة، وينزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري بأي أرض تموت إن الله عليم خبير» (¬3). - في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الآية: 82. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 104. (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4349). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4351).

عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ... ) شقّ ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله أيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬1)» (¬2). - وفي قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) الآية: 158. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» ثم قرأ الآية (¬3). - في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما ... ) الآية: 146. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قاتل الله اليهود، لما حرّم الله عليهم شحومها جملوها، ثم باعوها، فأكلوها» (¬4). - وفي قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) الآية: 151. عن عبد الله رضي الله عنه قال: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرّم ¬

_ (¬1) لقمان: 13. (¬2) صحيح البخاري: رقمه (3429)، صحيح مسلم: رقمه (124)، سنن الترمذي: (3067). (¬3) صحيح البخاري: رقمه (4636)، صحيح مسلم: رقمه (157). (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4357).

7 - سورة الأعراف

الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه» (¬1). 7 - سورة الأعراف - في قوله تعالى: (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الآية: 43. عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)» (¬2). - وفي قوله تعالى: (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الآية: 160. عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء العين» (¬3). - في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الآية: 180. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعا وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4358)، صحيح مسلم: رقمه (2760). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (2837)، سنن الترمذي: رقمه (3346). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4363). (¬4) صحيح البخاري: رقمه (2736)، وللحديث روايات عديدة، منها: رقم (6410) وفيها زيادة: «وهو وتر يحبّ الوتر».

8 - سورة الأنفال

8 - سورة الأنفال - في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) الآية: 41. عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن منك بمنزلة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» (¬1) وفي رواية أخرى: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد» وشبّك بين أصابعه (¬2). - في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الآية: 60. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» (¬3). 9 - سورة التوبة (براءة) - في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الآية: 36. ¬

_ - وفي صحيح مسلم: (2677): «من حفظها دخل الجنة» وللتوسع في المراد من هذا الحديث يراجع: شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 5/ 17. (¬1) صحيح البخاري: رقمه (3140). (¬2) سنن أبي داود: رقمه (2964)، ومثله في سنن النسائي: 7/ 131. (¬3) صحيح مسلم: رقمه (1917)، سنن أبي داود: رقمه (2497).

عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» (¬1). - وفي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) الآية: 38. عن مستورد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه- وأشار بالسبابة- في اليمّ فلينظر بم يرجع» (¬2). - وفي قوله تعالى: (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) عن أنس رضي الله قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» (¬3). - وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الآية: 60. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فقسمه بين أربعة وقال: «أتألّفهم» فقال رجل: ما عدلت، فقال عليه ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4385)، صحيح مسلم: رقمه (1679). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (2858)، سنن الترمذي: رقمه (2323). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4386)، صحيح مسلم: رقمه (2381).

الصلاة والسلام: «يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين» (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين، بهذا الذي يطوف على الناس فتردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان». قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يسأل الناس شيئا» (¬2). - في قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) الآية: 80. عن عمر رضي الله عنه قال: لما مات عبد الله بن أبيّ ابن سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلّي عليه، فلما قام رسول الله وثبت إليه، فقلت أعدّد عليه قوله، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أخّر عني يا عمر» فلما أكثرت عليه، قال: «إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها». قال: فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا، حتى نزلت: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (¬3). قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم (¬4). - في قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4390). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (4539)، صحيح مسلم: رقمه (1029). (¬3) التوبة: 84. (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4394).

10 - سورة يونس

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية: 102. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: «أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني، فانتهيا بي إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال: شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم» (¬1). - وفي قوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) الآية: 108. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة (¬2). 10 - سورة يونس - وفي قوله تعالى: (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الآية: 90. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واليهود ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4674)، صحيح مسلم: رقمه (2275). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (1398)، سنن الترمذي، رقمه (3099).

11 - سورة هود

تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا» (¬1). 11 - سورة هود - في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الآية: 7. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحّاء (¬2) الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان ويخفض ويرفع» (¬3). - وفي قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الآية: 18. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يدنى المؤمن من ربه- وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: ربّ أعرف، مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته. وأما الآخرون أو الكفار، فينادى على رءوس الأشهاد: (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4403). (¬2) أي: دائمة العطاء، من السحّ وهو الصبّ والهطل. (¬3) صحيح البخاري: رقمه (4407)، صحيح مسلم، رقمه (993). (¬4) صحيح البخاري: رقمه (2441)، صحيح مسلم: رقمه (2768).

12 - سورة يوسف عليه السلام

- وفي قوله تعالى: (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) الآية: 102. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» قال: ثم قرأ: (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (¬1). 12 - سورة يوسف عليه السلام - في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» (¬2). - وفي قوله تعالى: (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألونني». قالوا: نعم. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (2446)، صحيح مسلم: رقمه (2583). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4411).

13 - سورة الرعد

قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا» (¬1). 13 - سورة الرعد - في قوله تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) الآيات: 8 - 9. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» (¬2). 14 - سورة إبراهيم عليه السلام - في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الآيات: 24 - 25. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أخبروني بشجرة تشبه- أو- كالرجل المسلم، لا يتحاتّ ورقها، ولا ولا ولا، تؤتي أكلها كل حين». قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تكلّم؟ قال: لم أركم تكلمون، ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4412). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4420).

15 - سورة الحجر

فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر: لأن تكون قلتها، أحبّ إليّ من كذا وكذا (¬1). - وفي قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) الآية: 27. عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (¬2). 15 - سورة الحجر - في قوله تعالى: (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كالسلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر- ووصف سفيان بيده وفرّج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض- فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الأرض، فتلقى على فم الساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدّق فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدناه حقا؟ للكلمة التي سمعت من السماء» (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4421)، صحيح مسلم: رقمه (2811). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (4699)، صحيح مسلم: رقمه (2871). (¬3) صحيح البخاري: رقمه (4701)، سنن الترمذي: رقمه (362).

16 - سورة النحل

16 - سورة النحل - في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) الآية: 70. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «أعوذ بك من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجّال، وفتنة المحيا والممات» (¬1). 17 - سورة الإسراء (بني إسرائيل) - في قوله تعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية: 1. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لما كذّبني قريش، قمت في الحجر، فجلّى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه» (¬2). - وفي قوله تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) الآية: 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون عم ذلك؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4430). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4432).

ما قد بلغكم، أي تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضّلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت الناس في المهد صبيّا، اشفع لنا، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط، ولن يغضب بعده مثله- ولم يذكر ذنبا- نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى

غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمدا، فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى» (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الآية: 78. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح» يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (¬2). - وفي قوله تعالى: (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) الآية: 79. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4435)، صحيح مسلم: رقمه (194). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4440)، سنن الترمذي: رقمه (3135).

18 - سورة الكهف

وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة» (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) الآية: 97. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا نبيّ الله يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة». قال قتادة: بلى وعزّة ربنا (¬2). 18 - سورة الكهف - في قوله تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الآية: 105. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة» وقال: اقرءوا إن شئتم: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (¬3). - وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا) الآيتان: 107 - 108. عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4442). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (4760)، صحيح مسلم: رقمه (2806). (¬3) صحيح البخاري: رقمه (4729)، صحيح مسلم: رقمه (2785). (¬4) صحيح البخاري: رقمه (2790)، سنن الترمذي: رقمه (2530).

19 - سورة مريم

19 - سورة مريم - في قوله تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الآية: 39. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح. ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» ثم قرأ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ- وهؤلاء في غفلة الدنيا- وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (¬1). - وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) الآية: 96. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحبّ الله عبدا نادى يا جبريل إني أحببت فلانا فأحبّه، قال: فينادى في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا). وإذا أبغض الله عبدا نادى يا جبريل: إني أبغضت فلانا، فنادى في السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض» (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4730)، صحيح مسلم: رقمه (2849). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (2637)، سنن الترمذي: رقمه (3161).

20 - سورة طه

20 - سورة طه - في قوله تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) الآية: 41. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ قال له موسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم. قال: فوجدتها كتب عليّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، فحجّ آدم موسى» (¬1). 21 - سورة الأنبياء - في قوله تعالى: (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) الآية: 96. عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في ناحية النخل، فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه شاب جعد قطط، عينه عنبة طافية، وإنه يخرج خيله بين الشام والعراق، فعاث يمينا وشمالا- يا عباد الله اثبتوا-، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله، فذاك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4459).

قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله، فما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث اشتد به الريح، قال: فيمرّ بالحي فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت وتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذروا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون محملين ليس بأيديهم شيء من أموالهم. ويمرّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية العرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم؛ فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله. ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، بينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، غير نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع

22 - سورة الحج

شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة. ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردّي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرّسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» (¬1). 22 - سورة الحج - في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الآيتان: 1 - 2. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف- أراه قال- تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد». ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: رقمه (2937)، سنن الترمذي: رقمه (2240).

23 - سورة المؤمنون

فشق ذلك على الناس حتى تغيّرت وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة». فكبّرنا، ثم قال: «ثلث أهل الجنة» فكبّرنا، ثم قال: «شطر أهل الجنة» فكبّرنا (¬1). 23 - سورة المؤمنون - في قوله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الآيتان: 10 - 11. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن الرّبيع بنت النضر أتت النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابنها الحارث بن سراقة أصيب يوم بدر، أصابه سهم غرب (¬2)، فأتت رسول الله فقالت: أخبرني عن حارثة لئن كان أصاب خيرا احتسبت وصبرت، وإن لم يصب الخير اجتهدت في الدعاء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أم حارثة، إنها جنة في جنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى، والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها» (¬3). - وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) الآية: 60. عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية: هل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا بنت الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4741)، صحيح مسلم: رقمه (376). (¬2) أي: سهم لا يعرف راميه. (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3174).

24 - سورة النور

ويصلّون ويتصدّقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات» (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) الآيتان: 103 - 104. عن أبي سعيد الخدري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ): «تشويه النار، فتقلّص شفته العالية حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته» (¬2). 24 - سورة النور - في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) الآية: 6. عن سهل بن سعد: أن عويمرا أتى عاصم بن عدي، وكان سيد بني عجلان، فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يضع؟ سل لي رسول الله عن ذلك، فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، فكره رسول الله المسائل، فسأله عويمر فقال: إن رسول الله كره المسائل وعابها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله عن ذلك، فجاء عويمر فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله: «قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك»، فأمرهما رسول الله بالملاعنة بما سمّى الله في كتابه، فلاعنها، ثم قال: يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها، فطلّقها، فكانت سنّة لمن كان بعدهما في المتلاعنين، ثم قال رسول الله: «انظروا: فإن جاءت به ¬

_ (¬1) سنن الترمذي: رقمه (3175). (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3176).

أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، خدلّج الساقين، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر، كأنه وحرة، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها». فجاءت به على النعت الذي به رسول الله من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه (¬1). - في قوله تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) الآيتان: 12 - 13. عن عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيّتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزل الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ، فبينما أنا جالسة في ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4468).

منزل غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله فيسلّم ثم يقول: «كيف تيكم»؟ ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر، حتى خرجت بعد ما نقهت، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا، قالت: أي هنتاه: أولم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله- تعني- سلّم ثم قال: «كيف تيكم»؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله فجئت أبويّ فقلت لأمي: يا أمّتاه

ما يتحدث الناس؟ قلت: يا بنية هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة، عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثّرن عليها، قالت: فقلت سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي، يستأمرهما في فراق أهله. قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ، فقال: يا رسول الله، أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله بريرة، فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟». فقالت: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقالت: فقال رسول الله وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي». فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك. قال: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحميّة، فقال لسعد: كذبت لعمر الله،

لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن خضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتله، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فمكث يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما، لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله فسلّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهّد رسول الله حين جلس، ثم قال: «أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه». قالت: فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي، حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله، قالت: فقلت، وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعت هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف، قال:

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (¬1). قالت: ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى، فو الله ما رام رسول الله، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القوم الذي ينزل عليه، قالت: فما سرّي عن رسول الله وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلّم بها: «يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برأك». فقالت أمي: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل، وأنزل الله: (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ... ) العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا، بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (¬2). قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: «يا زينب ماذا علمت أو رأيت» فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، قالت: وهي التي كانت ¬

_ (¬1) يوسف: 18. (¬2) النور: 22.

25 - سورة الفرقان

تساميني من أزواج رسول الله فعصمهما الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك (¬1). - وفي قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) الآيتان: 24 - 25. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول: فإني لا أجير على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال: فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل» (¬2). 25 - سورة الفرقان - وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) الآية: 68. عن أبي ميسرة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت، أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الذنب عند الله أكبر؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك». قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت: ثم أيّ؟ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4750)، صحيح مسلم: رقمه (2770). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (2969).

26 - سورة الشعراء

قال: «أن تزاني بحليلة جارك». قال: ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) (¬1). 26 - سورة الشّعراء - في قوله تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) الآيتان: 86 - 87. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يرى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة» (¬2). وعنه أيضا: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يلقى إبراهيم ربه، فيقول: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إني حرّمت الجنة على الكافرين» (¬3). - وفي قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الآية: 214. عن أبي هريرة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال: «يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4483). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (3350). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4491). (¬4) صحيح البخاري: رقمه (4771)، صحيح مسلم: رقمه (206).

27 - سورة النمل

27 - سورة النمل - في قوله تعالى: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) الآية: 82. عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة. فقال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس وتبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا» (¬1). 28 - سورة القصص - في قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) الآية: 56. عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: «أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: رقمه (2901)، سنن الترمذي: رقمه (2183).

30 - سورة الروم

لا إله إلا الله، قال: قال رسول الله: «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك». فأنزل الله: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (¬1) وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (¬2). 30 - سورة الروم - في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الآية: 30. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء، ثم يقول: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (¬3). 31 - سورة لقمان - في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الآية: 34. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: ¬

_ (¬1) التوبة: 113. (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4494)، سنن الترمذي: رقمه (3188). (¬3) صحيح البخاري: (البغا): رقمه (4497).

32 - سورة السجدة

«الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر». قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان». قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تراه فإنه يراك». قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت المرأة ربّتها، فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهنّ إلا الله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ)، ثم انصرف الرجل، فقال: «ردّوا عليّ»، فأخذوا ليردّوا فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبريل، جاء ليعلّم الناس دينهم» (¬1). 32 - سورة السجدة - في قوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الآية: 17. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا، بله ما اطلعتم عليه (¬2)» ثم قرأ: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4499). (¬2) أي: دعوا ما اطلعتم عليه من نعيم الجنة وعرفتموه من لذاتها، فإنه سهل يسير في جانب ما ادخرته لكم. (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4502).

33 - سورة الأحزاب

33 - سورة الأحزاب - في قول الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) الآية: 6. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا وأولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا، أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه» (¬1). - وفي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) الآيتان: 28 - 29. عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول الله فقال: «إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثم قال: «إن الله قال: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ)» إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4781)، سنن الترمذي: 5/ 349. (¬2) صحيح البخاري: رقمه (4785)، صحيح مسلم: رقمه (1475).

- في قوله الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الآية: 56. عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: «قولوا صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» (¬1). وعن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله، هذا التسليم فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم» (¬2). - وفي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الآية: 69. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذه التستر إلا من عيب بجلده، إما برص، أو أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرّئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون. وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4519). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4520).

34 - سورة سبأ

تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى)» (¬1). 34 - سورة سبأ - في قوله تعالى: (* قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) الآية: 46. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، فقال: «يا صباحاه»، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: مالك؟ قال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبّحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدّقونني». قالوا: بلى. قال: «(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ)» (¬2). 36 - يس - في قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) الآية: 38. عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: «يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس»؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش» فذلك قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (3404)، سنن الترمذي: رقمه (3221). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4523). (¬3) صحيح البخاري: رقمه (4802)، صحيح مسلم: رقمه (159).

38 - سورة ص

38 - سورة ص - في قوله تعالى: (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) الآية: 35. عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتا من الجنّ تفلّت عليّ البارحة، أو كلمة نحوها، ليقطع عليّ الصلاة، فأمكنني الله منه، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذلك قول أخي موسى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)» قال روح- وهو أحد رجالات الحديث-: فردّه خاسئا (¬1). 39 - سورة الزمر - في قوله تعالى: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الآية: 67. عن أبي سلمة: أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يقبض الله الأرض، ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض» (¬2). وعن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد: أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4530). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4534)، صحيح مسلم: رقمه (2787).

42 - سورة الشورى

النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً) (¬1). - وفي قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) الآية: 68. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بين النفختين أربعون»، قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟ قال: أبيت (¬2)، قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت، قال: أربعون شهرا؟ قال: أبيت «ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، فيه يركّب الخلق» (¬3). 42 - سورة الشورى - في قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) الآية: 23. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن قوله: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: «إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» (¬4). 45 - سورة الجاثية - في قوله تعالى: (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) الآية: 24. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4533)، صحيح مسلم: رقمه (2786). (¬2) أي: أمتنع من تعيين ذلك، لأنه لم يكن عندي علم بذلك. (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4536)، صحيح مسلم: رقمه (2955). (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4541).

46 - سورة الأحقاف

وجل: يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار» (¬1). 46 - سورة الأحقاف - في قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) الآية: 24. عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته (¬2)، إنما كان يتبسّم، قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه، قالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال: «يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا» (¬3). 47 - سورة محمد صلى الله عليه وسلم - في قول الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) الآية: 22. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4549)، صحيح مسلم: رقمه (2246). (¬2) أي: جمع لهاة: وهي اللحمة المتعلقة في أعلى الحنك، وترى عند الضحك الشديد. (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (1554)، سنن الترمذي: 5/ 59.

48 - سورة الفتح

وصلك، وأقطع من قطعك؟ قال: بلى يا رب، قال: فذاك، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (¬1). 48 - سورة الفتح - في قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) الآية: 2. عن المغيرة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورّمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» (¬2). 4 - سورة الحجرات - في قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» (¬3). 50 - سورة ق - في قوله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحاجّت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبّرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالى ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4552)، صحيح مسلم: رقمه (2554). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4556). (¬3) صحيح مسلم: رقمه (2589)، سنن الترمذي: رقمه (1934).

54 - سورة القمر

للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط (¬1)، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة: فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا» (¬2). - وفي قوله تعالى: (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) الآية: 39. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا جلوسا ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» ثم قرأ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (¬3). 54 - سورة القمر - في قوله تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) الآيتان: 45 - 46. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبّة له يوم بدر: «أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا» فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك، وهو في الدّرع، فخرج وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (¬4). ¬

_ (¬1) أي: حسبي وكفاني. (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4569)، صحيح مسلم: رقمه (2846). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4570)، صحيح مسلم: رقمه (633). (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4596).

55 - سورة الرحمن

55 - سورة الرحمن - في قوله تعالى: (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) الآية: 62. عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلّا رداء الكبر على وجهه، في جنة عدن» (¬1). 59 - سورة الحشر - في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الآية: 9. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهنّ شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يضيّفه هذه الليلة، يرحمه الله». فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدّخريه شيئا، قال: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوّميهم وتعالي، فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لقد عجب الله عز وجل، أو: ضحك من فلان وفلانة»، فأنزل الله عز وجل: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4597)، صحيح مسلم: رقمه (180). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (45607)، سنن الترمذي: 5/ 82.

61 - سورة الصف

61 - سورة الصف - وفي قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) الآية: 6. عن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» (¬1). 62 - سورة الجمعة - في قوله تعالى: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الآية: 3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزلت عليه سورة الجمعة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال: قلت من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا، لناله رجال، أو رجل من هؤلاء» (¬2). 63 - سورة المنافقون - في قوله تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) الآية: 1. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (3532)، صحيح مسلم: رقمه (2354). (¬2) صحيح البخاري: رقمه (4897)، صحيح مسلم: رقمه (2546).

عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمي أو لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) فبعث إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال: «إن الله صدّقك يا زيد» (¬1). - وفي قوله تعالى: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) الآية: 8. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار (¬2)، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فسمّعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما هذا». فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها منتنة». قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، ثم كثر المهاجرين بعد، فقال عبد الله بن أبيّ: أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (4617)، صحيح مسلم: رقمه (2772). (¬2) أي: ضرب دبره بيده. (النهاية لابن الأثير: 4/ 173).

65 - سورة الطلاق

عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه، لا يتحدّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» (¬1). 65 - سورة الطلاق - في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الآيتان: 1 - 2. عن سالم: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: أنه طلّق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيّظ فيه رسول الله ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهرا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة كما أمره الله» (¬2). 66 - سورة التحريم - في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجّا فخرجت معه، فلما رجعت وكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت: ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4624). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4625).

يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبّرتك به. قال: ثم قال عمر: والله إن كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال: فقلت لها: مالك ولما هاهنا، فيما تكلّفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجبا لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظلّ يومه غضبان. فقام عمر، فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها: يا بنيّة إنك لتراجعين رسول الله حتى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا بنيّة لا تغرنك هذه التي أعجبها حسنها حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، يريد عائشة. قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أم سلمة: عجبا لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسان، ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدقّ الباب، فقال: افتح افتح، فقلت: جاء الغسّاني؟ فقال: بل أشدّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة،

68 - سورة القلم

فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت، فإذا رسول الله في مشربة (¬1) له، يرقى عليها بعجلة، وغلام لرسول الله أسود على رأس الدرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصت على رسول الله هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسّم رسول الله، وإنه عند رجليه قرظا مصبوبا (¬2)، وعند رأسه أهب (¬3) معلّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: «ما يبكيك»؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله؟! فقال: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» (¬4). 68 - سورة القلم - في قوله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) الآية: 1. عن عطاء بن أبي رباح قال: لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت فقال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد» (¬5). 72 - سورة الجنّ - في قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) الآية: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين ¬

_ (¬1) أي: الغرفة. (¬2) أي: كومة من ورق الشجر الذي يستعمل للدبغ. (¬3) ج إهاب، وهو الجلد الذي لم يدبغ. (¬4) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4629)، صحيح مسلم: رقمه (1479). (¬5) سنن الترمذي: رقمه (3319).

74 - سورة المدثر

خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فانطلقوا، فضربوا مشارق الأرض ومغاربها، ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء، قال: فانطلق الذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمّعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) وأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ)، وإنما أوحي إليه قول الجن (¬1). 74 - سورة المدثر - في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) الآيات: 1 - 3. عن يحيى بن أبي كثير: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أول ما نزل من القرآن، قال: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)، قلت يقولون: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (¬2)، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدّثك إلا ما حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4637)، سنن الترمذي: رقمه (3323). (¬2) العلق: 1.

79 - سورة النازعات

ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثروني، وصبّوا عليّ ماء باردا، قال: فدثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، قال: فنزلت: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)» (¬1). 79 - سورة النازعات - في قول الله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) الآيات: 42 - 46. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا، بالوسطى والتي تلي الإبهام: «بعثت أنا والساعة كهاتين» (¬2). 80 - سورة عبس - في قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) الآيات: 1 - 10. عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنزل (عَبَسَ وَتَوَلَّى) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما تقول بأسا، فيقال: لا، ففي هذا أنزل (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4638)، سنن الترمذي: رقمه (3325). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4652)، صحيح مسلم: رقمه (2950). (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3331).

83 - سورة المطففين

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحشرون حفاة عراة غزلا (¬1)»، فقالت امرأة: أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)» (¬2). 83 - سورة المطففين - في قول الله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) الآية: 6. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» (¬3). - وفي قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) الآية: 14. عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الرّان الذي ذكر الله (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)» (¬4). 84 - سورة الانشقاق - في قوله تعالى: (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) الآية: 8. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد يحاسب إلا هلك»، قالت: قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عز وجل: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ¬

_ (¬1) أي: غير مختونين. (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3332). (¬3) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4654)، صحيح مسلم: رقمه (2862). (¬4) سنن الترمذي: رقمه (3334).

85 - سورة البروج

قال: «ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك» (¬1). 85 - سورة البروج - في قوله تعالى: (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الآيات: 1 - 3. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه» (¬2). - وفي قوله تعالى: (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الآيات: 4 - 8. عن صهيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلّمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. وكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو على ذلك إذا أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم، الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4655). (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3339).

فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني! أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى أنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك. فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام حتى دلّ على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه حتى وقع شقاه. ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه.

ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور (¬1) وتوسّطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس، فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخدّت وأضرم فيها ¬

_ (¬1) هي السفينة العظيمة، وجمعها قراقير. (النهاية لابن كثير: 4/ 48).

88 - سورة الغاشية

النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها، فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق» (¬1). 88 - سورة الغاشية - في قوله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ). عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (¬2)» ثم قرأ هذه الآيات. 89 - سورة الفجر - في قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) الآية: 3. عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر، فقال: «هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» (¬3). 91 - سورة الشمس - في قوله تعالى: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) الآية: 12. عن عبد الله بن زمعة: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وذكر الناقة والذي عقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها): انبعث لها رجل عزيز عارم، منيع في رهطه، مثل أبي زمعة». ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: رقمه (3005)، سنن الترمذي: رقمه (3340). (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3341). (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3342).

92 - سورة الليل

وذكر النساء فقال: «يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه» (¬1). 92 - سورة الليل - في قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) الآيات: 5 - 10. عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكّس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: «ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة». قال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: «أما أهل السعادة فيسيرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيسيرون لعمل أهل الشقاء»، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ... ) (¬2). 93 - سورة الضحى - في قول الله تعالى: (وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) الآيتان: 1 - 2. عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4658)، صحيح مسلم: رقمه (2855). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4665)، صحيح مسلم: رقمه (2647).

96 - سورة العلق

أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل: (وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (¬1). 96 - سورة العلق - في قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) الآيات: 1 - 5. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنّث فيه- قال: والتحنث: التعبّد- الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوّد بمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله: «ما أنا بقارئ»، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ: قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ... )» الآيات. فرجع بها رسول الله ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: «زملوني، زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، قال لخديجة: «أي خديجة، ما لي، لقد خشيت على نفسي» فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4667)، صحيح مسلم: رقمه (1797).

فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا- ذكر حرفا- قال رسول الله: «أو مخرجيّ هم»؟!. قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1). - وفي قوله تعالى: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) الآيتان: 15 - 16. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ على عنقه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو فعله لأخذته الملائكة» (¬2). وفي رواية الترمذي عن ابن عباس أيضا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي فزبره (¬3)، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4670). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4675). (¬3) أي: نهره وأغلظ له القول. (¬4) العلق: 17 - 18.

99 - سورة الزلزلة

فقال ابن عباس: فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله (¬1). 99 - سورة الزلزلة - في قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) الآية: 4. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) قال: «أتدرون ما أخبارها؟». قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها» (¬2). 102 - سورة التكاثر - في قوله تعالى: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ). الآيتان: 1 - 2. عن مطرّف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) قال: «يقول ابن آدم: ما لي مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدّقت فأمضيت، أو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت» (¬3). - وفي قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) الآية: 8. قال الزبير بن العوام: لما نزلت هذه الآية، قلت: يا رسول الله فأي ¬

_ (¬1) سنن الترمذي: رقمه (3349). (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3353). (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3354).

108 - سورة الكوثر

النعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: «أما إنه سيكون» (¬1). 108 - سورة الكوثر - في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) الآية: 1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، قال: «أتيت على نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفا، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر» (¬2). وفي رواية أخرى، عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «أنزلت عليّ آنفا سورة» فقرأ: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). ثم قال: «أتدرون ما الكوثر»؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ماذا أحدثوا بعدك» (¬3). 110 - سورة النصر - في قوله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً) الآيتان: 1 - 2. ¬

_ (¬1) سنن الترمذي: رقمه (3357). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4680)، سنن الترمذي: رقمه (3359). (¬3) صحيح مسلم: رقمه (400)، سنن أبي داود: رقمه (4721).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأوّل القرآن (¬1). - وفي قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) الآية: 3. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) وذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4684)، صحيح مسلم: رقمه (484). (¬2) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4686)، سنن الترمذي: رقمه (3362).

112 - سورة الإخلاص

112 - سورة الإخلاص - في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد» (¬1). وفي رواية أخرى عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم فقالوا: انسب لنا ربك، قال؛ فأتاه جبريل بهذه السورة (¬2). 113 - سورة الفلق - في قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة! استعيذي بالله من شرّ هذا؟ فإن هذا الغاسق إذا وقب» (¬3). 114 - سورة الناس - عن عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد أنزل عليّ آيات لم ير مثلهنّ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إلى آخر السورة، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) إلى آخر السورة» (¬4) .. ... ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (البغا): رقمه (4690). (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3365). (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3366). (¬4) سنن الترمذي: رقمه (3367).

الباب الثالث واقع المسلمين مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث واقع المسلمين مع سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الباب الثالث واقع المسلمين مع سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلامة الراغب الأصفهاني (ت: 425 هـ) رحمه الله تعالى: فالسنن: جمع سنّة، وسنّة الوجه: طريقته، وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم: طريقته التي كان يتحرّاها، وسنّة الله تعالى: قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته، نحو: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (¬1) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (¬2). فتنبيه أن فروع الشرائع- وإن اختلف صورها- فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدّل، وهو تطهير النفس، وترشيحها للوصول إلى ثواب الله تعالى وجواره (¬3). إذا: تعتبر السنّة النبوية- قولا وتقريرا وفعلا- هي التفسير العملي للقرآن الكريم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يفسّر القرآن حسب الحاجة، ويبيّن المراد والمدلول في حال السؤال، أو حدوث واقعة ما تتطلب ذلك. وهذا المنهج القرآني، والذي فصّله رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حركاته، نراه واضحا مجسدا في: سفره وحضره، ويقظته ونومه، وحياته العامة ¬

_ (¬1) الفتح: 23. (¬2) فاطر: 43. (¬3) مفردات ألفاظ القرآن: 429.

بل والخاصة، مع الله ومع عباد الله، مع زوجاته وأولاده وأحفاده، في السوق وفي المسجد، بين الأعراب والأحباب، في سلمه وحربه، أثناء قيادة الجيش، وأثناء المزاح وما إلى هنالك. ولذلك ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حياة خاصة، وليس هنالك دوائر حمراء يمنع تجاوزها، أبدا، بل لقد روت نساؤه كل تفصيلات حياته البيتية، وذلك من منظور إلهي: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (¬1). وبالتالي فلا غنى للفقه والتشريع عن السنة النبوية، لأنها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، ورحم الله الإمام الأوزاعي عند ما قال: الكتاب أحوج إلى السنّة من السنة إلى الكتاب. ورحم الله أبا حنيفة عند ما قال: آخذ بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنّة رسوله أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم وأدع قول من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين والحسن وعطاء وابن المسيب، فقوم اجتهدوا، فأجتهد كما اجتهدوا. ورحم الله الشافعي عند ما قال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنّة رسول الله، ودعوا ما قلت. كل هذا مأخوذ من قول الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (¬2). لكن هل هذا الكلام يسري على كل الأحاديث النبوية؟! أبدا، فهناك أحاديث صحيحة وأخرى ضعيفة، وهناك أحاديث ¬

_ (¬1) الأحزاب 21 وللتوسع يراجع كتاب: القدوة والأسوة في الكتاب والسنة، للمؤلف. (¬2) النور: 63.

1 - فهم السنة النبوية في ضوء القرآن الكريم:

موضوعة أو باطلة، فما هو العمل أمام ذلك كله؟! لقد وضع المحققون من العلماء ضوابط دقيقة لحسن فهم السنة النبوية، أهمها (¬1): 1 - فهم السنة النبوية في ضوء القرآن الكريم: فمهمة السنة أنها شارحة للقرآن، ومهمة الرسول أن يبين للناس ما نزل إليهم، وما كان للبيان أن يناقض المبيّن، ولا للفرع أن يعارض الأصل، فالبيان النبوي يدور أبدا في فلك الكتاب العزيز لا يتخطاه. لهذا كان حديث (الغرانيق) المزعوم مردودا بلا ريب، لأنه مناف للقرآن، ولا يتصور أن يجيء في سياق يندّد فيه القرآن بالآلهة المزيفة حيث يقول: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (¬2). فكيف يعقل أن تدخل في سياق هذا الإنكار والتنديد والأصنام كلمات تمتدحهن، وتقول: (تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى)؟! وكان حديث (شاوروهنّ وخالفوهنّ) في شأن النساء باطلا مكذوبا لأنه مناف لقوله تعالى في شأن الوالدين مع رضيعهما: (فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) (¬3). 2 - جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد: بحيث يرد متشابهها محكمها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ¬

_ (¬1) للتوسع يراجع كتاب: كيف نتعامل مع السنّة النبويّة، للدكتور يوسف القرضاوي: 92 - 125. (¬2) النجم: 19 - 23. (¬3) البقرة: 233.

3 - الجمع أو الترجيح بين مختلف الحديث:

ويفسر عامها بخاصها، ليتضح المعنى المراد منها، ولا يضرب بعضها ببعض. مثال ذلك: في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان، الذي لا يعطي شيئا إلا منّة، والمنفّق سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره». هذا كلام عام، فهل كل من أطال إزاره، ولو كان على سبيل العادة التي عليها قومه، دون أن يكون من قصده كبر أو خيلاء؟ هل يعتبر مسبلا إزاره، وبالتالي يدخل تحت أصناف هذا الحديث النبوي؟ أبدا، فهناك أحاديث صحيحة تحدد المسألة، من ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار». وهكذا نفهم أن الأحاديث التي تمنع إسبال الإزار مقيدة بالخيلاء والتكبّر على الناس. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: إن هذا الإطلاق- يعني في حديث المسبل- محمول على ما ورد من قيد (الخيلاء) فهو الذي ورد فيه الوعيد بالاتفاق (¬1). 3 - الجمع أو الترجيح بين مختلف الحديث: فإذا تعارضت أحاديث في مسألة ما مع أحاديث أخرى في المسألة نفسها، فيجب النظر إلى الأحاديث الصحيحة لتقدّم على الضعيفة، مثال ذلك: ما رواه أبو داود والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن ¬

_ (¬1) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 10/ 258.

4 - فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها:

أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه» فقلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى، لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه!؟» وهو حديث ضعيف- في سنده نبهان مولى أم سلمة وهو مجهول- ذكره الذهبي في (المغني في الضعفاء). ويعارضه حديث في صحيح البخاري: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد» (¬1). قال القاضي عياض: فيه جواز نظر النساء إلى فعل الرجال الأجانب، لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن، والاستلذاذ بذلك. 4 - فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها: ففي منع المرأة الخروج إلى الحج أو السفر إلا مع محرم، كما في الحديث النبوي: «لا تسافر امرأة إلا ومعها محرم» العلة في ذلك التحريم هو الفتنة والخوف على المرأة، أما وقد أصبح الأمن هو السائد، ففي طائرة أو قطار يتجمع رجال ونساء، فهل تتحقق الخلوة والفتنة؟ أبدا، لذا أجاز الفقهاء للمرأة أن تحج بلا محرم ولا زوج، إذا كانت مع نسوة ثقات، أو في رفقة مأمونة، وهكذا حجت عائشة وطائفة من أمهات المؤمنين في عهد عمر، ولم يكن معهن أحد من المحارم، بل صحبهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، كما في صحيح البخاري. بل قال بعضهم: تكفي امرأة واحدة ثقة. ¬

_ (¬1) فتح الباري: 2/ 445.

5 - التمييز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث:

وقال بعضهم: تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا، وصححه صاحب المهذب من الشافعية. وهذا في سفر الحج والعمرة، وطرده بعض الشافعية في الأسفار كلها (¬1). 5 - التمييز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث: فالهدف من السواك هو تنظيف الأسنان، فقد تتغير الوسيلة ليحل محل السواك المعجون والفرشاة، ما دامت تؤدي إلى الهدف ذاته. فالإمام النووي يرى: بأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل الاستياك، كالخرقة والإصبع، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لعموم الأدلة. 6 - التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث: كما في الحديث المتفق عليه: «اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» والمقصود أن الجهاد هو أقرب طريق إلى الجنة. 7 - التفريق بين الغيب والشهادة: كما في مسألة النظر إلى نور الله يوم القيامة. 8 - التأكد من مدلولات ألفاظ الحديث: كما في مسألة التصوير الفوتوغرافي، أهو حلال أم هو حرام؟ طبعا إذا نظرنا إلى الشيء الظاهر نرى أن التحريم لا يشمل عكس خلق الله، إنما يشمل التحريم شيئا واحدا هو النحت والتجسيم. ... لكن، ماذا فعل المسلمون مع القرآن والسنّة؟ وبالتالي لماذا ¬

_ (¬1) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: 4/ 446.

تضخّمت كتب التفسير إلى ما عليه اليوم، بينما لم نجد سوى عدد قليل من الروايات الصحيحة التي تحدث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عن جوانب تفسير بعض الآيات؟ لعل السبب في ذلك، أننا كمسلمين نقف من السنة النبوية موقفا لا نحسد عليه أبدا، ولعلي ألخص ذلك بهذه الجوانب الثلاثة: أ- بعض المسلمين في هذه الأيام، نظر إلى السنة النبوية نظرة عجيبة، حيث قارن بين السنّة وبين ما يحمل في قلبه من أهواء وعصبيات، وما ينتمي إليه من جماعات وتحزّبات، ولما يعيشه من دوائر مغلقة. فإذا رأى أن السنة تعارض أهواءه وعصبياته وما إلى هنالك، سكت عن السنة واتّبع ما تهواه النفس وتطمح إليه!! وما أكثر الأمثلة على ذلك: 1 - هناك طائفة من الأحاديث الصحيحة المتواترة تحض النساء على زيارة المقابر، زيارة فيها الموعظة والاعتبار، ضمن شروط نصّت عليها كتب الفقه كالحشمة وعدم الاختلاط ونحو ذلك. لكن بعض الذين لا يعجبهم منظر النساء في الأماكن العامة، سكتوا عن أمثال هذه الأحاديث الصحيحة، وتعلّقوا بأحاديث ضعيفة، أو فيها علل وما إلى هنالك، حيث أطلقوا صيحات: لعن الله زوّارات المقابر!! 2 - هناك أحاديث صحيحة وحسنة متواترة تشجع النساء على حضور الجمع والجماعة والأعياد ونحو ذلك، لكن بعض المتعقّدين من العلاقة مع النساء سكتوا عن هذه الأحاديث، واختبئوا وراء أحاديث ضعيفة أو أقوال لبعض العلماء في العصر العباسي أو العثماني، ليقولوا إن السنة تمنع النساء من حضور أمثال تلكم المجالس!!

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» والرسول حدّد للنساء بابا مستقلا في مسجده الشريف! والرسول حض الرجال على الوقوف في الصفوف الأولى، بينما حضّ النساء على الوقوف في الصفوف الخلفية، لأنه لم يكن هناك ما يفصل النساء عن الرجال في مسجده إلا بعض صفوف الأولاد! والرسول خفف كثيرا من الصلوات، عند ما سمع بكاء صغير، فخاف أن تفتن أمه؛ كل هذا في مسجده الطاهر!! وفي زمن الرسول صلّت النساء جماعة، أكثر من (17) سبعة عشر ألف صلاة! لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ سكت المتشددون عن أمثال هذه الأحاديث، وأخرجوا للناس أحاديث تحض المرأة على أن تصلي في بيتها، بل في المكان المظلم الموحش، بل في لباس رثّ!! فخالفوا الأحاديث الواردة في الصحاح، وطبّلوا وزمّروا لحديث ورد عن ابن خزيمة: عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحبّ الصلاة معك، قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي»!! قال الراوي: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل! لكن العلماء قالوا: يعتبر الحديث شاذا إذا كان الثقة قد خالف

الأوثق، فإذا كان المخالف ليس ثقة بل ضعيفا، فحديثه متروك أو منكر. وهذا الذي رواه ابن خزيمة يخالف ما ورد في الصحيحين، ويخالف السنة العملية في عهد رسول الله والخلافة الراشدة. لذلك اعتبر الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى أمثال هذا الحديث- الذي يمنع النساء من الصلاة في المساجد- باطل ومكذوب عن رسول الله. 3 - منهج القرآن والسنة النبوية تحرمان المغالاة في المهور، مثال ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تزوجت امرأة من الأنصار على أربع أواق من الفضة. قال: «على أربع أواق، كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل». لكن جاء بعضنا إلى أمثال هذه الأحاديث الصحيحة فعرضها على عصبياته وأمزجته وأهوائه ودوائره المغلقة، فسكت عنها وأهملها، وركّز على قصة حدثت في زمن الفاروق عمر رضي الله عنه، ولكثرة ما يردّدها الوعاظ والمشايخ فقد حفظناها وفرحنا بها، وملخصها: أراد الفاروق عمر أن يحدّد المهور، فصعد المنبر وحرّم المغالاة في المهور، وهدّد كل الخارجين عن هذا القرار الصارم. فقامت امرأة من زاوية المسجد وصاحت: يا عمر، الله يعطينا وأنت تمنعنا، اتق الله يا عمر، ثم استشهدت بقوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (¬1) فانهزم عمر أمام أقوال المرأة، ¬

_ (¬1) النساء: 20.

1 - فيما يتعلق بجانب الطعام:

ثم اعتذر أمام الناس وهو يقول: أخطأ أمير وأصابت امرأة، كل الناس أفقه منك يا عمر!! لكن المحققين من العلماء قالوا: هذه القصة مقطوعة السند، رجالاتها من الضعاف، فهل تقف أمام الأحاديث في الصحاح والسنن؟ كذلك فقد أتت في سياق الحديث عن استبدال الزوجة بزوجة ثانية (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (¬1). ب- الجانب الآخر: هو الخلط بين السنة والعادات، مثال ذلك: 1 - فيما يتعلق بجانب الطعام: ما زال البعض يصرّ على عدم شرعية الأكل على الطاولة، بل لا بد للمسلم أن يأكل وهو جالس متربعا أو على ساق أو جاثما على الساقين! كذلك لا يجوز- حسب أقوال هؤلاء المتشددين- استعمال السكين والشوكة في الأكل، مبررين ذلك بحديث روته عائشة رضي الله عنها: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم، وانهشوه نهشا فإنه أهنأ وأمرأ!! لكن ذلك كله كان من عادة العرب، فهل نقول لإنسان هذا الزمن لا بدّ أن تأكل بأصابعك وعلى الأرض؟! أبدا، فالسنّة: «سمّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك». والحديث السابق عن عائشة، قال عنه المحققون من العلماء: إنه ¬

_ (¬1) النساء: 20 - 21.

2 - كذلك فيما يتعلق بأمور اللباس:

حديث باطل، وبالتالي لم يرد نهي في الأكل على الطاولة، أو بالسكين والشوكة. إذا: يدخل ذلك ضمن دائرة العفو، وهي ما سكت عنها الشارع رحمة بكم. 2 - كذلك فيما يتعلق بأمور اللباس: فالمشهور عند العرب: العمائم تيجان العرب، وكانت الغاية من غطاء الرأس ردّ الحرارة المرتفعة في الجزيرة العربية، وهكذا اختيار الثياب الفضفاضة ذات اللون الأبيض، لأنه كما ثبت علميا أن الأبيض يردّ أشعة الشمس. فهل نقول لمن يسكن في منطقة باردة جدا- كروسيا مثلا- أنه لا بدّ أن تلبس الثياب البيضاء الفضفاضة؟! أبدا، فتلك عادة وليست سنة، بينما السنة هي ما وردت في الصحاح: «كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة». فليس في الإسلام زيّ معين، لا للرجال ولا للنساء، لكن ما أكثر من يشاغب في هذه المسألة وأمثالها، بهدف أن يبرز على أساس أنه يسير على السنّة، وهو في الواقع يخالف السنة القولية والعملية!! 3 - أما ما يتعلق في المسكن: فكتب التاريخ والسيرة تبين أن هناك تواضعا في عمارة البيوت أيام الرعيل الأول، لكن لا يعني ذلك أن يخرج بعض المتفيهقين في هذا الزمان ليحرّم كل حديث في البناء: كالبانيو والخلّاطات والأجراس الكهربائية ونحو ذلك.

ذلك لأن الله تعالى قال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (¬1). وبالتالي لا يوجد حديث صحيح يحرّم أمثال ذلك أبدا، بل على العكس تماما، قد وردت أحاديث صحيحة: «من سعادة ابن آدم ثلاث: زوجة صالحة، ومسكن صالح، ومركب صالح». والضابط للمسألة: عدم الإسراف والتبذير، وعدم التكبّر على عباد الله. ج- الزاوية الثالثة: أن بعض المسلمين جاءوا إلى السنن النبوية، فأخذوا منها ما يناسبهم، وسكتوا عن الأمور التي تخالفهم، وبذلك فعلوا ما فعله بنو إسرائيل في الشريعة التي أنزلت على موسى عليه السلام، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - في كتاب الأدب للبخاري عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجرتها، فدعا خادمة له، فأبطأت، فاستبان الغضب في وجهه، فقامت أم سلمة إلى الحجاب، فوجدت الخادمة تلعب، ومعه سواك، فقال: «لولا خشية القود- أي القصاص- يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك». جاء بعض المسلمين إلى هذا الحديث، فقطّعوه إلى قطع، وأخذوا ما يناسبهم وتركوا ما لا يوافق أمزجتهم وأهواءهم، كيف ذلك؟ تحمّسوا لمسألة السواك، وهذا شيء جيد لأنه تطبيق للسنّة، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد في أحاديث كثيرة صحيحة على ذلك، كما في قوله: «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك». لكن لماذا سكت هؤلاء عن بقية الحديث النبوي؟ ¬

_ (¬1) الأعراف: 32.

إن البقية الأخرى هي سنّة «لا تغضب» والتي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلّب خوف الله عز وجل على القصاص. لكن- وللأسف الشديد- كم في المسلمين من يغضبون وفي جيوبهم السواك، بل كم منهم من يضرب زوجته ويسبّ عائلتها وقد يسبّ الله ذاته، وفي جيبه السواك؟! أهكذا العيشة مع سنة رسول الله؟!! 2 - تدخل محلا تجاريا فترى البائع يحمل في يده سبحة طويلة وشفتاه تتحركان وهو يتمتم بكلمات الذكر وما إلى هنالك، فيطمئن قلبك لهذا الوليّ، فتشتري دون أن تلتفت إلى الأسعار ولا إلى البضاعة، فإذا ما وصلت بيتك وفحصت الأغراض وجدته قد غشك غشا لا يفعله مجوسي ولا يهودي!! علما أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني، إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل، وذلك من سنتي، ومن أحب سنتي فقد أحبني». لكن هؤلاء يتركون السنة المهمة وهي عدم الغش، ويتظاهرون بشكليات تخدع الناس. 3 - أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الطفيل بن عمرو الدوسي، بعد أن أسلم طلب من رسول الله أن يأذن له للذهاب إلى دعوة قومه، فأذن له وانطلق يدعوهم صباحا ومساء، ومضى الشهر والثاني والثالث ولا مجيب، وعاد إلى الرسول غاضبا: يا رسول الله، ادع على قبيلة دوس. فرفع الرسول يديه وقال: «اللهم اهد دوسا وائتني بهم مسلمين» ويشاء الله أن تدخل القبيلة في الدين الحنيف، وكان منهم الصحابي أبو هريرة رضي الله عنهم.

إنها سنة الانفتاح على خلق الله، والدعاء لهم، وحب الهداية والخير لهم، وتتبع كل طرق التيسير والتبشير ونحو ذلك، لكن كثيرا من المسلمين قلبوا السنن ووظفوها بما يخدم أمزجتهم و ... ، فراحوا يطلقون كلمات الزندقة والتفسيق والتكفير، ونظروا للمجتمعات من وراء نظّارات سوداء، وحكموا عليهم أحكاما قاسية ما أنزل الله بها من سلطان، وبذلك خالفوا سنة رسول الله وهم يدّعون حمل سنة رسول الله!! إذا: غالبية المسلمين يعيشون فهما غير صحيح عن سنن رسول الله، لذلك كله ابتعدوا عن تفسير رسول الله للقرآن الكريم، ذلكم التفسير الصحيح المسند الجامع المختصر، وراح كل من هبّ ودبّ يخرج تفسيرا، واختلط الحابل بالنابل، وتضخمت كتب التفاسير حتى أصبحت- غالبيتها- تحوي كل شيء إلا التفسير!! والطامة الكبرى عند ما لجأ بعضهم إلى الإسرائيليات والموضوعات والبدع ونحو ذلك، فحشوا بها تلكم التفاسير، فتاه الناس في هذه الدوامة. بينما القرآن الكريم، ذلكم الكتاب الذي أنزله الله بلغة العرب، واضحا مبينا، لكن مع هذه التراكمات أصبحت التفاسير بحاجة إلى من يفسرها مرة أخرى، وكأن الهدف هو إظهار الأشياء الصعبة، وإبراز العضلات الفكرية والثقافية، حتى لو كان على حساب القرآن الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!! ***

خاتمة القسم الأول

خاتمة القسم الأول عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله وإنه بشر يتكلم في الغضب، فذكرت ذلك للرسول فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق». ذلك لأن السنة وحي من الله: (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (¬1). لكن الذي حدث هو ما حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في سنن الترمذي: «يوشك الرجل متكئا على أريكة يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإن ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله». وقد أكّد هذا الخط الفاروق عمر رضي الله عنه بقوله: إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنة، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله، فالسنة هي التي تفسر القرآن: فهو المفسّر للقرآن وإنما ... نطق النبيّ لنا به عن ربه علما أن المسلمين لو بقوا على ما كان عليه الرعيل الأول، من تمسّك بكتاب الله، وبكل ما شرحه وفسّره رسول الله، لما آل الأمر إلى ما نحن عليه. ¬

_ (¬1) النجم: 2 - 4.

ذلك الرعيل الأول من هذه الأمة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله- كما في موطأ الإمام مالك-: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». وبالتالي اقتنع الصحابة الأكارم أن رسول الله لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقدّم للناس كل ما فيه النفع والخير، وحذّرهم من كل ما يؤدي بهم إلى الضرر والهلاك، مصداق ذلك قوله صلوات الله عليه: «ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا أخبرتكم به، ولا شيء يباعدكم عن النار إلا حذرتكم منه». وجاء من بعدهم فضبطوا مسألة الرواية عن طريق العلم الدقيق المنضبط، وهو علم السند، وكان ذلك ميّزة لم تصل إليها أمة من الأمم: قد خصّت الأمة بالإسناد ... وهو من الدّين بلا ترداد واليوم، وبعد ما رأينا من الموضوعات والإسرائيليات والبدع التي ألحقت بالتفاسير، لا بدّ لنا من صيحة تحذير، ومن ثورة فكرية، ومن نهضة صادقة، لننفض الغبار والتراكمات عن هذا العلم القيّم، ولا يعني ذلك نسف كتب التفاسير ورفضها جملة وتفصيلا، أبدا، فعلماء التفسير قدّموا خدمات جليلة، وتعبوا تعبا لا مثيل له، لكن المسألة تنحصر بإبعاد ما لا يوافق القرآن والسنة والمنهج الشرعي عن كتب التفاسير، وهو من باب التهذيب ليس إلا. والذي يضبط المسألة ما قال تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (¬1) وقوله أيضا: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (¬2). ¬

_ (¬1) الأحزاب: 36. (¬2) النساء: 59.

فإن وفّقنا لبيان بعض هذه الإسرائيليات فهذا من فضل الله، وإلا فنسأل الله العفو والغفران، مردّدين مع ذلكم الشاعر قوله الرائع الجميل: أيا من أتى ذنبا وقارف ذلة ... ومن يرتجي الرحمن من الله والقربا تعاهد صلاة الله في كل ساعة ... على خير مبعوث وأكرم من نبّا فتكفيك همّا أيّ همّ تخافه ... وتكفيك ذنبا جئت أعظم به ذنبا ومن لم يكن يفعل فإن دعاءه ... يجد قبل أن يرقى إلى ربه حجبا عليك صلاة الله ما لاح بارق ... وما طاف بالبيت الحجيج وما لبّا (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (¬1). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ... ¬

_ (¬1) البقرة: 286.

القسم الثاني تفسير القرآن الكريم في عهد الصحابة الأكارم

القسم الثاني تفسير القرآن الكريم في عهد الصّحابة الأكارم

الباب الأول مع الصحابة الكرام

الباب الأول مع الصحابة الكرام

الفصل الأول ما هي الحاجة إلى تفسير القرآن؟!

الفصل الأول ما هي الحاجة إلى تفسير القرآن؟! قال العلّامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي: (الفسر: الإبانة، وكشف المغطّى، كالتفسير، والفعل كضرب ونصر، ونظر الطبيب إلى الماء، كالتفسرة، أو هي البول، كما يستدل به على المرضى، أو هي مولّدة. ثعلب: (التفسير والتأويل واحد) أو هو كشف المراد عن المشكل، والتأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر ... ) (¬1). والدليل الواضح على أن معنى التفسير هو: الإيضاح والتبيين، قول الله تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (¬2). وأما تعريف التفسير في الاصطلاح: فله تعريفات كثيرة، منها ما نسبه الإمام السيوطي إلى المفسّر أبي حيّان الأندلسي (ت: 754 هـ) أنه قال: (علم يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وغير ذلك كمعرفة: النسخ، وسبب النزول، وما به من توضيح المقام كالقصة والمثل) (¬3). ¬

_ (¬1) القاموس المحيط: مادة (فسر): 1/ 636. (¬2) الفرقان: 33. (¬3) الإتقان: 2/ 1191.

وأما شرف التفسير: (فلا يخفى، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (¬1) قال: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. وبالتالي أجمع العلماء على أن التفسير من فروض الكفايات، وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية. قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدّباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة. وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطبّ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح. وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشدّ من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدّين، بخلاف الطب، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. إذا عرف ذلك، فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث. أما من جهة الموضوع: فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ¬

_ (¬1) البقرة: 269

ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه. وأما من جهة الغرض، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى. وأما من جهة شدّة الحاجة، فلأن كل كمال ديني أو دنيوي، عاجليّ أو آجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى) (¬1). لكن السؤال المطروح: ما هي الحاجة إلى التفسير؟ خاصة وأن الله أنزل القرآن الكريم واضحا بيّنا؟! يقول الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى: (إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه، فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر، كسؤالهم لما نزل قوله تعالى: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (¬2). فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟! ففسّره النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل عليه بقوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬3). وكسؤال عائشة رضي الله عنها عن الحساب، فقال صلوات الله عليه: «ذلك العرض» (¬4). ¬

_ (¬1) الإتقان في علوم القرآن: 4/ 171 - 173 (باختصار وتصرف). (¬2) الأنعام: 82. (¬3) لقمان: 13. (¬4) صحيح البخاري: رقمه (103)، صحيح مسلم: (2876).

وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (¬1) وغير ذلك، ممن سألوا عن آحاد منه، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير، ومعلوم أن تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة، وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض .. ) (¬2). إذا: لا بدّ من تفرّغ بعض العلماء لتقديم تفاسير مناسبة لكل زمان، حيث يستدلّ الناس من خلالها على كنوز الحكمة وذخائرها، لا أن يهتمّ المسلمون فقط بتنميق المصحف وزركشته و .. ما إلى هنالك؟ فالله أنزله وسيلة هداية، وسبيل تذكر واعتبار، وطريق فوز ونجاح ... وهذا هو السرّ وراء تقدّم السلف الصالح، وهو ذاته السرّ الكامن وراء تخلف الخلق!! ... ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (1817)، صحيح مسلم: (1090). (¬2) الإتقان: 4/ 170 - 171.

الفصل الثاني ماذا تعني الصحبة؟

الفصل الثاني ماذا تعني الصّحبة؟ ذهب علماء الحديث في تعريف الصحابي مذهبا مختلفا عن أهل الفقه والأصول، فعرّف ابن كثير رحمه الله الصحابي بقوله: (هو من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال إسلام الرّائي، وإن لم تطل صحبته له، وإن لم يرو عنه شيئا) (¬1). وجاء تفصيل ذلك أكثر بقولهم: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، مؤمنا به، بعد بعثته، حال حياته، ومات على الإيمان. وزاد أهل الفقه والأصول على تعريف أهل الحديث بقولهم: (وطالت صحبته، وكثر لقاؤه به، على سبيل التبع له، والأخذ عنه، وإن لم يرو عنه شيئا). ويتفرّع عن مسألة الصحبة عدّة نقاط، أهمها: أ- عدالة الصحابة: عرّف الحافظ السيوطي العدالة بقوله: (هي ملكة- أي: هيئة راسخة في النفس- تمنع من اقتراف كبيرة، أو صغيرة دالّة على الخسّة، أو مباح يخلّ بالمروءة) (¬2). لكن مسألة العدالة بين أخذ وردّ: ¬

_ (¬1) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: 2/ 491. (¬2) الأشباه والنظائر في قواعد فروع الشافعية: 413 - 414.

ب - موقفنا مما جرى بين الصحابة من مشاجرات واقتتال!!

فالمعتزلة يرون: (أن الصحابة كلهم عدول إلا من قاتل أمير المؤمنين عليا كرّم الله وجهه ولم يتب عن هذا الصنع) (¬1). أما الشيعة فلهم رأي آخر، مفاده: (إن الصحابة قد ارتدّوا جميعا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة- أي زيادة على آل البيت- وهؤلاء الثلاثة هم: سلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري. ثم ذكر أن أربعة آخرين قد لحقوا بهم، وهم: عمار بن ياسر، وأبو سلمان الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبو عمرة، فصاروا سبعة) (¬2). وأما أهل السنّة والجماعة فيرون: (أن الصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل) (¬3). ب- موقفنا مما جرى بين الصحابة من مشاجرات واقتتال!! رحم الله عمر بن عبد العزيز الذي سئل عن ذلك، فقال: تلك دماء طهّر الله يديّ منها، أفلا أطهّر منها لساني؟! ثم قال: مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسّها (¬4). ورحم الله جعفر الصادق حينما قال في ذلك: ¬

_ (¬1) فواتح الرحموت لابن عبد الشكور: 2/ 56. (¬2) الاختصاص: 17. (¬3) الباعث الحثيث: 2/ 498. (¬4) الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للباقلاني: 69 - 70.

ج - حكم سب أحد الصحابة!!

أقول ما قاله الله تعالى: (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (¬1). ج- حكم سبّ أحد الصحابة!! ذهب بعض العلماء- وعلى رأسهم ابن تيمية، والنووي، ومالك، و ... - إلى أن من سبّ الصحابة، يتّهم بالفسق والضلال، ويعزّر و ... ، لكن لا يوصله ذلك إلى الكفر. وذهب البعض الآخر- وعلى رأسهم القرطبي، والرازي، والسرخسي، والحميدي و ... - إلى أن من سبّ صحابة الرسول صلوات الله عليه، أو انتقص في عدالتهم، أو جاهر ببغضهم، يكفر، ويحلّ قتله؛ إلا أن يتوب!! وذلك لأن اتهامهم بذلك يخالف المنهج القرآني والنبوي، مصداق ذلك قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (¬2). ومصداق ذلك قول النبي صلوات الله عليه: «لا تسبّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» (¬3). وقوله صلوات الله عليه: «إن الله اختارني، واختار لي أصحابا، جعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبّهم فعليه لعنة الله ¬

_ (¬1) طه: 52. (¬2) التوبة: 100. (¬3) صحيح البخاري: 7/ 21، صحيح مسلم: رقمه (2540).

د - هل هم متفاوتون في الفضل؟!

والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا» (¬1). د- هل هم متفاوتون في الفضل؟! ذكر القرآن الكريم التفاضل بين أنبياء الله تعالى، وذلك في قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (¬2). وذكر مسألة تفضيل الزمان بعضه على بعض، قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (¬3). وكذلك المكان، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (¬4). ونبّه البيان الإلهي إلى أن التفضيل يجب أن لا يؤدي إلى الحسد ونحو ذلك. قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (¬5). وهناك خلاف بين العلماء في مسألة أفضلية الصحابة الكرام: فالرأي الأول يتلخّص (بالإمساك عن الخوض في ذلك، وتفويض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى) وإلى ذلك ذهب الآلوسي وابن أبي الحديد .... والرأي الثاني: (يجوز الخوض في بيان الأفضل من الصحابة ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني (مجمع الزوائد: 10/ 17). (¬2) البقرة: 253. (¬3) القدر: 3. (¬4) آل عمران: 96 - 97. (¬5) النساء: 54.

هـ - ما هي أهم سمات الصحابة؟!

الكرام)، فأهل السنة يرون أن ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الإمامة ... (¬1). هـ- ما هي أهم سمات الصحابة؟! هناك طائفة من السمات والخصائص جعلت الصحابة الكرام يتبوءون هذه المكانة المرموقة، وقد ذكر العلامة وحيد الدين خان نماذج منها، وذلك بقوله: 1 - لقد أحبّ الصحابة الدّين أكثر من كل شيء. 2 - عرفوا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل شهادة التاريخ له. 3 - آمنوا في عهد الصّراع: حيث عانوا الأمرّين! 4 - أنفقوا أموالهم في سبيل دين لم يظهر شأنه بعد. 5 - آثروه على أنفسهم حتى في السيادة. 6 - عرفوا حدودهم. 7 - تساموا عن الحقد والبغض. 8 - نصروا الدين أكثر مما بايعوا عليه. 9 - التركيز على الهدف والابتعاد عن الاختلاف. 10 - اقتنعوا بالجلوس في مقعد خلفي. 11 - أعطوا الأمور قدرها وحقها. 12 - ارتقوا ارتقاء الشجرة ... (¬2). ز- أفضلية الصحابة في القرآن والسنّة: في كثير من آيات الكتاب العزيز- وفي أكثر من اثنتي عشرة سورة- ¬

_ (¬1) الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي: 118 - 119. (¬2) للتوسع يراجع كتاب: قضية البعث الإسلامي لوحيد الدين خان: 52 - 164

حديث مستفيض عن فضائل الصحابة، من ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (¬1). وفي كثير من الأحاديث النبوية حديث مستفيض عن فضائل الصحابة الكرام، من ذلك قول النبي صلوات الله عليه: «ليبلّغ الحاضر الغائب، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله، يوشك أن يأخذه، ومن يأخذه الله فيوشك أن لا يفلته» (¬2). ورحم الله الشاعر حينما قال فيهم: هم صحابة خير الخلق أيّدهم ... ربّ السماء بتوفيق وإيثار فحبّهم واجب يشفي السقيم به ... فمن أحبهم ينجو من النار (¬3) ... ¬

_ (¬1) آل عمران: 172 - 174. (¬2) سنن الترمذي: رقمه (3861). (¬3) للتوسع يراجع كتاب: فضائل الصحابة في ميزان الشريعة الإسلامية، للمؤلف: 169 - 190.

الفصل الثالث الإسرائيليات في تفسير الصحابة!!

الفصل الثالث الإسرائيليات في تفسير الصحابة!! ساق البيان الإلهي طائفة من أخبار الأمم الماضية، وذلك من باب العبرة والذكرى، مصداق ذلك قوله تعالى- وذلك بعد سرد قصة يوسف عليه السلام-: (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (¬1). لكن أنّى للأمة الأمية- أمة العرب- أن تستطيع معرفة ذلك، وهم أبعد ما يكونون عن الحضارة والعلم والتاريخ. مما أدّى إلى أن يلجئوا- مضطرّين- إلى أهل الكتاب ليستفسروا منهم عن تفصيلات حكايات الأمم الماضية، وخاصة الذين أسلموا منهم. وبالطبع فذاك أمر مسموح به في الميزان الشرعي، مصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار». لكن هل السماح بالأخذ عنهم هو سماح مطلق؟ أم أنه سماح مقيّد ومنضبط؟! بعض الحاقدين على الإسلام- وخاصة المستشرقين منهم- صوّروا ¬

_ (¬1) يوسف: 111.

الصحابة تصويرا يدل على أنهم يتصفون بالغفلة والسذاجة، بحيث إنهم يصدّقون كل ما يرد عن (كعب الأحبار، ووهب بن منبه) وغيرهما، لكن الحقيقة هي أنهم كانوا يصدّقونهم في الأمور التي تتّفق مع الإسلام، ويسقطون كل ما يخالف الإسلام، ويتوقّفون عند كل ما يحتمل الصدق والكذب، ولا يسألون عن الشبهات .. ، وخاصة ما يتعلق بالعقيدة. ولذلك لم يرد مطلقا أن الصحابة سألوا واحدا من أهل الكتاب عن طول سفينة نوح عليه السلام! أو عن اسم كلب أهل الكهف! أو عن صفة الغلام الذي قتله الخضر! ولا عن تفصيلات حكاية بقرة بني إسرائيل و ... !! فتلك من القضايا التي لا تقدّم ولا تؤخر، وليست من الأوليات، إنما هي من الأمور التي إن عرفها الإنسان فلا ضير، وإن لم يعرفها ولم يسأل عنها فلا ضير أبدا. إذا: الحاكم للمسألة، والقول الفصل فيها هو حكم الشريعة الإسلامية، دليل ذلك قول الرسول صلوات الله عليه: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون». لكن- كما هي العادة- فقد أخذ ذلك بعض المستشرقين، ومن ثمّ سلّطوا عليه المجاهر المكبّرة، فاتّهموا الصحابة الكرام تهما لا تليق، واعتبروا أن كثيرا مما رواه الصحابة مكذوب وما إلى هنا لك، وذلك لأن مصدره أهل الكتاب. من ذلك قول محمود أبو ريّة: (وتلقّى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة- يقصد عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن

منبه- بغير نقد أو تمحيص، معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه) (¬1). ثم يقول: (وكان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدّقوهم فيما يقولون، ويروون عنهم ما يفترون ... ، وكان أبو هريرة- رضي الله عنه- أكثر الصحابة وثوقا بهم وأخذا عنهم وانقيادا لهم) (¬2). وأجمل ما يردّ على الافتراءات أن الكتب المعتمدة والصحيحة قد نقلت لنا طائفة من الأمور التي تدلّ- وبكل وضوح- على أن الصحابة الكرام كانوا يناقشون أهل الكتاب، فإذا وجدوا صحة وتثبتا في المسألة، أخذوا بها، وإذا وجدوا فيها خطأ ومخالفة لأمور الشريعة ردوا عليهم خطأهم، وبينوا الصواب في ذلك. مصداق ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه» (¬3). ودار نقاش بين أبي هريرة وبين كعب الأحبار، فقال كعب: إنها في جمعة واحدة من السنة، فردّ عليه أبو هريرة وقال: بل هي- ساعة الإجابة- في كل جمعة. فعاد كعب إلى التوراة، فرأى أنه قد أخطأ بذلك، وأن الصواب مع قول أبي هريرة، فعاد إلى قوله. مثال آخر: رواه ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن ¬

_ (¬1) أضواء على السنّة المحمدية: 110. (¬2) أضواء على السنة المحمدية: 125 - 126. (¬3) صحيح البخاري: 2/ 13.

أ - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

عباس رضي الله عنهما أنه قال: المفدّى إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود!! (¬1). مثال آخر: رواه ابن كثير أن ابن عباس بلغه أن نوفا البكالي- وهو ربيب كعب يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران عليه السلام، فقال ابن عباس: كذب عدو الله!! (¬2). وروى ابن كثير أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب منكرا: أنت تقول أن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟! وعلّق ابن كثير ذلك بقوله: وهذا الذي أنكره معاوية على كعب هو الصواب، والحقّ مع معاوية في ذلك الإنكار!! (¬3). وروى البخاري في صحيحه عن معاوية بن أبي سفيان أنه ذكر كعبا، وقال: إنه كان أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب!. ... وغالبية ما يروى من إسرائيليات عن الصحابة معزوّ إلى (¬4): أ- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: روي له (1660) حديثا، أما في التفسير فقد روي له كثير في ذلك، بل لقد جمع العلامة اللغوي مجد الدين الفيروزآبادي (ت: 817 هـ) ذلك كله في تفسير كامل، وطبع تحت اسم (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس)، لكن معظم طرق ذاك التفسير لم تثبت ولم تصحّ نسبتها إليه رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) جامع البيان عن تأويل القرآن: 23/ 53. (¬2) تفسير القرآن العظيم: 3/ 192. (¬3) تفسير القرآن العظيم: 3/ 101. (¬4) للتوسع يراجع: الإسرائيليات للدكتور رمزي نعناعة: 123 - 139.

ورحم الله الإمام الشافعي عند ما قال: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث (¬1). صحيح أن هناك طرقا صحيحة النسب إلى ابن عباس، كطريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، وطريق قيس بن مسلم الكوفي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، وطريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت. و .. وغيرهم، لكن كثيرا من الطرق لم تصحّ ولم تثبت، كطريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح، وكطريق مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني، وغيرهما .. واستغلّ الحاقدون ذلك، فاتهموا ابن عباس بتوسّعه بالأخذ عن أهل الكتاب، وعلى رأسهم اليهودي المستشرق (جولدزيهر). فمن أقواله في ذلك: (وأجدر من ذلك بالتصديق الأخبار التي تفيد أن ابن عباس كان لا يرى غضاضة أن يرجع في الأحوال التي يخامره الشك إلى من يرجو عنده علمها، وكثيرا ما ذكر أنه كان يرجع في تفسير معاني الألفاظ إلى من يدعى: أبا الجلد!!) (¬2). ثم يقول: (كثيرا ما تجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس اليهوديين اللذين اعتنقا الإسلام: كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ... ولن يعدّ ابن عباس أولئك الكتابيين حججا فقط في الإسرائيليات وأخبار الكتب السابقة، بل كان يسأل أيضا كعب الأحبار مثلا عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيين (أم الكتاب) و (المرجان). وقد رأى الناس في هؤلاء اليهود أن عندهم أحسن الفهم- على العموم- في القرآن وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وما فيها من المعاني الدينية، ورجعوا إليهم سائلين عن هذه المسائل بالرغم من التحذير الشديد من ¬

_ (¬1) الإتقان للسيوطي: 2/ 224. (¬2) مذاهب التفسير الإسلامي: 65 - 66.

كل جهة من سؤالهم) (¬1) لكن الواقع يثبت أن كثيرا مما نسب إلى ابن عباس موضوع ومكذوب، ومما يؤسف أن غالبية المفسّرين نقل ذلك دون التنبيه إلى خطورة ما نسب إليه، ومن الأمثلة على ذلك: روى ابن كثير في التفسير نقلا عن البيهقي في (الأسماء والصفات) عن طريق شريك بن عبد الله النخعي عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (¬2). قال: سبع أرضين، في كل أرض نبيّ كنبيّكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى) (¬3). وقد علّق أبو حيّان على الحديث بقوله: هذا حديث لا شكّ في وضعه، وهو من رواية الواقدي الكذّاب! (¬4). وسند الحديث أيضا ضعيف، لأن (شريك) يخطئ، وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء في الكوفة، وعطاء بن السائب اختلط قبل موته (¬5). ومما يدلنا على الوضع على ابن عباس رضي الله عنه ما نسبه المفسّر البغوي إليه، وذلك أثناء تفسيره لقول الله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ... ) (¬6). ¬

_ (¬1) مذاهب التفسير الإسلامي: 85. (¬2) الطلاق: 12. (¬3) تفسير القرآن العظيم: 4/ 385. (¬4) البحر المحيط: 8/ 287. (¬5) تقريب التهذيب: 1/ 351. (¬6) الأحزاب: 37.

ب - أبو هريرة رضي الله عنه:

قال: أي حبّ زينب وهي في عصمة زيد!! (¬1) ورحم الله الشيخ محمد أبا زهرة عند ما قال معقبا على ذلك: وقد كان المنتظر من البغوي ألا يروي خرافة حبّ النبي صلى الله عليه وسلم لزينب، بعد تزويجه إياها لزيد عن مسلم مطلقا، فضلا عن ابن عباس. وقد حكى البغوي مثل هذه الرواية عن قتادة أيضا، وهي لا تصحّ بحال، وقد دسّها في التفسير يوحنا الدمشقي في العهد الأموي. ب- أبو هريرة رضي الله عنه: يعتبر أكثر الصحابة رواية للحديث، ففي مسند الإمام أحمد له قرابة (3848) حديثا، ومن أصحّ الطرق عنه: حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين. واستغلّ الحاقدون على الإسلام مسألة رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار، وروّجوا لادّعائهم الملفق وهي أن كعبا سلّط قوة دهائه على سذاجة أبي هريرة، ليبثّ في الدين الخرافات والإسرائيليات!! مصداق ذلك قول أبي رية: (ويبدو أن أبا هريرة كان أول الصحابة انخداعا به- يقصد كعب الأحبار- وثقة عنه وعن إخوانه، كما كان أكثرهم رواية للحديث، ويتبيّن من الاستقراء أن كعب الأحبار قد سلّط قوة دهائه على سذاجة أبي هريرة لكي يستحوذ عليه، وينمّيه ليلقّنه كل ما يريد أن يبثّه في الدين الإسلامي من خرافات وأوهام، وكان له في ذلك أساليب غريبة، وطرق عجيبة، فقد روى الذهبي في (تذكرة الحفّاظ) في ترجمة أبي هريرة أن كعبا قال فيه: ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة، فانظر دهاء هذا الكاهن ومكره بأبي هريرة الذي يتجلى في درس تاريخه أنه كان رجلا فيه غفلة وغرّة، إذ من أين يعلم أبو هريرة ما في التوراة، ولو عرفها لما استطاع أن ¬

_ (¬1) معالم التنزيل: 3/ 642.

يقرأها لأنها كانت باللغة العبرية .. )!! (¬1). وقد هيّأ الله سبحانه من علماء الأمة كالدكتور السباعي والدكتور عجاج الخطيب والدكتور أبو زهو والدكتور أبو شهبة- من ردّ أمثال تلك الاتهامات وفنّدها تماما، ورحم الله العلامة المحقق أحمد شاكر عند ما قال في ذلك السياق: (وقد لهج أعداء السنّة وأعداء الإسلام في عصرنا، وشغفوا بالطعن في أبي هريرة وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته وما إلى ذلك، وإنما أرادوا أن يصلوا إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعا لسادتهم المبشّرين، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن أو الأخذ بما صحّ من الحديث في رأيهم، وما صحّ من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهم وما يتبعون من شعائر أوروبة وشرائعها، ولن يتورّع أحدهم عن تأويل القرآن إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ في اللغة التي نزل بها القرآن ليوافق تأويلهم وهواهم وما إليه يقصدون!!. وما كانوا بأول من حارب الإسلام في هذا الباب، ولهم في ذلك سلف من أهل الأهواء قديما، والإسلام يسير في طريقه قدما، وهم يصيحون ما شاءوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم، بل هو إما يتخطاهم لا يشعر بهم، وإما يدمرهم تدميرا. ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون، يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون، بفرق واحد فقط: أن أولئك الأقدمين- زائغين كانوا أم ملحدين- كانوا علماء مطلعين، أكثرهم ممن أضلّه الله على علم! أما هؤلاء المعاصرون، فليس إلا الجهل والجرأة، وامتضاغ ألفاظ لا يحسنونها يقلّدون في الكفر ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم!! ولقد رأيت الحاكم ¬

_ (¬1) أضواء على السنّة المحمدية: 172 - 173.

ج. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:

أبا عبد الله المتوفى سنة (405 هـ) حكى في كتابه (المستدرك) (¬1) كلام شيخ شيوخه، إمام الأئمة أبي بكر بن محمد بن إسحاق بن خزيمة المتوفى سنة (311 هـ) في الردّ على من تكلّم في أبي هريرة، فكأنما هو يردّ على أهل عصرنا هؤلاء، وهذا نصّ كلامه: (وإنما يتكلم في أبي هريرة لرفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم، فلا يفهمون معاني الأخبار: إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه تمويها على الرعاع والسفلة، أن أخباره لا تثبت بها الحجّة، وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال ولم يجد حيلة في دفع أخباره بحجّة وبرهان، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفّر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدّرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر، ولم يجد حجة يؤيد بها صحة مقالته التي هي كفر وشك، كانت حجته عن نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها! أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانّه، إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه التي تخالف مذهبه ويحتجّ بأخباره على مخالفيه إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه .. ) (¬2). ج. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أحد كبار رواة الأحاديث النبوية، وأحد الذين كتبوا الأحاديث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصداق ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب العلم ¬

_ (¬1) المستدرك على الصحيحين: 3/ 513. (¬2) مسند أحمد: 12/ 84.

عن أبي هريرة قال: (ما كان أحد أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب .. ). ومصداق ذلك ما أخرجه ابن سعد عن عبد الله بن عمرو قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه ما سمعته، قال: فأذن لي فكتبته، فكان عبد الله يسمّي صحيفته تلك الصادقة (¬1). لكن بعض الحاقدين دسّوا السّم في العسل، وقالوا: لقد تعلّم عبد الله بن عمرو اللغة السريانية، وتتلمذ على يد كعب الأحبار و .. !! وهذا يدخل تحت الشعار الذي رفعه عليّ رضي الله عنه: (كلمة حقّ أريد بها باطل). فعبد الله تعلّم السريانية في بلاد الشام، وكان يروي بعض ما ورد في التوراة، لكن بما يوافق الشريعة الإسلامية، من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (¬2). قال في التوراة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا). لكن أبا ريّة وأمثاله حرّفوا الكلم عن مواضعه، واتهموا كبار الصحابة، ومنهم عبد الله بن عمرو بأنهم كانوا يروون الإسرائيليات ويخلطونها في التفسير والحديث!! لكنه الدّجل والافتراءات وقلّة الأمانة العلمية، مثال ذلك: ¬

_ (¬1) الطبقات الكبرى: 4/ 261. (¬2) الأحزاب: 45.

د - عبد الله بن سلام رضي الله عنه:

نقل أبو رية عن (فتح الباري لابن حجر العسقلاني) (¬1) أن عبد الله بن عمرو كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين، وكان يقال له: لا تحدّثنا عن الزاملتين!! (¬2). والحقيقة هي أن عبارة ابن حجر خالية من عبارة (عن النبي)، ولكن أبا ريّة زادها من عنده، تدليسا وكذبا، حتى توافق هواه!!! د- عبد الله بن سلام رضي الله عنه: يهودي، أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: فيه أنزل قوله تعالى: (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (¬3)، وكان عالما بعلوم التوراة وعلوم القرآن الكريم. لكن- مما يؤسف له- أن بعض الحاقدين على الإسلام طعنوا فيه من زاوية روايته للإسرائيليات. والحق يعلّمنا أن نزن كل ذلك بالميزان الشرعي، فما وافق الكتاب والسنة أخذنا به، وما خالف تركناه جانبا، والحق أحقّ أن يتبع. ¬

_ (¬1) فتح الباري: 1/ 266. (¬2) أضواء على السنّة المحمدية: 162. (¬3) الأحقاف: 10.

الباب الثاني تفسير القرآن في عهد الصحابة

الباب الثاني تفسير القرآن في عهد الصحابة

الفصل الأول ماذا عن تفسير الصحابة؟

الفصل الأول ماذا عن تفسير الصحابة؟ ذهب بعض العلماء- وعلى رأسهم ابن تيمية- إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر القرآن كله، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (¬1). وذهب بعض العلماء إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسّر جميع القرآن، بل فسّر آيات منه، وإلّا فأين هو التفسير النبوي الكامل للقرآن؟! لكن الحقيقة هي ما ذهب إليه الفريق الوسط، ومنهم الشيخ محمد متولي شعراوي، وذلك حين ميز بين آيات الأحكام والآيات الكونية، فقال: (لم يفسّر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، لأنه لو فسّره بالأشياء التي ستوجد في القرن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين لتعجّب معاصروه أيّما تعجّب، ولاستعظموه أيّما استعظام، لأنه للآن ما زال أناس ينكرون أن الأرض كرة تدور، ولو أنه صلى الله عليه وسلم فسّره على قدر عقل معاصريه ومعلوماتهم الكونية لحجّر علينا ولجمد القرآن، لأنه من يتصدّر لتفسير القرآن بعد ذلك سيواجه بأن الرسول فسّره هكذا، وعليك ألا تزيد عن ذلك، ولذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك تفسير القرآن حتى تأخذ كل مرحلة ¬

_ (¬1) المائدة: 67.

فكرية من لمحات القرآن بقدر ما تستطيع، وذلك في أمور الكونيات، أما المطلوب من الأحكام فقد بيّنها صلوات الله عليه وأوضحها للناس) (¬1). وهكذا تلقّف الصحابة الكرام القرآن وتفسيره من النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس التفسير التفصيلي، إنما المجمل والذي يهتم بالظواهر والأحكام، دون البحث عن معرفة دقائق القرآن الباطنة. ونظرا لتفاوت الصحابة في العلم باللغة العربية، ونظرا لبعد البعض عن النبي صلوات الله عليه وانهماكهم بالزراعة والتجارة ونحو ذلك، بينما فرّغ بعضهم نفسه فلازم النبي في حلّه وترحاله، ونظرا لتفاوت الصحابة في الدرجة العلمية والمواهب العقلية، لذلك كله نجد أنهم تفاوتوا في فهم القرآن الكريم. ولذلك كان بعض الصحابة يستشكل آيات من القرآن، فلا يفهم المراد منها. وكان بعضهم يخفى عليه مفردات اللغة فلا يفهم المقاصد القرآنية. دليل ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: قرأ عمر رضي الله عنه على المنبر قوله تعالى: (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (¬2)، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلّف يا عمر!! (¬3). ومن ذلك ما أخرجه أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري ما معنى (فاطر السموات) حتى ¬

_ (¬1) القرآن والتفسير: 111 - 112. (¬2) عبس: 31. (¬3) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2/ 113.

أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، والآخر يقول: أنا ابتدأتها (¬1). ومن ذلك ما أخرجه البخاري من أن عدي بن حاتم لم يفهم معنى قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (¬2). وبلغ من أمره أن أخذ عقالا أبيض وعقالا أسود، فلما كان بعض الليل، نظر إليهما فلم يستبينا، فلما أصبح أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بشأنه، فعرّض بقلّة فهمه، وأفهمه المراد (¬3). ¬

_ (¬1) الإتقان: 2/ 114، الموافقات للشاطبي: 2/ 87. (¬2) البقرة: 187. (¬3) فتح الباري: 8/ 127.

الفصل الثاني ما هي أهم مصادر تفسير الصحابة؟

الفصل الثاني ما هي أهم مصادر تفسير الصحابة؟ اعتمد الصحابة الكرام في تفسيرهم للقرآن الكريم على أربعة مصادر هي (¬1): أ- القرآن الكريم: أجمع العلماء على أن أهم ما يفسّر القرآن هو القرآن نفسه، من ذلك قول ابن تيمية رحمه الله: (فإن قال قائل: فما أحسن طريق للتفسير؟ والجواب: أن أصحّ الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر) (¬2). ومن ذلك قول الحافظ السيوطي رحمه الله: (قال العلماء: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن، فما أجمل منه في مكان فقد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقط بسط في موضع آخر منه) (¬3). مثال ذلك ما ورد في القرآن من قصص، فقصة موسى عليه السلام ¬

_ (¬1) التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي: 1/ 40 - 46. (¬2) مقدمة في أصول التفسير: 93. (¬3) الإتقان: 2/ 225.

جاءت مجملة في سورة، وجاءت مبسوطة في سورة أخرى، وهكذا. ومن تفسير القرآن بالقرآن: أن يحمل المجمل على المبين ليفسّر به، مثال ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) (¬1) وتفسيرها في أواخر السورة، وذلك بأنه العذاب الأدنى المعجّل في الدنيا، قال تعالى: (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (¬2). ومن تفسير القرآن بالقرآن: حمل المطلق على المقيّد، والعام على الخاص، مثالها: نفي الخلّة والشفاعة على جهة العموم، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (¬3). فقد استثنى الله المتقين من نفي الخلّة، وذلك في قوله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (¬4). واستثنى ما أذن فيه من الشفاعة، وذلك في قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (¬5). ومن تفسير القرآن بالقرآن: حمل بعض القراءات على غيرها، فبعض القراءات تختلف مع غيرها في اللفظ وتتفق في المعنى، فقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (أو يكون لك بيت من ذهب) تفسّر لفظ الزخرف في القراءة المشهورة: (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) (¬6). ¬

_ (¬1) غافر: 28. (¬2) غافر: 77. (¬3) البقرة: 254. (¬4) الزخرف: 67. (¬5) النجم: 26. (¬6) الإسراء: 93.

ب - النبي صلى الله عليه وسلم:

والدليل على أن القراءات تعتبر مرجعا مهما من مراجع تفسير القرآن بالقرآن: ما روي عن مجاهد رحمه الله أنه قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس ما احتجت أن أسأله عن كثير مما سألته عنه. ب- النبي صلى الله عليه وسلم: كان الصحابة الكرام إذا أشكل عليهم آية من كتاب الله، فلم يفهموا المراد منها، رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الله تعالى حدّد وظائف الرسول، ومنها بيان ما في القرآن من أحكام ونحو ذلك، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (¬1). وأخرج أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه» (¬2). ومن الأمثلة التي تدلّ على مدى اعتماد الصحابة على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن ما يلي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: «ألا أعلّمك سورة ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؟». فقلت: بلى. قال: «إني لأرجو ألا تخرج من ذلك الباب حتى تعلمها». فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، فجعل يحدثني ويدي في يده أتباطأ ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) للتوسّع يراجع: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 1/ 37.

كراهية أن يخرج قبل أن يخبرني بها، فلما دنوت من الباب، قلت: يا رسول الله! السورة التي وعدتني. قال: «كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟». فقرأت فاتحة الكتاب. فقال: «هي، هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» (¬1). مثال آخر: عند ما أنزل الله تعالى قوله- في سياق قصة نبي الله موسى عليه السلام مع قومه-: (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (¬2). فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأتهم، أو لأجزأت عنهم» (¬3). مثال آخر: في قوله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (¬4). روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية. فقال صلوات الله عليه: «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» (¬5). مثال آخر: ¬

_ (¬1) المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري: 2/ 258. (¬2) البقرة: 67. (¬3) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي: 6/ 314. (¬4) البقرة: 238. (¬5) مجمع الزوائد: 6/ 320.

ج - الاجتهاد وقوة الاستنباط:

في قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (¬1). روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيدا، فذلك قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (¬2). إلى ما هنا لك من تفسير نبوي لآيات القرآن الكريم .. (¬3). ج- الاجتهاد وقوة الاستنباط: كان الصحابة الكرام إذا لم يجدوا التفسير في القرآن، وفي السنة النبوية، كانوا يجتهدون، لكن شريطة أن يملك الصحابي أدوات الاجتهاد، وهي: أولا: معرفة أوضاع اللغة وأسرارها. ثانيا: معرفة عادات العرب. ثالثا: معرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن. رابعا: قوة الفهم وسعة الإدراك. (فمعرفة أسباب النزول، وما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، تعين على فهم كثير من الآيات القرآنية، ولهذا قال الواحدي: (لا يمكن ¬

_ (¬1) البقرة: 143. (¬2) صحيح البخاري: 3/ 120. (¬3) للتوسع يراجع: تفسير القرآن الكريم في العهد النبوي، للمؤلف: 167 - 189

معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها). وقال ابن دقيق العيد: (بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن). وقال ابن تيمية: (معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب) (¬1). ومن الأدلة القوية على تفاوت الصحابة في معرفتهم بأدوات الاجتهاد ما يلي: استعمل عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر، فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول. فقال عمر: يا قدامة إني جالدك! قال: والله لو شربت كما يقول ما كان لك أن تجلدني. قال عمر: ولم؟ قال: لأن الله يقول: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (¬2). فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد. فقال عمر رضي الله عنه: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه: إن هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين ¬

_ (¬1) منهج الفرقان: 1/ 36. (¬2) المائدة: 93.

د - أهل الكتاب من اليهود والنصارى:

وحجّة على الباقين، لأن الله يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (¬1). فقال عمر: صدقت. ومثله ما أخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه وقال: لم يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من أعلمكم، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قوله تعالى: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ... ) (¬2)، فقال بعضهم وبعضهم الآخر لم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم له، قال: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فذلك علامة أجلك: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (¬3). فقال عمر رضي الله عنه: لا أعلم منها إلا ما تقول ... (¬4). د- أهل الكتاب من اليهود والنصارى: (إن القرآن الكريم يتفق مع التوراة في بعض المسائل، وبالأخص في قصص الأنبياء، وما يتعلق بالأمم الغابرة، وكذلك يشتمل القرآن ¬

_ (¬1) المائدة: 90. (¬2) النصر: 1. (¬3) النصر: 5. (¬4) فتح الباري: 8/ 519.

على مواضع وردت في الإنجيل، كقصة ميلاد عيسى ابن مريم، ومعجزاته عليه السلام. غير أن القرآن الكريم اتخذ منهجا يخالف منهج التوراة والإنجيل، فلم يتعرّض لتفاصيل جزئيات المسائل، ولم يستوف القصة من جميع نواحيها، بل اقتصر من ذلك على موضع العبرة فقط. ولما كانت العقول دائما تميل إلى الاستيفاء والاستقصاء، جعل بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يرجعون في استيفاء هذه القصص التي لم يتعرّض لها القرآن من جميع نواحيها إلى من دخل في دينهم من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهم من علماء اليهود والنصارى. وهذا بالضرورة كان بالنسبة إلى ما ليس عندهم فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لو ثبت شيء في ذلك ما كانوا يعدلون عنه إلى غيره مهما كان المأخوذ عنه). ***

الفصل الثالث أشهر المفسرين في عهد الصحابة

الفصل الثالث أشهر المفسّرين في عهد الصحابة (اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير- رضي الله عنهم اجمعين-. أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ رضي الله عنه، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكأن السبب في ذلك تقدّم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر للحديث، ولا أحفظ عن أبي بكر في التفسير إلا آثارا قليلة جدا لا تكاد تجاوز العشرة، وأما عليّ فروي عنه الكثير. قال أبو الطفيل: شهدت عليا يخطب، وهو يقول: سلوني، فو الله لا تسألونني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم: أبليل نزلت أو بنهار، أم في سهل أم في جبل) (¬1). إذا: أشهر المفسّرين من الصحابة: 1 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: تضافرت عدة أسباب ساعدت على تكوين شخصيته العلمية، أهمها: ¬

_ (¬1) الإتقان: 4/ 204.

2 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

نشوءه في بيت النبوة، وذلك لأن خالته ميمونة كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وذات ليلة ضمّه الرسول وقال: «اللهم علّمه الكتاب والحكمة» (¬1). وفي مرة أخرى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» (¬2). إضافة إلى حرصه الدائم على طلب العلم، واستعداده الفطري لتلقي العلوم، و ... كل ذلك جعله ذا مكانة مرموقة، خاصة في التفسير، لذلك لقّب (بحبر الأمة)، ومدحه عليّ بقوله: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. كان منهجه في التفسير يعتمد على: تفسير القرآن بالقرآن، ثم تفسير القرآن بالسنة النبوية، ثم تفسير القرآن بالاجتهاد، والاعتماد كثيرا على اللغة العربية، وما إلى هنا لك. 2 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لازم النبي صلى الله عليه وسلم في حلّه وترحاله، حتى بلغ مكانة عظيمة، ووهبه الله ذاكرة حافظة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي- أبي بكر وعمر-، واهتدوا بهدي عمار، وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه» (¬3). وقال صلوات الله عليه: «من أراد أن يسمع القرآن غضّا طريّا كما أنزل فليقرأه- فليسمعه- من ابن أم عبد» (¬4). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 4/ 217. (¬2) صحيح مسلم: 7/ 158. (¬3) سنن الترمذي: رقمه (3887)، مسند أحمد: 5/ 385. (¬4) مسند أحمد: رقمه (4255).

3 - أبي بن كعب رضي الله عنه:

ومنهجه التفسيري يشبه كثيرا منهج ابن عباس، فالقرآن يفسّره القرآن، ثم السنة تفسّر القرآن، ثم الاجتهاد. 3 - أبيّ بن كعب رضي الله عنه: تكفيه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم: «أرحم أمتي بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأقرؤهم لكتاب الله عز وجل أبيّ بن كعب». لذلك اتخذه الرسول كاتبا للوحي، وشارك- كمشرف- في جمع القرآن زمن أبي بكر و ... ، وانتهج في التفسير المنهج المعروف- والذي ذكرناه سابقا-. 4 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عاش في أحضان البيت النبوي، ونشأ وترعرع وهو يرى عبادة الرسول وجهاده، ولما أصبح شابا تزوّج فاطمة رضي الله عنها، ووهبه الله نعمة الذاكرة والحفظ. وأفضل طرق الرواية عنه، وأصحّها أيضا: رواية زين العابدين علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عن أبيه علي رضي الله عن الجميع. ***

الفصل الرابع أهم أسباب الخلاف بين الصحابة في التفسير!!

الفصل الرابع أهم أسباب الخلاف بين الصحابة في التفسير!! في كتب التفسير- خاصة كتب التفسير بالمأثور- آراء كثيرة للصحابة، وذلك في مجالات تفسير آيات القرآن. لكن الملاحظ أن هناك اختلافا في آرائهم، لكن هل هو خلاف تضادّ، أم هو خلاف تنوّع؟! الإمام ابن تيمية رحمه الله تحدّث عن ذلك، وذكر طائفة من الأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، فقال: (ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم). ثم أكّد على فكرة أن الخلاف ليس إلا خلاف تنوّع، لا خلاف تضاد، وذلك بقوله: (إن الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصحّ عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوّع لا اختلاف تضاد). ثم وضع عدة أسباب أدّت إلى الخلاف بين الصحابة في التفسير، وأهمها: أ- أن يعبّر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير صاحبه تدلّ على معنى في المسمّى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمّى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة: (ومعلوم أن هذا ليس اختلاف

تضاد كما يظنه بعض الناس، مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم، فقال بعضهم: هو القرآن، أي اتباعه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم- كما في سنن الترمذي-: «هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم». وقال بعضهم هو الإسلام، لقوله صلوات الله عليه: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة» ... «رواه الترمذي». فهذان القولان متفقان، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن كل منهما نبّه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ (الصراط) يشعر بوصف ثالث، وكذلك قول من قال: هو السنّة والجماعة، وقول من قال: هو طريق العبودية، وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله، لكن وصفها كلّ بصفة من صفاتها). ب- أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحدّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثال ذلك ما نقل في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) (¬1). فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، والسابقون أولئك المقربون. ج- أن يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين: إما لكونه مشتركا في اللغة، كلفظ (قسورة) الذي يراد به الرمي، ويراد به الأسد ... ، وإما ¬

_ (¬1) فاطر: 32.

لكونه متواطئا في الأصل، لكن المراد به أحد النوعين، أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله تعالى: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (¬1). د- أن يعبّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقلّ أن يعبّر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، مثاله: قال أحدهم: (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) (¬2) أي: تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، فهذا اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، إذ قد يكون المحبوس مرتهنا، وقد لا يكون (¬3). ... ¬

_ (¬1) النجم: 8 - 9. (¬2) الأنعام: 70. (¬3) للتوسع يراجع: مقدمة في أصول التفسير: 10 - 13.

الفصل الخامس أهم مميزات تفسير الصحابة

الفصل الخامس أهم مميزات تفسير الصحابة يمتاز التفسير في عهد الصحابة بعدد من الميزات، أهمها: أولا: لم يفسّر القرآن جميعه، وإنما فسّر بعض منه، وهو ما غمض فهمه، وهذا الغموض كان يزداد كلما بعد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فكان التفسير يتزايد تبعا لتزايد هذا الغموض، إلى أن تمّ تفسير آيات القرآن جميعها. ثانيا: قلّة الاختلاف بينهم في فهم معانيه. ثالثا: كانوا كثيرا ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يلزمون أنفسهم بتفهّم معانيه تفصيلا، فيكفي أن يفهموا من مثل قوله تعالى: (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (¬1) أنه تعداد لنعم الله تعالى على عباده. رابعا: الاقتصار على توضيح المعنى اللغوي الذي فهموه بأخصر لفظ، مثل قولهم في قول الله تعالى: (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) (¬2)، أي: غير متعرّض لمعصية، فإن زادوا على ذلك فمما عرفوه من أسباب النزول. خامسا: ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعدم وجود الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظرا ¬

_ (¬1) عبس: 31. (¬2) المائدة: 3.

لاتحادهم في العقيدة، ولأن الاختلاف المذهبي لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم. سادسا: لم يدوّن شيء من التفسير في هذا العصر، لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني للهجرة، نعم أثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم، فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند الله تعالى. سابعا: اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءا منه وفرعا من فروعه، ولم يتخذ التفسير له شكلا منظما، بل كانت هذه التفسيرات تروى منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث، فحديث صلاة بجانب حديث جهاد، بجانب حديث ميراث، بجانب حديث في تفسير آية ... وهكذا. وليس لمعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس، فإنه لا تصحّ نسبته إليه، بل جمعه الفيروزآبادي ونسبه إليه، معتمدا في ذلك على رواية واهية، هي رواية محمد بن مروان السدّي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهذه هي سلسلة الكذب كما قيل (¬1). أجل! وهذه الميّزات التي امتاز بها تفسير الصحابة جعل من تفسيرهم حجّة يجب الأخذ بها، وفرّق العلماء بين أن يكون التفسير هو مجرّد آراء واجتهادات اجتهد بها بعض الصحابة، وبين أن يكون نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودون اجتهادات منهم، وما إلى هنالك. فإذا كان تفسير الصحابة مما يرجع إلى أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع، أما ما يكون للرأي فيه مجال ولم يسنده الصحابي إلى النبي صلوات الله عليه فحكمه حكم الموقوف، كما قال ابن الصلاح: (وأما ¬

_ (¬1) التفسير والمفسرون: 1/ 98.

من قال: تفسير الصحابي مرفوع، فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية، كقول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول!! فأنزل الله تعالى: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (¬1) رواه مسلم، أو نحوه مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مدخل للرأي فيه، وغيره موقوف، وكذا يقال في التابعي إلا أن المرفوع من جهته مرسل) (¬2). ... ¬

_ (¬1) البقرة: 223 (¬2) مقدمة ابن الصلاح: 121.

الفصل السادس ما هي القيمة العلمية لتفسير الصحابة؟

الفصل السادس ما هي القيمة العلمية لتفسير الصحابة؟ سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن أحسن طريق للتفسير؟ فأجاب: إن أصحّ الطرق في ذلك أن نفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنّة فإنها شارحة للقرآن وموضّحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن (¬1). لكن إذا لم نجد في القرآن وفي السنة جوابا، فما العمل؟ العمل: أن نعود إلى تلكم الطائفة التي نقلت لنا القرآن والسنة، بكل أمانة ودقّة، وهم الصحابة الأكارم. ونظرا لأهمية ذلك الجهد العظيم الذي قام به الصحابة رضي الله عنهم، فقد نقل المفسّرون في تفسيراتهم كثيرا من آراء الصحابة واجتهاداتهم، مثال ذلك ما أورده الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (¬2). (اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد، وهو المتابعة لله ¬

_ (¬1) مقدمة في أصول التفسير: 93. (¬2) الفاتحة: 6.

وللرسول، فروي أنه كتاب الله، قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثني يحيى بن يمان عن حمزة الزيات عن سعيد، وهو ابن المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) كتاب الله. وروى الإمام أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور عن عليّ مرفوعا: (هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم). وقد روي موقوفا عن علي رضي الله عنه، وهو أشبه، والله أعلم. وقال الثوري عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: الصراط المستقيم: كتاب الله، وقيل: هو الإسلام. قال الضحّاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال جبريل لمحمد عليهما السلام: (قل يا محمد: اهدنا الصراط المستقيم). يقول: ألهمنا الطريق الهادي، وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه. وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: ذاك الإسلام. وقال عبد الله بن عقيل عن جابر رضي الله عنه: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: هو الإسلام أوسع مما بين السماء والأرض. وقال ابن الحنفية في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: هو الإسلام، وفي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا الحسن بن سوار أو العلاء، حدثنا ليث- يعني ابن سعد- عن

معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس! ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم». وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث الليث بن سعد، ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن علي بن حجر عن بقية بن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن النواس بن سمعان به، وهو إسناد حسن صحيح، والله أعلم) (¬1). لكن هذا لا يعني أبدا أن نأخذ أقوالهم- أي: الصحابة- على الإطلاق دون أن نزنها بميزان القرآن والسنة!! لقد صرّح المفسرون بكل وضوح بأنه لا عبرة بقول الصحابي، وذلك إذا خالف قوله قول القرآن أو السنة، لأن الأساس والأصل هو: كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك: في قوله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (¬2). ذكر كتّاب السنّة أحاديث صحيحة تدل على أن المقصود بها هو ¬

_ (¬1) تفسير القرآن العظيم: 1/ 27 - 28. (¬2) البقرة: 238.

صلاة العصر (¬1) لكن بعض الصحابة الكرام، نقل عنهم غير ذاك التفسير، مما جعل بعض المفسّرين يرفضون أقوالهم في ذلك، مبررين الرفض بأنه يخالف الأصول، ولا يلتفت إلى كل ما يخالف الأصول، حتى لو كان ذلك قول أحد كبار الصحابة!! (وأما ما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما قالا: إن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، كما أخرجه مالك في الموطأ عنهما (¬2). وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس، وكذلك غيره عن ابن عمرو وأبي أمامة، فكل ذلك من أقوالهم، وليس فيها شيء من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقوم بمثل ذلك حجة لا سيما إذا عارض ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا يمكن أن يدعى فيه التواتر، وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعد، من التابعين وتابعيهم بالأولى. وهكذا لا اعتبار بما روي عن ابن عمر من قوله: إنها الظهر، وكذلك ما يروى عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم، فلا حجّة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) (¬3). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن، فإن لم تجده فمن السنّة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «فيم تحكم؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: أجتهد رأيي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه. ¬

_ (¬1) يراجع: صحيح البخاري 4/ 80، صحيح مسلم: 1/ 436، سنن ابن ماجة: 1/ 224. (¬2) الموطأ: 344. (¬3) فتح البيان لصدّيق خان: 1/ 396.

وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماءهم وكبراءهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم) (¬1). وما أكثر ما استشهد العلماء بأقوال الصحابة، خاصة في: معرفة المكي والمدني، وبيان معنى الآيات، ومعرفة القراءات والأحكام، ومعرفة أسباب النزول، ونحو ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) تفسير القرآن العظيم: 1/ 7 - 8. (¬2) للتوسع يراجع كتاب: علوم القرآن الكريم؛ للمؤلف: 365 - 392.

الفصل السابع هل يجوز أن تفسر الآيات القرآنية بالشعر؟!

الفصل السابع هل يجوز أن تفسّر الآيات القرآنية بالشّعر؟! سؤال يطرح نفسه: هل يجوز الاستعانة بالشّعر في تفسير كتاب الله؟! هناك خلاف في المسألة، قال أبو بكر الأنباري رحمه الله تعالى: (قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيرا الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشّعر، وأنكر جماعة لا علم لهم على النحويين ذلك، وقالوا: إذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلا للقرآن، وقالوا: وكيف يجوز أن يحتجّ بالشعر على القرآن، وهو مذموم في القرآن والحديث؟ وللإجابة عن ذلك يقول: وليس الأمر كما زعموه من أنّا جعلنا الشعر أصلا للقرآن، بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر، لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (¬1). ويقول: (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (¬2). لكن هل يجوز الاستشهاد والاستعانة بأي نوع من أنواع الشعر لتفسير كتاب الله سبحانه؟ أبدا، فهناك طبقات للشعراء، فمنهم من يحتجّ بأقوالهم، ومنهم من لا يحتج. ¬

_ (¬1) الزخرف: 3. (¬2) الشعراء: 195.

كما قال البغدادي: (الكلام الذي يستشهد به نوعان: شعر وغيره، فقائل الأول، قد قسّمه العلماء على طبقات أربع: الطبقة الأولى: الشعراء الجاهليون، وهم من كانوا قبل الإسلام، كامرئ القيس والأعشى. الطبقة الثانية: المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، كلبيد، وحسان. الطبقة الثالثة: المتقدمون، ويقال لهم الإسلاميون، وهم الذي كانوا في صدر الإسلام، كجرير والفرزدق. الطبقة الرابعة: المولّدون، ويقال لهم المحدثون، وهم من بعدهم إلى زماننا، كبشار بن برد وأبي نواس وغيرهم. فالطبقتان الأوليان يستشهد بشعرهما إجماعا، وأما الثالثة فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها. وأما الرابعة: فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقا، وقيل: يستشهد بكلام من يوثق به منهم، واختاره الزمخشري .. ) (¬1). وتدلّ كتب التفاسير على أن أكثر واحد من الصحابة قد اعتمد على الشّعر في حلّ غريب القرآن، ونذكر منهم ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن. وروى السيوطي وغيره قوله رضي الله عنه: (الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه). ورحم الله الإمام السيوطي فقد جمع مسائل تتعلق باعتماد الصحابة على تفسير القرآن بالشّعر، وأطلق عليها (مسائل نافع ابن الأزرق) وهي ¬

_ (¬1) خزانة الأدب: 1/ 3 - 4/.

1 - قال نافع لابن عباس:

أسئلة قدّمت إلى ابن عباس، فأجاب عليها مستشهدا بشعر العرب، وتتجاوز (187) مسألة، منها: 1 - قال نافع لابن عباس: أخبرني عن قول الله تعالى: (أَلَدُّ الْخِصامِ) (¬1) فقال ابن عباس: الجدل: المخاصم في الباطل. فقال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعت قول مهلهل: إن تحت الأحجار حزما وجودا ... وخصيما ألدّ ذا مغلاق 2 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (¬2). قال ابن عباس: النقير: ما في شقّ النواة، ومنه تنبت النخل. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعت قول الشاعر: وليس الناس بعدك في نقير ... وليسوا غير أصداء وهام 3 - قال نافع لابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (¬3). قال ابن عباس: الوسيلة: الحاجة. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك. قال ابن عباس: نعم أما سمعت عنترة وهو يقول: إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي 4 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) (¬4). ¬

_ (¬1) البقرة: 204. (¬2) النساء: 124. (¬3) المائدة: 35. (¬4) مريم: 13.

قال ابن عباس: رحمة من عندنا. فقال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: نعم، أما سمعت طرفة بن العبد يقول: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض 5 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (¬1). قال ابن عباس: سلّطنا. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعت قول لبيد: إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للهلك والنّفد 6 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (¬2). قال ابن عباس: السفينة الموقورة. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: نعم، أما سمعت قول عبيد بن الأبرص: شحنّا أرضهم بالخيل حتى ... تركناهم أذل من الصراط 7 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (وَدُسُرٍ) (¬3). قال ابن عباس: الدسر: الذي تخرز به السفينة. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعت قول الشاعر: سفينة نوتيّ قد احكم صنعها ... منحّتة الألواح منسوجة الدسر ¬

_ (¬1) الإسراء: 16. (¬2) الشعراء: 119. (¬3) القمر: 13.

8 - قال نافع: أخبرني عن قوله تعالى: (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (¬1). قال ابن عباس: غير منقوص. قال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال ابن عباس: أما سمعت قول زهير: فضل الجواد على الخيل البطاء فلا ... يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا إلى غير ذلك من بقية المسائل التي استشهد ابن عباس في إجاباته عنها بأبيات من الشعر (¬2). ... ¬

_ (¬1) القلم: 3. (¬2) للتوسع يراجع: الإتقان في علوم القرآن: 1/ 175 - 190.

الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير الصحابة

الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير الصحابة

الفصل الأول التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الفصل الأول التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام أحد الباحثين بجمع ما ورد عن عمر رضي الله عنه من كتب التفسير وكتب الأحاديث، فكان كتابا جامعا، عنوانه: (التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب) للدكتور إبراهيم بن حسن، نأخذ منها ما يلي: 1 - في قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (¬1). أخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن عمر رضي الله عنه قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجّهت قبل البيت (¬2). 2 - في قول الله تعالى: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (¬3). أخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان، عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا أهل مكة! اتقوا الله في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن ¬

_ (¬1) البقرة: 115. (¬2) الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 1/ 109. (¬3) البقرة: 126.

حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان، فأحلّوا حرمته، فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتى عدّ ما شاء الله، ثم قال: والله لأن أعمل عشرة خطايا بغيره، أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكة (¬1). 3 - في قول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (¬2). أخرج ابن أبي شيبة، ومسدّد بن مسرهد، في مسنده، عن عمر رضي الله عنه قال: يغفر الله للحاج ولمن يستغفر له الحاج، بقية ذي الحجة ومحرم وصفر، وعشرا من ربيع الأول (¬3). 4 - في قول الله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) (¬4). أخرج الدارمي في مسنده، ونصر المقدسي في الحجة، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له (صبيغ) قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أعدّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال: وأنا عبد الله عمر! فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين، فضربه حتى دمّى رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين! حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي!! (¬5). 5 - في قول الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (¬6). ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 1/ 124. (¬2) البقرة: 169. (¬3) الدر المنثور: 1/ 210. (¬4) آل عمران: 7. (¬5) الدر المنثور: 2/ 8. (¬6) النساء: 128.

أخرج ابن جرير عن عمر رضي الله عنه، أن رجلا سأله عن آية، فكره ذلك وضربه بالدرّة، فسأله آخر عن هذه الآية (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً). فقال: عن مثل هذا فسلوا، ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل، قد خلا من سنّها، فيتزوّج المرأة الثانية يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز (¬1). 6 - في قول الله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (¬2). أخرج ابن المنذر، عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب: أرأيت الرشوة في الحكم، أمن السحت هي؟ قال: لا، ولكن كفر، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون إلى السلطان حاجة، فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية (¬3). 7 - في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (¬4). أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، عن عكرمة قال: لما تزوج عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهما، اجتمع عليه أصحابه، فباركوا له، ودعوا له، فقال: بنت عليّ تزوّجتها وما بي حاجة إلى النساء، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي». ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 2/ 232. (¬2) المائدة: 42. (¬3) الدر المنثور: 2/ 283/. (¬4) الأنعام: 94.

فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله نسب (¬1). 8 - وفي قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (¬2). أخرج سعيد بن منصور، والبيهقي، عن ابن عباس قال: خطبنا عمر فقال: أيها الناس! سيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجّال، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا (¬3). ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 3/ 32. (¬2) الأنعام: 158. (¬3) الدر المنثور: 3/ 60.

الفصل الثاني تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

الفصل الثاني تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قام الدكتور عبد الله بدر بجمع ما ورد عن السيدة عائشة من تفسير آيات الكتاب العزيز، وذلك في كتاب عنوانه (تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها)، ومن ذلك: 9 - في قول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (¬1). عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ). قالت عائشة: كذّبوا. قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن؟ قالت: أجل، لعمري لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذي آمنوا بربهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل من كذبهم من ¬

_ (¬1) يوسف: 110.

قومهم، وظنّت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك (¬1). 10 - في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (¬2). قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير- واللفظ لأبي بكر- قالا: حدثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية قالت: قالت عائشة رضي الله عنها: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل (¬3) من شعر أسود، فجاء الحسن فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... ) الآية ... (¬4). 11 - في قول الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) (¬5). عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى قام حتى تفطر رجلاه، فقلت: يا رسول الله! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: «يا عائشة! أفلا أكون عبدا شكورا» (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: 7/ 226. (¬2) الأحزاب: 33. (¬3) المرط: كساء، والمرحل: المنقوش عليه صور رحال الإبل. (¬4) صحيح مسلم: 15/ 194. (¬5) الفتح: 1 - 3. (¬6) صحيح مسلم: 17/ 162، مسند أحمد: 6/ 15.

12 - قال البخاري في قول الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (¬1) -: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة رضي الله عنها، قال: سألتها عن قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) فقالت: نهر أعطيه نبيّكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه درّ مجوّف، آنيته كعدد النجوم (¬2). ... ¬

_ (¬1) الكوثر: 1. (¬2) صحيح البخاري: 6/ 219، مسند أحمد: 281.

الفصل الثالث تفسير حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه

الفصل الثالث تفسير حبر الأمّة عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول عن ابن عباس رضي الله عنه: لقد كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق!! وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس!! وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ابن عباس أعلم أمة محمد بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم!! وقد نقل المفسرون عنه كثيرا من الأقوال والاجتهادات، منها ما يلي: 13 - فمن تفسيره القرآن بالقرآن، ما روي عن سعيد بن جبير: أن رجلا أتى ابن عباس فقال: سمعت الله يقول: (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ... ) (¬1). وقال في آية أخرى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (¬2). فأجاب ابن عباس عن ذلك بقوله: أما قوله: (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ): فذلك في النفخة ¬

_ (¬1) المؤمنون: 101. (¬2) الطور: 25.

الأولى، فلا يبقى على الأرض شيء، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. وأما قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ): فإنه لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون (¬1). 14 - ومن تفسيره الذي يكشف عن معرفته بأحوال العرب وأوضاعها في عصر التنزيل، ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) (¬2). قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوّجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك (¬3). 15 - ومما يدلّ على إلمامه بأحوال أهل الكتاب في عصر التنزيل: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما- في قوله تعالى-: (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (¬4). قال: كان بنو النضير إذا قتلوا قتيلا من بني قريظة من بني قريظة أدّوا إليهم نصف الدّية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلا أدّوا الدية كاملة، ¬

_ (¬1) جامع البيان للطبري: 18/ 23. (¬2) النساء: 19. (¬3) صحيح البخاري: 5/ 178. (¬4) المائدة: 42.

فسوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم الدية كاملة (¬1). 16 - ومما يدلّ على قوّة فهمه وسعة إدراكه: ما أخرجه الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (¬2). قال: الكلام الطيّب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عليه ذكر الله، فصعد به، ومن ذكر الله، ولم يؤدّ فرائضه، ردّ كلامه على عمله فكان أولى به (¬3). ... ¬

_ (¬1) المسند للإمام أحمد: 5/ 145. (¬2) فاطر: 10. (¬3) تفسير الطبري: 22/ 71.

الفصل الرابع منهج ابن مسعود رضي الله عنه في التفسير

الفصل الرابع منهج ابن مسعود رضي الله عنه في التفسير آثرت عدة عوامل في تكوين شخصية ابن مسعود رضي الله عنه وضلوعه في تفسير كتاب الله، منها: انتسابه إلى قبيلة هذيل العربية الفصيحة، ومنها ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث عايش أسباب نزول الآيات، وسمع الكثير من الرسول، ولذلك ورد عنه قوله: والذي لا إله غيره، ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت، ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه!! (¬1). وتميّز منهجه التفسيري بأنه يقدّم تفسير القرآن بالقرآن عن غيره، فإن لم يجد، فسّر القرآن بالسنة النبوية، فإن لم يجد فسّر القرآن على ضوء مبادئ الإسلام، ومن الأمثلة على ذلك: 17 - في قول الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (¬2). قال المخارق: قال عبد الله بن مسعود: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره، فيقال له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيثبته الله، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم: 7/ 148. (¬2) إبراهيم: 27. (¬3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2/ 532.

18 - وفي تفسير قوله تعالى: (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) (¬1). قال ابن مسعود: هذا يوم بدر، نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا، وذلك قوله تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (¬2) (¬3). 19 - وفي تفسير قوله تعالى: (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (¬4). قال ابن مسعود رضي الله عنه: على قدر أعمالهم يمرّون على الصراط: منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الجمل القائم، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتّقد مرة ويطفأ أخرى (¬5). 20 - وفي قوله تعالى: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (¬6). قال ابن مسعود رضي الله عنه: يحبس الأول على الآخر، حتى إذا تكاملت العدّة أتاهم جميعا، ثم بدأ بالأكابر، فالأكابر جرما ... (¬7). ... ¬

_ (¬1) آل عمران: 13. (¬2) الأنفال: 44. (¬3) جامع البيان للطبري: 3/ 130. (¬4) الحديد: 12. (¬5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 4/ 308. (¬6) مريم: 69. (¬7) تفسير القرآن العظيم: 3/ 131.

الفصل الخامس تفسير أبي بن كعب رضي الله عنه

الفصل الخامس تفسير أبيّ بن كعب رضي الله عنه إن ملازمة أبيّ رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم، ... وكونه كاتب الوحي، وكاتب رسائل النبي و ... ، وأقرأ الصحابة لكتاب الله سبحانه، وجامع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، كل ذلك جعله من كبار مفسري الصحابة، ومن تفسيراته ما يلي: 21 - في تفسير قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (¬1). قال أبيّ رضي الله عنه: لما نزلت الآية في سورة البقرة في عدد النساء، قالوا: قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن، الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزلت (¬2). 22 - وأخرج ابن أبي شيبة عن أبيّ رضي الله عنه قال في تفسير قول الله تعالى: (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... ) (¬3). ¬

_ (¬1) الطلاق: 4. (¬2) أسباب النزول للواحدي: 437. (¬3) التوبة: 18.

قال: إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم!!! (¬1). 23 - وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه، في قول الله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (¬2). قال: صاروا فرقتين يوم القيامة، يقال لمن اسودّ وجهه: (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (¬3) فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة. وأما الذين ابيضّت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم، وأخلصوا له الدين، فبيّض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنّته (¬4). 24 - وفي تفسير قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (¬5). قال أبيّ رضي الله عنه: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة (¬6). ... ¬

_ (¬1) الدرر المنثور للسيوطي: 4/ 143. (¬2) آل عمران: 106. (¬3) آل عمران: 106. (¬4) جامع البيان للطبري: 4/ 27. (¬5) آل عمران: 110. (¬6) الدر المنثور: 2/ 294.

خاتمة القسم الثاني (التفسير في عهد الصحابة)

خاتمة القسم الثاني (التفسير في عهد الصحابة) شاء الله سبحانه وتعالى أن ينزل كتابه الخالد على الأمّة الأمّية، فأكرمها بأن كان القرآن الكريم بلغتها، وزاد في ذلك بأن تكفّل سبحانه بحفظه وبيانه، مصداق ذلك قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (¬1). وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان المفسّر للقرآن هو القرآن نفسه، وإلا كان المرجع الوحيد للتفسير هو النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى أصبح بعض الرموز من الصحابة الكرام هم المرجع في تفسير القرآن الكريم، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، و ... رضي الله عنهم أجمعين. وقد اجتهد هؤلاء الصحابة في القضايا التي لم يرد فيها نصّ صريح- من القرآن والسنة- واعتمدوا في بعض القضايا- خاصة ما يتعلق بقصص الأنبياء وقصص الأمم السابقة- على المعلومات المتوفّرة لدى علماء أهل الكتاب. ثم جاء من بعدهم التابعون وتابعوا التابعين، ولما دوّن علم التفسير اعتمد تفسير الصحابة على أساس (المرفوع الذي شهد له الوحي)، أو ¬

_ (¬1) القيامة: 17 - 19.

في حكم الموقوف، وفي كلتا الحالتين يرجع إليه. لكن أهم ما تميّز تفسير الصحابة أنه لم يدوّن بشكل مستقل، إنما اتخذ شكل الحديث النبوي. ورحم الله ابن مسعود عند ما قال في معرض اتخاذ الأسوة والقدوة: (من كان منكم متأسّيا فليتأسّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمّة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم). ورحم الله الإمام الشافعي عند ما قال عن الصحابة: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم، واستنبط به حكم، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا (¬1). أجل! هكذا كانوا مع القرآن الكريم، تلاوة وفهما، يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه، لكن دار الزمن دورته، فاهتم المسلمون بشكليات القرآن فأخذوا يتفنّنون بطباعته وزخرفته، ولا أحد- إلا من رحم ربك- يهتمّ بجوهره وروحه، وكأن القرآن في هذه الأيام ينادي بلسان الحال: (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (¬2). فالقرآن أنزله الله هداية وصلاحا، دستورا وشريعة، نورا وبرهانا، وتكفّل الله للناس أن يجدوا فيه ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، مصداق ذلك قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (¬3). ¬

_ (¬1) علوم الحديث لابن الصلاح: 263 - 264. (¬2) الفرقان: 30. (¬3) يونس: 57.

وكل بعد عن القرآن يعني الخسران المبين، لأن فيه العلاج للأمراض، والحلول للمشكلات و .. ، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (¬1). نسأل الله تعالى أن يعيد المسلمين إلى منهج القرآن والسنة، عسى أن تعمّ البركات كل المعمورة، كما قال الله تعالى: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (¬2). ونضرع إليه سبحانه أن يجعلنا من الوقّافين لما في القرآن من أحكام، إنه هو البر الرحيم، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ... ¬

_ (¬1) الإسراء: 82. (¬2) ص: 29.

القسم الثالث تفسير القرآن الكريم في عهد التابعين

القسم الثالث تفسير القرآن الكريم في عهد التابعين

الباب الأول مع التابعين الكرام

الباب الأول مع التابعين الكرام

الفصل الأول مدخل إلى التفسير قبل عهد التابعين

الفصل الأول مدخل إلى التفسير قبل عهد التابعين شاء الله تعالى أن يكون كل رسول من الجماعة التي يرسل إليها، مصداق ذلك قوله تعالى: (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا) (¬1). وبالتالي، فكانت الرسالات والكتب السماوية بلغة الأقوام التي أرسلت إليها، وذلك كي يفهمها الناس ويفقهون مراد الله منها، قال تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (¬2). والإعجاز في المسألة أن الله تعالى جعل معجزة كل نبي من الأنبياء تتحدى ما اشتهر به قومه، مثال ذلك: أن معجزة موسى عليه السلام كانت تدور في فلك السحر، حيث كان قومه مشهورين به ... يتباهون بالتفنّن به. أما معجزة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فهي المعجزة الخالدة الباقية إلى يوم الدّين، حيث كان العرب قد أبدعوا في مجالات الشعر والأدب .. فتحدّاهم الله تعالى بالقرآن، لذلك وقفوا أمام فصاحته وبلاغته بكل ¬

_ (¬1) الإسراء: 94 - 95. (¬2) إبراهيم: 4.

خشوع، مثال ذلك ما حدث مع الوليد بن المغيرة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له. فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم! إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا. قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له. قال: فماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده منّي، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، وو الله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (¬1)، وإنه لمثمر أعلاه مغدق (¬2) أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: دعني حتى أفكّر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر يأثره (¬3) عن غيره. فأنزل الله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَ ¬

_ (¬1) أي: الحسن والرّونق. (¬2) أغدقت الأرض: أخصبت. (¬3) أثر الحديث: نقله ورواه عن غيره.

عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (¬1). لذلك وعلى الرغم من قوة العرب البلاغية وفصاحتهم و ... ، فقد عجزوا أمام فصاحة وبلاغة كتاب الله تعالى. وما كان من الكثيرين منهم إلا أن أعلنوا إسلامهم .. وساروا في موكب الدعوة إلى الله تعالى فتذوقوا بيان القرآن، وفهموا مراميه ومقاصده. إلا أنهم كانوا يعودون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستفسروا عن بعض دلالات الآيات. وكما هو معلوم، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أعلم الناس بأسرار القرآن، ومن وظائفه ومهامه تبليغ وبيان ما في القرآن (¬2). لكنه صلوات الله عليه لم يفسر القرآن كله، إنما فسّر بما يزيل الشبهات ويوضح المعاني. وقد جمعت الأحاديث النبوية التي تدور في فلك التفسير- وهي قليلة- فما فهمه الصحابة الكرام من القرآن فقد ساروا عليه، ولكن ¬

_ (¬1) المدثر: 11 - 25، وتفصيلات القصة في سيرة ابن هشام: 1/ 283، مستدرك الحاكم: 2/ 506، دلائل البيهقي: 2/ 200. (¬2) مثال ذلك قوله تعالى: (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44]. ومثاله قوله سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النساء: 105]. إذا: من المهمّات الأساسية للنبي صلى الله عليه وسلم تفسير الأمور المشتبهة، مصداق ذلك قوله تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 151].

بعضهم لم يفهم بعض القضايا التي وردت في القرآن، ولم يسألوا عنها. ثم كان عهد الصحابة الأكارم، فساروا على النهج ذاته. حيث اتفقوا على أن أفضل ما يفسّر القرآن هو القرآن، قال الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه: ( .. إن أصح الطرق في ذلك- أي في تفسير القرآن- أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر .. ) (¬1). مثل ذلك قوله تعالى: (* وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (¬2) فسرتها الآية التالية: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (¬3). مثال آخر قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) (¬4). جاء تفسير المحرمات على اليهود في موضع آخر، وذلك في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (¬5). ثم إن الصحابة الكرام اعتبروا أن خير ما يفسر القرآن بعد القرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فتناقلوا كل ما ورد عنه من تفسير وبيان لبعض آيات القرآن. ¬

_ (¬1) مقدمة في أصول التفسير: 93. (¬2) الأنعام: 59. (¬3) لقمان: 34. (¬4) النحل: 118. (¬5) الأنعام: 146.

مثال ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت الآية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (¬1) شق ذلك على الصحابة، فقالوا: يا رسول الله؟ وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: «إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬2) إنما هو الشرك» (¬3). ومثاله ما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب عذّب». قلت: أليس يقول الله تعالى: (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) (¬4)؟ قال: «ليس ذاك الحساب، وإنما ذاك العرض» (¬5). ومثاله: ما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (¬6) «ألا وإن القوة الرمي، ألا وإن القوة الرمي، إلا وإن القوة الرمي» (¬7). ولكن بعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، نشأ في الإسلام جيل من أبناء الصحابة وغيرهم من العرب لم يحضروا نزول الوحي، ولم يتعرفوا على أسباب النزول، ودخل عدد كبير من غير العرب في دين الإسلام. كل ذلك أدى إلى ظهور الحاجة الماسّة؛ ليتصدر أعلام الصحابة لتفسير بعض الآيات التي لم يفسّرها النبي صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) الأنعام: 82. (¬2) لقمان: 13. (¬3) سنن الترمذي: 4/ 227، مسند الإمام أحمد: 1/ 378. (¬4) الانشقاق: 8. (¬5) صحيح البخاري: 1/ 34. (¬6) الأنفال: 60. (¬7) صحيح مسلم: 6/ 52.

ولهذا نجد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرسل كبار الصحابة إلى البلاد التي فتحها المسلمون وذلك بهدف التعليم وبنحو ذلك، مثال ذلك: إرساله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى العراق، وقد كتب رسالة إلى العراقيين، جاء فيها: ( .. إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود معلما، ووزيرا، وإنهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحاب بدر، وقد جعلت عبد الله بن مسعود على بيت مالكم، فتعلّموا منهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله ابن مسعود على نفسي .. ) (¬1). أجل! فالصحابة الكرام عايشوا فترة تنزّل القرآن الكريم، ففهموا أسباب نزوله، حتى إن واحدا منهم، وهو عبد الله بن مسعود كان يقول: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من الكتاب إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تطاله المطايا لأتيته! .. ومع كل ذلك كان ابن مسعود يوجّه الناس إلى اتباع ما كان عليه الصحابة الكرام، معللا ذلك بقوله: «من كان منكم متأسّيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم). وهذا ما فهمه الإمام الشافعي، حيث أكّد على أخذ الأمور الدينية مما ورد عن الصحابة الأكارم، وذلك في قوله: ( .. وهم- أي الصحابة- فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم، واستنبط به حكم، وآراؤهم لنا أحمد ¬

_ (¬1) الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/ 7 - 8.

وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا) (¬1). لذلك اعتبر العلماء كل ما ورد عن الصحابة في التفسير- مما لا مجال للرأي فيه- في حكم الحديث المرفوع (¬2). ... ¬

_ (¬1) للتوسّع يراجع: علوم الحديث لابن الصلاح: 263. (¬2) للتوسّع يراجع: نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لابن حجر: 53.

الفصل الثاني ماذا يعني مصطلح التابعين؟!

الفصل الثاني ماذا يعني مصطلح التابعين؟! هناك شبه إجماع بين العلماء وخاصة أهل الحديث على أن آخر الصحابة موتا على الإطلاق هو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، وكان ذلك في سنة (110 هـ). وقد قال ابن حجر العسقلاني: (فيعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم- ويقصد بذلك أن شرط المعاصرة للنبي هو هذا الحد- لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لأصحابه: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد» (¬1). زاد مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر) (¬2) (¬3). ثم ظهر مصطلح (التابعي). قال الخطيب البغدادي: التابعيّ هو: من صحب الصحابي (¬4). وفي كلام الحاكم ما يقتضي إطلاق التابعي على من لقي الصحابي وروى عنه وإن لم يصحبه ... وهناك خلاف في تحديد مصطلح ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: رقمه (116)، صحيح مسلم: رقمه (2537). (¬2) صحيح مسلم: رقمه (2538). (¬3) الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 6. (¬4) الكفاية: 59.

التابعي، وفي ذلك يقول الحافظ العراقي (ت 706 هـ): (اختلف في حدّ التابعي، فقال الحاكم وغيره: إن التابعي من لقي واحدا من الصحابة، فأكثر، وقد ذكر مسلم وابن حبان سليمان بن مهران الأعمش في طبقة التابعين، وقال ابن حبان: أخرجناه في هذه الطبقة لأن له لقيا وحفظا، رأى أنس بن مالك، وإن لم يصحّ له سماع المسند عن أنس. وقال علي بن المديني: إنما رآه رؤية بمكة يصلّي، وليس له رواية في شيء من الكتب الستة عن أحد من الصحابة إلا عن عبد الله بن أبي أوفى في سنن ابن ماجة فقط. وقال أبو حاتم الرازي: إنه لم يسمع منه، وقال الترمذي: إنه لم يسمع من أحد من الصحابة، عدّه أيضا من التابعين عند عبد الغني بن سعيد، وعدّ فيهم يحيى بن أبي كثير لكونه لقي أنسا، وعدّ فيهم موسى ابن أبي عائشة لكونه لقي عمرو بن حريث، وعدّ فيهم جرير بن أبي حازم لكونه رأى أنسا، وهذا مصير منهم إلى أن التابعي من رأى الصحابي، ولكن ابن حبان يشترط أن يكون رآه في سنّ من يحفظ عنه، فإن كان صغيرا، لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته كخلف بن خليفة فإنه عدّه من أتباع التابعين وإن كان رأى عمرو بن حريث لكونه كان صغيرا. وقال الخطيب: التابعي من صحب الصحابي، والأول أصح، ورجّحه ابن الصلاح، فقال: والاكتفاء في هذا بمجرد اللقي والرؤية أقرب منه في الصحابة نظرا إلى مقتضى اللفظين فيها. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة والتابعين بقوله: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني».

فالحديث اكتفي فيهما بمجرد الرؤيا) (¬1). ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعلقمة، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وحفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وغيرهم. على كلّ فجميع التابعين يدخلون تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». ويستظلون بقوله تعالى- وهي شهادة رائعة تعلق كوسام على صدور التابعين-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (¬2). ... ¬

_ (¬1) ألفية الحديث ومعها فتح المغيث: 366 - 367. (¬2) التوبة: 100.

الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات!!

الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات!! قسم الدكتور محمد أبو شهبة أخبار بني إسرائيل وأقاويلهم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة، والقرآن هو الكتاب المهيمن، والشاهد على الكتب السماوية قبله، فما وافقه فهو حق وصدق، وما خالفه فهو باطل وكذب، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (¬1). وهذا القسم صحيح، وفيما عندنا غنية عنه، ولكن يجوز ذكره، وروايته للاستشهاد به، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم، وذلك مثل: ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام، وأنه الخضر، فقد ورد في الحديث الصحيح، ومثل: ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرسالته، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء، مما غفلوا عن تحريفه، أو حرفوه، ولكن بقي شعاع منه يدلّ على الحق. ¬

_ (¬1) المائدة: 48 - 49.

وفي هذا القسم ورد قوله صلى الله عليه وسلم: «بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، لأنه كان تقدم منه صلوات الله عليه الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسّع في ذلك، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار» (¬1). القسم الثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا ما يخالفه، وذلك مثل: ما ذكروه في قصص الأنبياء، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقصة يوسف، وداود، وسليمان عليهم السلام، ومثل: ما ذكروه في توراتهم من أن الذبيح إسحاق، لا إسماعيل، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه، وأنه مما حرّفوه، وبدّلوه، قال تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (¬2). وهذا القسم: ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته، والزجر عن أخذه عنهم، وسؤالهم عنه، قال الإمام مالك رحمه الله في حديث: «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» المراد: جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. ولعل هذا هو المراد من قول ابن عباس رضي الله عنهما: (يا معشر ¬

_ (¬1) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 6/ 388. (¬2) المائدة: 41.

المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث (¬1)، تقرءوه لم يشب (¬2)، وقد حدّثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله، وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم. القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا، ولا من ذاك، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه، أو باطلا فنصدّقه، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم. ولعل هذا القسم المراد بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم» (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (¬3). ومع هذا، فالأولى عدم ذكره، وأن لا نضيع الوقت في الاشتغال به. وفي هذا المعنى ورد حديث أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار من حديث جابر: أن عمر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب، وقال: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذّبوا به، أو بباطل، فتصدّقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى حيّا ما وسعه إلا أن يتّبعني». قال ابن بطال عن المهلب: (هذا النهي في سؤالهم عما لا نصّ ¬

_ (¬1) أي: آخر الكتب نزولا من عند الله سبحانه. (¬2) أي: لم يخلط بغيره قطّ. (¬3) العنكبوت: 46.

فيه، لأن شرعنا مكتف بنفسه، فإذا لم يوجد فيه نص، ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدّقة لشرعنا، والأخبار عن الأمم السالفة) (¬1) يعني بتشديد سيدنا عمر على من كان يكتب شيئا من كتب اليهود ... (¬2). لكن ما هو موقف التابعين من الإسرائيليات؟ مرّ معنا في قسم (تفسير الصحابة): أن الصحابة لم يكونوا يعودون إلى أهل الكتاب، إلا في دائرة محددة ضيقة، لكن في عهد التابعين زاد ذلك الأمر وتضخّم. قال نجم الدين الطوفي في تبيان علّة ذلك: (ثم تفرق الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في البلاد، ونقلوا ما علموه من التفسير إلى تابعيهم، وليس كل صحابي علم تفسير جميع القرآن بل بعضه، إذ الجامعون للقرآن على عهده صلى الله عليه وسلم كانوا نفرا معدودين، وشرذمة قليلين، فألقى الصحابي ذلك البعض إلى تابعه، ولعل ذلك التابعي لم يجتمع بصحابي آخر يكمل له التفسير، أو اجتمع بمن لا زيادة عنه على ما عند الصحابي الذي أخذ منه، فاقتصر عليه وشرع يكمل تفسير القرآن باجتهاده استنباطا من اللغة تارة، ومن السنة أخرى، ومن نظير الآية المطلوب تفسيرها من القرآن تارة أخرى، ومن مدارك أخر رآها صالحة لأخذ التفسير منها، كالتاريخ، وأيام الأمم الخالية، والإسرائيليات ونحوها، فاتسع الخرق وكثر الدخل في التفسير حتى آل الأمر إلى الأقوال الكثيرة، تفعل كل طبقة من المفسرين، كفعل التي قبلها من زيادة الوجوه والاختيارات كما تراهم ¬

_ (¬1) فتح الباري: 13/ 285. (¬2) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير: 106 - 108.

يصرّحون في تفسيرهم، وينسبون الأقوال إلى آرائهم ومذاهبهم) (¬1). وعلق الدكتور رمزي نعناعة على ذلك بقوله: كذلك يرجع سبب تضخم التفسير بالإسرائيليات في عهد التابعين إلى كثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وميل نفوس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، كما يرجع إلى كثرة الوضع ونشاط القصّاص في هذا المضمار، فقد وجدنا في كتب التفسير أمثلة على هذا القصص لا حصر لها معزوة إلى بعض التابعين، أمثال قتادة، ومسروق، ومجاهد، وكعب، ووهب، وعكرمة، والحسن، والضحاك، وابن جبير، وزيد بن أسلم، وعطاء، وطاوس، وغيرهم، هذه القصص التي نسبت إليهم فيها كثير من الإغراب والمبالغة والخيال، والبعد عن المنطق والعقل والإمكان. ومن الأمثلة على ذلك ما رواه عكرمة في تفسير الرعد، قال: ملك في السحاب يجمع السحاب، كما يجمع الراعي الإبل، فيؤلف بينها، فذلك الصوت تسبيحه!! (¬2). ومن ذلك ما يروى عن السدي عن زيد بن أسلم في سياق المناظرة بين إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، وهذه القصة قد وردت في تفسير مقاتل (¬3)، كما وردت في تفسير ابن كثير (¬4)، وفيها أن الله سلّط البعوض على النمرود، وجنوده وقت طلوع الشمس، فلم يروا عين الشمس، سلطها عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظاما ¬

_ (¬1) الإكسير في قواعد التفسير: 639. (¬2) تفسير الطبري: 1/ 116. (¬3) تفسير مقاتل: 147. (¬4) تفسير ابن كثير: 1/ 605.

بادية، ودخلت واحدة منها، فمكثت فيه أربعمائة سنة يعذبه الله بها، حتى كان يضرب رأسه بالمرزبّة (¬1) في هذه المدة، ثم أهلكه بها (¬2). واشتهر برواية الإسرائيليات من التابعين: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهما. ولنأخذ مثلا على ذلك تفسير قتادة، والذي جمعه هو الدكتور عبد الله أبو السعود بدر، ومما جاء فيه: ( .. ولقد سقطت في تفسير قتادة بعض الإسرائيليات كما سقطت في غيره من التفاسير الأخرى. فمثلا يقول عن بلقيس: بلغني أنها امرأة يقال لها (بلقيس)، يقول راويته- أحسبه قال ابنة شراحيل، أحد أبويها من الجن!! مؤخّر قدميها كحافر الدابة، ويقول: كانت صاحبة سبأ إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فلما أغلقت الأبواب وأوت إلى فراشها، جاءها الهدهد حتى دخل من كوّة بيتها، فقذف الصحيفة على بطنها بين فخذيها!! ويتحدث عن هديتها لسليمان عليه السلام فيقول: فبعث إليهم بلبنة من ذهب من حرير وديباج، فبلغ ذلك سليمان، فأمر بلبنة من ذهب، فصنعت ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث، فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب، صغر في أعينهم الذي جاءوا به! وكل هذه إسرائيليات، فالأسلوب الإسرائيلي واضح جدا، وروح الرواية الإسرائيلية لا تخفى هنا على أي مشتغل بهذه الدراسات، ففيها الشطح والإغراب والمغالاة، وتهويل الحقير وتحقير العظيم، والتعالي ¬

_ (¬1) أي: عصية من حديد. (¬2) يراجع: الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير: 126.

بالأنبياء اليهود، وعبادة الذهب والإطناب في ترديد أسماء الجواهر، والمفارقات العجيبة والخضوع للتهويمات والأساطير وما إلى ذلك! ومن الإسرائيليات أيضا: عند تفسير قول الله تعالى: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (¬1). يقول: (لم تأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ). فهو بهذه الرواية الإسرائيلية يودّ لو يقول مباشرة: إن إكرام الله لإبراهيم عليه السلام جعله يسخر له كل الدواب لإطفاء نار الكفار، ولم تشذّ عن هذه القاعدة إلا الوزغ، وهو أسلوب إسرائيلي في الاستثناءات الغريبة. ومن سمات الإسرائيليات أيضا والتي نجدها في تفسير قتادة: تحديد العدد، فالإسرائيليات مغرمة بتحديد أعداد كل شيء من ناس وسنين وأيام وأعمار ومسافات وأطوال، وما إلى ذلك. ومن هذه التحديدات العددية التي جاءت في تفسير قتادة: أن من خرجوا مع قارون في زينته كانوا على أربعة آلاف دابة، وأن عدد أهل مشورة بلقيس كانوا ثلاثمائة واثني عشر، كل رجل منهم على عشرة آلاف، وأن عدد بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفا فصاعدا، وتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان، وأن آدم كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا، وأن ما بين صخرة بيت المقدس وبين السماء ثمانية عشر ميلا، وأنه كان بين آدم ونوح ألف سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين عيسى ومحمد ستمائة سنة، وأنه شيع جنازة هارون أربعون ألفا من بني إسرائيل كل منهم يسمى هارون، وأن طول سفينة نوح ثلاثمائة ذراع وعرضها ¬

_ (¬1) الأنبياء: 69.

خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها، وأنها استقلت بهم في عشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم، وأنهم أهبطوا إلى الأرض في عشر ليال خلون من المحرم، فقال نوح لمن معه: من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فليصم!! إذا: فلا يمكن أن ننف عن قتادة أنه كان يورد الإسرائيليات في تفسيره، فهي واضحة وكثيرة، ولكنها تتركّز بالذات عند الآيات التي تعرض لأهل الكتاب وتذكر أخبارهم وتتحدث عن أنبيائهم، وكذلك الآيات التي تحكي قصص الأنبياء الآخرين مثل نوح ولوط وهود عليهم السلام، وأيضا بعض الموضوعات التي كانت تحلو حكاياتها عند أهل ذلك العصر، مثل قصة الخليقة الأولى، وآدم وحواء، والشيطان والحيّة، وقصة هابيل وقابيل، وقصة هاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج، وذي القرنين، وسيدنا الخضر، وأصحاب الكهف، وصوت يونس، وما إلى ذلك. وإذا كان قتادة يسبق إسرائيليات تفسيره بقوله بقوله (ذكر لنا) أو (كان يقال لنا) وما شابه ذلك من العبارات الاحترازية، فهو بلا شك أيضا مسئول عما يورده (¬1). أجل: إن عصر الصحابة الأكارم لم يعرف من الإسرائيليات إلا القليل، بحيث لم يشغلوا أنفسهم بالسؤال عن سفاسف الأمور، وإلا ما هي الفائدة من بحث مطوّل حول اسم كلب أهل الكهف؟! أو نوع النملة؟ ¬

_ (¬1) باختصار وتصرّف من (تفسير قتادة) إعداد الدكتور عبد الله أبو السعود بدر: 122 - 114.

أو اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك!! لكن التابعين توسّعوا كثيرا في الأخذ عنهم، فكثرت الإسرائيليات في التفسير، ولا سيما أنه قد دخل في الإسلام من أهل الكتاب الكثير. ولذلك نجد في التفاسير الموجودة الآن أمورا تناقض العقل وتصادم صريح النقل!! وهذا ما أدى إلى فقد الثقة في كثير من كتب التفسير، مما جعل للمستشرقين والحاقدين على الإسلام مجالا رحبا للطعن ببعض الصحابة ... وبعض التابعين .. وبعض كبار العلماء المفسرين، وبالتالي اختلطت الأخبار الصحيحة بالكاذبة .. فكيف التمييز والغربلة؟! ولنأخذ هذه الأمثلة من تفسير الضحاك. عن تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) (¬1) قال: اسم الغلام حيسون! وعند تفسير قوله تعالى: (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (¬2) قال: اسم النملة طاحية! وعند تفسير قوله تعالى: (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) (¬3) قال: إن اسم أخت موسى كثلمة!! وعند تفسير قوله تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (¬4) قال الضحاك: ق جبل محيط بالأرض، من زمردة خضراء، منه خضرة السماء، والسماء مقبقبة- أي: كهيئة القبة- وعليه كتفاها!! والسؤال المطروح هنا: ماذا نستفيد من حشو كتب التفاسير بأمثال ¬

_ (¬1) الكهف: 74. (¬2) النمل: 18. (¬3) القصص: 11. (¬4) ق: 1.

هذه الإسرائيليات؟ وهل سنسأل يوم القيامة عن اسم النملة، أو اسم أخت موسى، أو اسم الغلام وما إلى هنالك؟! رحم الله سفيان الثوري عند ما قال: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟! (¬1). ... ¬

_ (¬1) شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي: 88.

الباب الثاني تفسير القرآن في عهد التابعين

الباب الثاني تفسير القرآن في عهد التابعين

الفصل الأول ما هي أهم مصادر تفسير التابعين؟

الفصل الأول ما هي أهم مصادر تفسير التابعين؟ من المعلوم أن الله أنزل القرآن على أمة أميّة، لكنه سبحانه وتعالى أو كل مسألة تبيانه للنبي صلى الله عليه وسلم، من حيث إن الذي فهمه المراد من تفسيره هو سبحانه، مصداق ذلك قوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (¬1) ومن فضل الله وكرمه على هذه الأمة أن أنزل القرآن بلغتها العربية، قال الله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (¬2) لكن- كما مر معنا- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسّر القرآن كله، إنما اقتصر على بعض الإشكالات، وأجاب عن بعض التساؤلات، وطبّق كل ما ورد في القرآن بشكل علميّ، وقد أحسن من قال: إذا كان القرآن كونا صامتا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قرآنا ناطقا يمشي على الأرض. وهكذا عاش الصحابة الأكارم مع القرآن، بحيث تفاوتت مراتبهم في فهمه، وقد أشكل على بعضهم آيات منه، بينما ظهرت لبعضهم الآخر. مثال ذلك: ما أخرجه أبو عبيدة في الفضائل عن أنس رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر قوله تعالى: (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (¬3) ¬

_ (¬1) القيامة: 17 - 19. (¬2) إبراهيم: 4. (¬3) عبس: 31.

1 - القرآن الكريم:

فقال: هذه الفاكهة عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلّف يا عمر! (¬1). ومثال آخر: ما أخرجه أبو عبيدة عن طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت لا أدري معنى: (فاطِرَ السَّماواتِ) (¬2) حتى أتاني أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، والآخر يقول: أنا ابتدأتها (¬3). وقد برز من الصحابة من تصدر للتفسير، وكان على رأسهم الخلفاء الأربعة، وخاصة علي رضي الله عنه، إضافة إلى ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وعائشة، ورضي الله عنهم أجمعين، ولما كان عهد التابعين، نرى أنهم اعتمدوا في تفسيرهم للقرآن على المصادر التالية: 1 - القرآن الكريم: شاء الله أن يكون كتابه الخالد كله معجزة، حتى في طريقة عرض الأحداث التاريخية، فتراه يشرح ما جاء موجزا في مكان، كقصة آدم عليه السلام مع إبليس، ويسهب في مكان آخر، وهكذا. لذلك، فمن تفسير القرآن بالقرآن: أن يحمل المجمل على المبين ليفسّر به، مثال ذلك: قوله تعالى: (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) (¬4) فسّر بقوله تعالى: (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (¬5) أي العذاب الأدنى المعجّل في الدنيا؟ ¬

_ (¬1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2/ 113. (¬2) يوسف: 101. (¬3) الإتقان للسيوطي: 2/ 114. (¬4) غافر: 28. (¬5) غافر: 77.

2 - المصدر الثاني للتفسير: النبي صلى الله عليه وسلم:

ومن تفسير القرآن بالقرآن: حمل المطلق على المقيد في صورة اختلاف الحكمين عند اتحاد السبب، ومثّل له بآية الوضوء والتيمم، فإن الأيدي مقيدة في الوضوء بالغاية، قال تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (¬1). ومطلقة في التيمم قال تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (¬2) فقيدت في التيمم بالمرافق أيضا (¬3). مثال آخر: آية الظّهار مع آية القتل، ففي كفارة الظّهار يقول الله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (¬4) وفي كفارة القتل يقول الله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (¬5) فيحمل المطلق في الآية الأولى على المقيد في الآية الثانية، بمجرّد ورود اللفظ المقيّد من غير حاجة إلى جامع عند هذا البعض من العلماء (¬6). ومن تفسير القرآن بالقرآن: الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف، كخلق آدم من تراب في بعض الآيات، ومن طين في غيرها، ومن حمأ مسنون، ومن صلصال، فإن هذا ذكر للأطوار التي مرّ بها آدم عليه السلام، من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح فيه. 2 - المصدر الثاني للتفسير: النبي صلى الله عليه وسلم: لذلك كان الواحد من الصحابة الأكارم إذا أشكلت عليه آية من كتاب الله، رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها. ذلك لأن وظيفة الرسول البيان، فالسنة النبوية شارحة للقرآن، ¬

_ (¬1) المائدة: 6. (¬2) المائدة: 6. (¬3) مسلم الثبوت وشرحه: 1/ 361. (¬4) المجادلة: 3. (¬5) النساء: 92. (¬6) المستصفى للغزالي: 2/ 185.

3 - المصدر الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم:

مصداق ذلك قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (¬1) ومصداق ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه». ولدى الرجوع إلى كتب السنة نجد أنها قد أفردت للتفسير بابا من الأبواب التي ضمت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مثال ذلك: ما رواه أحمد والشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (¬2) شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله! وأيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬3) إنما هو الشرك». وما أخرجه الترمذي وابن جرير عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (¬4) قال: «لا إله إلا الله». 3 - المصدر الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم: اعتبر العلماء أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي له حكم المرفوع، خاصة إذا كان ذلك يتعلّق بأسباب النزول، ولا مجال للرأي فيه، ولذلك لا يجوز رد تفسير الصحابي اتفاقا، ورحم الله الحافظ ابن كثير عند ما قال في مقدمة تفسيره: (حينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) الأنعام: 82. (¬3) لقمان: 13. (¬4) الفتح: 26.

4 - المصدر الرابع: أهل الكتاب:

ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، ولا سيما علماءهم وكبراءهم، كالأئمة الأربعة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديين، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم .. ) (¬1). ومن أشهر المفسرين من الصحابة: عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود، عليّ بن أبي طالب، وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين (¬2). 4 - المصدر الرابع: أهل الكتاب: لدى مقارنة الكتب السماوية، وخاصة القرآن مع التوراة والإنجيل يتبين لنا أن القرآن يعتمد على الإيجاز، بينما تعتمد التوراة والإنجيل على الإطناب، وبالتالي فالقرآن يركز على جوهر الموضوع، وروحه، ليستخلص الإنسان العظات والعبر مثال ذلك: (قصة آدم عليه السلام. ورد ذكرها في التوراة، كما وردت في القرآن في مواضع كثيرة، وأطولها ما ورد في سورة البقرة، وما ورد في سورة الأعراف، وبالنظر إلى هذه الآيات من السورتين، نجد أن القرآن لم يتعرض لمكان الجنة، ولا لنوع الشجرة التي نهي آدم وزوجته عن الأكل منها، ولا بيّن الحيوان الذي تقمصه الشيطان فدخل الجنة لينزل آدم وزوجته، كما لم يتعرّض للبقعة التي هبط إليها آدم وزوجته وأقاما بها بعد خروجهما من الجنة، إلى آخر ما يتعلق بهذه القصة من تفصيل وتوضيح. ولكن نظرة واحدة يجيلها الإنسان في التوراة يجد بعدها أنها ¬

_ (¬1) تفسير القرآن العظيم: 1/ 9. (¬2) للتوسّع يراجع كتاب: تفسير الصحابة، للمؤلف: 66 - 74.

تعرضت لكل ذلك وأكثر منه، فأبانت أن الجنة في عدن شرقا، وأن الشجرة التي نهينا عنها كانت في وسط الجنة، وأنها شجرة الحياة، وأنها شجرة معرفة الخير والشر، وأن الذي خاطب حوّاء هو الحيّة، وذكرت ما انتقم الله به من الحية التي تقمصها إبليس، بأن جعلها تسعى على بطنها وتأكل التراب، وانتقم من حوّاء بتعبها هي ونسلها في حبلها .. إلى آخر ما ذكر فيها مما يتعلّق بهذه القصة .. (¬1). وقد قلنا سابقا: إن الصحابة الكرام لم يأخذوا عن أهل الكتاب إلا اليسير، وذلك في الأمور التي لا تتعلق بالعقيدة، ولا الأحكام. وبالتالي، فقد كان الصحابة لا يقبلون كل ما جاء من أهل الكتاب بل كانوا يتخيرون الصواب ما استطاعوا ويردّون على أهل الكتاب أقوالهم، إن كانت لا توافق وجه الصواب. أما التابعون فقد توسّعوا في الأخذ عن أهل الكتاب، فكثرت على عهدهم الروايات الإسرائيلية في التفسير، ويرجع ذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وميل نفوس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فظهرت في هذا العهد جماعة من المفسرين أرادوا أن يسدّوا هذه الثغرات القائمة في التفسير بما هو موجود عند اليهود والنصارى، فحشوا التفسير في كثير من التفسير بكثير من القصص المتناقض. ومن هؤلاء مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) الذي نسبه أبو حاتم إلى أنه استقى علومه بالقرآن من اليهود والنصارى، وجعلها موافقة لما في كتبهم .. ) (¬2) ... وقد وقف الدكتور الذهبي في تحديد أقطاب الروايات الإسرائيلية، بحيث يؤكّد الدكتور على أن أغلب ما هو موجود من ¬

_ (¬1) التفسير والمفسرون: 1/ 168. (¬2) التفسير والمفسرون: 1/ 175.

5 - المصدر الخامس: اجتهادات التابعين:

إسرائيليات في كتب التفسير جاء عن طريق أربعة أشخاص هم: - عبد الله بن سلام: أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عالما بعلوم التوراة، لذلك نرى ابن جرير الطبري ينسب إليه كثيرا من الأقوال وتوفي بالمدينة عام 43 هـ. - كعب الأحبار: يهودي من يهود اليمن، أسلم في خلافة عمر رضي الله عنه، وكان لديه علم كثير بتعاليم التوراة، تحوّل إلى بلاد الشام، فسكنها حتى توفي في مدينة حمص عام 32 هـ. - وهب بن منبه: كان من أبناء فارس، كثير الاطلاع على الكتب القديمة، أخذ عن كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وألف كتابا في المغازي، ولد عام 34 هـ ومات عام 110 هـ. - عبد الملك بن جريج: أصله رومي نصراني، وهو أوّل من صنف الكتب بالحجاز، وهو قطب الإسرائيليات في عهد التابعين، ولد عام 80 هـ ومات عام 159 هـ. 5 - المصدر الخامس: اجتهادات التابعين: كان التابعون يبحثون في المصادر الأربعة السابقة (تفسير القرآن بالقرآن، ثم التفسير النبوي، ثم تفسير الصحابة، ثم الاستئناس بما عليه أهل الكتاب) فإن لم يجدوا فيها ما يفسّر، عمدوا إلى الاجتهاد والاستنباط، خاصة عند من يملكون أدوات الاجتهاد في التفسير مثل معرفة عادات العرب، ومعرفة أوضاع اللغة، وأسرارها، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، مع قوة الفهم وسعة الإدراك. ولذلك قامت مدارس علمية، في عهد التابعين، تهتمّ بالتفسير، فتتلمذ فيها كثير من الناس، وتخرّج منها كثير من المسلمين. ***

الفصل الثاني مدارس التفسير في عهد التابعين

الفصل الثاني مدارس التفسير في عهد التابعين في ظلال الفتوحات الإسلامية زمن الصحابة الكرام، وخاصة في العهد الراشدي، دخل كثير من الناس- من غير العرب- في الدّين الإسلامي، واستوطن كثير من الصحابة تلك البلاد التي فتحها الله على أيديهم، فأصبحوا أساتذة للآخرين حيث حملوا علوم الدين، وذلك من خلال ما حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل كانوا أمناء في حمل ونقل العلوم الشرعية. واشتهر بعضهم كثيرا- خاصة في مجالات تفسير القرآن وتأويله وفهم مراده وما إلى هنالك- وكان هناك الكثير من طلبة العلم، الذين تتلمذوا على أيديهم، لذلك لا بدّ من تسليط بعض الأضواء على أهم تلك المدارس التي اختصت في التفسير. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:؛ (وأما التفسير فأعلم الناس به أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس، وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميّزوا به عن غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضا ابنه عبد الرحمن وعبد الله بن وهب .. ) (¬1). ¬

_ (¬1) مقدمة في أصول التفسير: 15.

أ - مدرسة التفسير بمكة:

أ- مدرسة التفسير بمكة: كما رأينا في قسم (تفسير الصحابة) فإن ابن عباس يعتبر أشهر من تحدّث في التفسير من الصحابة ويعود ذلك إلى نشأته في بيت النبوة، وملازمته لأكابر الصحابة وذلك بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، إضافة إلى معرفته الدقيقة للغة العربية، وما إلى هنا لك. وعرف عن ابن عباس جلوسه مع أصحابه من التابعين، يجيبهم عن كل ما أشكل عليهم من معاني القرآن، ويفسّر لهم مراد الله في كتابه العزيز. وأهم من تتلمذ على يديه في مجال التفسير: 1 - سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: عدّه العلماء من كبار التابعين، اهتم كثيرا بالقراءات والتفسير والفقه والحديث، حتى إن ابن خلكان روى عن خصيف قوله: (كان من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيّب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير مجاهد، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير» (¬1). واعتبره علماء الجرح والتعديل كابن حبّان أنه ثقة فاضل ورع .. ، توفي سنة 95 هـ. 2 - مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى: ولد سنة 21 هـ وتتلمذ على يد ابن عباس، واعتبر من أوثق أصحابه، علما أنه يعتبر أقلهم رواية عنه في التفسير! قال الذهبي في الميزان: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته بمكة سنة 104 هـ. ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان: 1/ 365.

3 - عكرمة رحمه الله تعالى:

3 - عكرمة رحمه الله تعالى: كان على مبلغ عظيم من العلم، وخاصة في أمور التفسير، لذلك شهد له العلماء بذلك، منها قول يحيى بن أيوب المصري: سألني ابن جريج هل كتبتم عن عكرمة؟ فقلت: لا. قال: فاتكم ثلثا العلم!. وكانت وفاته سنة 104 هـ. 4 - طاوس بن كيسان رحمه الله تعالى: من اليمن، جالس خمسين رجلا من الصحابة، اهتمّ كثيرا بإخراج التفسير ودراسة علوم القرآن. وكان ثقة ورعا أمينا مستجاب الدعوة، حتى قال ابن عباس فيه: إني لأظن طاوسا من أهل الجنة، توفي سنة 106 هـ ودفن بمكة المكرمة. 5 - عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى: ولد سنة 27 هـ وأدرك مائتين من الصحابة، وعدّه العلماء من الثقات ومن سادات التابعين: فقها، وعلما وورعا .. (¬1) .. قال قتادة: كان أعلم التابعين أربعة: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسّير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام. ولم يكن يكثر من الرواية، وذلك لتحرّجه من القول بالرأي، توفي عام 114 هـ. ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 7/ 203.

ب - مدرسة التفسير بالمدينة المنورة:

ب- مدرسة التفسير بالمدينة المنورة: من أساتذتها: عليّ بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب رضي الله عنهما. ولكن انشغال عليّ بأمور الخلافة ونحو ذلك، جعل اسم أبيّ لامعا أكثر، فقد تتلمذ على يد أبي بن كعب كثير من التابعين، أهمهم: 1 - رفيع بن مهران (أبو العالية) رحمه الله: أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، روى عن ابن مسعود، وعن علي، وابن عباس، وابن عمر، وأبيّ. اعتبره علماء الجرح ثقة من كبار التابعين، توفي سنة 90 هـ. 2 - محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى: وصفه العلماء بأوصاف رائعة: فهو الثقة، العدل، الورع، والصلاح، وبينما كان يحدّث الناس إذ سقط عليه وعلى من معه سقف فمات سنة 118 هـ. 3 - زيد بن أسلم رحمه الله: عرف بغزارة علمه، والصلاح والورع، والتفقه خاصة في مجالات التفسير، توفي سنة 136 هـ، ومن أشهر تلامذته الإمام مالك. ج- مدرسة التفسير بالعراق: يعتبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مؤسس وأستاذ تلك المدرسة، وعلى يديه انتشرت ظاهرة الاستدلال بالرأي والاجتهاد. تتلمذ على يديه كثير من التابعين، على رأسهم: 1 - علقمة بن قيس: تابعي ثقة، متبحر بالعلوم الشرعية، توفي عام 61 هـ. 2 - مسروق: تابعي صالح، ورع، خبير بمعاني كتاب الله، توفي عام 63 هـ.

د - مدرسة التفسير بالشام:

3 - الأسود بن يزيد: ثقة من أهل الخير، فقيه زاهد مفسّر، توفي عام 74 هـ. 4 - عامر الشعبي: أدرك خمسمائة من الصحابة، كانوا يقولون عنه: ابن عباس في زمانه، لكن من شدّة ورعه كان يتوقف عن تفسير آيات كتاب الله، توفي سنة 109 هـ. 5 - الحسن البصري: كان عالم زمانه، يشبه كلامه كلام النبوة، توفي سنة 110 هـ. 6 - قتادة: ثقة، مفسّر، متضلّع في اللغة العربية .. ، توفي سنة 117 هـ. د- مدرسة التفسير بالشام: وبرز من التابعين عبد الرحمن الأشعري، وعمر بن عبد العزيز، وكعب الأحبار، ورجاء بن حيوة الكندي، رحمهم الله تعالى. هـ- وفي مصر: اشتهر يزيد الأزدي، وأبو الخير: مرثد اليزني رحمهما الله تعالى .. إضافة إلى من اشتهر في اليمن، مثل: وهب بن منبه وغيره. ***

الفصل الثالث أهم مميزات التفسير في عهد التابعين

الفصل الثالث أهم مميزات التفسير في عهد التابعين يمتاز التفسير في مرحلة التابعين بالمميزات الآتية: أولا: دخل التفسير كثير من الإسرائيليات والنصرانيات، وذلك لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وكان لا يزال عالقا بأذهانهم من الأخبار ما لا يتصل بالأحكام الشرعية، كأخبار بدء الخليقة، وأسرار الوجود وبدء الكائنات، وكثير من القصص. وكانت النفوس ميّالة لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فتساهل التابعون، فزجّوا في التفسير بكثير من الإسرائيليات والنصرانيات بدون تحرّ ونقد. وأكثر من روي عنه في ذلك من مسلمي أهل الكتاب: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج. ولا شكّ أن الرجوع إلى هذه الإسرائيليات في التفسير أمر مأخوذ على التابعين، كما هو مأخوذ على من جاء بعدهم. ثانيا: ظلّ التفسير محتفظا بطابع التلقي والرواية، إلا أنه لم يكن تلقيا ورواية بالمعنى الشامل، كما هو الشأن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل كان تلقيا ورواية يغلب عليها طابع الاختصاص. فأهل كل مصر يعنون- بوجه خاص- بالتلقي والرواية عن إمام مصرهم: فالمكّيون عن ابن عباس، والمدنيون عن أبيّ، والعراقيون

عن ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين .. وهكذا. ثالثا: ظهرت في هذا العصر نواة الخلاف المذهبي، فظهرت بعض التفسيرات التي تحمل في طيّاتها هذه المذاهب. فنجد مثلا قتادة بن دعامة الدوسي ينسب إلى الخوض في القضاء والقدر، ويتّهم بالقدرية (¬1). ولا شكّ أن هذا أثّر على تفسيره، ولهذا كان يتحرّج بعض الناس من الرواية عنه!! ونجد الحسن البصري قد فسّر القرآن على إثبات القدر، ويكفّر من يكذّب به .. !! رابعا: كثرة الخلاف بين التابعين في التفسير عما كان بين الصحابة رضوان الله عليهم، وإن كان اختلافا قليلا بالنسبة لما وقع بعد ذلك من متأخري المفسّرين .. ) (¬2). ... ¬

_ (¬1) القدرية: في إجماع أهل السنّة والجماعة هم الذين يقولون: الخير من الله والشرّ من الإنسان، وأن الله لا يريد أفعال العصاة، وسمّوا بذلك لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القدرية مجوس هذه الأمة» ومعنى ذلك: أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم، وقولهم بالأصلين، وهما النور والظلمة، فإن المجوس يزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، فصاروا بذلك ثنوية، وكذلك القدرية لما أضافوا الخير إلى الله، والشرّ إلى العبيد أثبتوا قادرين خالقين للأفعال، كما أثبت المجوس، فأشبهوهم وليس كذلك غير القدرية: [باختصار وتصرّف من جامع الأصول لابن الأثير: 10/ 128]. (¬2) التفسير والمفسرون: 1/ 131.

الفصل الرابع القيمة العلمية لتفسير التابعين

الفصل الرابع القيمة العلمية لتفسير التابعين (اختلف العلماء في الرجوع إلى تفسير التابعين والأخذ بأقوالهم إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقد نقل عن الإمام أحمد رضي الله عنه روايتان في ذلك: رواية بالقبول، ورواية بعدم القبول. وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يؤخذ بتفسير التابعي، واختاره ابن عقيل، وحكي عن شعبه، واستدلّ أصحاب هذا الرأي على ما ذهبوا إليه: بأن التابعين ليس لهم سماع من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن الحمل عليه كما قيل في تفسير الصحابي: إنه محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنهم لم يشاهدوا من القرائن والأحوال التي نزل عليها القرآن، فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد وظن ما ليس بدليل دليلا. ومع ذلك فعدالة التابعين غير منصوص عليها كما نصّ على عدالة الصحابة، نقل عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: (ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيّرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال). وقد ذهب أكثر المفسرين: إلى أنه يؤخذ بقول التابعي في التفسير لأن التابعين تلقوا غالب تفسيرهم عن الصحابة. فمجاهد مثلا يقول: عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله

عنهما ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وقتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وسمعت فيها شيئا. ولذا حكى أكثر المفسرين أقوال التابعين في كتبهم، ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها. والذي تميل إليه النفس: هو أن قول التابعي في التفسير لا يجب الأخذ به إلا إذا كان مما لا مجال في الرأي فيه، فإنه يؤخذ حينئذ عند عدم الريبة، فإن ارتبنا فيه، بأن كان يأخذ من أهل الكتاب، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه، أما إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره. قال ابن تيمية رحمه الله: قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين ليست حجة، فكيف تكون حجّة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن والسنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك (¬1)) (¬2). ... ¬

_ (¬1) مقدمة في أصول التفسير: 28 - 29، فواتح الرحموت: 2/ 188. (¬2) التفسير والمفسرون: 1/ 129 - 130.

الفصل الخامس أسباب اختلاف المفسرين في عهد التابعين

الفصل الخامس أسباب اختلاف المفسرين في عهد التابعين كما هو معلوم، فالخلاف بين الصحابة في التفسير كان قليلا جدا، وذلك لرجوعهم في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وزاد الاختلاف في عهد التابعين أكثر، ويعود ذلك إلى عدة أسباب: أهمها: 1 - أن يعبّر كل واحد من المفسّرين عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدلّ على معنى في المسمّى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمّى، مثاله: في تفسير قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (¬1). قال بعضهم (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو اتباع القرآن، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عليّ رضي الله عنه عند الترمذي: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة وداع يدعو من فوق الصراط، وداع يدعو على رأس الصراط، قال: فالصراط المستقيم هو الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والدّاعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن». ¬

_ (¬1) الفاتحة 6.

ومنهم من قال: هو اتباع السنّة والجماعة، ومنهم من قال: هو طريق العبودية، ومنهم من قال: هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك. فهذه كلها أقوال لا منافاة بينها ولا تباين، بل كلها متفقة في الحقيقة، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، وهو طاعة الله ورسوله، وهو طريق العبودية لله، فالذات واحدة، وكلّ أشار إليها ووصفها بصفة من صفاتها. 2 - أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحدّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه. مثال ذلك ما نقل في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) (¬1). فبعضهم فسّر السابق بمن يؤدي الزكاة المفروضة مع الصدقة، والمقتصد بمن يؤدّيها وحدها، والظالم بمانع الزكاة. فكلّ من المفسرين ذكر فردا من أفراد العام على سبيل التمثيل لا الحصر، لتعريف المستمع أن الآية تتناول المذكور، ولتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يكون أسهل من التعريف بالحدّ المطابق، والعقل السليم يتفطّن للنوع بذكر مثاله، وهذا الاختلاف في ذكر المثال لا يؤدّي إلى التباين والتناقض في الأقوال، إذ من المعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يتناول من تقرّب بالحسنات مع الواجبات. ¬

_ (¬1) فاطر: 32.

3 - أن يكون اللفظ محتملا للأمرين أو الأمور، وذلك إما لكونه مشتركا في اللغة، كلفظ (قَسْوَرَةٍ) الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد. 4 - أن يعبّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف قليل في اللغة ونادر أو معدوم في القرآن، وقلّ أن يعبّر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي إلى جميع معناه، وإنما يعبّر عنه بلفظ فيه تقريب لمعناه، فمثلا إذا قال قائل: (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) (¬1). المور: الحركة، فذلك تقريب للمعنى، لأن المور حركة خفيفة سريعة. كذلك إذا قال: (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (¬2). أي: أعلمنا، لأن القضاء إليه في الآية أخصّ من الإعلام، فإن فيه إنزالا وإيحاء إليهم. 5 - أن يكون في الآية الواحدة قراءتان أو قراءات، فيفسّر كل منهم على حسب قراءة مخصوصة؛ فيظن ذلك اختلافا، وليس باختلاف. مثال ذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من طرق، في قول الله تعالى: (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) (¬3). إن معنى سكّرت: سدّت، ومن طريق أخرى عنه: أن سكّرت بمعنى أخذت وسحرت. ثم أخرج عن قتادة أنه قال: «من قرأ (سكّرت) مشددة، فإنما يعني سدّت، ومن قرأ (سكرت) مخففة، فإنه يعني سحرت. ومثلها: الاختلاف الوارد عن ابن عباس وغيره في تفسير قوله ¬

_ (¬1) الطور: 9. (¬2) الإسراء: 4. (¬3) الحجر: 15.

تعالى: (أَوْ لامَسْتُمُ) (¬1) هو هو الجماع أو الجسّ باليد؟ إذا: ظاهر الأمر أن هناك تعارضا في تفسير التابعين، لكن الحقيقة أنه ليس إلا اختلاف عبارة، أو اختلاف تنوّع (¬2). ... ¬

_ (¬1) النساء: 43. (¬2) للتوسّع يراجع: التفسير والمفسرون: 1/ 136 - 139، الإتقان: 3/ 183، مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 6 - 13.

الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير التابعين

الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير التابعين

الفصل الأول التفسير المأثور عن (قتادة) رحمه الله

الفصل الأول التفسير المأثور عن (قتادة) رحمه الله قام الباحث عبد الله أبو مسعود بدر بجمع ما ورد عن قتادة (60 - 117 هـ) رحمه الله تعالى من تفسير آيات كتاب الله تعالى، وقدّم للعمل بدراسة جادّة وهادفة، ونال بذلك العمل درجة الماجستير، من ذلك: 1 - في تفسيره لقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (¬1)، يوضح أن حفظ الله للقرآن هو بجعله: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (¬2). أي: يعتمد في تفسيره للقرآن على القرآن ذاته، وهذا أفضل أنواع التفسير، فهنا استعان بآية فصلت ليفسّر بها آية الحجر، مبيّنا أن حفظ الله من تأثير الباطل، وأن الباطل في رأيه هو إبليس (فأنزل الله القرآن ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا، حفظه الله من ذلك). 2 - في تفسيره لقوله تعالى: (هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (¬3) يركز على أن يقرن دائما الآيات القرآنية التي تتحدث عن موضوع واحد، وذلك حتى يوفّر لتفسيره الوحدة العضوية المطلوبة. ¬

_ (¬1) الحجر: 9. (¬2) فصلت: 42. (¬3) الأحزاب: 22.

لذلك يفسر هذه الآية بقوله: وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (¬1). 3 - وأما عن اعتماد (قتادة) على تفسير القرآن بالمصدر الثاني للتفسير، وهو الحديث النبوي فإننا نراه يعتمد على هذا المصدر كثيرا، فتارة يورد الحديث تاما كاملا، مثال ذلك في تفسيره لقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (¬2). يروي حديثا نبويا: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السير بأصحابه، إذا نادى الرسول بهذه الآية، ثم قال: «هل تدرون أي يوم ذلك؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذلك يوم ينادى آدم، يناديه ربه: ابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين إلى النار» فأبلس القوم، فما وضح منهم ضاحك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا اعملوا وأبشروا، فإن معكم خلقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه، فمن هلك من بني آدم ومن هلك من إبليس ويأجوج ومأجوج، أبشروا، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في جناح الدابة». 4 - لكن (قتادة) في كثير من الأحيان يأتي بجزء من الحديث النبوي، بحيث يخدمه في مجالات التفسير، مثال ذلك: في تفسيره لقول الله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا ¬

_ (¬1) البقرة: 214. (¬2) الحج: 1.

يَسْتَطِيعُونَ) (¬1) يقول: ذلك والله يوم القيامة، ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود فيسجد المؤمنون، بين كل مؤمن منافق، فيقسو ظهر المنافق عن السجود، ويجعل الله سجود المؤمنين عليهم توبيخا وذلا وصغارا وندامة وحسرة» فهذا جزء من حديث طويل مشهور. 5 - كذلك فقد كان (قتادة) يعتمد على الأحاديث القدسية، في معرض تفسيره لبعض الآيات القرآنية، مثال ذلك: في معرض تفسيره لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ) (¬2). يورد حديثا قدسيا ذكره البخاري في صحيحه، وفيه: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد». 6 - ويعتمد (قتادة) في تفسيره- بعد الاعتماد على تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وتفسير الصحابة- على الاجتهاد وإعمال الفكر، لذلك كان له تفسير فقهي لبعض الآيات، مثال ذلك: في تفسير قول الله تعالى: (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (¬3) يرى: أن المصلّي يردّ السلام كلاما إذا سلّم عليه، ولا يقطع ذلك عليه صلاته، لأنه فعل ما أمر به (¬4). فهو إذا يعتبر الأمر الإلهي في قوله تعالى: (فَحَيُّوا) هو أمر نافذ، ¬

_ (¬1) القلم: 42. (¬2) الأحزاب: 57. (¬3) النساء: 86. (¬4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 5/ 299.

ولو كان المسلم في صلاته، ولعلنا لاحظنا أنه يتمسك بالظاهر. إضافة إلى اعتماده على الناسخ والمنسوخ، والاهتمام بأحداث السيرة، والأمور التاريخية، وعادات العرب وأحوالهم، والديانات والنحل القديمة، وما إلى هنا لك. ***

الفصل الثاني تفسير (مجاهد) رحمه الله تعالى

الفصل الثاني تفسير (مجاهد) رحمه الله تعالى قدّم الباحث (أحمد إسماعيل نوفل) بحثا قيما لنيل شهادة الدكتوراة، وذلك حول (مجاهد: المفسّر والتفسير)، تحدّث فيه عن شخصية مجاهد، وبيئته وعصره، وعن شخصيته العلمية، وعن شيوخه ومن روى عنهم، وعن تلاميذه والذين رووا عنه، وعن طرق الرواية عنه، وعن طريقة مجاهد في التفسير، وعن منهجه في علوم القرآن، وعن منهجه في تفسير آيات الأحكام، وآيات العقيدة، وما إلى هنا لك. وقد عاش المفسر مجاهد حياة حافلة بالجهاد: جهاد القلم وجهاد العلم، وكان ذلك بين (21 - 104 هـ) فرحمه الله. ولمزيد من تعميم الفائدة، ننقل بعض ما حرّره الباحث: 7 - يردّ (مجاهد) الآيات إلى بعضها بعض، ويفسّرها بنظائرها، مثال ذلك: في تفسيره لقول الله تعالى: (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) (¬1) قال: الظالم لنفسه: أصحاب المشأمة، والمقتصد: أصحاب اليمين، والسابق بالخيرات: السابقون، وذلك تفسيرا لها بالآية الكريمة: (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (¬2). ¬

_ (¬1) فاطر: 32. (¬2) الواقعة: 8 - 10.

8 - وفي تفسير قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (¬1). قال (مجاهد): هم الذين قال الله عز وجل فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (¬2). 9 - لكن (مجاهد) يذهب في تأويل بعض الآيات مذهبا لم يسبقه أحد إليه. مثال ذلك: عند تأويله للآيات المتعلقة بمسخ بني إسرائيل قردة خاسئين، أو قردة وخنازير، وذلك في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (¬3). وفي قوله سبحانه: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (¬4). فقد رأى (مجاهد) فيها رأيا لعلّه لم يسبق به على الإطلاق، وذلك حين قال: أن مقصد الآيات التمثيل لا حقيقة المسخ!. قال (مجاهد): (إن المسخ لم يقع على أجسامهم بل على قلوبهم، فبقوا أناسيّ لهم نفوس القردة). ومراد الآية على هذا عنده: (التمثيل كما مثل الذين حملوا التوراة في موضع آخر:- (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ ¬

_ (¬1) البقرة: 246. (¬2) النساء: 77. (¬3) البقرة: 65. (¬4) المائدة: 60.

أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (¬1) - بمثل الحمار يحمل أسفارا. 10 - ويلاحظ الباحث أن (مجاهد) يهتمّ بالتفسير العملي، فهو يلجأ في كثير من الأحيان إلى تجسيد المعنى وبتشخيصه من الواقع العملي للحياة، وذلك بهدف تقريب المعنى، وإعطاء المدلول الواقعي للنصّ القرآني. ففي تفسيره لكلمة (الرّان) يقول: قال تعالى: (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) (¬2) أي: الذنوب تحيط بالقلوب، كالحائط المبني على الشيء المحيط، كلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب، حتى تكون هكذا ثم قبض يده، ثم قال: هو الرّان. 11 - وكثيرا ما يهتمّ (مجاهد) أثناء تفسيره للآيات القرآنية بالأمور الوعظية، مثال ذلك: عند تعليقه على قصة داود عليه السلام، يقول: (أوحى الله إلى داود: اتق، لا يأخذك الله على ذنب لا ينظر فيه إليك، فتلقاه حين تلقاه، وليست لك حجّة). ويقول: (يبعث داود وذكر خطيئته ووجله منها في قلبه، منقوشة في كفّيه، فإذا رأى أهاويل الموقف، لم يجد منه متعوّذا ولا محرزا إلا برحمة ربه وقربه، فيشير إليه هاهنا، وأشار بيمينه إلى جنبه، فذلك قوله عز وجل: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) الجمعة: 5. (¬2) البقرة: 81. (¬3) ص: 40. (¬4) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني: 3/ 292.

12 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (¬1) يقول: (إذا أراد أحدكم أن ينام، فليستقبل القبلة، ولينم على يمينه، وليذكر الله، وليكن آخر كلامه عند منامه: لا إله إلا الله، فإنها وفاة لا يدري لعلها تكون منيّته ... ) (¬2). 13 - ومن تفسيراته الوعظية، قوله عند الآيات التي تتحدث عن قصر الأعمار وإنذارات الموت، قوله: (ما من مرض يمرضه العبد إلا رسول ملك الموت عنده، حتى إذا كان آخر مرض أتاه ملك الموت، فقال: أتاك رسول، بعد رسول، فلم تعبأ به، وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا!!) (¬3). 14 - ويهتم (مجاهد) بالأخبار الواردة في أسباب النزول، وفي ذلك فوائد جمّة، مثال ذلك: في تفسيره لقول الله تعالى: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (¬4). أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير عن (مجاهد) قال: سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال: نعم هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم، فأبوا ورجعوا، فأنزل الله هذه الآية (¬5). وقال النيسابوري: عن ابن عباس، ومجاهد أن عبد الله بن أمية المخزومي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد! ما أومن بك حتى تفجر ¬

_ (¬1) الأنعام: 60. (¬2) صفة الصفوة لابن الجوزي: 2/ 211. (¬3) حلية الأولياء: 3/ 289. (¬4) البقرة: 108. (¬5) تفسير الطبري: 2/ 491.

لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة) فأنزلت (¬1). 15 - وفي تفسيره لقوله تعالى: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) (¬2). قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... ). فقال ابن عباس: إن هذا الحيّ من قريش كانوا يتزوجون النساء ويتلذّذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في ذلك (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... ) قال: إن شئت مقبلة، وإن شئت مدبرة، وإن شئت باركة، وإنما يعني موضع الولد للحرث، يقول: ائت الحرث حيث شئت .. (¬3). 16 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (¬4). قال مجاهد: كان جماع قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن، حتى منّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم وألّف بينهم بالإسلام، قال: فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما أيامهما، والعداوة التي بينهم حتى استبّا ثم اقتتلا، قال: فنادى هذا قومه، وهذا قومه، ¬

_ (¬1) غرائب القرآن للنيسابوري: 1/ 405. (¬2) البقرة: 223. (¬3) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 8/ 191. (¬4) آل عمران: 100.

فتخرجوا بالسلاح، وصفّ بعضهم لبعض. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم حتى رجعوا، ووضعوا السلاح، فأنزل الله هذه الآية (¬1). 17 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (¬2). قال مجاهد وغيره: قتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من بني سليم، وبين النبي وبين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وابن عوف فدخلوا على كعب بن الأشرف، وبني النضير، يستعينهم في عقلهما- في الدّية-، فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لنا أن تأتينا وتسألنا في حاجة. ثم قال بعضهم: إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن، فمن يظهر البيت، فيطرح عليه صخرة، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية (¬3). 18 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (¬4). قال مجاهد: عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد، انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى منظرا ساءه ورأى حمزة رضي الله عنه قد شقّ بطنه واصطلم- جدع- أنفه وجدعت أذناه، فقال: «لولا أن ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 7/ 59. (¬2) المائدة: 11. (¬3) أسباب النزول للواحدي: 110. (¬4) النحل: 25.

يحزن النساء أو يكون سنة بعدي، لتركته حتى يبعثه الله من بطون السّباع والطيّر، ولأقتلنّ مكانه سبعين رجلا منهم». ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه، فخرجت رجلاه، فجعل على رجله شيئا من الإذخر ثم قدّمه وكبّر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلّى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية إلى قوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فصبر ولم يمثّل بأحد (¬1). 19 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (¬2). قال (مجاهد): جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدّق وأصل الرّحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى، فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرّني ذلك وأعجب به، فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا، فأنزل الله هذه الآية. وعن (مجاهد) أيضا: قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أتصدّق بالصدقة وألتمس بها ما عند الله وأحبّ أن يقال لي خيرا، فنزلت (¬3). 20 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (¬4). ¬

_ (¬1) أسباب النزول للواحدي: 163. (¬2) الكهف: 110. (¬3) تفسير القرطبي: 11/ 70، الدر المنثور للسيوطي: 4/ 255. (¬4) لقمان: 34.

قال مجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد، وبلدنا جدبة محل فأخبرني متى ينزل الغيث، وأخبرني أين أموت، فأنزل الله هذه الآية، وهنّ مفاتيح الغيب (¬1). ... ¬

_ (¬1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 11/ 70، الدر المنثور للسيوطي: 4/ 504.

الفصل الثالث التفسير المأثور عن (الحسن البصري) رحمه الله تعالى

الفصل الثالث التفسير المأثور عن (الحسن البصري) رحمه الله تعالى قدّم الباحث محمد عبد الرحيم رسالة في (تفسير الحسن البصري) نال بها شهادة الدكتوراة، تحدّث فيها عن حياته وثقافته وصفاته وشيوخه وتلامذته .. وأردف ذلك بنبذة عن عصره. ثم تعقّب كتب الأحاديث والتفاسير، وما إلى هنالك، فجمع ما فيها من تفسيرات الحسن البصري، ووثقها، ورتبتها في تفسير متكامل، وتعميما للفائدة، ننقل بعض ما ورد في ذلك التفسير. 21 - في حديثه عن أسماء سورة الفاتحة قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان في القرآن، ثم أودع علوم القرآن المفصّل، ثم أودع المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة (¬1). 22 - في تفسيره لقول الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (¬2) قال الحسن البصري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلا كان حمدا لله أعظم منها كائنة ما كانت» (¬3). ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 1/ 26. (¬2) الفاتحة: 1. (¬3) الدر المنثور: 1/ 33، تفسير ابن كثير: 1/ 24.

23 - وفي تفسيره لقول الله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (¬1) قال الحسن البصري: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده (¬2). 24 - وفي تفسير قول الله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (¬3) قال الحسن البصري: هذا مثل المنافق، يبصر أحيانا، ويعرف أحيانا، ثم يدركه عمى القلب. أما قوله (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ): فذلك حين يموت المنافق فيظلم عليه عمل السوء، فلا يجد له عملا خيرا من عمل يصدق به قول: لا إله إلا الله (¬4). 25 - في تفسير قول الله تعالى: (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) (¬5) سئل الحسن: المطر من السماء أم من السحاب؟ قال: من السماء. ثم قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرف حيث يشاء، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع ذلك المطر ومن يرزقه، ومن يخرج منه كل قطرة (¬6). 26 - في تفسير قول الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (¬7). روي عن الحسن البصري أنه قال: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، ¬

_ (¬1) الفاتحة: 5. (¬2) تفسير الطبري: 1/ 75، تفسير ابن كثير: 1/ 28. (¬3) البقرة: 17. (¬4) تفسير ابن كثير: 1/ 54، فتح القدير للشوكاني: 1/ 47. (¬5) الدر المنثور: 1/ 87. (¬6) فتح القدير: 1/ 51، الدر المنثور: 1/ 7. (¬7) البقرة: 28.

فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى، فهذه ميتتان وحياتان (¬1). 27 - وفي تفسير قول الله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (¬2). قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: لما أخذ الله في خلق آدم، همست الملائكة فيما بينها، فقالوا: لن يخلق الله خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه، فلما خلقهم أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا، ففضله عليهم فعلموا أنهم ليسوا بخير منه، فقالوا: إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه لأنا كنا قبله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها). فعلم اسم كل شيء، جعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضوا عليه أمة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ففزعوا إلى التوبة فقالوا: (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) الآية (¬3). 28 - في تفسير قول الله تعالى: (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (¬4). قال الحسن البصري: قال موسى عليه السلام: يا رب! كيف يستطيع آدم أن يؤدّي شكر ما صنعت إليه؟ خلقته بيدك، ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك، وأمرت الملائكة فسجدوا له؟ فقال: يا موسى! علم أن ذلك مني فحمدني عليه، فكان ذلك شكرا لما صنعت إليه (¬5). ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير: 1/ 67. (¬2) البقرة: 31. (¬3) الدر المنثور: 1/ 122. (¬4) البقرة: 35. (¬5) الدر المنثور: 1/ 127.

29 - وفي تفسير قول الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (¬1). قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما أعلم بلدا يصلى فيه حيث أمر الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم إلا بمكة، قال الله (وَاتَّخِذُوا ... ). ويقال: يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر: عند الملتزم، وتحت الميزاب، وعند الركن اليماني، وعلى الصفا، وعلى المروة، وبين الصفا والمروة، وبين الركن والمقام، وفي جوف الكعبة، وبمنى، وبجمع، وبعرفات، وعند الجمرات الثلاث (¬2). 30 - وفي تفسير قوله تعالى: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (¬3). عن الحسن البصري قال: إذا فاتتك صلاة في جماعة فاسترجع فإنها مصيبة!! وعنه أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر عند الصدمة الأولى، والعبرة لا يملكها ابن آدم صبابة المرء إلى أخيه» (¬4). 31 - وفي قول الله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (¬5) قال الحسن البصري: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته، فإذا نقص منها قيل له: لم نقصت منها؟ فيقول: يا رب، سلطت علي مليكا شغلني عن صلاتي. فيقول: قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك، فهلّا سرقت من عملك ¬

_ (¬1) البقرة: 125. (¬2) الدر المنثور: 295. (¬3) البقرة: 156. (¬4) الدر المنثور: 1/ 381، الجامع الصغير: 2/ 49. (¬5) البقرة: 238.

لنفسك؟ فتجب لله عز وجل عليه الحجّة (¬1). 32 - في تفسير قول الله تعالى: (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (¬2). قال الحسن البصري: تواطأ اثنا عشر حبرا من اليهود، فقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد باللسان أول النهار، واكفروا آخره، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمدا ليس كذلك، فيشك أصحابه في دينهم، ويقولون: هم أهل كتاب، وهم أعلم منا، فيرجعون إلى دينكم، فنزلت هذه الآية (¬3). 33 - في تفسير قوله الله تعالى: (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (¬4). قال الحسن البصري: خرج رجل من مكة بعد ما أسلم وهو يريد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأدركه الموت في الطريق فمات. فقالوا: ما أدرك هذا من شيء، فأنزل الله هذه الآية ... (¬5). 34 - وفي تفسير قول الله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (¬6). قال الحسن البصري: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي أربعا، فأعطيت ثلاثا ومنعت واحدة: ¬

_ (¬1) المسند للإمام أحمد: 2/ 328. (¬2) آل عمران: 72. (¬3) زاد المسير لابن الجوزي: 1/ 405. (¬4) النساء: 100. (¬5) الدر المنثور: 2/ 653. (¬6) الأنعام: 65.

سألته ألا يسلّط على أمتي عدوّا من غيرهم يستبيح بيضتهم، ولا يسلّط عليهم جوعا، ولا يجمعهم على ضلالة، وسألته ألا يلبسهم ويذيق بعضهم بأس بعض، فمنعت ... ». (¬1). 35 - وفي تفسير قول الله تعالى: (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (¬2). قال الحسن البصري: إن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام، فقالوا: سل لنا ربك يبيّن لنا علم رضاه عنا وعلم سخطه. فسأله، فقال: يا موسى أنبئهم أن رضاي عنهم أن أستعمل عليهم خيارهم، وإن سخطي عليهم أن أستعمل عليهم شرارهم (¬3). 36 - وفي تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ... ) (¬4). قال الحسن البصري: لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: هذا نبيي، هذا خياري، استنّوا به، خذوا في سننه وسبيله، لم تغلق دونه الأبواب، ولم تقم دونه الحجّة، ولم يغد عليه بالجفان، ولم يرجع عليه بها، وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار ويردف بعده، وكان يقول: «من رغب عن سنتي فليس مني». وما أكثر الراغبين عن سنته صلى الله عليه وسلم، التاركين لها، ثم إن علوجا فسّاقا أكلة الربا والغلول قد سفههم ربي، ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 11/ 427. (¬2) الأنعام: 129. (¬3) الدر المنثور: 3/ 359. (¬4) الأعراف: 32.

فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت، يتأولون هذه الآية (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ). وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان، قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه (¬1). 37 - وفي تفسير قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (¬2). قال الحسن البصري: (¬3) إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما تسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)، وذلك أن الله ذكره عبده صالحا فرضي فعله، فقال: (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) (¬4). 38 - وفي تفسير قوله تعالى: (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ ... ) (¬5). قال الحسن البصري: رأى رجل في المنام أن مناديا نادى في السماء: أيها الناس! خذوا سلاح فزعكم، فعمد الناس وأخذوا السلاح حتى إن الرجل ليجيء وما معه عصا، فنادى مناد من السماء: ليس هذا السلاح فزعكم، فقال رجل من الأرض: ما سلاح فزعنا؟ ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 12/ 397. (¬2) الأعراف: 55. (¬3) تفسير ابن كثير: 2/ 221، فتح القدير: 2/ 215. (¬4) مريم: 3. (¬5) الكهف: 46.

فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (¬1). 39 - في تفسير قول الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... ) (¬2). قال الحسن البصري: (وَالَّذِينَ مَعَهُ): أبو بكر، (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ): عمر، (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ): عثمان، (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً): عليّ. (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً): طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد وسعيد وأبو عبيدة. (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ): أي: مواضع السجود من وجوههم، يكون أشد وجوههم بياضا يوم القيامة (¬3). 40 - في تفسير قول الله تعالى: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (¬4). قال الحسن البصري: أيها الناس! لو توعدكم مخلوق بموت لما استقرّ بكم القرار، فكيف بوعد ملك الملوك، والحي الذي لا يموت ... ؟! (¬5). ... ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 5/ 399. (¬2) الفتح: 29. (¬3) زاد المسير: 7/ 446، تفسير الطبري: 6/ 110. (¬4) التكاثر: 3 - 4. (¬5) زاد المسير: 9/ 222، تفسير ابن كثير: 4/ 547.

الفصل الرابع منهج (الضحاك) في التفسير

الفصل الرابع منهج (الضّحاك) في التفسير قدّم الباحث محمد شكري أحمد الزاويتي بحثا قيما بعنوان (تفسير الضحّاك)، وذلك لنيل شهادة الدكتوراة في التفسير. وقد تحدّث فيه عن حياة التابعي، ثم عن تفسيره: مصادره في التفسير، ومدى اهتمامه بالقراءات، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول. وتعميما للفائدة، واستكمالا للبحث، ننقل بعض ما ورد في رسالته. 41 - في تفسير قوله تعالى: (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (¬1) قال الضحّاك: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتتان وحياتان (¬2). 42 - في تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (¬3). قال الضحّاك: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) صدّقوا. (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) يعني: أطعموا من حلال الرزق الذي ¬

_ (¬1) غافر: 11. (¬2) تفسير ابن كثير: 1/ 67. (¬3) البقرة: 172.

أحللناه لكم؛ فطاب لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمونه أنتم ولم أكن حرّمته عليكم من المطاعم والمشارب. (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) يقول: وأثنوا على الله بما هو أهل له على النّعم التي رزقكم وطيّبها لكم. (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وطيّبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان (¬1). 43 - وفي تفسير قوله تعالى: (فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (¬2). قال الضحاك (¬3): إنهم فرّوا من الجهاد لما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي صلى الله عليه وسلم، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد، فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك، فأماتهم الله ليعرّفهم أنه لا ينجّيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد، بقوله: (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (¬4). 44 - في تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً) (¬5). قال الضحاك: أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منّا وأذى، فضرب الله مثله كمثل كافر أنفق ماله لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فضرب الله مثلهما جميعا كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 2/ 50، الدر المنثور: 1/ 168. (¬2) البقرة: 243. (¬3) تفسير القرطبي: 3/ 227. (¬4) البقرة: 190. (¬5) البقرة: 264.

فتركه صلدا، فكذلك من أنفق ماله، ثم أتبعه منّا وأذى (¬1). 45 - في تفسير قوله تعالى: (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (¬2). قال الضحاك: بعث النبي صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا. فلما قدمت الطلائع فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا، فأنزل الله هذه الآية (¬3). 46 - وفي تفسير قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (¬4). قال الضحاك: لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد، لقوا ربهم فأكرمهم، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيّب. قالوا: يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلّغهم: إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، فقال الله تعالى: أنا رسولكم إلى نبيّكم وإخوانكم، فأنزل الله هذه الآية (¬5). 47 - وفي تفسير قول الله تعالى: (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ ¬

_ (¬1) تفسير الطبري: 3/ 45. (¬2) سورة آل عمران: 161. (¬3) تفسير الطبري: 4/ 103، الدر المنثور: 2/ 91. (¬4) آل عمران: 169 - 170. (¬5) تفسير ابن كثير: 1/ 427، مسند أحمد: 1/ 265.

فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (¬1). قال الضحاك: كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيّر الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم فيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. قال: هو أن يطلبوا حتى يعجزوا، فمن تاب قبل أن يقدر عليه قبل ذلك منه (¬2). 48 - وفي تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (¬3). قال الضحاك: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس وشياطين الجنّ التي مع الجنّ، وليس للإنس شياطين. وذلك أن إبليس جعل جنده فريقين، فبعث فريقا منهم إلى الإنس، وفريقا منهم إلى الجنّ، وكلا الفريقين أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأوليائه وهم يلتقون في كل حين، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجنّ: أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثله، ويقول شياطين الجن لشياطين الإنس كذلك، فذلك يوحي بعضهم إلى بعض (¬4). 49 - في تفسير قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ¬

_ (¬1) المائدة: 33 - 34. (¬2) تفسير الطبري: 6/ 133، زاد المسير: 2/ 243. (¬3) الأنعام: 112. (¬4) تفسير ابن كثير: 2/ 166.

وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (¬1). قال الضحاك: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا، يقول: من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجّدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله تعالى: أوفّيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين (¬2). 50 - وفي تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (¬3). قال الضحاك: كان ناس من قبائل العرب حول المدينة من القرى، كانوا يقولون: نأتي محمدا صلى الله عليه وسلم فننظر في شأنه، فإن صادفنا خيرا ثبتنا معه، وإلا لحقنا بمنازلنا وأهلينا، وكانوا يأتونه فيقولون: نحن على دينك فإن أصابوا معيشة ونتجوا خيلهم وولدت نساؤهم الغلمان اطمأنوا، وقالوا: هذا دين صدق، وإن تأخّر عنهم الرزق وأزلقت خيولهم وولدت نساؤهم البنات، قالوا: هذا دين سوء فانقلبوا على وجوههم (¬4). 51 - وفي تفسير قول الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (¬5). سئل الضحاك عن أرواح الشهداء، فقال: تجعل أرواحهم في ¬

_ (¬1) هود: 15 - 16. (¬2) تفسير الطبري: 12/ 9، تفسير ابن كثير: 2/ 439. (¬3) الحج: 11. (¬4) تفسير الطبري: 17/ 96، تفسير القرطبي: 12/ 26. (¬5) غافر: 46.

أجواف طير خضر تسرح في الجنة، وتأوي بالليل إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش فتأوي فيها. قيل: فأرواح الكفار؟ قال: توحّد أرواحهم فتجعل في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار، ثم قرأ هذه الآية (¬1). 52 - وفي تفسير قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (¬2). قال الضحاك: يعني قريشا. يقول: إنما أنا رجل منكم فأعينوني على عدوّي واحفظوا قرابتي، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى، أن تودّوني لقرابتي، وتعينوني على عدوّي (¬3). 53 - وفي تفسير قول الله تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (¬4). قال الضحاك (¬5): زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله تعالى: (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (¬6). 54 - وفي تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (¬7). ¬

_ (¬1) الدر المنثور: 2/ 352، تفسير ابن كثير: 4/ 82. (¬2) الشورى: 23. (¬3) تفسير الطبري: 25/ 6، تفسير ابن كثير: 4/ 112. (¬4) الواقعة: 79. (¬5) تفسير الطبري: 27/ 118. (¬6) الشعراء: 211 - 212. (¬7) الصف: 8.

قال الضحاك: (نُورَ اللَّهِ) محمد صلى الله عليه وسلم، يريدون هلاكه بالأراجيف (¬1). 55 - وفي تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (¬2). قال الضحاك: إذا ذكرت- أي: ذكر الله تعالى- ذكرت يا محمد معي، ولا تجوز خطبة ولا نكاح إلّا بذكرك معي صلى الله عليه وسلم (¬3). ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي: 18/ 82. (¬2) الشرح: 4. (¬3) الدر المنثور: 6/ 363، تفسير القرطبي: 20/ 107.

الخاتمة

الخاتمة تحت ظلال قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (¬1). نكون قد قاربنا من نهايات هذه الموسوعة، والتي عنونّاها (التفسير قبل التدوين) حيث كان القسم الأول يدور حول محور واحد هو (التفسير النبوي للقرآن الكريم) وتلا ذلك القسم الثاني، ومحوره (تفسير الصحابة)، وكان (تفسير التابعين) هو القسم الثالث والأخير. وغطّت هذه السلسلة الفترة الممتدة من بدايات عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أوائل العهد العباسي. فكان الطابع العام للتفسير يتميز بعدم التدوين، حيث كان الصحابة الكرام قد سمعوا تفسير بعض الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظوها .. ووعوها .. ورووها عنه .. وروى بعضهم عن بعض. ثم كان عهد التابعين، فرووا تلك التفسيرات عن الصحابة، وأضافوا إليها بعض ما فهموه- ولم يبيّنه الرسول ولا الصحابة من قبل- حيث اعتمدوا ضوابط دقيقة في التفسير. ولما كانت بدايات عهد التدوين، حيث قام كبار علماء الحديث بجمع الأحاديث النبويّة، وترتيبها، وتهذيبها، وتدوينها، فاعتبر ¬

_ (¬1) يونس: 58.

التفسير آنئذ بابا من الأبواب التي اشتمل عليها الحديث، ولم يفرد له تأليف خاص. وعرف من ذلك ما قام به كلّ من: شعبة بن الحجاج (ت: 160 هـ)، ووكيع بن الجرّاح (ت: 197 هـ)، وسفيان بن عيينة (ت: 198 هـ) وغيرهم. وبعد فترة وجيزة خطا التفسير خطوة أخرى، حيث انفصل التفسير عن الحديث النبوي، ليصبح علما قائما بنفسه، فوضع التفسير لكل آية وحسب ترتيب المصحف الشريف، وكان من أبرز ما قام بهذا العمل: ابن ماجة (ت: 273 هـ)، وابن جرير الطبري (ت: 310 هـ)، وابن حبّان (ت: 369 هـ)، والحاكم (ت: 405 هـ) وغيرهم. وتمتاز جهود العلماء في تلك الفترة أنها تركّزت على (التفسير المأثور) بعيدا عن (التفسير بالرأي)، حيث رووا التفسير بالإسناد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة والتابعين .. ، ولذلك كانت الإسرائيليات والموضوعات والترف الفكري أبعد ما يكون عن ذلك العمل!! ودار الزمن دورته، وانتشرت التفسيرات الكثيرة للقرآن الكريم، حيث طغى على التفسير كثير من فنون العلوم، فهذا قد اعتنى بالتفسير عن طريق أقوال الحكماء والفلاسفة، وذاك قد تبحّر في الفروع الفقهية، والآخر قد شغل نفسه بالقصص والحكايات التاريخية، وإلى غير ذلك. ولذلك نجد في كتب التفسير الموجودة في المكتبات الآن الغثّ والسمين، فإلى جانب الأمور الصحيحة نجد أمورا ترفية ... أبعدت التفسير عن هدفه .. ، وإلا ما هي الفائدة من ذكر عدة احتمالات لاسم كلب أهل الكهف!؟ أو ذكر اسم النملة في قصة سليمان عليه السلام؟ أو اسم الحيّة؟! أو .. أو .. !!!

ولذلك، فنحن بحاجة ماسّة إلى غربلة كتب التفسير، وحذف ما حشي بها من موضوعات وإسرائيليات وما إلى هنا لك، وذلك من باب تنزيه تفسير كلام الله تعالى. نسأل الله أن يسدّد الخطى نحو ما يحبّه ويرضاه، وأن يسامحنا بكل ما وقعنا به من هفوات، مرددين قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (¬1). وليس الهدف من كتابة هذه الموسوعة المتواضعة إلّا السّير في ظلال قول خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (¬2). سائلين الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى كل ما فيه صلاح وإصلاح، للفرد والمجتمع، نسأله سبحانه أن يرفع بنا راية القرآن والسنّة، وأن يستخدمنا في خدمة هذا الدّين الحنيف، آمين. وصلى الله على الشفيع النذير محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام أجمعين، ومن سار على الدرب إلى يوم الدين. ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ¬

_ (¬1) البقرة: 286. (¬2) هود: 88.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع - البرهان في علوم القرآن، الإمام الزركشي، ط 2، 1994 م، دار المعرفة، بيروت. - الإتقان في علوم القرآن، الحافظ السيوطي، ط 1، 1987 م، المكتبة العصرية، بيروت. - إعجاز القرآن، الإمام الباقلاني، ط 1، دار المعارف بمصر (د. ت). - غرائب التفسير وعجائب التأويل، الشيخ محمود الكرماني ط 1، 1988 م. دار القبلة، جدّة. - التفسير والمفسرون، الدكتور محمد حسين الذهبي، ط 4، 1989 م، مكتبة وهبة القاهرة. - زاد المسير في علم التفسير، الإمام ابن الجوزي ط 1، 1987 م، دار الفكر، بيروت. - جامع البيان عن تأويل القرآن، الإمام الطبري طبعة دار المعارف بمصر (د. ت). - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الإمام ابن عطية الأندلسي، ط، 1982 م. قطر. - الدر المنثور في التفسير المأثور، الحافظ السيوطي، ط 1، 1983 م، دار الفكر، بيروت.

- تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير، ط 1، 1996 م، دار الأندلس، بيروت. - تفسير الكشاف، العلامة الزمخشري، ط 1، 1998 م مكتبة العبيكان، الرياض. - الجامع لأحكام القرآن، الإمام القرطبي، ط 1، 1993 م، دار الفكر بيروت. - البحر المحيط في التفسير، الإمام أبو حيان الأندلسي، ط 1، 1992، دار الفكر، بيروت. - التفسير الكبير، الإمام الرازي، ص 1، 1993 م، دار الفكر، بيروت. - فتح القدير، الإمام الشوكاني، ط 2، 1998 م، دار الكلم الطيب، دمشق. - تفسير التحرير والتنوير، الإمام ابن عاشور، ط 2، 2000 م مؤسسة التاريخ، بيروت. - تفسير الشعراوي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، ط أخبار اليوم (د. ت). - لسان الميزان، الحافظ ابن حجر العسقلاني ط 1، 2002، دار البشائر الإسلامية، بيروت. - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، الحافظ ابن كثير ط 1، 1996 م مكتبة المعارف، بيروت. - مقدمة ابن الصلاح، تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن، ط 1، 1974 م، دار الكتب المصرية. - صحيح البخاري، تحقيق الدكتور مصطفى البغا، ط 2، 1993 م دار العلوم الإنسانية، دمشق.

- فتح الباري شرح صحيح البخاري، الحافظ ابن حجر العسقلاني ط 1، 1989 م، دار الكتب العلمية، بيروت. - صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج، ط 1، 1996، دار عالم الكتب، الرياض. - سنن الترمذي، تحقيق الدكتور مصطفى الذهبي، ط 1، 1999 م، دار الحديث، القاهرة. - سنن ابن ماجة، بشرح الإمام السندي، ط 1، 1996 م، دار المعرفة، بيروت. - سنن أبي داود، الحافظ أبو داود سليمان السجستاني، ط 1، 1997 م، دار ابن حزم، بيروت. - كتاب الموطأ، الإمام مالك، ط 2، 1992 م، المكتبة الثقافية، بيروت. - مسند الإمام أحمد، تحقيق لجنة مؤسسة الرسالة ط 1، 1998 م مؤسسة الرسالة، بيروت. - المصنف، الحافظ ابن أبي شيبة ط 1، 2004 م مكتبة الرشد ناشرون، الرياض. - جامع الأصول، الإمام ابن الأثير، ط 2، 1983 م، مكتبة دار البيان، دمشق. - المستدرك على الصحيحين، الإمام الحاكم النيسابوري، ط دار المعرفة بيروت (د. ت). - شرح العقيدة الطحاوية، القاضي أبو العز الدمشقي، ط 13، 1998 م، مؤسسة الرسالة، بيروت. - الإحكام في أصول الأحكام، العلامة الآمدي، ط 1، 2003 م، دار الصميعي، الرياض.

- سبل السلام شرح بلوغ المرام، الإمام الصنعاني، ط 11، 1998 م دار الكتاب العربي، بيروت. - زاد المعاد في هدي خير العباد، الحافظ ابن قيّم الجوزية، ط 3، 1998 م، مؤسسة الرسالة، بيروت. - علوم القرآن الكريم، الدكتور محمد عمر الحاجي، ط 1، 1999 م، دار الحافظ، دمشق. - الاعتصام، الإمام الشاطبي، ط 1، 1996 م، دار الخاني، الرياض. - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، ط 1، 2000 م مكتبة الغزالي. دمشق. - تفسير قتادة، عبد الله أبو السعود بدر، ط 1، 1980 م، عالم الكتب القاهرة. - مجاهد: المفسّر والتفسير، الدكتور أحمد نوفل، ط 1، 1990 م دار الصفوة، مصر. - تفسير الحسن البصري، الدكتور محمد عبد الرحيم، ط 1، دار الحديث بمصر (دون تاريخ). - تفسير الضحّاك، الدكتور محمد الزاويتي، ط 1، 1999 م، دار السلام القاهرة. - التفسير النبوي، الدكتور محمد محمد، ط 1، 1992 م، مكتبة الزهراء، القاهرة. - مناهج المفسرين، الدكتور مصطفى مسلم، ط 1، 1415 هـ، دار المسلم الرياض. - حبر الأمة عبد الله بن عباس ومدرسته في التفسير، عبد الله سلقيني، ط 1، 1996 م، دار السلام، القاهرة. - تفسير أم المؤمنين عائشة، عبد الله بدر، ط 1، 1996 م، دار عالم الكتب، القاهرة.

- التفسير المأثور عن عمر، إبراهيم حسن، ط 1، 1994 م، الدار العربية للكتاب. - الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير، الدكتور رمزي نعناعة، ط 1، 1970 م، دار القلم، دمشق. - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، الدكتور محمد أبو شهبة، ط 2، 1984 م، مجمع البحوث الإسلامية القاهرة. - في ظلال القرآن، سيد قطب. ط 23، 1994، دار الشروق، بيروت. - في ظلال السيرة النبوية، الدكتور محمد عمر الحاجي، ط 1، 2004 م. دار المكتبي، دمشق. - مقدمة في أصول التفسير، الإمام ابن تيمية، ط بيروت (د. ت). - طبقات المفسرين، شمس الدين الداودي، ط 1، 1973 م، القاهرة. - دراسات في التفسير وأصوله، محيي الدين بلتاجي، ط 1، 1987 م دار الثقافة، الدوحة. - بدع التفاسير، عبد الله الغماري، ط 1، 1965 م، مكتبة القاهرة. - كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟ الدكتور يوسف القرضاوي، ط 3، 2000 م، دار الشروق القاهرة. - تفسير الصحابة، محمد عبد الرحيم ط 1، 1991 م، مكتبة التراث الإسلامية القاهرة. - أسباب الخطأ في التفسير، طاهر يعقوب، ط 1، 1425 هـ، دار ابن الجوزي السعودية. - تفسير سورة النور، الإمام ابن تيمية، ط 1، 1977 م، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت. - مرويات أم المؤمنين عائشة في التفسير، سعود الفنيسان، ط 1، 1992 م، مكتبة التوبة، الرياض.

- فضائل الصحابة في ميزان الشريعة الإسلامية، الدكتور محمد عمر الحاجي، ط 1، 1996 م، دار المكتبي، دمشق. - الحديث والمحدثون، محمد محمد أبو زهو، ط 1، 1994 م، دار الكتاب العربي، بيروت. - المحاور الخمسة للقرآن الكريم، الشيخ محمد الغزالي، ط 1، دار الصحوة، الجزائر (د. ت). ***

§1/1